أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 15 يونيو 2023

الخلاصة المرضية في أحكام الأضحية عند الشافعية جمع الشيخ/ أحمد بن محمد بن أحمد النحراوي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الخلاصة المرضية في أحكام الأضحية عند الشافعية

جمع الشيخ/ أحمد بن محمد بن أحمد النحراوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: الأضحية شعيرةٌ من شعائر الله جل في علاه، وسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقربة من أعظم القُرب، وخير ما يُهديه المسلم في يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، وقد عدها العلماء أفضل من صدقة التطوع، للاختلاف في وجوبها، وقد ثبت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ضحى وضحى المسلمون بعده، وأجمعوا على ذلك.

ثم إن من أبرز المعاني السامية المتعلقة بالأضحية، إحياء معنى التضحية العظمى التي قام بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، إذ ابتلاه الله تعالى بالأمر بذبح ابنه، ثم فداه الله بذبح عظيم، وكان كبشاً أنزله الله تعالى إليه، وأمره بذبح.

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعَى قَالَ يَبْنَى إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا هُوَ الْبَلَوُا الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَهُ بِذِبْحٍ عظيم * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الصافات : ۱۰۲ - ۱۱۱).

ومعنى قوله (بلغ معه السعي): أي صار يقدر على أن يمشي معه ويعينه في مختلف أموره، (فلما أسلما)، أي: انقادا وخضعا لأمر الله تعالى في قضية الرؤيا. و(تله للجبين)، أي: أضجعه على جبينه على الأرض ليذبحه. (البلاء المبين)، أي: الاختبار والامتحان الظاهر، (بذِبحٍ)، أي: ما يذبح وهو الكبش . و(عظيم) أي: سمين.

أضف إلى ذلك ما في هذه الشعيرة العظيمة من المواساة للفقراء والمعوزين وإدخال السرور عليهم وعلى الأهل والعيال يوم العيد، وما ينتج عن ذلك من تمتين روابط الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم، وغرس روح الجماعة والود في قلوبهم.

وهذه الرسالة النفيسة، ذات الترتيب الرطيب، والنهج العجيب في أحكام الأضحية، من إعداد الشيخ الحبيب، والأخ النجيب، أحمد النحراوي وفقه الله، قرر فيها جملة من المسائل والفوائد في أحكام الأضحية وشروطها وسننها وآدابها، وما يتعلق بالمضحي من شروط وسنن وآداب، وكل ذلك على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.

وقد بلغت عدد هذه الفوائد (٥٢) اثنتان وخمسين فائدة، وراعى الشيخ ذكر المسألة أو الفائدة مشفوعة بالدليل، وتوشيح ذلك بالنقولات المرضية عن أئمة المذهب، مع رعاية موافقة المذهب للجمهور أو تفرده، وهذا أحسن ما يكون، وقد أحسن جامع هذه الورقات حين ضمّن كتابه بعض المسائل المعاصرة في الأضحية. 

واعتمد فيها على جملة من كتب الشافعية المعتمدة، مثل مغني المحتاج للخطيب الشربيني، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي، ونهاية المحتاج للشمس الرملي، وكنز الراغبين للجلال المحلي، وغيرها من المتون المختصرة والمطولة. 

فذكر حكم الاضحية، ومتى تصير واجبة، وهل تجب الأضحية بمجرد الشراء، والسن المعتبر شرعا في الأضحية، وهل تجزئ غير بهيمة الانعام، وأقصى عدد للاشتراك فيها، وضابط العيوب المانعة من إجزاء الأضحية وذكر بعضها، وما هي أفضل الأضاحي عند الانفراد وعند الاشتراك، وما هي أفضل ألوانها وعلة ذلك.

وحكم الأكل منها والتصدق ببعضها، وحكم الأخذ من الشعر والظفر لمريد التضحية، وحكم من يستنيب غيره ليُضحي عنه، وحكم ما لو عيّن أضحية فطرأ عليها عيبٌ أو سُرقت أو ضاعت أو ماتت قبل يوم التضحية.

والعيوب المانعة من صحة الأضحية (كالعرجاء، والعمياء، والعوراء، والتولاء، والعجفاء، ومكسورة القرن، والجرباء)، وقد فصّل الكلام فيها آخر كتابه)، وحكم التضحية بالحامل من النَّعم، ومقطوعة الألية والذنب والضرع والأذن، والمخلوقة بلا شيء من ذلك، وحكم التضحية بالخصيِّ والموجوء (الموجوب =الموجوّ)، وحكم التضحية في الليل، والتضحية عن الميت وعن الحيِّ بغير إذنه، والمراد بالجذعة من الضأن وصفة الإجذاع، والثنية من البقر والمعز والإبل.

 وحكم استبدال الأضحية بعد تعيُّنها، وحكم اختلاف نية الشركاء في الأضحية، ومتى يدخل وقت التضحية ومتى يخرج، وحكم من ذبح الأضحية قبل وقتها أو بعده، وحكم اشتراك أهل البيت في سُبع بدنة أو بقرة أو شاة ونحو ذلك، والمخرج من ذلك، وحكم بيع جلد الأضحية أو جعله ثمناً للجزار أو جزءاً من ثمنه، وحكم إعطائها للجمعيات الخيرية لتبيعها وتتصدق بثمنها على الفقراء.

وحكم التشريك في النية بين العقيقة والأضحية، وحكم اشتراك غير المسلم في الذبيحة المُسبّعة والتي يريد التضحية بها، ثم سُنن ذبح الأضحية، وحكم نقل الأضحية من مكان لآخر، وهل يشترط كون اللحم المتصدق به نيئاً، وهل يجزئ غير اللحم في الصدقة: كالكرش والكبد والطحال والعظم والجلد، وحكم أكل الأضحية كلها.

وحكم الأضحية التي كسر قرنها، و(الجلحاء =التي فقدت قرنها خلقةً)، ومقطوعة اللسان أو بعضه، ومن ذهب جميع أسنانها أو بعضها أو أكثرها، والأضحية التي بها كي، وقطع شيء من فخذها ظاهر، وحكم ذبح الحائض والنفساء، وحكم توكيل صبي ومجنون بالذبح، وأيهما أولى عند عدم البالغ، وحكم الحيوان المتولد من النَّعم وغيرها من مأكول اللحم، وحكم المتولد من جنسين مختلفين من بهيمة الأنعام، وهل تجزئ البنة أو البقرة عن سبع شياه لأسباب مختلفة لنفس الشخص، وحكم الأضحية الخنثى.

تلخيص أبواب الأضحية

١-الأضحية- في اللغة مشتقة من الضحوة، وهي أول النهار بعد طلوع الشمس، والضحى: هو الوقت الذي تشرق فيه الشمس وتصبح بيضاء صافية، وسميت الأضحية بذلك نسبة لأول زمان فعلها. وهي ـ شرعاً:ـ ما يذبح من النعم - وهي الإبل والبقر والغنم، ومنه المعز ـ تقرباً إلى الله تعالى، يوم العيد وما بعده. 

٢-والأصل في مشروعيتها: دل على مشروعية الأضحية: 

أ-من القرآن: آيات، منها: قوله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} (الكوثر : ۲)، والمراد بالصلاة صلاة العيد، وبالنحر ذبح الأضحية، على أصح الأقوال لدى المفسرين.

ب- ومن السنة: أحاديث كثيرة منها : حديث أنس رضي الله عنه قال: (ضحى النبي ﷺ بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما). (رواه البخاري، برقم: ٥٢٤٥، ومسلم: برقم: ١٩٦٦، والأملح: من الضأن ما كان أبيض اللون، أو كان البياض فيه هو الغالب. والأقرن: ذو القرنين العظيمين. صفاحهما: جمع صفحة، وهي جانب العنق). 

٣-حكمة مشروعيتها: ينبغي أن تعلم أن الأضحية عبادة، وأن كل ما قد يكون لها من حكمة وفائدة يأتي بعـد فائدة الخضوع للمعنى التعبدي الذي فيها، شأن كل عبادة من العبادات.

٤- حكمها: أنها سنة مؤكدة، ودل على سنيتها أحاديث كثيرة، منها ما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «أمرت بالنحر، وليس بواجب» (رواه الدارقطني: ٤ / ٢٨٢).

وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ، قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً». (رواه الترمذي، رقم: ١٤۹۳، وقال: حديث حسن، وابن ماجه، رقم: ٣١٢٦، وإهراق الدم، أي: إسالته بالذبح. وأظلافها: جمع ظلف، وهو للبقر والغنم كالحافر للفرس والخف للبعير).

٥- وهي سنة كفاية بالنسبة لأهل الدار إن تعددوا؛ فيجزىء أن يذبح واحد عنهم، فإن لم يتعددوا وكان صاحب الدار واحداً صارت سنة عينية في حقه. جاء في الموطأ (٤٨٦/٢): أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: كنا نضحي بالشاة الواحدة، يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهي الناس بعد، فصارت مباهاة. أي صارت الأضحية مفاخرة بين الناس، لا بقصد السنة. وهذا لا يعني تركها، بل تصحيح القصد وإخلاص النية. 

٦-وقد تصبح الأضحية واجبة، لسببين اثنين: 

الأول: التعيين، كأن يشير إلى ما هو داخل في ملكه من الدواب الصالحة للأضحية، فيقول: هذه أضحيتي، أو: سأضحي بهذه الشاة، مثلاً، فيجب حينئذ أن يضحي بها. 

الثاني: النذر، بأن يلتزم التقرب إلى الله بأضحيته، كأن يقول: لله تعالى علي أن أضحي، فيصبح ذلك واجباً عليه ، كما لو التزم بأية عبادة من العبادات.

٧-وتسن الأضحية في حق من وجدت فيه الشروط التالية:

أ- الإسلام، فلا يخاطب بها غير المسلم. 

ب- البلوغ والعقل، فمن لم يكن بالغاً عاقلاً فليس بمكلف، ولا تسن في حقه ولا تجوز من ماله. 

ج- الاستطاعة، وتتحقق بأن يملك قيمتها زائدة على نفقته ونفقة من هو مسؤول عنهم، طعاماً وكسوة ومسكناً، خلال يوم العيد وأيام التشريق؛ لأن شرع الله تعالى يحذر من تضييع من تجب نفقتهم، كما يرشد إلى أن التبرع ينبغي أن يكون عن غنى. 

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت» وفي رواية عند النسائي: «يعول». (رواه أبو داود، رقم: ١٦۹۲، والنسائي في الكبرى رقم: ٩١٧٦ ، ۹۱۷۷).

 وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول». وهو عند البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه (البخاري رقم: ١٣٦٠، ١٣٦١. ومسلم، رقم: ١٠٣٤).

٨-ولا تجزئ إلا من النَّعم، وهي: الغنم والمعز والإبل والبقر.

 ودل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ (الحج : ٣٤). والأنعام لا تخرج عن هذه الأصناف المذكورة. (لكل أمة)، أي: جماعة مؤمنة سلفت، (منسكاً) أي: نوعاً من العبادة في ذبح القرابين.

ولأنه لم ينقل عن النبي ﷺ ولا عن الصحابة - رضي الله عنهم أنهم ضحوا بغيرها، كما يعرف من الأحاديث التي مرت والتي ستأتي. ولأن التضحية عبادة تتعلق بالحيوان، فاختصت بما تجب فيه الزكاة، والزكاة إنما تجب في هذه.

٩- وأفضلها ( أي أفضل أنواعها بالنظر لإقامة شعارها):

بدنة (وهي واحدة الإبل، ذكراً كان أو أنثى ـ لكثرة لحمها، والقصد التوسعة على الفقراء)، ثم بقرة،  ثم ضائنةٌ (لحم الشياه أطيب من غيره)، ثم عنز.

١٠- وسبع شياه أفضل مـن بـدنـة:

(فإذا ذبح سبعة سبع شياه كان أفضل لهم من الاشتراك في بقرة أو بدنة، ولتحصل فضيلة كثرة إراقة الدماء في القربة).

١١- وتجزىء البدنة والبقرة عن سبعة يشتركون فيها:

روى جابر رضي الله عنه قال : نحرنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية: البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة. (رواه مسلم، رقم: ۱۳۱۸). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ضحى رسول الله ﷺ عن نسائه بالبقر. (رواه البخاري رقم : ٥٢٢٨).

١٢- وأفضلها: 

البيضاء، ثم الصفراء، ثُمَّ الغبراء (= وهي ما كان بياضها غير صاف)، ثُمَّ الحمراء ( وهي=ما خالط بياضها حمرة. والمعتمد: تقديم الحمراء على البلقاء)، ثم البلقاء (وهي =ما خالط بياضها لون آخر، أو كان بعضها أبيض وبعضها أسود)، ثُمَّ السوداء (وهي= ما خالط بياضها سواد).

١٣- وشرطها:

من الإبل: أن يكون لها خمس سنين تامة، ومن البقر والمعز: سنتان تامتان، لما رواه جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تذبحوا إلا مُسنَّة». (رواه مسلم، رقم: ١٩٦٣). (والمسنة هي ما ذكر في الإبل والبقر والمعز، وتُسمى الجذعة).

ومن الضأن: ما له سنة تامة، أو ما أجذعت أسنانها، وتسمى الجذعة. دل على ذلك: ما جاء في حديث مسلم السابق: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأنة». 

ويؤيده ما رواه أحمد (٣٦٨/٦)، والطبراني في المعجم الكبير (٢٥/ ١٦٤) رقم (٣٩٧) عن أم كرز الخزاعية رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال: «ضحوا بالجذع من الضأن، فإنه جائز». وعند أحمد (٢٥٤/٢) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول: «نعم أو : نعمت ـ الأضحية الجذع من الضأن». 

قال النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم: والجذع من الضأن ماله سنة تامة، هذا هو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم. 

ولا تجزىء شاة إلا عن واحد، لقول أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: «كنا نضحي بالشاة الواحدة» (كما في الموطأ: ٤٨٦/٢). ولأنها أقل ما يسمى هدياً. 

١٤-ويشترط خلوها من العيوب المؤثرة على لحمها:

بأن لا تكون جرباء وإن قل الجرب، أو  لم يكن جربها ظاهراً، وهو داء يخرج على ظاهر الجلد فيورث حكة، فتضعف بسببه عن المرعى ، فتهزل ويقل لحمها.

ولا شديدة العرج، أي عرجها ظاهر، لأنه يضعفها عن الذهاب إلى المرعى كغيرها، فتضعف بسبب ذلك.

ولا عجفاء وهي الهزيلة التي ذهـب مـخ عظامهـا مـن شدة الهزال.

ولا مجنونة  وهي التي تدور في المرعى ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل، وتسمى الثولاء.

ولا عوراء أي الظاهر عورها، لأنها لا تبصر المرعى على الوجه الأتم، فلا ترعى كما ينبغي فتضعف أيضاً، وأولى في عدم الإجزاء العمياء.

ولا مريضةً مرضاً يُفسد لحمها؛ لأن المريضة لا ترعى كالصحيحة. 

فإن قلَّت هذه العيوب - أي العرج والعور والمرض - بحيث لا تخل بالمرعى، جاز أن يضحى بما كانت فيه من الحيوان.

١٥- والأصل في منع هذه المعيبات: 

ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين ظلعها، والكسيرة». وعند الترمذي: «ولا العجفاء ـ التي لا تنقي» (رواه أبو داود، برقم: ۲۸۰۲. والترمذي: برقم: ١٤٩٧، والنسائي، برقم: ٤٣٦٩). 

وقوله (البين)، أي: الظاهر عرجها، و(البيّن ظلعها)، أي برزت عظامها من الهزال، و(الكسيرة): مكسورة إحدى القوائم. و(التي لا تنقي)، أي: ذهب مخها.

١٦- ولا تجزئ التي ذهب شيء من أذنها وإن قل، أو لسانها أو ضرعها أو أليتها ولا شيء ظاهر من فخذها، لأن في ذلك نقصاً للحمها وذهاب جزء مأكول منها، ولا تجزىء المخلوقة بلا أذن أو ذنب، لأن كلاً منهما عضو لازم للأنعام غالباً، بخلاف من خلقت بلا إلية أو ضرع فإنها تجزئ، لأن كلاً منهما عضو غير ملازم للحيوان غالباً: فالمعز بلا ألية، والذكر بلا ضرع.

١٧- وتجزىء مشقوقة الأذن ومكسورة القرن، لأن ذلك لا ينقص اللحم. 

١٨-ويجزئ الخصي، وهو الذي رضت خصيتاه أو قطعت عروقهما حتى تذهب شهوة النزو على الأنثى لديه. 

روى الحاكم في المستدرك (۲۲٧/٤) وسكت عنه الذهبي: عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ ضحى بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوءين، فذبح أحدهما؛ فقال: «اللهم عن محمد وأمته، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ» و(أملحين)، أي: خالط بياضهما سواد والبياض أكثر. و(موجوءين) أي: خصيين.

وأن لا تذهب جميع أسنانها، لأن ذهابها يؤثر على اعتلافها، فتهزل بسبب ذلك، خلاف من فقدت بعض أسنانها، فإنها تجزئ، وكذلك التي فقدت أغلب أسنانها لكن لم تتأثر بذلك، فإن تأثرت ضرّ.

١٩- ويشترط أن ينوي التضحية بها عند الذبح أو قبله:

فيجب على المضحي بنفسه أن ينوي التضحية عند الذبح، وإن وكل غيره بالذبح نـوى عند التوكيل. وذلك لأن التضحية عبادة، والعبادة تحتاج إلى نية، سواء أكانت واجبة أم مندوبة، لقوله في الحديث المشهور والمتفق عليه: «إنما الأعمال بالنيات». 

٢٠- ما يندب عند الذبح: 

والأفضل أن يذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح، لما سبق في حديث أنس رضي الله عنه: «أنه ﷺ ضحى بكبشين، وذبحهما بيده»؛ فإن لم يكن يحسن الذبح ووكل به فيندب أن يحضر ذبح أضحيته عند قيام من يوكله بذلك.

لما رواه الترمذي وغيره، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه ﷺ، قال لفاطمة رضي الله عنها: «قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك». قالت: يا رسول الله، هذا لنا أهل البيت خاصة، أو لنا وللمسلمين عامة ؟ قال: «بل لنا وللمسلمين عامة»، وأخرج مثله عن عمران بن حصين رضي الله عنهما. 

 ويسمي ويكبر، ويدعو الله تعالى بالقبول، لقوله تعالى : ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسم اللهِ عَلَيْهِ﴾ (الأنعام : ۱۱۸). وفي حديث أنس رضي الله عنه: «وسمى وكبر». 

وعند مسلم: أنه قال: «باسم الله والله أكبر». وعنده أيضاً: أنه ﷺ ضحى بكبش، وقال عند ذبحه: «باسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد». (رواه مسلم، برقم: ١٩٦٦، ١٩٦٧).

وكذلك يستحب له أن يصلي على النبي ﷺ، لأنه محل شرع فيه ذكر الله تعالى، فيشرع فيه ذكر نبيه بالصلاة عليه، كالأذان. 

ويستحب أن يستقبل القبلة عند الذبح، لأنها أشرف الجهات، فهي أولى أن يتوجه إليها في القربات، ويكون الاستقبال بمذبح الذبيحة، فيتحقق الاستقبال من الذابح أيضاً. 

٢١- ووقت التضحية: 

ويبدأ وقت التضحية من بعد طلوع الشَّمس يوم النحر ومُضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين  ويمتد إلى آخر أيام التشريق؛ وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، فإذا ذبح قبل هذا الوقت لم تقع ذبيحته قربة.

دل على ذلك: ما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «وكـل أيـام التشريق ذبح» أي وقت للذبح. (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، برقم: ١٠٠٦).

والأفضل فعلها بعد الفراغ من الصلاة وسماع الخطبتين. دل على ذلك: ما رواه البراء رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنمـا هو لـحـم قـدمـه لأهله، ليس من النسك في شيء». فقام أبو بردة بن نيار، وقد ذبح، فقال: إن عندي جَدَعَة؟ فقال: «اذبحها، ولن تجزي عن أحد بعدك». (رواه البخاري، برقم: ٥٢٢٥.ومسلم برقم: ١٩٦١). 

و(النسك): العبادة، وقوله (جذعة) وفي رواية: (عناقاً لنا جذعة هي أحب إلي من شاتين). والعناق هي الأنثى من ولد المعز، وقد جاء التصريح بهذا في بعض روايات الحديث عند البخاري ومسلم: (جذعة من المعز) وفي القاموس المحيط: الجذع قبل الثني، وهي بهاء "جذعه"، اسم له في زمن ، وليس بسن تنبت أو تسقط.

٢٢-ويجب التصدق بشيء من لحمها نيئاً، ولو لفقير واحد على الأصح في المذهب، لقوله تعالى : ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ (الحج : ۲۸) و(البائس): شديد الحاجة، ولقوله تعالى في آية أخرى : ﴿والبُدنَ جَعَلْنَهَا لَكُم﴾ (الحج : ٣٦) وما جعل للإنسان فهو مخير بين أخذه وتركه ولذا لم يجب الأكل منها كما وجب إطعام الفقير. 

٢٣- ويندب أن يأكل الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، والتصدق أفضل من الإهداء:

ودل على استحباب هذا التقسيم قوله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَهَا لَكُم مِّن شَعَبِيرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَ كَذَلِكَ سَخَرْنَهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الحج: ٣٦). 

وقوله (البدن): جمع بدنة وهي ما يهدى إلى الحرم من الإبل، وقيس عليها الأضاحي. (من شعائر الله)، أي: علائم دينه. (صواف)، أي: قائمة معقولة اليد اليسرى. (فإذا وجبت جنوبها)، أي: سقطت على الأرض، و(القانع): السائل (والمعتر)، أي: المتعرض للسؤال دون تصريح. 

 والفرق بين الصدقة والهدية: أن الهدية تعطى على وجه الصلة، فلهم أن يأكلوها وليس لهم أن يبيعوها. بينما الصدقة: تعطى للفقير على وجه التمليك، فله أن يتصرف فيها كما يشاء، أكلاً أو بيعاً. 

والأصل في هذا  ما روى البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء». فلما كان العام المقبل، قالوا: يارسول الله، نفعل كما فعلنا عام الماضي؟ قال: «كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها» (رواه البخاري، برقم: ٥٢٤٩. ومسلم، برقم: ١٩٧٤).

٢٤- والأفضل أن يأكل القليل منها تبركاً ويتصدق بالباقي اقتداء به ﷺ:

 فقد جاء في حديث جابر رضي الله عنه، (عند مسلم، برقم: ۱۲۱۸): «ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها». وقوله (فأكلا): أي النبي ﷺ وعلي رضي الله عنه.  وروى البيهقي (۳/ ۲۸۳)، عن بريدة رضي الله عنه: «أنه ﷺ كان يأكل من كبد أضحيته».

٢٥-ولا يجوز بيع شيء منها:

والأصل في هذا ما رواه البيهقي (٢٩٤/٩)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «من باع جلد أضحيته فلا أضحية له». ويقاس اللحم على الجلد، لأن كلا منهما بعض الأضحية. 

٢٦-ولا يجوز إعطاء الجلد أو غيره من أجزاء الأضحية، مما يؤكل أو ينتفع به كالأمعاء ونحوها، أجرة للجزار أو من يوكله بذبحها:

لما رواه علي رضي الله عنه، قال: «بعثني النبي ﷺ، فقمت على البدن، فأمرني فقسمت لحومها، ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها». وعن علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله لو أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت» (رواه البخاري، برقم: ١٦٢٩، ومسلم، برقم: ۱۳۱۷)، و(الجلال): جمع جُل، وهو ما يوضع على ظهر الدابة من كساء ونحوه.

وفي رواية قال: «أمرني النبي ﷺ أن أقوم على البدن، ولا أعطي عليها شيئاً في جزارتها». وفي رواية عند مسلم: قال: «نحن نعطيه من عندنا». (رواه البخاري، برقم: ١٦۱۲. ومسلم، برقم: ۱۳۱۷). ويتصدق بالجلد أو ينتفع به في البيت إن كانت الأضحية غير واجبة، فإن كانت واجبة وجب التصدق بها وبجلودها..

٢٧ -ويتصدق بجميع المنذورة:

ولا يجوز أن ياكل منها شيئاً، ومثل الأكل الانتفاع، فليس له أن ينتفع بجلدها مثلاً، بل عليه أن يتصدق بكل أجزائها، فلو أكل منها شيئاً أو انتفع به ضمنه بالمثل أو القيمة. لأن النذر لله تعالى، ويُصرف للمستحقين من الفقراء والمساكين.

٢٨-ويُكره أن يُزيل شيئاً من شَعَرِهِ أو غيره في عشر ذي الحجة حتى يُضحي: 

 فيُستحب لمن أراد أن يضحى أن لا يحلق شيئاً من شعر رأسه أو غيره، وأن لا يقص شيئاً من أظفار يديه أو رجليه في عشر ذي الحجة إن ضحى يوم النحر،  وإن لم يضح يومه يندب أن يستمر على ذلك أيام التشريق بعده حتى يضحي. 

فعن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ، قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره». 

وفي رواية: «من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره وأظفاره شيئاً، حتى يضحي». (رواه مسلم، برقم: ۱۹۷۷). و(الذِبح): أي حيوان يريد ذبحه.

والحكمة في هذا - كما قال العلماء - أن تبقى هذه الأجزاء ليشملها العتق من النار بالأضحية، وحمل الأمر على الندب والنهي على الكراهة.

لما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: «فتلت قلائد بدن النبي ﷺ بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له» (رواه البخاري،، برقم: ١٦٠٩، ومسلم برقم: ۱۳۲۱). و(القلائد): جمع قلادة، وهي ما يوضع في عنق البعير ونحوه ليدل على أنه مهدى للحرم. و(البدن): جمع بدنة، وهي واحدة الإبل التي يتقرب بذبحها إلى الله تعالى. و(أشعرها): جرحها في صفحة سنامها ليسيل الدم علامة على أنها هدي. (فما حرم عليه شيء): أي مما يحرم بالإحرام بالحج أو العمرة). 

وهذا دليل على أنه لا يحرم فعل هذه الأشياء ببعث الهدي إلى الحرم، قال الشافعي رحمه الله تعالى : والبعث بالهدي أكبر من إرادة التضحية 

٢٩- فائدة: يسن لحاكم المسلمين -أو من ينوب عنه -أن يضحي بأضحية من بيت المال عن المسلمين، وأن يذبحها بنفسه في مجتمع من الناس، حيث يصلون صلاة العيد. 

فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به، فقال لها: «يا عائشة، هلمي المدية». ثم قال: «اشحذيها بحجر». ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: «باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد»، ثم ضحى به (رواه مسلم، برقم: ١٩٦٧). 

وقولها (في سواد): أي إن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود، وهو جمال في الغنم. و(هلمي)، أي: هاتي المدية: السكين. و(اشحذيها)، بمعنى: حدديها). 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ كان ينحر - أو : يذبح - بالمصلى». (رواه البخاري، برقم: ٩٣٩).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق