أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

طلائع البخت بسندي إلى إحياء الميت بفضائل أهل البيت أحمد منصور قرطام بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

طلائع البخت بسندي إلى إحياء الميت بفضائل أهل البيت

أحمد منصور قرطام

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه الرسالة الصغيرة الحجم، والعظيمة القدر، ألفها الشيخ أحمد بن منصور لبيان أسانيده إلى كتاب إحياء الميت، وتأتي هذه الأسانيد في جملة المرويات الكثيرة عن الإمام السيوطي، ويرويها الشيخ قرطام عن ثلاثة من شيوخه، وهم: محمد الشاذلي النيفر، وعبد العزيز الغماري، وأخيه عبد الله الغماري، وثلاثتهم عن عمر حمدان المحرسي في "ثبته"، بسنده إلى العلامة محمد الأمير الكبير في "ثبته"، بسنده إلى العلامة عبد الله بن سالم البصري في "ثبته" بسنده إلى الإمام السيوطي.

ولعل في تسمية الشيخ لرسالته نكتة لطيفة، فإن الطلائع مفردها طليعة، وهي مقدمة الجيش، والمتقدمين من الأوائل في كل شيء، وكأنه يُشير بذلك إلى علو سنده في هذا الكتاب، وكون رسالته إحدى الطلائع التي ترمقها العين في طلب الإجازة، و"البُخت" بضم العين جماعة الإبل العربية، كأنه يشير بذلك إلى أنه أحد من تحمُّلوا همَّ الدراية عن الشيوخ، وفي الحديث: إِنَّمَا (النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً).

أو "البَخت" بفتح الموحدة، مفرد بُخوت، وهو: الحَظٌّ، والنَصيب، وكأنه يُشير إلى الخير العظيم، التي ينالها من تأهل لرواية هذه الأحاديث، التي فيها فضائل العترة الطاهرة الطيبة، وبالتالي يندرج في جملة المحبين لهم، والملتحقين بركبهم، من غير تبديل ولا تغيير.

وبين الشيخ قرطام وبين الإمام السيوطي عشر طبقات، وهو بذلك يُعد من الأسانيد العالية، وأعلى من سند الشيخ قرطام من يروي عن الشيخ عمر حمدان المحرسي مباشرةً، ومنهم: الشيخ محمد بن أبي بكر الحبشي، وأخيه الشيخ أحمد بن أبي بكر الحبشي، والشيخ عبد الله الناخبي الذي توفي متأخراً، والشيخ محمد حميدة المغربي هو ربيب الشيخ عمر حمدان (الشيخ زوج أمه)، وغيرهم كثير لا زال بعضهم أحياء.

وقد تدبَّج المحرسي بالشيخ محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، وذكر ذلك في معجمه الكبير "فهرس الفهارس"، ونروي هذا الكتاب عن شيخنا محمد بن أبي بكر الحبشي إجازةً، عن الشيخ المحرسي، بسندده الآتي ذكره.

وأنزل من ذلك درجةً عن شيوخنا: العلامة المعمر عبد الرحمن بن محمد عبد الحي الكتاني، والعلامة محمد الأمين بوخبزة، وأحمد ومحمد ابنا أبي بكر بن حسين الحبشي، عن مُسند الوقت محمد عبد الحي الكتاني، عن عصريّه محمد حمدان المحرسي تدبيجاً.

وقد وضعتُ على كتاب (إحياء الميت) شرحاً وجيزاً، لعلي أنشره في الأيام المقبلة إن شاء الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} سورة الأحزاب من الآية 33، والصلاة والسلام على من أرسل للعالمين بشيراً ونذيراً وعلى آله الطيبين الطاهرين إناثاً وذكوراً وعلى كل من أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً. 

أما بعد: فإنَّ كتيب إحياء الميت بفضائل أهل البيت للإمام السيوطي الشافعي صغير الحجم عظيم النفع، وقد جمع فيه ستين حديثاً تدل من الناحية الشرعية على وجوب محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجوب نصرتهم والدفاع عنهم، والتجاوز عن مسيئهم، والقبول من محسنهم، والدعاء لهم جهراً وسراً، مما لم يدع فيه مجال للجاج ولا محجاج.

فأحببت أن ألتحق بركب النصرة والمحبة والموالاة، إلا أن بضاعتي مزجاة، لا أملك سوى القلم، فحبرت فيه انتمائي وولائي، عسى أن ألقاه على حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث المتواتر، من خلال قلمي وانتمائي ودمي.

وسميته طالع البخت بسندي إلى إحياء الميت بفضائل أهل البيت

فأروي أنا العبد الفقير خادم العلم الشريف أبو الفضل أحمد منصور قرطام الحسيني المالكي التونسي الفلسطيني كتاب (إحياء الميت بفضائل أهل البيت) بالسند المتصل إلى الإمام السيوطي الشافعي رحمه الله من طرق كثيرة منيرة، ولكن أحلاها وأزكاها وأعلاها سُلَّماً وأَرقَاهَا وأَوضَحَهَا وأَصفَاهَا:

١= عن سيدنا ومولانا العلامة الشيخ الفقيه المسند الشاعر الأصولي المعمر محمد الشاذلي النيفر الحسيني المالكي التونسي رحمه الله تعالى المولود سنة 1325هـ الموافق 1908 ر والمتوفى سنة 1418هـ الموافق 1997 ر.

وسيدنا ومولانا العلامة الأصولي المحدّث الناقد ذهبي العصر الصوفي الكبير عبد العزيز بن محمد الصديق الغماري الإدريسي الحسني المغربي رحمه الله تعالى المولود سنة 1338هـ الموافق 1920 ر والمتوفى سنة 1418هـ الموافق 1997 ر.

وسيدنا ومولانا الحافظ المجتهد الأصولي المتكلم المتفنن في شتى العلوم الولي الصالح المجاب الدعوة عبد الله بن محمد بن محمد الصديق الغماري الإدريسي الحسني المغربي رحمه الله تعالى المولود سنة 1328هـ الموافق 1910 ر والمتوفى سنة 1413هـ محمد بن الموافق 1993 ر.

٢= ثلاثتهم عن محدث الحرمين عمر بن حمدان المحرسي المالكي التونسي المكي رحمه الله تعالى المولود سنة 1291 هـ الموافق 1874 ر والمتوفى سنة 1368هـ الموافق 1949 ر

٣- عن شيخه السيد محمد علي بن ظاهر الوتري الحنفي المدني رحمه الله تعالى المولود سنة 1261 هـ الموافق 1845 ر والمتوفى سنة 1322 ه الموافق 1904 ر

٤= عن العلامة أبي العباس أحمد بن أحمد الشهير بمنة الله الشباسي المالكي الأزهري المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1213ه الموافق 1798 ر والمتوفى سنة 1292 هـ الموافق 1875 ر

٥= عن العلامة محمد الأمير الكبير السنباوي المالكي المغربي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1154 هـ الموافق 1741 ر والمتوفى سنة 1232 هـ الموافق 1817 ر.

٦= عن الشهاب أحمد الحسن الجوهري الشافعي الأزهري المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1096 هـ الموافق 1685 ر والمتوفى سنة 1182 هـ الموافق 1768 ر.

والشهاب الإمام المعمر شيخ الشيوخ المسند أحمد بن عبد الفتاح بن عمر المجيري الملوي الشافعي الأزهري المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1088 هـ الموافق 1677 ر والمتوفى سنة 1181 هـ الموافق 1767 ر

٧= كليهما، عن الشيخ عبد الله بن سالم البصري الشافعي المكي رحمه الله تعالى المولود سنة 1048 ه الموافق 1638 ر والمتوفى سنة 1134 هـ الموافق 1722 ر.

٨= عن الإمام الحافظ المسند الشمس أبي عبد بن المسند عبد الله محمد بن العلاء البابلي الشافعي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1000 هـ الموافق 1591 ر والمتوفى سنة 1077 هـ الموافق 1666 ر

٩= عن العلامة أبي النجا سالم بن محمد عز الدين بن محمد ناصر الدين السنهوري المالكي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 945 هـ الموافق 1538 ر والمتوفى سنة 1015 ه الموافق 1606 ر،.

١٠= عن شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 897هـ الموافق 1491 ر والمتوفى سنة 969 هـ الموافق 1561 ر.

عن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين عبد الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن عثمان الخضيري الأسيوطي الشافعي المصري الشهير بجلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى المولود سنة 849 هـ الموافق 1445 ر والمتوفى سنة 911 هـ الموافق 1505 ر.

وبناءً على ما مر وتأصل وتقرر أجيز السيد الفاضل:................................

موصياً المجاز السالك بتقوى الله في السر والإعلان والترفع عن سفاسف الأمور والنظر إلى معاليها والجد والاجتهاد لفهم الكتاب والسنة وفق القواعد التي أصلها الأئمة الأعلام على أن لا ينساني من دعوة صالحة في صلواته وخلواته وجولاته ومن علمني ووالدي ومحبيّ.




الأحد، 1 أكتوبر 2023

دراسة في كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري، منهجاً ومضموناً عوض الذنيبات بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

دراسة في كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري، منهجاً ومضموناً 

عوض الذنيبات

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه ورقة بحثية تناولت دراسة عامة لمنهج ومضمون "فتوح البلدان" للعالم المتبحر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري: وهو عالم ومؤرخ، وجغرافي، ونسابة، وله شعر جيد، من أهل بغداد. ولد سنة (١٩٠ هـ)، وتوفي سنة (٢٧٨ هـ) وقيل أصيب في آخر عمره بذهول شبيه بالجنون، فحُبس بالبيمارستان إلى أن توفي.

وهذا الكتاب "فتوح البلدان" يعد من الكتب الموسوعية التي ضمت بين جنباتها الكثير من المعلومات حول صدر الإسلام وما يتعلق بجغرافيا المسلمين، كما يُعد مصدراً مهماً من المصادر التي يعتمد عليها العلماء والمهتمون في شتى الفنون: من التاريخ، والهندسة، والجغرافيا، والمساحات، والعمران، وتسميات الأماكن والبلدان.

بالإضافة إلى ما يجري في فلك الاقتصاد، والسياسة، وما جاء في الفتوحات، وكذلك ما ورد في الأوائل، والأنساب، والتراجم، بل يُعد معجماً في اللغة، ومادة غنية بالأدب، لأنه لا يكاد يذكر غزوةً أو فتحاً أو حادثة عامة إلا ويرفقها بأبيات من الشعر، وحتى في تفسير الآيات وبيان أسباب نزلوها، وشرح بعض الأحاديث.

وقدمت هذه الورقة إلى قسم التاريخ، بجامعة مؤتة، الكرك، الأردن. تاريخ استلام البحث ٢٠١٢/١١/٢٥ م، وتاريخ قبوله ٢٠١١/٩/١٣ م.

قال ابن كثير في (البداية والنهاية): "البلاذري المؤرّخ واسمه أحمد بن يحيى بن جابر بن داود أبو الحسن ويقال أبو جعفر ويقال أبو بكر البغدادي البلاذري صاحب التاريخ المنسوب إليه، سمع هشام بن عمار وأبا عبيد القاسم بن سلام، وأبا الربيع الزهراني وجماعة، وعنه يحيى بن النديم وأحمد بن عمار وأبو يوسف يعقوب بن نعيم بن قرقارة الأزدي.

وقال الحافظ ابن عساكر: "كان أديباً ظهرت له كتب جياد، ومدح المأمون بمدائح، وجالس المتوكل، وتوفي أيام المعتمد، وحصل له هوس ووسواس في آخر عمره ... ".

وقال مؤرخ الاسلام الذهبي عنه في (السير) ٨/ ٤٩٩: "البَلاذُرِي العَلاَّمَة، الأديب، المصَنَّف، أبو بكر، أحمد بن يحيى بن جابر البَغدادي البلاذُرِي، الكاتب، صاحِب «التَّاريخ الكبير». سمع: هَوْذَة بن خَلِيفة، وعبد الله بن صَالح العِجْلي، وعَفَّان، وأبا عُبَيْد، وعلي بن المَديني وخَلف بن هِشَام، وشَيْبَان بن فَرُّوخ، وهِشام بن عَمَّار، وعِدَّةً. وجالَسَ المتوكِّل، ونادَمَه.

روى عنه: يحيى بن المِنَجِّم، وأحمد بن عَمَّار، وجَعْفَر بن قُدَامَة، ويعقوب بن نُعَيْم قَرْقَارَة، وعبد الله بن أبي سَعد الوَرَّاق. 

وكان كاتباً بليغاً، شاعراً محسناً، وُسْوِسَ بأخَرَة لأنَّه شَرِبَ البلاذُر للحِفْظ.

وله مَدَائح في المأمون وغيره. وقد ربط في الْبِيمارِسْتَان، وفيه مات.

وقيل: كان يكنى أبا الحَسَن. وقيل: أبا جعفر. توفي بعد السَّبعين ومائتين، رَحِمَه الله. وكان جدُّه جابر كاتباً للخَصِيب أمِير مصر. "

ملخص 

هذه دراسة في كتاب "فتوح البلدان" لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، من حيث المنهج والمضمون. قدم الباحث فيها نبذة عن حياة البلاذري: اسمه، نسبه، شيوخه الذين تتلمذ عليهم، وتلاميذه، وآثاره، ومصنفاته، ووفاته. 

وقد اعتمد الباحث منهج البحث التاريخي التحليلي أثناء دراسته للكتاب. وبين البحث المنهج الذي سار عليه المؤلف في كتابه، وكذلك المضمون؛ أي الموضوعات التي احتوى عليها الكتاب نفسه، بهدف بيان أهميته ومكانته بين المصادر التاريخية. 

وختم الباحث دراسته بإبراز النتائج والتوصيات التي انتهى إليها الباحث

الكلمات الدالة كتاب "فتوح البلدان، البلاذري، المنهج، المضمون.

المقدمة 

يعد البلاذري (ت279هـ /892 م)، من أبرز أعلام حركة التأليف التاريخي التي بدأت في الظهور منذ منتصف القرن الثالث الهجري، التاسع ميلادي، ومن الذين استعملوا بحرية كل ما أتيح لهم من مصادر على الرغم من تنوعها، وامتاز بالنظرة المتفحصة الناقدة للمادة التي انتقاها أساساً لمؤلَّفاته، وأعطى أهمية خاصة للروايات التي استقاها من مصادر إقليمية معايشة للحدث الذي يكتب عنه.

لعلَّ الناظر في مؤلفات البلاذري – وهي متنوعة –يجدها تكشف عن مكانته العلمية ودوره في تأصيل الكتابة التاريخية.

ويعد كتاب "فتوح البلدان"، أحد أبرز مؤلفاته، وهو يزخر بالمعلومات التاريخية من فتوح وأنساب ونوادر، بالإضافة للمعلومات الجغرافية واللغوية والأدبية والدينية من تفسير وحديث وفقه وغير ذلك، بحيث يمكن أن يوصف بالموسوعية، لما يمتلكه صاحبه من نظرة تكاملية للمعرفة.

وتزداد أهمية الكتاب بالمنهج الذي سار عليه صاحبه من خلال اهتمامه بالإسناد وبيان موارده التي استقى منها مادته التاريخية، وقد كان واضحاً ودقيقاً ومباشراً في الإشارة إلى جانب من منهجه في كتابه حين قال: "أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان، سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض". 

لاحظ الباحث أثناء دراساته في هذا المصدر، القيمة العلمية والمنهجية التي يتمتع بها، ولما تأكد له عدم وجود دراسة متخصصة ومستقلة حوله على النحو الذي حظي به كتابه "أنساب الأشراف"، شرع بتخصيص هذا البحث للوقوف على المنهج الذي سار عليه المؤلف فيه، وعلى موضوعاته ومضمونه. 

بدأ الباحث عمله بدراسة الكتاب، وحصر الجوانب التي تخص المنهج الذي اعتمده المؤلِّف، والموضوعات والاهتمامات التي تضمنها.

وجد الباحث أن من الضروري التعريف بنشأة البلاذري، من حيث اسمه ونسبه وشيوخه وتلاميذه، وآثاره ومصنَّفاته ووفاته؛ لرسم صورة متكاملة للمؤلِّف وتكوينه الثقافي.

اعتمد الباحث المصدر نفسه مصدراً أساسياً للدراسة، بالإضافة إلى مصادر أخرى؛ معجمية وتراجم ومراجع ودراسات حديثة ذات صلة بموضوع البحث.

وفي النهاية ختم الباحث دراسته بإبراز أهم النتائج والتوصيات التي توصل إليها، مع قائمة مستقلة بهوامش مستقلة.

1- نشأة البلاذري: 

أ- اسمه ونسبه: أحمد) بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري البغدادي الكاتب، يكنى أبا الحسن، وأبا جعفر، وأبا بكر. أما عن نسبه، فلم تذكر المصادر شيئاً عنه، رغم أن بعض المحدثين نسبوه إلى أصل فارسي، إلا أن المشهداني في دراسته عن موارد البلاذري عن الأسرة الأموية في كتابه "أنساب الأشراف"، يرجح أن نسبه يعود إلى أصل عربي من خلال ما ذكره المسعودي في كتابه "مروج الذهب"، إذ أشار إلى كتاب "الرد على الشعوبية" الذي صنفه أبو الحسن أحمد بن يحيى، على الرغم من أنه لم يُشر إلى أنه هو البلاذري صراحة، لكن يبدو أنه هو المقصود، حيث إن مثل هذا العمل الكتاب لا يقوم به شخص لا يشعر بعروبته شعوراً واضحاً. 

كان جده يكتب للخصيب صاحب مصر، وكان هو من رجال البلاط في سامراء، جالس المتوكل والخلفاء من بعده، حتّى أيَّام المعتمد على الله، وهو عالم بالأنساب، وراوية متقن، نشأ ببغداد، وأخذ عن أئمة فقهائها وأعلام أدبائها، وكبار الإخباريين فيها.

ب- شيوخه:

ذكرت المصادر أنَّه سمع بدمشق من هشام بن عمار، وأبي حفص عمر بن سعيد، وبحمص من محمد بن مصفى، وأبي البزار، وعمرو، وبأنطاكية من محمد بن عبد الرحمن ابن سهم، وأحمد بن برد الأنطاكي، وبالعراق من عفان بن مسلم، وعبد الأعلى ابن حماد، وعبد الواحد بن غياث، وشيبان بن فروخ، وعلي بن المديني، وعبد الله ابن صالح العجلي، ومصعب الزبيري، وعبيد بن سلام، وإسحق ابن أبي إسرائيل، وخلف الناقد، والحسين بن علي بن الأسود العجلي، وعثمان بن أبي شيبة، وأبي الحسن علي بن محمد المدائني، ومحمد ابن سعد كاتب الواقدي، ومحمد بن الصباح الدولابي، وعباس بن الوليد، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وجماعة سواهم.

ومن خلال نظرة في تراجم ،شيوخه، نجد أنهم من بيئات ،مختلفة، وأصحاب اختصاصات متعددة في العلوم، منهم القراء، ومنهم المحدثون والفقهاء، ومنهم الأدباء، وبهذا يمكن القول إن ثقافة صاحبنا في هذه الدراسة كانت متعددة العلوم والمعارف.

وقد أدى هذا إلى تأثره بأساليبهم وبعض مناهجهم في دراساته التاريخية، وتبين ذلك من خلال عرضه للمعلومات التاريخية التي تناولها، والتي نجد فيها اهتماماً شديداً بالسند، حيث استخدم بشكل كبير صيغ المحدثين وألفاظهم التي كانوا يستعملونها في إسنادهم، وهذا ما ستناوله أثناء الحديث عن منهجه في كتابه موضوع البحث.

ويخرج القارئ لشيوخ البلاذري ومصادر رواياته بنتيجة أنه تكبد مشاق السفر، فزار كثيراً من البلدان، فزار مدن الشام؛ دمشق وحمص، وأنطاكية، وحماة، وأخذ عن علمائها، واستمع إلى رواتها، ولا يخفى تأثير مثل هذه الرحلات على المؤرخ المعني بجمع الأخبار، فقد توفرت لدى البلاذري معلومات محلية غزيرة عن الأمصار التي زارها.

ج -تلاميذه: 

أَمَّا عن تلاميذه الذين أخذوا عنه، فمنهم يحيى بن النديم، وأحمد بن عمار، وأبو يوسف يعقوب بن نعيم بن فزارة الأزدي، وعبد الله بن أبي سعيد الوراق، وجعفر بن قدامة، وعبد الله بن المعتز. 

د -آثاره، ومصنفاته: 

لم يكن البلاذري من المكثرين في التأليف من حيث عدد الكتب والمصنفات التي خلفها، إلا أن بعض كتبه قد نالت مكانة كبيرة. 

والذي تم الوقوف عليه من كتبه كما ذكر ابن النديم في الفهرست كتاب البلدان الصغير"، وكتاب "البلدان الكبير"، وكتاب "الأخبار" والأنساب"، وكتاب "عهد أردشير" ترجمه بشعر، وكتاب "فتوح البلدان"، وهو مدار بحثنا هذا، قالت عنه المصادر: "وله كتاب في البلدان وفتوحها وعنوة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما فتح في أيامه وعلى يد الخلفاء من بعده، وما كان من الأخبار في ذلك، وصنف البلدان في الشرق والغرب والشمال والجنوب، ولا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه". 

وقال فيه ابن العديم: "قرأت في كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها تأليف أحمد بن يحيى البلاذري"، وذكره المسعودي في "التنبيه والأشراف" وذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان"، وذكره الصفدي في "الوافي بالوفيات"، وكذلك حاجي خليفة في "كشف الظنون". 

وعلى الرغم من أن عدداً من المؤلفين قد كتبوا في هذا الحقل قبل البلاذري، إلا أن كتابه احتل موضعاً مرموقاً بين الكتب التي ألفت في هذا الموضوع؛ نظراً لضياع معظم الكتب السابقة، باستثناء بعض الكتب القليلة، ومنها ما كتبه الواقدي، مثل "فتوح الإسلام لبلاد العجم وخراسان"، و"فتوح الشام"، و"فتوح إفريقية"، وكان ابن أعثم الكوفي (ت 314 هـ/ 1926 م)، قد صنف في الفتوح، رغم تأخُّره نسبياً عن زمن البلاذري.

 وقد قام المستشرق الألماني دي خويه (De Goeje) بطبعه في لايدن سنة 1866م، بعنوان "فتوح الأقاليم"، ثم نشرته المطبعة الرحمانية عن طبعة دي خويه بالقاهرة سنة 1901م، كما نشر ثانيةً سنة 1932م، ونشره الدكتور صلاح الدين المنجد ما بين 1956 و 1958 م، ثم نشره عمر أنيس الطباع في بيروت سنة ،1957 ونشره أيضاً سنة 1978م، وقام هامكر بترجمته إلى اللاتينية، ترجمة موجزة سنة 1884 م.

ثم قام الأستاذ فيليب حتّي بترجمة قسم منه إلى الإنكليزية سنة 1916م، كما ترجمه كاملاً، فرانسيس كلارك مورجوتن سنة 1924م، وترجمه ريشير (Rscher) إلى الألمانية بين عامي 1917م و 1924م، كما ترجم سوفاجيه قطعة منه إلى الفرنسية في كتابه عن المؤرخين العرب.

وقد اعتمد الباحث في دراسته هذه على النسخة التي حقَّقها عبد الله أنيس الطباع، نشر مؤسسة المعارف، بيروت، 1987م.

هـ- وفاته:

توفي سنة 279 هـ/892 م، أيام المعتمد على االله، ونفى ياقوت الحموي أن يكون قد أدرك أيام المعتضد بالله، أحمد بن الموفق باالله، أبو العباس، الخليفة العباسي (ت289هـ/901م)، كما ذكر الصفدي في الوافي بالوفيات، علماً بأن الباحث لم يجد في المصادر ذات العلاقة ما يشير إلى ما أورده الصفدي في الوافي بالوفيات؛ مما يؤكِّد أن وفاته كانت سنة (279هـ/901م)، وهذا الرأي أخذ به محمد جاسم المشهداني في دراسته عن الأسرة الأموية في كتاب "أنساب الأشراف" للبلاذري.

و- منهج البلاذري في كتابه:

إن فكرة التأليف في كتابة تاريخ أمة، أو فترة خاصة كما يقول فرانز روزنتال في كتابه "علم التاريخ عند المسلمين": "لا يعني إلاَّ شيئاً واحداً، هو: "إظهار تطور الفكرة التاريخية لدى مؤرخي تلك الفترة أو الأمة، وتطور معالجتهم العلمية للأحداث، ووصف أصول صور التعبير الأدبي ونحوها أو انحطاطها، تلك الصورة التي استعملت لعرض المادة التاريخية".

ويضيف: "والمؤرخ ذو البصيرة النفَّاذة إلى الحقائق المهمة يعطي كتابه أهمية كمصدر تاريخي، وقيمة أي مصدر تاريخي يقررها قدمه، وقربه من الحوادث التي يصفها، أو استخدامه لكتب مفقودة أو قريبة من المعاصرة للحدث".

هذه الرؤية التي ضمنها روزنتال لكتابه ظهرت بشكلٍ واضحٍ في الكتاب الذي نحن بصدده في هذه الدراسة، فهو مليء بالجوانب التي تستوقف القارئ وتستحق القراءة، وبخاصة من حيث المنهج الذي اعتمده في الكتاب، ومن حيث الموضوعات ذات القيمة التاريخية –وهي التي تعكس اهتماماته بشكلٍ مباشر-، وهذان الجانبان هما اللَّذان عناهما الباحث في دراسته للكتاب.

لقد كان المؤلِّف واضحاً ودقيقاً ومباشراً في الإشارة إلى جانب من منهجه في الكتاب، حين قال: "أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان، سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض".

هذه الرواية تؤكِّد أن البلاذري يميل في منهجه إلى الاختصار ما أمكن في التخلُّص من تكرار الأسانيد، وقد ظهر هذا بشكلٍ واضحٍ في الإكثار من استخدام الصيغة اللفظية "قالوا" التي يبدأ بها مطلع رواياته بعد رؤوس الموضوعات مباشرة، وكأنَّه يقول أن نوعاً من الإجماع قد تم حول قبول بعض الروايات والرواة، ويعرف هذا بأسلوب جمع الروايات والأسانيد.

 ولعلَّ هذا من بين أسباب التأثُّر بأسلوب المحدثين في رواياتهم، ويمكن إعادة أسباب هذا التساهل في الإسناد واستخدام الإسناد الجمعي؛ لكونه ثقة كما أشارت المصادر، فلا داعي لذكر مصادره، وعلى اعتبار أن التاريخ لا تقام عليه أحكام شرعية كما هي الحال في الحديث.

والمتتبع لمنهج البلاذري في كتابه سيلحظ بشكلٍ لافت للنظر عنايته بالإسناد ما أمكن، واستعماله للكثير من الصيغ اللفظية الدالة على "السماع"، و"المشافهة" من شيوخه مباشرةً، من ذلك قوله: "حدثنا"، و"حدثني"، و"حدثني جماعة من أهل العلم"، و"حدثني بعض أهل العلم"، و"حدثني عدة من أهل العلم منهم جار لهشام بن عمار"، و"حدثني من أثق به"، و"حدثني بعض من أثق به من الكتَّاب"، و"حدثني أبو مسعود الكوفي قال"، و"حدثني أبو مسعود الكوفي وغيره"، و"حدثني القاسم بن سلاَّم وغيره"، وحدثني علي بن محمد المدائني"، و"حدثني المدائني والعباس بن هشام الكلبي"، و"حدثني أحمد بن حماد الكوفي"، و"حدثني الوليد بن صالح"، و"حدثنا الحسين بن إبراهيم بن مسلَّم الخوارزمي، و"حدثنا الحسين بن الأسود قال"، و"أخبرني بكر بن الهيثم"، و"أخبرني معافى بن طاووس"، و"أخبرني داود بن حبال الأسدي"، و"أخبرني أمير المؤمنين المتوكِّل"، و"سمعت من يذكر"، و"سمعت بعض العلماء يذكر"، و"سمعت بعض أهل الحيرة يذكر".

على أن الأسانيد وصحتها وتسلسلها لا يقتضي بالضرورة أن يكون البلاذري قد أخذها عن شيوخه عن طريق السماع والمشافهة فقط، فالشيخ لا بد له من أصل مدون يحدث منه.

ويظهر للباحث أن البلاذري في مادته التاريخية قد أعطى أهمية خاصة للروايات التي تعود للمنطقة التي وقعت فيها الحادثة واعتمدها في كتابه – أهل البلاد أنفسهم كشهود عيان وكذلك كتبهم- مع أنَّه أحياناً يضطر إلى إتمامها بروايات أخرى حول الموضوع نفسه، ومن الشواهد الواردة في كتابه – فتوح البلدان- الدالة على هذا الجانب من منهجه في إسناد رواياته قوله: "حدثني شيخ من الكوفيين"، وقوله: "حدثني شيخ من أهل الحيرة"، و"حدثني شيخ من أهل واسط"، و"حدثني مشايخ من أهل بغداد"، و"حدثني مشايخ من أهل المفازة"، و"حدثني بعض أهل قزوين"، و"حدثنا بعض أهل بابغيش"، و"حدثنا شيخ من أهل تكريت"، و"حدثني جماعة من أهل البصرة"، و"حدثني شيخ من أهل حمص"، و"حدثني جماعة من أهل العلم بأمر الشام قالوا"، و"حدثني مشايخ من أهل إنطاكية"، و"حدثنا مشايخ من أهل إنطاكية وغيرهم"، و"أخبرني بعض أهل الثغر"، و"حدثني بعض أهل اليمامة"، و"حدثني عدة من أهل الرقة قالوا"، وشواهد أخرى متنوعة وكثيرة.

وهي شواهد تدلِّل على أن البلاذري لم يقتصر في كتابه على موارد بغدادية فقط، وإنَّما قام برحلات عديدة إلى بلاد الجزيرة الفراتية والشَّام وبعض الثغور، إضافة إلى رحلات في المدن العراقية، وبهذا نجده قد نوع موارد كتابه من مختلف المدن والأمصار، ومن مختلف الأصناف، فنجد بين موارده قراء، ومفسرين، ومحدثين، وفقهاء، ونسابين، وأدباء وغيرهم.

وقد حشد أحياناً للخبر الواحد العديد من الشواهد منها القرآنية، ومنها الأدبية، ومنها الشعرية، وغير ذلك، حتَّى تكتمل صورة الخبر بشكلٍ دقيق، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى أنَّه كان من السباقين إلى استخدام المنهج التكاملي في المعرفة.

وقد أفاد البلاذري من المدونات السابقة لعصره والتي كان مصنِّفوها من غير شيوخه، واستوعب الكثير منها، غير أنَّه لم يذكر أسماء تلك المصنَّفات البعيدة عن عصره، ولا بد أنَّه بذل جهداً كبيراً من أجل الحصول على تلك المواد لعدم تيسر وانتشار تلك المدونات بالسهولة التي عليها اليوم، ولكي يعالج مسألة الفارق الزمني بينه وبين أحداث التاريخ موضوع كتابه الفتوح، نجد أنَّه عني عناية فائقة في تبيان الطرق التي وصلت فيها تلك المعلومات إليه ما أمكنه ذلك، أو نص على النقل منها مباشرة؛ ليضفي صفة التوثيق على أخباره ورواياته، ويقدم مصدر الخبر ما وسعه ذلك، فمن ذلك قوله: "واسمه فيما ذكر ابن الكلبي"، و"قال الواقدي"، و"بعض الرواة يقول"، و"هذه رواية الشرقي بن القطامي"، و"روى الواقدي في إسناده"، و"روى محمد بن سعد"، و"قال بعض أهل السيرة""، ومن طرق الإسناد التي اتَّبعها البلاذري في الكتاب الذي نحن بصدده اعتماده على أكثر من مورد للخبر الواحد، كقوله: "قال أبو مخنف وغيره"، و"قال القحذمي المدائني"، و"قال القحذمي وغيره"، و"قال الكلبي وأبو اليقظان"، و"قال معمر ابن المثنى وغيره"، و"قال غير الواقدي"، و"قال غير هشام الكلبي"، و"حدثني بعض أهل العلم من الشاميين وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم"، و"حدثني جماعة من مشايخ أهل إنطاكية منهم ابن برد الفقيه"، و"حدثني ابن برد الأنطاكي وغيره قالوا".

وقد أظهر البلاذري في الكتاب موقفاً نقدياً تجاه مصادره، سواء كانت المدونة أو الشفوية، وهو بهذا يرجح روايات على أخرى، وفي هذا إشارة صريحة إلى تضعيفه لبعض الرواة الذين أخذ عنه، على نحو قوله في نهاية متن رواياته: "والخبر الأول أثبت"، و"الخبر الأول أثبت هذه الأخبار"، و"الأول أثبت"، و"أثبت الخبر أنَّه"، و"ذاك أثبت"، و"استشهاده أثبت"، و"الثبت أن"، و"الثبت عندهم أن"، و"ليس ذلك بثبت"، و"الخبر الأول أصح"، "والأول أصح وأثبت"، و"رواية الواقدي أثبت".

ومن الشواهد الدالة على صدقه ودقته وحياديته وموضوعيته وضبطه للإسناد، قوله: "وقد روي ذلك ولا أدري من أين جاء به من رواه"، و"حدثني هشام بن عمار في إسناد له لم أحفظه"، أما الروايات التي لم يستطع الجزم بصحتها فإنَّه لا يقول فيها قولاً نهائياً، ويكتفي بقوله: "والله أعلم". ما يدلُّ على موقف مضمر للمؤرخ يفهمه القارئ اللَّبيب؛ نظراً لوجود محاذير تحول دون الإفصاح.

إن نقد البلاذري لمصادر رواياته يدلّ على رجاحة عقليته التاريخية وعلو ملكة النقد التاريخي عنده، وتمتُّعه بخلفية عميقة للفهم التاريخي مكَّنته من قبول بعض الروايات ورفض البعض الآخر. إن اهتمام البلاذري بهذا الجانب يبين لنا أهمية كتابه من جهة، ومنهجيته ومدى عدالته وضبطه من جهة أخرى.

المضمون:

إن الناظر في هذا الكتاب – فتوح البلدان- يجد أنَّه من الكتب التي يمكن تصنيفها مجازياً من الكتب الموسوعية ذات الاهتمامات المتعددة؛ يأخذ منه المؤرخ والجغرافي، واللغوي والأديب، ويأخذ منه المفسر والمحدث والفقيه، وغير ذلك من أصناف العلوم على تنوعها.

يأخذ منه المؤرخ أسلوب قصص الأيام، وما ظهر في كتابات الإخباريين الأوائل، مثل عوانة بن الحكم، والهيثم بن عدي، و المدائني، وفي هذا إشارة إلى أن البلاذري كان لديه شعور تاريخي، أو تعبير عن هذا الشعور، وأن الشِّعر والنَّثر الذي تضمنه قصص الأيام، راجعاً إلى اهتمامه بالأدب الذي وظَّفه لخدمة الخبر التاريخي.

ويأخذ منه أيضاً المهتمون في التاريخ الاقتصادي الإسلامي؛ في الزكاة والصدقات، والجزية والخراج، والقطائع والغنائم والفيء.

وكذلك يأخذ منه المهتمون بالجوانب الإدارية في صدر الإسلام، عن قادة الفتوح والولاة والقضاة، زيادة على أن الكتاب يمكن أن يعتمد وثيقة للكتب التي وقَّعها الرسول -صلى الله عليه وسلم -وقادة الفتوح مع أهل البلدان التي تم فتحها.

بالإضافة إلى ذلك أبدى اهتماماً في الجوانب العمرانية، وما يتَّصل فيها من بناء المدن والمساجد ومؤسسات الدولة، وبخاصة ما يتعلَّق بتاريخ مكة والمدينة ومساجدهما – الحرم المكي والمسجد النبوي- وبعض التطورات والترميمات التي أُحدثت على هذه المساجد، وكذلك السيول التي تعرضت لها مدينة الرسول.

ويجد القارئ للكتاب اهتماماً واضحاً للبلاذري بعنصر الزمن فيما يخص تاريخ الغزوات والفتوح وبناء المدن، زيادة على جانب اهتمامه بالأوائل، والأنساب، والتراجم.

وتفيد المعلومات الواردة في الكتاب أن البلاذري، لديه اهتمام كبير في الجوانب الجغرافية، بحيث يمكن تصنيف المعلومات التي قدمها في هذا الجانب بأنَّها ذات طابع معجمي؛ مثل من أين جاءت تسميات بعض الأماكن والبلدان، وبعض المدن والقرى، والقصور، والمساجد، والأديرة، والدور، والحصون، والسكك، والآبار ومواقع المياه، والأنهار، والسيول، والحمامات، والجبانات، والرايات، والجزر، وغير ذلك.

ويستطيع الباحث أن يستخرج من الكتاب الكثير من المفردات اللغوية ودلالاتها، وأحياناً الكلمة ومعناها باللغة الفارسية.

أما الأدب، فلا تكاد صفحة من صفحات الكتاب تخلو من الشِّعر؛ شعر في المعارك والغزوات والفتوح،  وشعر في شؤون الحياة العامة، والردة، وفي الأحلاف التي كانت بين قريش وخزاعة، وهكذا.

وقد ضمن المؤلِّف كتابه الكثير من الآيات القرآنية مع تفسيرها وتوضيح أسباب نزولها، بالإضافة للعديد من الأحاديث النبوية، والقضايا الفقهية، التي تتعلَّق بحياة المسلم.

وقد برز للباحث أثناء قراءته في الكتاب اهتمام البلاذري بالأعداد، الأطوال والمسافات، والمساحات، والألقاب، والنوادر، وهذا ما يؤكِّد صحة ما ذكرنا من أن صاحبنا كان سباقاً إلى النظرة التكاملية في المعرفة، مما أضفى على كتابه موضوع دراستنا هذه صفة الموسوعية، هذا المنهج ظهر للباحث عند البلاذري، وعند ابن دريد الأزدي في كتابه "الاشتقاق"، من خلال حشد آيات عدد من آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، والأشعار حول الخبر الواحد لتأكيده وتوضيحه.

الخاتمة

إن الباحث في مؤلَّفات البلاذري يجد فيها أنَّه من العلماء الذين أسهموا في تأصيل الكتابة التاريخية عند المسلمين، وأن تعدد مصادر رواياته وتنوع شيوخه الذين تتلمذ عليهم شاهد على أنَّه تكبد مشاق السفر، وزار الكثير من البلدان؛ زار مدن الشام، زار دمشق وحمص وإنطاكية وحماة، وأخذ من العلماء فيها، واستمع إلى رواتها، وبهذا تولَّدت لديه معلومات محلية غزيرة عن الأمصار التي زارها.

ولأهمية كتاب "فتوح البلدان"، قام العديد من المستشرقين وأصحاب دور النشر، بنشر الكتاب وترجمته منذ عام 1866م، بحيث ترجم إلى العديد من اللغات، ترجم إلى اللاتينية والإنجليزية والفرنسية، وكان آخر نشر له سنة 1987م، من قبل عمر أنيس الطباع، طبع دار المعارف ببيروت.

أما عن النتائج التي توصل إليها البحث، فيمكن تحديدها بما يلي:

- إن البلاذري في كتابه "فتوح البلدان"، كان واضحاً ودقيقاً ومباشراً في الإشارة إلى جانب من منهجه ومصادره في الكتاب حين قال: "أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان، سقت حديثهم واختصرته ورددت.

- إن البلاذري في كتابه يميل إلى الاختصار للتخلُّص من تكرار الأسانيد، وأنَّه تأثَّر كثيراً بأسلوب المحدثين في رواياتهم، وأنَّه أعطى أهمية خاصة للروايات التي تعود للمنطقة التي وقعت فيها الحادثة واعتمدها في كتابه.

- استخدامه صيغاً لفظية معيّنة: وهي شواهد دالّة على دقَّته وضبطه للإسناد.

- إن نقده لمصادر رواياته يدل على علو ملكة النقد التاريخي عنده وتمتُّعه بخلفية عميقة للفهم التاريخي، مكَّنته من قبول بعض الروايات، ورفض بعضها؛ لاعتماده على أكثر من مورد للخبر الواحد.

- إن الناظر في هذا الكتاب – فتوح البلدان- يجد أنَّه من الكتب التي يمكن تصنيفها مجازياً من الكتب الموسوعية ذات الاهتمامات المتعددة؛ يأخذ منه المؤرخ والجغرافي، واللغوي والأديب، ويأخذ منه المفسر والمحدث والفقيه، وغير ذلك من أصناف العلوم على تنوعها. وهذا شاهد على أن صاحبنا كان من السباقين إلى النظرة التكاملية في المعرفة، مما أضفى على كتابه صفة الموسوعية.

هذا بعض ما توصل إليه الباحث من جوانب حول منهجية البلاذري في كتابه "فتوح البلدان"، وموضوعاته واهتماماته، والمجال لا يتَّسع لمزيد، فإن فكرة البحث تحتاج إلى رسالة علمية واسعة جديرة أن تخرج في كتاب مستقل.




الجمعة، 29 سبتمبر 2023

نسمات العناية والقبول في دعوات الحج وزيارة الرسول عبد القادر بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

نسمات العناية والقبول في دعوات الحج وزيارة الرسول

عبد القادر بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: يحتوي هذا الكتاب على صلوات وأدعية وأذكار وتوسلات تحت عنوان ثلاث زيارات للحبيب صلى الله عليه وسلم، وفيها يرفع الشيخ -رحمه الله -أيدي الضراعة لله عز وجل، متعرضاً لرحمة الله، في ساحةٍ تعمها البركة والهداية والنور، وأرضٍ ضمَّت جسد الرسول، ومسجدٍ الصلاة فيه تعدل ألف صلاةٍ، ويحكي الشيخ عن أولئك الداعين الذين يمموا هذه المواضع الشريفة، بسطوا أيديهم بالمسألة، فأعطاهم الله آمالهم، وانساب عليهم من المولى الكريم فيوض العطايا.

ويلي ذلك قصيدةً وضعها، تُقرأ عند المواجهة الشريفة، يتغزل فيها بتلك المواجهة، وبالقبة الخضراء، وبمقامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخبر عن ذلك المقام بأن ألسنة الشعراء تقصر عن وصفه، ثم السلام على أبي بكر، والسلام على عمر، والسلام على فاطمة الزهراء، وابنيها، وأمها خديجة.

يلي ذلك: دعاء الزيارة لسيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، ثم دعاء الزيارة للشيخ علي العريضي الحسيني، والدعاء للسادة باعلوي، والعيدروسية، وحبشي، والسقاف، بالإضافة إلى أدعية تُقال عند مسجد قباء، وأدعية للطواف، وقد جعل لكل طوافٍ دعاءً، ودعاء بعد ركعتي الطواف، وأدعية لعرفات.

وتميزت هذه الصلوات والأوراد أنها بعيدة عن الطلمسات، لكنها لم تخلُ من البدع، والاستغاثات المحرمة، التي لا ينبغي لمسلمٍ النطق بها، سيما ما جاء في زيارة علي العريضي! وكذلك طلب المدد من الأموات، فإنه مرفوض جملة وتفصيلاً.

* اللهم ارحم ضعيفاً دعاك، وسائلاً وقف ببابك ورجاك، وذا فاقةٍ ماله إلا أنت، ومضطراً نزل ببابك، وذا حاجة ما له سواك.

* اللهم إنا التجأنا إلى بابك، وتوكلنا على كرمك، فإن لنا آمالاً لا يصلح بثها إلا عندك، ولا عرضها إلا عليك، وأطماع لا تكون إلا إليك، فنسألك بك وبكرمك وبرحمتك الخاصة إلا ما نظرت إلينا، فألبستنا من جليل رحمتك، وأدخلتنا دائرة رعايتك، وأعطيتنا آمالنا. 

* اللهم انظر إلينا نظر رحمة، تصلح بها أمورنا الخاصة فينا وفي أولادنا وإخواننا وأهلينا وأقاربنا، وابسط بساط مائدتك الخاصة، حتى تشملنا بخيراتها، ونذوق ثمراتها؛ وبساط مائدتك العامة، فلا نخرج من دائرة الرحمة أبداً.

 * يا جابر المنكسرين، ونجيب دعوة المضطرين: انظر إلى ضعفي وإلى عجزي وإلى عدم مقدرتي، غرني حلمك فسامحني، وأطمعني كرمك فارحمني، وجمحت بي نفسي فارحمني، ها أنا ذا في باب الرحمة، ملتمساً الرحمة، مستشفعاً بها في رفع الكربة، وفي قضاء المهمة، حاشاك تردني وأنا مستشفع بصفة من صفاتك، واقف ببابك، متمسك بأعتابك.

* رباه إني سائل أن تغفر لي ذنبي، وأن تمحو زلتي، وأن تفرج كربتي، وأن تقبل توبتي، وأن تحقق أوبتي، وأن تُنبهني من غفلتي، وأن تكرمني بما أكرمت به صفوتك من هذه الأمة.

اللهم أنا البائس الفقير، أنا الضعيف المستجير، الوجل المشفق الخائف من ذنبه، أدعوك دعاء المسكين، وأسألك مسألة الخائف الضرير، دعاء من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته، ووقف ببابك يرجو أن لا يعود إلى ذنبه فاقبله، ويرجو أن ترحم ضعفه فاقبله، ويرجو أن توصله بنبيه، فارحمه واقبله، ويرجو أن تعطيه فوق آماله، التي أملها مما طلبها منك عبادك الصالحون، المستجمعون لشرائط الولاية وشرائط الهداية وشرائط الخير، ممن أفضت عليه من الولاية والرعاية.

* عاملنا بالرفق يا صاحب الرفق، وعاملنا باللطف يا صاحب اللطف، وعاملنا بالإحسان يا صاحب الإحسان، فإنه لولا إحسانك ولولا لطفك، لهلك الناس، ولضاع الخلق، فأسبل علينا سترك الجميل، أسبل علينا لطفك يا ذا اللطف الكثير، يا لطيف، يا لطيف، ارحم الضعيف، وأغث اللهيف.

* اللهم اجعلنا من أهل التقوى، واحفظ لنا التقوى، واحفظنا من الأسواء، وبلغنا درجات الحسنى، واكتب اللهم لنا القبول، ولأولادنا، وأهلنا، ولإخواننا، وبلغنا منك كل سول، وحقق لنا كل مأمول، يا خير مسؤول.

* يا شافي: اشف قلوبنا من الأمراض، وألسنتنا من العيّ، ونفوسنا من الحسد، ويا حفيظ احفظنا مما لا ترضاه، اللهم واجعل دعواتنا إليك دائماً مرفوعة، وكلماتنا عندك مسموعة، وقلوبنا إليك مجموعة.

* اللهم هب لنا علماً يصحبه نفع، وعملاً يصحبه قبول، واجعلنا من المحبوبين عند بحق قولك: {يحبهم ويُحبونه}، واجعل لنا وجاهة عندك، بحق قولك: {وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين}، واجعلنا ممن أعززته بحق قولك: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، 

* اللهم اجعل جوارحنا كلها ناطقة بذكرك وشكرك، وبحمدك، واجعل جميع ما خولته لنا من نعمك، وأبحته لنا يا رب من فضلك ومن عطائك، مصحوباً بالعافية، في خير.

* اللهم اقسم لنا ولأولادنا ولإخواننا وجيراننا وأصحابنا بالسعادة، واجعلها سعادة أبدية، لا شقاء بعدها، ولا نكث بعدها، ولا غفلة بعدها، ولا معصية بعدها، ولا ذلة بعدها.

اللهم يا عظيم الإحسان، اجمعنا بنبينا في المنام، واجمعنا به في البرزخ، واجعله ربيعنا وشفيعنا يوم الزحام، واجمعنا به عند الحوض وقبل الحوض يوم الورود عليك، حتى نشرب من ذلك الحوض بيده الشريفة شربةً هنئية، واجعله يقابلنا بوجهٍ باسم، واحفظنا يا ربنا من أهل المظالم، وكن لنا ولياً، وبنا حفياً.

أدعية من مختاراتي (محمد حنونة)

* اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمۡ عَلَىَ نبينَا مُحَمَّد، الَّذِيۡ حذرنا من الابتداع في الدين؛ فقال ﷺ: "من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌ".

* دعاء لأهلنا في غزة على طريقة سادتنا الشافعية:

اللهم اكفنا «كفاية الأخيار»، وبشرنا «بشرى الكريم»، وافتح علينا «فتح الوهاب»، وارزقنا حسن «التجريد»، وبلغنا «أسنى المطالب»، وأعلى المراتب، واجعل ضرباتنا لعدونا في غاية «الاصطلام»، و«المقدمة»، للـ«فتح العزيز»، ووجوه مجاهدينا «كالغرر البهية»، واحفظ لنا «المجموع»، واسلك بنا «المنهاج القويم» وعد علينا منك بخير أجمعين.

اللهم انعش قلوبنا بلطيف احسانك وعميم فضلك، وانشر علينا من اريج رحمتك ونسائم عفوك، واغننا بمناجاتك عن مخاطبة خلقك! إله الحق آمين.

* اللهُمَّ يَا وَلِيَّ الإِسۡلَامِ وَأهۡلهِ ثَبِّتنِا عَلَيهِ حتَّى نلقاكَ به !.

* توج اللهم عظيم إنعامك علي، بخاتمة حسنة..تبقي بها علي مزيد إكرامك لي، وتلحقني بها بالصالحين من عبادك، وتدخلني بها مع من  ينادون غدا قائلين: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ  إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥)}/فاطر/.








الخميس، 28 سبتمبر 2023

كلمات الأغاني في ميزان الشريعة محمد صالح المنجد بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

كلمات الأغاني في ميزان الشريعة

محمد صالح المنجد

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: لا شك أن ترديد كلمات الأغاني من جملة ما يُحاسب عليه المرء في آخرته، وهو من حصاد الألسنة التي يكب الناس بسببه على مناخرهم، وقد تناول هذا الكتاب حكم الغناء، وما يرافقه من آلات الموسيقى المحرمة، والأخطر من ذلك أن تشتمل كلمات الأغاني على معاني الفجور والفسوق والمعاصي، وِد من ذلك الأغاني التي يرافقها الفيديو كليب من النساء العاريات، والراقصات الفاجرات، اللاتي يظهرنَ المفاتن، ويكشفن العورات.

وأبشع وأشد من ذلك الغناء الذي تشتمل كلماته على الشرك، والاعتداء على الله وأنبيائه، واستحلال المحرمات، والدعوة إلى الكهانة، والاستعانة بغير الله، والاستهزاء بعذاب الله وناره، من خلال ما يردده المغنون.

وللأسف فقد انتشرت هذه المقاطع على الشبكة العنكبوتية، بأفجر ما ترى عين، وأسفه ما تسمع أذن، فذبحوا الشباب والبنات من الوريد إلى الوريد، حتى سالت دماء الفضيلة والدين، دونما بكاء ولا مصيبة، وليتنا نشعر بعظم المصيبة!

فالقضية أخطر مما نتصور، فهذه الكلمات ترددها الأجيال، ولا زالت الشياطين تضع مثل هذه الكلمات، وتلحن مثل هذه الأغاني، وتنشرها عبر المواقع، وفي الانترنت، وفي الحفلات الصاخبة والراقصة في الشوارع والنوادي وأماكن النُّزه، بل ويحفظها ملايين المسلمين، وهي لا شك مدمرة للعقول والنفوس، عافانا الله من ذلك.

ودونك هذا الكتاب، قد سجّل ذلك كله، وأصله خطبة ألقالها الشيخ صالح الفوزان في إحدى خطبه أيام الجمعة، فجعلت في كتاب، فاقرأها إن شئت.

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يا أيها الذين آمَنُوا اتَّقُوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتُم مُسلِمُونَ} (آل عمران ١٠٢)

{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ إنَّ الله كان عليكم رقيباً} (النساء ١).

{يا أيُّها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} (الأحزاب ٧٠ -٧١).

أما بعد: 

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكُلُّ ضلالةٍ في النار. 

حكم الغناء في الإسلام

لقد عرفنا في بعض الخطب الماضية حكم الغناء في الإسلام، وأنه حرامٌ حرام. وذكرنا الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة في تسميته سبحانه وتعالى للغناء بلهو الحديث، الذي أقسم أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه الغناء.

وأن الله لما قال: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} (الإسراء: ٦٤)، أن المفسرين قد ذكروا في صوت الشيطان أن منه الغناء. 

وكذلك سماه سَمُوداً، فقال: {أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون، وأنتم سامدون} (النجم: ٥٩ -٦١). فهو الغناء بلغة حمير، بلغة أهل اليمن.

وهو الصوت الأحمق الفاجر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه. وكذلك هو الصوت الملعون صوت المزمار الذي ذكره عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر. وكذلك فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد تأسفوا منه.

ولما مر ابن عمر بقوم يُغَتُون وهم في حج، قال: لا سمع الله لكم. وسد الصحابي أذنه لما مر بزمارة راعٍ احتياطا منه، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.

وكذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة ستستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وهو حديث صحيح بلا ريب. واستحلال الحر يعني الزنا، وكذلك الخمر.

والمعازف معروفة، وما هي إلا أدوات الموسيقى هذه المنتشرة التي تكون في كل مكان تقريباً.

عباد الله: لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بأن قوماً من أمته سيبيتون على لهو ولعب ومعارف، وأنَّ الله تعالى سيخسف بهم ويُسقط عليهم جبلاً يكونون تحته ويَمْسَحُ مِنْهُم قِرَدَةً وخَنَارِيرَ . وكل هذا الوعيد يدل على تحريم ذلك ..

النهي عن الكوبة والطبل

ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوبة وهي الطبل. 

ونهيه عن كسب الزمارة. 

وذكرنا كذلك كلام الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم في تحريم الغناء.

وأنه يشتد في تحريمه إذا كان بصوت امرأة. 

ويشتد إذا رافقه معازف وصوت الموسيقى.

وأن حضوره حرام .

والاستئجار للمغني والمغنية حرام.

إلى آخر الكلام الذي مضى ذكره عن أهل العلم رحمهم الله تعالى في ذلك. 

ووعدنا بالكلام على كلمات الأغاني في ميزان الشريعة .

خطر كلمات الأغاني

لقد كنت أظن بُرهَةٌ من الزَّمَن أَيُّهَا الإخوة أن كلمات الأغاني فيها خُطورة كبيرة، وفيها مخالفات شرعية كثيرة، ولكنا لما طلبنا من بعض الإخوان أن يأتوننا بما يعرفون من كلمات الأغاني التي سمعوها فيما مضى من دهرهم وعمرهم.

وبعد المراجعات (المقرفة) لبعض دواوين المغنين واستبيانا قمنا به مع بعض الشباب التائهين تبين أن الأمر أخطر بكثير مما نتصور، والتصور السابق شيء وما يطلع عليه الإنسان في البحث شيء آخر.

ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخبر لا كالمعاينة"؛ فإنك قد تسمع عن شيء لكن إذا رأيته بنفسك اختلفت النظرة عندك.

[لفظ الحديث في مسند أحمد (۲۱٥/۱): "ليس الخبر كالمعاينة"].

لقد وجدت في كلمات الأغاني بعد الفحص والمراجعة وما جلبه هؤلاء الأعوان، وجدت فيها أيها الأخوة - درجات الكفر بجميع أنواعه والشرك الأكبر والأصغر والخفي، وأنواع المعاصي من الكبائر والصغائر والمحادَّة لله عز وجل.

ولذا نعرض لكم بعضا عما اطلعت عليه ليكون في ذلك عبرة، ولتعلم جميعاً بأن قضية الأغاني ليست قضية طرب فقط مع أن الطرب بها محرم ولكنها قضية خطيرة ومدخل من مداخل ابليس لإدخال الشرك والكفر والانحلال إلى أوساط المسلمين.

إن المسألة أخطر مما تتصور يا عباد الله، إن هذه الكلمات التي ترددها الأجيال، ويرددها الصغار والكبار بهذه الأشرطة المنتشرة التي هي بالملايين بين الناس ذكوراً وإناثاً تُخرّب في النفوس تخريباً لا يعلم مداه إلا الله.

وإني أستسمحكم واستعذركم لذكر بعض هذه الكلمات على منبر خطبة الجمعة؛ لأن المسألة فيها أشياء عجيبة من الكفر والانحلال، ولعلك تتصور نفسك وأنت تستمع في جو الأغنية، ولكن انقل نفسك أيها المسلم -وخصوصاً يا من تستمع إلى الأغاني -إلى جو الكتاب والسنة لتقارن ما بين هذا وما بين ما هو موجود في كلام الرب ورسوله صلى الله عليه وسلم.

في الأغاني كفرٌ صراح ودرَّةٌ عن الدين

عباد الله: لقد وجدنا أن في كلمات الأغاني التي يغنيها المشاهير كفراً صراحاً وردة معلنة عن دين الله تعالى.

كان مما غنوه قصيدة الشاعر النصراني:

جنت لا أَعْلَمُ من أين .. ولكني أتيتُ

ولَقَدْ أبْصَرْتُ قُدَّامِي طَرِيقًا ..فَمَشَيْتُ

كَيْفَ أبْصَرتُ طَريقي .. لَسْتُ أدري.

لقد غنوا الأغنيات ذات الأشعار التي تبين أنهم لا يعرفون سبب وجودهم في هذه الدنيا.

ولا يعرفون أبعد هذا الموت بعث أو نُشُور.

أو أنه يكون هناك الإهمال والترك.

وتكون هذه النهاية بكلماتها الفصحى وغير الفصحى، عبروا عنها في أغنياتهم. 

والله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا ليعبدون} (الذاريات ٥٦).

{أفحسبتُم أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَيْنا وَأَنكُمْ إِلَيْنا لا تُرجعون} (المؤمنون: ١١٥).

{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسلِمِينَ} (الأنعام: ١٦٢، ١٦٣)

لقد وجدنا في كلمات الأغاني أن هؤلاء القوم يكتبون الكلمات ويغنونها ويلحنونها، وكاتب الكلمات "الشاعر"، والملحن لها، والمغني: ثلاثة في النار، شركاء في الإثم؛ لأنهم يُقَدِّمُون هذا السم ويعرضونه.

وتقول قائلتهم أم الثُّوم التي طرب لها الملايين، وأُعجبوا بها، واستمعوا لها الساعات الطوال: لَبِسْتُ ثَوْبَ العَيْشِ وَلَمَ استَشَرَ

ويقول الآخر التافه الهالك: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ خَاتِمَتي مَا كُنتُ بَدَات.

هل أنتم تحبون وتموتون كما تريدون ؟ وتأتون إلى الدنيا متى ما أردتم؟ عندما تشاءون؟ وتفعلون ما تشتهون ؟ أم الله هو يأتي بكم؟ وهو الذي يحييكم ثم يميتكم ثم إليه ترجعون ؟ 

{وربِّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء ويختار ما كان لهم الخيرة } (القصص: ٦٨)

وهؤلاء يقولون: لبسنا ثوب العيش ولم نُستشرِ.

ومن الذي سيشتريكم ؟

وهل لكم رأي ؟

ومن أنتم حتى يكون لكم عند ؟.

الأغاني عبادة للمحبوب

ثم وجدنا في كلمات الأغاني -أيها الإخوة الصراحة بعبادة المحبوب، وأنه لأجله يعيش في هذه الدنيا، ويُصرح بأنه مخلوق في الدنيا من أجله وأنه يعيش من أجله.

ويقول: عشت ليكي وعلشانك!

والله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا ليعبدون} (الذاريات: ٥٦).

تقول: أنا جئت إلى الدنيا من أجلك وأجل حبك!

هكذا جاءت إلى الدنيا، ولهذا خلقت!

ويُصرح بعضهم بصرف أنواع من العبادة إلى المحبوب أو المحبوبة وهو التوبة.

فيقول قائلهم: أتوب إلى ربي وإني بمرة يسامحني ربي أتوب إليك ورأيت أنك كنت لي ذنباً سألت الله ألا يَغْفَرَه فَغَفَرْتُه.

هذا الذي يقولونه من صرف التوبة إلى غير الله تعالى فهو يعيد المحبوبة ولأجلها يعيش وهذا غرضه من الدنيا ولها يتوب وإليها، ولا يسأل ألا تغفر فتغفر أو أن تغفر فلا تغفر.

والله هو الذي يغفر: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران : ١٣٥)

فإليه يتاب سبحانه، قال الله: {وإليه متاب} (الرعد: ٣٠)، وتقديم حرف الجر هنا (إليه) يفيد الحصر، يعني: التوبة لا إلى غيره، حصر التوبة فيه سبحانه، وإليه عز وجل ومنه المغفرة لا من غيره.

وهم يستخدمون ألفاظ التوحيد والدين في العلاقة بين المحبوب والمحبوبة، وهكذا يعبدون.

ومنهم من شيعه الملايين من المسلمين مشوا في جنازته.

ويعيرون: أحب حبيبي، وأعشق حبيبي، وأعبد حبيبي.

لاحظ معي: أعبد حبيبي

وتقول القائلة: وحبك علي أكبر فريضة.

أكبر فريضة هي الحب !

ويقول القائل:

الله أمر لعيونك أسهر، الله أمر. 

{قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف :٢٨).

الله أمر ليسهر لأجل عيونها أو عيونه وسامحونا في عدم ضبط الألفاظ والكلمات كما جاءت عنهم، وعدم التفريق بين الكسرة والفتحة في كلامهم لعدم القدرة على ضبطه، فإن بعضه قد وصلني بغير تشكيل.

إذا يعبرون بأن الله قد أمر بالحب لهؤلاء للمحبوبة (بالحرام يعني) وأنه يسهر لأجل عيونها، أن الله أمر بذلك. أليس هذا تكذيباً ومنافاة ومضادة صراحة لما أمر الله تعالى به.

{قُل إنَّ الله لا يأمرُ بالفحشاءِ أتقولون على الله ما لا تعلمون}ْ (الأعراف: ٢٨).

منزلة العبودية في الدين

ويقول الآخر في أغنيته : أنا عبدك أنا عبدك!

ومنزلة العبودية أرفع المقامات وأعلاها، ولأجل ذلك سمى الله محمداً صلى الله عليه وسلم في القرآن عبداً في أربعة مواضع، لم يُسمه ولم يُطلق عليه، ولم يصفه إلا بهذه الصفة: صفة العبودية.

لماذا ؟

لأن العبودية - أيها الإخوة - هي كمال المحبة مع كمال الخوف، وكمال الخضوع والذل لله رب العالمين، فيجتمع فيها محبة وخوف وخضوع ورجاء وكمال الخضوع والذل، هذه هي العبودية، ثم يقول قائلهم: 

حبك عبادة، وحبك عبادة، وأنا عبدك وأنا عبدك، وتحو من الألفاظ، والله سمى المخلصين من خلقه عباداً له شرفاً، أضافهم إليه. 

{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمَتَ عَلَى الْأَرْضِ هوناً} (الفرقان : ٦٣).

فالعبودية منزلة عظيمة، في أي شيء جعلها هؤلاء؟

الأغاني اعتداء على الله والأنبياء

لقد اعتدوا على ذات الله واعتدوا على شرع الله، واعتدوا على كتاب الله، واعتدوا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتدوا على أنبياء الله. 

فهذا أحدهم يقول في صبره على فراق المحبوب أو المحبوبة صيرت مثل صبر أيوب. 

والآخر يقول: أيوب ما صبر صبري !

أيوب النبي الكريم الذي مسَّه الضُّر، فنادى الله تعالى: {إنِّي مسّني الضُّرُّ وأنتَ أرحمُ الرَّاحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضُرٍّ وكذلك ننجي المؤمنين} (الأنبياء: ٨٣، ٨٣).

قال العلماء: أخفى ولم يُظهر الطلب، وأظهر النداء؛ فقال: إني مسني الضُّر وأنت وأرحم الراحمين، فكشف الله تعالى ما به من ضُر؛ ابتلاه اله سنوات طويلة، فصبر ذلك النبيّ الكريم على بلوه، وشكا أمر إلى الله، فاستجاب له مولاه، وكشف عنه الذي أصابه، وما حلَّ به، وهذا يقول: أيوب ما صبر صبري!

اعتداء فاحش على رسل الله تعالى، وعلى أنبيائه، بل قد حصل الاعتداء على كتاب الله، لقد لحنوا آيات من القرآن، لقد لحنوا وسورة {إذا زلزلت} وعبثوا فيها ولعبوا، وهكذا قصار السور، حصل التلحين والغناء لها نصاً أو مقاطع، وبعضهم بعلم ذلك فما بقيت حرمة في الدين وللدين، إلا واعتدى عليها هؤلاء المغنون.

وبعض الأغاني الشعبية فيها سبُّ لله ولرسوله صلى اله عليه وسلم، وفيها وصفٌ لله -تعالى عن أقوالهم -بألفاظ شنيعة، وأنه سبحانه يشاركهم الغناء والطرب، وأنه يعمل معهم، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فماذا بقي أيها الإخوة؟ ماذا بقي؟!

في الأغاني اتهام لله وسب للقدر

أما القضاء والقدر وعقيدة القضاء والقدر، ولوم الرب، كقول بعضهم: ليه القسوة ليه ؟ ليه الظلم ليه ؟ ليه يا رب..

فريد الأطرش: ليه الظلم ليه ، ليه يا رب ليه

هكذا يتهم الله صراحة بالظلم والقسوة والله يقول: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف: ٤٩). {لا يُسأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} (الانبياء : ٢٣).

لا نقول ليه ؟ ولا لماذا؟ لا يُسأل عما يفعل.

أليس هذا كفراً - أيها الإخوة - أليست هذه الأغنية التي استمع لها الملايين فيما مضى ولا زالت تُستَجَرَ وتُمَع فيما بقي من التراث السابق بين الحين والحين: اتهام الله بالقسوة والظلم ! اتهام الله بالقسوة والظلم !

وهكذا يفعلون، وهو الآن تحت الأرض الله يعلم ماذا يفعل به.

ذهب القوم وماتوا وبقيت أغنياتهم حسرة عليهم بها يُعذبون وبها يؤخذون، وعليها يؤاخذون ويحاسبون، والله أعلم كيف سيكون مصيرهم يوم الدين {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللَّهُ بِقَلْب سليم} (الشعراء: ٨٨، ٨٩).

في الأغاني الاستعداد لدخول جهنم

ثم إن منهم من يصرح بأنه مستعد للذهاب إلى جهنم مع محبوبته: يا تعيش وياي في الجنة، يا تعيش وياي في النار.

بطلت أصوم وأصلي، بدي أعبد سماك لجهنم، ماني رايح إلا أنا وياك.

آمین آمین آمین یا رب العالمين، وهذا هو الظاهر والله أعلم بالمصائر . 

* يُصرحون بأنّهم يختارون بين الجنة والنار:

يا تختار الجنة يا تختار النار

علشانك أنت انكوي بالنار، وألقح جنتي وأدخل جهنم وانشوى، وأصرخ وأقول يا لهوتي هذا نص كلامهم، هذا نص غنائهم، ما يغنون، وهذا ما يقولون : تمني دخول النار، أن يذهب مع المحبوب ولو إلى النار أن يكون معها ولو في جهنم،

ماذا يوجد في جهنم ؟

{وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (البقرة: ٢٤).

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ، لَوَاحَةٌ لِلْبَشَرِ} (المدثر: ٢٧- ٢٩).

تشوى جلودهم في النار. 

{يوم تَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَاتِ وَتَقُولُ هَلْ من مزيد} (ق: ٣٠)

{تطلع على الأفئدة} (الهمزة: ٧) 

تكشف القلوب من حرها وتصطلي القلوب ناراً بشدة عذابها. 

{إذا رأتهم من مكان بعيد سمعُوا لَهَا تغيظاً وزفيرا} (الفرقان: ١٢).

لهم نصيب من العذاب. {كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنهَا أُعِيدُوا فِيهَا} (السجدة : ٢٠).

{يُريدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بخارجين منها} (المائدة: ٣٧).

{لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عنهم مَنْ عَذَابِهَا} (فاطر: ٣٦).

{إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسحَبُونَ، في الحميم ثُم في النار يُسجرُونَ} (غافر: ٧١، ٧٢).

{يوم تقلبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا ليتنا أطعنا الله وأطَعْنَا الرَّسُولاً} (الاحزاب: ٦٦)

{فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} (التوبة: ٣٥)

{وسقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطعَ أَمْعَاءَهُمْ} (التوبة : ١٥).

{يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ السَّرابُ وساءَت مُرتَفَقاً} (الكهف: ٢٩)

{قطعت لهُمْ ثِيَابَ مِن نَارِ يُصَبُ مِن فَوْقِ رءوسهم الحميم، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مُقَامِعُ مِنْ حَدِيد} (الحج ١٩- ٢١)

{كُلما نضجت جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} (النساء: ٥٦)

{تلفح وجوههم النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} (لمؤمنون: ١٠٤).

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر} (القمر: ٤٨).

هذا الذي أردتموه واخترته مع محبوبتك ولو إلى جهنم ! {ذُوقُوا مَى سَفَر}.

ويصرحون، يصرح قائلهم بأنه قبلها في الصباح فقالت: تفطر يا هذا والناس صيام، قلت لها: أنت الهلال والصوم بعد الهلال حرام.

الصوم بعد رؤية الهلال حرام.

ويصرحون بأنه إن لم تحل له محبوبته على دين محمد أخذها على دين المسيح ابن مريم.

وهل كان دين المسيح عسى بن مريم يُحلُّ الزنا!

ويقول قائلهم: صوتك ذكرياتي وعزي وصلاتي

في الغناء استحلال للمحرمات

ويقول قائلهم: فكانت حلالاً لي ولو كنت أو كنت محرمي. 

لو كانت من المحارم لاستحلها وهي عزته وصلاته، هلاله، وهي التي يفطر عليها.

هكذا صارت المحبوبة. 

يا جماعة هذه الأشعار التي تقال فتُغَنَّى هي السم الناقع، وهي البلاء القاطع لهذه الأعناق يوم الدين. يا قوم إنما فتنتم به، بهذا الغناء، وهؤلاء المغنين يا قوم إنما فتنتم بهم.

الغناء وسوء الخاتمة

* ويصرح بعضهم بأنه سيطري ذكرها في سكرات الموت، ويقول: قلت أهواك وأفضل هواك، أو أهواك بين سكرات الموت. إذن سيطري ذكرها في سكرات الموت.

وأنا أقول: إن هذا كلام صحيح الذي يُفتن بالشيء ويُغرم به ويحبه إلى الغاية ويفتن به يذكره عند سكرات الموت .

فتن سكرات الموت

ولذلك أخبر العلماء قصص الواقع أن بعض المرابين ممن فتن بالربا وعمل به، كان يقول عند موته: عشرة بأحد عشر عشرة بأحد عشر. 

وأن بعض التجار الذين ألهتهم تجارتهم عن الصلاة وعن ذكر الله، كان يقول عند موته: هذه سلعة رخيصة، هذا مشتراها رخيص هذه كذا وكذا.

وأن بعض من فتن بالنساء، كان يقول عند موته: 

رب قائلة يومًا وقد تعبت .. أين الطريق إلى حمام منجاب

فهو عشق جارية أنت إلى الحمام العمومي ولا زالت في مخيلته حتى مات كمداً وعشقا، وهو لا يزال يلهج بذكر محبوبته.

وبعض الذين ماتوا في حوادث السيارات، كانوا في الرمق الأخير يرددون مقاطع من الأغاني -وهم في الرمق الأخير والنزع الأخير، قد اختلطت بحديد السيارات ملقون اشلاؤهم في الطرقات بعد الحوادث، يتلفظون ببعض المقاطع من الأغاني. 

وهكذا كان كل من شغف بذكر شيء ذكره في أحلك اللحظات، وأحلك اللحظات في حياة المرء هي سكرات الموت. ((لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، اللهم هون علينا سكرات الموت)).

 روى البخاري (٦٥١٠): (لا إله إلا الله إن للموت سكرات)، وفي رواية لابن ماجه (١٦٢٣): اللهم أعني على سكرات الموت. 

فكلامه عندما يقول ذلك كلام صحيح يقر به أن يطري ذكراها في سكرات الموت، وكيف تكون نهايته؟ وكيف يقابل ربه؟ 

ثم تمييع المعاني الفاضلة في الشريعة والرتب العالية ما هي؟

طاعة الله والرسول

{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنعم الله عليهم من النَّبيِّين والصديقين والشهداء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ} (النساء: ٦٩- ٧٠).

هذه المراتب العالية، ومنها مرتبة الشهادة الشهداء أحياء عند ربهم أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في أنهار الجنة، يعجب ربك إليهم ويضحك.

ومن ضحك الله إليه فلا حساب عليه.

الشهيد الذي يقتل بين الصفين مقبلاً غير مدبر في سبيل الله. هذا هو الشهيد.

الغناء والشهادة

ثم يقول عبد الحليم شبانة: يا ولدي قد مات شهيداً من مات فداءً للمحبوب.

هكذا جعلوا الشهادة المقام العظيم عند الله من مات فداءً للمحبوب ومن المحبوب؟

هل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

لا، لا يقصدون ذلك، لأنه استهل تلك القصيدة بذكر أوصاف المحبوبة التي شعرها كذا وكذا، وعيناها كذا وكذا، ثم ينادي بالشهادة لأجل المحبوبة.

عبد الحليم شبانة الذي غير اسمه، وملعون من انتسب إلى غير أبيه، ومعلون من انتسب إلى غير قومه.

[روي البخاري ومسلم مرفوعاً: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام"].

الغناء وتغيير الأسماء

وهذا من المنكرات العظيمة في الأوساط الفنية العفنة، تغيير الأسماء إلى الأسماء الفنية؛ ليشتهروا بها، وينادوا بها ويكتب عنهم بها، انتساب إلى غير الأب، وإلى غير القوم الذين هو منهم.

إلا واحداً سمعت عنه ووجدت أن تغييره لاسمه كان في محله اسمه محمد، من المغنين الذين فتن بهم الجيل الحاضر الجديد النساء من والرجال، غير اسمه إلى أيش؟ غير اسمه إلى (عاصي) كان اسمه (محمداً) فسمى نفسه (عاصي)؛ لأنه معجب بملحن اسمه عاصي فغير اسمه من محمد إلى عاصي وهو الآن يسمى (عاصي).

هذا الذي وجدت تغييره لاسمه كان في محله، ورب رمية من غير رام، هو قصد إعجابا فجاءت مطابقة للواقع، ولما يقوم به ويعمل. عاصي اسمه عاصي، محمد قد لا يليق بالغناء وأما عاصي فهو الاسم على ذلك المسمى الذي يعصي الله تعالى.

نسأل الله عز وجل أن يتوب على من يسمع الغناء، وأن ينقذ هذه الأمة من  هذه الفتنة العظيمة والبلوى التي استطار شررها.

نسأل الله السلامة والعافية وأن يطهر بيوتنا من المنكرات وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

* * *

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطاهرين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى  يوم الدين.

 صلى الله عليه صلاة دائمة بما علمنا وأدبنا ودلنا على الخير صلى الله عليه وسلم.

الأغاني ردة وفسق ورذيلة

عباد الله ..هل أنتم تشكون في تحريم الغناء إذاً ؟

هل أنتم تشكون أن ما يقال في هذه الأغاني هو عين الردة عن الدين أحياناً؟

ومن الفسق والفجور أحيانا؟ 

ومن نشر الرذيلة بين المسلمين ؟ 

والدعوة إلى الانحلال والفسق والفجور ؟

الغناء والكهانة

ثم إننا لم ننته بعد من ذكر بعض ما وصلنا من بعض ما يقال في الأغاني من الأمور المتعلقة بالعقيدة؛ لأننا لم تذكر شيئًا بعد عن الأمور المتعلقة بالانحلال والفسق.

جلست والخوف بعينيها تتأمل، فنجاني المقلوب قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب.

اشتمل هذان البيتان على جلوس هذا الفاجر مع امرأة، وأن هذه المرأة تدعي علم الغيب، فهي كاهنة وعراقة ومشعوذة، وعلى طريقة من طرق الذين يدعون علم الغيب في شعوذتهم وهي قراءة فنجان مقلوب بعد قلبه. 

واشتمل على الكذب على الله تعالى بأنه كتب الحب على هذا الرجل أولاً: ادعاء علم الغيب كفر: {وقُل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} (النمل: ٦٣).

وقراءة الفنجان وقراءة الكف وضرب الودع والتخطيط في الرمل وقراءة الكرة الكريستال، وغير ذلك من الوسائل القديمة والحديثة شرك وحرام.

وادعاء علم الغيب كفر بالله واعتداء على خصوصية من خصوصياته سبحانه وهي علم الغيب الذي لا يُطلع عليه أحدا إلا من شاء سبحانه من وحي إلى رسول بأمور مستقبلة ينبئ بها قومه ليحذروا ونحو ذلك من الأمور. روی مسلم: (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل لــه صــلاة أربعين يومًا)، وفي صحيح الجامع (٥۹۳۹ - ٥٩٤٠): (من أتى عرافاً أو كاهناً؛ فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد).

الغناء والاستعانة بغير الله

ثم إنك تجد في أغانيهم: مدد يا نبي يا نبي مدد

والاستعانة بغير الله ونداء الأموات، والحلف بغير الله.

والحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: 

وحياة الغالي عندك وحياة عينيك أو حياة عينيك..

الغناء والحلف بغير الله

القسم بغير الله عز وجل أحلف والحب يمين، كما يقول قائلهم.

والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) (السلسلة الصحيحة ٢٩٤٢). إن في بعض مقاطع الأغاني حلف بالأضرحة والمشاهد والقبور: مقدرش على كده ومقام السيدة. والواو واو القسم، والقسم بمقام السيدة.

الغناء وسب الدهر

وكذلك فإن سب الدهر في الأغاني شائع ومنتشر. شتم الساعة والزمان والعمر والشهر والدهر والزمان كل ذلك وارد و منتشر. کتاب حزين كله مآسي جابنا في زمان غدار قاسي.

مقلب الأيام والليالي سبحانه تعالى وإذا سب أحدٌ الدهر، فقد سب شيئًا ليس بأهل للسب ولا ذنب له، لأن الدهر هو ظرف لوقوع الحوادث فلا ذنب له ولا عمل له فيها، ولكن الله هو الذي يشاء ويفعل ما يشاء، ويقدر ما يشاء، ويُجري الحوادث في الزمان بمشيئته سبحانه.

فمن سب الدهر فقد رجع سبّه على الله. 

وهم يقولون: زمان غدار وقاسي، ثم يعتدون على ماهو مكتوب في اللوح المحفوظ.

سطر غلط مكتوب لما الزمان كان ناسي الفرح زمن غلط مكتوب غلط، الذي كتبه الله في اللوح المحفوظ، كان سطر غلط.

افهم يا مسلم يا عبد الله. افهم ماذا يتسلل إلى بيتك إلى عقول نسائك وأولادك ؟ ماذا يقال وتلهج به الملايين الملايين ؟

من أعاجيب الأغاني

ثم إن هنا: فنا يمكن أن نسميه فن التفاهة، تصاغ به الأشعار وعليه وكلمات سخيفة جداً جدا جدا، لكن يترنم بها ملايين المسلمين، وتنتشر اسطواناتها بالملايين. تأمل ذلك الشعر الرائع الفخم الجزيل.

تأمل ذلك الشعر الرائع الفخم الجزيل الموزون على قوافي أشعار العرب المحكم في نظمه وبيانه وجميل ترتيبه وجمال كلماته، المشتمل على المعاني العظيمة:

السح ادح امبو .. إلى آخره .

هذا الكلام العظيم المشتمل على المعاني الرائعة التي يتغنى بها الملايين، وأغاني عدوية انتشرت بالملايين التي تسمى الأغاني الشعبية يلهجون بها بدلاً من أن يقول الواحد منهم: 

سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله

ومن قال: لا إله إلا الله غرست له نخلة في الجنة.

وغراس الجنة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله.

لكنهم يقولون هذا الكلام ويلهجون به.

أقسام كلمات الأغاني

وأنت ترى أيها الأخ المسلم لو قسمنا كلمات الأغاني:

منها ما مناف للدين وردة عن الدين كفر بالله تعالى.

وغنت أم الثوم في الشعر الإلهي: القلب يعشق كل جميل.

هذا اسمه عند الصوفية المنحرفين العشق الإلهي، فتجد بالقصيدة بعض الإشارات عن قضية العشق الإلهي عند الصوفية المنحرفين، تجد الردة الكفر والشرك الأكبر والشرك الأصغر وتجد تمييع الألفاظ الإسلامية والمعاني الجليلة في الدين وإدخالها في الأغاني والحب والغرام

أغاني الانحلال

والقسم الثاني: قسم الانحلال الأغاني التي فيها وصف الحبيب والمحبوبة، انحلال.

وهذا شيء لا يمكن أن نأتي بأمثلته في خطبة الجمعة لكن هذا هو أكثر ما يعرف من الأغاني هو أغاني الانحلال والفسق والفجور. 

الدعوة إلى الفاحشة. 

الدعوة إلى الموعد الابتسامة اللقاء والحب والغرام.

الدعوة إلى الفجور والمعصية.

هذا هو الآن أكثر ما هو موجود في الأغاني مرافقاً بالفيديو كليب كما أشرنا إليه الذي ذُبح به الشباب ذبحاً من الوريد إلى الوريد.

لكن ما ذبحوه ذبحاً تسيل به الدماء ولكن ذبحوه ذبحاً تسيل به الفضيلة والدين منه، وتخرج وتزهق أرواحهم بما يعرض في تلك الأغاني.

أغاني تافهة

والقسم الثالث من الأغاني: أغاني التفاهة.

ثم يوجد أغاني دينية وموشحات أندلسية بعضها يوجد فيه الشرك كما قلنا كما يوجد في بعض المناسبات الدينية كالموالد والرجبية وغيرها. وبعضه لا يوجد فيه شيء من هذا، بل قد يكون الشعر الأصلي جميل المعنى جليل المحتوى.

لكن ما حكم تلحين لفظ الجلالة أن تلحن كلمة الله ؟

وتغنى على الموسيقى ما حكمه ؟

الأغاني وتلحين لفظ الجلالة

وكثير من الأغاني ممتلئة بلفظ الجلالة الملحنة التي تؤدى من امرأة أو فاجر على أنغام الموسيقى. فماذا نسمي هذا أيها الإخوة ؟ حتى لو كانت المعاني جميلة، استخدموها في الموسيقى من غناء امرأة أو رجل فاجر؛ فإذا يتبين بالجملة أن قضية الغناء هذه دخل بها إبليس عن طريق أبالسة الإنس وشياطينهم يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً. 

يلحنون بها لأجيال المسلمين ليشتغلوا بها عن ذكر الله وتعمر به المجالس ويُقال وتلهج به الألسن. أولادكم وبناتكم ذكرانكم وإناثكم، بيوتكم، السيارات ، الأشرطة في كل مكان.

إن هذا لهو البلاء المبين.

فماذا نقول بعد هذا ؟

هل من توبة؟

هل من أوبة ؟

هل من رجعة ؟

هل من ترك لهذه المحرمات ؟

اعتدوا على أعزّ شيء عندك.

اعتدوا على قضائه وقدره 

اعتدوا على الله تعالى.

اعتدوا على رسله.

اعتدوا على اللوح المحفوظ

شتموا الدين والرب.

ما أبقوا عزيزا في الدين ولا غـال إلا أوسخوه بهذه الكلمات، ولطخوه لكي يحولوا بين الناس وبين دين رب العالمين.

فأين المنتبهون؟

وأين الواعظون لهذه الأخطار ؟

جد خطيرة يا عباد الله، نسأل الله تعالى السلامة.