الأربعون في ردع المجرم عن شتم المسلم
للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني
تحقيق وتعليق: مجدي السيد
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لقد حرَّم الله عز وجل دم وعرض ومال المسلم، كما حرَّم ظلمه، وتركه بين أيدي الظالمين، وجعل احتقاره من أعظم الذنوب، وبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة المؤمن، فنهى عن لعنه وتكفيره وسبه وتناول عرضه. ونهانا عن غيبته والكذب عليه، والسعي عليه بالنميمة، وشدد النكير في سوء الجوار ونقض العهد، واللجوء إلى الغدر. كما نهانا أن يهجر الرجل أخاه المسلم فوق ثلاث، وعن التنابز بالالقاب، والتجسس على العورات.
وفي هذا الكتاب يحدثنا الإمام ابن حجر العسقلاني عن تعظيم حرمة المسلم، والزجر عن سبه وسوء الظن به، وما يجدر بالمسلم أن يترفع عنه تجاه أخيه المسلم.
يقول الحافظ ابن حجر مُبيناً غرضه من الكتاب والغاية من تأليفه: (انتقيته عظةً لمن بسط لسانه ويده في المسلمين، مع قلة علمه واعوجاجه، وتعرض لسخط ربه، واغتر بحلمه واستدراجه، انتهاكاً لأعراضهم، عسى الله أن يرزقه التوبة والإنابة، فيقتدي بالسلف الصالح من الصحابة، وأتباع الصحابة).
الحديث الأول: حق المسلم على المسلم:
1-عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمُ أخو المسلمِ لاَ يَظلمُهُ ولاَ يخذله، ولا يحقره، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). رواه مسلم.
الخذل ترك الإعانة والنصر في دفع الظالم دون عذر شرعي.
لا يحتقره: أي لا يقلل من شأنه، ولا يستصغره
الحديث الثاني: حكم من استرعى رعية:
2-عن معقل بن يسار رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ عبدٍ يسترْعيه اللهُ رعيَّةً، يموتُ يومَ يموتُ، وهوَ غاشٌّ لرعِيَّتِهِ، إلَّا حرّمَ اللهُ عليْهِ الجنَّةَ) متفق عليه في الصحيح.
يسترعيه: يفوض إليه سياسة ورعاية رعيته.
غاش لهم: خائن، ومضيع لحقوقهم.
حرم الله عليه الجنة: أي حرم عليه دخولها مع الفائزين أول مرة، أو حرم عليه دخولها مطلقاً إن استحل غش المسلمين وخديعتهم.
الحديث الثالث: تحذيرٌ إلى القضاة:
3-عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولي قضاءَ المسلمين حتَّى ينالَه فغلب عدلُه جورَه فله الجنَّةُ ومن غلب جورُه عدلَه فله النَّارُ) أخرجه أبو داود.
4-عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن استَعْملَ رجُلًا من عِصابةٍ، وفِيهِم مَن هو أرْضَى للهِ مِنهُ، فقدْ خانَ اللهَ ورسولَه والمؤمِنينَ) أخرجه الحاكم.
استعمل رجلاً: أي إماماً، أو نصَّب أميراً، أو عريفاً، أو رئيساً.
العصابة: الجماعة من الناس.
فقد خان: أي من نصَّبَه.
الحديث الخامس: جزاء الحاكم الظالم:
5-عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن وليَ مِن أمرِ المسلمينَ شيئًا فأمَّرَ عليهم أحدًا محاباةً فعليهِ لعنةُ اللَّهِ لا يقبَلُ اللَّهُ منهُ صرفًا ولا عدلًا حتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ) رواه الحاكم.
وقصة الحديث هي قول يزيد: قالَ لي أبو بَكْرٍ الصديق رضيَ اللَّهُ عنهُ حينَ بعثَني إلى الشَّامِ يا يزيدُ إنَّ لَكَ قرابةً عسيتَ أن تُؤْثِرَهم بالإمارةِ ، وذلِكَ أَكْثرُ ما أخافُ عليكَ بعدَ ما قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ
الحديث السادس: خطر اللسان:
6-عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِما يتبين ما فيها، فيزلُّ بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب) متفق عليه في الصحيح.
ما يتبين ما فيها: أي لا يتدبرها، ويتفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها.
يزل: أي يسقط ويهوي.
الحديث السابع: فضل حفظ اللسان:
7-عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ من أمرِ أُمَّتي شيئًا، فشَقَّ عليهم، فاشقُقْ عليه، ومَن وَلِيَ من أمرِ أُمَّتي شيئًا، فرفَقَ بهم، فارفُقْ به). رواه مسلم.
الحديث الثامن: ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة:
8-عن ابن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ثلاثةٌ لا يقبل الله منهم صلاة -فذكر منهم: من تقدم قوماً وهم له كارهون) رواه أبو داود وهو عند ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس، بلفظ: "إمام قومٍ".
الحديث التاسع: سيء الملكة لا يدخل الجنة:
9-عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة سيء الملكة) رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن.
سيء الملكة: الذي يسيء صحبة المماليك.
الحديث العاشر: جزاء من خاصم في باطل:
10-عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع). رواه أبو داود.
وصححه الحاكم في لفظ: (من أعان على خصومةٍ بظلمٍ فقد باء بغضب من الله عز وجل).
ورواه الطبراني عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، ولفظه: (أيما رجلٍ شدَّ غضباً على مسلمٍ في خصومةٍ لا علم له بها، فقد عاند الله، وعليه لعنة الله).
الحديث الحادي عشر: جزاء من أعان ظالماً:
11-من حديث ابن عباس، ولفظه (من أعان ظالمًا بباطلٍ لِيُدحِضَ بباطلِهِ حقًّا برئَ من ذمةِ اللهِ وذمَّةِ رسولِهِ). أخرجه الطبراني أيضاً.
الحديث الثاني عشر: جزاء من ضرب مسلماً بغير حق:
12-عن أبي أمامة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جرَّد ظهرَ مسلمٍ بغيرِ حقٍّ؛ لقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ) رواه الطبراني.
الحديث الثالث عشر: النمام لا يدخل الجنة:
13- عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) متفق عليه في الصحيح.
الحديث الرابع عشر: جزاء من رد الغيبه عن أخيه:
14- عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن رَدَّ عِن عِرضِ أخِيهِ، رَدَّ اللهُ عَن وجْهِهِ النارَ يومَ القِيامةِ) رواه الترمذي، وقال: حسن.
الحديث الخامس عشر: جزاء قائل البهتان:
15-عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنَهُ الله رِدْغَةَ الخَبالِ في النار) رواه أبو داود والحاكم.
الحديث السادس عشر: ذنوب يعجل الله بها العقوبة في الدنيا:
16-عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يُدَّخرُ له في الآخرةِ من البغيِ وقطيعةِ الرَّحِمِ) أخرجه الترمذي وصححه.
الحديث السابع عشر: حكم لعن المؤمن:
17- عن ثابت بن الضحاك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن المؤمن كقتله) متفق عليه في الصحيح.
الحديث الثامن عشر: احذر التجسس على المسلمين:
18-عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا مَعْشَرَ مَن أسلم بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه، لا تُؤْذُوا المسلمينَ، ولا تُعَيِّرُوهم، ولا تَتَّبِعُوا عَوْراتِهِم، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ ، يَتَتَبَّعِ اللهُ عَوْرَتَه ومَن يَتَتَبَّعِ اللهُ عَوْرَتَه يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه) رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه.
الحديث التاسع عشر: الحياء وفضله:
19-عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياءُ مِن الإيمانِ والإيمانُ في الجنَّةِ والبَذاءُ مِن الجفَاءِ والجفاءُ في النَّارِ) رواه الترمذي وابن حبان وصححاه، والبذاء بالموحدة والمعجمة القول الفاجر.
الحديث العشرون: حكم من آذى مسلماً:
20-عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من آذى مسلماً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل) رواه الطبراني وهو طرف من حديث.
الحديث الحادي والعشرون: شر الناس يوم القيامة:
21-عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شرَّ الناس منزلةً يوم القيامة، من ودعه الناس اتقاء فُحشه) متفق عليه في الصحيح.
الحديث الثاني والعشرون: جزاء المجاهرين بالمعصية:
22-عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) رواه البخاري.
الحديث الثالث والعشرون: الصدق وفضله والكذب وشؤمه
23-عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدقِ فإن الصدقَ يهدي إلى البرِّ وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنةِ وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن العبد ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن العبد ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) متفق عليه في الصحيح.
الحديث الرابع والعشرون: الحسود والنمام
24- عن عبد الله بن بسر، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس مني ذو حسدٍ، ولا نميمةٍ ثم تلا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}) رواه الطبراني.
الحديث الخامس والعشرون: المؤمن لا يؤذي جاره
25-عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ) متفق عليه في الصحيح، وبمعناه من حديث أبي شريح الخزاعي.
الحديث السادس والعشرون: من هو ذو الوجهين؟
26-عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تجِدون من شرِّ النَّاسِ ذا الوجهَيْن، الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ) متفق عليه.
الحديث السابع والعشرون: جزاء صاحب الوجهين
27-عن عمار بن ياسر، رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (من كان له وجهانِ في الدنيا كان له يومَ القيامةِ لسانانِ من نارٍ) رواه أبو داود، وصحح ابن حبان.
الحديث الثامن والعشرون: جزاء صاحب اللسانين
28-وأخرجه الطبراني من حديث أنس، رضي الله عنه، بلفظ: (من كان ذا لسانَين؛ جعل اللهُ له يومَ القيامةِ لسانَين من نارٍ)
الحديث التاسع والعشرون: من رمى أخاه بالكفر
29-عن ابن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قال لأخيه يا كافرُ فقد باء بها أحدُهما إن كان كافراً وإلا رجعت إليه) متفق عليه في الصحيح.
الحديث الثلاثون: أذى المسلم كبيرة
30-عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا قليل من أذى الجار) رواه الطبراني. ولغيره: (لا قليل من أذى المسلم).
الحديث الواحد والثلاثون: شؤم الفحش
31-عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه) متفق عليه في الصحيح، وهو طرف من حديث.
الحديث الثاني والثلاثون: البكاء على الدين
32-عن أبي أيوب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَبْكُوا على الدِّينِ إذا وَلِيَهُ أَهْلُهُ، ولكِنِ ابْكُوا عليه إذا وَلِيَهُ غيرُ أَهْلِهِ) رواه الطبراني.
الحديث الثالث والثلاثون: احذر تحقير المسلمين
33-عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن أحداً من المسلمين؛ فإن صغير المسلمين عند الله كبير) أسنده أبو منصور الديلمي في الفردوس.
الحديث الرابع والثلاثون: أخذ العلم عن الأكابر
34-عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم) أخرجه أبو نُعيم في الحليلة.
الحديث الخامس والثلاثون: فضل حفظ الفرج واللسان
35-عن سهل بن سعد، رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه، أضمن له الجنة) أخرجه البخاري.
الحديث السادس والثلاثون: احذر الغضب
36-عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبيِّ صلى الله عليه أوصيني؟ قال: (لا تغضب). يردد مراراً: (لا تغضب) أخرجه البخاري.
الحديث السابع والثلاثون: احذر السؤال عن غنى
37-عن حبشي بن جنادة، رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل من غير فقرٍ فكأنما يأكل الجمر) رواه الطبراني وصححه ابن خزيمة وأصله عند الترمذي.
الحديث الثامن والثلاثون: جزاء من يسأل وعنده ما يغنيه
38-ولأبي داود عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (من سأل وعنده ما يُغنيه؛ فإنما يستكثر من النار).
الحديث التاسع والثلاثون: سؤال الناس باب إلى الفقر
39-عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما فتحَ رجلٌ على نفسِهِ بابَ مسألةٍ يبتغي بها كثرةً إلا فتح الله عليه باب فقرٍ) أخرجه الترمذي، وهو طرفٌ من حديث.
الحديث الأربعون: لا تلح في سؤال الناس
40-عن معاوية رضي الله عنها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُلحِفوا في المَسألةِ؛ فوَاللهِ لا يَسأَلُني أحَدٌ منكم شَيئًا، فتُخرِجُه له مِنِّي المَسألةُ، فأُعطيه إيَّاه وأنا له كارِهٌ، فيُبارَكُ له في الذي أعطَيتُه) أخرجه مسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق