أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 أبريل 2021

عز الدين القسَّام (١٨٨٣- ١٩٣٥ م) "شيخ المجاهدين في فلسطين" تأليف الشيخ محمد محمد حسن شراب بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

عز الدين القسَّام 

(١٨٨٣- ١٩٣٥ م)

"شيخ المجاهدين في فلسطين"

تأليف الشيخ محمد محمد حسن شراب

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ لقد كانت فلسطيننا -ولا زالت -مقبرةً للغُزاة، وجامعةً عريقة تخرَّج منها ملايين المجاهدين والمقاتلين الذين قضوا في معارك ضارية دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، وخير دليل على ذلك أن أسماء أولئك الرجال الأبطال، ظلت محفورةً في كتب التاريخ، ترددها الأجيال، وتترنم بذكرها الأبطال، ولا زالت مواقفهم المشرِّفة مشرقةً في سماء الجهاد والتضحية، ولا زالت سير أبطالنا في العلم والزُّهدِ والعبادةِ والتضحية عاطرةً طيِّبة، وكان في طليعة هؤلاء المجاهدين الشيخ العالم المجاهد عزِّ الدين القسَّام، والذي كان أحد شموس العلم وأئمة الهُدى، 

ولا تزال فلسطيننا تُلقي بفلذات أكبادها، وخيرة شبابها، فداءً لهذا الدين، يُدافعون عن أبناء الأمة، ويحمون البيضة، ويثخنون في أعداء الله، ويذيقونه الويلات والآلام.

وهذا الكتاب النفيس نقف فيه على سيرة رجلٍ عظيم، مُزيَّنةٍ بالحُسن والبهاء، ومرّصَّعةٍ بالعزِّ والفَخار؛ لأحد أعلام الجهاد والتضحية في فلسطين، نرى فيه سلفيته التي تقاوم البدع، وتدحض الشبهات، وتبثُّ العلم بين أبناء هذا الجيل، ونرى فيه جهاده وتضحيته وعلمه وعمله، وسيدور كلامنا في هذا الكتاب على ثلاث محاور رئيسية:

المحور الأول: نبذة عامة عن الشيخ القسام.

المحور الثاني: القسّام الإمام السَّلفي الكبير.

المحور الثالث:  كيف ربَّى القسَّام أتباعه.

  • المحور الأول: نبذة عن الشيخ عز الدين القسام (رحمه الله تعالى):

هو الشَّيخُ الامام والجبَلِ الهُمَام مُحَمَّد عزِّ الدِّين بنِ عبۡدِ القادرِ القَسَّام (١٨٨٣- ١٩٣٥):
كان متبحراً في علم أصول الفقه؛ الذي تُعَدُّ معرفته شرطاً من شروط الاجتهاد والفتوى. وواسعَ الإطِّلاع على كتب تفسير القرآن الكريم وعلومه. بالإضافة إلى كونه متمكناً من اللغة العربية وعلومها. وله نظرٌ ثاقبٌ في المذاهب الفقهية. ومعرفة واسعة بالحديث وعلومه؛ فلم يكن حاطبَ ليلٍ يُقَمِّش ولا يفتش، بل كان ذا فهمٍ ثاقبٍ في الحديث فيُميِّز الصحيح منه والضعيف.

ولما سئل القسام عن رأيه في اساليب الزعماء المعتمدة على محاورة الانكليز ، فأجاب : "من جرَّب المجرب فعقله مخَرَّب!"(١) وقال: "هو خائن!".

ولما وجَّه المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة "امين الحسيني!" سياسته المالية إلى تزيين المساجد وبناء الفنادق قال: "يجبُ ان تتحول الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة فإذا خسرتم أرضكم؛ فإن الزينة لن تنفعكم وهي على الجدران!!".. وقد قيل فيه:

اتته الزعامة منقادةً ... إليه تُجرر أذيالها

فلم تكُ تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها

....................................................................
(١) وهو اول من اطلق هذه العبارة. انظر: حياة القسام (ص ١٤٧- ١٤٩)

....................................................................

  • المحور الثاني: القسام الإمام السَّلفي الكبير:

١. لقد كان عز الدين القسام منذ هجرته إلى فلسطين واستقراره (بحيفا)، يخطط لمرحلة جهادية قادمة، منطلقا من الإسلام وتشريعاته.

ورأى أن يبدأ بمرحلة الدعوة والتعليم؛ لتربية جيل يؤمن بربه، ويتمسك بسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم).

٢. وإلى جانب دعوته وجهاده؛ فقد كان يوجه طاقته إلى محاربة البدع، ونبذها، ويدعو الناس إلى ذلك، ومن هنا بدا الصراع بين أنصار البدع والتقاليد الموروثة، وبين المذهب السني السلفي الذي جدده القسام.

٣. ومن ذلك إنكاره حج النساء إلى ما يسمونه "مقام الخضر"، على سفوح جبل الكرمل؛ لذبح الأضاحي شكرا على شفاء من مرض، او نجاح في مدرسة. وكان النساء -بعد تقديم الأضحية- يرقصن حول المقام الموهوم.. 

فدعا القسام الناس عامة إلى أن يتوجهوا بنذورهم، أضاحيهم إلى الله تعالى وحده؛ لأنه لا يملك النفع والضر احد سوى الله.

٤. وأنكر القسام قراءة "المولد النبوي" بالغناء والتمطيط، والمبالغة بتوقعيه على ألحان الموسيقى، لأنه أشبه شيء بالتراتيل الكنسية، وبحفلات عيد الميلاد النصرانية، وكان يصحب ذلك شرب الدخان (التوتون والتنباك) !!..  بل قد راى القسام من يشرب الخمر أثناء عمل المولد..!!

ودعا الشيخ القسام إلى العناية بأحوال النبي (صلى الله عليه وسلم) وشمائله، والسنة العملية من سيرته؛ لتكون نبراسا يستضاء به.

٥. وقد ألف الإمام القسام رسالة "النقد والبيان"، هو والشيخ محمد كامل القصاب[١]، والشيخ الزنكلوني [٢]، وقد أنكروا فيها كل البدع والمحدثات ، والتي منها ما يتصل بتشييع الجنائز، وقراءة القرآن على القبور، والتغني بالموالد، والأناشيد التي تقال في الأيام الأخيرة من رمضان، او ما تسمى "بالتوحيش"؛ لقولهم: "لا أوحش الله منك يا رمضان!"، وغيرها من البدع والخرافات.

٦. وعارضه في ذلك الشيخ عبد الله الجزار [٣]، ولكنه لم يقوى على أدلة القسام وحججه؛ فانتصر له "رئيس الكتبة في المحكمة الشرعية بعكا" محمد صبري خزيران، وألف كتابا في الرد على القسام وإخوانه سماها "فصل الخطاب في الرد على الزنكلوني والقسام والقصاب!!"[٤].

٧. وكان القسام ينهى عن رفع الصوت بالتكبير أثناء السير في الجنازة، وكان يفتي بحرمته، وصار له تلامذة كثيرون، يأخذون برأيه، وينفذون موكب الجنازة كما جاء في السنة النبوية، وحدثت يوما مشادة بين أحد أنصار القسام وبين آخرين أثناء السير بجنازة احد الموتى، فكتبت جريدة (اليرموك) آنذاك تتهم الشيخ القسام بأنه السبب فيما حدث من خلاف في المدينة، وانقسم الناس بين مؤيد ومعارض للشيخ، وكتب رئيس تحرير الجريدة (كمال عباس) مقالا هاجم فيه القسام، واتهمه بالسعي وراء المناصب والشهرة !![٥].

٨. وقد كتب القسام مقالا يبين فيه موقفه من هذه الخرافات، وأرسله إلى الجريدة، فلم تنشره، فأرسله إلى جريدة (الكرمل) في حيفا فنشرته..
وقد اتضح لمن قرأ المقالة يومئذ أت الذين أثاروا المشكلة هم بعض المنتفعين الذين اتخذوا ذكر الله تعالى وقراءة القرآن على القبور تجارة لهم، وهم الذين أثاروا الضجة عليه بسبب فتوى له يحرم فيها أخذ الاجرة على قراءة القرآن عند المقابر[٦].

٩. وأرادوا منعه من الخطابة والتدريس في جامع الاستقلال -وكان إمامه وخطيبه- بمساعدة من بعض الذين أرادوا الحد من نفوذه ومكانته عند الناس -أعني مفتي عكا-.

١٠. وأراد الحاج "عبد الواحد الحسن" نائب رئيس (الجمعية الخيرية) بحيفا إنهاء الخلاف، بين القصاب والقسام من جهة وبين الجزار من جهة أخرى، فأرسل سؤالاً إلى الأزهر مفاده: "ما قول أهل العلم الحق في الصياح والتهليل والتكبير وغيره أما الجنائز ؟"؛ 
فأجاب عن ذلك الشيخين الازهريين (الشيخ محمود محمد خطاب السبكي، والشيخ علي سرور الزنكلوني)؛ فجاءت فتوى الشيخين موافقة لما قاله القسام والقصاب...
فثار لذلك مفتي عكا، والف خزيران رسالته في الرد عليهما.. عندئذ قام القسام والقصاب بتأليف رسالة "النقد والبيان في دفع أوهام خزيران"؛ وفندا أقواله التي وردت في رسالته.

١١. ولم يكتف القسام بتاليف هذه الرسالة حتى وثقها بأقوال العلماء القدامى؛ وصدقها بتقريظ جمع من كبار العلماء المعاصرين؛ من شتى المذاهب الإسلامية (احناف ومالكية، وشافعية، وحنابلة) ومن أقاليم متعددة: كمصر، والعراق، وبيروت، ودمشق، ومن هؤلاء:
- أشهر علماء الشام الشيخ: محمد بهجة البيطار.
- والشيخ العالم: عبد القادر بدران.
- ومفتي دوما الشيخ: مصطفى الشطي.
- والمدرس بالجامع الأموي الشيخ : صالح نجم الدين التونسي المالكي.
- والشيخ : محمد جميل الشطي النائب الحنبلي بدمشق.
- والشيخ العلامة: محمد توفيق الغزي العامري المفتي الشافعي بدمشق.
- ومن العراق العالم الكبير: محمد بهجة الأثري.
- والعالم البيروتي وخريج الأزهر: محمد راغب القباني الحسيني.
- والعالم المصري: محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية.
- والازهريان النحريران: الزنكلوني، والشيخ السبكي.

١٢. وروى بعض المؤرخين أن القسام كان يطرد قادريو العراق الذين يأتون لزيارة قبر جده "مصطفى"؛ وينهاهم عن ذلك، وكانوا يريدون ان يبنوا عليه قبة فرفض ذلك اشد الرفض !.

١٣. وقد وصم "الجزار"، وتلميذه "خيزران" القسام بالوهابية؛ وكذلك يفعل أهل الأهواء في العلماء الراسخين الذين يدعون إلى الاستقامة في الدين والمنهج ! [٧]. 

١٤. إن الجدل الذي أثاره "خيزران" حول قضايا محسومة، في وقت تكالب فيه الانكليز على بلادنا، يشبه جدال البيزنطيين حول ايهما اقدم "البيضة ام الدجاجة" في الوقت الذي كانت جيوش محمد الفاتح تحاصر عاصمة بيزنطة.

١٥. إن ما فعله القسام في ذلك الوقت، ليس للتسلية، وملء الفراغ، ولا لاشغال الناس عن قضايا الامة الاساسية في مقارعة المحتل؛ وجدله لا يمكن ان يكون "بيزنطيا"؛ لانه جدله يقوم على منهج يؤدي إلى الانتصار، وبعث العقيدة الصحيحة يولد قوة لا تبارى في الامة.

١٦. إن القسام لم يغفل عن الأعداء لحظة، ولكنه أراد وضع حجر الأساس المتين الذي تنطلق منه الامة لقتال الاعداء، والامة الضعيفة التي تعيش على الأوهام والخرافة والدجل لا يمكن أن تصنع النصر.

١٧. إن البدعة لا بد ان تصنع جيلا خاوي القلب، خائر الأركان، واهي الصلة بينه وبين شريعته ودينه، والمستفيد الوحيد هو من يجني المال من وراء المعتقدات الباطلة، وكان منهج القسام ان تذهب تلك الاموال لشراء الاسلحة والعتاد للمجاهدين بدلا من بذلها في تزيين الاضرحة وتشييد القبور.
..............................................................
[١] محمد كامل القصاب، دمشقي المولد والنشاة، هاجر إلى فلسطين، بعد احتلال الفرنسيين سورية.
[٢] هو الشيخ علي سرور الزنكلوني من علماء الأزهر بمصر، ومن سكانها.
[٣] هو قاضي عكا ومفتيها منذ العصر التركي وحتى سنة ١٩٣٩م.
[٤] قلت: وهكذا يفعل الجهل بأصحابه، فإنه "خزيران" ما انتصر للشريعة قط، وإنما انتصر لأهواء شيخه "الجزار".
[٥] قلتُ (محمد): هذا لعمري في القياس بديع؛ ولم نعد ندري من يسعى وراء الشهرة: المأفون المبتدع، ام السني المتبع.. وإن كان يسعى للشهرة؛ فشهرة في الحق  خير من ألف شهرة في باطل.
[٦] وهكذا يتبين أن علاقة القسام بالصوفية علاقة متوترة، فكيف يقال بعد ذلك انه كان صوفيا !! ، إنه قول يضحك الثكلى !.
[٧] قلت: الوهابية لقب اطلقه المتصوفة والشيعة على أصحاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكانوا يعرفون (بأهل التوحيد) ، او (إخوان من أطاع الله)؛ وشاعت هذه التسمية، ودخلت المعاجم الحديثة، وأخطأ بعضهم فجعله مذهبا جديدا في الإسلام، وبيننا وبينكم كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم).
------------------------------------
* المصدر، عز الدين القسام شيخ المجاهدين في فلسطين، محمد حسن شراب، (ص ١٧٢ - ١٨٨).

------------------------------------

  • المحور الثالث: كيف ربَّى القسّام أصحابه ؟

١. إن القسام هو مثال للعالم الرباني المجاهد، وقد اراد القسام ان يبني مجتمعا جديدا يقوم على منهاج النبوة، معتقدا انه "لا يصلح آخر هذه الامة إلا بما صلح به اولها".

٢. أراد القسام أن ينشأ المجتمع الذي يطيع الله ورسوله، وولي أمر المسلمين. وكانت الخلافة العثمانية قائمة آنذاك وسلطانها "محمد رشاد"، الذي انقلب عليه العرب انتصارا لحلفائهم الانكليز، طمعا في الدولة العربية الموعودة !.

٣.  أراد القسام أن يخلص المجتمع من براثن البدع والخرافات، والدجل الديني. وتخليصه من التضليل الوطني والتاريخي، والذي ابتلي به الشعب الفلسطيني، من خلال ردع الزعامات الفاسدة، والمتعاونين مع الانكليز واليهود لأجل غايات دنيوية.

وكان إذا مات احد من هؤلاء استاجروا له فرق المهللين والمنشدين الذين يغطون على معايبه ويجعلون منه مضرب المثل في الوطنية والشرف والقيادة !!.

٤. أراد القسام أن يغرس في نفوس الشعب حب البذل والعطاء،  وان يوجه حركة الاموال إلى الجهاد والبذل في سبيل الله، حتى قام وانكر بدع الجنائز وزخرفة المساجد، بل افتى بجواز تاجيل فريضة الحج لاجل شراء السلاح والدفاع عن الارض المقدسة!.

٥. أراد القسام أن يعود للدين مجده، وللإسلام زهرته، (بسيطرة السنة ومحق البدعة)، وأن يوقف المجازفون في الملة السمحاء عند حدودهم، فلا يطمعوا بإغواء غيرهم، وأراد أن لا يلفت الناس إلى السفاسف، وان لا يعتنوا بالزعانف والقشور !.

٦. وقد قام القسام بعملية التوجيه والتعبئة الجهادية من خلال أمرين: 
  - التعليم؛ وهو تعريف الناس بالضروري من أمر الدين.
  - تقويم العلاقة ما بين المعرفة والسلوك الظاهر.

٧. أراد القسام ان يعلم أصحابه الجرأة في قول الحق، وأن لا يخافوا في ذلك أحدا، سيما إن كان الأمر متعلقا بقضية من قضايا الإسلام، فإنه لا يعرف المهادنة.

٨. وكان يعلم أصحابه "حب الجهاد" وأحكامه و"الشهادة" وفضلها؛ فكثيرا ما كان يختم خطبه بقوله: "اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك!".. وربما حمل المسدس وارتقى المنبر وقال: "من كان يحب الله ورسوله فليقتن مثل هذا".. ولما سأله أحدهم من اين ناتي بالسلاح لنقاتل، فأجابه: "اقتل وخذ السلاح من عدوك !".

٩. وكان القسام يمثل القدوة الحسنة للعالم المربي المجاهد؛ فقد باع كل املاكه واشترى بثمنه سلاحا، وقد حفظت عنه المقولة الشهيرة: "إذا كنت إماما للناس فكن امامهم"، ولما استشهد القسام في ٢٠/ ١١/ ١٩٣٥م كان يلبس عمامة وقفطانا ومعه مسدس كبير .

١٠. السرية واخذ الحيطة والحذر وحفظ اللسان، فقد كان يجتمع باصحابه سرا، ويقوم بتدريبهم على السلاح، ولم تستطع المخابرات البريطانية والصهيونية اكتشاف تنظيم القسام السري.

١١. الشورى والمشاركة وتوزيع المهام بين جماعة القسام التي ربت على الألف، وكانت تعمل في مجموعات منظمة، كل منها يؤدي وظيفته الموكلة إليه؛ ومنها:
  * جماعة شراء السلاح.
  * وفرقة الاستخبارات والتجسس على الاعداء.
  * ومهمة التدريب العسكري، التي أوكلت لبعض قيادات في الجيش العثماني سابقا.
  * وأفراد الاتصالات السياسية.
  * وجماعة توفير التمويل والمال، ومهمتها جمع المال من الأعضاء والأنصار (المساهمات الشهرية)، ورعاية أسر الشهداء والمعتقلين.

١٢. واستطاع القسام بحنكته ان يجند فرقا قسامية في العديد من قرى ومدن فلسطين ومنها: الخليل، وغزة، والناصرة، وطبرية، وعكا، وطولكرم، وجنين.

١٣. لقد تنافس قادة الفئات والأحزاب على ضم القسام إلى صفه -سيما بعد استشهاده- فتجرأ بعضهم إلى القول بأن القسام من تفكير وتخطيط الحاج "أمين الحسيني"، وزعم آخرون انه عضو في "حزب الاستقلال"[١]، أو "الحزب العربي"[٢]، حتى انه لم يفلت القسام من "نعرة الصوفية" الذين نسبوه إليهم مؤخرا... ولن أناقش أيا من الآراء السابقة، فكذبها اوضح من ان أوضحه، على ان ذلك يدل على تفوقه في ريادة المشروع الجهادي الكبير !.
١٤. وعندما خرج الانجليز لمطاردة القسام (وكانوا اربعمائة) اشاعوا في الناس انهم يطاردون لصوصا، وقدموا لذلك الشرطة العربية التي احضروها لتكون في المقدمة، وفي ظل الحصار المطبق على الشيخ، أمر أفراد عصابته( وكانوا تسعة) ألا يطلقوا النار على شرطة العرب، وان يوجهوا افواه البنادق نحو الانجليز، واستمرت معركة طاحنة بين القسام وشرطة العرب والانجليز من الصباح إلى العصر على وتيرة واحدة، وابى القساميون الفرار، وقاتلوا وقتلوا... واستشهد الإمام العلم.

١٥. وكان بإمكان القسام الهرب في معركة غير متكافئة (١/ ٤٠)، وفي ظل عذر شرعي مبيح، ولكنه أراد أن يعلم الأمة الطريق الصحيح للتحرير، ويظهر ذلك في إحدى مقولاته : "ليس المهم ان نحرر فلسطين في بضعة أشهر، بل المهم ان نعطي الدرس من انفسنا لهذه الأمة، وللأجيال القادمة"؛ وكاني به ميتاً أبلغ خطبة منه حيا.

١٦. وقد نقش على شاهد قبره، هذه الأبيات:

هذا الشهيد العالم المفضال... من كان في الإرشاد خير معين
هو شيخنا القسام أول رافع ... علم الجهاد بنا لنصر الدين
كانت شهادته بوقعة (يعبد) ... في شهر شعبان بحسن يقين

......................................
[١] هذا الحزب جمع عددا من قادة العمل الوطني وفيهم مجموعة لا باس بها من المخلصين، وفيه من أعضاء الماسون المخلصين للصهيونية العالمية، وكانت نشاطاته تقتصر على البيانات والمظاهرات السلمية.
[٢] هو حزب علماني، يقوده الشيخ المفتي الحاج "أمين الحسيني"، وتميز هذا الحزب بمشاركة مسيحية بلغت (٣١ %) مع ان نسبة المسيحيين الإجمالية كانت (١١ %)، اضف إلى ذلك ان السياسة العامة للحزب مصادقة الانجليز، واتخاذ الحلول السلمية سبيلا للخلاص من اليهود .
المصدر: عز الدين القسام، الشيخ محمد حسن شراب (ص ١٩٠- ٢١٣).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق