أعلام المسلمين (38)، دار القلم -دمشق، ط 1، 1992 م.
الحافظ ابن حجر العسقلاني أمير المؤمنين في الحديث
(773 -852 هـ)
تأليف: عبد الستار الشيخ
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ يعد الإمام ابن حجر واحداً من أولئك العلماء الأفذاذ الذين يُقتدى بهم في قولهم وفعلهم وسيرتهم، ذلك لما جمعه من الفضل والورع والتقوى مع غزارة العلم، ودقة الفهم، وحسن السمت، والهدي الصالح، والتواضع الجم، وحسن الأدب، وطيب المعاملة، وقد نشأ يتيماً برَّاً في غاية العفة والصيانة وعلى وجهه نور السنة.
هذا وقد وفّاه تلميذه البار به الإمام الحافظ السخاوي ترجمةً كبيرةً وضعها له، عرفاناً لما قدمه من علم وتربية في كتاب أسماه (الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر)، وأطال فيه جداً؛ حتى بلغت ثناءات العلماء عليه ما يربو على الستين صفحة، وأورد من الأبيات الشعرية فيه ما يربو على المائة وستين صفحة، بالإضافة إلى الفوائد الجمة والكثيرة التي لا تعلق لها في صلب الترجمة.
وقد ولد ابن حجر في الربع الأخير من القرن الثامن سنة (773 هـ)، وامتدت حياته إلى النصف الأخير من القرن التاسع سنة (852 هـ)، ونشأ نشأة صالحة على العلم والتقوى والتزام الكتاب والسنة، وقد خاض في بحار العلوم، واستخرج من دررها المنثور والمنظوم، وصنف المصنفات الجليلة، التي انتشرت في الآفاق، وسارت بها الركبان، وكتبها عنه الأكابر، بقر فيها بطن العلم، وأبرز مُخدَّرات المعاني بموضحات البيان، حتى جعل ما خفي كالعيان.
وقد عاش -رضي الله عنه وطيب ثراه -في عزة المؤمن، وكرامة العالم الحق، الذي يحتفظ بمكانته في العلم، والقدوة الصالحة، والوقفات الباهرة، فلم يضطر إلى أن يتزلف، أو يُداهن، أو يتهاون في واحدٍ من المواقف، صغر أم كبر، إذ أن للمال سطوة، وللعالم إزاءه كبوة، نجّى الله منها إمامنا ابن حجر، فكان مثال العالم العامل، يقول الحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وكان ذا صبر متين، وجلد مبين، وقلبٍ على نوب الأيام ثابت، وجنان من صروف الدهر غير طائش، يقول تلميذه البقاعي -وهو ممن لازمه طويلاً: ما رأيتُ أكظم للغيظ منه، بحيث إنه لا يظهر عليه الغضب إلا نادراً، ولا أجلد على ريب الزمان، يتلقاه بصدر واسع، يظهر البشاشة حتى يظن من لا خبرة له أن سُرَّ بذلك! يستعين على الشدائد بالصبر والصلاة.
وقد أكثر الرحلة في طلب الحديث، وعلّق في غضون هذه المدة بخطه من الأجزاء الحديثية، والفوائد والنوادر والنثريات، والسماعات مجلدات كثيرة، وعقد أثناء ذلك مجالس كثيرة، وأسمع خلقاً كثيراً، وبث العلم في مختلف بقاع العالم الإسلامي، فكان كالغيث أينما وقع نفع.
ومن العوامل التي جعلت الإمام ابن حجر من المبرزين في العلم وطلبه:
١ ـ ذلك العدد الجم من الأثمة العلماء المتخصصين في علوم متنوعة، والذين أخذ عنهم ابن حجر في آن واحد.
٢ - الكم الهائل والمتنوع من صنوف العلم والمعرفة التي حصلها في رحلاته العريضة والتي شملت: الحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والتفسير والقراءات، واللغة والأدب، والتاريخ ، وغيرها.
