العرب تاريخ موجز
فيليب حتّي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: إن الأمة التي لا تعنى بماضيها لن يكون لها حاضر ولا مستقبل، وللأسف فإن من يكتب في التاريخ يسود الصفحات الكثيرة ظناً منه أن ثقافة القراءة عند شبابنا كبيرة، ولكن العكس هو الصحيح، ولعل عناية الغرب والمستشرقين بتاريخنا جعل أمثال فيليب حتّي الذي يحمل أفكاراً نصرانية، يكتب في هذا الموضوع، مستعرضاً انجازات العرب وفتوحاتهم، وأثرهم على العالم.
ولك أن تتخيل أن هذا الكتاب طبعت منه مئات الآلاف من النسخ، بلغات مختلفة منها الانجليزية والفرنسية، والأسبانية والبرتغالية، بل طبعت نسخة خاصة بالقوات الأمريكية المسلحة، وتم تدريسه بشكل خاص لهم، مدعماً بالخرائط الجغرافية، والرسومات التوضيحية،
ويتناول موضوع هذا الكتاب جميع الشعوب الناطقة بالضاد في الجزيرة وفي سورية ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن والعراق وفي إيران (أثناء وقوعها في أحضان العروبة) وفي مصر وبرقة وتونس والمغرب الأقصى وفي صقلية والأندلس في إبان ازدهار الحضارة العربية فيهما.
فابتدأ بالحديث عن البدو إذ هم مادة العرب الأصليين، وجغرافيا شبه الجزيرة العربية، ومناخها الصحراوي الحار، والقبائل التي سكنتها، وأشهر الحيوانات فيها، وأهم الحرف التي سادت فيها، واللباس الذي يرتدونه، وطرق اتصال العرب فيها بالأجناس غيرهم.
ثم تحدث عن التوحيد، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن، والعقائد الإيمانية، والفروض العملية، والمعالم الدينية والاجتماعية والعلمية والفنية بتأصيلها ونظمها، ثم سير الإسلام من الجزيرة إلى الصين شرقاً وأوروبا غرباً، وأهم الفتوحات والمعارك التي جرت للمسلمين مع غيرهم،وأهم عوامل بقائها، وانحدارها.
وذكر أن أساس الحضارة العربية هي آرامية، يونانية، وفارسية، وإنما عبرت عنها باللسان العربي، بالإضافة إلى إضفاء الشخصية العربية على هذه الآراء، وتحدث عن بدء الحياة الثقافية والاجتماعية، وأن التقدم الفكري والتصور الثقافي هما أخطر ما قدمه المسلمون في النهضة الأدبية والعلمية.
وبين دور الرق في امتزاج العنصر العربي بغيره من الأجناس، والذي بعث على نشأة أنواع مختلفة من العلوم لم تكن معروفة، فكان أبو الأسود الدؤلي (ت ٦٨٨م) هو أول من وضع علم النحو، ونشأت العلوم العربية الذي جاء أكثرها عن طريق الترجمة، وظهر الغناء وأشعار الحب لا سيما في عهد الدولة العباسية، وكان أول شاعر في الحب في العربية هو عمر بن أبي ربيعة ٧١٩ م.
ثم ظهرت العمارة الإسلامية سيما في المساجد التي تفنن المعماريون في بنائها، وتجلى ذلك في بناء قبة الصخرة عام ٦١٩م، والجامع الأموي بدمشق الذي بناه الوليد بن عبد الملك عام ٧٠٥م، واللذان كانا يمثلان رمزاً لفن العمارة الإسلامية، بالإضافة إلى أن المستنصر بالله بنى المدرسة المستنصرية ببغداد، وبنى المتوكل الجامع الأعظم في سامراء، بالإضافة إلى جامع قرطبة العظيم والذي بناه عبد الرحمن في العام ٨٧٧م، وكان يضاهي أجمل مساجد الإسلام، وتحول أخيراً إلى كاتدرائية بعد سيطرة الأسبان على الأندلس.
ثم ظهر فن الخط والكتابة والذي استعاض به المسلمون عن فن التصوير وبناء التماثيل، وقد ولدت فن الخط في عهد العباسيين، وبلغ ذروته في القرن الخامس عشر الميلادي.
ثم ظهر الترف والمجون، والموسيقى، التي قهرت عاصمة الخلافة، وسيطرت على أروقة القصور الملكية في عصر الخلافة العباسية، وكثر الرقيق من النساء والصبيان، واستحدث الخلفاء الغلمان والخصيان، ثم ظهرت الغلاميات، وهن نساء وضعت على رؤوسهن العمائم ولبسن لباس الذكور.
وقسم المؤلف الفتوحات العربية إلى ثلاثة أقسام: الأولى منها السياسية الحربية، والثانية: الدينية، وابتدأت في القرن الأول من حكم العباسيين واعتنق خلالها السواد الأعظم من سكان الدولة دين الإسلام، والثالثة: فوز اللغة العربية على لغات الشعوب المغلوبة، حتى أصبحت في وقت من الأوقات اللغة المعبرة عن العلوم المستجدة.
وتحدث عن ازدهار التجارة، وتطور الصناعة، وتقدم التعليم، ونمو الزراعة، والحركة العلمية في عصور الإسلام، والتي بلغت أوجها في الخلافة العباسية، ونشطت فيها الترجمة قرناً كاملاً من الزمان ٧٥٠ -٨٥٠ م، وبلغت الأندلس مستوىً عالٍ من العلم، حتى قيل:إن كل فرد في الأندلس يُحسن القراءة والكتابة، وبرع المسلمون في عدد منها: كالطب والرياضيات والهندسة والفلسفة والنبات، وأسست المستشفيات، وبنيت دور الشفاء، وكان أول عمل خطير فعله المسلمون التوفيق بين فلسفة اليونان والفكر الإسلامي.
وفي ختام القرن الثالث عشر كان قد تم نقل العلوم العربية وفلسفتها إلى أوروبا الوسطى وألماني، ومدن فرنسا الجنوبية، عن طريق حركة الهدايا، والقرصنات الصليبية على بعض المكتبات، واحتلال الأندلس، وسارت الدراسات العربية من الأندلس إلى سائر أنحاء أوروبا الغربية.
كلمة لا بُد منها
إن الناظر في واقع الأمة اليوم، يجد أن كلّ الوقائع تُرهص بالاكتمال والنُّضج، كما أن الهلال ارهاصٌ باكتمال البدر، ولعل هذه النظرة الإيجابية تأتي في أصعب الأوقات التي تمر به أمتنا، وعلى الرغم من المعارك الضارية التي تجري في أروقة المؤسسات الدينية، والخلاف العميق الذي يزداد عمقه بقدر الظلم الذي تمارسه بعض الأنظمة الفاسدة والخاوية من الداخل، وما نراه من تقريب بعض الفرق الضالة من تلك السلطات النازية، إلا لأنها تخدم سياساته العسكرية في إخضاع وإذلال الشعب.
ومن آثار هذا التقارب بين هذه الأنظمة وشيوخها المخلصين ما نراه من إقصاء كبير للأحزاب الإسلامية، ومحاولة تشويهها، والنيل من رموزها، بل الزج بعدد كبير من المفكرين والدعاة المسلمين في السجون، وقد باضت دجاجة هذه الفرق، لكن لم تكن ذهباً، بل كانت خداجاً من الحماقات المتوالية، والتبعية العمياء، وهم أول من يجني شوكها، ويذوق مُرَّها.
وبعد صعود هؤلاء السَّفلة، افتعل الملوك وأشباههم نزاعاً، طالت ألسنته رموز الطائفة السنية الممزقة أصلاً، ثم نقلوا ذلك بين طوائف السنة المتنحية وطوائف الشيعة، وتعرض هذه الخلافات في أجواء سينيمائية ينتابها التوتر، وصناعة العداوات، لتنقل العبارات التي تقال في الشاشات إلى أحداث دموية عنيفة وتفجيرات تراق فيها الدماء بلا حساب.
عند ذلك لن يلجأ الناس إلا للطائفة الأكثر استقراراً، والتي تمثلها طوائف المخرفين، الذين يُقدسون الحاكم، وينسجون حوله الأساطير، والعلة ليست في الحاكم ولا في تلك الطوائف، ولكن العلة الحقيقية في الأفكار التي يبثونها في الناس من نشر الانحلال الديني والأخلاقي، من خلال حلق الرقص، وثقافة الموسيقى، ونشر الأقوال الإلحادية، وترك الأفكار الإلحادية تسري في المجتمع، وكل هؤلاء مشاركون في هذه الجريمة، علموا ذلك أم لا.
ولك أن تتخيل أن القنوات التي تنقل الكذب، وتعرض الخلاعة والمجون، هي نفسها التي تخصص حلقات لإثارة الفتنة، بل قل الفتن التي تصنع داخل الغرف الإعلامية، لتثير العصبيات المذهبية، وصناعة أجواء الاختلاف حتى في أبسط المسائل العملية، ليتصل الأمر بالسخرية من العلماء، والحط على جزء كبير منهم.
ويمكنك وأنت تشاهد هؤلاء الغوغاء والسفهاء والسَّفلة (ولا حرج عليَّ إن سميتُ بعضهم) يتلون على أتباعهم القذارات والخرافات، ويسترهبون أتباعهم بألوان من الشعوذات والأكاذيب والتهديدات المتعلقة بحياتهم المعيشية والشخصية، فيتعلقون بهم أشد من تعلقهم بالله، ويدوسون على كل القيل والمثل التي درسوها في معاهدهم وكلياتهم، في طاعة أشبه ما تكون بالعمياء، فيتبعون الشيخ الضال، والمفتي الضال، والوزير الضال، لا لأنهم يستحقون الإجلال، بل لأنهم يحققون جزءاً مشتركاً من المصالح الشخصية، ولأنهم أعطوا ولاءهم للمنظومة التي لا يجوز مخالفتها.
فإن كان بإمكانك أن تصدقهم لحظات، فسوف تشعر بخفة وزنك، وانعدام شعورك بذاتيتك، وعندها لا يحتاج عدوك إلى عاصفة الصحراء ليقتلعك من مكانك، لأنّ النسيم يكفي، وستكون كالريشة في مهب الرياح لا فكر ولا حرية ولا وجود أصلاً.
ولا شك أن البون الشاسع بين ما كان عليه صدر هذه الأمة وما نحن عليه اليوم، إلا أن يقيننا هو أنّ أمّة الصحابة هي المثال البشري الأعلى الذي لن يتكرر، ووجودهم كان ضرورياً ليكون المقياس لنا، ولمن يأتي بعدنا، وكل المؤشّرات تقول إنّ الغد، بإذن الله، خير من اليوم.
ملخص هذا الكتاب
ذكر ولادة النبيُّ صلى الله عليه وسلم في عام ٥٧١م، والذي ملك زمام السلطة الروحية والسياسة، وأخرج لهم كتاب (القرآن) الذي يدين به سبع سكان المعمومة، ويعتبرونه القول الفصل في الخصومات، ثم تزوج بخديجة عام ٥٩٦م، ورزق منها بالأولاد، ونزل عليه الوحي، وحصل له الإسراء والمعراج، ودعا إلى توحيد الله وعبادته.
وفي ٢٤ أيلول عام ٦٢٢ م، لحق النبي بالمدينة في حادثة الهجرة، وفي ١٦ تموز ابتدأ التقويم الإسلامي الذي أمر به عمر بن الخطاب.
وفي ٦٢٨ م حج النبيُّ صلى الله عليه وسلم على رأس ١٤٠٠ مؤمن من مكة، في العام ٦٣٠ م، دخل التبيُّ مكة، وحطم نا بها من الأصنام، وعرف هذا العام بعام الوفود، وكان ذلك يوافق العام ٩ هـ، وأعلنت كل القابئل الطاعة والولاء لمحمد صلى الله عليه وسلم.
في ٨ حزيران، ٦٣٢م أعلنت وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وتكونت الدولة المسلمة من المهاجرين والأنصار، الذين فتحوا البلاد، ثم جمع القرآن بعد ١٩ سنة من وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ثم انتقلت الخلافة إلى أبي بكر من سنة ٦٣٢ إلى ٦٣٤ م؛ فحارب المرتدين ووحد الجزيرة.
ثم جاء عمر ٦٣٤ - ٦٤٤م، فأدار الدولة الإسلامية اقتصاياً، وأمّن مصالح العرب في المناطق المختلفة، وقتل عمر بخنجر مسموم سدده إليه أبو لؤلؤة المجوسي، وهو غلام فارسي.
وفي عهده وبالتحديد في ٢٠ آب سنة ٦٣٦م استطاع خالد بن الوليد أن يهزم خمسين ألفاً من البيزنطيين على أعتاب دمشق، واكتسح جيشه حتى وصل إلى جبال طوروس، وهي تخوم سورية الطبيعية في الشمال.
وفي سنة ٦٣٧م اشتبك المسلمون مع الفرس في سلسلة من الوقائع، وعبر المسلمون دجلة، وفتحوا العراق، ووصلوا إلى إيران وآسيا الشرقية، وتوغل المسلمون في فارس حتى وجدوا أنفسهم على أعتاب الهند سنة ٦٤٣م.
وفي سنة ٦٣٩م نهض عمرو بن العاص إلى فتح مصر وما حاذاها من أرض فلسطين في معركة محكمة، قام فيها بتشتيت الأعداء، ثم حصارهم، ثم الانتصار عليهم،
ثم تولى عثمان ٦٤٤ -٦٥٤م فجرى في خلافته فتح أرمينية وإيران وأذربيجان، وكان شيخاً حكيماً، وعادلاً منصفاً، إلا أنه عجز عن التحكم في أطماع ذوي قرباه، وقامت عليه الفتنة، وكان أول خليفة فتكت به أيدي مسلمة في ١٧ حزيران عام ٦٥٦م.
ثم تولى الخلافة علي بن أبي طالب ٦٥٤-٦٦١م، وجابه في أوائل خلافته كلاً من طلحة والزبير زعيما الحزب المكي، وانضمت إليهما السيدة عائشة رضي الله عنها، وما كان من عليٍّ إلا أن قمع هذه الفتنة، بالضرب على يد مناوئيه بوار البصرة في ٩ كانون الأول سنة ٦٥٦ م، والتي عرفت بموقعة الجمل، نسبة إلى جمل عائسشة، وفي هذه الوقعة قتل طلحة والزبير وأسرت السيدة عائشة.
واستتب الأمر لعليٍّ رضي الله عنه ظاهراً، لكن معاوية لم يُسلّم له بالخلافة، وامتد الأمر إلى صراع بين بيتين قرشيين، وتناظرت الكوفة ودمشق، والتقى الجيشان مصطفين على ضفة الفرات الغربية، ولما حصل التحكيم، انحازت فرقة من جيش علي ضده، وهم الخوارج، فضربهم علي على ضفة النهروان، عام ٦٥٩ م، وبقيت منهم باقية نزحت إلى شمالي أفريقية وعُمان، وهم الإباضية.
وقتل عليٌّ رضي الله عنه على يد أحد الخوارج ، وهو خارج إلى الصلاة من داره بالكوفة في أواخر كانون الثاني عام ٦٦١م.
ومن ثم استتب الأمر لمعاوية، بعد أن اصطلح مع الحسن أن يُسلمه السلطة بعده، لكن الحسن قُتل مسمواً في سن الخامسة والأربعين، وأما أخوه الحُسين فآثر الاعتزال مدة معاوية، ولما مات معاوية أخرج إلى الكوفة ورفض بيعة يزيد، فقتل في كربلاء في ١٠ من تشرين الأول سنة ٦٨٠م.
وكان معاوية داهية بني أمية، وفي خلافته اتجه إلى مبدأ توريث الحكم، وترك مبدأ البيعة، الذي هو مبدأ شبه انتخابي، وبأثره تعاقبت ثلاث خلافات سلالية عظيمة:
أولها: السلالة الأموية ابتدأ بخلافة معاوية في الشام سنة ٦٦١ م، حكم خلالها ١٤ خليفة من العاصمة دمشق، وكان آخرهم مروان الثاني بن محمد، الملقب بالحمار ٧٥٠ م، وقد استطاع الأمويين تأسيس أقوى دولة إسلامية على مر التاريخ، وابتدأ فتح الأندلس في عهد هذه الدولة عام ١٧١٢م.
ودخل الإسلام مقاطعات كبيرة من الهند، وتوجه المسلمون إلى أسبانيا عن طريق البربر بقيادة موسى بن نصير، ثم أرس موسى القائد الفاتح طارق بن زياد، فافتتح طُليطلة، وتعمق في فتوحاته في شبه الجزيرة الأيبيرية؛ حتى سقطت الأندلس في يده، ثم جاء بعده الحر بن عبد الرحمن الثقفي وأكمل مسيرته حتى آخر نقطة في أسبانيا وحصلت معركة (بلاط الشهداء) التي أوقفت المد الإسلامي.
وثانيها: الخلافة العباسية ببغداد من ٧٥٠ م إلى ١٢٦٨م، والتي دامت خمسة قرون، تعاقب عليها سبعة وثلاثون خليفة، وقد نشأت على يد عبد الله بن محمد السفاح، حيث قام العباسيون بقيادة السفاح في العام ٧٤٧م، بثورة ضدهم، وسيطروا على الجانب الشرقي من العالم الإسلامي، بينما بقي الجزء الغربي شمالي أفريقية والأندلس تحت حكم الأمويين، وتمثلت هذه الخلافة في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى (٧٥٠ -٨٤٧): الصعود والذي حافظ فيه العباسيون على العنصر العربي وشملت ٩ خلفاء، وكانت هذه المرحلة هي الذهبية بالنسبة للخلافة العباسية، حيث باشر المنصور فيها بناء بغداد سنة ٧٦٨ م، وفي عهد هارون الرشيد أصبحت بغداد عاصمة الخلافة العباسية.
وتزامن صعود الدولة العباسية مع تأسيس الدولة الأموية بقرطبة كان ابتداؤها على يد عبد الرحمن الأول بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ٧٥٦ م، وآخرهم عبد الرحمن الناصر ٩٣٩ م، ويشمل هذا العصر ٨ أمراء، وفيه استطاع الأمويين إحياء الدولة الأموية في مغرب العالم الإسلامي، بعد سقوطها على يد العباسيين، كما استطاعوا توحيد الأندلس في ظل إمارة واحدة، والقضاء على جميع الفتن فيها.
وفي عام ٨٣٠ م أنشأ المأمون بيت الحكمة في بغداد، واعتنى بالكتب الفلسفية، وأيد المعتزلة التي تُحّكم العقل على كل شيء، وتعرض المسلمون خلال تاريخهم إلى انتشار الأوبئة والطواعين والتي بلغت في القرون الأربعة الأولى ما لا يقل عن ٤٠ طاعوناً ووباءً كبيراً.
والمرحلة الثانية (٨٤٧ -٩٤٥ م): وهذا العصر هو أول عصور الضعف والانحطاط، وظهور المجون والخلاعة، وتحكم العنصر التركي في العربي، وشملت ١٣ خليفة أولهم جعفر المتوكل وآخرهم المستكفي بالله، وظهر استقلال الولاة والسلاطين في شؤون ولايتهم بل وتأسيسهم دول مستقلة تمامًا في بعضها، كان تدخل الجيش في تعيين الخلفاء.
والمرحلة الثالثة (٩٤٥ -١٠٥٥م): وبلغ عدد خلفاء هذا العصر ٥ خلفاء، أولهم المستكفي بالله وآخرهم القائم بأمر الله، وقد زادت دولة الخلافة العباسية في هذا العصر ضعفًا.
وفي أثناء المرحلة الثانية من الدولة العباسية ظهرت الدولة الفاطمية عام ٩٠٩ واستمر حكمها في مصر إلى ما بعد المرحلة العباسية الثالثة عام ١٠٧٧م، بينما انتهى حكمها في أفريقية في وقت مبكر سنة ٩٧٢م، وكان أول خلفائها عُبيد الله المهدي، وآخرهم العاضد لدين الله، وتناوب على خلافة الدولة الفاطمية ١٤ رجلاً.
ورافقها في ذلك تحول الدولة الأموية في الأندلس من كونها تابعةً للدولة العباسية إلى حكم شبه مستقل (٩٢٩ -١٠٣١ م)، بعد أن أعلن الأمير عبد الرحمن بن محمد نفسه خليفة قرطبة ولقَّب نفسه بالناصر لدين الله. وفيه ازدهرت الأندلس وبلغت أوج عظمتها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وعسكرياً، وكان آخر خلفائها هشام المعتد بالله.
ثم سقطت الخلافة الأموية في الأندلس لكثرة الخلافات بين المسلمين لا سيما الدويلات المفتلعة: بني مرين، وبني حفص، وبني زيان، وتخاذل الجميع، وظهرت الدويلات الصغيرة في النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي، فكان ما لا يقل عن 20 دويلة أقيمت في 20 مدينة، والتي سميت بعهد ملوك الطوائف، وسقطت كلها بأيدي المسيحيين.
وتعرض المسلمين في الأندلس إلى اضطهاد وقتل وتشريد من قبل الأسبان، وجرى إجلاء المسلمين عن أرض أسبانيا في عهد فيليب الثالث سنة ١٦٠٩م، ثم ظهرت دولة المماليك، فالأيوبيين، وعقبها،
وظهرت الدولة الطولونية في مصر، وهي أول دولة إسلامية تستقل بمصر، فقد عَّين الخليفة العباسي أميرًا تركيًا على مصر هو (بايكباك) وهو بدوره أناب عنه أحمد بن طولون (الذي كان أبوه مملوك تركي من تركستان وكان رئيس حرس الخليفة المأمون)، فاستقل أحمد بن طولون بمصر وكوَّن جيشًا عظيمًا فاستولى على بلاد الشام، ثم زحف شمالًا إلى الروم، لى الروم، وانتصر في طرسوس، وتولى حماية الثغور من الروم، انهارت الدولة عام ٩٠٥م.
كما ظهرت الدولة اليعفرية في صنعاء، والتي أسسها إبراهيم بن يعفر الحميري ، وكان نائبًا عليها من قبل الوالي العباسي، فاستقل بها، ويعتبر حفيده يعفر بن عبد الرحيم بن إبراهيم رأس الدولة، ومبدأ استقلالها الحقيقي، وكانوا يدفعون في البداية جزية لآل زياد، وبدأ استقلالهم الحقيقي ٨٦١م.
ثم الدولة الزيادية بزبيد، أسسها محمد بن عبد الله بن زياد (من ولد زياد بن أبيه)، وكان الخليفة المأمون قد أرسله إلى تلك المنطقة كي يقضي على حركة علوية، ويسوي الأمور فيها، فاستولى على المنطقة واستقل بها. وكان عهده عهد السلطة والنفوذ، وهو الذي بنى مدينة زبيد.
ثم الدولة الزيدية الطالبية، وقد نجح الحسن بن زيد (علوي من نسل الحسن بن علي) في تكوين هذه الدولة، حيث اقتطع من ملك بني العباس وآل طاهر طرفًا عظيمًا تحميه الجبال، بطبرستان والديلم (جنوب بحر قزوين)، ثم حكم أخوه محمد بن زيد، وتوالت الأسرة على الحكم، إلى أن استولى (مراداويج بن زيار) على السلطة، وكان من القادة العسكريين للزيديين، وتعاقبت ذريته على الحكم حتى سنة ١٠٧٨م.
ثم الدولة الصفارية، وهي دولة شيعية تأسست على يد يعقوب بن الليث الصفار (وهو من أصل فارسي)، وكان هذا يعمل صفارًا للأواني النحاسية في بداية حياتها ثم انخرط جنديًا في فرقة عسكرية في سجستان، فعلا شأنه، وصار قائدًا عظيمًا، فاستولى على سجستان وما حولها.
أما الدول المستقلة عن الدولة العباسية، فمنها الدولة الحمدانية، وهم شيعة رافضة، ينتسبون إلى حمدان بن حمدون، من قبيلة تغلب العربية، قام حمدان بدور هام في الحوادث السياسية في الموصل ، ثم اشتهر ابنه الحسين بن حمدان بحروبه ضد القرامطة، وعين الخليفة المقتدر أخاه عبد الله بن حمدان على الموصل وما حولها.
وكذلك الدولة البويهية: والبويهيون يعودون إلى بلاد الديلم (جنوب بحر قزوين)، وهم شيعة حاقدون على الإسلام، متعصبون، أتوا بأفعال منكرة، وكانوا في البداية من الرعايا العاديين، على أن الأمجاد العظيمة التي حصل عليها بنو بويه دفعت بعض المؤرخين إلى أن يتوهموا لهم نسبًا رفيعًا، فنسبوهم أحيانًا إلى ملوك آل ساسان.
ثم الدولة الإخشيدية، وأصل الإخشيديين أتراك من فرغانة من بلاد ما وراء النهر، مؤسسها هو محمد الأخشيد بن طغج وهو من موالي أحمد بن طولون، فبعد الدولة الطولونية ظلت مصر تحت الخلافة العباسية مباشرة ٣٠ سنة، فتولاها محمد الإخشيد من قبل الخليفة الراضي، وازدهرت البلاد في عهده، واستطاع أن يضم بلاد الشام، ثم ضم الحجاز وحاول سيف الدولة الحمداني انتزاع الشام منه ففشل، وبعد موته خلفه ابناه وكانا صغيرين، فكانا تحت وصاية مولاه كافور الذي كان عبدًا حبشيا للأخشيد، فحكم الدولة واستبد بالأمر دونها، وحارب الحمدانيين، وراجت التجارة في عصره، وشجع الأدباء والشعراء ومنهم أبو الطيب المتنبي ، وبعد وفاته ضعفت الدولة، حتى قضى عليها الفاطميون.
دولة عمران بن شاهين في البطيح بالعراق، وكان عمران بن شاهين جابيًا لمعز الدولة البويهي، ثم هرب إلى البطيح (بين واسط والبصرة)، فكثر أصحابه حوله، ونظم بهم جيشًا، أرسل معز الدولة ثلاث جيوش متوالية للقضاء عليه فمنيت كلها بالهزيمة فقوي أمره، واستمر يحكم أربعين سنة، كان شوكة في حلق بني بويه.
وظهرت الدولة الزيرية في الجزائر وتونس، وكانت هذه المناطق بيد الفاطميين، ولما تمكنوا من مصر انتقلوا إليها سنة ٩٧٣ م، وأنابوا عنهم بلكين بن زيري الصنهاجي في حكم الشمال الأفريقي، فاستقل هذا بالمنطقة. وأقام دولته، وتولى ابنه حماد بن بلكين ولاية المغرب الأوسط (الجزائر) وأقام بها الدولة الحمادية، وتدين هذه الدولة بالمذهب الشيعي.
وعندما أعلنت هذه الدولة استقلالها وانفصالها عن الفاطميين، أطلق عليهم الخليفة الفاطمي المستنصر قبائل بني سليم وبني هلال البدوية (كانوا يعيشون بصعيد مصر) فجازوا النيل إلى أفريقية، واستباحوا البلاد وألحقوا بآل زيري هزائم منكرة، فضعفت دولتهم واستمرت في الانحدار إلى أن قضت تمامًا.
ثم الدولة العقيلية في الموصل، والتي أسسها أبو الذواد محمد بن المسيب العقيلي، وخلفه أخوه حسام الدولة المقلد بن المسيب، سيطروا على الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها، دعوا للخليفة العباسي وبعض عدد خلفاء الدولة العباسي السابقين على المنبر، استمروا إلى أن قضى عليهم السلاجقة عام ١٠٩٥م..
ودولة المرابطين في المغرب ١٠٥٦ -١١٤٧ م، والتي حاول فيها القائد المسلم يحيى بن إبراهيم الكدائي جمع شتات القبائل وتوحيد البلان، فأعلن دولة المرابطين، وأسسها، إلى أن انتهت بسقوطها في أيدي الموحدين.
ثم تلا ذلك دولة الموحدين ١١٢١ -١٢٦٩ م، والتي أسسها ابن تومرت الذي ادعى المهدية، وتبعته قبائل من مراكش وما حولها، وقد تناوب على حكمها ١٣ خليفة، وتهاوت هذه الدولة مع بداية سقوط الأندلس بيد الأسبان.
ثم الدولة الأيوبية في مصر والشام وبعض المناطق الأخرى، ١١٧٤ -١٢٥٠م، وسميت بذلك نسبةً إلى الأفضل نجم الدين أيوب، وكانت عاصمتها القاهرة، وابتدأت بحكم الناصر صلاح الدين الأيوبي، وانتهت بحكم آخرين، أحدهما كان يملك حكماً حقيقياً، والآخر صورياً.
ثم الدولة المملوكية ١٢٥٠ -١٥١٧م، والتي انتقل الحكم فيها من شجرة الدر، حتى وصلت إلى محمد المتوكل على الله آخر خلفاء المملوكيين، والتي سيطرت على الشام ومصر، وتناوب فيها مماليك البحرية، والبرجية، وتناوب عليها ٥ من الخلفاء.
وأخيراً الدولة العثمانية التي بسطت سيطرتها على معظم العالم الإسلامي، ١٢٩٩ -١٩٢٣م، واختلفت عاصمتها، حتى استقرت في إستانبول، ومؤسسها هو عثمان الأول، أما أول الخلفاء فهو سليم الأول وآخرهم عبد المجيد الثاني، وتناوب على حكمها ٣٠ حاكماً، لكنها سقطت أخيراً بفعل الحملات الصليبية على بلاد المسلمين.
مقدمة الكتاب
لم تمض على وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مئة سنة؛ حتى أصبح العرب أسياد دولة أعظم من دولة الرومان في أوج عزها، دولة امتدت أرجاؤها من بحر الظلمات غرباً الى حدود الصين شرقاً، ومن جبال أورال شمالاً الى حدود السودان جنوباً.
وردد المؤمنون في كلمتي الشهادة اسم الجلالة والرسول من رؤوس المآذن في جنوبي أوروبا وشمالي أفريقيا وأواسط آسيا، فرجعت جبال الاندلس وسهول الهند والصين، ومجاهل الصحراء الكبرى أصداءها.
ودخل في دين العرب وفي لسانهم ودمهم من الشعوب والأجناس، ما لم يعهده التاريخ من قبل، حتى في أخبار اليونان والرومان، ولقد دون لنا التاريخ أخبار البابليين والآشوريين والكلدانيين والآراميين وغيرهم ممن ترعرع آباؤهم في مهد الجزيرة العربية، ثم نزحوا عنها الى البلدان المجاورة حيث شادوا دولاً عظيمة ما لبثت أن أتى الدهر عليها فعفت واندرست، أما العرب فكانوا ولا يزالون منتشرين في مركز من أهم المراكز الجغرافية تخترقه طرق هي بمثابة حبـــل الوريد من جسم التجارة العالمية.
ومنذ وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها أخذ انتباه العرب الى ما في ثقافتهم من ثروة يتزايد، وأخذ شعورهم الوطني ينمو ويستعر، فأخذت مصر تنشد استقلالها، ونودي بفيصل بن الحسين ملكاً على العراق، وبسط ابن سعود عاهل الجزيرة سلطانه على أواسط الجزيرة وشماليها.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها استطاع لبنان أن يحرز استقلاله ويتحرر من الانتداب ويؤسس أول جمهورية عربية، وتلته سورية، ثم نال الأردن استقلاله وأصبح مملكة تعرف بالمملكة الاردنية الهاشمية، وأطاحت ثورة ١٩٥٢م بالملكية في مصر وأصبحت جمهورية.
وكذلك فعل العراق، ونالت الجزائر والمغرب وتونس استقلالها، وأسست الجامعة العربية التي تضم الآن ثلاث عشرة دولة عربية مستقلة، لكل منها مندوب في هيئة الأمم المتحدة، ولأكثرها ممثلون دبلوماسيون في لندن وباريس وواشنطن وموسكو، وكثير غيرها من العواصم في العالم.
فمن وسط الرماد الهامد انبعثت اليوم العنقاء حية - والعنقاء من طيور الجزيرة - قوية الجناحين . فالاسلام دين الجزيرة، منتشر اليوم في انحاء العالم بأسره.
وعدد المؤمنين يبلغ أربعمائة وثلاثين مليوناً، وأصوات المؤذنين ترتفع من على رؤوس المآذن في جميع أنحاء العالم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار؛ فتملأ الفلك المحيط بالكرة الأرضية، وتتصاعد الى السماء، ولم يقتصر ما شاده العرب في تاريخ العصور على إنشاء دولة، بل تعدى ذلك إلى الثقافة والعمران؛ فلقد ورث العرب المدنيات القديمة التي ارتفعت معالمها على شواطىء الرافدين وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقية وفي وادي النيل.
واقتبسوا عن الإغريق والرومان القيم من مآثرهم، ثم أضافوا إليه كثيراً مما ابتدعوه، ومن ثم نقلوه الى أوروبا في عصورها المظلمة ونشروه فيها، فكان من جراء ذلك أن بزغ في أوروبا فجر تلك اليقظة العلمية التي لم يزل العالم الغربي، ومنه أميركا حتى اليوم يتمتع بحسناتها.
وليس من شعب آخر قام في القرون الوسطى بما قام به العرب في سبيل تقدم البشرية (ونحن هنا لا نطلق كلمة عرب على أبناء الجزيرة فحسب بل على سائر الشعوب اتخذت العربية لساناً)؛ فبينما كان فلاسفة العرب مكتين على دراسة تأليف أرسطو، كان شارلمان ورجال بطانته يحاولون إتقان كتابة أسمائهم.
وبينما كان علماء العرب في قرطبة يترددون على خزائن كتبها السبع عشرة، (ومنها خزانة حوت ٤٠٠,٠٠٠ مجلد) ويعودون إلى بيوتهم فينعمون بالاستحمام في حمامات بلغت الغاية في النظافة والاناقة كان الاساتذة والتلامذة في جامعة اكسفورد يستنكرون الاستحمام ويحسبونه من ملذات العيش الشهوانية التي يجب الترفع عنها.
ولتاريخ العرب أهمية أخرى عندنا؛ لأنه يدور على محور ثالث الأديان الموحدة وآخرها من حيث الزمن هو الدين الحنيف، الذي يمت إلى اليهودية والنصرانية. فقد نشأت هذه الأديان الثلاثة في بيئة روحية واحدة -في أحضان الروح السامية.
فالمسلم يعترف بأكثر العقائد اليهودية والنصرانية، والعكس بالعكس ولقد عرف العرب في تاريخهم معنى النصر والهزيمة، غير أن الفكرة التي دعا إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكرة التوحيد، هي التي لازمها النصر؛ فتغلبت على مختلف الشعوب على الرغم من تغلب بعض هذه على العرب في ميادين القتال كالاتراك والمغول مثلاً.
ومن أهم حقائق التاريخ الراهنة في عصرنا هذا أن الإسلام لا يزال قوة فعالة في حياة الملايين من البشر من مراكش غرباً حتى الهند الصينية شرقاً؛ بل لا يزال ديناً حياً يدين به سُبُع البشرية جمعاء.
أما اللغة العربية فهي اليوم وسيلة للتعارف والتفاهم بين ثمانين مليوناً من الناس. ولقد كانت لغة العرب في أثناء بعض القرون الوسطى هي لغة العلم والثقافة والتقدم والعمران في العالم قاطبة. فكان عدد المؤلفات الفلسفية والطبية والتاريخية والدينية والفلكية والجغرافية التي كتبت بها في خلال المدة الواقعة بين القرن التاسع والقرن الثاني عشر للميلاد أعظم مما كتب بأي لغة أخرى.
ولا يزال أثر اللغة العربية ظاهراً في لغات الغرب التي استعارت منها مفردات علمية وفنية جمة. ولا تزال حروفها أوسع الحروف انتشاراً بعد اللاتينية وعرب اليوم أبعد عراقة في السلالة السامية وأكثر تمسكاً بتقاليدها من غيرهم من ابنائها.
فقد حافظ العرب أكثر من سواهم على مميزات الأرومة السامية من جسدية وذهنية واجتماعية. وعلى الرغم من أن اللغة العربية هي أحدث اللغات السامية من حيث الأدب المدون فقد حافظت اكثر من العبرانية وشقيقاتها من اللغات السامية جميعاً على خصائص اللغة السامية الأم.
والإسلام هو غاية الكمال ديناً في مطابقة العقلية السامية. على ان لفظة «سامي» اتخذت في اوروبا واميركا معنى غير معناها الصحيح، واقتصر استعمالها للدلالة على اليهودي دون سواه من الشعوب السامية. ولا مبرر لهذا الخطأ سوى الجهل. فما يحسبه الأوروبيون والأميركيون من "الملامح السامية" كالأنف اليهودي مثلاً - ليس هو بالسامي على الاطلاق. بل هو ما يميز اليهودي من غيره من الساميين. وقد ورثه اليهود عن الحثيين والحوريين ما اختلطوا بهم قديماً عن طريق التزاوج بهم.
وتنحصر الأسباب التي تجعل العربي وعلى الأخص البدوي - أفضل ممثل للأرومة السامية بيولوجياً ونفسياً واجتماعياً ولغوياً في عزلته الجغرافية في الصحراء، وعدم تبدل وسائل الحياة فيها وبقاء طرق العيش على ما كانت عليه منذ البدء.
وما أصالة النسب وتجرد السلالة عن الهجانة والاختلاط إلا نتيجة العزلة والانقطاع في وسط بيئة منزوية وعيش ضيق كما هي الحال في أواسط الجزيرة. ولدينا في جزيرة العرب مثال فريد للبداوة، ولطريقة تكيف الإنسان بحسب مقتضيات الإقليم الذي يعيش فيه والتربية التي يدرج عليها .
وإذا كانت هناك شعوب هاجرت إلى جزيرة العرب واستوطنت انجادها وواحاتها واختلطت بسكانها الأصليين، كما هاجرت شعوب مختلفة إلى بلاد الهند مثلاً واليونان وإيطاليا وبلاد الإنكليز والولايات المتحدة وأقامت بين ظهراني السكان الأصليين، واختلطت بهم، لم يترك لنا اثراً منها، ولا هو ترك لنا اي خبر عن فاتحين استطاعوا أن ينفذوا وراء الحواجز الرملية ويثبتوا أقدامهم في تلك الأرض.
فسكان الجزيرة وعلى الأخص البدو - بقوا على ما كانوا عليه منذ بدء التاريخ، وفي جزيرة العرب نشأ اولاً أجداد الشعوب السامية من بابليين وآشوريين وكلدانيين وعموريين وآراميين وفينيقيين وعبرانيين وعرب وأحباش. وفيها قطنوا برهة من الزمن قبل أن ينزحوا عنها وصاروا الى ما صاروا إليه.
وإذا كانت الجزيرة موطن الساميين الأصليين؛ فالهلال الخصيب الممتد من الخليج العربي إلى سيناء وفيه العراق وسورية ولبنان وفلسطين كان مربع مدنيتهم الأولى. ففي وادي الفرات الذي نزح اليه الساميون حوالي ٣٥٠٠ ق. ازدهرت الثقافة البابلية التي تركت لنا إرثاً من النظم القياسية منها ما هو للأوزان والمكاييل ومنها نظام ستيني للوقت.
وتحدر الى شمالي سورية حوالي ٢٥٠٠ ق. م. الآشوريون ومنهم الكنعانيون، الذين سماهم اليونان (فينيقيين) فاحتلوا شواطىء لبنان، وأصبحوا أسبق المستعمرين والتجار العالميين. وإن مآثرهم في نشر الحروف الهجائية وحدها تكفي في أن يعدوا بين عظماء المحسنين إلى الإنسانية.
إن العرب المسلمين قد أصبحوا بعد فتحهم للهلال الخصيب ورثة هؤلاء الساميين الاوائل. وقد ورثوا كذلك ثقافة بلاد العرب الجنوبية التي ازدهرت قبل الاسلام بألف وقد كان أصل ملكة سبأ التي تذكرها التوراة من جنوبي الجزيرة العربية.
مقدمة الطبعة الثالثة ... ٥
فاتحة الطبعة الأولى ... ٧
مكانة العرب في التاريخ ..... ٩
قبل فجر الإسلام ... ٢٧
محمد رسول الله ...... ٣٥
القرآن والإيمان ٤٧
سير الإسلام ....٦١
الخلافة ...... ٧٦
فتح الأندلس... ٨٨
بدء الحياة الثقافية والاجتماعية ١٠٢
بغداد في أوج مجدها ... ١١٢
مناحي حياة العامة ... ۱۲۸
العلوم والآداب ... ١٤٦
الفنون الجميلة ١٦٠
قرطبة جوهرة العالم .. ١٦٨
فضل العرب على المدنية الغربية ..١٨١
أفول نجم العروبة في الشرق والغرب ..٢٠١
الحروب الصليبية ... ۲۳۰
دولة المماليك .. . ٢٥٢
العصور المظلمة وفجر النهضة الحديثة ... ٢٦٨
فهرست الأعلام ٢٧٦
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق