التَصَور والتصديق بأخبار الشيخ سيدي محمد بن الصديق
تأليف أبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا الكتاب وضعه العلامة الشيخ أبو الفيض الغماري، ترجمةً لوالده العلامة محمد بن الصديق، براً بالشيخ، ووفاءً له، وقد جمع فيه جملة كبيرة من مناقبه العجيبة، وأحواله الغريبة، وفضائله النسيبة، ونشر فيه من عرف شذاه، وطيب أخلاقه، ومحاسن سيرته وسريرته، ما تتحير منه العقول، وتذهل الألباب، وتخضع له القلوب بالمحبة والإجلال، وذلك في ثلاثة عشر باباً تفيض بالرحمة والحلم والذكر الجميل، وسماه (التصور والتصديق)، أو (سبحة العقيق) في أخبار الشيخ محمد بن الصديق.
ولم يقتصر الأمر على ذكر الشيخ محمد بن الصديق، بل شمل أصوله الغمارية، فذكر جده الأعلى عبد المؤمن بن علي، والملقب بـ(أبي قبرين)، وحفيده عبد المؤمن دفين تجكان (الذي كان يرعى الذئب غنمه)، ثم والد أبيه أحمد بن عبد المؤمن الذي أفرد كتاباً في مناقبه سماه (المؤذن بمناقب سيدي أحمد بن عبد المؤمن)، ثم والده محمد الصديق، ثم والدته فاطمة بنت أحمد بن محمد عجيبة الحسني، وذكر أخبارها ووالدها وجدها ابن عجيبة.
وذكر أنه في هذا الكتاب اقتبس عن بعض العلماء الذين ترجموا للشيخ، منهم: أبو عبد الله محمد بن العياشي سكيرج الفاسي، صاحب (نبذة التحقيق)، والإمام الخطيب أبو حامد العربي بن العربي بوعياد الطنجي، صاحب (نسمات وادى العقيق)، والأديب أبو عبد الله محمد بن الأزرق الفاسي ثم الزياتي، صاحب (حادي الرفيق)، وأكثر إفادته من كتاب العلامة العياشي، وقد اختصرها وضمنها كتابه هذا.
ولا يخلو الكتاب من الغلو الملاحظ في الكثير من الكرامات عن الشيخ وعن آبائه، ولكن يبقى الكتاب مفيداً في بابه، وطريقته في التبويب مفيدة للغاية، وتبقى بعض الجمل والعبارات والمباحث قيد النظر، لا يمكن التسليم بها، أو التعويل عليها، وقد اختصرت من هذا الكتاب ما تلجئ إليه الحاجة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ترجمة مختصرة للشيخ محمد بن الصديق من الكتاب
والمترجم له هو: أبو عبد الله محمد بن الصديق بن أحمد بن محمد ابن قاسم بن محمد بن محمد مرتين بن عبد المؤمن بن محمد بن عبد المؤمن بن على ابن الحسن بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن سعيد بن مسعود بن الفضيل بن على بن عمر بن العربي بن علال بن موسى بن أحمد ابن داود بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على وفاطمة الزهراء بنت مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد الشيخ محمد بن الصديق ليلة الجمعة، الخامس من رجب، سنة ١٢٩٥ هـ، بتجكان من قبيلة بني منصور الغمارية، وحفظ القرآن وهو صغير، ثم قرأه بالسبع، وختمه على شقيقه أحمد بن الصديق، ثم طلب العلم على يد أخيه محمد القاضي، وابن عمه زين العابدين بن محمد المؤذن، ثم رحل به والده إلى فاس سنه ١٣١٢ هـ.
ثم أخذ في دراسة العلوم الشرعية عن عدد من علماء عصره وبلده؛ فأخذ عن محمد بن التهامي كنون، وحضر على محمد بن جعفر الكتاني، وسمع من أحمد بن الخياط، والقاضي الشرادي، ومحمد بناني، ومحمد جينون بالتصغير، وأبي العلاء ادريس عمور، والشريف أحمد العلمي، وخليل الحشمي، والكامل الأمراني، وعبد الملك العلوي، وفقيه المغرب المهدي الوزاني، وأحمد بن الجيلاني، وأحمد بن الطيب الفيلالي، والمأمون العراق.
ثم رجع إلى وطنه في ربيع الثاني سنه ١٣١٥ هـ، ثم عاد إلى فاس وعزم والده تزويجه بنت خاله عبد الحفيظ بن عجيبة بإشارة من شيخه محمد بن المفضل بن إبراهيم، واشترط عليه سكنى طنجة فسكنها، وأخذ التصوف والتربية كذلك عن شيخه عبد الواحد بن بدوي بناني، وأحمد بن محمد ربيع الفاسي.
ثم شرع في تدريس العلوم الشرعية، وانتفع بقراءته الناس وتخرج عليه جماعة من أهل الحواضر والبوادي وكان في تدريسه البركة الظاهرة يحضره الطالب زماناً يسيراً فيحصل له الفتح وينال الحظ الأكبر والنصيب الأوفر من ذلك العلم بل ومن غيره.
وفي هذه المدة، وفي العام ١٣٢٠ هـ، رُزق الشيخ بولده أحمد بن الصديق، وهو أكبر أبنائه، وهو الذي وضع له هذه الترجمة، ثم اجتمع له في الفقراء فكان يقرأ عليهم سير الأولياء والصالحين وأخبارهم، فلما كثروا اجتمع بهم بزاوية الشيخ محمد الحراق من طنجة.
وبعد حوالى السنتين ومع دخول سنة ١٣٢٣ هـ، كثر الحديث عن كراماته وفضله ومناقبه بين أتباعه ومريديه، وتعلق الناس به تعلقاً شديداً، وأخذ يقرأ على الناس كتب التصوف.
وبعد مرور أربع سنوات بزاوية محمد الحراق (حوالى ١٣٢٧ هـ)، قرر الشيخ محمد الصديق أن يبني له زاويته الخاصة به، وقد أقبل عليه الناس من كل حدب وصوب، يأخذون عنه، ويتبركون به، وفي العام ١٣٢٨ هـ، رُزق الشيخ بابنه الثاني عبد الله بن الصديق، الذي صار فيما بعد أحد أعلام الحفاظ.
وكان سبب إقبال الناس عليه خطبه الحماسية التي كان فيها يسب الفرنسيين، ويحذر الناس من موالاة المستعمر الفرنسي، بالإضافة إلى مناهضته هذا العدو طيلة أيام حياته، واستعماله الفقراء في التصدي لهم، وتعرض بسبب ذلك إلى السجن والمضايقات.
وفي سنة ١٣٢٩ هـ، توجه الشيخ بعدد من أتباعه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، فالتقى بعلمائها وكبارها، وزار المسجد النبوي، وقبور الصحابة وآل البيت النبوي مطلع العام الثلاثين، واستضافه العلماء والأشراف في بيوتهم.
ثم بعد ذلك تواجد ببيروت، والتقى بالشيخ يوسف النبهاني، ثم توجه إلى القاهرة، ومكث بها أربعين يوماً، وزار ضريح آل البيت، وتعرف إلى شيوخ الأزهر وعلمائه وفي مقدمتهم محمد بخيت المطيعي.
وقد وقع للشيخ مع بعضهم مناظرات فى مسائل علمية وأحوال خالفوا فيها السنة والشريعة؛ كحلق اللحية وشرب الدخان والملابس الإفرنجية. وكان يقول في حق أهل مصر: أن هؤلاء القوم كادوا يرجعون إلى قبطيتهم الأولى ولم يبق لهم من الاسلام إلا الأسماء واللغة العربية.
ثم عاد قافلاً إلى المغرب، من طريق بورسعيد، فلم يتهيأ له الركوب، فأقام به نحو شهر فى انتظار ورود البابور ولد له فيه مولود، سماه محمد الزمزمي، وذلك يوم الأربعاء، خامس عشر جمادى الأولى سنة ١٣٣٠ هـ، وكانت فرنسا قد استولت على المغرب بخيانة بعض حكامها، وفي الشهر الذي بعده وصل إلى طنجة.
ثم عاد إلى الحجاز، ثم إلى المغرب وفي العام ١٣٣٥ ه ولد له عبد الحي بن الصديق، يليه بثلاث سنوات ولده عبد العزيز بن الصديق، أي سنة ١٣٣٨ هـ، ثم عاد إلى القاهرة مرة أخرى فالتقى بعلمائها وشيوخها، وحصل له فيها إكرام عظيم.
ثم توجه راجعاً إلى المغرب ليولد له الحسن بن الصديق في العام ١٣٤٤ هـ، وفي العام ١٣٥٤ هـ ولد له إبراهيم بن الصديق وهو الأخ الغير شقيق لإخوته، وتوفي أبوه بعده بشهرين، وكفله أخوه الأكبر أحمد.
وبرع الشيخ -رحمه الله -في عدد من الفنون، منها: الفقه، والأصول، والكلام، والتصوف، والتفسير، والحديث، والنحو، والصرف، والمنطق، والتاريخ، والتراجم، والطب، والأنساب، والسياسة الشرعية، مع المشاركة القوية في سائر العلوم، وأما الأنساب فكان إليه المرجع فيها بتلك الأقطار حتى كان يخبر أناساً. بنسبهم وكونهم من أهل البيت من غير أن يكون عندهم علم بذلك!.
وكان الشيخ -رضي الله عنه -عاملاً بالسنة، وما صح لديه من الدليل، من غير نظر إلى مخالفة المذهب، ولا ماجرى عليه العمل، امتثالاً لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم كما هو واجب على كل مسلم موحد، لا سيما في النصف الأخير من عمره، فانه كان يعلق بذلك ويدعو إليه، وأمر بكثير من السنن المهجورة في مذهب مالك كالتعوذ ،والبسملة، والجهر بالتأمين، ورفع اليدين في الانتقال، ووضع اليمين منهما على الشمال، والسلام من الصلاة مرتين، مع زيادة ورحمة الله، والأذان بين يدى الخطيب يوم الجمعة ،وغير ذلك.
وكان يعطر مجالسه الخاصة بذكر الاجتهاد والعمل بالسنة، ويبدى تعجبه من المقلدة الجامدين الجهلة المعرضين عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويناظر في ذلك ويبالغ في تقريره، لاسيما مع كبار الفقهاء وشيوخ المقلدة وقد ناظر محمد المهدي الوزاني لإنكاره الاجتهاد، ومع حمدان الونيسي الجزائري حول مسألة التقليد، وكان شديداً على المقلدة (ص ٦٠، ٦١).
وكان محبا لسائر المذاهب، معظماً لها، مصوباً لجميع الأئمة رضى الله عنهم من جهة اجتهادهم، وجلالة منصبهم، وعظيم مكانتهم في العلم والدين؛ فكان يمدح مذهب الشافعى للعمل بالحديث، ويمدح كتب أهله لاعتنائهم بالدليل، ويمدح مذهب مالك لكونه مذهب عالم أهل المدينة إلا أنه يذم صنيع المتأخرين من المالكية في الإعراض عن الدليل، وكثرة الاختصار المجحف، وعدم بسط القول والتعليل، ويشهد للحنفية بالبراعة فى الفقه وكثرة الفروع ودقة النظر في استخراجها، ويقول: هم الفقهاء على الحقيقة، إلا أنه يشهد عليهم بالتعصب المفرط الذي اختصوا به من بين أهل المذاهب، ويتعجب من إفراطهم فيه غاية، ويحكى عنهم نوادر في ذلك، ويمدح مذهب أحمد بن حنبل للوقوف على الوارد غالباً، ويحب مذهب الزيدية ويعترف بفضلهم وبراعتهم في الفقه، واستنباط المسائل وذكر الدليل في كتبهم، وكان يحبها ويرغب في الحصول عليها، ويسأل عنها بتلهف. لا سيما البحر للإمام المهدى والسيل الجرار ونحوها من الكتب التي يكثر الشوكاني من النقل عنها والاحالة عليها من مؤلفاته ومؤلفات غيره.
وكان الشيخ رضي الله عنه محبًا للكتب، شديد الرغبة في اقتنائها وتحصيلها، ولو بالأثمان الغالية التى يستغرب من دفعها فى مثل ما دفعت فيه، ولو لم يكن ذلك الثمن متيسراً لديه، بل كان يستدين أو يبيع شيئاً من اللوازم الضرورية ليشتري ما احتاجه من الكتب، بل قلما يعرض عليه كتاب فيوجد عنده ثمنه، إلا اشتراه خصوصاً في أو اخر عمره؛ حيث كان لا يمسك عنده شيئاً من الدنيا أصلاً، ومع ذلك فكان لا يفوت كتابا يمكنه الحصول عليه.
وذكر أنه عند اقتراب أجله، كان في غاية الثبات واليقين وأنفاسه متصاعدة بالذكر، قال ودخلت عليه مرة بعد ما سقط لسانه فصار يشير بسبابته، كأنه يقول: لا إله إلا الله، وتوفى صبيحة يوم الأحد تاسع محرم سنة ١٣٥٤ هـ.
فهم عجيب لمحمد الصديق الغماري
(ذكر الطائرات والغواصات، والألغام، والسيارات، والراديو والتليفون في الحديث النبوي):
وأما الطائرات الحربية؛ ففى قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم} الآية إشارة إلى الطائرات الحربية والغواصات، بل هي ظاهرة فى ذلك، لا سيما وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في تفسيرها أنها كائنة، ولم يأت تأويلها بعد، رواه أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص.
بل مع هذا الحديث يجزم بأن الآية واردة في هذا لا في غيره مما ذكره المفسرون، وهى أيضاً شاملة للألغام التي تزرع في الأرض. وتنفجر من تحت الأرجل.
وكذلك قول الله تعالى: {والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا، والناشرات نشراً، فالفارقات فرقاً فالملقيات ذكراً، عذراً أو نذراً، إنما توعدون لواقع}؛ فإنه وصف للطائرات الحربية بجميع حركاتها وأفعالها، تعصف بقنابلها، وهى تحتمل معنيين في اللغة تترك الناس كعصف مأكول، وتميل أحياناً عن هدفها، وهذا معنى العصف فى اللغة، وتنشر المنشورات فى ميادين القتال على الجنود وفى المدن على الأهالى والسكان بالدعاية والأخبار عن الحقائق التي تسترها عنهم حكومتهم كما هو الواقع اليوم، وتفرق بين الجموع والكتائب فرقاً لأن الرعب بها والهزيمة أشد من غيرها بحيث لا يثبت تحتها فرد ولا جمع بل بمجرد رؤيتها يقع الفرار والتخفي تحت الكهوف والملاجىء، وتلقى ذكراً في المنشورات عذراً أو نذراً تنذر وتخوف وتهدد وتوعد وربما اعتذرت عن بعض ضربها للأماكن البريئة كما هو واقع ومشاهد، وربما أرسلتها بين يدى هجومها وضربها انذاراً وطلباً للخضوع.
وأما السيارات على اختلاف أنواعها فوردت فيها أحاديث كثيرة مصرحة وملوحة؛ فمن الأحاديث المصرحة ما رواه أبو يعلى بسند صحيح من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاحتراق الحزمة)؛ فهذا حال السيارات وقدر طيها للمسافات.
وورد في بعض الأحاديث الأخبار بتقارب الأسواق، وذلك بسبب السيارات أيضاً وإن فهم العلماء أن ذلك بكثرتها وقرب بعضها من بعض، والواقع خلاف ذلك؛ لأنهم لم يكن فى زمانهم سيارات حتى يحملوا الأحاديث عليها كما هو الواجب؛ لأن الأسواق لم تكثر عما كانت عليه كثرة يقرب بعضها من بعض، بل لم تكثر أصلاً، ولا تزال كما كانت وإنما قربت بسبب السيارات.
ففي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أيضاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ابن مريم حكماً عدلاً، فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها)، والقلاص الجمال وإنما يترك السعى عليها استغناء عنها بالسيارات.
وقد ظهر أثر ذلك في الحجاز؛ فإنه مع عدم تعبيد الطريق لسير السيارات وكون السفر فيها لا يزال متعباً ومعرضاً للخطر بانكسارها فى الرمال والأحجار لم يبق أحد يركب القلاص إلا القليل ممن لا يستطيع دفع ثمن السفر فيها فإذا ما عبدت الطرق وسهل السفر فيها ورخص ثمنه فإن السعى على القلاص يترك تماماً فى الحجاز كما ترك في غيره طبقاً لما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ويشير الى هذا أيضاً قول الله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذرياتهم في الفلك المشحون، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون}؛ فإن مثل الفلك المشحون الذي يركبه هو السيارات، وبابور السكة الحديد لا الجمال كما يقوله المفسرون المعذورون لعدم وجود ذلك في أزمانهم.
وأما الراديو والتليفون فيشير اليهما قول الله تعالى ويقذفون بالغيب من من مكان بعيد بل هى ظاهرة فيهما، ويشير إلى إذاعة المقالات العلمية في الراديو الخبر الآتي في المطابع.
فقد قال الدارسي في سننه أخبرنا مخلد بن مالك عن حجاج بن محمد عن ليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن أبى الزاهرية يرفع الحديث: (إن الله قال: أبث العلم في آخر الزمان حتى يعلمه الرجل والمرأة والعبد والحر والصغير والكبير؛ فاذا فعلت ذلك بهم أخذتهم بحقى عليهم) ورواه أبو نعيم في الحلية فى ترجمة أبى الزاهرية من رواية ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبى الزاهرية به، إلا أنه قال: بلغنى فى بعض الكتب فذكر مثله.
وانتشار العلم قد حصل بسبب ظهور المطابع التي كثرت الكتب بطبعها وصارت تدخل فى يد الناس كافة، إلا أن الحديث يفيد أن الراديو سيزيد انتشاراً في العالم حتى يمتلكه كل غنى وفقير ويوجد في أغلب البيوت، وأنها ستكثر المحاضرات العلمية فيه حتى يعلم ذلك من طريقه النساء في البيوت والخدم والعبيد وغيرهم فيقع ما أخبر الله تعالى به نسأل الله اللطف والسلامة والمغفرة بمنه.
فائدة » ستخترع فى المستقبل أمور أخرى لم تظهر بعد منها أحذية ونعال فيها آلات فوتوغرافية أو نحوها يرتسم فيها كل ما يقابلها أو فوتوغرافية ينحبس فيها كل صوت قريب منها وكذلك سياط بهذه المثابة تستعمل فى الجاسوسية وتوضع أمام من لم يشعر بها ينطق ويتكلم أو يفعل ما يريد وكل ذلك يرتسم وينحبس فى ذلك الحذاء أو السوط فيكون مخبراً به وشاهداً عليه ويتركه الرجل فى بيته بين أهله فاذا رجع أخبره بجميع ما فعلوه هكذا وردت به السنة وهو وإن لم يظهر بعد فقد ظهرت بعض أنواعه.
_____________________________
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فإنى كنت جمعت كتاباً فى ترجمة والدى. قلت في أوله: ((الحمد لله الذي أنار القلوب بأنوار معارف أوليائه، وأشرق فيها شموس الهداية بأسرار علوم أصفيائه، وجعلهم نجوماً يهتدى بهم في ظلمات الجهل من أسعده الله بحبائه، ورفع عنه حجاب المعاصرة فأشهده خصوصية خاصة أحبائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تستوجب بها نيل رضائه ، ونستجلب بها كمال السرور عند لقائه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه وخليله، أعلم العلماء بصفات الله وأسمائه، وأعرف العرفاء بجلال عظمة الله وكبريائه، وأشرف مخلوقات الله فى أرضه وسمائه، صلى الله عليه وعلى آله الفائزين برضى الله، والقائمين بشكر نعمائه، وصحابته السابقين إلى إجابة دعوته وتلبية ندائه، أما بعد:
فلما كان شكر المنعم من أوجب الواجبات وأشرف الخصال: وبر الوالدين من أعظم القربات وأفضل الأعمال، وكان تدوين مناقب الشخص وفضائله، ونشر محاسن أخلاقه وشمائله من تمام البر به وشكر نعمته، والقيام بخدمته ورعي حقوقه وحرمته، جمعت کتابى هذا في مناقب سيدي وأستاذي ووالدي الشيخ الإمام العلامة البحر الهمام، غوث الأنام، ومصباح الظلام، مفيد الخاص والعام، ومقتدى الأولياء العظام، بحر العلوم والمعارف، ومعدن الأسرار واللطائف، مربي المريدين، ومرشد السالكين، خاتمة العلماء العاملين، وغرة جبين الأولياء الكاملين، صاحب الكرامات الظاهرة، والخوارق المعجزات الباهرة: والأخلاق الزكية الزاهرة، والشيم المرضية الطاهرة. الغوث الصمدي والفرد المحمدي. الختم الجامع، والضياء اللامع، برزخ الحقائق والشرائع، المجتهد المطلق المخصوص بعناية الله على التحقيق. والمنعم عليه بكمال الهداية والتوفيق، مولانا محمد بن الصديق رضى الله عنه وعنا به، ونفعنا ببركاته قياماً ببعض ماله على من الحقوق العظيمة وأداء لبعض ما وجب من شكر نعمه الجسيمة، فانه أنعم على دينا ودنيا، وأحسن إلى روحاً وجسماً، جزاه الله عنى أحسن الجزاء، وجمع بينى وبينه في دار الكرامة والبقاء آمين.
وقصدت مع ذلك نفع الراغبين في العمل الصالح، والاهتداء بهدي حزب الله الفالح، وانتهاج مناهج أهل الله ذوي المتجر الرابح وسميته (سبحة العقيق، بذكر مناقب الشيخ سيدي محمد بن الصديق).
ورتبته على ثلاثة عشر باباً:
الباب الأول: فى نسبه ومقر أسلافه، وسبب انتقالهم من أحواز تلمسان إلى غمارة.
الباب الثاني: في ترجمة أجداده من قبل الأب والأم، وذكر مالهم من المناقب والكرامات.
الباب الثالث: فى ولادته ونشأته وطلبه للعلم، وسلوكه طريق القوم، ومجمل تاريخ حياته.
الباب الرابع: فى وصف حالته العلمية ومواهبه الفتحية.
الباب الخامس: في سرد جملة من أخلاقه السنية السنية وأحواله الزكية المرضية
الباب السادس: فيما أكرمه الله به من الفضائل والمزايا وما أجراه على لسان خواص عباده من مدحه والثناء عليه نثراً ونظماً.
الباب السابع: فى بعض ما جرى على يديه من الكرامات وأخبر به من الغيوب والمكاشفات.
الباب الثامن: فى الأوراد والأذكار التي كان يلقنها ويأمر بها أصحابه.
الباب التاسع: في ترجمة بعض أولاده وزوجته الأولى التي توفيت في حياته.
الباب العاشر : في ترجمة من عرف من مشايخه ومجيزيه في العلم الظاهر.
الباب الحادي عشر: في ترجمة شيخه فى التصوف وسلوك طريق القوم.
الباب الثاني عشر: فى سلسلة طريقه وتحقيق اتصالها بأبي الحسن الشاذلي
الباب الثالث عشر: فى ذكر مرضه وانتقاله وما قيل في رثائه.
واعلم أنه قد سبقنى إلى تدوين مناقب الشيخ جماعة من الفضلاء. منهم الفقيه المفتى المؤرخ أبو عبد الله محمد بن العياشي سكيرج الفاسي، وسمى كتابه (نبذة التحقيق)، والعالم العامل الصوفى الخطيب أبو حامد العربي بن العربي بوعياد الطنجي، وسمى كتابه (نسمات وادى العقيق)، والأديب الصوفي أبو عبد الله محمد بن الأزرق الفاسي ثم الزياتي، واسم كتابه (حادي الرفيق)، والفقيه المدرس أبو حامد العربى بن المبارك العبادي السلاوي، وكان شرع في كتابته أيام حياة الشيخ رضى الله عنه، لكن صوارف الزمان الله صرفته عن إكماله، وشواغل الدنيا شغلته عن الفوز بسعادة إتمامه، وكل هذه المؤلفات حاضرة لدى، وشاهدة بأنى حمت حول القيام بما وجب علي، فإنها بالنسبة لكتابي كقطرة من نهر أو غرفة من بحر، إذ رب البيت أدرى ما فيه، وصاحب القصيد أعلم بقوافيه، إلا أنه لما كان كتاب الفاسي واسع القول، كبير الحجم، تقصر الأيدى غالباً عن استنساخه وكتابته، وتكل الهمم دون استيعابه وقراءته اختصرته بحذف ثلاثة أبواب بكاملها، وهى الباب الثامن والتاسع والعاشر، ولخصت مقاصد الأبواب العشرة الباقية في هذا المختصر. وسميته: التصور والتصديق بمناقب الشيخ سيدي «محمد بن الصديق».
الفهرسة:
خطبة الكتاب ١
ذكر الأبواب والتراجم ٢
الباب الأول فى نسب الشيخ ومقر أسلافه ٤
الباب الثاني في تراجم أجداده للأب والأم ٦
ترجمة جده سيدى عبد المؤمن الكبير الشهير بأبي قبرين ٦
ترجمة سيدى عبد المؤمن الصغير دفين غمارة ٧
ترجمة جده الأدنى سيدي الحاج أحمد بن عبد المؤمن ٨
سيدى الحاج الصديق والد الشيخ ١٣
والدة الشيخ ١٥
والدها سيدي أحمد بن عجيبة الصغير دفين طنجة ١٦
والده سيدي أحمد بن عجيبة الكبير صاحب التفسير ١٨
الباب الثالث فى نشأة الشيخ وطلبه العلم ومجمل تاريخ حياته ٢٢
بعض وقائع الشيخ ضد فرنسا ومحاربته لها ٢٩
توجه الشيخ للحج وما وقع له من مناظرات علمية وغيرها ٣١
امتناع الشيخ من مقابلة السلطان عبد الحفيظ مع إلحاحه وبذله المال الكثير ٣٦
ما حصل للشيخ مع فرنسا أيام الحرب العالمية الأولى ۳۸
سب الشيخ لفرنسا وحثه على الجهاد ضدها في دروسه علناً ٤١
حضور الشيخ لمؤتمر الخلافة بالقاهرة بدعوة من الحكومة المصرية ٤٣
الباب الرابع فى وصف حالته العالمية ومواهبه الفتحية ٤٥
مهارة الشيخ في الطب ٥١
براعة الشيخ في الأنساب وعلم الفلك وغيرهما ٥٦
حرص الشيخ على العمل بالسنة ولو خالفت المذهب ٥٩
حب الشيخ لسائر المذاهب وتبحره فيها ٦٣
رغبة الشيخ فى اقتناء الكتب العلمية بأي ثمن كانت ٦٥
بعض مؤلفات الشيخ وفتاواه ٦٦
بعض الأحاديث الواردة في المخترعات العصرية كالطيارة والراديو ٨٢
بعض رسائل الشيخ إلى الفقراء في مختلف جهات المغرب ٨٨
الباب الخامس فى سرد جملة من أخلاقه السنية وأحواله الزكية ٩٨
تعظيمه لمشايخه الذين أخذ عنهم العلم ولو مسألة واحدة ٩٨
تعظيمه لحملة القرآن خصوصاً حفاظ القراءات السبعة ١٠٠
احترامه البالغ لأهل البيت كيفما كانوا ۱۰۲
تنشئة أولاده على الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ١٠٤
ومن أغرب أحوال الشيخ مع أولاده أنه ما قدمهم على أحد ولا انتصف لهم منه ١٠٥
كان الشيخ وصالاً لرحمه الجسماني والروحاني ١٠٩
كان لا يخرج إلى السوق ولا يمر في الشوارع العامرة ١١٠
كان مفرد زمانه في قضاء حوائج المسلمين وإغاثة الملهوفين ۱۱۲
كان ينزل الناس حسب منازلهم التي أنزلهم الله بها ١١٤
حالة الشيخ جامعة بين الشريعة والحقيقة ١١٦
كان لا يذهب إلى أحد من أهل الدنيا ١١٧
كان شديد الكراهية لما فيه تشبه بالكفار ولو في الشيء اليسير ١١٩
كان يكره الوظائف الحكومية خصوصاً القضاء والعدالة ١٢٠
شيء من ورعه واحتياطه الشديدين ۱۲۱
ما أكل طعام الكفار ولا حلواء هم طول حياته ١٢٣
شيء من زهده الذي انفرد به في الدنيا ١٢٥
رفض الشيخ ما عرضت عليه فرنسا وأسبانيا من الأموال الكثيرة ليساعدها ١٢٦
حقارة الدنيا فى نظره بشكل لم يسمع به منذ عصر الصحابة ۱۲۷
توكل الشيخ هو توكل كبار العارفين ۱۳۲
كان منقطع النظير فى السخاء والجود ١٣٦
كان يتعجب من حال أهل العلم وميلهم إلى الدنيا ١٤٠
كان يعطى المحتاج من غير سؤال ١٤١
كان مفرد زمانه فى الحلم والعفو والصفح ١٤٢
كان في التواضع بالمنزلة العليا ١٥٠
من تواضعه سكناه بطنجة التى لا يعرف أهلها علما ولا فضلا ١٥٣
عداوة أهل طنجة للشيخ مع إحسانه اليهم وبغضهم لأهل الفضل عامة ١٥٤
كان شديد الحياء ١٥٦
كان سليم الصدر والنية ١٥٧
كان يحب موافقة السنة في كل شيء ١٥٩
كان ينخدع لمن خدعه تغاضياً منه وتكرماً ١٦٠
كان يضع السبحة في عنقه ١٦١
الباب السادس فيما أكرمه الله به من الفضائل والمزايا وفيه جملة من المكارم والاخلاق لم تجتمع لغيره من العلماء والأولياء ١٦٧
فصل فى بعض مكاتب شيوخ العصر وأوليائه إلى الشيخ وبعض ما قيل في مدحه من القصائد ١٧٤
الباب السابع فى بعض ما جرى على يديه من الكرامات ۱۷۹
الباب الثامن في ترجمة شيخه في الطريق ۱۸۸
ترجمة سيدي عبد الواحد بناني ورفيقه سيدى الحاج أحمد ربيع ۱۹۳
الباب التاسع فى سلسلة الطريقة الصديقية ۱۹۸
مباحث تتعلق بسلسلة الطريقة وهي ستة ۲۰۱
الباب العاشر فى ذكر وفاة الشيخ وبعض ما قيل في رثائه ۲۰۷
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق