أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 9 مارس 2023

مثالب ابن أبي بشر (أبي الحسن الأشعري) للإمام المقرئ أبي علي الحسن بن علي الأهوازي المتوفى سنة (٤٤٦ هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

مثالب ابن أبي بشر (أبي الحسن الأشعري)

للإمام المقرئ أبي علي الحسن بن علي الأهوازي

المتوفى سنة (٤٤٦ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا شك أن المناصحة الحقّة تزيل الغلَّ من القلوب، وهي قوة للخير الذي تنطوي عليه كل طائفة من طوائف المسلمين، وهي دفعٌ للبلاء والنقمة عن جميع الأمة، وهي أيضاً إعذارٌ عند الله بحسن البيان؛ لمن أراد إصابة الحق، وآثر الخالق على الخلق، فالأحكام على الذوات ثابتة بظاهر القول والفعل، لكن الحقائق لا تنقلب أباطيل، والصواب لا يصير خطئاً، فلزم من ذلك الحكم على كُلٍّ بحكمه؛ فعلى كل مؤلّفٍ أن ينتبه لكلامه فيرصفه ويذبه، فإن كثرة الزلات تورث المضرات، بل والعداوات.

وهذا الكتاب (مثالب ابن أبي بشر) ينقل لنا صورة من صور الصراع بين الأشاعرة ومخالفيهم في الفترة التي امتدت بين القرنين الرابع والخامس من وجهة نظر أحد كبار المخالفين للأشاعرة.، وهو الإمام أبو علي الأهوازي المقرئ، وقد تعرض هذا الكتاب للنقد الشديد من الإمام ابن عساكر الذي رد عليه في كتابه المشهور: (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري)، وهذا ليس بغريب؛ فابن عساكر أشعري مشهور، فلا جرم أن يتعصب لإمامه ويدافع عنه، سواء أكان ذلك بحق أم بباطل.

 أما الكتاب الذي بين أيدينا فهو كتاب نفيس، لا يخلو من الفائدة، لكنه مملوء بالآثار الواهية، والألفاظ القاسية، والعبارات الجارحة، فعلى الباحث الحق أن يأخذ منه ما صفا ويترك ما كدر، وأكثر ما فيه هو ذم الكلام وأهله، ولكن لينتبه القارئ إلى عدم الخوض بالثلب لأعراض العلماء أو ذواتهم من أيّ فريق كان، وإنما يتأمل في أقوالهم فيصوبها أو يردها بحسب ما ظهر له من الحق.

ويقول الإمام الذهبي (سير أعلام النبلاء) (١٥/ ٨٩) عن هذا الكتاب: وقد ألف الأهوازي جزءاً في مثالب ابن أبي بشر، فيه أكاذيب، وهذه الأكاذيب هي من افتراء المعتزلة وغيرهم من أعدائه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وكان أبو الحسن الأشعري لما رجع عن الاعتزال سلك طريقة أبي محمد بن كلاب، فصار طائفة ينتسبون إلى السنة والحديث من السالمية وغيرهم كأبي علي الأهوازي يذكرون في مثالب أبي الحسن أشياء هي من افتراء المعتزلة وغيرهم عليه؛ لأن الأشعري بين من تناقض أقوال المعتزلة وفسادها ما لم يبينه ،غيره، حتى جعلهم في قمع السمسمة. 

ترجمة الأهوازي

اسمه ونسبه:

هو أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد بن هرمز الأهوازي. منسوب إلى الأهواز، وهو إقليم بين البصرة وفارس. وكان يُعرف بإمـام الحرمين.

مولده ونشأته:

ولد بالأهواز في أول سنة (٣٦٢هـ)، ثم قدم دمشق في سنة (٣٩١هـ) وسكنها.

حياته العلمية:

عني بالقراءات، ورحل فيها، ولقي الكبار، فقرأ على أبي الحسن علي بن حسين بن عثمان الغضائري، وأبي الفرج الشَّنبوذي، وأبي حفص الكتّاني، وأحمد بن محمد بن عبيد الله التُسْتَري، وأبي بكر محمد بن عبيد الله بن القاسم الخرقي، وقرأ على جماعة كثيرة يطول ذكرهم بالشام، والعراق، والأهواز.

ورحل إليه القُرّاء لعلوّ سنده ،وإتقانه، فقرأ عليه أبو علي غُلام الهراس، وأبو القاسم الهذلي، وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي، وأبو نصر أحمد بن علي بن محمد الزينبي البغدادي، وأبو الوحش سبيع بن المسلم، وأبو بكر محمد بن المفرج البطليوسي، وأبو بكر عتيق بن محمد الردائي، وأبو القاسم عبد الوهاب بن محمد القرطبي.

وقد روى الحديث عن نصر بن أحمد بن الخليل المرجي، وعبد الجبار بن محمد الطلحي، وأبي حفص الكتّاني، وهبة الله بن موسى الموصلي، والمعافى بن زكريا النهرواني، وعبد الوهاب بن الحسن الكلابي، وتمـام بـن محمد الرازي، وأبي مسلم محمد بن أحمد الكاتب، وخَلْق يطول ذكرهم.

روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو سعد السمان، وعبد الرحيم البخاري، وعبد العزيز الكتاني، والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي، وأبو القاسم النسيب.

مذهبه العقدي:

قال أبو القاسم بن عساكر كان مذهبه مذهب السالمية، يقول بالظاهر ويتمسك بالأحاديث الضعيفة التي تقوّي له رأيه».

وقال الذهبي: «سألتُ شيخنا ابن تيمية عن مذهب السالمية فقال: هم قوم من أهل السنة في الجملة من أصحاب أبي الحسن بن سالم، أحد مشايخ البصرة وعُبَّادها، وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن سالم من أصحاب سهل بن عبد الله التُسْتَري، خالفوا في مسائل، فبدعوا».

وقال شيخ الإسلام أيضًا في شرح حديث النزول»: «السالمية أتباع الشيخ أبي الحسن بن سالم صاحب سهل بن عبد الله التستري، لهـــم مــن المعرفة والعبادة والزهد واتباع السنة والجماعة في عامة المسائل المشهورة لأهل السنة ما هم معروفون به، وهم منتسبون إلى إمامين عظيمين في السنة؛ الإمام أحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري، ومنهـم مــن تفقه على مذهب مالك بن أنس، وفيهم من هو على مذهب الشافعي. فالذين ينتسبون إليهم، أو يعظمونهم، ويقصدون متابعتهم، أئمة هدى - رضوان الله عليهم أجمعين وهم في ذلك كأمثالهم من أهل السنة والجماعة، وقل طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط؛ لكثرة مــا وقع من شبه أهل البدع …

وقال أيضاً: «وأما السالمية فهم والحنبلية كالشيء الواحد، إلا في مواضع مخصوصة تجري مجرى اختلاف الحنابلة فيما بينهم، وفيهم تصوف، ومن بَدَّع بدع من أصحابنا هؤلاء يُبدع أيضًا التسمّي في الأصول بالحنبلية وغير ذلك، ولا يرى أن يتسمى أحد في الأصول إلا بالكتاب والسنة، وهذه طريقة جيدة، لكن هذا مما يسوغ فيه الاجتهاد... » .

مصنفاته:

له مصنفات كثيرة منها: 

١- الموجز في القراءات.

٢-الإيجاز في القراءات.

٣ - البيان في شرح عقود أهل الإيمان.

٤ - مثالب ابن أبي بشر.

٥ - الوجيز في شرح قراءات القَرَأة الثمانية أئمة الأمصار الخمسة.

مكانته عند العلماء:

اختلف أهل العلم في الأهوازي ما بين ذام ومادح، وسأذكر طرفــا مــن ذلك، بادا بمن ذمه، ثم بمن مدحه، ثم بخلاصة القول فيه: 

أولاً: الأقوال في ذمه:

قال علي بن الخضر العثماني: «أبو علي الأهوازي تكلموا فيه، وظهـر لـه تصانیف زعموا أنه كذب فيها».

وقال أبو طاهر محمد بن الحسن البلخي: كنت عند رشاً بن نظيف في داره على باب الجامع وله طاقة إلى الطريق، فاطلع منها وقال: قد عبر رجل كذاب. فاطلعت فوجدته الأهوازي».

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: «أبو علي الأهوازي كذاب في الحديث والقراءات جميعًا».

وعلق على ذلك الذهبي بقوله: «قلت: يريد تركيب الإسناد، وادعـــاء اللقاء، أما وضع حروف أو متون فحاشا وكلا، ما أُجوز ذلك عليه، وهـــو بحر في القراءات، تلقَّى المقرئون تواليفه ونقله للفن بالقبول، ولم ينتقدوا عليه انتقاد أصحاب الحديث، كما أحسنوا الظن بالنقاش وبالسامري، وطائفة راجوا عليهم. وقال الكتاني: اجتمعت بالحافظ هبة الله بن الحسن الطبري ببغداد، فسألني عمن بدمشق من أهل العلم فذكرتُ له جماعة منهم أبو علي الأهوازي؛ فقال : لو سَلم من الروايات في القراءات». وعلق على ذلك الذهبي بقوله: «قلت: أما القراءات فتلقوا ما رواه مـــن القراءة وصدقوه في اللقاء، وكان مُقرئ أهل الشام بلا مدافعة؛ معرفة وضبطا وعلو إسناد».

وقال الذهبي أيضًا: «كان من غُلاة السنة، صنف كتابا في الصفات، وروى فيه الموضوعات ولم يضعفها، فما كأنه عرف بوضعها، فتكلم فيه الأشاعرة لذلك، ولأنه كان ينال من أبي الحسن الأشعري».

ثانياً: الأقوال في مدحه

قال أبو عمرو الداني: «أخذ أبو علي القراءة عرضاً وسماعاً عن جماعة من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ، وكان واسع الرواية كثير الطرق حافظــا ضابطًا، أقرأ الناس بدمشق دهرا».

وقال الشريف النسيب علي بن إبراهيم العلوي: «أبـو عـلي الأهوازي ثقة».

وقال الذهبي: «هو الشيخ الإمام العلامة، مقرئ الآفاق، كان رأسًا في القراءات معمَّرًا، بعيد الصيت صاحب حدیث ورحلة وإكثار، وليس بالمتقن له، ولا المجود، بل هو حاطب ليل، ومع إمامته في القراءات فقد تكلم فيه وفي دعاويه تلك الأسانيد العالية».

وقال ابن الجزري: «الأستاذ أبو علي الأهوازي صاحب المؤلفات، شيخ القراء في عصره، وأعلى من بقي في الدنيا إسنادا، إمام كبير محدّث،... وأكثر من الشيوخ والروايات فتكلّم فيه من قبل ذلك، وانتصب للكــلام في الإمام أبي الحسن الأشعري، فبالغ الأشعرية في الحط عليه، مع أنه إمام جليل القدر أستاذ في الفن، ولكنه لا يخلو من أغاليط وسهو، وكثرة الشّره أوقع الناس في الكلام فيه. ولكنه ذكر الحافظ أبو طاهر السلفي في معجمه قال: سمعت أبا البركات الخضر بن الحسن الحازمي صاحبنا بدمشق يقول: سمعت الشريف النسيب علي بن إبراهيم العلوي يقول: أبو علي الأهوازي ثقة. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ولقد تلقَّى الناس رواياته بالقبول، وكان يقرئ بدمشق من بعد سنة أربعمائة، وذلك في حياة بعض شيوخه». ثالثًا: خلاصة القول فيه:

يتبين من هذه الأقوال أن الأهوازي إمام كبير في القراءة والحديث معاً، لكنه صاحب أخطاء وأوهام وغرائب، وروايـــة لبعض المناكير والموضوعات، وقلما يسلم من ذلك أحد، حتى من اتسم بالحفظ والأمانـــة من الأئمة، كأبي نعيم الأصبهاني والخطيب البغدادي وابن عساكر.

وقد عظَّم الأشاعرة أخطاءه وأوهامه، وبالغوا في التنقص منـه لـذكـره مثالب الأشعري، كما ذكر الذهبي وابن الجزري رحمهما الله.

وفاته:

توفي في رابع ذي الحجة سنة (٤٤٦ هـ ) رحمه الله وغفر له؛ إنه هو الغفور الرحيم.

وصف الكتاب

اسم الكتاب هو مثالب ابن أبي بشر» والمثالب هي المعايب، وابن أبي بشر هو أبو الحسن الأشعري، فهو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم الأشعري. 

فهذا الكتاب كما يتضح من عنوانه سجل فيه مؤلفه معايب أبي الحسن الأشعري، لكنه تطرّق فيه إلى أمور أخرى سيأتي بيانها. 

وهو في الأصل جواب سؤال ورد إلى المؤلّف من بعض الناس يسأله عن حال الأشعري؛ حيث قال في مقدمته: «وأنا - إن شاء الله- أورد جميع ما سمعته فيه يعني: الأشعري في هذه الأوراق احتساباً، ورجاء ثواب الله ، وقضاء لحقك فيما سألتني عنه». بدأه بالتحذير من أهل البدع عامة، ثم تناول الأشعري بأن انتسابه إلى الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري ليس بنافعه شيئًا، وأنه ادعى أنه من أهل السنة، ولبس على الناس أمره، فمال إليه طائفة من الجهال. ثم ذكر أنه شاهد جماعة ممن رأوا الأشعري، وأنهم حدثوه بأخباره، وأنه سيذكر جميع ما سمعه منهم. 

فبدأ بذكر سنة ولادته ووفاته، وأنه ولد سنة (٢٦٠هـ)، وتوفي سنة (٣٣٦هـ)، وأنه أقام على الاعتزال أربعين سنة، ثم قال: رجعت عنه.

ثم ذكر قصة توبته واختلاف الناس في ذلك؛ هل تاب حقا، أم أنه أظهر ذلك لعَرَض من الدنيا ؟ ثم ذكر قصةً في أن الأشعري حكى عن نفسه أنه ولد ملحداً. 

ثم ذكر الأهوازي أن توبة الأشعري غير مقبولة منه؛ للأحاديث التي تفيد بأن الله تعالى لا يقبل من مبتدع توبة، وذكر أن الناس في التوبة على ضروب، ثم فصلها.

ثم ذكر أن الأشعري صنّف كتاب «الإبانة»، وأن أصحابه جعلوه وقاية لهم من أهل السنة، وأن الحنابلة لم يقبلوه من الأشعري وهجروه، ثم ذكر قصته مع البربهاري.

وأن له مسألة في أنَّ الإيمان غير مخلوق، قد جعلها وقاية من مخالفيه. ثم ذكر أنه قد ثبت عنه وصح بنقل الفضلاء أنه كان لا دين له، وأنه كان يتهاون بالشريعة ويركب الفواحش، ويترك المفروضات، ثم ذكر حكايات تفيد ذلك.

ثم ذكر أن الأشعري أقام بالبصرة لا يختلف إليه أحد من أهل العلم، وأنه لم يكن له بها إذ ذاك كبير ذكر ولا كثير أصحاب، وإنما كان له بها أربعة من أصحابه، ثم ذكرهم وأورد تراجم مختصرة لهم. ثم ذكر أن الأشعري لم تكن له منزلة في العلم والقرآن والفقه والحديث، وكذلك جميع نظرائه من المتكلمين.

وأنه لم يزل قول الأشعري مهجورًا متروكًا، إلى أن نشأت طائفة لا تقول بالقرآن والأثر، فمالوا إليه وطاروا نحوه، ونشروا مذهبه في البلاد. وأنه لم يزل يسير في البلاد لا يُقبل له قول ولا يجد في بلاد الإسلام مقرا، حتى لحق ببلد الأحساء بلد القرامطة الكُفَّار، ولم يزل مقيما بها إلى أن مات.

أهمية الكتاب:

كتاب مثالب ابن أبي بشر ينقل لنا صورة من صور الصراع بين الأشاعرة ومخالفيهم، ويؤرّخ لتلك الفترة التي تمتد ما بين القرنين الرابع والخامس من وجهة نظر أحد كبار المخالفين للأشاعرة. ويُعَدُّ دليلا قويا على أن طائفة من أهل العلم كانت معارضة للأشعري حتى بعد توبته ولا ترى أنه تاب توبة حقيقية، وهذا مهم جدا؛ إذ إنه قد استقر في أذهان كثير من المتأخرين توبة أبي الحسن الأشعري، حتى إنهم ليعرضون كلَّ الإعراض عن القول الآخر، ويهملونه ولا يذكرونه.

كما أن هذا الكتاب يُعَدُّ مصدرًا مهمًا لتوثيق النصوص؛ ذلك لأنه اعتمد عليه كثير ممن جاء بعده من أهل العلم ممن وافقوه أو خالفوه، منهم على سبيل المثال:

۱ - الحافظ ابن عساكر؛ فقد ألف في الرد عليه كتابه المشهور: «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري»، وقد بنى كتابه هذا على كتاب الأهوازي، فكتابُ الأهوازي مصدر مهم لفهم كتاب «التبيين»، ولتوثيق نصوصه، وكنتُ عند قراءتي لـ «التبيين» أتمنى أن أقف على كتاب الأهوازي حتى يكتمل تصوري للموضوع وفهمي له، إلى أن منَّ الله عليَّ بذلك.فكيف ساغ له أن يجعل هذه الأئمة تُيُوسًا وجَهلة؟! لا بارك الله في كلّ مفتر اهـ.

وإذا كان فريق من المحققين يرون نشر التراث بغضّ النظر عما يحمله من أفكار، ولو كان يحمل رفضًا أو اعتزالا أو تجهما أو تصوُّفًا منحرفًا، فلأن يُنشر مثل هذا الكتاب الذي لا يشوبه شيء من ذلك اعترافنا بما مع فيه من خلل وقصور كما سيأتي أولى وأحرى، والله أعلم.

الانتقادات الموجهة للكتاب

لقد تعرّض هذا الكتاب لهجوم شديد وانتقادات كثيرة من بعض أهل العلم، وكان من أشدهم في ذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، فقد رد عليه في كتابه المشهور: (تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري)، وهذا ليس بغريب؛ فابن عساكر أشعري مشهور، فلا جرم أن يتعصب لإمامه ويدافع عنه، سواء أكان ذلك بحق أم بباطل.

وقد حفظت لنا النسخة الخطية لهذا الكتاب صورة من صور الهجوم عليه؛ حيث كتب بعضهم في صفحة العنوان: «قد أجاب الحافظ أبو القاسم بن عساكر عما فيه من الدعاوى الباطلة والحكايات الملفقة».

ثم إن بعضهم ضَرَب على هذه الكتابة، وكتب آخَرُ أسفل منها: «كل ما أجاب به ابن عساکر هَذَيان بغير علم، وهذه الأخبار والحكايات قد ذكرها عدة من أهل العلم غير هذا الرجل، مثل شيخ الإسلام الأنصاري وغيره».

ولا شك أن في الكتاب أوجها من القصور والخلل تتضح للناظر فيه؛ فمن ذلك:

١ - العبارات الشديدة التي استعملها في حق أبي الحسن الأشعري، مثل : لعنه الله وأخزاه لا رحمه الله، جعل النار منقلبه ومثواه، ونحوها. وقد نقل هذا أيضًا ابن عبد الهادي في كشف الغطاء (ص: ١٤١).

٢-استشهاده ببعض الأحاديث الضعيفة والمنكرة.

٣- إيراده بعض الحكايات الغريبة التي قد يتهيأ الحكم عليها بالكذب والوضع ويدلك يقول الذهبي: وقد ألف الأهواري جزءاً في مثالب ابن أبي بشر، فيه أكاذيب، وهذه الأكاذيب هي من افتراء المعتزلة وغيرهم من أعدائه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وكان أبو الحسن الأشعري لما رجع عن الاعتزال سلك طريقة أبي محمد بن كلاب، فصار طائفة ينتسبون إلى السنة والحديث من السالمية وغيرهم كأبي علي الأهوازي يذكرون في مثالب أبي الحسن أشياء هي من افتراء المعتزلة وغيرهم عليه؛ لأن الأشعري بين من تناقض أقوال المعتزلة وفسادها ما لم يبينه ،غيره، حتى جعلهم في قمع السمسمة». سير أعلام النبلاء (١٥/ ٨٩)

توبة أبي الحسن الأشعري

اختلف الناس في توبة أبي الحسن الأشعري اختلافا كثيرا، وهل كان لرجوع إلى السنة رجوعا كاملا أم لا ؟

والذي عليه كثير من متقدّمي أهل العلم المنتسبين إلى السنة أنه لم يتب توبة حقيقية، وافترقوا على قولين القول الأول:

١-أنه لم يترك الاعتزال إلا في الظاهر، وأنه رجع من التصريح إلى التمويه، واتهمه بعضهم بالزندقة، ومن هؤلاء:

-الإمام أبو علي الأهوازي، وقد صنف كتابه «المثالب» ليدلل على ذلك. 

- ومنهم أبو عمر البسطامي، ويحيى بن عمار.

- وشيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، وأقوال هؤلاء وغيرهم مبثوثة في «ذم الكلام» للأنصاري، ونقل بعضها ابن عبد الهادي في كتابيه «كشف الغطا»، و«جمع الجيوش والدساكر».

- ومنهم الفقيه خلف المعلم المالكي (ت: ۳۷۱هـ) حيث قال: «أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة، فرجع عن الفروع، وثبت على الأصول»، والمراد أنه ثبت على أصول المعتزلة الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة، مثل الأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه.

- ومنهم الإمام الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي (ت: ٤٤٤هـ) فقد قال: «لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم، الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة، وهم معهم، بل أخس حالاً منهم في الباطن...». وقال أيضاً: (ثم بلي أهل السنة بعد هؤلاء بقوم يدعون أنهم من أهل الاتباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم، وهم: أبو محمد بن كُلاب، وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري...».

- ومنهم شيخ الحرم الإمام الحافظ أبو القاسم سعد بن علي الزَّنْجاني (ت: ٤٧١هـ) يقول في قصيدة له في السنة:

وشقق هذا الأشعري كلامه .. وأربي على من قبله من ذوي الدَّبَر

فما قاله قد بان للحق ظاهرا .. وما في الهدى عمدًا لِمَن ماز واذكر

- ومنهم أيضًا شيخ الحرمين الإمام أبو الحسن الكرجي (ت: ٥٣٢هـ) يقول في قصيدة له يذم فيها الأشعري:

وحُبْثُ مَقالِ الأشعري تخنُّث .. يُضاهي تَلَوِّيه تَلَوّي الشَّعَازِبِ (الالتواء والمكر) 

يُزيّن هذا الأشعري مقاله .. ويَقْشِبُه (يخلطه) بالسم يا شر قاشِبِ 

فينفي تفاصيلاً ويًثبتُ جُملةً  .. كناقضـة مــن بعــد شــد الذوائبِ(ضفائر الشعر)

إلى أن قال:

ولم يك ذا علم ودين وإنَّما … بضاعته كانـــت مـخـــوق مُداعب

وكان كلاميا بالأحساء موته … ..بأسوأ موتٍ ماته ذو الذوائبِ

- ومنهم الإمام الفقيه العلامة موفّق الدين بن قدامة (ت: ٦٢٠هـ) يقول في معرض رده على الأشعرية في مسألة كلام الله تعالى: «هل وجدتُم هذه الضلالة وقبيح المقالة عند أحد من المتقدمين، سوى قائدكم إلى الجحيم، الناكب بكم عن الصراط المستقيم، الذي لم يُعرف له فضيلة في علم شرعي ولا دين مرضي، سوى علم الكلام المذموم المشؤوم، الذي الخير فيه معدوم، نشأ في الاعتزال إلى أربعين عاما يناظر عليه ويدعو الناس إليه، ثم أثمر ذلك مقالته هذه التي يرد بها على الله سبحانه وعلى نبيه ، وخالف بها المسلمين والجنة والناس أجمعين فكيف رضيتم به إماما عوضا عن رسول الله ؟! وكيف قدَّمتم قوله على قول الله سبحانه؟! وكيف خالفتم إجماع المسلمين بمجرد قوله بلا حجة سوى مجرد تقليده والمصير إلى قوله ؟!.

وقال أيضاً: واتفق أهل السنة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولم يكن القرآن الذي دعوا إلى القول بخلقه سوى هذه السور التي سماها الله قرآنا عربيا وأنزلها على رسوله، ولم يقع الخلاف في غيرها البتة، وعند الأشعري أنها مخلوقة، فقوله قول المعتزلة لا محالة، إلا أنه يريد التلبيس؛ فيقول في الظاهر قولا يوافق أهل الحق، ثم يفسره بقول المعتزلة».

وقال أيضاً: ومن العجب أن إمامهم يعني الأشعري الذي أنشأ هذه البدعة رجل لم يُعرف بدين ولا ورع ولا شيء من علوم الشريعة البتة، ولا يُنسب إليه من العلم إلا علم الكلام المذموم، وهم يعترفون بأنه أقام على الاعتزال أربعين عاما ثم أظهر الرجوع عنه، عنه، فلم يظهر منه بعد التوبة سوى هذه البدعة، فكيف تصور في عقولهم أن الله لا يوفّق لمعرفة الحق إلا عدوّه؟! ولا يجعل الهدى إلا مع من ليس له في علم الإسلام نصيب ولا في الدین حظ ؟! 

• القول الثاني: أنه رجع عن الاعتزال حقًّا، لكنه تابع ابن كلاب، وبقيت عليه بقايا اعتزالية لم يستطع التخلص منها. فقد ذكر الحافظ ابن عساكر أن أبا القاسم حجاج بن محمد الطرابلسي المغربي قال: «سألت أبا بكر إسماعيل بن أبي محمد بن إسحاق الأزدي القيرواني المعروف بابن عزرة رحمةالله عن أبي الحسن الأشعري رحم الله، فقلتُ له: قيل لي عنه : إنه كان معتزليّا وإنه لما رجع عن ذلك أبقى للمعتزلة نكتا لم ينقضها. فقال لي: الأشعري شيخنا وإمامنا ومن عليه معولنا، قام على مذاهب المعتزلة أربعين سنة ... 

وذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذه بعض أقواله:

-قال رحم الله: «وأبو الحسن الأشعري لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب، ومال إلى أهل السنة والحديث، وانتسب إلى الإمام أحمد، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كـ «الإبانة» و«الموجز» و«المقالات» وغيرها، وكان مختلطا بأهل السنة والحديث كاختلاط المتكلّم بهم... وكان القدماء أصحاب أحمد كأبي بكر عبد العزيز وأبي الحسن التميمي وأمثالهما يذكرونه في كتبهم على طريق ذكر الموافق للسنة في الجملة، ويذكرون ما ذكره من تناقض المعتزلة ... » 

وقال أيضاً: وذكر في «الإبانة» أنه يأتم بقول الإمام أحمد، قال: «فإنه الإمام الكامل، والرئيس الفاضل الذي أبان الله به الحق، وأوضح المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين». وقال: فإن قال قائل: قد أنكرتُم قول الجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة، واحتج في ضمن ذلك بمقدمات سلمها للمعتزلة».

وقال أيضًا في معرض رده على من قال بالكلام النفسي: «لا خلاف بين الله الناس أن أول من أحدث هذا القول في الإسلام أبو محمد بن عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري، واتبعه على ذلك أبو الحسن الأشعري ومن نصر طريقتهما، وكانا يخالفان المعتزلة، ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة، ولكن لتقصيرهما في علم السنة، وتسليمها للمعتزلة أصولا فاسدة؛ صار في مواضع من قوليها مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة، وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقاً».

وقال أيضا: والأشعري ابتلي بطائفتين: طائفة تبغضه، وطائفة تحبه، كل منهما يكذب عليه، ويقول: إنما صنّف هذه الكتب تقية وإظهارًا لموافقة أهل الحديث والسنة من الحنبلية وغيرهم. وهذا كذب على الرجل؛ فإنه لم يوجد له قول باطن يخالف الأقوال التي أظهرها، ولا نقل أحد من خواص أصحابه ولا غيرهم عنه ما يناقض هذه الأقوال الموجودة في مصنفاته.

فدعوى المدعي أنه كان يبطن خلاف ما يظهر دعوى مردودة شرعًا وعقلا؛ بل من تدبَّر كلامه في هذا الباب في مواضع تبين له قطعا أنه كان ينصر ما أظهره؛ ولكن الذين يحبونه ويخالفونه في إثبات الصفات الخبرية يقصدون نفي ذلك عنه لئلا يقال إنهم خالفوه مع كون ما ذهبوا إليه من السنة قد اقتدوا فيه بحجته التي على ذكرها يعوّلون وعليها يعتمدون.

والفريق الآخر: دفعوا عنه لكونهم رأوا المنتسبين إليه لا يُظهرون إلا خلاف هذا القول، ولكونهم اتهموه بالتقية.

وليس كذلك، بل هو انتصر للمسائل المشهورة عند أهل السنة التي خالفهم فيها المعتزلة؛ كمسألة الرؤية والكلام وإثبات الصفات ونحو ذلك؛ لكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصَّلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة؛ فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة، واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام والصفات الخبرية وغير ذلك.

والمخالفون له من أهل السنة والحديث ومن المعتزلة والفلاسفة يقولون: إنه متناقض، وإن ما وافق فيه المعتزلة يناقض ما وافق فيه أهل السنة.... فلما كان في كلامه شوب من هذا وشوب من هذا صار يقول من يقول: إن فيه نوعاً من التجهم.

وأما من قال: إن قوله قول جهم؛ فقد قال الباطل. ومن قال: إنه ليس فيه شيء من قول جهم؛ فقد قال الباطل، والله يحب الكلام بعلم وعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتنزيل الناس منازلهم...».

وذهب إلى ذلك أيضًا الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني، فقد نقل عن محمد بن إسحاق النديم في «الفهرست» أنه قال عن ابن كلاب: «كان من نابتة الحشوية».

ثم تعقبه قائلا: وقول النديم: إنه من الحشوية. يريد من يكون على طريق السلف في ترك التأويل للآيات والأحاديث المتعلقة بالصفات، ويقال لهم: المفوضة، وعلى طريقته -أي: على طريقة ابن كلاب مشى الأشعري في كتاب «الإبانة»».

وكذلك الحافظ ابن عبد الهادي حيث قال: قلت: من نشأ على أمر، وأفنى عمره فيه، قل أن يخرج من قلبه، ولو تاب منه، ولو رجع عن بعضه، لا يمكن أن يرجع عن كله، لا سيما وقد أخبر هو أنه يموه بذلك على أعدائه».

الجمع بين القولين:

لا أرى تناقصًا بين هذين القولين من قال إنه لم يترك الاعتزال إلا في الظاهر، ومن قال: إنه تابع ابن كُلاب، وبقيت عليه بقايا اعتزالية. فأصحاب القول الأول؛ لما رأوا ما هو عليه من أصول المعتزلة، وعدم تركه للكلام وتبريه منه، مع تصريحه بالانتساب إلى السنة وإلى الإمام أحمد، واغترار الناس به وتسارعهم إليه، هالهم هذا الأمر، وخافوا على العوام من دخول هذه البقايا الاعتزالية إليهم، فصرحوا بأنه ما زال معتزليا، ويريدون هذه البقايا الاعتزالية التي بقيت معه موافقين لأصحاب القول الثاني قاصدين في نفس الوقت تنفير العوام عنه.

ويلاحظ أن أصحاب هذا القول أكثرهم من المتقدمين المعاصرين له أو لتلامذته أو من بعدهم، وفي هذا الزمن كانت السنة ظاهرة والبدعة ضامرة، فاشتدوا لذلك على الأشعري.

أما أصحاب القول الثاني؛ فكان من أشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله، حيث كانت الصولة والدولة للأشاعرة، فاستخدم الرفق واللين في ذلك، والله أعلم.

شبهات والرد عليها

كان تبع ذهب كثير من الباحثين المعاصرين إلى أن أبا الحسن الأشعري - وإن ابن كلاب بعد توبته من الاعتزال إلا أنه في نهاية أمره قد رجع رجوعًا كاملًا إلى مذهب السلف، واستدلوا بما يلي:

١ - أن «الإبانة» من آخر تصانيف الأشعري، وهو يسير فيها على منوال السلف في إثبات الصفات الإلهية كلها.

٢ - أنه صرح في «الإبانة» برجوعه واتّباعه للإمام أحمد بن حنبل نعم الله.

٣- قول الحافظ ابن كثير: «ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله -ثلاثة أحوال:

أولها: حال الاعتزال، التي رجع عنها لا محالة. 

والحال الثانية: إثبات الصفات العقلية السبعة، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع والبصر والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه، واليدين والقدم، والساق، ونحو ذلك.

والحال الثالثة: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جريا على منوال السلف، وهي طريقته في «الإبانة» التي صنفها آخرا، وشرحها القاضي الباقلاني، ونقلها أبو القاسم ابن عساكر».

هذه هي أهم الأدلة التي يستدل بها من يرى أن الأشعري رجع رجوعًا كاملا إلى مذهب السلف، وسأرد عليها باختصار

١ - أما قولهم: إن «الإبانة) من آخر تصانيف الأشعري، وهو يسير فيها على منوال السلف، في إثبات الصفات الإلهية كلها. فالجواب: أنه مع سيره فيها على منوال السلف إلا أنه احتج في ضمن ما ذكره بمقدمات سلمها للمعتزلة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقلته قبل قليل.

كما أن إثبات الأشعري للصفات الخبرية في «الإبانة» لا ينافي كونه كُلابيًا؛ فإن ابن كلاب كان يثبت الصفات الخبرية كلها لله تعالى، كالوجه واليدين والقدم، لكنه قال بامتناع أن تقوم الصفات الاختيارية بذات الله مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك، فقال بأزلية كلام الله تعالى، ومنع أن يتكلم سبحانه متى شاء وكيف شاء.

٢ - أما قولهم: إنه صرَّح في «الإبانة» برجوعه واتباعه للإمام أحمـد بـن حنبل رحمة الله . فالجواب عنه أنه صدق في ذلك بحسب قصده واجتهاده؛ ولكنه لم يكن خبيرا باعتقاد الإمام أحمد، فلذلك أخطأ في بعض المسائل، وتبع قول ابن كُلاب ظانا . أنه لم يخالف الإمام أحمد، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في حقه: «لكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصَّلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة؛ فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة...» وقد سبق نقله بتمامه قبل قليل.

أما ما نقله الحافظ ابن كثير، فالجواب عنه:

أ- أنا لا ندري من هؤلاء الذين ذكروا أن للأشعري ثلاث حالات.

ب- أن قولهم: إنه في الحالة الثانية كان يؤول الصفات الخبرية. قول غير صحيح ؛ قال شيخ الإسلام والأشعري وأئمة أصحابه، متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليدين، وإبطال تأويلها، وليس للأشعري في ذلك قولان أصلا، ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين؛ ولكن لأتباعه قولان في ذلك» (۱).

ج- أنني لم أجد أحدًا قد تابع هذا النقل المذكور، وذكر هذه الحالات الثلاث للأشعري، والله أعلم.

وصف الكتاب

اسم الكتاب هو كشف الغطا عن محض الخطا»، وكأنه يريد أنه سيكشف في هذا الكتاب ما كان مستورًا من الأخطاء المحضة التي عليها الأشاعرة، لا سيما إمامهم الأشعري، ولذا قال في مقدمة كتابه: «هذه نبذة يسيرة مما ذكره أئمة الحديث في كتبهم المعتمدة في ترجمة الأشعري وما انطوى عليه، عفا الله عنه».

ثم نقل كتاب مثالب ابن أبي بشر» للأهوازي كاملا، ولكنه فرقه على مواضع مختلفة.

ونقل في غضون ذلك نصوصا من كتاب ذم الكلام لشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري الهروي، فيها وصف للأشعري بعدم الديانة، وفيها ذم له ولأتباعه الذين لصقوا بدعهم بمذهب الإمام الشافعي نحمد الله .

كما نقل نصوصاً من ذم الكلام في ذم الكُلابية، وهم سلف الأشاعرة، ونصوصا في ذم الكرامية، وأهل الكلام عامة.

ونقل عن شيخ الإسلام الأنصاري نصَّا مهما يفيد أن أهل الكلام في زمنه كانوا مقهورين ،متوارين لا يستطيع الواحد منهم أن يصرح بمذهبه، وأنهم كانوا متهاونين بالعبادة، مستخفّين بالسنة.




الأربعاء، 8 مارس 2023

كشف الغطا عن محض الخطا للحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الهادي الصالحي المعروف بابن المبرد الحنبلي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

كشف الغطا عن محض الخطا

للحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الهادي الصالحي

المعروف بابن المبرد الحنبلي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة



تمهيد/ إن الدعوة الدائمة والمستمرة لكل من ينشد الحق، هي أن ينظر بتأمُّل إلى ما قيل، ولا ينظر بتهيُّب إلى من قال، لأن كثرة الجدل والمراء والأخذ والرد، يورث المرء حيرة واضطراباً، هذا مع كثرة التلاعب بحجج الله عز وجل، والاجتراء على عقول العباد، سيما في هذه الأعصار التي قلّ فيها الدين والورع، مع ما أصيبت به أمتنا من جنون المذهبية، والعصبية الهوجاء، بل وسعار الفتاوى الخارجة عن أدب الخلاف، ناهيك عن حمى التبعية العمياء والولاء المطلق للذات.

وإذا نظرنا إلى من يقود العالم اليوم، نجد أنهم مجموعة من المخرفين من المتصوفة والأشاعرة، الذين ينقضون بجهلهم عرى الاسلام عروة عروة.. والهدف البعيد هو إقصاء الدين عن واقع الحياة، برؤية ارجائية علمانية.

ونرى ونسمع كيف يتم تصدير هؤلاء الغوغاء من شيوخ الفتنة والحيلة بهذا الشكل القبيح، وإني اعتقد -جازماً -أن هؤلاء الغثاء هم آخر الجفاء الذي يزبد ثم ينكشط ليصفو للأمة ماءها، وتعود للأمة عزها وكرامتها، ومنهاج سلفها الصالح،

إخواني الكرام: إن ما ترونه من شيوخ الفتنة من أي فرقة كانت هم مسوخ بشرية على قلوب الذئاب، وفي نظري سقوطهم قريب جداً..

وهذا الكتاب -وإن كان في ذكر مثالب أبي الحسن الأشعري إلا أن هذا ما كان عليه عامة أهل الحديث والحنابلة ببغداد وغيرها، وقد ذكر فيه الإمام ابن المبرد الحنبلي جملة من أخبار أبي الحسن الأشعري روايةً عن مشايخه بالأسانيد، إلى ثلاثة من كبار العلماء، وهم: أبي علي الحسين بن علي الأهوازي وشيخ الإسلام الهروي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، رحمهم الله تعالى.

فذكر الأهوازي أن جماعة ممن عرفوا الأشعري بالبصرة -وهي مسقط رأسه -وشاهدوه ونقلوا عنه، حدثوه بأخبار الأشعري منذ ظهوره إلى أن مات، وأنه قد تكلم في الأشعري جماعة من أهل البصرة وذكروا عنه أشياء عجيبة، وأمور غريبة، سيوردها هنا.

وردَّ الأهوازي توبة الأشعري، وزعم أنها غير مقبولة، وذلك لأنه أظهر خلافها، فبعد أن أعلن الأشعري توبته، قال: بأن الإيمان غير مخلوق! وهذا من مذهبه القديم، وذكر الأهوازي أخباراً تؤيد قوله في عدم قبول توبة صاحب البدعة، وبيّن أن البدعة يتعدى ضررها إلى الآخرين، وأن الأشعري إنما ألّف (الإبانة) تقيَّةً لأهل السُّنة، ولم يقبل الحنابلة منه ذلك وهجروه، 

وكان من جملة ما ذكره الأهوازي أن نسبة ابن أبي بشر إلى ما يدعيه من الانتساب إلى الأشعريين ليس ينفعه في دينه -هذا إن كان صادقاً، أما إن كان كاذباً فقد استحق الويل والغضب. وبين أن جد الأشعري: أبا بشر كان يهوديًا، أسلم على يد رجل ينسب إلى الأشعريين، فانتسب إلى ذلك؛ فالله أعلم بذلك.

وذكر أن انتساب الأشعري إلى أهل السُّنة، إنما كان تمويهاً وتدليساً على أهل السنة، وأن نسبته إلى البدعة باقية لم تزل عنه.

وقال الأهوازي: أقام الأشعري بالبصرة لا يختلف إليه أحد من أهل العلم؛ لأنه ليس من أهل العلم بحمد الله -أو قال: لم يكن من أهل العلم بحمد الله -ولم يكن له بها إذ ذاك كبير ذكر ولا كثير أصحاب، وإنما كان له بها أربعة من أصحابه، وخرج الأربعة دعاة له في الآفاق.

وبيّن أن الأشعري كان له أربعة من التلاميذ: الأول ابن عيشون بعثه إلى بغداد ولم يستطع إظهار مذهبه بها خوفاً من الحنابلة إلى أن مات، والثاني: القلانسي سار إلى الري، وأقام بها إلى أن مات، والثالث: عبد العزيز الملقب دمل، سافر إلى الشام وإلى مصر وأقام بها إلى أن مات، وأبو عبد الله بن مجاهد، أقام بالبصرة إلى أن مات.

أما ابن مجاهد، فكان له ثلاثة تلاميذ؛ أحدهم ابن الباقلاني، وابن فورك، وأبو الحسن الطبري. أما الباقلاني فكان أجيراً ثم داخل الملوك فارتفع بهم لا بالعلم، وكان أبو حامد الإسفراييني يشتد في الإنكار عليه، وينهى عن مجالسته. وأما ابن فورك، فإنه سافر إلى خراسان وأقام بها إلى أن مات، وأما أبو الحسن الطبري، فإنه لم يظهر بالكلام قط!

وقال الأهوازي: لم يكن للأشعري منزلة في العلم والقرآن والفقه والحديث، وكذلك جميع نظرائه من المتكلمين، إذا فتشنا العلماء لم نجد لواحد منهم مع القراء ذكرًا، ولا مع الفقهاء، ولا في أصحاب الحديث، بل ولم نجدهم إلا في الصدر مع الفلاسفة وأصحاب الهندسة والمنطق والزندقة، ومع من يقول بالكفر والإلحاد، وترك الكتاب والأثر، وركوب الجدل والخطر.. ولم تظهر هذه الطائفة إلا من نحو ثلاثين سنة، والله تعالى بفضله وإحسانه وجوده وامتنانه لا يخلي قطرًا في كل قطر من أقطار الأرض ممن يدحض قولهم، ويبين فضيحتهم، ويدمغ كلمتهم.

قال: ولم يزل الأشعري يسير في البلاد، ولا يقبل قوله، ولا يرتفع حاله.. لا يجد في بلاد الإسلام - مقرًا، ولا في كنف المسلمين عزًا، ولا في العلماء إقبالاً عليه، حتى لحق ببلاد الأحساء، بلد لا يدخله مؤمن، ولا يقر فيه مسلم .. إلى أن مات، لا رحمه الله، ولا بلّ ثراه، وجعل النار منقلبه ومثواه. هذا آخر كلامه.

كما أن الهروي كثيراً ما كان يدعو على الأشعري ويلعنه بما ألزقه في مذهب الإمام الشافعي من الكلام المُحدَث، ونقل الهروي أن الأشعري اشتهر أمره بأنه لم يكن يستنجي ولا يتوضأ ولا يُصلي! 

وخلاصة الثلب للأشاعرة فيما يلي:

أنهم شبهوا الله بخلقه من وجه، وأنكروا صفاته من وجه، وخالفوا السلف، وتعدوا الظاهر، وردوا الأصل، ولم يثبتوا شيئًا، ولم يبقوا موجودًا، ولم يفرقوا بين التفسير والعبارة بالألسنة، فقالوا: لا نفسرها، نجريها عربية کما وردت، وقد تأولوا تلك التأويلات الخبيثة. وسقط من أقاويلهم على ثلاثة أشياء: أنه ليس في السماء رب، ولا في الروضة رسول، وما في الأرض کتاب. وأبطلوا التقليد، فكفروا آباءهم وأمهاتهم وأزواجهم وعوام المسلمين، وأوجبوا النظر في الكلام، واضطروا إليه الدين بزعمهم، فكفروا السلف. وقالت طائفة منهم: الفرض لا يتكرر. فأبطلت الشرائع. وسموا الإثبات تشبيهًا، فعابوا القرآن وضللوا الرسول عليه السلام. 

وذكر عبد الله بن سعد بن سعود بن عَسْكَر المناسوحي الشافعي رحمه الله ورضي عنه -أن أصحاب الشافعي المتقدمين منه على السنة المحضة، وأما متأخريهم فغالبهم على مذهب الأشعري، وأن منهم الغزالي وإمام الحرمين وأبو القاسم بن عساکر وابن عبد السلام وابن دقيق العيد والنووي، إلا أن بعضهم أبلغ من بعض، وأن بعضهم يوافق في الجميع، وبعضهم في البعض.

ثم ذكر أصحاب الإمام أحمد، قال: متقدموهم على السنة المحضة، ومتأخروهم أقرب إلى السنة من متأخري غيرهم.

وذكر في الكتاب قصةً منكرة، مستبشعة تقشعر منها الأبدان (ص ١٣٤)، ولعلها لم تصح، وقد أساء الأهوازي في إيرادها، وقد قابلها ابن عساكر بمنكر أبشع منها، فساق بسند مظلم مكذوب مثلها، والله المستعان.

وذكر الشيخ ابن تيمية أن الأشعري تاب في آخر عمره، وألف كتابه (الإبانة)، وكان بعده على خير، فالله أعلم.

ومن هؤلاء الذين تكلموا فيه وذكرهم الأهوازي والهروي:

١- أبو بكر الوراق، الذي شكك في صدق توبة الأشعري.

٢-وأبو الحسن محمد بن الحسن العسكري، وأنه كثيراً ما كان ينقطع في المناظرات.

٣-ونقل عن أبي عبد الله الحمراني بالأهواز أن شهد توبة الأشعري يوم الجمعة وأنه شد شريطاً فقطعه وأعلن توبته، ونقل الحمراني أن الناس في زمانه اختلفوا في سبب توبته على ثلاثة أقوال، وكان أتباعه في الاعتزال فقط هم الذين صدقوه، أنه لما جاء إلى الإمام البربهاري ليُعلن توبته وبيّن أنه ردَّ على فرق من اليهود والنصاري، رفض البربهاري، فصنّف بعدها الأشعر يكتابه (الإبانة) فلم يقبوله منه، ونقل الحمراني عن الأشعري ثلمه أحد الموتى ولعنه له، وقوله: أنا ولدتُ مُلحداً!!.

٤-ونقل عن أبي الحسين بن المعتمر: أن الأشعري صنّف رسالة في أن الإيمان يتقي بها الحنابلة ببغداد، قاله ابن فورك، وذلك بعد تصنيفه كتاباً بيّن فيه أنه لا يعتقد بها!!.

٥-ونقل عن جماعةٍ سماهم الفضلاء أنه ثبت عن الأشعري ونُقل عنه أنه كان لا دين له، وكان يتهاون بالشريعة، ويركب الفواحش، ويترك المفروضات.

٦-وعن أبي الحسن محمد بن أحمد الشاهد بالأهواز يقول: رجلان كانا من المعتزلة، خرجا عن المذهب فألحدا: ابن الرواندي، والأشعري.

٧-ونقل بإسناده عن أبي علي بن جامع، يقول: صحبت الأشعري عشرين سنة ما رأيته مصليًا قط. وذكر أنه رآه يبول يوم العيد قبل الصلاة، ثم صلّى ولم يتوضأ.

٨-ونقل عن زاهر بن أحمد: أنه رأى الأشعري يبول في بالوعة وصلى ولم يتوضأ، فلما ذكر له الوضوء، قال له: لستُ بمُحدث، وأراد زاهر أن يخبره، قال: دورت في أخمص الأشعري بالنقش دائرة وهو قائل، فرأيت السواد بعد ست لم يغسله، ونقل عنه أنه شهد الأشعري تحيّر عند موته بسبب مسألة من علم الكلام. وقال: سألت الأشعري عن الله فقال: هو الذي يتأله إليه، فكل من تألهت إليه فهو الله!!

٩-وعن بشر بن عبد الله الأبيوردي الخطيب يحكي عن قاضي جرجان أنه تكلم عن الأشعري بالبصرة أشياء يتعاظمني ذكرها.

١٠- وكان أبو علي الرفاء يقول: لعن الله الكلابية- وكان يشير إلى دار فلان.

١١-ونقل عن الجنيد بن محمد الخطيب أنه شهد على الأشعري بالزندقة.

١٢-ونقل عن أبي سعيد الطالقاني أنه كان كثيراً ما يلعن الكلابية في مجلسه، ويُصرح باسم رئيسهم.

١٤-ونقل عن كثرة حضروا أن ابن فورك حصبه أهل المسجد وأخرجوه من جامع هراة.

١٥-ونقل عن أبي نصر الزَّراد: أنه جذب ابن الخلالي من على المنبر.

١٦-ونقل بإسناده عن الفقيه أبي زيد الفقيه المروزي قال: أتيت أبا الحسن الأشعري بالبصرة، فأخذت عنه شيئا من الكلام، فرأيت من ليلتي في المنام كأني عميت، فقصصتها على المعبر، فقال: إنك تأخذ علمًا تضل به. فأمسكت عن الأشعري، فرآني بعد يومًا في الطريق، فقال لي: يا أبا زيد، ما تأنف أن ترجع إلى خراسان عالمًا بالفروع جاهلاً بالأصول؟ فقصصت عليه الرؤيا، فقال: اكتمها علي هاهنا.

١٧- أبو حامد الشاركي، رفع صوته في علته التي توفي فيها، وقال شيئاً في الكلابية.

١٨- سهل بن أبي سهل الصعلوكي الفقيه بنيسابور يقول: سمعت أبي يقول: كنت ربما أختلف إلى الأشعري فأكتب عنه شيئًا، قال: فجئته في يوم جمعة وقد صلينا العصر، فرأيته من شق الباب وهو يبول، فلما فرغ من بوله دخلت عليه، فقال لي: صليتم العصر؟ قلت: نعم. ثم قام فصلى ولم يتوضأ.

١٩- وعن أبي عمر البسطامي يقول: كان أبو الحسن الأشعري أولاً ينتحل الاعتزال، ثم رجع فتكلم عليهم، وإنما مذهبه التعطيل، إلا أنه رجع من التصريح إلى التمويه.

٢٠-عن أبي عبد الله بن حامد، قال: أقام عندنا عيشون الضراب تلميذ الأشعري الذي بعثه إلى بغداد؛ فلم يظهر من هذا الخذلان شيئًا قط.

٢١-وعن أبي العباس أحمد بن محمد النهاوندي على الإنكار على أهل الكلام وتكفير الأشعرية. وقال أبو عبد الله الدينوري فقال: لقيت ألف شيخ على ما عليه النهاوندي.

٢٢- وعن يحيى بن عمار ما لا أحصي من مرة على منبره يكفرهم ويلعنهم، ويشهد على أبي الحسن الأشعري بالزندقة.

٢٣-وعن أبي أسامة المكي، قال: لعن الله أبا ذر -يعني الهروي؛ فإنه أول من حمل الكلام إلى الحرم، وأول من بثه في المغاربة.

٢٤-وعن عمر بن إبراهيم، قال: لا تحل ذبائح الأشعرية؛ لأنهم ليسوا بمسلمين ولا بأهل كتاب.

وغيرهم الكثير.

ترجمة الحافظ ابن عبد الهادي

اسمه ونسبه:

هو جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي الدمشقي الصالحي الحنبلي، الشهير بابن المبرد، وينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. ويكنى أبا المحاسن، وأبا عمر أيضًا. والصالحي نسبة إلى الصالحية، وهي قرية كبيرة في لحف جبل قاسيون من غوطة دمشق، وفيها قبور جماعة من الصالحين، ويسكنها أيضًا جماعة من الصالحين لا تكاد تخلو منهم، وأكثر أهلها حنابلة أصـلـهـم مــن بـيـت المقدس. 

وابن المبرد: لقب جده شهاب الدين ،أحمد لقبه بذلك عمه، قيل: لقوته، وقيل: الخشونة يده. وهو بسكون الباء، أما الميم فمختلف فيها بين الفتح والكسر، فقد قيدها ابن طولون في ترجمته له بالفتح، وكذا قال الغزي.

بينما قيدها ابن طولون في ترجمة أخيه أحمد بالكسر، وكذا قال الكتاني.

وينتمي ابن عبد الهادي إلى أسرة عريقة في الفضل والعلم والدين، خرج منها كثير من العلماء والحفاظ.

مولده:

ولد سنة (٨٤٠ هـ) بالسهم الأعلى بصالحية دمشق.

حياته العلمية:

حفظ القرآن، و«المقنع»، و«الأصول» للطوفي، و«ألفية ابن مالك»، وقرأ على الشيخ أحمد المصري الحنبلي، والشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، وصلى بالقرآن ثلاث مرات، وقرأ «المقنع» عــلـى الشيخ تقي الدين الجراعي، والشيخ تقي الدين بن قندس، والقاضي علاء الدين المرداوي.

وحضر دروس خلائق، منهم القاضي برهان الدين بن مفلح، والبرهان الزرعي.

وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدين، وغيرهم.

وكان يفتي بعد أن توفرت فيه شروط المفتي، وناب في القضاء، وتولى التدريس في أكبر مدارس دمشق، وهي المدرسة العُمرية.

تلاميذه:

وقد تتلمذ على يديه تلاميذ كثيرون منهم أحمد بن يحيى بن عطوة بن زيد التميمي النجدي، وأحمد بن محمد بن شهاب الدين المرداوي الصالحي الحنبلي، ومحمد بن علي بن طولون الصالحي الدمشقي الحنفي، ونجم الدين بن حسن الشهير بالماتاني الصالحي الحنبلي، وفـضـل بـن عيسى النجدي، ومفلح بن مفلح المرداوي. 

مصنفاته:

له مصنفات كثيرة نحو أربعمائة، وغالبها أجزاء، وقد بقي أكثرها بخطه، منها:

١ - الرياض اليانعة في أعيان المائة التاسعة.

۲ - طبقات الفقهاء. 

٣-الاقتباس في حل سيرة ابن سيد الناس.

٤- ضبط من غبر فيمن قيده ابن حجر. 

٥ - قرة العين في مناقب السبطين. 

٦ - مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام. 

٧- النهاية في اتصال الرواية.

٨- الميرة في حل مشكل السيرة.

٩- العقد التام فيمن زوّجه النبي عليه الصلاة والسلام. 

۱۰ - محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. 

۱۱- محض الترشيد في مناقب سعید بن زید. 

۱۲ - محض الخلاص في مناقب سعد بن أبي وقاص.

۱۳ - تذكرة الحفاظ وتبصرة الأيقاظ.

١٤ - الضبط والتبيين لذوي العلل والعاهات من المحدثين. 

١٥ - إرشاد السالك إلى مناقب مالك. 

١٦ - الإتقان في أدوية اللثة والأسنان. 

۱۷ - عدة الملمات في تعداد الحمامات. 

۱۸ - الإعانات على معرفة الخانات. 

١٩ - ثمار المقاصد في ذكر المساجد. 

٢٠ - نزهة المسامر في أخبار مجنون بني عامر. 

۲۱ - تحفة الوصول إلى علم الأصول.

۲۲ - الرد على من شدَّد وعشر في جواز الأضحية بما تيسر. 

۲۳ - غراس الآثار وثمار الأخبار ورائق الحكايات والأشعار

٢٤ - الاختلاف بين رواة البخاري.

٢٥ - بلغة الحثيث إلى علم الحديث.

٢٦-غاية السول إلى علم الأصول. 

۲۷ - مقبول المنقول من علمي الجدل والأصول.

۲۸ - بحر الدم فيمن تكلم فيه أحمد بن حنبل بمدح أو ذم. 

۲۹ - مراقي الجنان بقضاء حوائج الإخوان. 

٣٠ - إيضاح طرق الاستقامة في بيان أحكام الولاية والإمامة.

إمامته ومكانته عند علماء الحديث: 

وقال ابن العماد الحنبلي: كان إماما ، علامة يغلب عليه علم الحديث والفقه، ويشارك في النحو والتصريف والتصوف والتفسير. وقال نجم الدين الغزي : الشيخ الإمام العلامة المصنف المحدّث». 

وقال الكتاني: «هو الحافظ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي من أعيان محدثي القرن العاشر، والمشهورين بكثرة التصنيف وسعة الرواية... وممن وصفه بالحافظ النجم الغيطي في قال تلميذه ابن طولون الحنفي: «هو الشيخ الإمام علم الأعلام المحدث الرُّحْلة العلامة الفهامة العالم العامل المتقن الفاضل».

وفاته: 

توفي يوم الاثنين سادس عشر المحرم في سنة (٩٠٩هـ)، ودفن بسفح قاسيون، وكانت جنازته حافلة الله تعالى. 

وصف الكتاب

اسم الكتاب هو كشف الغطا عن محض الخطا»، وكأنه يريد أنه سيكشف في هذا الكتاب ما كان مستورًا من الأخطاء المحضة التي عليها الأشاعرة، لا سيما إمامهم الأشعري، ولذا قال في مقدمة كتابه: «هذه نبذة يسيرة مما ذكره أئمةُ الحديث في كتبهم المعتمدة في ترجمة الأشعري وما انطوى عليه، عفا الله عنه».

ثم نقل كتاب مثالب ابن أبي بشر» للأهوازي كاملا، ولكنه فرقه على مواضع مختلفة.

ونقل في غضون ذلك نصوصا من كتاب ذم الكلام الشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري الهروي، فيها وصف للأشعري بعدم الديانة، وفيها ذم له ولأتباعه الذين لصقوا بدعهم بمذهب الإمام الشافعي رحمه الله.

كما نقل نصوصا من ذم الكلام في ذم الكلابية، وهم سلف الأشاعرة، ونصوصا في ذم الكرامية، وأهل الكلام عامة.

ونقل عن شيخ الإسلام الأنصاري نصًا مهما يفيد أن أهل الكلام في زمنه كانوا مقهورين متوارين لا يستطيع الواحد منهم أن يصرح بمذهبه، وأنهم كانوا متهاونين بالعبادة، مستخفّين بالسنة.

ثم نقل عن شيخ الإسلام الأنصاري مقالة مهمة تعد بمنزلة مقارنة توضح أوجه التقارب بين الجهمية والأشاعرة. ثم أورد المؤلف قصيدة في الرد على الأشاعرة. ثم أورد نقلا عن المناسوحي الشافعي في أن أصحاب الإمام الشافعي المتقدمين على السُّنة المخضة، وأما متأخر وهم فغالبهم على مذهب الأشعري.

وأن متقدمي أصحاب الإمام أحمد على السنة المحضة، ومتأخريهم أقرب إلى السنة من متأخري غيرهم. وأن الأشعري وأئمة أصحابه متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن وإبطال تأويلها، ليس للأشعري في ذلك قولان أصلا، ولكن لأتباعه قولان.

ثم ذكر المؤلف أنه قد عظمت البليَّةُ بالأشعرية، حتى صار أتباعه غالب الشافعية وطوائف من المذاهب الأربعة، وكثر الأذى بهم لا سيما في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم كثر ذلك وعم وانتشر في زمان المؤلف، حتى عاد ذلك هو المتظاهر به، ثم ختم الكتاب بقصة حدثت معه تدل على هذا الأمر.

وقد ذكر في خاتمة كتابه أنه صنف هذا الكتاب في بعض يوم.

منهج ابن عبد الهادي في النقل من الكتب

اعتمد المؤلف في كتابه هذا على كتابين أكثر النقل منهما، وهما: الأول: مثالب ابن أبي بشر للأهوازي، وقد تأكد لدي بأدلة يقينية أنه ينقل من نسخة «المثالب المحفوظة في الظاهرية، والتي أمتلك صورة منها؛ فوصفه لها وما وقع في صفحة عنوانها والفروق التي على حواشيها يطابق تماما ما هو موجود في هذه النسخة. وقد لاحظت أنه في بعض الأحيان يختار الفروق التي في هامش النسخة على ما في صلبها.

كما إن هذه النسخة التي في حوزتنا عليها خط ابن عبد الهادي المعروف، وفيها إسناده بسماع الكتاب.

ومما يميّز نقله دقته وأمانته فيما ينقل، حتى إنه ينبه على ما وقع من فروق على حواشي النسخة، ويعبر عن ذلك بقوله: «أو قال: كذا». أو بقوله: وفي رواية كذا».

مثال ذلك: قوله ناقلا عن الأهوازي: سماه كتاب «الإبانة»، صنفه أو قال: صَنَعه - ببغداد لما دَخَلها».

وعند الرجوع إلى نسخة المثالب نجد أن قوله: «صنعه» هو الذي في صلب النسخة، وقوله: «صنفه» هو الذي في حاشيتها منسوبًا فيها لنسخة.

وقد وقعت منه بعض التصحيفات والأخطاء القليلة في النقل من أشدها: قوله ناقلا عن الأهوازي: «ولم يزل - بحمد الله ومنه - قــول الأشعري مهجورًا متروكا لا يُلتفت إليه، ولا يُعتد به يفند بحبه إلى أن نشأت هذه الطائفة».

فقوله: «ولا يعتد به يفند بحبه إذا رجعنا إلى نسخة «المثالب»، وجدنا الناسخ قد وضع على قوله : «يعتد به إشارة للدلالة على أن هناك شيئًا مرتبطا به في الحاشية، ثم كتب في الحاشية: «يقتدى به» من دون نقط التاء، واشتبكت الكلمتان ببعضهما فقر أهما المصنف هكذا يفند بحبه فصحف، ثم ألحق هذا القول المصحف في المتن فأخطأ، والصواب أن يقول كما هي عادته: «ولا يُعتد به، أو قال يقتدى به، ولكن لا أحد يعرى من الخطأ والتصحيف ! كما قال الإمام أحمد رحم الله .

الثاني: ذم الكلام لأبي إسماعيل الهروي ، وقد ظهر لي أن ابن عبد الهادي ينقل من النسخة التركية التي رمز لها الشيخ عبد الله الأنصاري محقق الكتاب بـ (ت)، ويؤكد ذلك أن هذه النسخة كانت في ملك ابن عبد الهادي كما في مقدمة تحقيق الكتاب (١/ ٢٠٥).

وكان رحم الله دقيقا أمينًا في نقله، فكان ينبه على فروق النسخ التي في الحاشية أو بين السطور، ويعبر عن ذلك بقوله: «أو قال: كذا». مثال ذلك: قوله: «ولا يُثبتون في الأرض كلام الله، أو قال: كتاب الله». فإذا رجعنا إلى ذم الكلام» (۱۳۱۸) وجدنا فيها في صلب الكتاب: «ولا في الأرض كتاب الله»، وكتب المحقق في الحاشية: «في (ت): كلام الله» وضبب عليها، وفوقها: كتاب الله» وعليه علامة: صح».

ولا أنسى أن أنبه إلى أن مما يعين على ضبط الكتاب وتوثيقه معرفة الأصول التي استقى منها مؤلفه، لا سيما النسخ الخطية التي نقل منها بعينها؛ فإن في ذلك توثيقا للكتاب لا مزيد عليه، والله أعلم.




قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر تأليف صالح بن محمد العَمْري المعروف بالفُلَّاني (المتوفى: ١٢١٨ هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر

تأليف صالح بن محمد العَمْري المعروف بالفُلَّاني 

(المتوفى: ١٢١٨ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد لا يزال علماؤنا من المُحدثين -هم منائر الأعصار، ومنابر الأمصار، ونور القلوب الأبصار، ذلك أنهم وشحوا أرواحنا بحُلىً من إجازاتهم، وطيَّبوا أنفاسنا بعبيرٍ من أنفاسهم، وأباحوا لنا الرواية بما أخذناه عنهم، فكانوا بحق مفخرة أهل الإسلام، ومعالم رسالة القرآن، فلا أقل من أن نتأسى بهم، ونحتذي سيرتهم، ونترحم عليهم.

وهذا الكتاب هو بساتين نافحة الأزهار، يانعة الثمار، ذكر فيه العلامة الشيخ الفلاني بعض ما قرأه على شيوخه، وما سمعه منهم، وما أجازوه به، من الكتب والأجزاء والشروحات، مع ذكر ما في أسانيدها من العالي والنازل والموافقة والبدل والمصافحة، وغير ذلك مما تتزين بها الأسانيد.

وبلغ عدد الكتب التي ذكر أسانيدها مائة وخمسة وخمسون (١٥٥) كتاباً، وقدَّم برواية الموطأ؛ لأنه الأصل واللباب والتوطئة لما جاء من المصنفات بعده، وذكر رواية الليثي لمكانتها في المغرب، ورواية أبي مصعب الزُّهري لعلوها، ثم بقية الصحاح والسنن والمسانيد، وبين الشيخ الفلاني أن قراءته لهذه الكتب والأجزاء إنما هي قراءة بحث وتدقيق، لا قراءة سرد ونثر.

ومن مميزات هذا الثبت أنه يذكر تعريفاً بالكتاب الذي يرويه، وسنده إليه، وضبط طريقة الرواية له، وعدد المجالس التي استغرقها قراءة كل كتاب، وموضع القراءة، ثم الشروحات التي عليه، يذكر كتب الإمام الذي توصل إليه بسنده وإجازته فيها، بالإضافة إلى ما في الإسناد من اللطائف كرواية المالكيين، أو الشافعيين، ونحو ذلك.

واعتمد الشيخ صالح الفلاني في ثبته هذا على ثلاثة من شيوخه، وعليه مدار الإسناد فيه، وهم:

١-الشيخ محمد بن سنة الفلاني وهو أعلى شيوخه إسناداً.

٢-الشيخ محمد سعيد سفر المحدث الشهير.

٣-المعمر محمد بن محمد بن عبد الله المغربي المدني أجازه عامة.

وذكر شيخان آخران لكنه لم يكثر الرواية عنهما، وهما:

٤- عبد الملك بن عبد المنعم بن الشيخ تاج الدين القلعي أجازه عامة وهو ممن عاش بعد الفلاني مدة، وذكر أنه سمع عليه صحيح مسلم.

٥- سليمان الدرعي، التنبكتي، وذكر أنه سمع عليه صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وجامع الترمذي.

ترجمة موجزة للشيخ صالح الفلاني

أ- اسمه ونسبه:

الفقيه المالكي، الأصولي، المحدث، الحافظ، علم الدين: صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله بن عمر العمري نسبة إلى عمر ابن الخطاب، يصعد نسبة إليه من طريق الحافظ عليم الأندلسي الشاطبي، ويُقال له الفُلاني -نسبة إلى فلان بضم الفاء - قبيلة بالسودان.

ب- ولادته ونشأته ووفاته:

ولد بالسودان سنة (١١٦٦ هـ)، ونشأ بها، وارتحل الى مراكش وتونس وهو ابن اثني عشر عاماً سنة (١١٧٨ هـ) ومصر وبقي فيها نحو ثلاثة أشهر، ودخل الحجاز سنة (١١٨٧ هـ)، واخذ عن علمائها، ثم قدم المدينة ودرّس بها، وتوفي بها في جمادى الآخرة سنة (١٢١٨ هـ). 

ج-ثناء العلماء عليه:

أثنى على الشيخ صالح عددٌ من العلماء، ورفعوه إلى مرتبة الاجتهاد، قال الكتاني في "فهرسته": هو الإمام المحدث الحافظ المسند الأصولي الأثري فخر المالكية..".

وقد حلاه الشيخ عابد السندي "بالإمام الذي لا يجارى، والفهامة الذي لا يمارى، ملحق الأصاغر بالأكابر". وقال فيه الشمس القاوقجي: " كاد أن يكون مجتهداً" اه. 

وممن جزم ببلوغه رتبة الاجتهاد صاحب كتاب "الدين الخالص" وكتابه "إيقاظ الهمم" ينم عن ذلك، ولذلك ترجمته في كتابي " فيمن ادعى الاجتهاد أو ادعي فيه" اه. 

وذكره محدث الشام الوجيه الكزبري في ثبته بقوله: "ومن سادات أشياخي الشيخ الإمام العلامة المتفنن الهمام المشهور بالاسناد العالي، ذو الذهن الوقاد المتلالي، علم الدين الشيخ صالح بن محمد الفلاني" اه.

وجعله صاحب "الحطة" و"عون الودود على سنن أبي داود" من المجددين على رأس المائة الثالثة عشرة.

د- شيوخه في الرواية:

يروي الفلاني عن أعلام منهم: 


١-ومنهم خاله عثمان بن عبد الله الفلاني الشهيد الراوي عن مولاي الشهير محمد بن عبد الله الواولتي والصوابي بإجازة الأخير لوالده عبد الله ومن يولد له.

٢-ومنهم صالح بن محمد بن عبد القادر الفلاني العمري عن محمد بن المختار بن الأعمش الشنقيطي إجازة مراسلة.

٣-ومنهم إبراهيم البار أجاره.

٤-ومنهم محمد بن أحمد الشهير ببابا أجازه في فهرس والده "تشييد المآثر".

٥-ومنهم محمد الشهير بالفغاب أجازه عن ابن زاكور الفاسي.

٦- ومنهم ولده أحمد.

٧-كما أجازه البصري وأجازه بالمنح البادية عن والده عن مؤلفها. 

٨-ومنهم محمد بن سليمان الكردي أجازه عامة عن مشايخه، منهم: حسن بن عبد الرحمن عيديد عن البصري، وعبد الرحمن ابن عبد الله بلفكيه.

٩-ومنهم علي بن محمد الشرواني أجازه عامة كما أجازه هو محمد حياة السندي وغيره.

١٠-ومنهم الشيخ التاودي ابن سودة لقيه بطرابلس الغرب وهو راجع من الحج وقرأ عليه أوائل ابن سليمان الرداني، وبعض التحفة، ومنسكه الذي صنف، والنووية وأجازه عامة.

١١-ومنهم إبراهيم الرئيس بن محمد الزمزمي المكي أجازه عامة عن ابن الطيب الشرقي، وعيد البرلسي، وعبد الوهاب الطنطاوي.

١٢-ومنهم الأمير إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني وأجازه عن والده وأبي الحسن السندي وسليمان الأهدل وغيرهم.

١٣-ومنهم أبو الحسن الصعيدي أجازه أيضا عامة ولازمه مدة مقامه بمصر.

١٤-ومنهم مصطفى الرحمتي الدمشقي أجازه عامة عن عبد الغني النابلسي والبكري وتلك الطبقة.

١٥-ومنهم العارف عبد الله الميرغني الطائفي أجازه عامة. 

١٦-ومنهم: تلميذه حسين بن عبد الشكور الطائفي أجازه عامة عن محمد بن حسين العجيمي وغيره.

١٧-ومنهم الشهاب أحمد الدردير سمع منه الأولية وأجازه عن الحفني والصعيدي.

١٩-ومنهم عبد الله بن سليمان الجرهزي الزبيدي أجازه عامة عن محمد بن علاء الدين المزجاجي، وأحمد بن محمد مقبول الأهدل. 

٢٠-ومنهم محمد بن عبد الرحمن الكزبري أجازه عامة.

٢١-ومنهم محمد المصيلحي المصري أجازه عامة عن عيد البرلسي عن البصري وغيره.

٢٢-ومنهم محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي وأجازه عامة وبخصوص "المنح البادية" عن جسوس عن مؤلفها وشهد له بالرؤية وذلك عام ١٢١٢ هـ، وعاش بعد الفلاني مدة مديدة. 

٢٣-ومنهم أبو الحسن ابن محمد صادق السندي المدني أجازه عامة عن سالم البصري ومحمد حياة السندي وعطاء المكي.

٢٤- ومنهم محمد بن عبد الكريم السمان المدني أجازه عامة عن أبي طاهر الكوراني والبكري وغيرهما ولقنه.

٢٥-ومنهم الشهاب أحمد بن عبيد العطار الدمشقي أجازه عامة.

٢٦-ومنهم عبد العزيز بن حمزة المطاعي المراكشي قاضيها أجازه أيضاً عامة. 

٢٧-ومنهم أبو الحسن علي بن عبد البر الونائي أجاز كل منهما صاحبه.

٢٨- ومنهم أبو الفيض محمد مرتضى الزبيدي المصري لقيه بمصر سنة ١١٨٧ هـ وأجازه إجازة عامة.

٢٩-ومن شيوخه أيضا سليمان بن محمد الدراوي روى عنه " صلة الخلف " للردائي عن مؤلفها، كما قرأ الكتاني ذلك بخطه على أول ورقة منها في نسخة بمكتبة المسجد الحرام بمكة مجيزًا بها لعلي بن عبد الفتاح القبابي.

٣٠-ومن شيوخه أيضاً الشيخة أم الزين زوجة المرحوم الشيخ محمد سعيد سفر المدنية، فقد وجدتُ في إجازة الشيخ إسماعيل بن سعيد سفر للعربي الدمناتي أن الفلاني قرأ عليها ولكن لم يترجمها كالذي قبلها في ثبته الكبير الذي منه نقلت ما رأيت من أسماء شيوخه، ولعله لم يكمله، نعم وجدته ذكرها في ترجمة شيخه العلامة الشهاب أحمد بن محمد سعيد سفر على أنها من شيوخه وأن ولادتها كانت سنة ١١٥٣ هـ. وأم الزين هذه قال عنها ولدها الشيخ إسماعيل ابن محمد سعيد سفر المدني في إجازته للدمنتي: "هي شيخة مشايخ الحرمين ومن وجد الآن بهما من المدرسين يأخذ عنها بواسطة أو واسطتين أو أكثر، وحيدة في العلوم المنطوق والمفهوم، حفظت القرآن بالعشر والخمسة وعشرين متناً من سائر الفنون وهي بنت سبع سنين، وجاء بها والدها إلى والدي محمد سعيد فقال له: أقرئها الكتب الستة والبيضاوي والكشاف، وأخذت عن خالها عمر المالكي". (انظر بقية كلامه عليها في الإجازة المذكورة).

ه- من تصانيفه: 

١-إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار (في أصول الفقه).

٢- قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر

٣- تحفة الاكياس بأجوبة اسئلة الامام خير الدين الياس (= يعني بخير الدين: تاج الدين إلياس المفتي المدني - وهي نظم أسئلة السيوطي في ألف باء).

٤- الثمار اليانع في رفع طرق المسلسلات والأجزاء والجوامع. 

٥-والأجوبة المعربة عما استعجم من الاسئلة الواردة في حروف المعجم.

٦- مَا ورد فِي تَحْرِيم الْخمر.

٧-الأمر بِالْمَعْرُوفِ والنهى عَن المنكر.

و- رواية هذا الثبت:

أقول (محمد حنونة) أروي هذا الثبت إجازةً عن الشيخ محمد ياسين الفاداني، عن السيد أحمد بن إسماعيل البرزنجي، عن أبيه، عن الشيخ صالح الفلاني.

(ح) وعن الفاداني، عن الشيخ عمر بن حمدان المحرسي، عن محمد بن يحيى الدولائي الشنقيطي، عن سليمان بن محمد الشوبري، عن محمد عابد السندي، عن الشيخ صالح الفلاني.

ونروي نازلاً عن الكتاني عن واحدٍ وعشرين مُحدثاً عنه، ومن هؤلاء: محدث الشام الوجيه الكزبري، وعالم مكة ومسندها عمر بن عبد الرسول العطار وعلي البيتي الباعلوي المكي، ومسند مصر علي بن عبد البر الونائي، وإسماعيل بن إدريس الرومي المدني، ومفتي المدينة إسماعيل بن زيد العابدين البرزنجي، ومحمد صالح جمل الليل ومحمد أمين بن حسن الزيله لي المدني، ومحمد بن صالح الشعاب المدني، ومحمد صالح بن إبراهيم الرئيس الزمزمي المكي، والحافظ عابد السندي، ومحمد بن هاشم الفلاني، ويس المرغتي المكي، والبركة الشيخ علي الرئيس الزمزمي المكي الزبيري، وأحمد بن حسن الحنبلي، وأديب الشام أحمد بن عبد اللطيف البربير، وقاضي مكة عبد الحفيظ العجيمي المكي، ومسند المدينة زين العابدين جمل الليل الباعلوي المدني، والشهاب أحمد بن محمد الكردي الاسطنبولي الحنفي، ومفتي الشام الشمس ابن عابدين الدمشقي وغيرهم.

يقول الكتاني: وأعلى ما بيننا وبينه الرواية بواسطتين، وذلك عن مشايخنا الشهاب أحمد ابن إسماعيل البرزنجي وأبي النصر الخطيب وعبد الجليل برادة، ثلاثتهم عن والد الأول السيد إسماعيل عنه. (ح): وعن العلامة نور الحسنين ابن محمد حيدر الأنصاري الهندي كتابة منه عن القاضي العجيمي المكي عن الفلاني.