أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 1 مارس 2023

الفصول البديعة في أصول الشريعة محمد أفندي عمر الباجوري المتوفى (١٩٠٥م/ ١٣٢٣ هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الفصول البديعة في أصول الشريعة

محمد أفندي عمر الباجوري

المتوفى (١٩٠٥م/ ١٣٢٣ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تبوأ كتاب (جمع الجوامع) للتاج السُّبكي مكانة علمية كبيرة لدى العلماء والباحثين في علمي الفقه وأصوله، حيث نال عناية واهتماماً بالغين، فمنهم من شرحه، ومنهم من نظمه، ومنهم من وضع عليه بعض الحواشي، والتعليقات، ومنهم من كتب أجوبة على بعض مسائله، ولذا أضفت عليه الشروح قيمة أخرى فوق قيمته العلمية.

وقد أودع فيه التاج السبكي زبدة ما في شرحيه على (مختصر ابن الحاج)، و(منهاج البيضاوي)، مع زيادات كثيرة من كتب الأصول وغيرها، والتي قال عنها في "مقدمته": مع زيادات لا توجد مجموعة في غيره، مع البلاغة في الاختصار، وقد صنفه في مرحلة متأخرة من حياته، وذلك بعد اكتمال شخصيته الأصولية، وذكروا أن السبكي استفاد كتابه من أكثر من مائة مصنَّف في كتابه.

وكان التاج السبكي كثيراً ما يُشِيد بكتابه (الجمع)،  ويحث الطلاب على قراءته ودراسته، ويُبيّن كثيراً من مزاياه وفوائده التي انفرد بها عن غيره من المصنفات في أصول الفقه؛ فمن ذلك قوله في الطبقات: (هو مختصر جمعناه في الأصلين؛ جمع فأوعى . . . فيه زيادة على ما في مختصرات أصول الفقه . . . و هذا شأن كتابنا (جمع الجوامع) نفع الله به،  غالب ظننا أنّ في كل مسألة فيه زيادات لا توجد مجموعة في غيره).

وللمؤلف السُّبكي أرجوزة عليه من نظمه، وكذلك له شرح عليه، وله أيضاً: (منع الموانع عن إكمال جمع الجوامع)، وهو ردود على الاعتراضات التي أوردها بعض المعاصرين للسبكي على "جمع الجوامع"، وذلك أن شمس الدين محمد بن محمد الأسدي الغزي الشافعي أرسل إلى المصنف في حياته بمؤلفه "البروق اللوامع فيما أورد على جمع الجوامع"، فلما رآه المصنف أثنى عليه، وأجابه عنها في (منع الموانع).

وهذا الكتاب النفيس، هو تلخيص لكتاب جمع الجوامع وشرحه الذي ألفه التاج السبكي في أصول الفقه، ويقع التلخيص في عشرة فصول، ابتدأها بفصول في علم الكلام كما في مقدمته، والتي سار فيها على نهج الأشعرية تبعاً للأصل، وختمها بأصول نافعة في الدنيا والآخرة، وما بين ذلك مباحث جليلة في أصول الفقه، جمع فيها طرقه بعبارات وجيزة ودسمة ومختصرة.

وقسم السُّبكي الكلام في كتابه إلى سبعة كتب، وفي كل كتاب أبواب، وفي كل باب مسائل وفروع، فتحدث أولاً عن (المقدمات)، ثم عن الدليل الإجمالي الأول (وهو الكتاب العزيز)، وما فيه من أبواب (المنطوق والمفهوم -والأوامر والنواهي -والعام والخاص -والتخصيص ومتعلقاته -والبيان والمبين، والنسخ)، ثم الدليل الثاني، وهو (السنة النبوية) وما يتعلق بالخبر من المباحث، ثم (الإجماع)؛ (فالقياس)، ثم (الاستدلال) وضمنه الاستحسان، (فالتعادل والتراجيح)، وأخيراً (الاجتهاد).

ومن الشروح العديدة التي حظي بها كتاب جمع الجوامع ونظمه

١- (تشنيف المسامع في شرح جمع الجوامع) لبدر الدين الزركشي (ت ٧٤٩ هـ)، والذي قال عنه: "اشتمل على  النقول الغريبة، والمسائل العجيبة، والحدود المنيعة، والموضوعات البديعة، مع كثرة العلم، ووجازة النظم، قد علا بحره الزاخر، وأصبح اللاحق يقول: كم ترك الأول للآخر".

٢-(النكت على جمع الجوامع، وشرحه: النجم اللامع)؛ لمحمد بن أبي بكر بن جماعة، المتوفى سنة (٨١٩ هـ).

٣-(الغيث الهامع في شرح جمع الجوامع) للحافظ ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (المتوفى سنة ٨٢٦ هـ)، وامتاز شرحه بكونه أكثر تفصيلاً من شرح البدر الزركشي.

٤-(لمع اللوامع في توضيح جمع الجوامع للسبكي) لشهاب الدين أحمد بن حسين بن الرملي الشافعي المعروف بابن رسلان (المتوفى ٨٤٤ هـ).

٥-(النكت على جمع الجوامع) للحافظ أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة (٨٥٢ هـ).

٦-(البدر الطالع بشرح جمع الجوامع)؛ لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي، المتوفى سنة (٨٦٤ هـ). 

٧- (شرح على نظم جمع الجوامع للسبكي)؛ لأبي البركات محمد بن أحمد بن عبد اللَّه الغزّي، المتوفى سنة (٨٦٤ هـ).

٨-(شرح برهان الدين على جمع الجوامع)؛ لبرهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي، المتوفى سنة (٨٨٥ هـ).

٩-(الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع) للإمام شهاب الدين أحمد بن إسماعيل الكوراني (المتوفى سنة ٨٩٣ هـ).

١٠-(الضياء اللامع في شرح جمع الجوامع، والبدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع)؛ للفقيه الأصولي المالكي أحمد بن عبد الرحمن بن موسى، أبو العباس القيرواني القروي التونسي، القاضي المعروف بحلولو المتوفى بتونس (المتوفى سنة ٨٩٨ هـ).

١٠-(النجم اللامع في شرح جمع الجوامع)؛ لأبي البقاء محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جماعة، المتوفى سنة (٩٠١ هـ).

١١-(الثمار اليوانع في شرح جمع الجوامع)؛ للفقيه خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاوي الأزهري المصري المعروف بالأزهري (المتوفى سنة ٩٠٥ هـ).

١٢-(شرح جمع الجوامع للسبكي)؛ للفقيه علي بن يوسف بن علي المعروف بالبُصروي، المتوفى سنة (٩٠٥ هـ).

١٣-(الدرر اللوامع في تحرير جمع الجوامع للسبكي)؛ لأبي المعالي محمد بن محمد بن أبي بكر الشافعي، المتوفى سنة (٩٠٦ هـ).

١٤-(شرح الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع) للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت ٩١١ هـ).

١٥-(البدر اللامع في نظم جمع الجوامع)؛ للفقيه أبي الحسن علي بن محمد بن عيسى الأشموني (ت ٩٢٩ هـ).

١٦-(حاشية على شرح جمع الجوامع للسبكي) لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري السنيكي (ت ٩٢٦ هـ)، وله أيضاً: (لبّ الأصول في مختصر جمع الجوامع للسبكي).

١٧-(حاشية على شرح جمع الجوامع لابن السبكي)؛ للفقيه المالكي أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إسماعيل اللقاني (ت ٩٥٤ هـ).

١٨-(حاشية على شرح جمع الجوامع للسبكي)؛ للفقيه المالكي محمد بن حسن بن علي اللقاني، المتوفى سنة (٩٥٧ هـ).

١٩-(حاشيه على شرح جمع الجوامع)؛ لأبي عبد الله محمد ناصر الدين اللقاني المالكي (المتوفى سنة ٩٥٨ هـ).

٢٠-(الآيات البينات على شرح جمع الجوامع= حاشية)؛ لأبي العباس أحمد بن قاسم شهاب الدين الصبّاغ المعروف بالعبادي (المتوفى بالمدينة المنورة سنة ٩٩٤ هـ).

٢١-(حاشية على شرح جمع الجوامع) لعلي بن أحمد النجّاري، المعروف بالشعراني (المتوفى  سنة ٩٧٠ هـ).

٢٢-(حاشية على شرح جمع الجوامع)؛ للفقيه المالكي  محمد بن حسن (حسين) بن مسعود البناني، المتوفى سنة (١١٩٤ هـ).

٢٣-(حاشية على شرح جمع الجوامع)؛ للفقيه المالكي عبد الرحمن بن جاد الله البنّاني المغربي، (المتوفى سنة ١١٩٨ هـ).

٢٤-(حاشية على شرح مقدّمة جمع الجوامع للمحلّي)؛ للفقيه الحنفي أبي العرفان محمد بن علي المعروف بالصبّان المتوفى سنة (١٢٠٦ هـ). 

٢٥-(حاشية على جمع الجوامع)؛ لأبي السعادات حسن بن محمد بن محمود المغربي (المتوفى سنة ١٢٥٠ هـ).

٢٦-(تقريرات على شرحي جمع الجوامع) للفقيه الشافعي عبد الرحمن بن محمد الشربيني (ت ١٣٢٦ هـ).

٢٧-(الفصول البديعة في أصول الشريعة =مختصر جمع الجوامع)؛ لمحمد أفندي عمر الباجوري، المتوفى سنة (١٣٢٣ هـ)، وهو الكتاب الذي بين أيدينا.

٢٨-(إسعاف المطالع بشرح البدر اللامع نظم جمع الجوامع)؛ للفقيه الشافعي محمد محفوظ بن عبد الله الترمسي الجاوي، المتوفى سنة (١٣٣٢ هـ).

٢٩-(الترياق النافع بإيضاح وتكملة مسائل جمع الجوامع) لأبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد شهاب الدين باعلوي الحسيني الحضرمي اليمني المتوفى (١٣٤١ هـ).

٣٠-(البدر الساطع شرح جمع الجوامع) للفقيه الحنفي محمد بخيت بن حسين المطيعي (ت ١٣٥٤ هـ).

٣١-(تقريرات المالكي علي جمع الجوامع)؛ للفقيه الأصولي حسين مخلوف بن محمد العدوي (المتوفى سنة ١٣٥٦ هـ).

٣٢-(الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع)؛ لأبي المواهب عبد الحفيظ بن الحسن العلوي الحسني المالكي، (المتوفى سنة ١٣٥٦ هـ).

ترجمة مختصرة للشيخ المؤلف (محمد أفندي الباجوري)

هو العالم الفاضل محمود بن عمر بن أحمد بن عمر ابن شاهين الباجوري، المصري النحوي الصرفي البياني. أصله من أسرة تمتد جذورها إلى جزيرة العرب وسكنوا (الباجور) بالمنوفية بمصر. 

وتخرج بدار العلوم بالقاهرة، وعين فيها معيداً وضابطاً (سنة ١٨٨٠ م)؛ فمدرساً للحساب والهندسة والجغرافيا وتاريخ الإسلام والبلاغة والنحو فيها (سنة ١٨٨٢ م) وتدريس التوحيد والفقه الحنفي بمدرسة (المهندسخانة).

وكان من أعضاء الوفد المصري في المؤتمر العلمي الشرقي في (ستوكهولم) ببلاد السويد والنرويج (سنة ١٨٨٩ م) وقدم للمؤتمر رسالته (أمثال المتكلمين من عوام المصريين - ط) وفيها نحو ٣٠٠٠ مثل، مشروحة.

وله في رحلته هذه (الدرر البهية في الرحلة الأوروبية - ط) ودرّس في المدرسة الخديوية. ثم حضر مؤتمر اللغات الشرقية بلندن (سنة ١٨٩١ م). وتولى إدارة (مجلة التربية) بمصر، وقد صدر العدد الأول منها سنة ١٩٠٥م. واعتكف بعد مدة قصيرة في قريته إلى أن توفي  (١٩٠٥م)

ومن كتبه أيضاً: (أدب الناشئ - ط) رسالة، و(التذكرة في تخطيط الكرة - ط) في الجغرافية، و(تنوير الأذهان، في الصرف والنحو والبيان - ط) و(الفصول البديعة، في أصول الشريعة - ط) اختصره من (جمع الجوامع، و (القول الحق في تاريخ الشرق - ط)، و(المنتخبات الأدبية - ط).

ترجمة موجزة للإمام السُّبكي

اسمه ونسبه:

هو عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي، أبو نصر، قاضي القضاة، تاج الدين.

ولادته، ونشأته:

ولد تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب سنة (٧٧ هـ) بالقاهرة، وفتح عينيه على بيت يموج بالمعرفة، ورأى وفود العلماء تتدفق إلى مجلس أبيه، ينهلون من علمه، ويقيدون فوائده، فليس غريبًا أن ينشأ عبد الوهاب على التحصيل مبكرًا، وأن يحفظ القرآن في صغره ثم يأخذ عن والده أصول العربية، والعقيدة، والتشريع.

أسرته وعنايتها بالعلم:

على الرغم مما اكتنف القرن الثامن الهجري، فإنه يعتبر مرحلة من مراحل النشاط الفكري، التي ظهرت في الدولة الإسلامية عقب الزحف التتري على بلاد الإسلام في القرنين السادس والسابع، فإن الأهوال العظيمة التي صحبت هذا المد، وما نجم عنها من إهلاك للبشر، وتخريب للديار، وحرق وإغراق للثروة العلمية، والتراث الإسلامي على يد أولئك الهمج، نبَّه جهور علماء المسلمين ودفعهم دفعًا إلى تراث آبائهم وأجدادهم، فعكفوا عليه تحصيلًا، وفهمًا، وتمثلوه علمًا وفنًّا، ثم فزعوا -بعد ذلك- إلى أقلامهم يسجلونه على نحو جديد، يدنيه من كل قلب، ويحببه إلى كل نفس، وكان ذلك إيذانًا ببداية عصر الموسوعات العلمية والأدبية، ولمعت آنذاك في سماء الفكر شخصيات فريدة ظلت تحافظ على هذه الثروة الفكرية، يسلمونها من جيل إلى جيل حتى وصلت إلينا غنية موفورة، تقدم بعض العزاء عما فقدناه من أصول الفكر الإسلامي، التي ذهب بها الغزو التتري، وأتت على كثير منها الحروب الصليبية.

وكانت أسرة زين الدين أبي محمد السبكي من بين الأسر التي كان لها حظ المشاركة بنصيب كبير في تلك النهضة العلمية.

فعبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي، المصري، قاضي القضاة، زين الدين، أبو محمد كان مشهورًا بالصلاح، كثير الذكاء، سمع الحديث من علماء عصره، كما أخذ الفروع عن آخرين، وقرأ الأصول على القرافي، وتنقل في أعمال الديار المصرية، وحدَّث بالقاهرة والمحلَّة، وخرج له تقي الدين أبو الفتح السبكي مشيخة حدث بها، وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتوفي سنة (٧٥٣ هـ).

وولده علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف الأنصاري الخزرجي السبكي، الشافعي، تقي الدين، أبو الحسن، عالم مشارك في الفقه، والتفسير، والحديث، والأصلين، والمنطق، والقراءات، والحديث، والخلاف، والأدب، والنحو، واللغة، والحكمة، ولد بسبك العبيد من أعمال المنوفية بمصر سنة (٦٨٣ هـ) وتفقه على والده، ودخل القاهرة، وولي قضاء الشام، وله مؤلفات كثيرة، بلغت (١٥٠) كتابًا، منها: "الإبهاج في شرح المنهاج" وأكمل غالبه ولده تاج الدين، و"الابتهاج في شرح المنهاج" للنووي في الفروع، و "الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم"، و"الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة"، و "المواهب الصمدية في المواريث الصفدية"، و"الفتاوى" جمعها ولده التاج في ثلاث مجلدات، وتوفي بالقاهرة سنة (٧٥٦ هـ).

وحفيده: الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي، جمال الدين أبو الطيب، ولد بالقاهرة سنة (٧٢٢ هـ) ودرس بها وبدمشق، كان عارفًا بالرجال، وناب في القضاء، وتوفي سنة (755 هـ)، ومن آثاره كتاب في "من اسمه الحسين بن علي.

وحفيده: أحمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي، بهاء الدين، أبو حامد، فقيه، أصولي، مشارك في بعض العلوم ولد سنة (٧١٩ هـ) وسمع بمصر، والشام، وولي قضاء الشام، وأفتى، ودرس، ومن مؤلفاته: "شرح الحاوي الصغير في فروع الفقه الشافعي"، و"شرح التلخيص في المعاني والبيان"، و"شرح مختصر ابن الحاجب"، وغيرها، وتوفي سنة (٧٧٣ هـ).

وأما حفيده المترجم له التاج أبو نصر عبد الوهاب بن علي، فقد أوفى على الغاية، واستطاع بذكائه وجده ودأبه -بعد عون الله عزَّ وجل- أن يصل إلى أرقى المناصب، وأن يحتل مكان الصدارة في الفتيا والتدريس، وأن يخرج إلى الناس من مؤلفاته ما يبهر، غزارة في العلم، وجال عرض، وحسن تنسيق.

شيوخه:

أما مرحلته الأولى، فقد اشتغل فيها على والده أولًا، فأخذ عنه العلوم المختلفة، ثم حضر وسمع من جماعة بمصر، وبعد ذلك قدم دمشق مع والده في سنة (٧٣٩ هـ) وسمع بها من علمائها، وجدَّ واجتهد، وقد أجازه الكثير منهم، وإليك بعضًا من شيوخه:

١- الحافظ المزي:

يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف القضاعي، الكلبي، الحلبي، الدمشقي المزي، جمال الدين أبو الحجاج، محدث، حافظ، مشارك في الأصول، والفقه، والنحو، والتصريف، واللغة، ولد بحلب سنة (٦٥٤ هـ) وسمع الكثير ورحل وحدث نحو خمسين سنة، فسمع منه الكبار والحفاظ، وولي دار الحديث الأشرفية مدة طويلة. ومن مؤلفاته: "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"، و"تهذيب الكمال في معرفة أسماء الرجال"، ومعجم لشيوخه، وتوفي بدمشق سنة (٧٤٢ هـ).

٢-ابن النقيب:

محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، شمس الدين، ولد سنة (٦٦٢ هـ) تقريبًا، كان عالمًا، ورعًا، ديِّنًا، عفيفًا، وتولى التدريس بأماكن عديدة، وتولى القضاء بحمص، ثم طرابلس، ثم حلب، ومن آثاره: "مقدمة في التفسير"، وديوان شعر، وقد أجاز تاج الدين السبكي بالإفتاء، والتدريس، وهو في سن السادسة عشرة تقريبًا، وتوفي المترجم له سنة (٧٤٥  هـ).

٣- الذهبي:

شمس الدين محمد بن أحمد الإمام، المتوفى سنة (٧٤٨ هـ)، فقد كان تاج الدين السبكي ملازمًا له أكثر من غيره، لسبب ذكره التاج بقوله: "وكنت أنا كثير الملازمة للذهبي، أمضى إليه في كل يوم مرتين، بكرة وعشيًّا، وأما المزيّ، فما كنت أمضى إليه غير مرتين في الأسبوع، وكان سبب ذلك أن الذهبي كان كثير الملاطفة والمحبة لي، بحيث يعرف من علم حالي معه أنه لم يكن يحب أحدًا كمحبته لي، وكنت أنا شابًّا، فيقع ذلك مني موقعًا عظيمًا، وأما المزيّ فكان رجلًا عبوسًا مهيبًاً.

٤- ابن حيان:

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي، أثير الدين، أبو حيان، ولد بغرناطة سنة (٦٥٢ هـ) وقيل: (٦٥٤ هـ)، وشرع في طلب العلم سنة (٦٧٠ هـ) فجدَّ واجتهد، وثابر حتى صار شيخ النحاة في عصره، وإمام المفسرين في وقته، جمع العلوم المختلفة والفنون المتعددة، فكان أديبًا، نحويًّا، لغويًّا، مفسرًا، محدّثًا، مقرئًا، مؤرخًا، سالمًا في عقيدته من بدع الفلسفة والاعتزال والتجسيم، وسمع الحديث في الأندلس والحجاز ومصر، وأخذ العلوم الأخرى عن الجم الغفير، وتخرج عليه أئمة يقتدى بهم علمًا، وزهدًا، وورعًا، منهم تاج الدين السبكي، وله مؤلفات، منها: "البحر المحيط في التفسير"، و"تحفة الأديب بما في القرآن من الغريب"، و"عقد اللآلي في القراءات السبع العوالي"، و"الإعلام بأركان الإسلام"، و"شرح تسهيل الفوائد في النحو"، وتوفي سنة (٧٥٤ هـ) بالقاهرة.

٥- ابن رافع:

محمد بن رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السلامي، العميدي المصري، أبو المعالي، تقي الدين، ولد في مصر سنة (٧٠٤ هـ) ونشأ بها، ورحل به أبوه إلى الشام لسماع الحديث مرات عديدة، وسمع من الجم الغفير وانتفع به الكثير، منهم تاج الدين السبكي، وتخرج به، وكان حافظًا، محدّثًا، مؤرخًا، مقرئًا، مشاركًا في العلوم الأخرى، ومن مؤلفاته: معجم لنفسه في أربع مجلدات، و "ذيل على ذيل تاريخ بغداد" لابن النجار، ووفيات ذيل بها على تاريخ البرزالي إلى شيخه، وتوفي بدمشق سنة (٧٧٤ هـ)، كما أخذ عن غيرهم من علماء عصره

 تلاميذه:

نظرًا لظهور وتألق تاج الدين السبكي في فنون عديدة من العلم، مع صغر سنه، فقد أخذ عنه العلوم المختلفة جم غفير، وتخرج عليه أئمة يقتدى بهم علمًا، وزهدًا، وورعًا، وعفة، ونزاهة، وإليك بعضًا منهم:

١- المعري الحلبي:

محمد بن أحمد بن علي بن سليمان، بدر الدين، بن الركن، المعرّي، ثم الحلبي، ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن علماء عصره، كالقاضي تاج الدين السبكي، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا، وله من المؤلفات: "روض الأفكار في الحكايات والأخبار"، وخطب في مجلدة، وله نظم، ونثر، ومات في فتنة التتار سنة (٨٠٣ هـ).

٢ - العيزري، الزبيري، الأسدي:

محمد بن محمد بن محمد بن الخضر، الزبيري، الغزي، الشافعي، ويعرف بالعيزري، شمس الدين، فقيه، مشارك في علوم متعددة، ولدت بالقدس سنة (٧٢٤ هـ) ثم تفقه بالقاهرة على جماعة من العلماء ورجع إلى غزة، فاستقر بها، ودخل دمشق وأخذ عن التاج السبكي وغيره، ومن مؤلفاته: "الظهير على فقه الشرح الكبير"، ونكت على "المنهاج"، و "مختصر القوت"، للأذرعي (1)، وغير ذلك، وتوفي سنة (٨٠٨ هـ).

٣- الحموي ابن خطيب المنصورية:

يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن علي بن عبد الله، جمال الدين الشافعي، ويعرف بابن خطيب المنصورية، أبو المحاسن، ولد سنة (٧٣٨ هـ)، وطلب العلم بحماة، فأخذ عن علمائها وبدمشق كذلك، وأخذ بها عن التاج السبكي وغيره، وأخذ عنه الكثير فنون عديدة، كان فقيهًا، أصوليًّا، بيانيًّا، مفسرًا، فرضيًّا، ناظمًا، نحويًّا. ومن مؤلفاته: "شرح أحاديث الأحكام في مجلدات"، و "شرح ألفية ابن مالك"، و "شرح فرائض المنهاج الفرعي"، و "شرح ألفية ابن معطي"، وتوفي بحماة سنة (٨٠٩ هـ).

٤- ابن حجي:

أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرف السعدي، الحسباني، الدمشقي، الشافعي، شهاب الدين، أبو العباس، ولد بظاهر دمشق في الرابع من محرم سنة (٧٥١ هـ) وحفظ "التنبيه" وغيره، وسمع الحديث من خلائق، وأجازوا له من بلاد شتى، وقرأ بنفسه الكثير، وأخذ الفقه عن والده وتاج الدين السبكي وغيرهما، ودرس، وأفتى، وأعاد، وناب في الحكم، وصنف، وكتب بخطه الشئ الكثير، وكان حافظًا، محققًا، فقيهًا، محدثًا، مفسرًا، نحويًّا، ومن مؤلفاته: "الدارس في أخبار المدارس"، و "شرح على المحرر"، ومعجم لشيوخه على حروف المعجم، و "الذيل على العبر"، وغيرها كثير، وتوفي في المحرم سنة (٨١٦ هـ).

٥ - الباعوني:

أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن، شهاب الدين، أبو العباس، الناصري، الباعوني، ولد سنة (٧٥٢ هـ) وحفظ القرآن، وكذا المنهاجين، الفرعي، والأصلي، والألفية، وغير ذلك وقدم دمشق، وعرض كتبه على كثير من العلماء منهم تاج الدين السبكي، وكان عالمًا، متفننًا في علوم شتى كالفقه، والأصول، والحديث، والتفسير والنحو وغيرها، كما تولى القضاء والخطابة بالقدس ودمشق ومشيخة الشيوخ، وغير ذلك، وكان خطيبًا، بليغًا، له اليد الطولى في النظم والنثر مع السرعة في ذلك، وتوفي سنة (٨١٦ هـ)

وفاته:

وبعد هذه الحياة الحافلة بجلائل الأعمال والنتاج والعطاء الذي برهن على ثقافته الواسعة، والتي رفدتها أفكار شيوخه، واعتناء والده به منذ نعومة أظفاره، وهذبها حرصه ودأبه، ثم تولى بسطها أمام الناس ذهن وقاد، ولسان طلق، وحجة قوية، ونشرها بين جمهرة المثقفين ما أخذ نفسه من التقييد والتأليف، وما قدر لمؤلفاته من القبول والنجاح.





الجمعة، 24 فبراير 2023

المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة محمد عبد الباقي الأنصاري الأيوبي اللكنوي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة 

محمد عبد الباقي الأنصاري الأيوبي اللكنوي

(١٢٨٦ - ١٣٦٤ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ الحديث المسلسل عند المحدثين هو ما توارد رجال إسناده واحداً فواحداً، على روايته في حالة معينة أو صفة واحدة سواء كانت الصفة للرواة أو للإسناد، ثم قد يتسلسل الحديث من أوله إلى آخره، وقد ينقطع بعضه من أوله أو آخره، وسواء وقع التسلسل في إسناده، أو في صيغ الأداء، أو تعلق بزمن الرواية، أو بمكان الرواية، أو يتعلق بأحوال الرواة وصفاتهم أقوالاً أو أفعالاً. 

وفائدة التسلسل في الحديث هو اشتماله على مزيد الضبط من الرواة، وبعده عن التدليس والانقطاع، وقلما يسلم المسلسل عن خلل من نقصان تسلسله يقطع السلسلة في وسطه أو أوله أو آخره، أو من ضعف في وصف تسلسله -حتى لو كان المتن سالماً.

ولا شك أن أفضل المسلسلات هو ما كان متصل الإسناد، توفرت فيه السماع وعدم التدليس، وأصحُّ المسلسلات على الإطلاق (المسلسل بسورة الصف) كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وربما يكون إسناد الحديث المسلسل موضوعاً أو مُركباً لكن متنه صحيح، ولكن تروي المسلسلات الضعيفة على سبيل التبرك، وأما الموضوعة فيجب بيان حالها.

وقد ذكر اللكنوي في هذا الكتاب مائتان واثني عشر حديثاً مسلسلاً بالمكرر، ومن غير المكرر مائة وخمسة وسبعون حديثاً، ابتدأه بالأولية، وختمه بالمسلسل بختم الدعاء، ثم أردف هذه المسلسلات بإيقاظ واعتذار ووصية، وبين ذلك ذكر الفوائد الإعرابية وضبط الألفاظ وزيادتها، وما يصحُّ منها وما لا يصح، وذكر من خرّجه من الأئمة، مع بيان صحته وضعفه، وما له من الشواهد والمتابعات، وما فيه من اللطائف والفرائد، وبعض المسائل الفقهية والحديثية والتي قد يُوافق عليها، أو يُخالف فيها، وأوقات سماعه إن وجده.

أغلب شيوخ اللكنوي في هذه المسلسلات (ستة):

محمد صالح بن عبد الله العباسي السناري المكي.

علي بن السيد ظاهر الوتري المدني.

السيد أمين بن أحمد بن رضوان المدني الشافعي.

 أبو الخير أحمد بن عبد الله مرداد المكي.

فالح بن محمد الظاهري المدني 

 محمد عبد الوهاب اللكنوي، وهو ابن عمه.

روايتي لهذا الكتاب:

قلتُ (محمد حنونة): وقد أخبرنا بثبت الإمام الكتاني إجازة جمعٌ من الشيوخ، منهم الشيخ العلامة المعمر عبد الرحمن بن محمد عبد الحي الكتاني، وشيخنا العلامة محمد بن الأمين بوخبزة التطواني المغربي، وشيخنا أحمد ومحمد أبناء السيد أبوبكر بن حسين بن الحبشي (صاحب الدليل المشير)؛ كلهم عن والد الأول حافظ العصر ومسند الوقت ومحدثه العلامة أبو الأسعاد وأبو الإقبال محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المغربي الفاسي (صاحب فهرس الفهارس)، وهو يروي عن المؤلف مكاتبةً، ثم اجتمع به في المدينة المنورة.

وكذلك أروية إجازةً عن مُسند العصر محمد ياسين الفاداني المكي، عن الشيخ محمد عبد الباقي اللكنوي الأنصاري.

المسلسلات في هذا الكتاب:

١-المسلسل اببتداء المجالس وختمها: المسلسل بالأولية، والمسلسل بالآخرية، والمسلسل بالتأمين على الدعاء، والمسلسل بختم المجلس بالدعاء. 

٢-المسلسل بالصفة الزمانية: المسلسل بالتحديث يوم العيد، والمسلسل بيوم عاشوراء، والمسلسل بالقنوت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح.

٣-المسلسل بالصفة المكانية: والمسلسل بالدعاء في الملتزم، والمسلسل بقراءة القرآن على الضرس.

٤-المسلسل بالتعليم: والمسلسل في صفة التيمم، والمسلسل بالقراءة في الوتر.

٥-المسلسل بفعل من الأفعال: المسلسل بقص الأظفار يوم الخميس، والمسلسل بمناولة السبحة، والمسلسل بالعد في اليد، والمسلسل بالقبض على اللحية، والمسلسل بوضع اليد على الرأس، والمسلسل بوضع اليد على الرأس عند ختم سورة الحشر، والمسلسل بوضع اليد على الكتف، والمسلسل بمسح الأرض باليد، والمسلسل بعض السبابة، والمسلسل بالضيافة بالأسودين التمر والماء، والمسلسل بتقريب الجبن والجوز، والمسلسل بالتلقيم، والمسلسل بالإطعام والإسقاء، والمسلسل بأكل الجرى وهو بكسر الجيم والراء مشددة وهو سمك طويل أملس ليس عليه فصوص لا تأكله اليهود كذا في القاموس.

٦-المسلسل بقول من الأقوال: المسلسل بقول كل راو الدعاء عبادة، والمسلسل بقول كل راو أنا أحبك فقل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، والمسلسل بقول كل راو كتبته فها هو في جيبي، والمسلسل بقول كل راو الجنة دار الأسخياء، والمسلسل بقول كل راو يعجبني حديث، والمسلسل بقول كل راو في العزلة سلامة، والمسلسل بقول كل راوٍ جربته فوجدته كذلك، والمسلسل بقول كل راو جربته فوجدته حقاً، والمسلسل بقول كل راو ما زلت بالأشواق، والمسلسل بقول كل راو رحم الله فلاناً (كيف لو أدرك زماننا هذا؟)، والمسلسل بقول كل راو قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والمسلسل بقول كل راو ما تركتهن منذ سمعتهن، والمسلسل بقول كل راو ولا كذبت على فلان، والمسلسل بقول كل راو أرجو لك ذلك.

٧-المسلسل بأنواع من المصافحة: والمسلسل بالمصافحة، والمسلسل بالمصافحة العلوية وهي مسلسلة بالصوفية، والمسلسل بالمصافحة الخضرية، والمسلسل بالمصافحة المدينية، والمسلسل بالمصافحة المعمرية، والمسلسل بالمصافحة الحبشية، والمسلسل بالمصافحة المكية، والمسلسل بالمشابكة، والمسلسل بالمشابكة المغربية.

٨-المسلسل بحالة من أحوال الراوي: المسلسل بلبس الخاتم في اليمني، والمسلسل بالاتكاء، والمسلسل بالقيام، والمسلسل بالتبسم، والمسلسل بالضحك والتبسم معاً، والمسلسل بالإعجاب، والمسلسل بالبكاء، والمسلسل باتخاذ الديك الأبيض، والمسلسل بانفراد كل راو بصفة في زمانه.

٩-المسلسل بصفة الرواية: والمسلسل بالسماع، والمسلسل بالقراءة، والمسلسل بجلست معه وأخذت عنه الحديث.

١٠-المسلسل بكيفية من كيفيات الأداء: المسلسل بالسؤال عن السن، والمسلسل بالسؤال عن الإخلاص، والمسلسل بالسؤال عن علم الباطن، والمسلسل بالنظر في المصحف، والمسلسل بالوحدة، والمسلسل بحدثني وحدي، والمسلسل بالتوقير، والمسلسل بالإشارة، والمسلسل ببيان اسم الراوي، والمسلسل بالسؤال عن الإسم وتوابعه، والمسلسل بقول كل راو من أراد أن ينظر إلى سمتي وهديي فلينظر إلى فلان، والمسلسل بأخذ اليد.

١١-المسلسل بطائفة معينة من الناس: المسلسل بالشعراء، والمسلسل بالحفاظ، والمسلسل بالقراء، والمسلسل بالقضاة، والمسلسل بالأئمة، والمسلسل بالنحاة، والمسلسل بالزهاد، والمسلسل بالورعين، والمسلسل بالصوفية، والمسلسل بالمعمرين، والمسلسل بالخطباء.

١٢-المسلسل بقراءة شيء من القرآن: المسلسل بقراءة سورة الفاتحة، والمسلسل بقراءة آية الكرسي، والمسلسل بقراءة سورة النحل، والمسلسل بقراءة سورة الصف، والمسلسل بقراءة سورة الكوثر، والمسلسل بالسجود في سورة الانشقاق.

١٣-المسلسل بالدعاء على النفس: المسلسل بقول كل راو صمت أذناي إن لم أكن سمعت فلاناً يقول، والمسلسل بقول كل راو صمت أذناي وعميت عيناي، والمسلسل بقول كل راو أصم الله هاتين.

١٤-المسلسل بالحلف: المسلسل بقول كل راو وحلف، والمسلسل بقول كل راو والله، المسلسل بقول كل راو حدثنا والله وأخبرنا والله، والمسلسل بقول كل راو والله إني سمعته، والمسلسل بقول كل راو بالله العظيم، والمسلسل بقول كل راو والله إنه لحق، 

١٥-المسلسل بالشهادة: المسلسل بقول كل راو أشهد بالله، والمسلسل بقول كل راو أشهد بالله وأشهد لله، والمسلسل بقول كل راو أشهد على فلان، 

١٦-المسلسل باسم من الأسماء: المسلسل بالحسن، والمسلسل بحرف العين في أول اسم كل راو، والمسلسل بالمحمدين، والمسلسل بالأحمدين في أكثره، والمسلسل بالنون في آخره،

١٧-المسلسل بالأنساب: المسلسل بالإشراف في أكثره، والمسلسل باثني عشر أباً في نسق واحد، والمسلسل بعشرة آباء، والمسلسل بتسعة آباء، والمسلسل بعدة آباء، 

١٨-المسلسل بالمذاهب الفقهية: المسلسل بالسادة الحنفية، والمسلسل بالسادة المالكية، والمسلسل بالسادة الشافعية، والمسلسل السادة الحنابلة، 

١٩-المسلسل بالمذاهب العقدية: المسلسل بالأشاعرة، والمسلسل بالصوالحة والحنابلة في أكثره، 

٢٠-المسلسل ببلد من البلدان: المسلسل بالمكيين، والمسلسل بالمدنيين، والمسلسل باليمانيين، والمسلسل بالمصريين، والمسلسل بالدمشقيين، والمسلسل بالعراقيين، والمسلسل بالمشاركة، والمسلسل بالمغاربة، والمسلسل بالفاسيين، والمسلسل بالتلمسانيين، والمسلسل بالإفريقيين، والمسلسل بكل راو من بلد، 

٢١-المسلسل ببعض الطرق الصوفية: المسلسل بالطريقة القادرية، والجشتية (=ولها شعبتان: الصابرية والنظامية)، والسهروردية، والنقشبندية، والشاذلية، والخضرية، 

ترجمة الإمام اللكنوي -رحمه الله -

اسمه ونسبه: هو محمد عبد الباقي بن ملا علي بن ملا محمد معين بن محمد مبين اللكنوي الحنفي المدني الهندي.

مولده: ولد في يوم الأحد الثامن عشر من رجب سنة (١٢٨٦ هـ) من الهجرة النبوية المباركة بمدينة "لكنو" وهي إحدى مدن الهند مشهورة بكثرة العلماء والمحدثين، وتوفي والده وهو في سن الرابعة من عمره، ولكن الله كلأه بعنايته فكفله شقيقه الأكبر إبراهيم.

أسرته: وتعد أسرته من الأسر الهندية المشهورة بالعلم والفضل وكثرت المحدثين فمن هذه العائلة العلامة محمد عبد الحليم اللكنوي (ت ١٢٨٥ هـ) صاحب التصانيف النافعة.

ومن هذه الأسرة ابن عم المترجم له المحدث المسند الشهير عبد الحي اللكنوي المولود سنة (١٢٦٤ هـ) العالم بالحديث والتراجم، ويعد من فقهاء الحنفية وجده العلامة ملا معين شارح سلم الثبوت في الأصول والسلم في المنطق، فهو من سلالة علم أباً عن جد.

صفته الخَلقية: وقد وصفه من عرفوه بأنه معتدل الجسم، مستدير الوجه، أسمر اللون، واسع العينين، خفيف الشارب، كث اللحية، يرتدي العمامة على رأسه دائماً والجبة في بعض الأحيان.

تعليمه بالهند: نشأ الشيخ اللكنوي في دار أخيه وفي كنف والدته حيث شرح الله صدره لحفظ كتاب الله وهو في السادسة من عمره وفرغ من حفظه وتجويده وهو في الحادية عشرة.

بعد أن أنهى حفظ كتاب الله التحق بإحدى المدارس ودرس بها بعض المبادئ وأخذ فنون الحساب والمساحة والجبر والمقابلة والنحو والصرف على ابن خالته وابن عمه علامة الهند عبد الحي اللكنوي المتوفى سنة ١٣٠٤ هـ.

ثم قرأ العلوم العربية والدينية والعقلية على بعض العلماء فقام بحفظ المتون، ثم قرأ على الشيخ الفاضل حفيظ الله البندوي، وبعد ذلك على الشيخ عين القضاة بن محمد وزير الحيدر أبادي، ثم قرأ الكتب الستة والفقه الحنفي وغيرها من العلوم على الشيخ فضل الله بن نعمة الله والشيخ محمد نعيم بن عبد الحكيم النظامي.

وقرأ بعض كتب البطولات على الشيخ عبد الرزاق اللكنوي، وقرأ عليه الموطأ والصحاح الستة ومشكاة المصابيح وتعلم منه طريقة الفتوى.

وقد تأثر الشيخ اللكنوي بالشيخ محمد عبد الرزاق كثيراً فسلك طريقه وتعلم منه الكثير، واعتنى رحمه الله باستجازة مشايخه إجازة معينة فيما قرأ عليهم وإجازة عامة ثم أجازوه بالتدريس فدرس وانتفع به العباد في المعقول والمنقول ببلدته واستمر يدرس سنوات عديدة.

هجرته الأولى إلى الحجاز: وفي عام (١٣٠٨ هـ) رحل إلى الحجاز قاصداً الحج والزيارة، وفي الحجاز التقى ببعض علماء الحرمين الأفذاذ وأجازوه عامة ومنهم الشيخ المفتي عباس بن صديق المكي، والعلامة الشيخ عبد الله بن حسن المكي، والعلامة أحمد أبو الخير مرداد الحنفي، والشيخ محمد علي بن ظاهر الوتري، والشيخ محمد الحريري، وقرأ الشاطبية على الشيخ عبد الله المكي وجود القرآن بالقراءات العشر على الشيخ المقري حبيب الرحمن الكاظمي. 

وبعد ذلك عاد إلى بلدته وبقي فترة من الزمن يدرس في مدارسها الإسلامية العظيمة الكبرى، وعرف الشيخ اللكنوي بالعلم الواسع وتربى تربية ثقافية قوية وبالأخص في الناحية الدينية.

هجرته الثانية إلى الحجاز: ذكرت سابقاً أنه عاد إلى الهند واستأنف دروسه وبعد خمسة أعوام وفي عام (١٣١٣ هـ) رحل الشيخ اللكنوي إلى الحجاز مرة ثانية والتقى بجملة من العلماء الأفاضل، وتتلمذ على أيديهم فأجازوه إجازة عامة، منهم: الشهاب العلامة المؤرخ أحمد الحضراوي، والفقيه أحمد الميرغني الشهير بالمحجوب، وتحمل المسلسلات بأعمالها القولية والفعلية عن الشيخ صالح السناري، وقرأ بعض العلوم على الشيخ محمد سعيد بابصيل رحمه الله.

وعاد إلى الهند وقد أجازه كثير من العلماء وأعلوا شأنه أكثر وكثر طلابه وكبرت حلقته وتعددت أوقاتها لتمكنه من المسائل العلمية وأسلوبه الذكي في التدريس.

هجرته الثالثة والأخيرة إلى الحجاز: وبعد عودته استمر على حاله من التدريس وإفادة طلابه سلوكاً وأخلاقاً وبعد أن استسقى العلم من المنابع الصافية رحل إلى بغداد حيث تلقى كثيراً من العلوم عن بعض علمائها الأفاضل، واستمر في الهند ما يقارب عشرة سنوات ولكن نفسه تاقت إلى مجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم فقرر الهجرة الأبدية إلى المدينة المنورة وكان ذلك سنة ١٣٢٢هـ.

وأجازه الشيخ محمد أمين رضوان والشيخ فالح الظاهري والشيخ أحمد بن إسماعيل البرزنجي والشيخ الشمس الشنقيطي والشيخ السلفي عبد الله القدومي، ونال من كل هؤلاء العلماء الأفذاذ علما وافراً وإجازات عالية لم ينلها أحدٌ من قبله.

دروسه بالمسجد النبوي: عندما استقر الشيخ اللكنوي بالمدينة المنورة جلس وتصدر للتدريس في المسجد النبوي الشريف، فأتى بكل نفيس وعقد سوقاً رائجة للعلم زود طلابه ببضاعة رابحة وتوسع في الرواية، وأخذ يلقى دروسه في الحديث وسائر العلوم الأخرى.

وقد كبرت حلقته رويداً رويداً حتى أصبحت من أكبر الحلقات بالمسجد النبوي، ولكن ظروفاً طارئة وقفت عقبة كأداء في طريق مواصلته التدريس بالمسجد النبوي -وهي مرضه -وكبر سنه فاقتصر على التدريس في منزله.

اللكنوي والمدرسة النظامية: وعندما استقر الشيخ اللكنوي في المدينة المنورة وفي حدود عام (١٣٢٤ هـ) افتتح مدرسته الشهيرة في منزله بحوش فواز وأطلق عليها "المدرسة النظامية " وكان يدرس فيها العلوم كلها، وقد أنفق عليها من ماله الخاص رغبة في إخراج جيل مثقف، إلا أن المدرسة لم تشتهر على مستوى الحجاز، ولم يعرفها إلا أهل المدينة، ولا يذكرها إلا الذين شاهدوها ولم يذكرها المؤرخون ضمن مدارس المدينة المنورة ولعل السبب يعود في ذلك إلى قلة طلابها.

ولكني أقول أنه صرح علمي شامخ وبالتأكيد أنه أفاد الكثير فإن فكرة تأسيس المدرسة يؤجر عليها المؤسس خير الجزاء ولعله لم يجد من يمد له العون فظل وحيداً يدعمها إلى آخر يوم في حياته فكانت بوفاته أغلقت المدرسة بعد أن تخرج منها عدة أجيال من أهل المدينة المنورة والوافدين عليها من أنحاء العالم الإسلامي فجزاه الله خيراً على عمله الجليل.

يقول الشيخ محمد عبد الباقي في ثبته عند حديثه عن هذه المدرسة والمقروءات فيها:  وهذا الذي ذكرناه من مقروآتنا هو الدرس النظامي المروج عندنا أهل الهند المنسوب إلى جد جدة جدتى من الأمهات ملا نظام الدين الأنصاري أستاذ الهند وبه تحصل ملكة الاستعداد في جميع الفنون، ومن حصل له الاستعداد في الفنون يستغنى عن مراجعة الأساتذة في حل معضلاتها عند توسيع نظره فيها وتدريسه إياها و تحقيقه لها. 

خروجه من المدينة: ولما أعلنت الحرب العظمى أجبر الشيخ اللكنوي على الترحال من المدينة؛ فقصد دمشق ومكث بها ما يقارب ثلاث سنوات وهناك تعرف على بعض العلماء، وأخذ يجالسهم ويروي عنهم المسلسل برواية الدمشقيين وروى المسلسلات برواية الصوالحة والحنابلة. 

وعندما عاد توقف عن التدريس في المسجد النبوي وكانت هذه الرحلة سبب في مرض الشيخ وتعبه وضعف نظره.

تلاميذه بالحجاز: انتفع به جم غفير من العلماء وروى عنه علماء في شتى الأقطار الإسلامية فهو من كبار مسندي زمانه ولم يكن في المدينة عالم يشبهه في هذا الشأن فمن تلاميذه. والذين روى عنه الشيخ إبراهيم الختني المقرب إليه الشيخ عبد الحي الكتاني، والشيخ عبد الحفيظ الفاسي، والشيخ محسن المساوى، والشيخ أحمد الصديق الغماري، وأخويه عبد الله وعبد العزيز، والشيخ محمد ياسين الفاداني، والشيخ حسن المشاط، والشيخ علوي مالكي، والشيخ أبو بكر الحبشي، والشيخ محمد الحافظ النجاتي، والشيخ محمد سعيد دفتردار، والشيخ صالح إدريس الكلنتاني، والشيخ مختار بن عثمان مخدوم.

علاقته بالعلماء: حفل المسجد النبوي في تلك الفترة بفطاحلة العلماء الأخيار وجميعهم كانوا يعملون في سبيل رفعة هذا الدين الحنيف فالشيخ اللكنوي حسب ما روي أنه كان محبوباً من العلماء والطلاب وعامة الناس فجميعهم يسألونه ويسترشدونه في كل كبيرة وصغيرة.

مؤلفات الشيخ اللكنوي: لقد عمل الشيخ اللكنوي بتأليف الكتب طوال حياته فقد صنف أكثر من ثلاثين مصنفاً في المعقول والمنقول منها:

١- العقود المتلألئة في الأسانيد العالية.

٢- الإسعاد بالإسناد.

٣- المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة.

٤- نشر الغوالي في الأحاديث المسلسلة.

٥- إعلام الأنام بحكم سماع الصوفية الكرام.

٦- كشف رين الريب عن مسألة الغيب.

٧- إظهار الحق في بيعة مولانا عبد الحق.

٨- المنح المدنية في مذهب الصوفية.

٩- تحفة الأماجد بحكم صلاة الجنازة في المساجد.

١٠- الحقيقة في العقيقة.

١١- إزالة الغطاء عن حكم كتابة النساء.

١٢- آيات الكبرى في المعراج والإسراء.

١٣- تحفة الخطباء من خطب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء.

١٤- تسهيل الميزان وبداية الميزان في المنطق.

١٥- خير العمل تراجم فرانكي محل.

١٦- بركة الباري في سلالة جدنا ملا حافظ الأنصاري.

١٧- رسالة في مناقب الأولياء الخمس.

١٨- شرح رسالة طاش كبرى زادة في الأدب.

١٩- توضيح الصرف وميزان الصرف.

وغيرها من التصانيف المفيدة النافعة والله أعلم طبع منه شيء والباقي لم يطبع فقد أفاد رحمه الله المكتبة الإسلامية بمؤلفاته.

مكتبته الموقوفة: أخلف الشيخ اللكنوي من بعده مكتبة كبيرة تحتوي على كثير من الكتب والمخطوطات النادرة وحلى الكتب الخاصة به بتعليقات جميلة تدل على إطلاعه الواسع وله حب في فرز الكتب وترتيبها في أماكنها بشكل جميل وقد أوقف بيته على أهل بلدته الوافدين لزيارة المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

ولم يخلف الشيخ ذرية أبداً وأوقف المكتبة الموجودة في منزله على طلاب العلم مشترطاً عليهم إبقاءها في منزله.

وقد حدثني أحد أقربائه الذين في المدينة أن مكتبته حملها أحد أقربائه إلى الهند، فرحمة الله عليه كان حتى بعد وفاته يبتغي فعل الخير.

وفاة الشيخ اللكنوي: وفي آخر حياته ظهر عليه أثر الجهد الذي قام به في حياته وبلغ الكتاب أجله ففاضت روحه إلى بارئها في الرابع من ربيع الأول سنة (١٣٦٤ هـ) ودفن في بقيع الغرقد وفقدت المدينة بموته عالماً من علمائها الصالحين فرحمة الله عليه.