جمع النيتين في عمل واحد
دراسة من الجزئيات إلى القاعدة
د. أحمد صالح علي بافضل
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ من فضل الله تعالى على هذه الأمة، أن كتب لها بالأعمال القليلة الأجور الكثيرة، فضاعف لها في الثواب، ومكنها من جمع النيات والقصود في العمل الواحد، وقد كثر سؤال الناس عن هذا الموضوع، سيما إن اتحد الزمان أو المكان، وظهرت الخصوصية بالثواب والفضل، أو بالأمر والرتبة، لا في الهيئة والصورة.
فهل تجمع إلى هذا العمل نية غيره، أم أن هذا العمل لا يقبل التشريك فيه، وبعبارة أخرى: هل يمكن تحصيل ثواب عملين في عمل واحد بمجرد أن نجمع بينهما في النية أم لا؟
ولعل أشهر تطبيقات هذه القضية، هي: إذا أراد المكلف صيام القضاء مع ست من شوال، أو مع صوم يوم عرفة، فهل يجزيه ذلك، أم أن لكل واحدة منها عمل مستقل، وقد اختلف الفقهاء في بحث هذه المسألة والحكم عليها، فمن مجيز، إلى مانع، إلى مفصل، وكلاً لديه أصوله التي ينبي عليها حكمه وتطبيقه.
وتنوعت آراء الفقهاء في فهم جواز ذلك من عدمه، بالنظر إلى توجه الخطاب إلى شغل الزمان والمكان، أو توجهه إرادة الفعل المجرد، ومدى كونه مستقلاً عن غيره أو تبعاً لغيره، وهل العدد مقصود في الفعل أم غير مقصود، وهل صورة الفعل تحتمل النيتين أم لا؟
والحاصل أنهم اتفقوا على اندراج بعض الجزئيات في قاعدة التشريك، واتفقوا على خروج بعضها، واختلفوا في بعض الصور التي يمكن تجويز الشركة فيها، ويالإمكان منعه، نظراً لاختلاف التخريج والقياس الفقهي.
وقد أراد الشيخ المؤلف أن يتتبع المسائل -التي فيها جمع بين النيات في العمل الواحد، وكلام العلماء في ذلك، وتطبيقاتها الكثيرة في العبادات خاصة، مع أن ذلك كثيرٌ في المعاملات، وذلك لإخراج ضابط لها في مذهب الإمام الشافعي.
ومن باب التيسير على الناس، يمكن القول بجواز الجمع بين نيتي قضاء رمضان وبين صيام الست من شوال وهو قول ابن حجر الهيتمي، وجماعة من فقهاء الشافعية.
وقسم الباحث بحثه إلى مقدمة ومدخل وثلاثة فصول وخاتمة، وهي -كالآتي:
الفصل الأول: في سرد لبعض التطبيقات التي يكون فيها جمع نيتين في عمل واحد.
الفصل الثاني: دراسة جزئية من هذه التطبيقات، دراسة واسعة بتفصيلاتها وخلافاتها وأدلتها، وقد اختار موضوعاً، لذلك فيه جمع نية قضاء صيام رمضان مع صوم النفل.
الفصل الثالث: محاولة استخلاص القاعدة وما يدخل فيها وما يستثنى منها.
الخلاصة: بين فيها ما توصلنا إليه.
الجزيئات والتطبيقات
بتتبعنا للفروع الفقهية، وجدنا أن هناك أمثلة كثيرة، جمع فيها بين عملين من نية واحد وعمل واحد، بل أن بعض هذه الأعمال قد يصح فيه ايقاع نيات كثيرة، وها نحن هنا نسرد هذه الجزيئات بعد تقسيمها الى ثلاث أقسام، جمع الفريضتين ثم جمع الفريضة والنافلة، ثم جمع النافلتين:
أولاً: جمع الفريضتين:
١. جواز جمع الحج والعمرة في حالة القران.
٢. الغسل الواجب والوضوء الواجب من عمل واحد.
٣. جواز جمع نيتين لحجتين من حجة واحدة؛ لكن في هذه الحالة لا تقع إلا إحداهما.
٤. جمع في الطواف بين طواف الفرض وطواف الوداع لا يكفي، وذكر السيوطي أن الاكتفاء أي محتمل، فلا دم على ترك طواف الوداع.
ثانياً: جمع الفريضة والنافلة، ومن أمثلتها:
١. الجمع بين قضاء صيام رمضان والست من شوال
٢. الجمع بين قضاء صيام رمضان والسنن الأخرى كعرفة، وعاشوراء
٣. مسح كامل الرأس جمعاً بين المسح الواجب والمسنون
الجمع بين غسل الجمعة وغسل الجنابة
٤. الجمع في سلامة بين نية الخروج من الصلاة ونية السلام على الحاضرين.
٥. الجمع بين عمرة الفريضة مع حج التطوع
٦. الجمع بين حجة الإسلام مع عمرة التطوع .
٧. نوي الصلاة لنفسه مع قصدة أيضاً تعليم الناس
٨. الجمع بين نية حجة الإسلام ونية حجة تطوع يجوز وتقع فقط عن حجة الإسلام
٩. أخرج دراهم ونوى الصدقة مع الزكاة، فتقع الصدقة فقط دون الزكاة
١٠. جمع بين خطبة الجمعة ونية سنة خطبة الكسوف، صحت للكسوف دون الجمعة
١١. نوى دعاء الاستفتاح المسنون مع نية البدلية عن القراءة عجز عنها
١٢. كبر المسبوق والإمام راكع -تكبيرة واحدة -ونوى بها التحرم والهوي إلى الركوع لم تنعقد أصلاً للتشريك.
١٣. جواز جمع أي فريضة مع السنن النافلة التي تندرج مع غيرها، وهي:
تحية المسجد، وصلاة الحاجة، وسنة ابتداء السفر، وسنة اختتامه، وركعتي الطواف، وركعتي الإحرام، وركعتي الزوال، وركعتي الوضوء، والركوع للغافل، وركعتي دخول المنزل، والخروج منه، وبعد الخروج من الحمام، وركعتي النفل والصلاة بأرض لم يعبد الله فيها.
ثالثاً: جمع النوافل مع بعض، ومن أمثلتها :-
١. الجمع بين نية غسل الجمعة وغسل العيدين
٢. الجمع بين حجة تطوع وعمرة تطوع بالقران.
٣. جمع نية صيام الاثنين أو الخميس مع نية صيام يوم عرفة
٤. جمع جمع السنن النافلة التي تندرج مع الصلوات المسنونة كالرواتب والوتر والضحى وغيرها.
٥. بالإضافة إلى جواز جمع هذه السنن المندرجة مع بعضها البعض ولو بجميعها، وهذه السنن المندرجة هي التي تقدم ذكرها في مبحث جمع الفريضة والنافلة.
٦. إضافة صلاة مع ركعتي الاستخارة هنا.
وقد نظم بعضهم هذه السنن بقوله:
تحية، وحاجة، كذا استخر .. كذا ابتداء واختتم من ذي السفر
وركعة الطواف والإحرام وال .. زوال والوضوء كذا لمن غفل
الفصل الثاني: عرض آراء العلماء في جزيئة من التطبيقات
بعد أن استعرضنا -سرداً -من التطبيقات، نحاول الآن أن نتطرق لبحث إحداها لنرى إمكانية تطبيق قاعد جمع النيتين في عمل واحد، وقد اخترنا مسألة جمع نية الصيام قضاء رمضان مع نية صيام الست من شوال، ونحوها من عرفة وعاشوراء، فنقول وبالله التوفيق:
اختلف العلماء وتباينت آراؤهم، فمن مجيز، إلى مانع، إلى مفصل، والمجيزون عندهم تفصيل، فنذكر آراؤهم مع بضعة من أدلتهم أولاً، ثم نذكر المانعين مع أدلتهم.
أولاً: المجيزون:
يمكن تفصيل أقوالهم الى ما يلي:
القول الأول: من صام قضاء رمضان من شوال -وقع صيامه عن ست شوال، وإن لم ينوي صيام شوال مع القضاء، وقال بذلك الرملي الجمال، وأبوه الشهاب -رحمهما الله عز وجل -وسواء كان الفرض قضاءً أو نذراً أو غيرهما، أي ككفارة مثلاً، أو كان الجمع بين نافلة ونافلة كالجمع بين صيام ست شوال مع نية قضاء نحو صيام عاشوراء.
وقال بذلك أيضاً البارزي، والأصفوي، والناشري، والفقيه علي بن صالح الحضرمي، وغيرهم -كما نقل ذلك عنهم الإمام الرملي رحمه الله في (النهاية)، ونصُّ عبارته:
[ولو صام في شوال قضاءً أو نذراً أو غيرهما أو من نحو يوم عاشوراء، حصل له ثواب تطوعها كما أفتى به الوالد -رحمة الله تعالى -تبعاً للبارزي والأصفوي والناشري والفقيه علي بن صالح الحضرمي وغيرهم، لكن لا يحصل لهم الثواب الكامل المرتب على المطلوب، لا سيما من فاته رمضان وصام عنه شوال؛ لأنه لا يصدق علية المعنى المتقدم].
القول الثاني :أنه يصح جمع صيام نية الست من شوال أو عرفة مع نية قضاء رمضان (ومع سنة صوم أخرى) كالاثنين مثلاً، ويحصلان بشرط نيتهما معاً، لا أحدهما، وممن قال بذلك: الشيخ ابن حجر -رحمه الله تعالى، ونص عبارته في كتابه (إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام):
((ولو كان علية قضاء لم يتقدمه، فالأولى البداءة به، ثم إن شاء نوى عنه وتحصل، وإن شاء آخرها إلى أنه يوقعها في شوال وحدها)).
بل ذكر في (الفتاوي): أن حكم جمع القضاء يحصل أيضاً حتى مع عرفة، أو حتى مجرد جمع نية نافلة صوم مع نافلة صوم آخر؛ كالاثنين مع عرفة، ونص جوابه على سؤال حول جواز جمع عرفة مع القضاء أو مع نفل الإثنين قال رحمة الله:
((الذي يقتضيه كلامهم أن القصد إشغال ذلك الزمان بصوم، كما أن القصد بالتحية إشغال البقعة بصلاة، وحينئذ فإن نواهما حصلا، أو نوى أحداهما سقط طلب الآخر ولا يحصل ثوابه ...).
القول الثالث: من صام قضاء رمضان أجزأ مع نية صيام يوم عرفة، ولا يجزئه صوم شيء من الست من شوال، وقد نقل هذا القول السمهودي (رحمه الله)، والعلامة بامخرمة (رحمة الله) في فتاويه، ونص عبارة مختصر فتاوى بامخرمة:
((مسألة -عمن عليه قضاء من رمضان، صوم شيء من الست من الشوال قبل إتمام قضائه -وفاقاً للسمهودي -وإذا نوى قضاء شيء من رمضان وصوم شيء من الست لم يجز عن واحد منها، ويوم عرفة إذا صيم عن قضاء أو كفارة أو نذر أجزأ عن الفرض والنفل عند المحلي، وزكريا، والسمهودي، وغيرهم ..)).
من أدلة المجيزين:
١-القياس على صحة نية فرض الظهر وتحية المسجد، بجامع أن القصد مع في المقيس عليه شغل البقعة (المكان) بصلاة، وفي الصوم المقيس شغل هذا الزمن بصوم.
قال الشيخ ابن حجر -رحمه الله -في (فتاويه الكبرى):
((والمعتمد كما بينته في -شرح العباب -أن من نوى صوم القضاء يوم الاثنين مثلاً؛ فإن نوى سنة صوم الإثنين مع ذلك حصلا وأثيب، وإلا أثيب على الثاني لكن يسقط طلبه، كما لو نوى فرض الظهر وتحية المسجد بجامع أن القصد ثم شغل البقعة بصلاة، وهنا شغل هذا الزمن بصوم)).
ويمكن أن يفهم من كلام ابن حجر: أن كلاً من الزمان والمكان ظرف يصلح لإقامة العبادة فيه؛ فشغل المكان بصلاة الظهر وتحية المسجد شاهد على المكان، وشغل يوم بصيام القضاء وسنة صيام الإثنين مثلاً شغل للزمان بها، والظروف يقاس بعضها على بعض.
٢- ويمكن أن يستدل لهم أيضاً: بأن هناك مطلوبات للشرع طلب فعلها مستقلة، كصيام شهر رمضان، وهناك مطلوبات كان المقصود منها فقط مجرد الفعل، يقول العلامة السيد عبد الله بن سليمان الجوهري الشافعي في كتابه (المواهب السنية في مسألة جواز التشريك بين نيتين في الصلاة)، قال -رحمه الله تعالى:
((كالتحية؛ فإنها لا تبطل بالتشريك مع فرض أو نفل آخر، ومثلها كل ما المقصود منه الفعل...)) قال محشيه الفاداني قوله: ((كل ما المقصود منه الفعل أي لا حصوله مستقلاً)).
٣- ومن الاستدلالات على جواز جمع نيتي نفل صيام الاثنين وصيام يوم عرفة، اجتماع سببين متلازمين، يقول العلامة عبد الله بن محمد باقشير في كتابة القلائد -ما نصه:
((وإذا اجتمع سببان متلازمان كيوم الإثنين وعرفة كفى لهما صومٌ واحد… )).
ثانياً المانعون:
يرى فريقٌ من العلماء عدم وقوع جمع نيتي قضاء رمضان مع نية صوم نفل، إلا أنهم اختلفوا في تفصيل ذلك على أقوال:
القول الأول: من صام بنية قضاء رمضان ونوى معها صيام الست من شوال؛ فلا يجزي عن واحد منهما، وكذلك لو نوى مع القضاء نية صوم عرفة، وممن قال بذلك العلامة عبدالله بن عمر بامخرمة (رحمة الله)، جاء في (مختصر فتاويه) ما نصه:
((وإذا نوى قضاء شيء من رمضان وصوم شيء من الست لم يجزي عن واحد منهما، ويوم عرفة إذا صيم عن قضاء أو كفارة أو نذر، المعتمد انه لا يجزيه عن واحد منهما...)).
القول الثاني: لا يجوز الجمع بين نيتي قضاء رمضان مع نية صيام الست من شوال، ويجوز الجمع بين نيتي صيام نفل يوم عرفة ونية قضاء رمضان ونحوه، وممن قال بذلك السمهودي -رحمه الله تعالى -كما نقل ذلك عنه في مختصر فتاوي بامخرمة ونص عبارته:
((مسألة عمن عليه قضاء من رمضان لا يجزيه صوم شيء من الست قبل إتمام قضائه - وفاقاً للسمهودي .. ويوم عرفه إذا صيم عن قضاء أو كفارة أو نذر أجزأ عن الفرض والنفل عند المحلي والسمهودي وزكريا وغيرهم...)).
القول الثالث: إذا جمع وشرك بين نية قضاء رمضان ونية صيام الست من شوال لم يحصل القضاء، ولكن إن قصد كونها -يعني الست -تابعه للقضاء فقط حصل القضاء وصح، ولم تصح ولم تحصل نية صيام الست، وقد قال بذلك العلامة عبدالله باقشير -رحمه الله، ونص عبارته في كتابة القلائد:
((...ما يقصد العدد فيه؛ كالقضاء، وست شوال، فلا على ما يتجه خلافاً لما قيل من دخول الست فيه لمن نواها، بل الظاهر أنه إن قصد التشريك بينهما لم يحصل القضاء، أو كونها تابعه له حصل دونها وهو ما أطلقه بعضهم)).
من أدلة المانعين:
١- استدل العلامة بامخرمة -على عدم جواز جمع نيتي نفل عرفة مع القضاء في الصيام على عدم جواز جمع نيتي صلاة الضحى ونية قضاء الصبح؛ وكأن الجامع هو أن كلا الأمرين عبادة تحتاج إلى نية -والله اعلم- ونص عبارة مختصر فتاويه:
((والمعتمد لا يجزيه عن واحد منهما، كمن صلى ركعتين بنية قضاء الصبح وصلاة الضحى)).
٢-كذلك جعل العلامة باقشير عدم كفاية الصوم الواحد لقضاء رمضان والست من شوال -كون كُلِّ منهما يقصد العدد فيه، فكأنه جعل قصد العدد فيه عِلَّه للمنع، يقول رحمه الله- في كتاب القلائد ما نصة:
((وما يُقصد العدد فيه؛ كالقضاء وست من شوال فلا -يعني لا يصح التشريك فيه -على ما يتجه)).
٣- ومما يستدل به للمانعين من جمع نيتي قضاء صيام رمضان مع نية الست من شوال، هو أن التشريك مبطل -كما نقله السيوطي -رحمه الله تعالى عن الإسنوي في (الأشباه والنظائر) ونص عبارته:
((صام في يوم عرفة مثلاً قضاء أو نذراً أو كفارةً ونوى معه الصوم عن عرفة؛ فأفتى البارزي بالصحة والحصول عنهما، قال: وكذا إن أطلق فألحقه بمسألة التحية، قال الإسنوي: وهو مردود، والقياس أن يصلح من صورة التشريك واحد منهما.. ))
الفصل الثالث: بيان قاعدة جمع النيتين في عمل واحد
بعد ما تقدم من التطبيقات يمكننا إطلاق أن هناك جزئيات عديدة يمكن أن تدخل تحت قاعدة كلية هي ((جمع النيتين في عمل واحد))، بيد هذا الإدخال لبعض الجزئيات ليس محل اتفاق بين العلماء من ناحية، ومن ناحية أخرى ليست كل جزئية قابلة للدخول في هذه القاعدة، فلذا نستطيع القول بأن هذه القاعدة ليست قاعدةً مطردة، بل من الجزئيات ما يدخل فيها باتفاق، ومنها ما يدخل فيها الخلاف، ومنها ما تستثنى من الدخول في هذه القاعدة.
فمن أمثلة ما يدخل في قاعدة ((جواز جمع النيتين في عمل)) باتفاق:
* جمع الفريضة أو أي نافلة مع تحية المسجد في عمل واحد.
* جمع الحج مع العمرة في عمل واحد وهو القران .
ومن أمثلة ما يدخل فيها ((مع خلاف بين العلماء)):
* جمع صوم قضاء رمضان مع صوم نفل كالست أو عرفه.
ومن أمثلة ما يستثنى من القاعدة ولا يدخل باتفاق:
* جمع الظهر مع راتبته.
* جمع قضاء الفجر مع صلاة الضحى
أخيراً فإن الكلام على قاعدة جواز جمع النيتين في عمل واحد يقتضي بيان قاعدة أخرى هي نقيض هذه القاعدة قاعدة وهي أن التشريك يقتضي البطلان، فهل يمكن الجمع بينهما؟
نقول -وبالله التوفيق -بأنه يمكننا فهم القاعدتين معاً، فقاعدة الجمع بين النيتين في عمل واحدة تأتي إذا قُصِدَ من العمل مجرد الفعل دون قصد استقلاله أي مستقلاً.
فإذا وُجد أن كلا العملين الذي نويناه ما هو في حد ذاته مقصود فعله استقلالاً، فتأتي القاعدة الأخرى وهي أن التشريك مقتض للبطلان، قال السيد العلامة عبدالله بن سليمان الجوهري الشافعي في كتابة المواهب السنية ما نصه:
((واستثنيت من عدم التشريك أشياء (كالتحية)؛ فإنها لا تبطل بالتشريك مع فرض أو نفل آخر و مثلها كل ما المقصود منه الفعل..))، قال الفاداني في حاشيته: ((قوله كل ما المقصود منه الفعل أي لا حصوله مستقلاً )).
وقال الشيخ ابن حجر -رحمه الله -في تحفته:
((وإنما ضرت نية ظهر وسنته مثلاً؛ لأنها مقصودة لذاتها بخلاف التحية)).
فمن هنا نجد أن التشريك مضر لتحية المسجد مع غيرها عند نذر ركعتي التحية؛ لانتقالها من قصد الفعل إلى الاستقلالية المقصودة، قال علي الشبراملسي:
((ينبغي أن محل ذلك حيث لم ينذرها، وإلا فلابد من فعلها مستقلة -أي تحية المسجد -لأنها بالنذر صارت مقصودة؛ فلا يجمع بينها وبين فرض ولا نفل ولا تحصل بواحدة منها ع ش)).
الخلاصة والخاتمة
يمكن القول بأن هناك قاعدة هي جواز جمع النيتين في عمل واحــ مع استثناءات، كما أنه يمكننا ان نقول بان التشريك ليس مقتضى للبطلان عندما يكون العملان اللذان نيوناهما كل واحد مطلوباً منهما باستقلال دون مجرد قصد الفعل، فقد رأينا أن تحية المسجد لا تشرك مع غيرهما من المستقلات كالضحى إذا نذرت لكونهـا أصبحت مقصودة في ذاتها -والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق