أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 فبراير 2025

الخروج على الحكام وأثره في تفريق الأمة د. أحمد إبراهيم يوسف سعدية بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

                                                         الخروج على الحكام وأثره في تفريق الأمة

د. أحمد إبراهيم يوسف سعدية

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: الإمام جُنَّة، به تُحفظ الدماء وتصان الأعراض، وتأمن الأموال، ويطمئن الناس من الفتن. فهو الذي يُنفّذ به القضاء، ويُقيم العدل، وينتصف المظلوم من الظالم، ويُوجّه الناس للحق، فيلتزمونه، وتستقيم بهم أمور دينهم ودنياهم، من معاملات وتجارات، ووظائف وأعمال، وقضاء وعبادات.

واتفق أهل السنة على وجوب طاعة ولاة الأمر في المعروف، حتى وإن كان متغلبًا، وأجمعوا على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أقروا بعدم جواز الخروج على الحاكم المسلم العادل. أما الحاكم الظالم أو الجائر، فقد اختلفت الفرق في حكم الخروج عليه؛ حيث ذهب الخوارج والمعتزلة إلى وجوب الخروج، بينما رأى جمهور أهل السنة تحريم ذلك، حتى لو كان الخروج بتأويل سائغ، إلا في حالة الكفر الصريح الذي لا يحتمل تأويلاً آخر، ويكون الحكم فيه لأهل الاجتهاد، وليس للعامة، مع مراعاة المصلحة والمفسدة، والقدرة الفعلية لا مجرد القابلية.

وقد أوضح العلماء أن قتال البغاة ليس انتصارًا لشخص الحاكم، بل امتثال لأمر الله تعالى في قوله: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، وأوجبوا نصرة الإمام في هذا السياق. كما ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى ضرورة إعذار البغاة قبل قتالهم، بإزالة مظالمهم أولًا، ودعوتهم إلى الطاعة، بينما استحسن ذلك الحنفية. فإن أصروا على القتال، قوتلوا إن كانت لهم قوة ومنعة، أما إن لم يكن لهم ذلك، فلا يجب قتالهم.

ورأى العلماء أن هؤلاء البغاة لا يُعدّون فساقًا إن كان خروجهم بتأويل معتبر، ما لم يقترن خروجهم ببدعة أخرى، كتكفير المسلمين أو اعتبار المجتمع الجاهلي. كما بيّنوا أن الرضا بظلم الحاكم محرم، وأن الإنكار عليه بالقول واجب لمن استطاع، مع الصبر على جوره، وهو أصل من أصول أهل السنة.

هذا البحث يسعى إلى دراسة صور الخروج على الحكام وأحكام كل منها، مع بيان موقف أهل السنة وآثاره، والهدي النبوي في التعامل معها. وتكمن أهمية البحث في التصدي لبعض الجماعات المنحرفة التي تُؤصّل لهذا الأمر بعيدًا عن الهدي النبوي، وتسعى لترسيخ مفاهيم طائفية وحزبية، بهدف الوصول إلى السلطة، مما يؤدي إلى تفكيك المجتمعات المسلمة، بل يصل الأمر ببعضهم إلى ممارسة العنف والقتل تحت ستار الجهاد، وهو ضلال بيّن.

ومن أدب مناصحة الحكام أن تكون سرًّا، إذ إن ذلك أدعى للقبول، وأبعد عن إثارة الفتن، فإن لم يتمكن من ذلك، جاز له أن يُنصح علانيةً، ولكن بأدب واحترام، بعيدًا عن التشهير والطعن والتخوين. وللأسف، نجد من يخرج عبر وسائل الإعلام لا للإصلاح، بل للتشنيع والتأليب، زاعمًا أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بينما فعله هذا أبعد ما يكون عن النصيحة، وهو أقرب إلى النفاق والريبة. بل إن بعضهم يُكفّر الحكام بمجرد شبهة غير قطعية، متأثرين بتاريخ الأمم التي لم تترك أميرًا إلا قتلته.

ولا بأس بالمطالبات السلمية لتحقيق الحقوق، أو رفع الظلم، أو المطالبة بتحسين الأوضاع، شريطة أن تتم دون فوضى أو شغب، أو سبّ وشتم، مما لا يليق بأخلاق المسلمين.أسفل النموذج

ويتكون البحث من مقدمة، وخمسة مباحث، وخاتمة، وفهارس.

أما المقدمة: فتشتمل على مدخل للموضوع، مع أهداف البحث وخطته.

المبحث الأول: حقيقة الخروج في اللغة والشرع.

المبحث الثاني: صور الخروج على الحكام.

المبحث الثالث: حقوق الحكام على الأمة.

المبحث الرابع: موقف السنة من الخروج على الحكام.

المبحث الخامس: موقف السنة من مناصحة الحكام.

الخاتمة: النتائج والتوصيات.

الخروج على الحاكم المسلم من أهم الوسائل التي تفرق وحدة المسلمين، وتمزق شملهم، وهذا على النقيض من غاية رسالة الإسلام، ومقاصده الكلية التي تسعى إلى اجتماع المؤمنين تحت راية واحدة.

-ليس الخروج على الحكام خاصًا بالخروج بالسيف، بل هناك الخروج بالاعتقاد، والخروج باللسان، وهما أخطر من الأول.

- القول بجواز الخروج على الإمام المسلم موجب لتبديع صاحبه، كما وقع من الإمام الذهبي في تبديعه للحسن بن صالح بن حي (ت: ١٦٧هـ) بسبب رأيه في الحكام. قال الذهبي: هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلَامِ، لَوْلَا تَلَبُّسُهُ بِبِدْعَة.

- إذا وقع الحاكم في الكفر البواح، وحارب دين صل الله الله تعالى وسنة رسوله ، وكانت الرعية في منعة وقوة، ولم يترتب على خروجهم المفاسد العظام، واستبدل ذاك الحاكم بحاكم مسلم عدل؛ فإن الخروج وقتئذ جائز

الواجب على أهل الحل والعقد أن ينصحوا الحاكم المسلم – سرا أو علانية - بأسلوب مهذب، من غير تشهير ولا تعيير، عن طريق الاتصال به، أو الكتابة والمراسلة إليه، أو عبر أي وسيلة حسب مستجدات العصر، المهم أن تكون النصيحة بعيدًا عن التهييج وإثارة الفتن.

-الوقيعة في الحكام، والاشتغال بسبهم، وذكر معايبهم، خطيئة كبيرة، وجريمة شنيعة نهى عنها رسول الله ، وذم فاعلها، وهي نواة الخروج على ولاة الأمر بالسيف، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا.

-حرمة المظاهرات والاعتصامات وبدعيتها؛ لما يترتب عليها من مفاسد ومخالفات أو معاص أو بدع.

-يجب على الحاكم المسلم أن لا يتخذ الحجب بينه وبين رعيته، أو أن يسد الأبواب دونهم؛ فلا يسمع منهم النصيحة والرأي والمشورة.

والله الكريم أسأل أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين باتباع كتابه الكريم، والتمسك بهدي نبيه ، وأن يعصمنا من مضلات الفتن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق