توضيح الأحكام من بلوغ المرام
عبد الله بن عبد الرحمن البسام
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لا بد لكل من ينتمي إلى الفقه أن تكون له عناية بأحاديث الأحكام، وبالآثار الورادة عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ومن بعدهم بخصوصها، ليكون على بينة من أمره، فيصون نفسه عن معارضة النص بالعقل، ويحترز من مخالفة الإجماع في المسائل التي أجمعوا عليها. وقد سعى علماء هذه الأمة إلى جمع أدلة الأحكام، والكلام عليها متناً وسنداً ودلالةً على اختلاف أذواقهم ومشاربهم في شروط الأخبار، وعلى تفاوت مداركهم في الاستنباط من النصوص والآثار.
ومن أشهر المصنفات في أحاديث الأحكام كتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام)، للإمام الحافظ بن حجر العسقلاني، والذي ضمنه أصول الأحاديث المتعلقة بالفروع عدا الكتاب الأخير فيه الذي سماه الجامع، وهو كتاب غير مسند، يعزو الأحاديث لمن أخرجها، وقد يذكر أقوال العلماء في الحكم على الحديث، وعدد أحاديثه (1596).
● المقصود بأحاديث الأحكام
وإذا أردنا تعريف أحاديث الأحكام؛ فهي: الأحاديث الصحيحة والحسنة التي يمكن بصحيح النظر فيها الوصول إلى حكم شرعي عملي.
وأيضا فإن "أحاديث الأحكام" مركب إضافي قبل أن تكون علَمًا على نوع معين من الأحاديث النبوية، وتعرّف باعتبارها مركبًا إضافيًّا بأنها: (الأحاديث النبوية المتعلقة بالأحكام الشرعية العملية).
● الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام
ومن أحسن الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام للأقدمين سوى الصحاح والسنن والمسانيد: (مصنف) ابن أبي شيبة، و(معاني الآثار) للطحاوي، و(الإشراف) لابن المنذر، وشروحات (مختصر الطحاوي)، و(مختصر الكرخي) و(الجامع الكبير) للجصاص، و(التمهيد والاستذكار لابن عبد البر، و(الأحكام) لعبد الحق الإشبيلي، و(الوهم والإيهام) لأبي الحسن بن القطان، وكتب البيهقي والنووي، و(الإمام) و(الإلمام) و(شرح العمدة) لابن دقيق العيد، و(اللباب في الجمع بين السنة والكتاب) لأبي محمد المنبجي، و(الاهتمام بتلخيص الإلمام) لقطب الدين الحلبي، وقد أصلح ما غلط فيه ابن دقيق من عزو الحديث في الإلمام إلى غير من رجه، وتحقيق ابن الجوزي و(منتقى المجد) ابن تيمية، و(تنقيح) ابن عبد الهادي، وكتب التخاريج كلها، ومن أنفعها وأوسعها (نصب الراية) للجمال الزيعلي، و(المعتصر) للجمال الملطي، و(تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد) للزين العراقي، و(فتح الباري) لابن حجر، و(شرح الهداية)، وغير ذلك مما لا يُحصى من الكتب المؤلفة في أحاديث الأحكام.
ومن أهم المؤلفات في أحاديث الأحكام والتي يتداولها الطلبة والعلماء بالشرح والتحليل:
1-منتقى الأخبار: وهو للإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني المعروف بابن تيمية الحنبلي (590 -625) وهو جد شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، وقد انتقاه من صحيحي الإمامين البخاري ومسلم، ومسند الإمام أحمد، والسنن الأربعة، واستغنى بالعزو إلى هذه الكتب عن الإطالة بذكر الأسانيد، وهو كتابٌ جليل الفائدة، وقد تضمن (5920) خمسة آلاف وتسعمئة وعشرين حديثاً، وهي أدلة الفقه الإسلامي.
وقام بشرحه محدث اليمن ومجتهدها القاضي محمد بن علي الشوكاني (1173 ـ 1250هـ) بكتابه نيل الأوطار، وأحاط فيه بكل حديث، وجمع فيه من فقه الحديث ما لا يمكن أن تعثر عليه في كتاب آخر.
2- بلوغ المرام من أحاديث الأحكام: للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (733 -852 هـ)، وقد تضمن (1576) ألف وخمسمائة وستة وسبعين حديثاً.
وقد قام بشرحه علامة اليمن في القرن الثاني عشر السيد محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني (1099 ـ 1182هـ) بكتابه الشهير المسمى سبل السلام، وهو شرح قيِّم بالإضافة إلى الشروحات الكثيرة والمعاصرة.
3-عمدة الأحكام: للإمام الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي، ثم الدمشقي (541 -600 هـ)، وهو يشتمل على (419) أربعمائة وتسعة عشر حديثاً، من أعلى أنواع الصحة، الذي اتفق عليه الشيخان في صحيحيهما، فكان كتابه قريباً سهلاً، لا يستغني عنه مسلم. وقد شرحه تقي الدين محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد شرحاً وسطاً. قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنه كتاب الإسلام ، وإنه ما عمل أحد مثله، ولا الحافظ الضياء ، ولا جدَّي أبو البركات)، ثم جاء علامة اليمن ومحيي علوم السنة في وقته السيد البدر محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني شارح كتاب بلوغ المرام المتقدم ذكره، فكتب حاشية نفيسة على كتاب (شرح العمدة).
4- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد:
لمجدد المائة الثامنة زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي المولود عام (725هـ) المتوفى عام (806 هـ). جمع فيه أحاديث الأحكام لابنه أبي زرعة.
قال في خطبته : (وبعد فقد أردت أن أجمع لابنى أبي زرعة مختصراً في أحاديث الأحكام يكون متصل الأسانيد بالأئمة الأعلام؛ فإنه يقبح بطالب الحديث ألا يحفظ بإسناده عدة من الأخبار يستغني بها عن حمل الأسفار في الأسفار وعن مراجعة الأصول عند المذاكرة والاستحضار... ثم قال: ولما رأيت صعوبة حفظ الأسانيد في هذه الأعصار لطولها وكان قصر أسانيد المتقدمين وسيلة لتسهيلها رأيت أن أجمع أحاديث عديدة في تراجم محصورة وتكون تلك التراجم فيما عُدَّ من أصح الأسانيد إما مطلقاً على قول من عممه أو مقيداً بصحابي تلك الترجمة)، ثم أخذ يبين طريقته في نقله عن الكتب وعزوه إليها. وهو كتاب عظيم في بابه.
وقد شرح تقريب الأسانيد هذا مؤلفه نفسه، وقد بدأ الشرح بمقدمة في تراجم رجال إسناده وضم إليهم من وقع له ذكر في أثناء الكتاب لعموم الفائدة .
ولكنه لم يكمل هذا الشرح بل شرح منه عدة مواضع وقد أكمله ابنه أبو زرعة المذكور المتوفى سنة (826 هـ) واسم هذا الشرح: (طرح التثريب في شرح التقريب) وهو كتاب حافل بالفوائد والأبحاث جرى فيه مؤلفه على البحث العلمي الحر دون تعصب لمذهب من المذاهب وإن كان مذهبه ، مما رفع من شأن هذا الكتاب أضف إلى ذلك ما شحنه به من النكت الفقهية والفوائد الحديثية .
● كتاب توضيح الأحكام للبسام
اعتنى المؤلف البسام بأحاديث الأحكام في شرح كتاب (عمدة الأحكام) في كتابه (تيسير العلام)، كما شرح (بلوغ المرام) في كتابه (توضيح الأحكام)، وقد ذكر المؤلف رحمه الله في بداية هذا الكتاب مداخل اشتملت على أصول مهمة في أصول الفقه ومصطلح الحديث والقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، وبين الشروح التي اطلع عليها واقتبس منها، وبيّن -رحمه الله -صلته بهذا الكتاب وأنها قديمة أيام حفظه ودراسته على الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، ثم دراسته في دار التوحيد على الشيخ محمد عبد الحكيم.
وذكر أنه لم يزل ملازماً لهذا الكتاب لوفور بركته، حتى يسر الله هذا الشرح المستفاد من خزائن محفوظاته القديمة ودراساته السابقة، مضيفاً إلى ذلك النقول الكثيرة من المراجع المعتمدة إما بنصها أو اختصاراً،ويوردها دون الإخلال بمعناها.
وقد فصّل الشيخ البسام هذا الشرح على نحو يسهل الاستفادة منه للطلاب، وذلك ببيان درجة الحديث، وتفسير الغريب، وتفصيل الخلاف في المسائل، وضم القرارات الفقهية للمجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء في مكانها المناسب.
● اصطلاح الشيخ البسام في هذا الكتاب
بيَّن المؤلف البسام اصطلاحاته في هذا الشرح بأن مراده من قوله:
- "الشيخ" فمرادي: شيخ الإسلام أحمد بن تيمية.
-"قال ابن عبد الهادي" فمن كتابه المحرر.
- "في التلخيص" فمرادي التلخيص الحبير؛ للحافظ ابن حجر.
- "قال الصنعاني" فهو من سبل السلام.
- "قال الشوكاني" فأعني من نيل الأوطار.
- و"قال صديق حسن" يعني: من الروضة الندية.
-"قال الألباني" فهو من إرواء الغليل، وقليل من حاشيته على المشكاة.
- ومرادي بـ"الروض" الروض المربع، ومرادي بـ"الحاشية" حاشية الروض؛ للشيخ عبد الرحمن بن قاسم. وقد علق على هذا الكتاب الشيخ محمد سليمان بن عبد العزيز آل بسام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق