أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 مايو 2022

حلية البنات والبنين وزينة الدنيا والدين تأليف القاضي جمال الدين محمد بن عمر "بحرق" الحضرمي الشافعي

حلية البنات والبنين وزينة الدنيا والدين

تأليف القاضي جمال الدين

محمد بن عمر "بحرق" الحضرمي الشافعي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تعد تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة السليمة من أعظم المهام الإنسانية عموماً، وقد وضع الإسلام منهجاً ربانياً متكاملاً لتوجيه الأفراد، وصياغتهم صياغة دينية منضبطة، ليكونوا لَبَناتٍ صالحةٍ في بناء المجتمع الصالح، ليمارس الإنسان دوره في إقامة الدين، وتحقيق العدل والأمن في المجتمع الإنساني، ويستثمر جميع ما سخر له في الكون من أجل إصلاح الحياة.

 ولا شك أن العملية التربوية هي عملية تكاملية، كما أنها عملية شاقة وطويلة، تشترك فيها عناصر متعددة كالأسرة والمسجد والمدرسة والرفقة والبيئة والإعلام، كذلك فهي تمر بمراحل عدة، تبدأ قبل ولادة الطفل، منذ الإقدام على عملية الزواج، باختيار الرجل الزوجةَ الصالحة الواعية ذات الأخلاق الحسنة، التي تستطيع أن تربي أولادَه تربيةً صالحةً، وكذلك الأمرُ بالنسبة للمرأةِ باختيارها الزوجَ الصالح الذي يكون قدوةً حسنةً لأبنائه.

ولا يخفى على المربين أن تربية الأجيال والاهتمام بهم، من أهم المعايير التي يمكن أن يقاس بها تقدم الشعوب وتطورها، أو تقهقرها وتراجعها. لأن دور التربية الأساس هو صقل شخصية الفرد وتوجيه نموه في إطار ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه. 

أما فيما يخص التنشئةَ الفعليةَ للأبناء فهي تبدأ من لحظة ميلادِ الطفل، وهي تستلزم جُهدًا مستمرًّا، وتقتضي متابعةً دائمة، حتى يتشرب الطفلُ خصالَ الخير، وتتشبَّع روحُه بالأخلاق الرفيعة والمبادئ السامية، وترتكزَ شخصيته على أسس الإيمان والتقوى، فيكون لبنةً صالحة في المجتمع.

من هنا اهتم الإسلام بعملية التنشئة، وأرسى لها في الكتاب والسُّنة مِن الأسس والضوابط ما يضمن القيامَ بها على الوجه الأمثل، الذي يُعِين الأهل والمربِّين على الأخذ بأيدي النشء إلى طريق الخير والفضيلة، وحث على الالتزام بهذه الضوابط، وذلك بأسلوب رشيد يتسم بالرفق والرحمة.

وهذا الكتاب يمثل موسوعة مُصغرة لتعاليم الدين التي ينبغي للطفل المسلم أن ينشأ عليها، مع إمكان النظر في بعض الأمور المتعلقة بالعقيدة، ويمكن تلخيص الكتاب في ثلاثة محاور رئيسية؛ وهي:

1-الآداب والفقه والعقائد

وفيه: آداب الانتباه، والخلاء، وكيفية الوضوء، ونواقض الوضوء، وموجب الغسل، وأحكام الحيض، والسواك، والآذان، والنوافل، وصفة الصلاة، وما يُقال بعد الصلاة، والدعاء، وأذكار الصباح والمساء، وآداب النوم، والزكاة، والفطرة، وآداب العيدين، وأحكام الصيام، والحج، وآداب النكاح، وصفة الزوج، وتربية الأطفال، وما إذا وضعت المرأة، وأدوية نافعة إن شاء الله تعالى، وفوائد (ماء الورد، واللبان الجاوي، والزنجبيل، ولبن المرأة، وأشياء كثيرة ينبغي الوقوف عليها)، والعدة، والرضاع، والنفقة، وصلة الرحمن، والكسب، والمعاشرة، وآداب الطعام، والصحبة من السلام والاستئذان، وآفات اللسان، وغير ذلك.

2-فضائل الأعمال وأدلتها

وفيه: آداب الانتباه من النوم، وآداب الخلاء، وآداب الوضوء، وفضائل السواك، والآذان، ورواتب النوافل، والصلوات الخمس، وما يُقال بعد الصلوات، وفي الدعاء، وأذكار الصباح والمساء، النوم، والصدقة، والصيام، والحج، والنكاح، وحقوق الزوج، فضيلة النفقة على الأولاد، وصلة الرحم، وآداب الطعام، وآداب الصحبة.

3-السيرة النبويَّة والأمور الأخروية

وفيه: الإيمان بالله تعالى، وابتداء الخلق، ومولده صلى الله عليه وسلم، وصفته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وبعض معجزاته، ووفاته، ذكر علامات الساعة، ما جاء في الموت والقبر، وما جاء في القيامة، الجنة والنار، وقول النبيِّ: "إن في الجنَّة غُرفاً".

ويمتاز الفصل الأول: بتقرير الأحكام الشرعية والآداب نظرياً، وأما الفصل الثاني فكلها أحاديثٌ وآثار تُدلل لما جاء في الفصل الأول.

ترجمة محمد بن عمر بحرق الحضرمي الشافعي

(٨٦٩ - ٩٣٠ هـ = ١٤٦٥ - ١٥٢٤ م)

• هو جمال الدين، محمد بن عمر بن مبارك الحميري الحضرميّ الشافعيّ، الشهير ببحرق، فقيه أديب زاهد. نعته الزبيدي بـ"علامة اليمن".

• ولد بحضرموت سنة (٨٦٩ هـ) وتعلم بها وبزبيد ومكة والمدينة، وأخذ عن العلماء، ونبغ وتفوق. وولي القضاء بالشحر، ثم استقال ورحل إلى الهند، فأكرمه السلطان مظفر، وأقام إلى أن مات في أحمد أباد.

من تصانيفه:

• (تبصرة الحضرة الشاهية الأحمدية بسيرة الحضرة النبويّة)

• (حلية البنات والبنين فيما يحتاج إليه من أمر الدين)

• (نشر العلم في شرح لامية العجم - ط)

• (تحفة الأحباب - ط) شرح ملحة الإعراب، نحو

• (عقد الدرر) في القضاء والقدر

• (الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول)

• (شرح لامية الأفعال لابن مالك - ط) في الصرف

• (فتح الرؤوف في معاني الحروف) أرجوزة، وشرحها

• (أرجوزة في الطب، وشرحها)

• (أرجوزة في الحساب، وشرحها)

• رسالة في (علم الميقات)

• (العروة الوثقى - خ)

• (شرح المقدمة الجزرية - خ)

• (شرح عقيدة اليافعي - خ)

• (تفسير آية الكرسي - خ)

وغير ذلك وهو كثير. وله شعر جيد 

فوائد منتقاة من الكتاب

(ص ١٠) ومسُّ فرج البهيمة لا ينقض الوضوء. وينتقض وضوء المرأة إذا لمسها ابن سبع سنين من غير محارمها، وكذا وضوء الرجل إذا مسَّته بنت سبع سنين من غير محارمه. ومن انتقض وضوؤه حرُم عليه: مسُّ المصحف، وحمله. وكذا على الجنب والحائض والنفساء. واللبث في المسجد، وقراءة شيء من القرآن بقصد التلاوة، ويحرم وطء الحائض والنفساء وصومهما.

(ص ١١) ويٍُتحب نتف الإبط والعانة وقص الأظفار في يوم: الاثنين، والخميس والجمعة.

(ص ٢٤) نصاب الفضة مائتي قفلة، والقَفلَةُ: بفتح القاف: ما يوازيها من الدراهم.

(ص ٢٦ -٢٧) بابٌ في أحكام الصيام 

ولا يصحُّ صوم رمضان إلا إذا نوى الصَّوم في الليل؛ فيقول كل ليلةٍ في نفسه: نويتُ صومَ يومَ غدٍ عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى، ولا يتلفظ بذلك.

ويبطل الصوم بالأكل، والشرب، والجماع عمداً؛ فإن فعل شيئاً من ذلك مُكرهاً أو ناسياً لم يبطل صومه.

وإن نام فاحتلم لم يبطل صومه، ولو أمنى.

وإن باشرَ، أو قبَّل فأمنى بطل صومه.

وإن حدث الحيضُ والنفاسُ في الصوم بطل صوم يومها.

ويُكره للصائم تقبيلُ حليلته، وملاعبتها، والحُجامة، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، والسواك بعد الزوال، وكثرة اللغو.

وأما الكذبُ والغيبةُ والنميمةُ فحرامٌ، وقد تُبطل أجر الصيام.

ويُستحيُّ للصائمِ تعجيلُ الفطر، وتأخير السحور من غير أن يقع في الشك.

ويُستحبُّ أن يُفطر على تمرٍ، فإن لم يجد فعلى الماء.

ويُستحبُّ أن يقول عند فطره: اللهُمَّ لك صُمتُ، وعلى رزقك أفطرتُ، فاغفر لي.

ويُستحبُّ أن يغتسل من الجنابة قبل الفجر.

ويُستحبُّ المحافظةُ على صلاة التراويح، وهي عشرون ركعة؛ يُسلم من كل ركعتين.

ويُستحبُّ أن يُكثر في رمضان من: تلاوة القرآن، والصلاة، والصدقة، والذكر.

ويُستحبُّ أن يصوم ستة أيامٍ من شوال، وأن يصوم يوم عرفة، وتاسوعاء، وأيام البيض، والاثنين والخميس.

ويُستحبُّ أن ينوي صوم التطوع من الليل، فإن نوى بالنهار قبل الزوال صحَّ.

ما يلزم المسلم المُعاصر من أحكام الاعتكاف

(ص ٣٢) ويجوز للبنات اللهو باللعب المصورات، والغناء، والضرب بالدف، وبالمَدِريهَة "الأرجوحة".

(ص ٣٢) بابٌ في صفةِ آداب الزَّوجة مع زوجها:

١. يجبُ على المرأةِ طاعةُ زوجها في كُلِّ ما يطلبه منها في نفسها، ممَّا لا معصيةَ للهِ فيهِ.

٢. ويجبُ عليها الصِّيانةُ التَّامةُ لحقوقهِ، والسَّترَ ما استطاعت لعيوبهِ.

٣. ويجبُ عليها؛ أن لا تُكَلِّفَهُ فوقَ طاقتهِ، وأن لا تحجبَ إحسانه، وأن لا تخرج من البيتِ إلا بإذنه، وألا تُدخلَ أحداً بيتَه إلا برضاه، وأن لا تكلِّم رجلاً من غيرِ محارمها إلا بإذنه، وأن لا تأكلَ شيئاً يكرهه

٤. ويجبُ عليها؛ الرِّفقُ بأقاربهِ، وصلةُ أرحامه، والشَّفقةَ على إمائه وعبيده وخدمه، وأن تقومَ بما قدرت عليه من خدمةِ بيته وأبنائه، وتُقدِّمَ حقَّه على حقِّ نفسها، ولا تتكبَّر عليه، ولا تستحقره لفقره أو مرضهِ أو عجزهِ.

٥. ويجبُ عليها أن تحفظ زوجها في غيابهِ وحضوره، وتطلبَ مشورته في جميعِ أمورها، وأن يكونَ مهمتها تدبيرُ بيتها، وصلاتها، وصومها.

٦. ويجبُ عليها؛ أن تكونَ مزيَّنةً في غالب أحوالها، مستعدَّةً لأن يستمتع زوجها بها في أيِّ وقتٍ شاء، فلا ينظر منها إلا الجميل، ولا يسمع منها إلا الحسن.

(ص ٣٤) وينبغي للمرأة إذا أرادت أن تُرضع ولدها: أن تحلب اللبن المجتمع في ثديها ولا ترضعه للطفل، فإن ذلك يضره، كذلك لو حملت أمه عليه؛ فليمنع من الرضاع. ولا يُطعم الطفل شيئاً غير اللبن إلى أن تنبت أسنانه، وهو ما بين ستة إلى عشرة أشهر، وعند نبات الأسنان يدلك فمه كل يوم بالزبدة أو السّمن.

(ص ٣٥) ولا ينبغي للأم أن تكره بكاء الطفل، ما لم يفرط فإنه ينفعه ويوسع أمعاءه، ويريض أعضاءه ويفتح صدره، ويهضم ما في بطنه من الغذاء، ويثير حرارة مزاجه، ويحرك طبيعته لدفع الفضلة الرديئة، ويُخرج ما في دماغه من المخاط وغيره. وينبغي أن يُحفظ الطفل من كل ما يُفزعه من الأصوات الشنيعة، فإن حصل فليبادر إلى دفع ذلك بتسكينه وإرضاعه، وليحذر أن يملأ بطنه من اللبن وغيره، بل يُعطى دون الشبع، فإن ذلك أجود للهضم، وأعدل للصحة، وأكثر ما يُعرض للطفل إلى الاسقام من امتلاء البطن.

ولا يُفطم الطفل إلا بعد استكمال حولين، ويكون ذلك في وقتٍ معتدلٍ بين الحر والبرد، وإذا اقترب نطقه، فليدلك تحت لسانه كل يومٍ بالعسل والملح، فإن ذلك يُفصح لسانه.

(ص ٣٦) بابٌ في أدويةٍ نافعةٍ إن شاء الله:

"حجر المها": إذا سُحق ومُزج بالماء ودهن بها ثدي المرأة المرضع أردَّ لبنها.

"الحِلبة": تقطع لبن المرضع.

"العَوض" إذا سُحق وطُلي بالمقعدة، عادت كما كانت.

"قشر الرمان" إذا طُبخ بالماء وجلس فيه الصبيان نفعهم من خروج المقعدة.

"المرجان" إذا عُلق على الطفل أمن من العاهات!!

"الحناء" إذا خضب به رجل الصبي عند ظهور الجدري لم يطلع في عينه شيء بإذن الله.

"بياض البيض" إذا طُلي به الجدري ذهب بإذن الله.

"البصل" إذا دُلك به الجو نفعه، أنبته سريعاً، بإذن الله.

"ماء الورد": إذا شمَّه صاحب الصداع الحار أو طلى به جبهته سكن الألم.

"الزنجبيل والقسط والحبة السوداء وحافر الحمار": إذا بخر به المصروع أفاق بإذن الله.

"الكمون" إذا وضع بريق الإنسان ثم قطر بعينه من خرقة نفعه من الطرفة.

"لبن المرأة": إذا قطر بعين الأرمد نفعه بإذن الله.

(ص ٣٧) "الثوم": إذا دلك به الضرس المثقوب سكن، ومثله: البقل والفجل.

(ص ٣٨) "مثقال الذهب": يذهب البخر إذا أمسكه ساعة في الفم.

"القرنفل": يذهب الغثيان.

"الأشنان": بالماء، ينفع من نفخ البطن والريح.

"ذهب الفالية" إذا دهن بالسرة ينفع من المغص.

(ص ٣٩) "الزباد" إذا تحلت به المرأة بعد طهرها أسرع الحمل.

"المرجان": لا يسقط الحمل.

(ص ٤٠) إن كان الطلاق في طُهرٍ انقضت عدتها برؤية الحيضة الثالثة، وإن كان في حيضٍ لم تنقضِ العدة إلا برؤية الحيضة الرابعة.

(ص ٥٨) آية الكرسي لا تُقرأ في بيتٍ فيه شيطان إلا أخرج منه، ومن قرأها دبر كل صلاة كان في ذمة الله، ولم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، و(قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، ومن قرأها (١٠) مرات بنى الله له قصراً في الجنة، ومن قرأها (٢٠٠) مرة محيت عنه ذنوب ٥٠ سنة، وقلب القرآن "يس" ومن قرأ الواقعة لم تُصبه فاقة، ومن قرأ "تبارك" كل ليلة منعته من عذاب القبر، و(قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن، و(وإذا جاء نصر الله والفتح) تعدل ربع القرآن، و(ألهاكم التكاثر) كقراءة ألف آية. 

(ص ٦٢) الصدقة تُذهب ١٧٠ شراً، ولا يقبل الله صدقة رجلٍ وله رحم محتاج. وصوم عرفة يكفر السنة الماضية واللاحقة، وصوم عاشوراء يكفر السنة الماضية.

(٦٣ -٦٤)  والاعتكاف عبادةٌ مشروعةٌ بالكتاب والسُّنة وإجماع سلف الأمة:

وهو سُنَّةٌ مستحبٌّ في كل وقتٍ في رمضان وغيره بالإجماع.

وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره، من أجل طلب ليلة القدر. 

ويدخل وقت العشر الأواخر: مع غروب شمس يوم العشرين ولو بلحظة، ويفارق معتكفَه بعد غروب شمس آخر أيام رمضان.

ويُسنُّ للداخل أن يقول: "نويتُ الاعتكاف في هذا المسجد ما دمتُ فيه".

وأقل الاعتكاف لحظة، ويُستحبُّ له ألا ينقص عن يوم.

ويُستحبُّ له أن يُحيه بالقيام، وتلاوة القرآن، والدُّعاء، والذكر، ويُنوِّعُ في ذلك.

ويُكثر في ليلة القدر أن يقول: "اللهم إنك عفوٌّ تُحبُّ العفو فاعفُ عنِّي".

وليلةُ القدر محصورةٌ في العشر الأخير من رمضان، ويرى الإمام الشافعيُّ أنها ليلة الحادي أو الثالث والعشرين، وتنتقل في كل سنةٍ إلى ليلةٍ منها، وأكثر العلماء على أنها ليلة السابع والعشرين.

ومن علاماتها أنها: طلقةٌ لا حارَّة، ولا باردة، وتطلعُ الشمسُ في صبيحتها بيضاء ليس فيها كثيرُ شعاع.

وينقطع الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير حاجةٍ، أما إن أخرج لقضاء الحاجة من بولٍ أو غائطٍ أو إخراج ريحٍ؛ فإن اعتكافه لا ينقطع؛ لأن ذلك لا بُدَّ منه.

ويجوز له أن يشترط في اعتكافه إذا عرض لي عارض، أو شغل، أو مرض ونحو ذلك؛ لئلا يقطع اعتكافه؛ فإذا قضى حاجته عاد إلى اعتكافه.

ومن نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة (المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى) تعيَّن عليه الوفاء، ولكن يقوم المسجد الحرام مقامها، ولا عكس، ويقوم مسجد المدسنة مقام المسجد الأقصى، ولا عكس.

ومن نذر الاعتكاف في أي مسجدٍ غير الثلاثة، فله أن يعتكف في غيره من المساجد، ولا يتعين شبءٌ منها.

ويحرم على المرأة الاعتكاف بغير إذن زوجها، ويحرم على العبد بغير إذن سيده.

ولا يشترط في الاعتكاف السكون، بل له التردد في أطراف المسجد.

ويستحب له الصوم في أثناء الاعتكاف، وأن يكون في الجامع، 

ومن كان له ورد من اعتكاف فلم يعتكف أو قطع اعتكافه فلم يكمله استحب له قضاؤه.

*وشروط الاعتكاف سبعة:

١-الإسلام، فلا يصحُّ من غير المسلم.

٢-والعقل، فلا يصحُّ من المجنون.

٣-وأن ينوي الاعتكاف،

٤-والنقاء عن الحيض والنفاس،

٥-وألا يكون جنباً، 

٦-وأن يمكث مدةً أكثر من طمأنينة الصلاة، وأقلها مدة تسبيحة، والأصحُّ أن يلبث قدر ما يُسمى عكوفاً.

٧-وأن يكون في المسجد فلا يصحُّ في المنزل، والجامع أولى، لئى يضطر للخروج إلى الجمعة، واعتكاف المرأة في بيتها أفضل من اعتكافها في المسجد .

*وأركان الاعتكاف (ركنان):

١-النية. ٢-واللبث في المسجد. 

*ومبطلات الاعتكاف (سبعة):

١-الجماع. ٢-الإنزال بمباشرةٍ.

 ٣-الجنون. ٤-والإغماء.

 ٥-الجنابة. ٦-الردة. ٧-السُّكر. 

*وما يقطع الاعتكاف (أمران):

١-كل ما يُبطل الاعتكاف يقطعه. 

٢-تعمُّد الخروج من المسجد إلا لحاجةٍ.

*ومن نذر الاعتكاف مُدَّة لزمته، ولا يقطع التتابع إن أخرج وكان له عذر.

-إن أُكره على الخروج من المسجد.

-أو أخرج خوفاً من ظالمٍ، أو غريمٍ وهو مُعسر.

-أو أخرج لأجل حريقٍ، أو سَبُعٍ وغيره.

-أو أخرج ناسياً من المسجد.

-أو بخروج المؤذن الراتب إلى منارةٍ منفصلةٍ للأذان في الأصح.

ويُقطع التتابع بالخروج بلا عُذر.

(ص ٧٥) ومن اطلع في بيت قومٍ من غير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقئوا عينه، والناس شركاء في ثلاثة: الماء والملح والنار.

(ص ٧٦) ومن سأل من غير فقرٍ؛ فكأنما يأكل الجمر.

(ص ٧٨) الحالقة التي تحلق الدين: هي إفساد ذات البين.

(ص ٩٣) ومن بعض ما رآه عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج، وأخبر به:

١. قوم ترضخ رؤوسهم بالحجارة؛ وهم الذين ينامون عن الصلاة المكتوبة.

٢. وقوم تشرشر أشداقهم إلى الخلف؛ لأجل الكذبة يكذبها، فتبلغ الآفاق.

٣. وقوم في تنور كبير تسعر بهم النار؛ وهم الزناة.

٤. ورجل يسبح في نهر الدم، ويلقم الحجارة؛ وهو المرابي.

٥. ورجل طويل حسن المنظر وحوله ولدان كثر؛ وهو آدم عليه السلام ومن مات من غلمان المسلمين.

٦. وقوم شطرهم حسن وشطرهم قبيح؛ لأنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.

٧. ورأى قصره في الجنة.

٨. ورأى قوماً يزرعون يوما ويحصدون آخر، وهم المجاهدون في سبيل الله.

٩. وقوماً يأكلون الزقوم والضريع، ورضف جهنم (عصارة أهل النار)، وهم الذين لا يؤتون الزكاة.

١٠. ورجلاً عليه حمل ثقيل، ويطلب أن يزاد عليه؛ وهو الذي يؤتمن الأمانة، ولا يستطيع أدائها.

١١. وأقواماً تقرض أفواههم وشفاههم بالمقاريض، وهم الخطباء الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه.

١٢. وقوم بطونهم منتفخة كالبيوت، فيها حيات، تخرج من بطونهم، وهم أكلة الربا.

١٣. الجنة.

١٤. النار.

...............................................


(ص ١٠٣) غابت طفلةٌ عن أمها، فوجدوها ميتة؛ فجاءت أمها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واشتكت له ذلك، فقال: يا فلانة احيي بإذن الله! فقامت وهي تقول: لبيك وسعديك يا رسول الله! فقال: إن أبويك قد أسلما، فإن أحببتِ أن أردك عليهما، فقالت: لا حاجة لي فيهما.. وجدت الله خيراً لي منهما.

(ص ١٠٥) ابتدأ المرض برسول الله يوم الأربعاء ٢٨ /صفر في بيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، ثم أذن له أزواجه أن يُمرّض في بيت عائشة، وكانت مدة مرضه ١٤ يوماً.

(ص ١٠٨) توفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين ١٢ /ربيع الأول/ ١١ هـ، في مثل الشهر واليوم والوقت الذي دخل فيه المدينة يوم هاجر إليها.

(ص ١١٢) ويأجوج ومأجوج: صنفان، في كل صنف ٤٠٠ ألف أمة، كل أ/ةٍ لا يعلم مداها إلا الله.

(ص ١١٤) روي أنه إذا كانت الليلة التي صبيحتها القيامة: تكون قدر هذه الليلة ثلاث ليالي، فيقول الناس لبعضهم: ما رأينا أطول من هذه الليلة قط، فلا يدرون إلا وقد طلعت الشمس من مغربها سوداء مظلمة.

(ص ١١٦) قالوا: وأكثر ما يزيغ عن دين الإسلام عند الموت تارك الصلاة، ومن شرب الخمر، والمكاس، وقاتل النفس، والزاني بنساء الجيران، ومن مات على معصية من غير توبة.

(ص ١٢٦) ففي جهنم سبعون ألف واد، في كل وادٍ سبعون ألف شعب، وفي كل شعبٍ سبعون ألف ثعبان، وسبعون ألف عقرب. ومكثت جهنم ١٠٠٠سنة حتى احمرت، و ١٠٠٠ سنة حتى ابيضت، و ١٠٠٠ سنة حتى اسودت.

انتهى الجمعة، ١٠/ ٣/ ٢٠١٧ م

الساعة- ٥٨: ٢ م



الأحد، 29 مايو 2022

فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد بشار ميثاق محمود الذيابي

فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد

بشار ميثاق محمود الذيابي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ إن الحياة الإسلامية تقوم على الفكر الناضج، والعقل الناضر؛ إذ أن الغباء في ديننا منقصة، توجب على المرء أن يلجأ إلى من هو أوفى منه عقلاً، وأقرب رشداً، وإذا كانت العقول بمفردها عاجزة عن إدراك المصالح كلها، كان لزاماً أن تسترشد بهدي الشرع في إدراك الصواب والخطأ، والصالح والأصلح، والفاسد والأفسد، ولأجل ذلك شرع الإسلام فقه الموازنات التي يمكن للمرء من خلالها إدراك المصالح وتحصيلها أو تكميلها، وإدراك المفاسد ودرئها أو تقليلها، سواء كانت خالصة أو راجحة، كل ذلك استناداً إلى النصوص الكثيرة التي دعت إلى رفع الحرج، وإزالة المشقة الواقعة والمتوقعة.

وبهذه المرونة الفذة التي تميزت به شريعتنا الغراء، تمكن الإسلام من تعديل وتغيير معتقدات وأخلاق وعادات العرب في أقل من ربع قرن، من خلال إعمال قانون جلب المصالح ودرء المفاسد، وكان هذا التغيير جذرياً وشاملاً في جميع نواحي الحياة. 

فإذا أمنت المفسدة عُمل بالمصلحة، وإذا اجتمعت مفسدة ومصلحة؛ فلنا فيها تقديرات: فإن كانت المفسدة أعظم، فإن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وترتكب المفسدة الأدنى دفعاً للمفسدة الأعلى، وحفظ البعض أولى من تضييع الكل، ويدرأ الأفسد بارتكاب الفاسد، 

وفي فقه المصالح والمفاسد: ليس من اللازم أن تكون المصلحة كلية عامة، بحيث تشمل جميع الناس، لأن رعاية المصلحة قد يكون ضرورة خاصة، تختص ببعض الأفراد، وهي مصالح معتبرة في شريعتنا الغراء.

وليس من اللازم أن تكون المصلحة قطعية، فالعمل بالظن الراجح أمر معمول به في الأحكام الفرعية، وقد ناط به الشرع أموراً كثيرة بها.

وتكلم الباحث عن تعريف المصلحة، والمفسدة، والموازنة، وأنواع المصالح المعتبرة، وشروط اعتبارها، والدليل على مشروعية فقه الموازنات، والدليل على اعتبار المصلحة من الكتاب والسنة والإجماع، والقواعد التي وضعها الفقهاء في تأييد هذا المعنى.

أولاً: تعريفات:

1-المصلحة في اللغة: هي كل ما فيه نفع للإنسان، سواء كان بالجلب والتحصيل، كتحصيل الفوائد واللذائذ، أو بالدفع والإتقاء، كاستبعاد المضار والآلام.

2-وأما المصلحة شرعاً: فهي المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم، وفق ترتيب معين فيما بيَّنَها.

3-والمفسدة شرعاً: هي كل ما يعود على الإنسان بالضرر والألم، ولم يكن مقصوداً شرعاً.

4-الموازنة في اللغة: التقدير، ومعرفة قدر الشيء.

5-الموازنة اصطلاحاً: هي المفاضلة بين المصالح والمفاسد المتعارضة، والمتزاحمة، لتقديم أو تأخير الأولى بالتقديم أو التأخير.

ثانياً: أنواع المصالح من حيث الاعتبار والإلغاء:

1-مصالح ملغاة: وهي كل مصلحة قام النص، أو الإجماع، أو القياس على إلغائها، وعدم اعتبارها، لما فيها من تحقق الضرر، ولو توهماً.

وموقف الشارع من هذا النوع

هو الإلغاء والإهدار، فلا سبيل إلى قبوله أو الأخذ به.

مثاله:

 إهدار الشرع لمصلحة أكل الربا في زيادة الثروة.

وإهدار مصلحة الجبان في عدم الإقدام على الجهاد، حفاظاً على نفسه.

وإهدار مصلحة المريض في الموت؛ لأنه ميؤوس من شفائه.

وإهدار مصلحة المرأة في التساوي بالرجل في الميراث.

وإهدار مصلحة الزوجة في منع زوجها من التعدد.

2-مصالح مرسلة: وهي المصالح التي سكت الشارع عنها، فلم يشهد لها بالاعتبار ولا بالإلغاء: لعدم وجود النص المعين.

وموقف العلماء منها: 

أنها تعتبر بحسب نظر أولي الأمر من المجتهدين؛ فيأخذون بها إذا اقتضى حالها الأخذ، ويتركونها إذا ترتب عليها مفسدة، أو أدت إلى ضرر.

مثاله:

تسجيل عقود الزواج والبيوع، لمصلحة حفظ الحقوق، وصيانة النسل والمال، والمنع من اختلاط الأنساب، أو أكل أموال الناس بالباطل.

ثالثاً: أنواع المصالح من حيث الثبات والتغير:

1-متغيرة: وهي التي تتغير بحسب تغير الأزمان والبيئات والأشخاص، كالتعازير، والنهي عن المنكر، وما شابه ذلك.

2-ثابتة: وهي المصلحة التي لا تتغير على مر الأيام والظروف، وذلك: كتحريم الظلم، والقتل، والسرقة، والزنى.

رابعاً: شروط المصلحة المعتبرة:

1-أن تكون المصلحة معقولة في ذاتها: فلا مدخل للمصلحة ً إذا في الأمور التعبدية، لأن الأصل فيها أن تؤخذ بالتسليم.

2-أن تكون ملائمة لمقاصد الشرع في الجملة، بحيث لا تتنافى مع أصل من أصوله، ولا مع دليل من أدلته القطعية، وإن لم يشهد دليل خاص باعتبارها.

3-أن ترجع إلى حفظ أمر ضروري، أو رفع حرج لازم في الدين، فقد تكون مصلحة حاجية يكون فيها تيسير، ورفع الحرج والعنت عن الناس

خامساً: مجموعة من القواعد الضوابط التي قدرها الفقهاء في باب المصالح والمفاسد:

• لا ضرر ولا ضرار.

• الضرر يزال بقدر الإمكان.

• الضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه.

• يرتكب أخف الضررين، وأهون الشرين.

• يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى.

• يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

• تقدم المصلحة المتيقنة على المصلحة المظنونة.

• تقدم المصلحة الكبيرة على المصلحة الصغيرة.

• تقدم مصلحة الكثرة على مصلحة القلة.

• تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

• تقدم المصلحة الدائمة على المصلحة المعارضة أو المنقطعة

• وتقدم المصلحة المستقبلية القوية على المصلحة الآنية الضعيفة.

• درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

• المفسدة الصغيرة تغتفر من أجل المصلحة الكبيرة.

• تغتفر المفسدة العارضة من أجل المصلحة الدائمة.

• لا تترك مصلحة محققة من أجل مفسدة متوهمة .




الجمعة، 27 مايو 2022

حديث مَسقَط د. منذر محمد سعيد أبو شعر

حديث مَسقَط

د. منذر محمد سعيد أبو شعر

وفقه الله وحفظه ورضي عنه

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ إن من أشرف العلوم وأجلها قدراً -بعد كتاب الله تعالى -علوم السُّنة النبوية، التي أولاها العلماء اهتماماً كبيراً، وصرفوا جُلَّ أوقاتهم في تعلُّمها وتعليمها، ومن أهم هذه العلوم علم الحديث دراية، والذي يعرف من خلاله حقيقة الرواية وشروطها، ويهتم بدراسة رجال الإسناد الذين يتسلسل الخبر بواسطتهم، ضمن شروط محددة وقواعد محكمة، يتم تسليطها على مجموع الروايات الحديثية والمقارنة بينها، لمعرفة الصحيح من السقيم، والمقبول من المردود.

مع ضرورة التنبه إلى جودة تلك المتون، والتأكد من نظافتها، وخلوها من الشذوذ والعلة والمخالفات بأقسامها، لنتحصل -في النهاية -على خبرٍ متصل الإسناد، بنقل اثقاتٍ عدول عن مثلهم، إلى ما ينتهي إليه السند من المتن، وبذلك يمكننا الاطمئنان إلى سلامة ذلك الخبر، وأنه صدر عمَّن نُسب إليه.

ولا تزال علوم السنة على تنوعها محل اهتمام الباحثين والدارسين في شتى المجالات، ومن أخصِّ ما يعتني به العلماء والباحثون حقيقةً: الإسناد، لما له من أهمية بالغة في تقرير الأحكام وابتناء الأصول، والرد على الشبهات، ولذا قيل: ((الإسناد من الدين، ولولاه لقال من شاء ما شاء))، ولا شك أن الإسناد أمرٌ اختُصّت به هذه الأمة من القرن الأول دون غيرها من الأمم.

ولم يقتصر ميزان النقد الحديثي على السنة النبوية وحدها، بل تعدى ذلك إلى نقد الروايات التاريخية المتعلقة بأخبار الدول والحضارات وما في الذاكرة الشعبية من أساطير وخرافات، وقد تعامل علماء التاريخ مع هذه الروايات تعاملهم مع الحديث النبوي؛ لأجل تمييز صحيح الرواية التاريخية من مزيفها، وفي كل مرحلة كان العلماء والنقاد يستبعدون ما في التراث المنقول من السخافات والخرافات والأساطير التي تناقض أصول التفكير السليم، ومبادئ العقيدة الصحيحة.

ولا شك أن الرواية التاريخية تحتاج إلى مثل هذا النقد، الذي يجعلها في حالة متوازنة بين إمكان القبول أو الرد، لا سيما في الوقت الذي غلب فيه التساهل في نقل تلك الروايات، ولا يمكن لأحدٍ أن يُقلل من أهمية الرواية التاريخية التي ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في صناعة الأحداث والطوائف والآراء الفقهية والعقدية.

فكان من الطبيعي ظهور طائفة كبيرة من النقاد الجهابذة الذين محصوا لنا الأخبار، وجمعوا الروايات، في نسق تاريخي متسلسل منقطع النظير، وقد أحكم النقاد والمؤرخون في مصنفاتهم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأوضاع الاجتماعية، والثورة الثقافية والمعرفية، وكل ذلك يدفعنا إلى قراءة التاريخ قراءة واعية ومتأنية من منظور علمي موضوعي لا من منظور عاطفي فقط!.

ونقف اليوم مع كتاب نفيس، يتضمن حديثاً لطيفاً أجراه المؤلف مع أحد أبنائه أثناء تواجده في (مسقط)، تلك المدينة العُمانية التي يحتضنها البحر، والتي امتزجت أراضيها بمعالم التاريخ ونفوذ الحضارة، وتألقت بروعة الفكر وحضور القلب، في بلدٍ ترتسم في أفقه الحدود بين السماء والصحراء.

وفي ظل هذه الأجواء الحارة والمتعطشة للمعرفة، نجد أنفسنا أمام بحوث هامة في السنة والتاريخ لأحد علماء سورية الحبيبة، والتي تميزت بالأسلوب العالي في مناقشة قضايا أساسية ومحورية، تبحث في مصادر المعرفة، وطرق تحصيلها، والوثوق منها، وقد تدرج المؤلف بطريقة سلسة خلال الموضوعات، ليقرر كل ما يجيب عن هذه التساؤلات، بطريقة علمية رصينة تتفق مع مبادئ ديننا الحنيف.

وكانت هذه السطور المُحكمة تجاهد تلك الاعتراضات الواهية، والتي سلطها المرجفون على علوم الإسناد والوحي، ليثبت الكتاب أن العقائد تنتصر بالمتجردين والأوفياء، الذين لهم حضورٌ في قلوبنا وإن كانت أعيننا لا تراهم، ولا زلنا نفتقد كثيراً منهم في مجالس العلم، وبين رفوف المكتبات، لكن الخير في هذه الأمة كثير، وإن كانت نسيتهم الحياة في مواكبها المائجة، ولكن الله تعالى يذكرهم في الملأ الأعلى، لأنهم مانسوه صباحاً ولا مساءً.

ولا يمكنني أن أفي بفضل هذا الكتاب، لا سيما وهو ينقل عبارات السلف، ويقرر عقائدهم، وفهمهم لهذه القضايا الخطيرة، بالإضافة إلى أن الكاتب لم يُخلِ الكتاب من التنبيهات النفيسة، والفوائد المثمرة، والملاحظات المهمة.

وإن كانت المكتبة الإسلامية تعجُّ بالكتب الكثيرة ذات الموضوعات المكررة، لكن نقش هذا الكتاب كان في محله وموقعه ووقته، وقد تضمن هذا الكتاب الحديث عن ثلاث موضوعات أساسية، نذكرها باختصار:

الموضوع الأول: في مفهوم الوحي وطرق إثباته:

وناقش الكاتب أهمية الإسناد باعتباره السُّلم الذي يرتقي من خلاله المسلم إلى المتن. وبين أن الإسناد خصيصة من خصائص هذه الأمة، وحاجة البشرية إلى الوحي الإلهي باعتباره الركيزة الأساسية للنبوة، وهو أيضاً أحد مصادر المعرفة الغيبية عند المسلمين، والذي يتكامل بالضرورة مع مصادر المعرفة العقلية والحسية.

وينتقد المؤلف نظرية الغرب في تجريد المعرفة وقصرها على المحسوس فقط، كما ينتقد استقاء المعرفة عبر الخلوات الشيطانية التي يمارسها المتصوفة والفلاسفة أو استقائها من مكاتب الاستشراق التي عنيت بتزييف التاريخ والعبث به. 

ثم انتقل إلى بيان أهمية دور النبيّ في حياة البشر، لأنه المؤسس للطريقة العملية الصحيحة للسير في سبل الحياة، والاستعداد للآخرة. وأن النبوة لها خصوصيتها فليست هي فعلاً اعتباطياً مجرداً عن الحكمة والعدل، وليست هي مرتبةً يمكن الوصول إليه بالرياضة والكسب. 

وبين أنه ليس من شروط صحة النبوة وجود المعجزة، وإنما المعجزة دليلٌ عمليٌّ مؤيدٌ لها، ومؤكدٌ لصحتها، وأن معجزات الأنبياء السابقين التي لم ترد عندنا في نصٍّ صحيح تُعد في الروايات التاريخية، التي لا نلتزم بالضرورة قبولها.

وبين أن أعظم معجزات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -هو القرآن الكريم، ومظاهر الإعجاز فيه كثيرةٌ جداً، أبرزها تحدي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو بسورة من مثله، وكان عجزهم دليلاً دامغاً على صدق هذا النبي، وأن القرآن وحيٌ منزلٌ من عند الله. 

وتعرض الباحث لنقد طريقة المستشرقين الطاعنين في علوم الوحي والسنة واللغة، الذين قلدهم بعض الكُتّاب والأدباء العرب كطه حسين وغيره، وناقش المؤلف شبهات الغرب حول الوحي المحمدي، والتي كان أهمها: لقاء الرسول بالراهب بُحيرا قبل البعثة ودعواهم أنه مَن ألهم محمداً القرآن، بينما ذهب آخرون إلى دعوى أكثر غباءًا وهي كون ورقة بن نوفل هو الذي ألَّف القرآن، ولا شك أنها دعاوى متهافتة ورخيصة لإنكار الوحي، والطعن في هذا الدين، ولكنها افتراءات هشة وضعيفة.

وردَّ كذلك على دعوى (صرع) النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإصابته بالجنون، وهي الدعوى التي ردها القرآن الكريم في صريح آياته، فنفى عنه الجنون والكهانة والسحر.

الموضوع الثاني: في مفهوم الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم:

بيّن فيه معنى النسخ في اللغة، وفي الاصطلاح، وأن السلف توسعوا في استعمال المصطلح ليشمل تقييد المطلق، وتخصيص العام، وتبيين المجمل، بالإضافة إلى رفع الحكم بكليته، وذلك بالنظر إلى ترك العمل بذلك الخبر في بعض الحالات أو مطلقاً، وذكر أمثلة لذلك من كلام العلماء.

ثم خصص فصلاً للحديث عن الحكمة من وقوع النسخ، وتوسع في بيان ذلك توسع العالم المتبحر، الذي له جلد في البحث والنظر، وذكر الأصول التي يعرف بها النسخ في الشريعة الإسلامية، والمؤلفات الإسلامية في هذا الباب، وذكر جملةً تعريفية مختصراً عن كل كتاب من هذه الكتب (والتي بلغت خمسةً وثلاثين كتاباً)، مما يُهم الدارس والباحث المتخصص معرفته.

ثم انتقل للحديث عن جواز النسخ في الشرائع السماوية السابقة، ومخالفة اليهود لهذا الفنون الرباني، فأنكروا النسخ من جهة العقل، وتحججوا بحجج واهية بينها العلماء، ثم تحدث عن أنواع النسخ بالنسبة للتلاوة والأحكام.

وقد أبصرتُ لفتةً إبداعية انفرد بها المؤلف عندما جعل فصلاً خاصاً في تحقيق بعض الأحاديث التي حصل فيها النسخ، لتكون النموذج العملي للقارئ الذي يستشف من خلاله عظمة هذه الشريعة، وجلال علمائها.

 فينقلنا من حديث (والشيخ والشيخة إذا زنيا …) إلى (الداجن التي أكلت شيئاً من المصحف…)، وإني لأتوقف ملياً عند هذا المباحث النفيسة التي أُكنُّ لها كل تقدير وإجلال لكاتبها.

والثالثة في مفهوم القضاء والقدر:

ثم ينقلنا الباحث المتميز إلى القضية التي أرقت العلماء، وحيّرت الحكماء، وهي مسألة القضاء والقدر، والتي تعد من أصول عقيدتنا الإسلامية، فذكر تعريفهما، والفرق بينهما، وحقيقة الإيمان بهما، ومذاهب العلماء والفرق الإسلامية في القضاء والقدر، وتعليل أفعال الله بالحكمة بما يوافق مذهب أهل السنة والجماعة في الشرع والقدر، وذكر مراتب القدر.