أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

تذليل العقبات بإعراب الورقات مع حاشية عليه لأبي معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي

تذليل العقبات بإعراب الورقات مع حاشية عليه

لأبي معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا كتاب نفيس في إعراب متن الورقات كلمةً كلمة للشيخ المثابر أبي معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي، وضح فيه إعراب المتن على ما ظهر له من وجوه الإعراب من غير استقصاء لها، ثم أتبع ذلك بذكر المعنى الإجمالي الذي اشتمل عليها كل فصل من هذه الفصول، وما يتعلق بها من مباحث على وجه الاختصار، ثم ذكر الفوائد المستنبطة من كلام الجويني، والإشكالات الواردة على المتن والإجابة عليها، والمسائل التي تضمنها، كل ذلك بطريقة حوارية جميلة، تجذب القارئ، وتثير فيه الانتباه، مع مسحة أدبية عالية، لا تخلو من طُرفة وإقناع واستحسان.

وتميز هذا الكتاب بما يلي:

1-أنه يُعدُّ أول كتابٍ يوضع في إعراب هذا المتن على وجه الاستقلال.

2-تضمنه العديد من الفوائد الأصولية، والصرفية، والبلاغية، واللغوية.

3-أن مادته مجموعةٌ من مصادر مهمة ودقيقة تعرضت لشرح هذا المتن.

4-أن عرضه سهلٌ ويسير، ومعانيه واضحة لا غموض فيها ولا لبس.

5-الاستقصاء منقطع النظير للعديد من القضايا والمسائل الأصولية.

منهج المؤلف في كتابه كما ذكره، هو:

1-أن أكتب الفقرة المراد شرحها من المتن باللون الأحمر الثقيل.

2-ثم أبدأ بإعرابها كلمة كلمة.

3-وأضع كل كلمٍة في أول سطر بين قوسين.

4-أعربها أول مرة إعرابا تفصيليا حتى لو كان إعرابها واضحاً، فأقول مثلاً: (مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره)، وهكذا، فإذا تكرر مثل هذا قلت: (مبتدأ) ولا أزيد إلا أن يكون الإعراب تقديريا أو محليا أو فيه إشكاٌل فأنص عليه.

5-لا أعني بالإعراب التفصيلي ذكَر كل وجوه الإعراب المحتملة، بل لا أعني إلا ما سبق وانظر التالي.

6-قد تحتمل الكلمة وجهين أو أكثر من وجوه الإعراب؛ فاعلم أنه ليس من َشرطي ذكرها كلها، بل لا أذكر إلا ما حضرني منها فإن اتفق لك وجه لم أذكره فاعلم أني لم أذكره لإحدى ثلاث:

الأولى-أني أجهله.

الثانية-أني تركته عمداً لعدم تيقني منه

الثالثة-أني تركته مخافة التشويش على القارئ إلا في البسملة؛ فإن العلماء قد كَفْوني أمرها؛ فأنا فيها تابع لا غير، ويقتصر عملي على توضيح ما قالوه بما يناسب المقام.

وبعد الإعراب:

7-أشرع بعد ذلك في فقرة عنوانها: [قال صاحبي] وفيها أذكر: الفوائد المستخرجة، والزوائد المستنبطة، وأُوِرُد فيها من الإشكالات التي قد تعترض الطالب؛ فتسبب سوء الفهم أو عدمه، بطريق الحوار بيني وبين صاحبي حتى يزول الإشكال والإيراد، ويتضح المعنى المراد. 

تنبيه: واعلم أن الإشكال المذكور قد يكون على عبارة المصنف وقد يكون على ما يذكره الشراح، وقد يكون في النحو وقد يكون في الأصول، وقد أطيل في النحو عن الأصول لا سيما إذا كانت عبارة المتن مما لا تحتاج إلى بيان؛ لأن المتن قد خدَم في جانب الأصول بما لا مزيد عليه ولا كذلك في باب الإعراب والنحو؛ فلهذا قد أترك بعض الفقرات دون الإطالة في بيانها من جهة الأصول، بل لا تكون الإطالة إلا من جهة النحو؛ فلا وجه لمعترض بعد ذلك أن يقول: المتن َحاِل والشرح خاِل.

9-صَّدُرت الكتاب بمقدمة تكلمت فيها عن إمام الحرمين مؤلف المتن، ثم تكلمت عن متن الورقات وشروحه وحواشيه ومنظوماته ومختصراته.

10-ذيَّلتُ الكتاب بفهرس تفصيلي للمحتويات.






الاثنين، 27 سبتمبر 2021

تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان

للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ يعتبر تفسير السعدي من أنفع كتب التفسير المعاصرة؛ فقد تميَّز بسهولة العبارة، ووضوح الإشارة، واختصار المعنى، وحسن الصياغة على نمط بديع، بعبارات قريبة لا خفاء فيها ولا غموض.

وقد استوعب فيه جميع ما تضمنته الآية من معانى أو حكم سواء من منطوقها أو مفهومها، دون إطالة أو استطراد أو ذكر قصص أو إسرائيليات أو حكايات خارجة عن المقصود.

ولم يذكر الإعراب إلا في النادر الذي يتوقف عليه المعنى، وقد اهتم بترسيخ العقيدة السلفية النقيَّة، مع اهتمامه الكبير بتفسير آيات الصفات بمقتضى عقيدة السلف خلافا لما يؤولها بعض المفسرين، واشتماله على استنباط الأحكام الشرعية، والقواعد الأصولية، والفوائد الفقهية وغير ذلك من الفوائد الأخرى.

وقد طبع "تفسير السعدي" مراتٍ عديدة، وقد جمع الأخ  إبراهيم بن فريهد العتري (706) فائدة من تفسير السعدي في ملف منشور على الانترنت.

كذلك هنالك دراسة تتعلق بـ"منهج الشيخ السعدي في تفسيره" من إعداد الباحث ناصر العبد سليم المرنخ، ونوقشت في الجامعة الإسلامية بغزة، وفيها:

-بيان منهج الشيخ السعدي في تفسيره، وإبراز شخصيته للقراء

-وبيان مكانة هذا التفسير الدعوية بين التفاسير

ومن الأمور التي تميَّز بها تفسير السعدي:

 • سهولة العبارة ووضوحها حيث يفهمها الراسخ في العلم ومن دونه.

• بيان عقيدة أهل السُّنة والجماعة، والسير على منهج السلف في آيات الصفات فلا تحريف ولا تأويل يخالف مراد الله بكلامه فهو عمدة في تقرير العقيدة.

• ربط التفسير بالواقع المعاصر؛ فهو كتاب تفسير وتربية على الأخلاق الفاضلة.

• تجنب ذكر الخلاف إلا أن يكون الخلاف قويا تدعو الحاجة إلى ذكره. كذلك تجنب الحشو والتطويل الذي لا فائدة منه.

• عدم الخوض في التفسير العلمي.

• عدم تعصبه لمذهبه الحنبلي في معظم الأحيان، لا سيما عند تقريره للمسائل الفقهية.

• اهتمامه بالنحو والبلاغة التي استقاها من ابن القيم– رحمه االله– من كتـاب بدائع الفوائد في النحو والبلاغة والتفسير.

•  ذكر العبر والعظات المستفادة من النصوص ولا سيما الأحـداث الهامـة والجليلـة والقصص القرآني كأصحاب الكهف وقصة يوسف عليه السلام وقصة الجهاد فـي سورة البقرة.

 • دقة الاستنباط فيما تدل عليه الآيات من الفوائد والأحكام والحكم.

المصادر التي اعتمد عليها السعدي في تفسيره:

• مختصر تفسير ابن كثير.

• كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

•  كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى-.

• الفخر الرازي في تفسيره.

أنواع التفسير التي تضمنها تفسير السعدي:

اشتمل تفسير السعدي علي أكثر من نوع من التفاسير المعروفة مثـل التفسير الإجمالي والتحليلي والموضوعي؛ حيث إن تفسيره لا يخلو من نـوع مـن هـذه الأنواع.

أهم الاستدراكات على السعدي في تفسيره:-

-عدم نسبة الأقوال إلى أصحابها، سواء من الصحابة أو التابعين أو غيرهم من المفسرين، إلا ما نقله عن الإمامين ابن تيمية وابن القيم.

-ذكر بعض الروايات الإسرائيلية رغم أنه ألزم نفسه بعدم الأخذ بها.

-نقض بعض الروايات في التفسير، والتي لا تضر في العقيدة، بينما لا يتعرض لأخطرها بالنقد، مثل: الأقاويل في قصة هاروت وماروت.

- لا يهتم بسبب النزول كثيرا ، وإن كان له أعظم الأهمية في فهم المعنى.

-لا يهتم بذكر القصة مفصلة، بل يذكرها مختصرة.

-لا يمهد بمقدمة للموضوع، بل يدخل فيه مباشرة.



الخميس، 23 سبتمبر 2021

ولاية الله والطريق إليها (قطر الولي في حديث الولي) تأليف محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني

ولاية الله والطريق إليها (قطر الولي في حديث الولي)

تأليف محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني 

(المتوفى: 1250هـ)

شتا حسين، ومصطفى الهواري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب النفيس هو أوسع شرحٍ للحديث المعروف (بحديث الولي)، وهو الحديث القدسي، الذي يقول فيه رب العزة: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وقد تناوله الإمام الشوكاني بالشرح والتعليق واستباط المعاني الدقيقة، وتكلم على معانيه وأسراره وحكمه، وبيَّن المراد بالولي، وشرط الولاية، وأحوالها، ومعانيها، وأسباب التحقُّق فيها، وعلامات صدقها، والخوارق التي تجري على أيدي الأولياء، بالإضافة إلى العديد من المباحث اللغوية، والحديثية، والأصولية، والفوائد المنثورة في صفحات الكتاب.

وقد تعرَّض الكتاب للرد على أدعياء الولاية، أو الأولياء المزيفون الذين ينتمون إلى الآراء الباطنية من الرافضة والصوفية الذين اتخذوا الولاية والأولياء ذريعةً للتحلُّل من الشريعة، وبيَّن فيه الإمام الشوكاني الصورة الحقيقية للولي كما يُريده الله سبحانه، حسبما ورد في القرآن الكريم والسُّنة النبوية الصحيحة. 

كما يعتبر هذا الكتاب -أيضاً -دفاعاً عن الإسلام في أخصِّ ناحيةٍ فيه، وهي ناحية استمداد الأحكام الدينية، بعيداً عن الشطحات الغنوصية، والفلسفات الباطنية، التي تسربت إلى أفكار كثير من الطوائف المتحللة من الشرائع والدين، والمحتالين الذين زحلفوا أحكام الشريعة بالشُّبه الباطلة، والأقوال الكاذبة.

وكذلك يُمكن اعتباره داعياً إلى طريق الولاية الحقيقة، ومرشداً إليها، من كتاب الله عز وجل، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى أن طريق الولاية بعد الإيمان بالله عز وجل هو العمل بما جاءت به الأحاديث الصحيحة، والزيادة بالنوافل المشروعة من الطاعات، وأن هذه وتلك أنواعٌ عديدة كما جاء في الكتاب والسنة. وكما قال الشوكاني: "وَكَيف يكون وليا لله سُبْحَانَهُ من يعرض عَمَّا شَرعه لِعِبَادِهِ ودعاهم إِلَيْهِ ويشتغل بزخارف الْأَحْوَال، وخواطر السوء ويؤثرها على كَلَام من هُوَ ولي لَهُ؟ ! فَإِن هَذَا هُوَ بالعدو أشبه مِنْهُ بالولي".

ويتميز الشوكاني بمنهجه السلفيِّ الأصيل، الذي يردُّ كل شيء إلى الكتاب والسنة، ويجعل هدفه في التقرب إلى الله عز وجل المحافظة على الشريعة، وإحيائها بالعمل.

ومن المؤاخذات على الكتاب، ما يلي:

أولاً: ذكر الإمام الشوكاني تأويلات العلماء لصفة "التردد" لله عز وجل، ورده جميعاً، وأجاب عنها، ثم جاء هو بما هو أضعف من تأويلاتهم. 

قال المحققان: وأما اعتقاد السلف في صفة (التردد): فهو أن وصف الله تعالى بالتردد من جملة الصفات التي يجب الإيمان بها على حقيقتها مع الاعتقاد أن صفاته تعالى كلها علو وكمال ولا تشابه صفات خلقه وكلام المصنف هنا مخالف لاعتقاد سلف الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان؛ إذ فيه إخراج للفظ عن مراد االله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع المصنف رحمه االله في تأويل بعض الصفات مع أن الثابت عنه في كتبه موافقته لمذهب السلف في صفات االله تعالى إجمالا وقد فصل د عبد الله نومسوك في كتابه "منهج الإمام الشوكاني في العقيدة" أن وصف الله تعالى بالتردد في قبض عبده المؤمن على حقيقته، ولا يجوز صرفه عن مراد الله فيه. وقد سئل  شيخ الإسلام ابن تيمية عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟  كما في مجموع الفتاوى  (١٨/ ١٢٩) فأجاب: هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة، وقالوا: إن االله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، واالله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة: المتردد والتحقيق أن كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بيانا منه، فإذا كان كذلك؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس، وأجهلهم، وأسوأهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول االله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور؛ لا يكون ما وصف االله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن االله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهل منه بالشيء الواحد، الذي يحب من وجه، ويُكره من وجه. وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة، التي تكرهها النفس، هو من هذا الباب… فالرب مريد لموت عبده، لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك، كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مُراداً للحق من وجه، مكرو ًها له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مُراداً من وجه، مكروهاً من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس أرادته لموت المؤمن الذي يحبه، ويكره مساءته، كإرادته لموت الكافر، الذي يبغضه، ويريد مساءته.

ثانياً: ما ذكره من أن بعض الأولياء يطلع على الغيب

والجواب: أن الأصل في الغيب أنه لا يعلمه إلا االله تعالى، وقد قالت أم المؤمنين عائشة: في حقه  صلى الله عليه وسلم: (ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب): وهو يقول، لا يعلم الغيب إلا الله. كما في صحيح البخاري، فإذا كان هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فمن دونه أولى. قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله -في (منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل) ص ٢٢: لا شك أن في هذه الأمة أئمة، ولا شك أن فيها أولياء، ولكننا لا نريد بذلك أن نثبت العصمة لأحد من هؤلاء الأئمة، ولا أن ُنثبت لأحد من الأولياء أنه يعلم الغيب أو يتصرف في الكون. انتهى. وانظر إلى هذا التخبط من أحد غلاة الصو - وهو الشعراني -في طبقاته -يقول عن الولي: إذا صلحت سريرته مع االله، كلَّفه ما بين السماء والأرض، فإن فيهم خلقاً لا يعلمه إلا االله، ثم لا يزال يرتفع من سماء إلى سماء، حتى يصل إلى محل الغوث، إلى أن يصير صفة من صفات الحق تبارك وتعالى، ويطلعه على غيبه، حتى لا تنبت شجرة، ولا تخضر ورقة، إلا بنظره. انتهى. نعوذ بالله من الخذلان.

حديث الولاية

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٌ أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته " 

[رواه البخاري (8/ 105)، برقم (6502)].

ذكر فصول هذا الكتاب ومباحثه باختصار:

الْفَصْل الأول: المقدمة

1-من هُوَ الْوَلِيّ؟

2-أفضل الْأَوْلِيَاء؟

3-طَبَقَات الْأَوْلِيَاء؟

4-الْأَوْلِيَاء غير الْأَنْبِيَاء لَيْسُوا بمعصومين؟

5-المقياس فِي قبُول الْوَاقِعَات والمكاشفات؟

6-إِمْكَان وُقُوع المكاشفات؟

7-الْوَاجِب على الْوَلِيّ فِيمَا يصدر من أَعمال؟

8-خوارق غير الْأَوْلِيَاء؟

9-المكاشفات الصَّحِيحَة وأولياء الْمُؤمنِينَ

10-شخصية الْوَلِيّ

11-جَوَاز الكرامات

12-مَتى يكون الخارق كَرَامَة

13-المعاداة من الْوَلِيّ كَمَا يُمكن أَن تتَصَوَّر

14-عود إِلَى مقياس الْولَايَة

15-السكونيات، والدينيات فِي الْقُرْآن الْكَرِيم

16-الْقدر وَنفي احتجاج العصاة بِهِ

17-مبدأ الباطنية، وَكَيف قَامُوا

18-كَرَاهَة الرافضة للصحابة أُرِيد بِهِ هدم السّنة

19-نصيب الْعلمَاء العاملين من الْولَايَة

20-أَسبَاب رسوخ الْعلمَاء العاملين فِي الْولَايَة

21-الرُّجُوع إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله فِي مسَائِل الدّين هُوَ الطَّرِيقَة العلمية

22-حَقِيقَة الْمُقَلّد والتقليد وحكمهما

23-التَّقْلِيد فِي نظر الْعلم والمعرفة

24-موقف أَئِمَّة الْمُسلمين من المقلدين

25- تناقص الْمُقَلّد مَعَ نَفسه

27-مَنْهَج الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ

28-معنى الِاقْتِدَاء بالصحابة، وموقف الْمُقَلّد من ذَلِك

29-رأى الْعَالم عِنْد فقد الدَّلِيل رخصَة لَهُ فَقَط:

30-مَا هُوَ مَنْهَج الْحق، ومهيع الشَّرْع، الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَآله وَسلم، وخلفاؤه الراشدون، وَبِه تقوم الْحجَّة على كل مُسلم. 

31-الْمَطْلُوب من مقلد وَمن عوام الْمُسلمين

32-الِاجْتِهَاد ووحدة الْأَحْكَام

33-منطق المقلدين هُوَ منطق السوفسطائيين

34-سد بَاب الِاجْتِهَاد وَنسخ للشريعة

35-جِهَاد الشَّوْكَانِيّ للمقلدين

36-من أخطار التَّقْلِيد والمقلدين

37-وجود الِاجْتِهَاد فِي الْمذَاهب حجَّة على المقلدين

38- أهل الْيمن وَالِاجْتِهَاد

39-تعصب المقلدين أساسه الْجَهْل

40-وَاجِب الْعلمَاء وأولي الْأَمر نَحْو المقلدين

41-مدى تكريم الله سُبْحَانَهُ للأولياء

الفصل الثاني: الطَّرِيق إِلَى ولَايَة الله

(1) أَدَاء الْفَرَائِض:

1 - من أَدَاء الْفَرَائِض ترك الْمعاصِي

2 - من الْمعاصِي إبِْطَال الْفَرَائِض بالحيل


(أ)- إبِْطَال حجج الْقَائِلين بالحيل

(ب) الْحِيلَة والشريعة

(م) الْحِيلَة من الإضافات للشريعة المبطلة لفرائضها

(د) المعاريض من الشَّرِيعَة

(هـ) من الْحِيَل المكفرة والمنافية للدّين

(2) " التَّقَرُّب بالنوافل "

1 - من نوافل الصَّلَاة

تذييل - محبَّة الله والاستكثار من تِلْكَ النَّوَافِل

2 - من نوافل الصّيام

3 - من نوافل الْحَج

4 - من نوافل الصَّدَقَة

(3) التَّقَرُّب بالأذكار:

ترغيب الْكتاب، وَالسّنة فِيهَا

أعظم الْأَذْكَار أجرا

أذكار الْأَوْقَات وفوائدها

أذكار التَّوْحِيد

الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وفضلها

التَّسْبِيح وفوائده

الْأَدْعِيَة النَّبَوِيَّة

الْأَدْعِيَة عقب الْوضُوء وَالصَّلَاة

الْأَدْعِيَة عِنْد الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَدخُول الْمَسْجِد

الْأَدْعِيَة دَاخل الصَّلَاة

الْأَدْعِيَة فِي الصّيام وَالْحج وَالْجهَاد وَالسّفر وَغَيرهَا

(4) - الْإِيمَان وَطَرِيق الْولَايَة:

1 - الْإِيمَان بِالْقدرِ، وخاصة الْمُؤمنِينَ:

2 - فَوَائِد الْإِيمَان بِالْقدرِ:

3 - الْإِيمَان بِالْقضَاءِ والاستعاذة من سوءه:

4 - الْإِيمَان وَالْإِحْسَان وَلمن يَجْتَمِعَانِ:

(5) الدُّعَاء أعظم مظَاهر الْولَايَة:

1-الْولَايَة وَالْعُزْلَة

2-اللطف والنصر وَعَامة الْمُؤمنِينَ

3-محبَّة الله بَين أَدَاء الْفَرْض وَالنَّفْل

4-أدَاء الْفَرَائِض شَرط فِي اعْتِبَار النَّوَافِل

5-لَيست المداومة شرطا فِي الْقرب

6- محبَّة الله شَامِلَة للمتقرب بِالْفَرْضِ والمتقرب بالنفل


الْفَصْل الثَّالِث: أثر محبَّة الله فِي حَيَاة الْوَلِيّ

1- هدايته وتوفيقه

2- المُرَاد من أَن الله صَار سمع العَبْد وبصره إِلَخ

3- تَحْقِيق آراء الاتحادية والصوفية

4- منشأ الْخَطَأ عِنْد الاتحاديين

5- فضل السّمع على الْبَصَر فِي التأثر وَالِاعْتِبَار

6- إِجَابَة الدُّعَاء، من مظَاهر محبَّة الله للْعَبد (أَولا)

7-أثر نوافل الصَّلَاة وَغَيرهَا فِي محبَّة الله لعَبْدِهِ

8-الْعِصْمَة والقرب الَّتِي فِي هَذَا الحَدِيث

9-مَتى نسلم بآراء أهل الْولَايَة وخواطرهم

الْفَصْل الرَّابِع: قيمَة هَذَا الحَدِيث فِي بَاب السلوك والأخلاق

1-الْإِحْسَان والمفروضات الباطنية

2-طَهَارَة الْبَاطِن وأثرها فِي مَرْكَز الْإِنْسَان من الْولَايَة

3-الطَّرِيق إِلَى طَهَارَة الْبَاطِن

4-مقَام الْإِحْسَان وَلمن يكون

5-مقَام الْوَلِيّ وَإجَابَة الدُّعَاء

6-مقَام الْمحبَّة وَإجَابَة الدُّعَاء

7-مقَام الْمحبَّة ومداومة الدُّعَاء

8-ضلال المدعين لرفع التَّكْلِيف

9-المُرَاد بتردد الله سُبْحَانَهُ عَن نفس الْمُؤمن

10-لَا تلازم بَين علم الله ونفاذ قَضَائِهِ

11-الدُّعَاء كسبب لرد الْقَضَاء

12-مبدأ السَّبَبِيَّة فِي الشَّرِيعَة الإسلامية

13-كَرَاهَة الْمَوْت ومقام الْولَايَة

14-الْوَلِيّ وَمَعْرِفَة الغيبيات

15-تواضع الْوَلِيّ وَحَقِيقَته

16-خَاتِمَة الشَّرْح



عقيدتنا في الولاية والأولياء بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

عقيدتنا في الولاية والأولياء

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

1- الولاية في اللغة: القربُ والمحبة والنصرة والتأييد والإعانة.

2-وولاية الله لعبده: هدايته إلى طاعته، ومحبته، ونصرة دينه.

3-وولاية العبد لله: تقتضي الإيمان به سبحانه، والتقرب إليه بطاعته، وترك مساخطه، وخشيته ومراقبته،

فالوليُّ: هو العالم بالله تعالى، المواظبُ على طاعته، المخلصُ في عبادته،

وبعبارة أخصر، هو كل مؤمنٍ بالله، تقيٌّ في دينه، مؤثرٌ طاعة ربه على هوى نفسه.

4- وولاية الله لعبده ليست عن افتقارٍ أو حاجةٍ إليه، إنما يواليهم إكراماً لهم وتفضلاً عليهم، لغناه سبحانه عمن سواه، وافتقار كل من عداه إليه.

5- والولاية نوعان:

-عامةٌ لكل المؤمنين، وحاصلةٌ لهم بقدر إيمانهم وتقواهم،

-وخاصَّةٌ، وهي لمن قام لله بجميع حقوقه، وآثره في جميع الأحوال، حتى صارت مراضي االله ومحابه هي همه ومتعلق خواطره.

6- قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (يونس: 62 - 64).

3-وأعظم الناس ولايةً لله تعالى، وأفضل الأولياء على الإطلاق هم الأنبياء عليهم السلام، وأفضلهم الرسل، وأفضل الرسل أولوا العزم منهم، وأفضل أولي العزم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

4- ثم بعد الأنبياء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأفضلهم أكابرهم، لا سيما الذين جمعوا بين العلم والجهاد، وأفضلهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، وأفضلهم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان ثم علي، ثم الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر رضي الله عنه، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل الدار، ثم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم أصحاب بدر، ثم أصحاب بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضوان الله عليهم.

5-ثم من بعدهم من الأولياء من التابعين وأتباعهم، وأفضلهم أويس القرني، ومن ثمَّ عامة الأولياء في القرون الثلاثة المفضلة، الذين لا يُحصيهم إلا الله تعالى.

6- ثم من جاء بعدهم من العلماء العاملين، الذين آمنوا بالله ورسوله، الذين بيَّنوا للناس ما شرعه الله تعالى، ودفعوا عن الناس البدع والجهل والغلو، وصاولوا أهل الإلحاد والزيغ والزندقة، واعتقدوا عقائد السلف من الإثبات والتوحيد.

6- والولاية تتفاوت بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح؛ فكلما ازداد يقين العبد وترقَّى في درجات الكمال والصلاح، واتصف بالتقوى كان أعظم ولايةً عند الله سبحانه وتعالى.

7- وأولياء الله سبحانه المتقون، هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فيفعلون ما أمر به، وينتهون عما زجر عنه، فيؤيدهم الله بملائكته، وروحٍ منه، ويقذف في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يُكرم بها أولياءه المتقين.

8- والأولياء -عدا الأنبياء -غير معصومين بل هو معرضون للخطأ، ويجوز عليه ما يجوز على غيرهم من المعاصي والوقوع في الكبائر والصغائر.

9-وإذا وقع منهم الذنب بادروا إلى التوبة، ولا يخرجهم ذلك عن كونهم أولياء لله تعالى.

10-ولا يجوز للولي أن يعتقد في كل ما يحصل له من الواقعات والمكاشفات أن ذلك كرامةً من الله سبحانه له، بل قد يكون ذلك من تلبيس الشيطان ومكره به، ويعرف ذلك من جملة أحواله.

11- ويجب على الولي أن يعرض أوقواله وأفعاله على الكتاب والسنة، فإن كانت موافقةً لهما فهي حقٌّ وصدق، وإن خالفتهما، كان ذلك باطلاً ومردود، وكان ممكوراً به. 

12-ويجب على الوليِّ أن يكون ممتثلاً كتاب الله عز وجل، مقتدياً بالسُّنة، وازناً لأفعاله، مُميزاً للشريعة المطهرة، واقفاً على حدودها، غير زائغٍ في شيءٍ من أمور الدين.

13-وإذا ورد عليه واردٌ قلبي يُخالف الشريعة ردَّه، واعتقد أن هذا من الشيطان، ويدافع ذلك بحسب استطاعته، ومن خالف في هذا فليس ولياً لله تعالى.

14- وليس من الكرامة ترك الطعام أو الشراب، على ترتيب معروف، وقانون معلوم، حتى تمضي عليه مُدة، ويزعم أنه أدرك ما لم يُدرك غيره، وليس من الكرامة الضرب بالشيش، أو المشي على الجمر، أو الضرب بالسكين، وإنما ذلك من أفعال الشياطين الذين لهم أتباعٌ من الجن، ويظهرون ذلك على أيديهم بما يظنون أنه كرامة وهو في الحقيقة من المخاريق الشيطانية.

15-والمجانين والمعاتية ليسوا من جملة الأولياء المقربين، ولا الأعداء المبعدين، وإن ظهر على ألسنتهم مكاشفات صحيحة، وعبارات ظاهرة، لكنهم ملتاثون بالنجاسات، وغير متنزهين عن القاذورات، ويظن بعض من لا حقيقة عنده أنهم من الأولياء وليسوا كذلك.

16- ومن أخصِّ أوصاف أولياء الله تعالى أن يكونوا مجابي الدعاء، وهذه أعظم كراماتهم، مع رضاهم التام عن الله تعالى في كل حال، وقيامهم بفرائضه، وتركهم لمناهيه، وزهدهم في دنيا الناس، وتواضعهم مع الخلق، غير معجبين بأنفسهم، مع حُسن الأخلاق والعمل، وعظيم الحلم، وعظم الاحتمال.

17-ونعتقد أن كل بدعةٍ ضلالة، وكل مبتدعٍ فهو مُبعدٌ غير مُقرب، وأنه أحقُّ بوصف العداوة من الولاية، ويشمل ذلك ما يفعله الراقصون من المتصوفة، أو المطبرون من الشيعة، وأذنابهما.

19-ونعتقد أنه يجب الإيمان بجميع ما أخبر به الأنبياء عن الله عز وجل، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به؛ بخلاف الأولياء فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به ولا تصديق كل ما يخبرون به؛ بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله وما خالف الكتاب والسنة كان مردوداً.

20-ونعتقد أن مقام الولاية تبع لمقام النبوة، فلا يكون الولي ولياً لله تعالى حتى يعتقد أن النبي أفضل منه ومن البشر أجمعين، ومن ظن غير ذلك فقد فتح على نفسه باباً من الزندقة.

21-وأن الأولياء لا يأمرون الناس بعبادتهم، ولا اتخاذهم أنداداً ولا شفعاء، ولا وسطاء بين الله وخلقه، ويعتقدون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ويُحرمون على أتباعهم دعاءهم أو الاستغاثة بهم بعد موتهم، ولا يرضون أن يُفعل ذلك عند قبورهم، ويتبرءون ممن يفعل ذلك أتمَّ البراءة، ويعادونه أتمَّ المعاداة، ومن خالف ذلك فهو من أعداء الله لا من أوليائه.



الأحد، 19 سبتمبر 2021

نظرة إلى تطور المذهب الأشعري -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

نظرة إلى تطور المذهب الأشعري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ينتسب الأشاعرة إلى مؤسس الفرقة الأول، وهو أبو الحسن الأشعري (ت 324 هـ)، الذي تبنى مذاهب الكلابية، وابن كلاب (=عبد الله بن سعيد بن كلاب -قوله مشوبٌ بقول الجهمية في الكلام والقدر والصفات الاختيارية)، ووافق الأشعري أهل السنة في إثبات الصفات الخبرية، مثل: الوجه، والعينين، واليدين...، وخالفهم في إثبات الصفات الاختيارية، وحاول الأشعري أن يجمع بين بعض أصول المعتزلة والجهمية واتّباع مذهب السلف، وهو في الجملة أقرب إلى السلف من كثيرٍ ممن أتى بعده.

ثم جاء من بعده المؤسس الثاني، وهو القاضي الباقلاني (=أبو بكر، محمد بن الطيب، ت 403 هـ)، وهو أول من انتسب إلى الأشعري، واعتنى به وميزه، وأعلن عن هذه التسمية، وحاول أن يجمع بين اعتقاد الحنابلة والمذهب الكلابي، ونحا بالمذهب إلى تأويل بعض الصفات الخبرية.

ثم جاء ابن فورك (= محمد بن الحسن، ت 406 هـ) الذي نحا بالمذهب الأشعري إلى التأويل وبقوة، وجدد الأصول الكلامية للمذهب الأشعري، وأخذ كثيراً من أصول المعتزلة،

ثم جاء البغدادي (= عبد القاهر بن طاهر، ت 430 هـ) الذي حصر أهل السنة في الأشعرية، وتبنى فكرة أن المذهب الصحيح هو المذهب الأشعري، وأنه ليس ثمَّ إلا المعتزلة والأشاعرة.

ثم جاء الإمام أبو بكر البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي، ت 458 هـ)، الذي ربط المذهب الأشعري بالمذهب الشافعي، ومزج كتبه العقدية بكلام الأشاعرة ودعم الأشاعرة في فتنة نيسابور بين السلفية والأشعرية، والتي قامت على القشيري –صاحب الرسالة –الذي تغلَّظ للتعطيل، وحصلت بسببه فتنةٌ عظيمة.

ثم جاء القشيري (أبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن، ت 465 هـ)، الذي أدخل التصوف بقوة في المذهب الأشعري، وجعله مختلطاً به في المنهج والاعتقاد والسلوك، والتصق به التصاقاً كلياً، وكان المذهب الأشعري في هذه الفترة مستعلياً بالنظامية، مع فتنٍ كثيرة تسبب بها لأصحاب المعتقد السلفي.

ثم جاء الجويني (عبد الملك بن عبد الله، ت 478 هـ) وهو الذي خطا بالمذهب الأشعري خطوات نحو الاعتزال، والتأصيل الكلامي، ونقح الجويني المذهب الأشعري ورد بعض أقوال الأشعري والباقلاني وابن فورك ومن في طبقتهم الذين أثبتوا الصفات الخبرية لله تعالى، واتهم الأشعري بالتناقض، وكان أكثر اقتراباً من أصول المعتزلة، بحيث تمثل بعضها تماماً، فمال إلى الاعتزال، وقرب الأشعرية من المعتزلة، وكان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم الجبائي، واطلاع واسع على كتب الفلاسفة.

ثم جاء دور الغزالي (أبو حامد، محمد بن محمد الطوسي، ت 505 هـ)، الذي لم يأتِ بجديد في مذهب الأشاعرة، بل تابع الجويني في أصوله الاعتزالية، وأعاد صياغة ما كتبه، بأسلوب جديد، وحوَّل المعركة بين الأشاعرة والمعتزلة إلى مسار جديد بين الأشاعرة والفلاسفة، كما امتزج تصوفه بتصوف أهل الاتحاد، وعلومه بعلوم الفلاسفة، وكرَّس قانون التأويل الكلامي في المذهب الأشعري، بحيث أصبح المذهب لا ينفك عنه.

وعاصر الغزالي ابن تومرت (محمد بن تومرت، ت 524 هـ) الذي أسَّس ما سماه  بدولة الموحدين، التي بناها على أنقاض دولة المرابطين، وقد ساهم في نشر المذهب الأشعري، وادَّعى المهدية، وكان سفاكاً للدماء.

ثم جاء المُجدد الرابع لمذهب الأشعرية، وهو الرازي (الفخر، محمد بن عمر، ت 606 هـ)، والذي توغل في الفلسفة وخلطها بعلم الكلام الذي استقصى أوائله وأواخره، ولم يقدر على الخلاص من العلوم الفلسفية، وحصل له اضطراب في كثيرٍ من المسائل، وكثر اضطرابه في تقريراته وكتبه، وقد اقتدى به كثيرٌ ممن أتى بعد، وأدخل أنواعاً من الشرك إلى التصوف، وزاده فلسفةً وغموضاً.

ثم استقرَّ المذهب الأشعري على ما قرره عضد الدين الإيجي (عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي، ت 756 هـ)، الذي صاغ مذهب الأشاعرة صياغةً نهائية، وتخلص من التفريعات التي أطنب بها الرازي، وكان ما كتبه هي الأرضية التي استقرَّ عليها هذا المذهب، وكل من جاء بعده إنما يُعول عليه.

=============================

ولا شك أن متأخري الأشاعرة كان خوضهم في علم الكلام ومخالفتهم للكتاب والسنة أعظم وأشد من متقدميهم.

وقد وُجد في كلام الرازي وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي وذويه.

ويوجد في كلام هذا وأبي المعالي وأبي حامد من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه.

ويوجد في كلام أبي الحسن من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه.

ويوجد في ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة مالا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة.

وإذا كان الغلط شبراً صار في الاتباع ذراعاً ثم باعاً، حتى آل هذا المآل، فالسعيد من لزم السنة واتبع هدي السَّلف رضوان الله عليهم.