مثالب ابن أبي بشر (أبي الحسن الأشعري)
للإمام المقرئ أبي علي الحسن بن علي الأهوازي
المتوفى سنة (٤٤٦ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لا شك أن المناصحة الحقّة تزيل الغلَّ من القلوب، وهي قوة للخير الذي تنطوي عليه كل طائفة من طوائف المسلمين، وهي دفعٌ للبلاء والنقمة عن جميع الأمة، وهي أيضاً إعذارٌ عند الله بحسن البيان؛ لمن أراد إصابة الحق، وآثر الخالق على الخلق، فالأحكام على الذوات ثابتة بظاهر القول والفعل، لكن الحقائق لا تنقلب أباطيل، والصواب لا يصير خطئاً، فلزم من ذلك الحكم على كُلٍّ بحكمه؛ فعلى كل مؤلّفٍ أن ينتبه لكلامه فيرصفه ويذبه، فإن كثرة الزلات تورث المضرات، بل والعداوات.
وهذا الكتاب (مثالب ابن أبي بشر) ينقل لنا صورة من صور الصراع بين الأشاعرة ومخالفيهم في الفترة التي امتدت بين القرنين الرابع والخامس من وجهة نظر أحد كبار المخالفين للأشاعرة.، وهو الإمام أبو علي الأهوازي المقرئ، وقد تعرض هذا الكتاب للنقد الشديد من الإمام ابن عساكر الذي رد عليه في كتابه المشهور: (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري)، وهذا ليس بغريب؛ فابن عساكر أشعري مشهور، فلا جرم أن يتعصب لإمامه ويدافع عنه، سواء أكان ذلك بحق أم بباطل.
أما الكتاب الذي بين أيدينا فهو كتاب نفيس، لا يخلو من الفائدة، لكنه مملوء بالآثار الواهية، والألفاظ القاسية، والعبارات الجارحة، فعلى الباحث الحق أن يأخذ منه ما صفا ويترك ما كدر، وأكثر ما فيه هو ذم الكلام وأهله، ولكن لينتبه القارئ إلى عدم الخوض بالثلب لأعراض العلماء أو ذواتهم من أيّ فريق كان، وإنما يتأمل في أقوالهم فيصوبها أو يردها بحسب ما ظهر له من الحق.
ويقول الإمام الذهبي (سير أعلام النبلاء) (١٥/ ٨٩) عن هذا الكتاب: وقد ألف الأهوازي جزءاً في مثالب ابن أبي بشر، فيه أكاذيب، وهذه الأكاذيب هي من افتراء المعتزلة وغيرهم من أعدائه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وكان أبو الحسن الأشعري لما رجع عن الاعتزال سلك طريقة أبي محمد بن كلاب، فصار طائفة ينتسبون إلى السنة والحديث من السالمية وغيرهم كأبي علي الأهوازي يذكرون في مثالب أبي الحسن أشياء هي من افتراء المعتزلة وغيرهم عليه؛ لأن الأشعري بين من تناقض أقوال المعتزلة وفسادها ما لم يبينه ،غيره، حتى جعلهم في قمع السمسمة.
ترجمة الأهوازي
اسمه ونسبه:
هو أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد بن هرمز الأهوازي. منسوب إلى الأهواز، وهو إقليم بين البصرة وفارس. وكان يُعرف بإمـام الحرمين.
مولده ونشأته:
ولد بالأهواز في أول سنة (٣٦٢هـ)، ثم قدم دمشق في سنة (٣٩١هـ) وسكنها.
حياته العلمية:
عني بالقراءات، ورحل فيها، ولقي الكبار، فقرأ على أبي الحسن علي بن حسين بن عثمان الغضائري، وأبي الفرج الشَّنبوذي، وأبي حفص الكتّاني، وأحمد بن محمد بن عبيد الله التُسْتَري، وأبي بكر محمد بن عبيد الله بن القاسم الخرقي، وقرأ على جماعة كثيرة يطول ذكرهم بالشام، والعراق، والأهواز.
ورحل إليه القُرّاء لعلوّ سنده ،وإتقانه، فقرأ عليه أبو علي غُلام الهراس، وأبو القاسم الهذلي، وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي، وأبو نصر أحمد بن علي بن محمد الزينبي البغدادي، وأبو الوحش سبيع بن المسلم، وأبو بكر محمد بن المفرج البطليوسي، وأبو بكر عتيق بن محمد الردائي، وأبو القاسم عبد الوهاب بن محمد القرطبي.
وقد روى الحديث عن نصر بن أحمد بن الخليل المرجي، وعبد الجبار بن محمد الطلحي، وأبي حفص الكتّاني، وهبة الله بن موسى الموصلي، والمعافى بن زكريا النهرواني، وعبد الوهاب بن الحسن الكلابي، وتمـام بـن محمد الرازي، وأبي مسلم محمد بن أحمد الكاتب، وخَلْق يطول ذكرهم.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو سعد السمان، وعبد الرحيم البخاري، وعبد العزيز الكتاني، والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي، وأبو القاسم النسيب.
مذهبه العقدي:
قال أبو القاسم بن عساكر كان مذهبه مذهب السالمية، يقول بالظاهر ويتمسك بالأحاديث الضعيفة التي تقوّي له رأيه».
وقال الذهبي: «سألتُ شيخنا ابن تيمية عن مذهب السالمية فقال: هم قوم من أهل السنة في الجملة من أصحاب أبي الحسن بن سالم، أحد مشايخ البصرة وعُبَّادها، وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن سالم من أصحاب سهل بن عبد الله التُسْتَري، خالفوا في مسائل، فبدعوا».
وقال شيخ الإسلام أيضًا في شرح حديث النزول»: «السالمية أتباع الشيخ أبي الحسن بن سالم صاحب سهل بن عبد الله التستري، لهـــم مــن المعرفة والعبادة والزهد واتباع السنة والجماعة في عامة المسائل المشهورة لأهل السنة ما هم معروفون به، وهم منتسبون إلى إمامين عظيمين في السنة؛ الإمام أحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري، ومنهـم مــن تفقه على مذهب مالك بن أنس، وفيهم من هو على مذهب الشافعي. فالذين ينتسبون إليهم، أو يعظمونهم، ويقصدون متابعتهم، أئمة هدى - رضوان الله عليهم أجمعين وهم في ذلك كأمثالهم من أهل السنة والجماعة، وقل طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط؛ لكثرة مــا وقع من شبه أهل البدع …
وقال أيضاً: «وأما السالمية فهم والحنبلية كالشيء الواحد، إلا في مواضع مخصوصة تجري مجرى اختلاف الحنابلة فيما بينهم، وفيهم تصوف، ومن بَدَّع بدع من أصحابنا هؤلاء يُبدع أيضًا التسمّي في الأصول بالحنبلية وغير ذلك، ولا يرى أن يتسمى أحد في الأصول إلا بالكتاب والسنة، وهذه طريقة جيدة، لكن هذا مما يسوغ فيه الاجتهاد... » .
مصنفاته:
له مصنفات كثيرة منها:
١- الموجز في القراءات.
٢-الإيجاز في القراءات.
٣ - البيان في شرح عقود أهل الإيمان.
٤ - مثالب ابن أبي بشر.
٥ - الوجيز في شرح قراءات القَرَأة الثمانية أئمة الأمصار الخمسة.
مكانته عند العلماء:
اختلف أهل العلم في الأهوازي ما بين ذام ومادح، وسأذكر طرفــا مــن ذلك، بادا بمن ذمه، ثم بمن مدحه، ثم بخلاصة القول فيه:
أولاً: الأقوال في ذمه:
قال علي بن الخضر العثماني: «أبو علي الأهوازي تكلموا فيه، وظهـر لـه تصانیف زعموا أنه كذب فيها».
وقال أبو طاهر محمد بن الحسن البلخي: كنت عند رشاً بن نظيف في داره على باب الجامع وله طاقة إلى الطريق، فاطلع منها وقال: قد عبر رجل كذاب. فاطلعت فوجدته الأهوازي».
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: «أبو علي الأهوازي كذاب في الحديث والقراءات جميعًا».
وعلق على ذلك الذهبي بقوله: «قلت: يريد تركيب الإسناد، وادعـــاء اللقاء، أما وضع حروف أو متون فحاشا وكلا، ما أُجوز ذلك عليه، وهـــو بحر في القراءات، تلقَّى المقرئون تواليفه ونقله للفن بالقبول، ولم ينتقدوا عليه انتقاد أصحاب الحديث، كما أحسنوا الظن بالنقاش وبالسامري، وطائفة راجوا عليهم. وقال الكتاني: اجتمعت بالحافظ هبة الله بن الحسن الطبري ببغداد، فسألني عمن بدمشق من أهل العلم فذكرتُ له جماعة منهم أبو علي الأهوازي؛ فقال : لو سَلم من الروايات في القراءات». وعلق على ذلك الذهبي بقوله: «قلت: أما القراءات فتلقوا ما رواه مـــن القراءة وصدقوه في اللقاء، وكان مُقرئ أهل الشام بلا مدافعة؛ معرفة وضبطا وعلو إسناد».
وقال الذهبي أيضًا: «كان من غُلاة السنة، صنف كتابا في الصفات، وروى فيه الموضوعات ولم يضعفها، فما كأنه عرف بوضعها، فتكلم فيه الأشاعرة لذلك، ولأنه كان ينال من أبي الحسن الأشعري».
ثانياً: الأقوال في مدحه
قال أبو عمرو الداني: «أخذ أبو علي القراءة عرضاً وسماعاً عن جماعة من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ، وكان واسع الرواية كثير الطرق حافظــا ضابطًا، أقرأ الناس بدمشق دهرا».
وقال الشريف النسيب علي بن إبراهيم العلوي: «أبـو عـلي الأهوازي ثقة».
وقال الذهبي: «هو الشيخ الإمام العلامة، مقرئ الآفاق، كان رأسًا في القراءات معمَّرًا، بعيد الصيت صاحب حدیث ورحلة وإكثار، وليس بالمتقن له، ولا المجود، بل هو حاطب ليل، ومع إمامته في القراءات فقد تكلم فيه وفي دعاويه تلك الأسانيد العالية».
وقال ابن الجزري: «الأستاذ أبو علي الأهوازي صاحب المؤلفات، شيخ القراء في عصره، وأعلى من بقي في الدنيا إسنادا، إمام كبير محدّث،... وأكثر من الشيوخ والروايات فتكلّم فيه من قبل ذلك، وانتصب للكــلام في الإمام أبي الحسن الأشعري، فبالغ الأشعرية في الحط عليه، مع أنه إمام جليل القدر أستاذ في الفن، ولكنه لا يخلو من أغاليط وسهو، وكثرة الشّره أوقع الناس في الكلام فيه. ولكنه ذكر الحافظ أبو طاهر السلفي في معجمه قال: سمعت أبا البركات الخضر بن الحسن الحازمي صاحبنا بدمشق يقول: سمعت الشريف النسيب علي بن إبراهيم العلوي يقول: أبو علي الأهوازي ثقة. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ولقد تلقَّى الناس رواياته بالقبول، وكان يقرئ بدمشق من بعد سنة أربعمائة، وذلك في حياة بعض شيوخه». ثالثًا: خلاصة القول فيه:
يتبين من هذه الأقوال أن الأهوازي إمام كبير في القراءة والحديث معاً، لكنه صاحب أخطاء وأوهام وغرائب، وروايـــة لبعض المناكير والموضوعات، وقلما يسلم من ذلك أحد، حتى من اتسم بالحفظ والأمانـــة من الأئمة، كأبي نعيم الأصبهاني والخطيب البغدادي وابن عساكر.
وقد عظَّم الأشاعرة أخطاءه وأوهامه، وبالغوا في التنقص منـه لـذكـره مثالب الأشعري، كما ذكر الذهبي وابن الجزري رحمهما الله.
وفاته:
توفي في رابع ذي الحجة سنة (٤٤٦ هـ ) رحمه الله وغفر له؛ إنه هو الغفور الرحيم.
وصف الكتاب
اسم الكتاب هو مثالب ابن أبي بشر» والمثالب هي المعايب، وابن أبي بشر هو أبو الحسن الأشعري، فهو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم الأشعري.
فهذا الكتاب كما يتضح من عنوانه سجل فيه مؤلفه معايب أبي الحسن الأشعري، لكنه تطرّق فيه إلى أمور أخرى سيأتي بيانها.
وهو في الأصل جواب سؤال ورد إلى المؤلّف من بعض الناس يسأله عن حال الأشعري؛ حيث قال في مقدمته: «وأنا - إن شاء الله- أورد جميع ما سمعته فيه يعني: الأشعري في هذه الأوراق احتساباً، ورجاء ثواب الله ، وقضاء لحقك فيما سألتني عنه». بدأه بالتحذير من أهل البدع عامة، ثم تناول الأشعري بأن انتسابه إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري ليس بنافعه شيئًا، وأنه ادعى أنه من أهل السنة، ولبس على الناس أمره، فمال إليه طائفة من الجهال. ثم ذكر أنه شاهد جماعة ممن رأوا الأشعري، وأنهم حدثوه بأخباره، وأنه سيذكر جميع ما سمعه منهم.
فبدأ بذكر سنة ولادته ووفاته، وأنه ولد سنة (٢٦٠هـ)، وتوفي سنة (٣٣٦هـ)، وأنه أقام على الاعتزال أربعين سنة، ثم قال: رجعت عنه.
ثم ذكر قصة توبته واختلاف الناس في ذلك؛ هل تاب حقا، أم أنه أظهر ذلك لعَرَض من الدنيا ؟ ثم ذكر قصةً في أن الأشعري حكى عن نفسه أنه ولد ملحداً.
ثم ذكر الأهوازي أن توبة الأشعري غير مقبولة منه؛ للأحاديث التي تفيد بأن الله تعالى لا يقبل من مبتدع توبة، وذكر أن الناس في التوبة على ضروب، ثم فصلها.
ثم ذكر أن الأشعري صنّف كتاب «الإبانة»، وأن أصحابه جعلوه وقاية لهم من أهل السنة، وأن الحنابلة لم يقبلوه من الأشعري وهجروه، ثم ذكر قصته مع البربهاري.
وأن له مسألة في أنَّ الإيمان غير مخلوق، قد جعلها وقاية من مخالفيه. ثم ذكر أنه قد ثبت عنه وصح بنقل الفضلاء أنه كان لا دين له، وأنه كان يتهاون بالشريعة ويركب الفواحش، ويترك المفروضات، ثم ذكر حكايات تفيد ذلك.
ثم ذكر أن الأشعري أقام بالبصرة لا يختلف إليه أحد من أهل العلم، وأنه لم يكن له بها إذ ذاك كبير ذكر ولا كثير أصحاب، وإنما كان له بها أربعة من أصحابه، ثم ذكرهم وأورد تراجم مختصرة لهم. ثم ذكر أن الأشعري لم تكن له منزلة في العلم والقرآن والفقه والحديث، وكذلك جميع نظرائه من المتكلمين.
وأنه لم يزل قول الأشعري مهجورًا متروكًا، إلى أن نشأت طائفة لا تقول بالقرآن والأثر، فمالوا إليه وطاروا نحوه، ونشروا مذهبه في البلاد. وأنه لم يزل يسير في البلاد لا يُقبل له قول ولا يجد في بلاد الإسلام مقرا، حتى لحق ببلد الأحساء بلد القرامطة الكُفَّار، ولم يزل مقيما بها إلى أن مات.
أهمية الكتاب:
كتاب مثالب ابن أبي بشر ينقل لنا صورة من صور الصراع بين الأشاعرة ومخالفيهم، ويؤرّخ لتلك الفترة التي تمتد ما بين القرنين الرابع والخامس من وجهة نظر أحد كبار المخالفين للأشاعرة. ويُعَدُّ دليلا قويا على أن طائفة من أهل العلم كانت معارضة للأشعري حتى بعد توبته ولا ترى أنه تاب توبة حقيقية، وهذا مهم جدا؛ إذ إنه قد استقر في أذهان كثير من المتأخرين توبة أبي الحسن الأشعري، حتى إنهم ليعرضون كلَّ الإعراض عن القول الآخر، ويهملونه ولا يذكرونه.
كما أن هذا الكتاب يُعَدُّ مصدرًا مهمًا لتوثيق النصوص؛ ذلك لأنه اعتمد عليه كثير ممن جاء بعده من أهل العلم ممن وافقوه أو خالفوه، منهم على سبيل المثال:
۱ - الحافظ ابن عساكر؛ فقد ألف في الرد عليه كتابه المشهور: «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري»، وقد بنى كتابه هذا على كتاب الأهوازي، فكتابُ الأهوازي مصدر مهم لفهم كتاب «التبيين»، ولتوثيق نصوصه، وكنتُ عند قراءتي لـ «التبيين» أتمنى أن أقف على كتاب الأهوازي حتى يكتمل تصوري للموضوع وفهمي له، إلى أن منَّ الله عليَّ بذلك.فكيف ساغ له أن يجعل هذه الأئمة تُيُوسًا وجَهلة؟! لا بارك الله في كلّ مفتر اهـ.
وإذا كان فريق من المحققين يرون نشر التراث بغضّ النظر عما يحمله من أفكار، ولو كان يحمل رفضًا أو اعتزالا أو تجهما أو تصوُّفًا منحرفًا، فلأن يُنشر مثل هذا الكتاب الذي لا يشوبه شيء من ذلك اعترافنا بما مع فيه من خلل وقصور كما سيأتي أولى وأحرى، والله أعلم.
الانتقادات الموجهة للكتاب
لقد تعرّض هذا الكتاب لهجوم شديد وانتقادات كثيرة من بعض أهل العلم، وكان من أشدهم في ذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، فقد رد عليه في كتابه المشهور: (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري)، وهذا ليس بغريب؛ فابن عساكر أشعري مشهور، فلا جرم أن يتعصب لإمامه ويدافع عنه، سواء أكان ذلك بحق أم بباطل.
وقد حفظت لنا النسخة الخطية لهذا الكتاب صورة من صور الهجوم عليه؛ حيث كتب بعضهم في صفحة العنوان: «قد أجاب الحافظ أبو القاسم بن عساكر عما فيه من الدعاوى الباطلة والحكايات الملفقة».
ثم إن بعضهم ضَرَب على هذه الكتابة، وكتب آخَرُ أسفل منها: «كل ما أجاب به ابن عساکر هَذَيان بغير علم، وهذه الأخبار والحكايات قد ذكرها عدة من أهل العلم غير هذا الرجل، مثل شيخ الإسلام الأنصاري وغيره».
ولا شك أن في الكتاب أوجها من القصور والخلل تتضح للناظر فيه؛ فمن ذلك:
١ - العبارات الشديدة التي استعملها في حق أبي الحسن الأشعري، مثل : لعنه الله وأخزاه لا رحمه الله، جعل النار منقلبه ومثواه، ونحوها. وقد نقل هذا أيضًا ابن عبد الهادي في كشف الغطاء (ص: ١٤١).
٢-استشهاده ببعض الأحاديث الضعيفة والمنكرة.
٣- إيراده بعض الحكايات الغريبة التي قد يتهيأ الحكم عليها بالكذب والوضع ويدلك يقول الذهبي: وقد ألف الأهواري جزءاً في مثالب ابن أبي بشر، فيه أكاذيب، وهذه الأكاذيب هي من افتراء المعتزلة وغيرهم من أعدائه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وكان أبو الحسن الأشعري لما رجع عن الاعتزال سلك طريقة أبي محمد بن كلاب، فصار طائفة ينتسبون إلى السنة والحديث من السالمية وغيرهم كأبي علي الأهوازي يذكرون في مثالب أبي الحسن أشياء هي من افتراء المعتزلة وغيرهم عليه؛ لأن الأشعري بين من تناقض أقوال المعتزلة وفسادها ما لم يبينه ،غيره، حتى جعلهم في قمع السمسمة». سير أعلام النبلاء (١٥/ ٨٩)
توبة أبي الحسن الأشعري
اختلف الناس في توبة أبي الحسن الأشعري اختلافا كثيرا، وهل كان لرجوع إلى السنة رجوعا كاملا أم لا ؟
والذي عليه كثير من متقدّمي أهل العلم المنتسبين إلى السنة أنه لم يتب توبة حقيقية، وافترقوا على قولين القول الأول:
١-أنه لم يترك الاعتزال إلا في الظاهر، وأنه رجع من التصريح إلى التمويه، واتهمه بعضهم بالزندقة، ومن هؤلاء:
-الإمام أبو علي الأهوازي، وقد صنف كتابه «المثالب» ليدلل على ذلك.
- ومنهم أبو عمر البسطامي، ويحيى بن عمار.
- وشيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، وأقوال هؤلاء وغيرهم مبثوثة في «ذم الكلام» للأنصاري، ونقل بعضها ابن عبد الهادي في كتابيه «كشف الغطا»، و«جمع الجيوش والدساكر».
- ومنهم الفقيه خلف المعلم المالكي (ت: ۳۷۱هـ) حيث قال: «أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة، فرجع عن الفروع، وثبت على الأصول»، والمراد أنه ثبت على أصول المعتزلة الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة، مثل الأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه.
- ومنهم الإمام الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي (ت: ٤٤٤هـ) فقد قال: «لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم، الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة، وهم معهم، بل أخس حالاً منهم في الباطن...». وقال أيضاً: (ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم، وهم: أبو محمد بن كُلاب، وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري...».
- ومنهم شيخ الحرم الإمام الحافظ أبو القاسم سعد بن علي الزَّنْجاني (ت: ٤٧١هـ) يقول في قصيدة له في السنة:
وشقق هذا الأشعري كلامه .. وأربي على من قبله من ذوي الدَّبَر
فما قاله قد بان للحق ظاهرا .. وما في الهدى عمدًا لِمَن ماز واذكر
- ومنهم أيضًا شيخ الحرمين الإمام أبو الحسن الكرجي (ت: ٥٣٢هـ) يقول في قصيدة له يذم فيها الأشعري:
وحُبْثُ مَقالِ الأشعري تخنُّث .. يُضاهي تَلَوِّيه تَلَوّي الشَّعَازِبِ (الالتواء والمكر)
يُزيّن هذا الأشعري مقاله .. ويَقْشِبُه (يخلطه) بالسم يا شر قاشِبِ
فينفي تفاصيلاً ويًثبتُ جُملةً .. كناقضـة مــن بعــد شــد الذوائبِ(ضفائر الشعر)
إلى أن قال:
ولم يك ذا علم ودين وإنَّما … بضاعته كانـــت مـخـــوق مُداعب
وكان كلاميا بالأحساء موته … ..بأسوأ موتٍ ماته ذو الذوائبِ
- ومنهم الإمام الفقيه العلامة موفّق الدين بن قدامة (ت: ٦٢٠هـ) يقول في معرض رده على الأشعرية في مسألة كلام الله تعالى: «هل وجدتُم هذه الضلالة وقبيح المقالة عند أحد من المتقدمين، سوى قائدكم إلى الجحيم، الناكب بكم عن الصراط المستقيم، الذي لم يُعرف له فضيلة في علم شرعي ولا دين مرضي، سوى علم الكلام المذموم المشؤوم، الذي الخير فيه معدوم، نشأ في الاعتزال إلى أربعين عاما يناظر عليه ويدعو الناس إليه، ثم أثمر ذلك مقالته هذه التي يرد بها على الله سبحانه وعلى نبيه ، وخالف بها المسلمين والجنة والناس أجمعين فكيف رضيتم به إماما عوضا عن رسول الله ؟! وكيف قدَّمتم قوله على قول الله سبحانه؟! وكيف خالفتم إجماع المسلمين بمجرد قوله بلا حجة سوى مجرد تقليده والمصير إلى قوله ؟!.
وقال أيضاً: واتفق أهل السنة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولم يكن القرآن الذي دعوا إلى القول بخلقه سوى هذه السور التي سماها الله قرآنا عربيا وأنزلها على رسوله، ولم يقع الخلاف في غيرها البتة، وعند الأشعري أنها مخلوقة، فقوله قول المعتزلة لا محالة، إلا أنه يريد التلبيس؛ فيقول في الظاهر قولا يوافق أهل الحق، ثم يفسره بقول المعتزلة».
وقال أيضاً: ومن العجب أن إمامهم يعني الأشعري الذي أنشأ هذه البدعة رجل لم يُعرف بدين ولا ورع ولا شيء من علوم الشريعة البتة، ولا يُنسب إليه من العلم إلا علم الكلام المذموم، وهم يعترفون بأنه أقام على الاعتزال أربعين عاما ثم أظهر الرجوع عنه، عنه، فلم يظهر منه بعد التوبة سوى هذه البدعة، فكيف تصور في عقولهم أن الله لا يوفّق لمعرفة الحق إلا عدوّه؟! ولا يجعل الهدى إلا مع من ليس له في علم الإسلام نصيب ولا في الدین حظ ؟!
• القول الثاني: أنه رجع عن الاعتزال حقًّا، لكنه تابع ابن كلاب، وبقيت عليه بقايا اعتزالية لم يستطع التخلص منها. فقد ذكر الحافظ ابن عساكر أن أبا القاسم حجاج بن محمد الطرابلسي المغربي قال: «سألت أبا بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة رحمةالله عن أبي الحسن الأشعري رحم الله، فقلتُ له: قيل لي عنه : إنه كان معتزليّا وإنه لما رجع عن ذلك أبقى للمعتزلة نكتا لم ينقضها. فقال لي: الأشعري شيخنا وإمامنا ومن عليه معولنا، قام على مذاهب المعتزلة أربعين سنة ...
وذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذه بعض أقواله:
-قال رحم الله: «وأبو الحسن الأشعري لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب، ومال إلى أهل السنة والحديث، وانتسب إلى الإمام أحمد، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كـ «الإبانة» و«الموجز» و«المقالات» وغيرها، وكان مختلطا بأهل السنة والحديث كاختلاط المتكلّم بهم... وكان القدماء أصحاب أحمد كأبي بكر عبد العزيز وأبي الحسن التميمي وأمثالهما يذكرونه في كتبهم على طريق ذكر الموافق للسنة في الجملة، ويذكرون ما ذكره من تناقض المعتزلة ... »
وقال أيضاً: وذكر في «الإبانة» أنه يأتم بقول الإمام أحمد، قال: «فإنه الإمام الكامل، والرئيس الفاضل الذي أبان الله به الحق، وأوضح المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين». وقال: فإن قال قائل: قد أنكرتُم قول الجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة، واحتج في ضمن ذلك بمقدمات سلمها للمعتزلة».
وقال أيضًا في معرض رده على من قال بالكلام النفسي: «لا خلاف بين الله الناس أن أول من أحدث هذا القول في الإسلام أبو محمد بن عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري، واتبعه على ذلك أبو الحسن الأشعري ومن نصر طريقتهما، وكانا يخالفان المعتزلة، ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة، ولكن لتقصيرهما في علم السنة، وتسليمها للمعتزلة أصولا فاسدة؛ صار في مواضع من قوليها مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة، وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقاً».
وقال أيضا: والأشعري ابتلي بطائفتين: طائفة تبغضه، وطائفة تحبه، كل منهما يكذب عليه، ويقول: إنما صنّف هذه الكتب تقية وإظهارًا لموافقة أهل الحديث والسنة من الحنبلية وغيرهم. وهذا كذب على الرجل؛ فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته.
فدعوى المدعي أنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعًا وعقلا؛ بل من تدبَّر كلامه في هذا الباب في مواضع تبين له قطعا أنه كان ينصر ما أظهره؛ ولكن الذين يحبونه ويخالفونه في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه لئلا يقال إنهم خالفوه مع كون ما ذهبوا إليه من السنة قد اقتدوا فيه بحجته التي على ذكرها يعوّلون وعليها يعتمدون.
والفريق الآخر: دفعوا عنه لكونهم رأوا المنتسبين إليه لا يُظهرون إلا خلاف هذا القول، ولكونهم اتهموه بالتقية.
وليس كذلك، بل هو انتصر للمسائل المشهورة عند أهل السنة التي خالفهم فيها المعتزلة؛ كمسألة الرؤية والكلام وإثبات الصفات ونحو ذلك؛ لكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصَّلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة؛ فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة، واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام والصفات الخبرية وغير ذلك.
والمخالفون له من أهل السنة والحديث ومن المعتزلة والفلاسفة يقولون: إنه متناقض، وإن ما وافق فيه المعتزلة يناقض ما وافق فيه أهل السنة.... فلما كان في كلامه شوب من هذا وشوب من هذا صار يقول من يقول: إن فيه نوعاً من التجهم.
وأما من قال: إن قوله قول جهم؛ فقد قال الباطل. ومن قال: إنه ليس فيه شيء من قول جهم؛ فقد قال الباطل، والله يحب الكلام بعلم وعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتنزيل الناس منازلهم...».
وذهب إلى ذلك أيضًا الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني، فقد نقل عن محمد بن إسحاق النديم في «الفهرست» أنه قال عن ابن كلاب: «كان من نابتة الحشوية».
ثم تعقبه قائلا: وقول النديم: إنه من الحشوية. يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات، ويقال لهم: المفوضة، وعلى طريقته -أي: على طريقة ابن كلاب مشى الأشعري في كتاب «الإبانة»».
وكذلك الحافظ ابن عبد الهادي حيث قال: قلت: من نشأ على أمر، وأفنى عمره فيه، قل أن يخرج من قلبه، ولو تاب منه، ولو رجع عن بعضه، لا يمكن أن يرجع عن كله، لا سيما وقد أخبر هو أنه يموه بذلك على أعدائه».
الجمع بين القولين:
لا أرى تناقصًا بين هذين القولين من قال إنه لم يترك الاعتزال إلا في الظاهر، ومن قال: إنه تابع ابن كُلاب، وبقيت عليه بقايا اعتزالية. فأصحاب القول الأول؛ لما رأوا ما هو عليه من أصول المعتزلة، وعدم تركه للكلام وتبريه منه، مع تصريحه بالانتساب إلى السنة وإلى الإمام أحمد، واغترار الناس به وتسارعهم إليه، هالهم هذا الأمر، وخافوا على العوام من دخول هذه البقايا الاعتزالية إليهم، فصرحوا بأنه ما زال معتزليا، ويريدون هذه البقايا الاعتزالية التي بقيت معه موافقين لأصحاب القول الثاني قاصدين في نفس الوقت تنفير العوام عنه.
ويلاحظ أن أصحاب هذا القول أكثرهم من المتقدمين المعاصرين له أو لتلامذته أو من بعدهم، وفي هذا الزمن كانت السنة ظاهرة والبدعة ضامرة، فاشتدوا لذلك على الأشعري.
أما أصحاب القول الثاني؛ فكان من أشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله، حيث كانت الصولة والدولة للأشاعرة، فاستخدم الرفق واللين في ذلك، والله أعلم.
شبهات والرد عليها
كان تبع ذهب كثير من الباحثين المعاصرين إلى أن أبا الحسن الأشعري - وإن ابن كلاب بعد توبته من الاعتزال إلا أنه في نهاية أمره قد رجع رجوعًا كاملًا إلى مذهب السلف، واستدلوا بما يلي:
١ - أن «الإبانة» من آخر تصانيف الأشعري، وهو يسير فيها على منوال السلف في إثبات الصفات الإلهية كلها.
٢ - أنه صرح في «الإبانة» برجوعه واتّباعه للإمام أحمد بن حنبل نعم الله.
٣- قول الحافظ ابن كثير: «ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله -ثلاثة أحوال:
أولها: حال الاعتزال، التي رجع عنها لا محالة.
والحال الثانية: إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع والبصر والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه، واليدين والقدم، والساق، ونحو ذلك.
والحال الثالثة: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا على منوال السلف، وهي طريقته في «الإبانة» التي صنفها آخرا، وشرحها القاضي الباقلاني، ونقلها أبو القاسم ابن عساكر».
هذه هي أهم الأدلة التي يستدل بها من يرى أن الأشعري رجع رجوعًا كاملا إلى مذهب السلف، وسأرد عليها باختصار
١ - أما قولهم: إن «الإبانة) من آخر تصانيف الأشعري، وهو يسير فيها على منوال السلف، في إثبات الصفات الإلهية كلها. فالجواب: أنه مع سيره فيها على منوال السلف إلا أنه احتج في ضمن ما ذكره بمقدمات سلمها للمعتزلة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقلته قبل قليل.
كما أن إثبات الأشعري للصفات الخبرية في «الإبانة» لا ينافي كونه كُلابيًا؛ فإن ابن كلاب كان يثبت الصفات الخبرية كلها لله تعالى، كالوجه واليدين والقدم، لكنه قال بامتناع أن تقوم الصفات الاختيارية بذات الله مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك، فقال بأزلية كلام الله تعالى، ومنع أن يتكلم سبحانه متى شاء وكيف شاء.
٢ - أما قولهم: إنه صرَّح في «الإبانة» برجوعه واتباعه للإمام أحمـد بـن حنبل رحمة الله . فالجواب عنه أنه صدق في ذلك بحسب قصده واجتهاده؛ ولكنه لم يكن خبيرا باعتقاد الإمام أحمد، فلذلك أخطأ في بعض المسائل، وتبع قول ابن كُلاب ظانا . أنه لم يخالف الإمام أحمد، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في حقه: «لكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصَّلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة؛ فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة...» وقد سبق نقله بتمامه قبل قليل.
أما ما نقله الحافظ ابن كثير، فالجواب عنه:
أ- أنا لا ندري من هؤلاء الذين ذكروا أن للأشعري ثلاث حالات.
ب- أن قولهم: إنه في الحالة الثانية كان يؤول الصفات الخبرية. قول غير صحيح ؛ قال شيخ الإسلام والأشعري وأئمة أصحابه، متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليدين، وإبطال تأويلها، وليس للأشعري في ذلك قولان أصلا، ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين؛ ولكن لأتباعه قولان في ذلك» (۱).
ج- أنني لم أجد أحدًا قد تابع هذا النقل المذكور، وذكر هذه الحالات الثلاث للأشعري، والله أعلم.
وصف الكتاب
اسم الكتاب هو كشف الغطا عن محض الخطا»، وكأنه يريد أنه سيكشف في هذا الكتاب ما كان مستورًا من الأخطاء المحضة التي عليها الأشاعرة، لا سيما إمامهم الأشعري، ولذا قال في مقدمة كتابه: «هذه نبذة يسيرة مما ذكره أئمة الحديث في كتبهم المعتمدة في ترجمة الأشعري وما انطوى عليه، عفا الله عنه».
ثم نقل كتاب مثالب ابن أبي بشر» للأهوازي كاملا، ولكنه فرقه على مواضع مختلفة.
ونقل في غضون ذلك نصوصا من كتاب ذم الكلام لشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري الهروي، فيها وصف للأشعري بعدم الديانة، وفيها ذم له ولأتباعه الذين لصقوا بدعهم بمذهب الإمام الشافعي نحمد الله .
كما نقل نصوصاً من ذم الكلام في ذم الكُلابية، وهم سلف الأشاعرة، ونصوصا في ذم الكرامية، وأهل الكلام عامة.
ونقل عن شيخ الإسلام الأنصاري نصَّا مهما يفيد أن أهل الكلام في زمنه كانوا مقهورين ،متوارين لا يستطيع الواحد منهم أن يصرح بمذهبه، وأنهم كانوا متهاونين بالعبادة، مستخفّين بالسنة.