٣ـ مؤلفاته التي سطرها طيلة حياته كانت متنوعة، فمما كتب عقب سنة (٨٠٠هـ) مثلاً: الرحمة الغيثية ـ في ترجمة الليث بن سعد فرغ منه سنة (٨٣٤ه)، والدرر الكامنة فرغه سنة (٨٣٧هـ)، في التراجم. وفي التاريخ «إنباء الغمر» وقف به عند سنة (٨٥٠هـ). وفي الفقه: التلخيص الحبير فرغه سنة (٨١٢هـ)، والدراية سنة (٨٢٧هـ)، وبلوغ المرام سنة (٨٢٨ هـ).
وهذا ما يعبر عنه قول السخاوي: «كل ذلك مع اشتغاله بغيره من العلوم، والمحافظة على المنطوق منها والمفهوم، كالفقه والعربية والأصول، وغيرها من العلم المنقول والمعقول».
وقول البقاعي: «فأطلق عنان عزمه نحو بقية العلوم فـأكب عليها: الفقه، والنحو، والأصلين، وعلوم الأدب: المعاني والبيان.. . وغيرها، حتى مهر فيها».
٤. ثم الوظائف التي قام بها: كالقضاء والإفتاء، والـوعظ والخطابة، وتدريس الفقه والتفسير، وهذه كلها تدل على اهتمامه بالعلوم الأخرى، وإلا لقَصَر نفسه على الحديث وتدريسه.
هذا وإن القول بأن ابن حجر انصرف للحديث وعلومه دون غيره هو إجحاف بحق هذا الإمام؛ لأننا نسقط بذلك - من بنيانه العلمي بعضا من أركان تفوقه في كثير من العلوم كالفقه والتفسير والتأريخ.
وهذا الكتاب جمع فيه مصنفه ترجمة وافية لابن حجر رحمه الله تعالى، في خمسة عشر فصلاً، ابتدأ بالثناء عليه، وأعقبه بخاتمة، وجاءت موضوعات الكتاب، كالتالي:
المقدمة
الفصل الأول عصر الحافظ ابن حجر
الفصل الثاني أخباره الشخصية
- اسمه ونسبه ونسبته، ولقبه وكنيته وشهرته
- أسلافه وإخوانه
- ولادته
- بشارة أبيه
- زوجاته
- أولاده
- مصدر رزقه.
الفصل الثالث: حليته وأخلاقه وعبادته
أولاً: صفاته الخلقية والخلقية
- تواضعه
- ضبطه لسانه وحلمه وكظمه غيظه
- ورعه
- تعبده وتبلته
ثانياً: ثناء الأكابر الآخرين
- صدق سريرته
- تعصُّبه للسنة.
- موضوعيته وإنصافه في البحث
- شكره لله سبحانه
الفصل الرابع نشأته وطلبه للعلم ورحلاته :
- نشأته وطلبه للعلم
رحلاته
- أولاً: رحلاته داخل مصر
- ثانياً: رحلته إلى اليمن
- ثالثاً: رحلته إلى الديار الحجازية
- رابعاً: رحلته إلى الديار الشامية
الفصل الخامس -شيوخه وأساتذته:
- أولاً: شيوخه في القراءات
- ثانياً: شيوخه في الفقه
- ثالثاً: شيوخه في أصول الفقه
- رابعاً: شيوخه في اللغة والنحو والأدب
- خامسا: شيوخه في الحديث
- ومن أعيان شيوخه ايضاً
الفصل السادس -العلوم التي برع فيها.
- اولاً: ابن حجر اللغوي النحوي الشاعر الأديب .
ثانياً: ابن حجر المؤرخ
ثالثاً: ابن حجر المفسر
- رابعاً: ابن حجر الفقيه
خامساً: ابن حجر المحدث
الفصل السابع-الأعمال التي قام بها والمناصب التي تبوأها.
أولاً الإملاء
ثانياً: التدريس
ثالثاً: الإفتاء.
رابعاً: القضاء
خامساً: الخطابة والإمامة والوعظ
سادساً: المشيخات
سابعاً: خزن الكتب بالمحمودية
الفصل الثامن -العوامل التي ساعدت على نبوغه وتفوقه
- بيئته الخاصة
- ثراؤه
- ورعه وتقواه
- مواهبه
- مداومته على طلب العلم
- حسن استغلاله وقته وتنظيمه له
- توافر الكتب والمراجع لديه
- مناصبه ووظائفه التي شغلها
-رفقته
الفصل التاسع -تلاميذه
الفصل العاشر - مواقفه من كبار العلماء ممن سبقه وعلاقاته بشخصيات عصره:
- مواقفه من كبار العلماء والأئمة السابقين
- علاقته مع شيوخه وأساتذته.
- علاقته بأقرانه
- علاقته بطلابه وتلامذته
الفصل الحادي عشر -عقيدة ابن حجر
الفصل الثاني عشر -مصنفاته قيمتها، ومجالاتها، ونواحي الإبداع فيها، والتعريف بها:
-قيمتها
مجالاتها ونواحي الإبداع
عددها
ـ مصنفاته في العقيدة
- مصنفاته في علوم القرآن
مصنفاته في علوم الحديث
- مصنفاته في التاريخ والتراجم والسير
ـ مصنفاته في الفقه
- مصنفاته في الرقائق والآداب ونحوها
مصنفاته في علوم اللغة
- مصنفات متنوعة
الفصل الثالث عشر فتح الباري - خصائصه ومزاياه، ومنهج الحافظ فيه، وقيمته العلمية، وآراء العلماء فيه:
-عناية ابن حجر بصحيح البخاري
- خصائص الفتح ومزاياه ومنهج الحافظ فيه
- موارده في فتح الباري
-القيمة العلمية «للفتح» وأقوال العلماء فيه
- بين فتح الباري وعمدة القاري
الفصل الرابع عشر -مكانته العلمية وثناء الأئمة عليه
- أولا: ثناء مشايخه وأساتذته وكبار معاصريه .
- ثانيا: ثناء تلاميذه عليه، وتقديرهم له .
الفصل الخامس عشر -وفاته ومراثيه
-الخاتمة-
بقول المؤلف هذه صفحات مشرقة من سيرة الإمام الحافظ ابن حجر؛ هي ملخص لحياته الشخصية والروحية والعلمية. وقليل مجحف أن يترجم إمام من كبار أعيان القرن التاسع بكتاب، ولكنه فيما نحسب يعطي فكرة متكاملة عن هذه الشخصية الفريدة المتميزة، التي تشكل معلما بارزا في تاريخنا الزاهر.
والكلمة الجامعة في حياة الإمام ابن حجر: أنه ما عاش لنفسه قط، ولا ركن لدنياه، ولا تلفت إلى ملاذها؛ بل أفنى عمره في طلب العلم والغدو إلى العلماء في البواكر والعشايا، والترحال إليهم في بلدانهم متجشماً في سبيل ذلك كل صعب. وصرف وقته في خدمة دينه وأمته: في الإقراء والإفتاء، والتدريس والقضاء، والتأليف والتصنيف، حتى كان بحق أبرز علماء عصره الذين اشتهروا بكثرة التصانيف، وتأليف الموسوعات. وبقي على ذلك حتى فارق الدنيا، ولقي وجه ربه.
ولقد خلد التاريخ ذكره، وانتفعت الأمة خاصتها وعامتها بعلومه، في حياته ومن بعد وفاته، حتى عصرنا الحاضر، فأقبلت على تليفه الماتعة بالدراسة والإفادة، ونهلت من بحار علومه الغزيرة، فتجدد له بذلك الذكر الجميل، والثناء الحسن.
رحم الله الإمام ابن حجر رحمة واسعة، وأجزل مثوبته، وجزاه خير الجزاء، كفاء ما قدمه لدينه وأمته. وأضرع إليه سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن سلك سبيل السلف الصالح المهديين، والأئمة المعتبرين، فاقتدى بهم، واقتفى أثرهم.
وأسأله -سبحانه أن ينفع بهذا الكتاب أجيال المسلمين، ويجعله في سلك (علم ينتفع به)؛ فينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن يغفر لي ما كبا به جواد القلم، أو زلت به القدم، إنه أكرم مسؤول وخير مجيب.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق