أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 يناير 2025

ثورات وخيبات المفكر المغربي عبد الإله بلقيز بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ثورات وخيبات

المفكر المغربي عبد الإله بلقيز

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: في سياق الثورات التي نشبت في العام 2011م، فيما يُعرف في العالم الغربي بـ"الربيع العربي"، كان هناك سقوطٌ لأنظمة وصعود لأخرى إلى ميدان الحكم السلطة، والتي مثّلت حلقةً تعيسة في استمرار الاستبداد السياسي التقليدي والمتجدد، وكان نهوضاً عربياً عارماً لكن إلى حيث لم يكتمل المسار، ولم تنضج النتائج، فالعنفوان الذي كان في البدايات لم نجد ما يتوجه في النهايات.

لقد كانت هذه الثورات في محصلتها عديمة الرؤية، تفتقر إلى برامج عمل، ومشاريع سياسية واقعية، وفكر ناضج واعب يستطيع إدارة أمور بحجم دولة، ومع خسارة كل ذلك، إلا أن الناس استطاعوا كسر امبراطورية الخوف، وتهيؤ المواطن الذي بات مستعداً للنضال السياسي من أجل حقوقه في الحرية والعيش الكريم.

وهذا المؤلف النثير هو مجموع مقالات الأستاذ عبد الإله بلقيز التي كتبها خلال العام 2011 في قراءة أحداث الربيع العربي، وما خالط تلك الحقبة والأحداث من الأحلام والأوهام، والتفاؤل واليأس، والإيمان والفشل، وكيف تم توجيه تلك الثورات والعبث بها، وإحباطها بشتى الوسائل والطرق.

وقد وضع المؤلف هذه المقالات من مسودتها الأصلية، بحسب الخط الزمني للأحداث، وقد تناول أحداث كل بلد على حدة مراعاة للنسق الموضوعي والترابط المعنوي للأفكار، ويناقش الكتاب ثلاث محاور رئيسية في ضوء هذه الحراكات الاحتجاجية والمطالبات الشعبية، وهي:

أولاً: هل أثرت هذه الثورات على تغيُّر النظام الاقتصادي والاجتماعي لتلك الدول.

ثانياً: هل نشأت أنظمة أكثر اعتدالاً وتحقيقاً للمطالب السياسية للمجتمع إبان الربيع العربي.

ثالثاً: هل حافظت هذه الثورات على مكتسباتها القيمية ووفرت الحرية الكاملة للشعب في التعبير فيما يستجد من قضايا وأحداث.






شيءٌ من النقد يوسف سمرين بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

شيءٌ من النقد

يوسف سمرين

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد: هذا الكتاب هو مراجعة شاملة لكثير من أدبياتنا المتوارثة، وخلفياتنا الثقافية بشيء من التحليل النقدي، بعدما دفعت الوقائع بكثير من النماذج الى التحطم، وبان أنها قضايا وخلفيات وهمية وغير حقيقية، يقول المؤلف: إن الأمر لا يحتاج الأمر إلى كبير ذكاء للتنبؤ بكثير من شبيهاتها. وبالفعل فإن الواقع والتاريخ كافٍ في التنبه لمثل هذه القضايا والأمور التي أصبحت شائعةً في الوسط العربي والإسلامي، وكذلك فالحاجة مُلحّة إلى مثل هذه المراجعات، سيما مع التناقضات الكثيرة في مواقف الجماعات والشخصيات الإسلامية.

وسواءً كانت هذه الخلفيات هي مصطلحات أو تعميمات أو قرارات، فإن لانتشارها هدفاً مبطناً، وهو ادّعاء السلطة المعرفية على الآخرين، والاضطرار إلى تصنيف الناس بحسب تقاطع المصالح واتحادها، وسلبهم ميّزات دينية عند الاختلاف معهم، وفي الواقع فإن كثيراً من هذه القضايا تحمل في أحشائها بؤساً معرفياً مقيتاً، وإسقاطاً متعامياً ساذجاً.

نسمع مثلاً كلمة "داعية، ودعوة، وحركة إسلامية"، لكننا نغفل عما وراء تلك الكلمات وعما تحمله من مضامين سلطوية ومصلحية تتمسح بالدين، وتتذرع به، لأن المراد في الحقيقة هو استغلال تلك الكلمات في غايات محددة، تخدم الجماعة والحركة التي تتبناها، وإن كانت هذه التعبيرات لا تصلح لتكوين النسق الفكري الجاد، والناقد للسلوكيات والأفكار والمقالات، بل كانت آثارها مدمرة للمخيلة العقلية للعرب والمسلمين.

فالمطلوب من الداعية أو الشيخ -مثلاً -هو أن يكون مُعبّراً عن نهج الجماعة أو الحركة ليس أكثر، فتراه يعيد كلامهم بلغته، وهذا مشاهد في الشعارات والخطابات التحشيدية، وتراه يصغي إليهم ويتلقى منهم ويمتثل لهم، في حين يحسب أنهم يصغون إليه، إنه شيخ بانتمائه إليهم، وهذه الكلمة تعطيه امتيازات داخل الجماعة نفسها، لكن هذا النهج يضر بالفرد نفسه، وبالمجتمع من حوله.

وفي توزيع هذه الألقاب داخل الجماعة وخارجها، مثل: شيخ، وعلامة، وأمير، ونقيب..، تضحي الدعوة دعوة أيدلوجية إلى أفكار ومنطلقات ومبادئ معينة توافق عليها الجماعة، ويضيع في هذا التصنيف الفيصل الدقيق بين العمل للدين وبين العمل للجماعة، ولا تبرز هذه المسألة بوضوح إلا عند مخالفة الجماعة.

وكمثال تاريخي ما قالته زينب الغزالي في مذكراتها عن عبد الناصر بأنه كافر، لأنه يحارب الاسلام الذي يتجسد في جماعة الاخوان، وبقطع النظر عن عبد الناصر، فالشاهد هنا تعليلها الغريب، ليقال: ما الضامن ليقولوا هذا يعادي الاخوان وذلك يعادي الإسلام المتجسد فيهم!!

وهذا الأمر منتشر بشكل ملفت عند كثير ممن يحبون تسميتهم بالسلفيين، فإن وقع خلاف مع شيخه، قال: إنك تحارب السلف الصالح ودعوة السنة! وفي الواقع فإن خصمه لم يحارب إلا شيخه، فمرجوع القضية هو إلى "سر التجسد" الذي يصبغ به هؤلاء أنفسهم، ويساوون في تصورهم بين السلف والشيخ، الإسلام والجماعة، الدعوة والحزب!

ومثال آخر: ترى أحدهم يُسجن أو يُمنع بسبب نشاطه الحزبي في مجال مُعيّن؛ فيصنع الفرق لنفسه بنسبة ذلك إلى انتمائه للإسلام! فيقول: لا بل للإسلام أو للدين. وهنا هنا يضيع الفارق بين الجهتين؛ فالمتدين لا يلزم أن يكون في حزب معين، فقد يكون في غيره، وقد لا يكون له أي نشاط حزبي أساساً، وهذه إحدى محاولات التوحد بين الحزب والدين وتظل إشكالية رفض الدين قائمة كما ذكرت عند العداء مع الجماعة؛ فالجماعة هي الدين في منظورها هي.

أما عن سبب تأليف الكتاب، يقول المؤلف: على أنني لم أكن حريصا على تسويد هذه الصفحات، إلا أنني رجحت جانب الكتابة لدواع عديدة أهمها: أنني لم أجد من لامس مضامين هذه السطور وإن كان قد فعل في شق، فأراه قد أغفل النصف اللازم له ويكفي هذا لتشويه النقد الذي يحمل في أحشائه تأسيساً.

يردف المؤلف بقوله: ولست مغرما بالمعارضة لذاتها إلا أن الأمر استفحل، وطالما بقي النقد على حياء فان الأخطاء لا تعرف الحياء، وموجات زلازلها تصيب الجميع، فان كنا في هذا العصر الذي تحرق فيه العولمة كثيراً من جيوب الخصوصيات فكيف إن كان الخطر داهما ويطال الجميع؟

ومن هذه القضايا التي تعرض لها المؤلف، ما يلي:

1-الخلط عند كثيرين بين اليسار بعمومه والماركسية بخصوصها، فيظنون أن كل اشتراكي هو ملحد، وكل ماركسي يساري بالضرورة، وهذا يتجاوز الواقع نفسه فلينين صنف كتابا بعنوان (اليسارية مرض الشيوعية الطفولي).

2- التصنيف قد يكون عائماً متضمناً تقييماً معيارياً لا يفسر شيئاً، مثاله رد التويجري على الالباني كونه أجاز كشف الوجه للمرأة، فكان رد التويجري بنظره على أهل السفور! في كتابه (الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور).

3-نسبة كثير من الناس إلى بعض الأشخاص، مع أنه ليس لهم كبير مقالات منفردة في العقيدة، مثل: الجامية، والمدخلية، والحلبية، وبعضهم يقول الحدادية وهذه تصنيفات تشتت السامع وتبين ما هي مشحونة فيه من القيم المعيارية، فلن يجدها في كتب الفرق ولا المقالات بل لن يجدها سوى عند من أطلقوها.

4- وثورة  52في مصر والتي رفعت برنامجا اشتراكياً، كان الإخوان في مصر قد شاركوا فيها بدرجة ما، يطلعنا صلاح شادي في كتابه (صفحات من التاريخ) على أن عبد الناصر كان مع الإخوان قبلها، وأنه اجتمع مع مرشد الإخوان وهو حسن الهضيبي حينها قبل حصولها، واتفقوا على توزيع الاراضي وعدم إعلانها ثورة إسلامية حتى لا تكسب عداء العالم، ثم انجر الخلاف فيما بعد إلى الصدام بين الإخوان وعبد الناصر والذي حل جماعتهم في 1954م.

5- الصراع السياسي مع السعودية كان كبيراً، وغلفه صراع أيدلوجي ولابن باز رسالة في حكم القومية، واللافت أنه قبل الخلاف مع عبد الناصر كان مراقب الاخوان في سوريا مصطفى السباعي قد كتب كتابه (اشتراكية الإسلام).

6- كتاب (معالم في الطريق) لسيد قطب والذي لمع اسمه في فترة الخلاف مع عبد الناصر وهو كان كاتباً قبلها، لكنه ليس بتلك الشهرة والمكانة بعد الخلاف الذي حصل، وينتقد فيه الكتاب المذكور (اشتراكية الإسلام) دون أن يسمي صاحبه، وذلك أن الإسلام لا يلتقي في منتصف طريق مع الجاهلية فكيف يكون اشتراكية الإسلام وقد عرفت أن الاشتراكية جاهلية. وهذا هو سيد قطب الذي ألف عدة كتابات كانت الإذاعة السعودية تبث كلامه فيها وترسل مستحقاته المالية إليه وهو في داخل السجن.

7- والإخوان فترتها حاولوا الاعتماد على السعودية في خلافهم مع عبد الناصر والسعودية حاولت استثمارهم أيضاً في صراعها معه؛ لتصير كتاباتهم مشكلة لجيل كبير من السعوديين خصوصا بعد استقبال المملكة عدداً منهم على أراضيها من مصر وسوريا أيضاً، ولا يمكن إغفال دور السادات بإخراجهم من السجون، والسماح لهم بالكتابة عن فترة سابقه عبد الناصر في سعيه ليحلوا مكان اليسار لسياسة "الانفتاح" فترة عبد الناصر وهو في الواقع ما حدث .وتذكر زينب الغزالي أن من بين الكتب التي اعتمدت من المرشد لتثقيف الاخوان (كتاب التوحيد) لمحمد بن عبد الوهاب.

8- وتذكر الغزالي في كتابها (أيام من حياتي) أنهم أجروا – أي لجنة من الإخوان - دراسة على العالم العربي، ووجدوا أن الإسلام غائب تماما عنه سوى السعودية على أخطاء فيها أيضاً، وفي تلك الفترة تأسس حزب التحرير الذي سعى لاستئناف حياة إسلامية وإقامة الخلافة.

9- كانت الثورة الايرانية هزة كبيرة فرجل دين يعلن حكما إسلاميا (الخميني)، وينجح وتتعالى تهاني كثير من الإسلاميين لهذا مثل عبد الله عزام في كتابه (السرطان الأحمر) الذي رأى أن راية الإسلام قد ارتفعت فوق إيران.

10- ثم فجأة على تعبير الشقاقي في (أعماله الكاملة) اكتشفوا أنها -يعني الثورة الإيرانية -شيعية، وبدأ من يتراجع ومن يعادي ومن يتباطأ، وممن ظل يدعو إلى التقارب يوسف القرضاوي، وله نفوذ كبير في الاخوان فكتب كتابه (مبادئ في الحوار والتقريب) وذكر أنه زار ايران وشدد على وجوب تفهمهم، وأن الخلافات معهم ليست كبيرة إلى أن تغير موقفه حديثاً، وتكلم عن الشيعة وتم اكتشاف موضوع سب الصحابة وأنه كفر!

11- كذلك اختلاف هذه الجماعات في معنى الإسلام المقصود؛ فمن مناد بالسبي "داعش" إلى من لا يرى تجريم المثلية الجنسية قانونيا "الغنوشي" تحت اسم إسلامي، ولقد نصح أردوغان إخوان مصر أيام وصولهم السلطة بحذف مادة أن الإسلام دين الدولة، فكان موقف الإخوان متفهماً له إلى درجة كبيرة!!

12- ومن العجائب أيضا أن بعض من انتسب إلى السلفية يحذر من قراءة كتب معينة بحجة وجود تأويل للصفات فيها، ثم تقرأ في مراجع بحث له فتح الباري لابن حجر، فهلا وسع الناس ما وسعك واكتفيت ببيان الخطأ الذي تراه.

13- من التصنيف الذي يعمي أيضا إسقاط أسماء معارف سابقة على معارف عصرية مثلا كان للتويجري كتاب (الصواعق الشديدة على أهل الهيئة الجديدة)، في حين أن هذا الاسم تاريخي لعلم الفلك قديما الذي حفه سحر وشعوذات ويختلف تماما عن علم الفلك المعاصر حتى يسميه بعلم الهيئة.

14- وفي كتيب أصدره مركز الجزيرة للدراسات وهو (ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي) يصف الكاتب عبد اللطيف الهرماسي ابن كثير بالحنبلي! مع انه شافعي المذهب لكن لمجرد الارتباط الشرطي بين ما يراه تشددا والحنبلية كان سهلا هذا الربط، ويذكرني هذا بقصة تقول: أن واحدا دعا صاحبه لاحتساء خمر، فتمنع صاحبه فقال له: هل أنت حنبلي، ويكأن الشافعي مثلا يجيز شرب الخمر، إلا أنه التصنيف الجاهز المتعامي عن الحقائق يوقع صاحبه في العمى.

15- وتجد في كتابات الراشد وهو يتحدث عن الحركة الاسلامية معاني هذا الكلام فهو يتحدث تحديدا عن الإخوان، بل يصل الأمر إلى ابتكار أصول خاصة في الفقه عندهم فيقولون مثلاً: اجمعت الحركة الإسلامية على كذا في مسائل فقهية معينة كحكم العمل البرلماني ونحو هذا! فيضحي إجماعهم حجة! مع أنه ليس معتبرا في أصول الفقه الأصيلة .إلى أن يصل الراشد في كتابه) أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي) إلى القول بأن الداعية يفتى بكتابة الربا وإجرائه والشهادة عليه لتحصيل الخبرة وذلك أن الدعوة تسعى لتحكم سياسياً، وشرط تصويب ذلك عنده إذن أمراء الدعوة، وأنت لو حذفت هنا كلمة دعوة وداعية وأبدلتها بالإخوان والإخواني لكان الامر اصرح، ولما تحته أوضح.

16- الحيلة التي استعان بها الإخوان في توصيف حالة من يُعادي الدعوة الإسلامية، باستعارة عنوان مرشدهم الهضيبي في كتابه (دعاة لا قضاة)، فنحن لسنا قضاة فلا نقول عن الذين وقفوا ضد الإسلام - بنظرهم - مسلمين ولا كفاراً! أو نتعامل على أنهم مسلمون لمصلحة الدعوة، وهذا يقتل أي بحث فقهي ونظري.

17- اتهم محمد الغزالي مرشد الإخوان حسن الهضيبي بالماسونية لما وقع خلافه مع الجماعة، واحتد في نقاش شبابهم واصفا لهم بالغلو، وسطر هذا في كتابه (من معالم الحق) في طبعاته الأولى، وفي طبعة حديثة صدرت عن دار النهضة حذفت هذه الصفحات مع إبقاء سياق لا يكتمل دونها ! وكأن القارئ لن يفطن لوجود نقص في تلك المواضع، ثم لما اصطلح الغزالي مع الهضيبي تبخر الاتهام وصار الهضيبي عند الغزالي رجلا صالحاً!

18- جماعة التبليغ في ظاهر الأمر تدعو الناس إلى العبادات والأخلاق الحميدة، والخروج في سبيل الله، لكنها في باطن الأمر وهو ما يهمنا هنا تؤثر في صياغة عقلية انتظار المعجزات، والبلاهة السياسية، والسذاجة التصنيفية، لدرجة أنها تخرج فردا في القرن الواحد والعشرين وكأنه من مخلفات العصر العباسي! بل إنها تساهم لدرجة كبيرة في ابتذال المقام المعرفي التعليمي فيما يخص الدين، فيضحي مرتاد غرزة بالأمس مدرساً للناس دينهم على المنبر اليوم لأنه خرج 3 أيام. إن هؤلاء وإن أنقذوا رجالا من سموم الأفيون، إلا أنهم يبثون أفيوناً من نوع آخر، وهو المثالية بأوضح صورها الرجعية البائسة.

19- ولفقدان أي نسق فكري عند جماعة الدعوة والتبليغ؛ تجد أن أتباعهم منفتحون على كل الخيارات، فيفرخون الإخواني مستقبلاً، والجهادي، والسلفي، والتحريري، والصوفي. أو يبقى في مرحلة المنزلة بين هذه وسابق عهده تبليغي أي بريد لهذه الجماعات .وقد أدرك كثير من الجماعات هذا، لذا لم ير سعيد حوى معارضتهم بل أوصى شباب الإخوان بالخروج معهم، وكيف لا وهم يستقطبون ما يعجز هو عنه، وبالتالي يقدر "الداعية" باصطلاحهم، على دعوة هؤلاء لما يريد. ويفطن لهذا أيضا أبو مصعب السوري وهو جهادي، فلا يرى مصادمتهم فهو سبيل إلى الوصول إلى ما يريد أو هم مشاركون في استقدام ما يعجز هو عنه وعلى هذا فقس.

20- جهيمان الذي أقدم على اقتحام الحرم المكي بهوس جنوني بأحاديث المهدي والفتن والملاحم، والذي لا يكاد يختلف خطابه عن كثير من السلفيين في حتميته، والتفاته للدليل، مع إغفاله بأن الدليل هو ما يتوصل بالنظر الصحيح فيه إلى مطلوب خبري، فيغفل النظر الصحيح، والذي لا يكون دون مران في الفقه وأصوله، ويخفي عدم أهلية هذا الناظر للدليل. جهيمان لم تنته حكايته، فقد ورثها للمقدسي الذي بدوره لقنها للزرقاوي، والذي بدوره أعلن الدولة في العراق؛ لتصبح بعده تضم مناطق في سوريا ويضحي لقب داعش اصطلاحاً عليهم.

21-عبد الله عزام في الواقع كان مثاليا لدرجة كبيرة؛ فقد كان يرى أن ما يحدث في أفغانستان ليس صراعا بين دولتين عظميين، بقدر أنه تأسيس "لقاعدة إسلامية" وهذا الاسم أطلقه هو حرفيا في كتابه (إلحق بالقافلة) تنطلق لتحرير المقدسات، وفلسطين في الطريق بعد إنهاء مهمة أفغانستان، وغيرها بطبيعة الحال. لقد كان فذا في تبريره منع تعليم البنات في أفغانستان، فالموضوع ليس كما يصوره الإعلام الكاذب، بل كل ما هنالك أن هناك مدرسات من فترة الشيوعية يلقن البنات الإلحاد ! وحالما ينتهي هذا الأمر سيختلف موضوع تعليمهن؟! طبيعة الحال انتهت تلك الحقبة ولا تزال تتسارع الأخبار عن تفجير مدرسة للبنات، إلى قطع أنف طالبة تتعلم ونحو هذا، لتكون أصغر من حصلت على جائزة نوبل للسلام "ملالا يوسف زي " التي كانت طالبة من منطقة وادي سوات، والتي أطلق عليها النار وهي في حافلة المدرسة !

22- كان كتاب عزام (آيات الرحمن في جهاد الأفغان) كتابا يتحدث عن كرامات المجاهدين هناك، فذلك دمر دبابة بحفنة رمل، وآخر جمر رتلا كاملا بقذيفة واحدة بعد أن قرأ شيئا من القرآن، وفي وثائق "أبوت أباد" التي عثر عليها عند بن لادن جاء نص يقول: "الأفغان عادتهم المبالغة"! إن سير العمليات هناك ليس بتلك الضخامة، ويصور أوليفيه راوا في كتابه (الإسلام السياسي) سوء إدارة المعارك هناك، وتعاملها بطريقة ارتجالية اعتباطية.

23-ونجد أن الجوانب الروحية التي طغت على بعض تلك الجماعات إلى حد الاحتكام إلى الرؤى والأحلام، كما كان الأمر عند جهيمان العتيبي، وجعلتها تتحكم في كثير من المقاتلين هناك، إلى الحد الذي دفع أبا مصعب السوري إلى الامتعاض وتسجيل ذلك في كتيب بعنوان (رؤى وأحلام أم تهيؤات وأوهام).

24- وفي مذكرات سلمان العودة (طفولة قلب) يذكر الكتب التي تربى في كنف أفكارها، ويبرز من بينها كتب البنا، وسيد قطب، وغيرها .كذلك فإن محمد قطب وهو أخو سيد سيكون مؤثرا هناك، كونه يشرف على رسائل جامعية لطلاب في السعودية، يبرز من بين الأسماء سفر الحوالي الذي أشرف عليه قطب في الماجستير والدكتوراة .وهذا يدفعنا للحديث عن شيء من أمر الجماعة الأم كما يصفها بعضهم.

25- وصف جماعة الإخوان بالأم تجده مثلاً في كتابات أبي مصعب السوري، وهو جهادي، فهذه الجماعة لها تاريخ قديم توزعت فيه مواقفه وتغيرت، وتطورت عبر قرن من الزمن، في صراع فكري، ومصلحي مع المحيط، لك الجماعة أسسها حسن البنا، وهو صغير، و لم يعرف بأي تحقيق فقهي أو عقدي بقدر أن والده رتب مسند الإمام أحمد، وهذا له وزنه وصداه في المملكة العربية السعودية التي غلب فيها المذهب الحنبلي، مع أن والده ليس مثل الوهابيين في السعودية الذين سارعوا إلى منع التبغ، فيطلعنا جمال البنا في ترجمته لوالده بأن الوالد كان مدخنا مثلاً.

26- حسن البنا كان سلوكه بداية شبيها بجماعة التبليغ، فيلبس العمامة، قبل أن يلبس الطربوش والبدلة دون جرافتة، ثم بدأ بطرح خطابه التحشيدي بشيء من العناوين العامة غير المحددة تماما ليقول عن جماعته "عقيدة سلفية، وتربية صوفية، وجماعة رياضية.."، كما أسس البنا جهازاً خاصا دار حوله كثير من الكلام، وتم تبريره مرارا بأنه ضد البريطانيين، ومن أجل فلسطين، إلا أن هذا وإن صدق في نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فهو تهديد دبلماسي، باستعمال القوة ضد النظام الحاكم، فقد نفذ الجهاز عدة عمليات منها اغتيال الخازندار، بسبب سوء فهم لإشارة من البنا حيث تمنى التخلص منه! والبنا نفسه لم يعب الأمر مبدئياً، بل قرر بأنه لم يصدر أمرا صريحاً بالقتل! وشهادة محمود عساف في كتابه (مع الإمام الشهيد) مهمة في هذا الباب.

27- ورغم استنكار البنا للحادث علنياً، وتصوير عدة من الكتاب الموقف كدراما فذرفت عيناه، إلا أنه في الباطن، تم اعتباره قتل خطأ ! كون القتلة قصدوا قتل روح التبلد الوطني ! كما يذكر محمود الصباغ في كتابه (حقيقة التنظيم الخاص) ثم إن البنا كان قد وافق على اتصال بالسفارة الأمريكية، والتي عرضت عليه التعاون معهم لمحاربة الشيوعية، لقاء المال، فرفض المال ووافق على التعامل! وقد كان معه محمود عساف وسجل هذا في كتابه (مع الإمام الشهيد)، إنه يُعبّر عن الحرب بالوكالة! فهذا العدو مشترك، وهو يعني العمل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

28-ولما وقعت محاولة نسف مكتب النائب العام، وجد البنا أن أمر الجهاز خرج عن سلطة المرشد الكامل، فرفع "فيتو" على كونهم إخواناً، بما أنه المرشد الأعلى، وكذلك على كونهم مسلمين، فقال: " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" وهذا يعيدنا إلى مشكلة عويصة سبق الحديث عنها: إن كان له الحق أن يفصلهم من الحزب، فهل له أن يفصلهم من الإسلام؟! ثم إن القتل خطأ لا إثم فيه، فلعلهم قصدوا تدمير مكتب التهاون الوطني.

29-حسن البنا أذن لبعض شباب الإخوان بالقتال في فلسطين، ومن الغرف الذهنية التي تنفصل عن بعضها في المخيلة الحركية، التفاخر بهذا الأمر، وبالأيدي المتوضئة التي قاتلت في فلسطين في،  48وفي نفس الوقت اعتبار تلك الحروب مسرحية، ومهزلة ومؤامرة، ساهمت فيما بعد في تبرير إسقاط عدد من الأنظمة كنظام الملك فاروق في مصر.

30- وفي غمرة اختلاف محمد الغزالي مع الإخوان ذكر أن الشباب الذين زج بهم في فلسطين كانوا دون تدريب مؤهل، ولم يختلف سلوكهم القتالي من حيث النتائج عن أي مقاتل حقيقي وقتها، فكثير منهم قاتلوا أو قل قتلوا بأقل كفاءة ممكنة فكأنهم أهداف متحركة لتدريب العدو.

31-إن حسن البنا سيقدم لكتاب فقه السنة لسيد سابق والذي سيختلف بعده مع الإخوان، وينحاز إلى عبد الناصر، في غمرة الخلاف على المرشد بعد البنا، وفي نزاع على زعامة الجماعة، آثرت الجماعة استقدام فرد من خارجها وهو حسن الهضيبي، كما يرى الغزالي، ويخفف بعضهم هذا بالقول بأنه كان يحضر بعض حلقات البنا، وأثنى عليه، وبعبارة مسكتة "كم من الإخوان وليسوا معهم".

32-سيتضخم دور البنا التجديدي والإصلاحي بل والعلمي والروحي فيما بعد اغتياله فيما يرجح أنه من السلطة الحاكمة، وليس ذلك لإسكات "لا إله إلا الله " كما تصور كثير من الكتابات الإسلامية .بل بعد سلسلة من استعراض القوة التي حسب البنا أنه يمتلكها من أيام الملك فؤاد عبر 20 ألفاً من الإخوان، وإظهار كشافة الإخوان يقودها أحد أبطال مصر الرياضيين .إلى وجود النظام الخاص الذي يتفلت ليغتال شخصيات مرفوضة سياسيا من الإخوان، إلى ما قد يكون معرفة باتصالات مع سفارة أمريكا دون إذن من الملك.

33- إن تنظم الإخوان كان يشكل تكتلا يشبه دولة داخل الدولة، فضلا عن رسائل قد يفهم منها دبلوماسياً أنها تلويح بالقوة، ونفوذ متزايد كل هذا أدى إلى إسراع اغتيال البنا، الذي لم يترك من تراثه النظري ما الكثير ليحدد سير الجماعة بعده. ل لم يخف البنا تذمره من سلوكهم الذي وصل إليه، وهو عدم اعتبار سلطته كإمام لهم، حتى ينقل عنه الغزالي قوله: "وددت لو أني عدت بالإخوان إلى المأثورات". وقد أدى اغتياله لانفجار خلافات حادة وصلت إلى التلويح بالقوة من مسؤول النظام الخاص عبد الرحمن السندي كما يطلعنا صلاح شادي في وجه المرشد الجديد حسن الهضيبي.

34-تضخيم دور البنا أدى إلى أن يقارنه مرشد الإخوان عمر التلمساني بابن تيمية في كتابه (أربعون عاماً من الدعوة) وفي لمسحة غريبة يقول وإن كانت دعوة ابن تيمية لم تحقق انتشارا ونجاحا في عصره، فإن دعوة البنا حققت هذه!

35-وبعد اغتيال البنا، عبر سيد قطب عن عقلية الرفض الكامل للمحيط، واختصار الإسلام بالجماعة التي تحمل همه وتسعى لإعادته للحكم، إن الواقع يقول: إن الإخوان كانوا يريدون استلام السلطة، لكن مع سيد قطب يضحي الأمر : "إن هناك عصبة مؤمنين تسعى لإعادة سلطان الله المغتصب إليه". وبشيء من التعبيرات الأدبية كحمأة الردة، والجبلة النكدة ونحوها مما بثه في كتاباته يضع خطاً مفصلياً لمنأواة المجتمع ومحاربته.

36-واحدة من أهم أفكار سيد التي ستؤثر في أجيال بعده، تلك المقارنة بين العصبة المؤمنة وأصحاب الأخدود، فأصحاب الأخدود كانوا قد امتحنوا لأجل عقيدتهم ليكفروا بالله، بخلاف قوم لم يكرهم أحد على الكفر إنما يسعون هم لإسقاط نظام يرون أنه لا يحكم بما أنزل الله، الأولى فيها إكراه على الكفر، الثانية لا يوجد إكراه بل يوجد سعي لتحقيق معتقد كسلطة حاكمة .وبالفعل تم العمل لإحياء النظام الخاص لضرب عبد الناصر بالارتباط المباشر مع سيد قطب الذي شرح ذلك في كتابه (لماذا أعدموني)، يبرز من بين الأسماء التي يذكرها سيد قطب "علي عشماوي" الذي له كتاب (التاريخ السري لجماعة الإخوان).

37-طال الجدل حول فكر سيد قطب في التيارات الإسلامية، فقائل: لقد كفر سيد قطب المجتمعات المسلمة كما هي تهمة عدد من السلفيين له .وقائل: لا بل استعمل أسلوبا أدبيا فحسب كما هو اعتذار الراشد عنه .إلى أن نصل إلى القرضاوي الذي يقول يوجد في أفكار سيد قطب شيء من أفكار الخوارج المخالفة لأهل السنة والجماعة، ويبرر ذلك بأنها كتابات كتبت داخل السجن فترة المحنة .على أن هذا يتجاوز أن الارتجالية في الجماعات وتحديدا الإخوان، لم تكن لتفرز التطرف فحسب في السجن، بل وحتى "الاعتدال" في السجن، وكتاب (دعاة لا قضاة) لم يكتب فترة نقاهة وتأمل الهضيبي بل لدرء تهم الإرهاب عنه، وقد كان اعتقل لأجلها.

38-لقد كانت كتابات سيد قطب في لماذا أعدموني فيها طابع تبرئة النفس، خصوصا أنه محضر التحقيق، وقد حاول تبرئة نفسه من عدة تهم، وتحميل الأمر لعلي عشماوي، فكيف بتهمة كهذه، طبعا علي عشماوي يتهم بأبشع التهم من جانب الإخوان، فالغزالي تقول أنها رأته وبصقت عليه كونه في التحقيق كان يلبس بطريقة جيدة مما يلمح أنه جاسوس.

39- أما أحمد رائف في (البوابة السوداء) وهو اسم مذكراته في السجن يضع صورته وهو يشهد على سيد قطب، ويكتب تحتها " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها" وهذا كله يعود إلى جانب عداء الجماعة وعداء الإسلام !، الخلط الفظيع بينهما، لكن عشماوي نفسه يذكر تفاصيل التحقيق معه، ويذكر أنه لم يبق إخوانيا فانفصل عنهم مما أدى إلى صدامه معهم إلى درجة تطليقه من زوجته. هذا الذي يقوله لا يصنف كمبالغة، فالجماعات الإسلامية تتزوج من بعضها من باب أن ابن الجماعة أولى من الغريب، أو قل كتبرير ديني "إذا أتاكم من ترضون دينه"، لكن متى حصل خلاف مع الجماعة فهذا سيستدعي خلافا عائليا أيضاً.

40-ومن جملة من تأثروا بفكر سيد قطب: شكري مصطفى، الذي سيؤسس جماعة ترى الهجرة، واعتزال الناس، وعدم الصلاة في المساجد المنتشرة سوى المساجد الثلاثة، كون الباقية مساجد ضرار، سيصل بها إلى قتل حسين الذهبي الذي وصل إلى مرتبة وزير للأوقاف، ولما سئل شكري عن الذهبي في التحقيق قال "هو عندي كافر " !، مع نفيه أنه أصدر أمرا مباشرا بقتل الرجل.

41- بينما محمد بن سرور الذي ينسب إليه التيار السروري أو الصحوي، في كتابه (الحكم بغير ما أنزل الله وظاهرة الغلو) فيعتبر الأمر -أي: ما جرى مع محمد شكر -مخططا مستغلا أكبر من وجود مشكلة حقيقية في الأنظمة الخطابية التي نشأت في أحضانها هذه الظاهرة.

41- وقد اشغل القرضاوي مخيلة عدد من النخبة في التيار الإخواني، فمن (فقه الغناء والموسيقى) الذي يجيز فيه تبعا لعدد من الفقهاء المتقدمين المعازف والألحان، إلى استقرار موضوع المشاركة البرلمانية بالإجازة كما في كتابه (فتاوى معاصرة)، إلى عدم ممانعة الاستفادة من الآخرين كماركس وغيره في كتابه (ثقافتنا)، إلى اعتبار المواطنة لغير المسلمين في المجتمع المسلم بدل اسم أهل الذمة، وبدل الجزية تعتبر ضريبة، وبدل مخاطبة غير المسلمين بالكفار يقال عنهم غير المسلمين كما في كتابه (خطابنا في عصر العولمة) إلى إجازته استمرار الحياة الزواجية بين المسلمة وزوجها الكافر بناء على عقدهما قبل إسلامها كما في كتابه (فقه الأقليات)، وإجازته استقراض الربا لمصلحة شراء منزل في أوربا ونحو ذلك فكل هذا كان حاضرا في مخيلة كثير من النخبة الإخوانية إن صح الوصف بذا .

42- وفي نفس الوقت كانت التربية الإخوانية للشباب تعيش على كتابات سيد قطب، الأمر يذكرنا بكلمات نقدية لميلوفان ديجلاس في كتابه (الطبقة الجديدة ) في نقده للحزب الشيوعي اليوغسلافي، أن المنع للقاعدة الحزبية، لا ينطبق على النخبة الحزبية. فسماع الغناء لا بأس به ولعله يطرب لأم كلثوم وعبد الحليم، ولا يرى إشكالية في التعامل مع الربا لمصلحة الجماعة كما في فتوى الراشد، ولا بأس بمصافحة المرأة لحاجة المجاملة، ونحو هذا .

43-ويخيل للمتابع أن رأس الهرم لو انفصل عن قاعدته لوجد عندنا تياران متصادمان !إلا أن الخليط غير المتجانس، وعدم وجود منظومة واحدة متسقة، تحيي الخلافات القديمة داخل الإخوان، ولا غرابة أن تجد عمر الأشقر على أنه سلفي، وسعيد حوى، وعبد الفتاح أبو غدة كأشعرية، ومحمد عمارة كمعتزلي، ونحو هذا.

44-لقرضاوي حاول أن يكسب جميع الأطراف نظريا بعدم رفضه التأويل والإثبات تماما باتساق حتى لا ينحاز إلى كتلة في الجماعة دون أخرى، بل سعى لاحتواء الجميع، فأيها الأشعري إننا نؤول البعض وأيها السلفي نثبت البعض، وما اختلفنا به سيكون للتفويض فيه مجال .إننا هنا أمام براجماتية نوعا ما لاحتواء أكبر قدر ممكن داخل المنظومة الواحدة، وأمام الخصوم سيتكلم سيد قطب، ووقت المصالحة سيتكلم الغنوشي، وقت الحرب سيستنفر عزام، ووقت السلم سيتم الحديث عن الهدنة المطلقة.

45-سيقال عن العرب في قمتهم لم يقوموا إلى الصلاة وقد حان وقتها كما سينقد الغزالي، وسيقول الراشد بجواز الجمع بين الصلوات للمصلحة في الاجتماعات التنظيمية الإخوانية .

46- سيقال فترة الخلاف مع الشيعية بأن سعيد حوى كتب (الخمينية شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف)، أو أن الخلاف فرعي ولا يتعلق بالأصول كما في كتابات القرضاوي المتقدمة، وتصريحات مكتب الإرشاد فترة حرب حزب الله مع إسرائيل، إن الجامع الأساسي بين أفراد التنظيم المختلفين التزام القرار الجماعي وتنفيذه، حتى لو خالف، فالمهم إظهار الولاء للجماعة وخطاباتها.

47-إن سعيد حوى يذكر في مذكراته أنه كان في صباه متشددا، بل شارك هو ومجموعة من الشباب بمهاجمة بعض الإفراح التي تستعمل المعازف، هذه كلها ليست مرحلة منتهية من فترة الشباب، فمجموع الخطاب الذي يفتقد النقد الصريح العلني بأمر من القيادة العليا، يسمح بوجود سعيد حوى في كل مراحله العمرية داخل الجماعة .وهذا يظهر الارتجالية والتشرذم في المخيلة، وفقدان أي منظومة حقيقية يمكن أن توصف بأنها الإخوان بحق، إنها كل هذا، وغيره بطبيعة الحال.

48-إنه خطاب يسمح بأن يفسر عزام وفق الأصل العشرين من أصول البنا تكفير الأنظمة التي تحكم بالقانون الوضعي، وفي نفس الوقت يفتح المجال لأسلمتها كما يقول كثير من الإخوان من أيام كتاب (دعاة لا قضاة)، وطاعتها، أو الخروج المسلح عليها كما سعى إليه الراشد في (المسار)، إنه خطاب يسمح بتخوين نظام كامل بسبب كامب ديفد، ويسمح في الوقت نفسه بتفهم احترام تلك الاتفاقية، مع رسالة مرسي "عزيزي بيرس"! مما نقده محمد حبيب الذي أمضى أكثر من 3 عقود في صفوفهم في كتابه (الإخوان المسلمون بين الصعود والرئاسة وتأكل الشرعية).

49- القرضاوي كان قد أفتى بجواز الدخول في الجيش الأمريكي بعد 11 سبتمر في الحملة على أفغانستان، هو ومحمد سعيد العوا، وطه جابر العلواني، واعتذر عن هذا بعد ذلك بأنه كان يحسب أن التجنيد في أمريكا إجباري، ثم اكتشف أنه ليس إجباريا ! كما في كتابه : (الفتاوى الشاذة)، وهذا يتم تفهمه في صفوفهم، وللقرضاوي منزلة كبيرة عندهم، إذن هذه بتلك وليست بوزنها فللمارينز ثقل!

50-الأمر الذ جعل من الوادعي سيكون محتدا ضد الإخوان، بل يكتب كتابه (إسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي) !، في بيان لشيء من عنف اللغة مع المخالف، فذلك مهرطق، وذلك زنديق، وآخر كلب. وبعيدا عن المزايدة الأخلاقية، بين التيارات والجماعات، فإن النزعة الظاهرية في تيار الألباني كانت بادية لدرجة أن القرضاوي كان يلمز فقه السلفية بـ "فقه الظاهرية الجدد".

51-فتوى الألباني بهجرة أهل فلسطين من دار الحرب بعد الاحتلال ثم العودة لتحريرها، والتي بررها إبراهيم شقرة في رسالة مستقلة له، في حياة الألباني قدم لها الألباني نفسه وهي )ماذا ينقمون من الشيخ الألباني؟(، ثم عاد وانتقد موقف الألباني في لقائه مع عزام التميمي في برنامج (مراجعات).

52-كذلك التشدد في مسائل مثل لبس الحزام على الوسط كما في الزي العسكري! وفي كتاب (منهج الطائفة المنصورة) لمحمد جميل زينو ينهى عنه لأنه تشبه بالمشركين كونه يشبه زنار رهبان النصارى !إلى كراهية الأكل بالملاعق كما قال التويجري، ونفي الجاذبية الأرضية، بل ونفي أن الأرض أصغر من الشمس كون السلف لم يقولوا ذلك!.

53-وفي مناظرة للألباني مع رجل يلبس ساعته بالشمال يقول له يفترض أن أعاملك كما عامل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من لبس خاتم ذهب، رماه به ولو أصابه لآذاه !فلمجرد رأي الألباني بأفضلية لبسها باليمين! مع أن العثيمين مثلا يخالفه فيقيسها على لبس النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاتمه بالشمال! المهم لمجرد رأيه بأفضلية ذلك يتحدث عن حادث متعلق بتحريم الذهب على الرجال.

54-كذلك يظهر في الألباني تشدد فيطالب خصمه بالدليل حتى في مسائل الأصل فيها الإباحة، لا أنه هو المطالب بدليل المنع كمناظرة جرت بينه وبين رجل من التبليغ يطالبه بدليل على خروجهم إلى بلدان متنوعة >إلى منشورات كثيرة في المناهي اللفظية، بل من العجب فتوى للجنة الدائمة ترى كراهية قول القائل لغيره دمتم لأنه لا يدوم شيء إلا الله! والأصل حمل أقوال الناس على أصح الاحتمالات لا أسوأ الافتراضات فكيف بالتمحلات!

55-ومن أفظع ما يمكن أن يقال ما تجده في أواخر)الدرر السنية في الأجوبة النجدية (من فتاوى ترى عدم وجوب توفير أدوات الإسعاف الأولية على رب العمل للحفاظ على صحة العمال !وأن من الظلم بنظرهم إعطاء العامل أتعابه، أو إصابة عمل، أو إجازة مدفوعة الثمن فذلك كله من الحكم بغير ما أنزل الله ومن القوانين الوضعية ! إنه انحياز تام إلى الرأسمال بأبشع صور الاستغلال التاريخي الذي تفننت الكتابات الاشتراكية في تصوير مظالمه.

56-يقوم عبد الله عزام بقراءة عليه كتاب (الإيمان) لمحمد نعيم ياسين، ليقول له عزام بعد ثناء ابن باز على الكتاب، إن هذه هي عقيدة الإخوان المسلمين جميعاً. بطبيعة الحال لم يصدق عبد الله عزام، فليس كتاب الإيمان عقيدة لجميع الإخوان بمن فيهم عبد الفتاح أبو غدة، وسعيد حوى، بل حسن البنا نفسه لم يكن ليقول كثيرا مما جاء في كتاب الإيمان، ولكنه مغازلة للسلفيين فحسب لكسب ودهم!

57-رافة وحدة المنهج بين السلفيين تسود، وهي محض خرافة، فليس منهج الألباني غير المتمذهب في الفقه، الذي هو أقرب فيه إلى الظاهرية في عدد كبير من المسائل، مثل منهج ابن عثيمين فيه، بل حتى الخلافات وصلت إلى العقائد مثل خلاف الألباني مع ابن باز والتويجري في حديث خلق الله آدم على صورة الرحمن، وليس هذا من خلاف التنوع بل التضاد بحق، وليس هذا مقام بسط هذا.

58-وفي شهادة نادرة قدمها ناصر الحزيمي في كتابه )أيام مع جهيمان) يطلعنا عن اجتماعات سرية بين جهيمان والألباني، والتي حذر الألباني جهيمان من اطلاع ابن باز على كثير من الأمور، نظراً للخلافات بين الألباني وابن باز في غير الفقه والعقائد، فإن الألباني باعترافه كان مع الإخوان في سوريا لكنه ليس منهم، ثم جاء إلى السعودية. وهذه الشهادة تبين شيئا من التوجه عند الألباني لربما للتحرك في طريق معين له بعد سياسي ما، وقد تم إبعداه عن التعليم في المملكة، وبقي مختلفا مع ابن باز حول الاستعانة بالأمريكان، ويظهر أنه كان قد عدل عن أي توجه فيه تحرك سياسي بعد مأساة جهيمان.

59-السُّبحة في واقع الحال أداة للعد، وليس للتسبيح، وبذا لا يرى ابن تيمية بدعيتها، بخلاف تيار الألباني، وعدد لا بأس به من السعودية كبكر أبو زيد وله رسالة (السبحة) .

60-نقد الألباني لجبهة الإنقاذ الجزائرية فيما يخص اللحية والثوب !، ولم يكن في جعبته أي نقد على برنامجهم السياسي الذي اعتبر أنه جيد، ويعبر عن خبرة وفي الواقع فقد كان برنامجهم عاما لدرجة يتفق في عناوينها الجميع دون تفصيل حقيقي يميزها.

61-عمق الخلاف بين التيارات الجهادية في أفغانستان، فيذكر عزام شيئا من الحوادث التي وصلت إلى رفع السلاح بين "المجاهدين" أنفسهم بحجة أن واحدا علق تميمة، والآخر رآها شركا، كذلك أبو جعفر القندهاري في كتابه (ذكريات عربي أفغاني) والذي يطلعنا على عدة مشاكل حقيقية منها: وجود من تساهل بالدماء، بحجة الكفر* واستغلال المقاتلين لحسابات قبلية دون وعي منهم، فيذكر أن قائده بعثه مع غيره للقتال في منطقة والتي اكتشفوا أنها تابعة لقائد آخر يريد منهم قتاله * فتاوى من أفغان بقتال الوهابية.

62- ومن الحوادث المهمة التي نبهت لشيء من هذا الخلاف بين تلك الجماعات الأفغانية: اغتيال جميل الرحمن وهو زعيم لجماعة سلفية، على يد رجل اسمه "عبد الله الرومي" عرف بانتمائه للإخوان، مع محاولات لاحتواء الأمر على أنه فردي، إلا أن صداه سيصل إلى اليمن ويكتب الوادعي رسالته (مقتل جميل الرحمن) والتي يحيل عليها الحلبي من الأردن.

63-سلمان العودة والذي جمع في فكره بين السلفية والإخوان كان قد خفف من لهجته وغير بعض الجزئيات، فيما عُرف بجيل الصحوة، ونقل ذلك تركي الدخيل في دراسته لشخصيته في كتابه: (سلمان العودة من السجن إلى التنوير)، وكان أبو مصعب السوري يقول عنه " سلمان رزقه الله العودة " !.

64- تمثل الصحوة لربما وسطا بين جهيمان العتيبي وما تلاه من الحركات السلفية الجهادية، فرجل مثل المقدسي كان من أتباع جهيمان، وصنف وقتها كتابه)إعداد القادة الفوارس بهجر فساد المدارس) كان محتدا على دروس الرسم لذوات الأرواح في المدراس، والحل بنظره هجر المدارس والعودة إلى الكتاتيب ! أو بعبارة أخرى الرجوع بالزمن إلى الوراء !.ثم صار من أتباع محمد بن سرور الذي كان إخوانيا في سوريا، ثم صار أميل للسلفية في السعودية قبل طرده منها، واستقراره في الأردن .

65-خطاب المقدسي حوى شقا إخوانيا وآخر سلفيا يقتات على التراث التيمي، والسلفي عموما مع استشهادات بسيد قطب كما في كتابه )ملة إبراهيم)، الأمر الذي كان ظاهرا في رسائل سفر الحوالي التي أشرف عليها محمد قطب (العلمانية)، (وظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي).

66-عزام الذي كان يعتبر نفسه سلفيا وفي نفس الوقت، لا يعتبر نفسه ليس إخوانيا بل هما سويا، سيكون لأفكاره اتحاد مع سيد قطب ومحمد قطب وتنتج مضمون ما يقوله المقدسي .والمقدسي يفتح المجال عبر منظومته لخطاب عزام وإن لم يكن يشير إليه.

67-يمتدح عزام التوغل في الأراضي الروسية، وذبح الجنود المأسورين بالسكين، في كتابه (عبر وبصائر للجهاد في الوقت الحاضر) وهذا التفاعل سيؤدي فيما بعد فيما يمكن تسميته حالة الانسداد التي وصلت إليها التيارات السلفية الجهادية عند الحديث عن داعش.

68- وفي وثائق "أبوت أباد" وهي الوثائق التي سمحت بنشرها الإدارة الأمريكية، والتي عثر عليها في مخبأ بن لادن، يوجد وثيقة لعزام الأمريكي يتحدث فيها عن تيار رأى تفجير المساجد بسبب كلام قطب عن مساجد الضرار في كتابه (في ظلال القرآن( كما يوجد وثيقة تتحدث عن كتاب (نقاط الارتكاز بين سيد قطب وبن لادن) الذي قدم له المقدسي، وهو كتاب ألفه رجل يدعى "عبد الرحمن المصري"، حاول فيه أن يجمع بين سيد قطب ومحمد بن عبد الوهاب، ليقول بان الدولة العثمانية كانت واقعة في "شرك النسك"، وفي نفس الوقت زال الإسلام عن حكم الأرض بسقوطها !، وينشره موقع "التوحيد والجهاد" الذي ينشر نفسه كتابا لناصر الفهد (الدولة العثمانية وموقف ائمة الدعوة منها) ينتهي بتكفير تلك الدولة ! فدولة عندهم كافرة، زال الإسلام في نفس الوقت عن الحكم بزوالها!

69- الفوضوية التي عبّر عنها عبد الله عزام في كتابه (الدفاع عن بلاد المسلمين أهم الفروض الأعيان)، وذلك بجعل النفير إلى أفغانستان لا إذن فيه لأحد على أحد اعتمادا على فتاوى تقول بوجود خروج الابن دون إذن أبيه، والمرأة دون إذن زوجها، موضوع المرأة هذا سينفجر فيما بعد بشكل أوضح في خطابات داعش! على أي حال فالخروج إلى أفغانستان لم يكن يحتاج إلى إذن أحد، والسؤال وهل البقاء في المعسكر يحتاج إذناً؟ في الواقع كانوا يتفلتون من التدريب للذهاب إلى الجبهات المشتعلة أيام المعارك مع السوفييت.

70-من الأسماء التي لمعت فترة ما في التيارات الجهادية " عبد المنعم مصطفى حليمة: أبو بصير الطرطوسي"، وله عدة كتب منها (الطاغوت)، و(قواعد في التكفير) .قبل أن يسوق لنفسه على أنه معتدل في برنامج عزام التميمي "مراجعات". فقد كانت أقواله تصب في مسار داعش فيما بعد، إلا أنه لم يلتزم نتائج كلامه إلى آخر نتائجه المنطقية. وتم إعادة إنتاج هذه الأفكار تكراراً ومراراً، الأمر الذي عبر عنه في كتاب (العلمانية من الداخل) للبشير المراكشي، الذي لا يحوي أي فكرة زيادة على ما طرح عند هؤلاء. ونصرها الجهادي أبو مصعب السوري في كتابه (المقاومة الإسلامية العالمية).

71-ثُم صيغت الأفكار الجهادية فيما بعد بشكل أعنف، فمن العييري صاحب كتاب (إرشاد الحيارى بجواز قتل الأسارى) إلى الأزدي : فارس آل شويل )الباحث عن حكم قتل المباحث( إلى غيرها من المحاضرات والإصدارات. وكانت كتابات الظواهري أيضا عاملاً في صياغة المخيلة العامة القتالية فمن كتابه "الحصاد المر" الذي يحتد فيه بنقد الإخوان، ويستثني سيد قطب من نقده بطبيعة الحال. ليصل أن الواجب تكفير النظام، وتحقيق الجهاد المتعين، وهذا يصب في باب الفوضوية التي كتب عنها السوري، ويسمي بعضهم وأحسبه أبا قتادة الفلسطيني الظواهري بـ "حكيم الحركة الإسلامية" !

72-كان أحد الكتب التي صدرت كتاب مصعب حسن يوسف الذي تنصر وأعلن فيه أنه كان يعمل بالشاباك وهو كتاب "ابن حماس" بعد سفره للولايات المتحدة، والطريف أن الرجل يقول: إنه قال لأقاربه ذلك ولكن المحسوبية داخل الحركة هي من سترت عليه وفي لقاء للقناة الإسرائيلية الثانية مع عائلته قال أحدهم كان صغيرا لما قال هذا !في حين أن ما قاله مصعب عن قتل من لا ظهر لهم ولا نفوذ في السجون ومنهم أبرياء، يعرفه أبناء تلك السجون، الذين شهدوا فترة التسعينيات !.وبمسحة سريعة تم تجاوز الكتاب بالأسماء التي فيه والتفاصيل المحكية عن المحسوبية .! انه مؤامرة والسلام.

73-كذلك يبرز اسم أيمن طه، وهو متحدث باسم الحركة كان كثيف الحضور الإعلامي، والذي تمت تصفيته والمعلومات الشحيحة تفيد أنه سرب معلومات للطرف المصري عن أسماء في القسام شاركوا في مهاجمة جنود مصريين على الحدود مما وتر العلاقات المتوترة أصلاً.

74-إن العبثية قديمة ومن أمثلة ذلك انفجارات جباليا والتي قتلت أكثر من 20 شخصاً، وتم اتهام إسرائيل بهذا وتورط متحدثهم الرسمي بالكذب "سامي أبو زهري" وهو يقول بأم عيني شاهدت الطائرات تقصف وتم إبعاده فترة عن الإعلام ثم عاد بقوة بعد نسيان الحدث .وخرج الزهار وريان يتحدثون عن قصف بالطيران، وأعلن ريان أن الاسلحة في المهرجان تقليد وليست حقيقية، والواقع أنه خلل داخلي فقد تم استعراض أسلحة حقيقية انفجرت وحصلت محاولات لإرضاء اهالي القتلى والستر على تلك الحادثة.

75- إن الانتهازية تصل حدودا فظيعة فقد حصلت عدة اشتباكات مع الجهاد الاسلامي كونهم لم يلتزموا بوقف إطلاق نار وسقط عدد من القتلى والجرحى حتى تم الاتساق على موقف موحد منها، في وقت كان يعتبر هذا خيانة وعمالة إن فعلته السلطة، ويصوره مدمنو كتابات قطب على أنه محاربة للإسلام وأهلها. أي مقارنة بين الخطاب السابق على السلطة بغيره تبين بعد ما بينهما، فضلا عن وقوع غزة تحت تنظيم تحول إلى نظام لا يريد الحرب، ولا السلام بتعبير ناصر اللحام.