مظاهر الشرف والعزة المتجلية في فهرسة الشيخ محمد بوخبزة
بدر العمراني الطنجي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن خير المجالس بعد مجالس الكتاب العزيز مجالس الحديث، التي جاء في فضل بثه الأمر الحثيث، وفاخر بها العلماء في القديم والحديث، حيث تُقرأ السُّنن والأحاديث بأسانيدها إلى مؤلفيها، عروجاً في طبقات الرجال إلى معلم البشرية، وخاتم الرسل والأنبياء، لتكتمل السلاسل العلمية، والنفحات الربانية، ولتتصل الأسماء بالأسماء.
ومن مزايا هذه المجالس أن يتدارس العلماء مع الطلبة ما في الأحاديث من الفقه والمعارف، وما اشتمل عليه من الأحكام واللطائف، وما في ختم كل مجلس من المناسبات والمتممات والمكرمات، ولا شك أن العناية بالأسانيد له أهميته في التأريخ للحركة العلمية ورجالاتها، وبيان للأنشطة الدعوية، والرسائل التأليفية والتدريسية.
والفقيه بوخبزة أحد علماء تطوان، درس بها، وتخرج على شيوخها في الحلقتين النظامية والحرة؛ إلا أن أكثر علمه قد حصله بجده واجتهاده في القراءات الخاصة والمطالعات الشخصية، ويجمع في علمه مناحي عديدة، فهو أحد الدعاة إلى السلفية الصحيحة متشدداً في انتقاد الطرقيين والخرافيين وهو أحد الخطباء المبرزين وله تأثير كبير على الناس في خطبه، وهو أحد المدرسين يقيم حلقته في الوعظ والتذكير وفي فنون العلم أهمها رواية الحديث وشرحه وإسناده.
ولذلك كان له من التلامذة عدد كبير في المشرق والمغرب، وهو من المسندين الذين روى عنهم كثيرٌ من الرواة الأثريين في المشرق والمغرب، فحاز منهم رضى وقبولاً، وفاز منهم بالإجازات والإذن بالحمل عنهم وإسناد رواياتهم، وهو من العلماء الذين يقصدهم أصحاب الرواية وطلاب الإجازات من المشرق والمغرب، فكتب الإجازات وأذن بالرواية لكثير ممن لازمه أو قصده أو رغب في الحمل عنه.
وهو كثير التقييد يسعفه القلم في تسجيل ما يحضره اللحظة من خبر أو حدث أو فائدة أو إنشاد أو تحليل وانتقاد ورد وعهدي به قد قيد كثيراً من الأعمال التأليفية، وما يزيد على عشرين كناشة فيها من فنون العلم والخبر والإفادة والإنشاد ما يثير شهية القارئ والمتطلع إلى الإفادة، وفيها مما يخص بلده تطوان ورجالها الشيء الكثير، وفيها من رسائله الكثيرة، ولا سيما رسائله العلمية التي ناقش فيها بعض القضايا أو صحح فيها بعض المواقف والتصورات وفيها من أخباره الخاصة وإنشاداته ما يمثل المادة الخصبة لكتابة ترجمته أو سيرته الذاتية.
والكتاب الذي بين أيدينا هو كتاب حافل وجامع، فقد أتى فيه صاحبه على كل الجوانب التي تعرف بالشيخ في نشأته ودراساته ورحلاته ومؤلفاته، وشيوخه وتلامذته ونصوص إجازاته مع عرض نماذج كثيرة من إنتاجه التأليفي والإبداعي، مما تتوضح معه الصورة المشرقة للشيخ الفقيه محمد بوخبزة في حياته وممارسة العلم.
وقد ذكر فيه سيرته المتضمنة لنشأته وحياته العلمية والدعوية وأشهر شيوخه وتلامذته رواية ودراية، وذكر مؤلفاته، وبعضاً من مقدماتها ليُعرف منهجه فيها، ثم روايته سماعاً، وتدبيجاً، ومناولةً، وختم بمجموعة من الأسئلة التي تتعلق بالصحوة الإسلامية المباركة، ودوره في محاربة البدعة، ونصرة القضية الفلسطينية، وكلامه على الحالة العلمية التي تحياها المجتمعات العربية، ودوره الكبير في الحفاظ على المخطوطات الإسلامية في المغرب.
أما عن رواياته، وهي زبدة الكتاب: فيروي العلامة بوخبزة من طريق:
١- شيخه أحمد بن الصديق الغماري في (المعجم الوجيز للمستجيز)، وقد نقله كاملاً، ويروي من طريقه ثبت (اليانع الجني بأسانيد عبد الغني)، و(الإمداد بعلو الإسناد)، و(الأمم لإيقاظ الهمم)، و(إرشاد المستفيد إلى بيان وتحرير الأسانيد)، و(حصر الشارد من أسانيد محمد عابد)، و(قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر)، و(حسن الوفا)، و(الأربعين المسندة)، و(الجواهر الغوالي في الأسانيد العوالي)، و(إعلام الأئمة الأعلام وأساتيذها بما لن من المرويات وأسانيدها)، و(إتحاف الأكابر بأسانيد الدفاتر)، و(بلوغ الأماني بأسانيد من أنزلت عليه المثاني) و(الإعلام بأسانيد الأعلام)، و(تحفة الإخوان)، و(العقد المنظوم بأسانيد العلوم)، و(منتخب الأسانيد)، و(عمدة الأثبات)، و(التحرير الوجيز)، و(النفس اليماني)، و(عقد اليواقيت الجوهرية)، و(حلية أهل الفضل والكمال باتصال الإسناد بكُمّل الرجال)، و(كنز الرواية المجموع)، و(الإسعاد بالإسناد)، و(نشر الغوالي من الأسانيد العوالي)، و(النفح المسكي)، و(نشر المآثر فيما أدركتُ أو كاتبت من الأكابر)، و(فيض الملك المتعالي بأنباء القرن الثالث عشر والتالي)، و(بغية الأديب الماهر أحمد بن محمد شاكر)، و(صلة الخلف بموصول السلف)، و(الدر الفريد الجامع لمتفرقات الأسانيد)، و(المجد الشامخ فيمن اجتمعتُ به من المشايخ)، و(سبحة العقيق) ومختصره (التصور والتصديق)، و(غنية الواجد وبغية الطالب الماجد).
٢-الطاهر بن عاشور، وقد أجازه مشافهةً.
٣-الشيخ عبد الحفيظ الفاسي، وقد أجازه بما في كتابه (رياض الجنة فيمن لقيت أو كاتبني من الجلة)، أو (المدهش المطرب بأخبار من كاتبني من المشرق أو المغرب).
٤- الشيخ عبد الحي الكتاني، وقد أجازه شفهياً، ومن مؤلفاته (فهرس الفارس)، وهو أشهر كتبه.
٥-ويروي مناولةً عن الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني بمؤلفاته.
٦-ويروي تدبيجاً عن صفاء الأعظمي، وقد أجازه تدبيجاً بعدد كبير من الكتب والمتون، بحق روايته لها عن شيوخه.
٦-الشيخ عبد الله بن عقيل الحنبلي، وقد أجازه تدبيجاً أن يروي عن شيوخه: علي أبو وادي، وعبد الله بن محمد القرعاوي، وعبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي، وللهاشمي أثبات منها (إجازة الرواية)، و(أسانيد الكتب الحديثية للسلف)، وعن شيخه العلامة أحمد مصطفى الزرقا الذي يروي عن شيخه العلامة بدر الدين الحسني، وروايته عن شيخه عبد الغني الدقر بما في ثبته (غنيمة العمر بأسانيد عبد الغني الدقر).
٧-الشيخ محمد المنوني، وقد أجازه تدبيجاً، بما في كراسته التي فيها مروياته ومؤلفاته، وقد أفرد ثبته هذا وطُبع.
٨-مشعل بن حميد اللهيبي، ويروي عنه تدبيجاً أيضاً، ورواياته كلها عن شيخه صالح الأركاني البرماوي، المقيم برابغ، وقد وضع مختصراً لمعجم شيخه عن شيوخه، وفيه الرواية عن أكثر من ثلاثمائة شيخ، وقيل: إن الأركاني متهمٌ.
* معنى الثبت والفهرسة والبرنامج:
(الثبت) بسكون الموحدة الثابت القلب واللسان والكتاب والحجة، وأما بالفتح فهو: ما يثبت فيه المحدث مسموعة مع أسماء المشاركين له فيه؛ لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره، و(الفهرس) و(الفهرسة) بكسر أوله وثالثه ما يجمع فيه مرويه، قال صاحب تثقيف اللسان: صوابها بالمثناة الفوقية. و(البرنامج) فهو كما في القاموس وشرحه -بفتح الموحدة والميم صرح به القاضي عياض في (المشارق)، وقيل بكسر الميم، وقيل بكسرهما كما في بعض شروح الموطأ: الورقة الجامعة للحساب، وعبارة المشارق: زمام يرسم فيه متاع التجار وسلفهم وهو معرب نامه وأصلها فارسية، ويستعمله كثيراً أهل الأندلس، بمعنى الفهرسة.
* رواية هذا الثبت:
نروي الأسانيد التي في هذا الثبت وغيرها عن المؤلف إجازةً.
* موضوعات هذا الثبت:
و قسم المؤلف كتابه هذا إلى بابين:
الباب الأول: في ترجمة الشيخ، وتناول فيه: اسمه ونسبه كنيته ،ولقبه أسرته، أعيان وأعلام أسرته، ترجمته بقلمه زوجته وأبناؤه المحن التي حلت به، وظائفه، معتقده، خطه، مجالسه العلمية والأدبية مكتبته أخلاقه رحلاته، شهادات ومدائح وردت فيه أعماله ومؤلفاته، وأدبه، وتلاميذه.
الباب الثاني: في شيوخه وأساتذته، وجعله في فصلين:
الفصل الأول: شيوخ الدراية.
الفصل الثاني: شيوخ الرواية.
ثم ختمه بحوار أجراه الأستاذ الفاضل رضا التيلاندي مع الشيخ، وقد عنون بـ: الشيخ بوخبزة يقلب سلبيات الحالة العلمية.
* منهج المؤلف في هذا الثبت:
ومنهج المؤلف في هذا الثبت، كما يذكر في كتابه:
١-التزام الصدق فيما يكتب ويثبت.
٢-جل المعلومات مستقاة من كتب الشيخ وتقاييده، أو مما تلقاه منه مشافهة.
٣- وإذا كانت هناك تعليقات من قبل الشيخ ختمها بـ م ب كناية عن: محمد بوخبزة.
٤- إدراج نماذج من آثار الشيخ وكتاباته ضمن السياق المناسب لها، كما فعل أثناء سرد أعماله ومؤلفاته.
٥- إيضاح بعض الكلمات الغامضة الواردة في كلام الشيخ.
٦- تخريج بعض الأحاديث باختصار.
٧- ترتيب المشايخ وفق الترتيب الأبجدي.
* أبيات في مدح هذا الثبت:
كتاب (المظاهر) لاحا … وعطر وروده فاحا
بشم لديه أريج … من الأفق لما أفـــــاحــــــــا
ترى العزّ فيه تجلى … إزاراً جلسلاً وما بحا
فأشرف نجماً بشرفٍ … سما واعتلى وألاحا
بأخبار مجده يزهو … إذا ما انتشى واستراحا
كتابٌ تضمّن علماً … أصيلاً حوى وصلاحا
نجار التقى والعفاف … وأُسُّ الأصالة داحا
كتاب أنيسٌ لروحي … رضيته روحاً وراحا
فأنعم به من رفيقٍ … بدا وانجلى ثم تاحا
وهبه إلهي القبول … سناءً يُرى وفلاحا
ترجمة الشيخ محمد بوخبزة الحسني التطواني
بقلم المؤلف بدر العمراني الطنجي
١-اسمه ونسبه
هو محمد بن الأمين بن عبد الله أحمد بن أحمد بن أبي القاسم بن أحمد بن أحمد بن عمر بن سعيد بن يحيى بن عبدالله بن يحيى بن سعيد بن يحيى بن محمد بن علي بوخبزة بن الحسن بن محمد بن عمر بن غانم بن سعيد بن مسعود بن عمر بن محمد بن عمران بن يزيد بن صفوان بن خالد بن يزيد بن عبدالله بن إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب.
نسب كمطرد الكعوب فلا ترى… إلا كـريـمـاً ينتمي لكريم
وهذا النسب أثبته مؤرخ تطوان النسابة الفقيه أبو العباس أحمد الرهوني في كتابه الماتع (عمدة الراوين في تاريخ تطاوين). وقال: هكذا أخبرني سيدي الأمين - يعني والد شيخنا المترجم له ـ بن سيدي عبد الله. وهذا نسب إدريسي حسني شريف مجمع على توثيقه وإثباته، خلا عن الشكوك والمطاعن.
نسب كأن عليه من شمس الضحى … نوراً ومن فلق الصباح عمودا
٢- کنیته:
يكنى بـ: (أبي أويس) نسبة إلى ابنه البكر.
وهذه كنية كنى بها نفسه، ولا أعلم أنه ارتضى غيرها.
٣- لقبه:
(نجم الدین)، لقبه به صديقه الشاعر عبد الواحد أخريف.
(مُغلطاي) وهو لقب له، وقد أعرب شيخنا عن السبب في اللقبين في كناش له، فقال: والسبب في اللقبين استغرابنا لهما عندما سمعناهما من الفقيه مولاي الصادق الريسوني -بجامع العيون، وكان يكثر من ذكر الحافظ مغلطاي، وينطقه بفتح الميم وسكون الغين وفتح اللام وهو ضبط غير صحيح، ونجم الدين الغيطي.
وكان الفقيه المؤرخ محمد داود يلقبه بـ (شاعر العيون)، والسبب في ذلك تفضيله حي العيون على باقي أحياء تطوان وفي ذلك قال منشداً :
نحن قوم من العيون أتينا … في بروج إلى العلا وذراك
يا عيون المها عليك سلام … إنني في العلا أسير هواك
قلت فيك الـقـصـيـد مـدحـاً وإنـي … يا عزائي مــن الـهـوان فـداك
٤- أسرته:
أسرة اشتهرت في تطوان بكنية (بو خبزة). قال الرهوني معرفاً بها وهي في كتابه عمدة الراوين: اسم عائلة شريفة عمرانية تنسب للولي الصالح سيدي علي بوخبزة المدفون بمدشر اغبالو من قبيلة بني يدر، المتوفى رضي الله عنه في حدود عام …(؟).
وقال شيخنا معرفاً بأسرته أيضاً: في مادة الخاء من معلمة المغرب أسرة جبلية تطوانية عمرانية تنسب إلى الجد الجامع للأشراف الأدارسة العمرانيين بالمغرب: عمران بن يزيد بن صفوان بن خالد بن يزيد بن عبدالله بن إدريس الأول. وهذا الفرع منها ينتهي إلى الولي الصالح الشيخ أبي الحسن علي بن محمد العمراني الشهير بـ(سيدي علي بو خبزة) من أهل القرن التاسع الهجري تقديراً وهو أول من كُني: (بوخبزة) منهم، دفين مجشر (اغبالو) فيما يسمى بالحرم العلمي من قبيلة بني عروس) حالياً.
كان هذا المجشر قديما من قبيلة بني يدر إلا أن ابن زاكور ذكره داخل حدود الحرم العلمي في كتابه (الاستشفاء من الألم بذكرى صاحب جبل العلم)، ونقله عنه سليمان الحوات في (الروضة المقصودة في مآثر بني سودة).
ويدعى أفراد هذه الأسرة باسم (اغبالو) إلا الفرع الذي استوطن تطوان قديماً فيدعى (بوخبزة). ولما كان بين هذا الفرع وبين العلميين مصاهرة وتمازج قديم ظن من ظن من الناس - وفيهم فقهاء وعلماء -أنهم علميون، وكنت إلى هذا الظن مرتاحا لدورانه على الألسنة خصوصاً من ذوي الاطلاع والدراية؛ كشيخنا المحدّث أحمد بن محمد ابن الصديق الغماري الطنجي الذي كتب إلي منذ نحو ثلاثين سنة في مساجلة أدبية يقول:
أطلت فيه أطال الله مجدكم .. ودمت فخر الهداة من (بني العلم)
إلى أن وقفت على جلية الأمر من نصوص النسابين المعتبرين كالنقباء أحمد بن أحمد بن عبدالوهاب في (مجموع) الإسماعيلي)، ومحمد بن الصادق بن ريسون في (فتح العليم الخبير بتحرير النسب العلمي بأمر الأمير)، وعبد السلام بن الطيب القادري في (الدر السَّني فيمن بفاس من أهل النسب الحسني)، والإمامين محمد القصار وأبي القاسم ابن خجو كما عند ابن عرضون في الكتاب اللائق لمعلم الوثائق وغيرهم. كما وقفت على رفع النسب المحفوظ عند الأسرة في رسوم الأصدقة وغيرها، وفي الوثائق الملكية بالرباط بعض ظهائر التوقير والاحترام المتعلقة بهذه الأسرة.
وكان نزوح هذه الأسرة إلى تطوان نهائياً في أول القرن الثالث عشر الهجري، وإن كان كثير من رجالها يترددون عليها قبل ذلك بغرض الجهاد والمرابطة على سبتة وسمعت من شيوخنا أن منهم من استشهد، ودفن داخل قبة سيدي أحمد بن كيران بتطوان، وبمقابر النخلة، ومنهم من أسر حياً ولم يعرف مصيره.
وكان الغالب على آل بوخبزة طلب العلم والقيام بوظائف الدين كالتدريس والخطابة والإمامة والعدالة والفتوى ويلاحظ مما تبقى من آثارهم أن الغالب عليهم الاهتبال بالقرآن الكريم وعلومه من تجويد ورسم وضبط وقراآت وغريب.
٥- أعيان وأعلام هذه الأسرة:
وقد ترجم الشيخ لبعضهم في معلمة المغرب، وإليك ما قال في كل واحد منهم على حدة:
- بوخبزة، أحمد بن أحمد بن أبي القاسم، الفقيه العدل الأستاذ المقرئ، يوجد بخطه كتاب إيضاح الأسرار والبدائع، في شرح الدرر اللوامع، في أصل مقرأ الإمام نافع لابن المجراد السلاوي، بخزانة تطوان رقم ٨٦٢ فرغ من نسخه عام ١٢٣٦هـ.
- بوخبزة الطيب بن أحمد الأستاذ المقرئ النحوي، كان يتردد على تطوان، وشارط بقبيلة بني عروس في مجشر أَفَرْنُو، وكتب بخطه الحسن كثيراً، يوجد منه تنبيه العطشان على مورد الظمآن للشوشاوي، وهو أحفل شروح المورد في مجلد ضخم بخزانة تطوان رقم ٨٤٧ فرغ منه سنة ١٢٣٦هـ. وذكر بآخره رفع نسبه الشريف كما يوجد عند الأسرة بتطوان مصحف شريف مرموز برموز القراء السبعة وعلى هامشه كلمات القرآن ذات الأوجه المتعددة، وبخزانة الأسرة بخطه شرح علي بركة الأندلسي على الأجرومية، وهو من أحفل شروحها وأنفعها.
- بوخبزة، عبدالله بن أحمد بن أحمد العدل المقرئ الأستاذ. قال الرهوني عنه في عمدة الراوين: كان أستاذاً مشاركاً في النحو والتصريف والفقه والوثائق، وكان يشارط في قبيلة (جبل حبيب) ثم استقر أخيراً بتطوان. توفي يوم الإثنين ٢٦ ربيع الأول عام ۱۳۲۹هـ، ودفن بمصلى الجنائز من باب المقابر بتطوان. وبالخزانة العامة مجموع بخطه تحت رقم ٨٧٠ يحتوي على تأليف في الطب والفقه والفرائض، من غريبها أرجوزة طويلة في غريب القرآن لمحمد بن يوسف الصلتان في نحو ثلاثة آلاف بيت.
- بوخبزة، علي بن أحمد - وهو غير الجد الجامع سابق الذكر - ترجم له الفقيه الرهوني في عمدة الراوين ووصفه بالعلامة النحوي المقرئ الأستاذ المدرس، وأنه من شيوخ محمد بن علي عزيمان قاضي تطوان. توفي بتطوان ما بين سنة ١٢٢٠ -١٢٤٠ هـ.
- بوخبزة محمد بن أحمد الشهير بابن (سي أحمد) الطالب المجاهد، البطل المغوار اشتهر بمقاومته للاستعمار الإسباني بقبيلته (بني يدر)؛ لأنه من محشر (تازروت) اليدري، وغيرها من قبائل الجبل ولعظيم نكايته للعدو واستمراره في المقاومة إلى أن كان من آخر من استسلم ووضع السلاح مقهوراً بسوق (ثلاثاء بني يدر) بعد أن ضيق عليه الخناق وأرهقته خيانة عشيرته، وأحاط به العدو من جهتين بقيادة القائدين الإسبانيين وبابلو) فاستنزل من معقله بالأمان، واحتفل الإسبان يوم استسلامه مع جماعته، ولكن الاستعمار لم ينس جهاده وقوة شكيمته وطويل صموده فلفق له تهمة المشاركة في ثورة ابن الصديق في الخمسينات واعتقله بواسطة قائد القبيلة وأعوانه، وسيق إلى تطوان وهو شيخ كبير فصدر الحكم بإعدامه ثم خفف إلى السجن المؤبد وأودع زنزانة خاصة بسجن (واذ لاؤ) بقبيلة بني سعيد حيث قضى سنوات توفي بعدها سجيناً غريباً وحيداً رحمه الله، ولا زالت ذكراه واسمه ومواقفه على ألسنة الناس من شيوخ قبيلته وغيرهم.
- بوخبزة محمد الأمين بن عبد الله الفقيه العدل المدرس الخطيب، ولد سنة (۱۳۱۱ هـ/ ۱۸۹۳م) بتطوان وبها أخذ العلم عن شيوخها، قال شيخه الرهوني عنه في عمدة الراوين: تقلب في عدة وظائف من عدالة وكتابة مع عمال تطوان وخلافة عن باشاها وعن قاضيها إلى أن توفي رحمه الله زوال يوم الإثنين فاتح رجب ١٣٦٧هـ ودفن بناحية سور البلد خارج تطوان.
٦- ترجمة الشيخ بوخبزة بقلمه:
وبعد التعريف بسلف الشيخ وأجداده ،وأسرته، ننتقل إلى التعريف بالشيخ وبأطوار حياته، وخير تعریف به ما سطره بنفسه ـ وهو أدرى بنفسه من غيره - في ترجمته المختصرة التي سماها: (ترجمتي بقلمي)، قال فيها:
أنا وأعوذ بالله من قول أنا محمد بن الأمين بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن أبي القاسم بن أحمد بن عمر بن سعيد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن سعيد بن يحيى بن محمد بن الولي الصالح أبي الحسن علي بن الحسن الحسني الإدريسي العمراني المكنى (بوخبزة) دفين محشر (اغبالو) - بقبيلة بني عروس - داخل ما يُسمى - زُوراً - بالحرم العلمي الذي عين حدوده ابن زاكور الفاسي في من الألم، بذكرى صاحب العلم والعلم اسم جبل يوجد به ضريح الصوفي الشهير عبد السلام بن مشيش وينتهي نسبي إلى عبد الله بن إدريس مروراً بعمران (وإليه النسبة (العمراني) بن يزيد بن خالد بن صفوان بن يزيد بن عبدالله بن إدريس بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله ﷺ، ومن العلماء من ينسبنا (علميين حسب اصطلاح نسّابة المغرب، وهذا غير صحيح إلا من حيث الأم، وممن ذهب إلى هذا - وهو خطأ - شيخي أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق؛ فقال في مساجلة منظومة:
أطلت فيه أطال الله مجدكم … ودمت فخر الهداة من بني العلم
وأصل سلفي من هناك، وكان منهم من يتردد على تطوان لقرب المسافة وهكذا سكنها والد جدي الفقيه السيد أحمد الذي كان معدّلاً وأستاذاً مقرئاً، وأخوه الفقيه النحوي السيد علي الذي أخذ عنه العلم كثير من علماء تطوان منهم الفقيه العلامة القاضي السيد محمد بن علي عزيمان، وقد ترجم له أبو العباس أحمد الرَّهوني في تاريخه الحافل: (عمدة الراوين في تاريخ تطاوين).
ولدت بتطوان بمنزلنا بدرب الجُعَيْدي (نسبةً لساكنه الصوفي الشهير أبي الحسن علي بن مسعود الجعيدي أحد كبار أصحاب أبي المحاسن يوسف الفاسي الفهري دفين تطوان قبالة الدرب المذكور بحي العيون، في زوال السبت ٢٦ الأول ١٣٥١هـ (واحد) وخمسين وثلاثمائة وألف) موافق ٢٠ يوليوز ۱۹۳۲م من تاريخ النصارى، كما وجدت بخط والدي رحمه الله في كناشته (وما في أوراقي الرسمية من تقديم ذلك بسنة فخطأ غير مقصود)، وأنا رابع إخوة لي أشقاء:
عبدالله (توفي صغيراً)، وعائشة، ومصطفى، ومحمد وعبد الله وبعد خمس سنوات ختنت، ختنني المعلم محمد الحَسْكي التطواني في الدكانة التي كانت داخل الباب الغربي لجامع العيون من تطوان وفي السنة التالية أدخلت الكتاب (المسيد)؛ فتلقيت مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين وبعض قصار المفصل على الفقيه المجود السيد الحاج أحمد بن الفقيه المقرئ المعدل الأستاذ السيد عبد السلام الدهري كان هذا السيد يُختار للإمامة بالحُجاج في البواخر التي كانت ترسلها إسبانيا في أول حكم (فرانكو) للحج دعاية وسياسة. فإذا ذهب أناب عنه الفقيه الشريف الأشيب السيد عبد الله شقور الذي ما زال على قيد الحياة إلى الآن عام ١٤٠٦هـ، وقد تجاوز المائة ثم توفي رحمه الله عام (١٤١٢هـ).
وبعد وفاة الفقيه الدهري واصلت على الفقيه الخير السيد محمد بن الراضي الحساني، وبعده على الفقيه البركة الزاهد السيد محمد بن عمر بن تاويت الوادراسي والد الفقيه القاضي السيد أحمد وشقيقه الكاتب والأديب النابغة المؤلف السيد محمد رحمهما الله وعليه أتممت حفظ القرآن وسردته كله أمامه على العادة الجارية.
وبعد وفاته استمررت في القراءة على خلفه الأستاذ السيد محمد زيان ولم أمكث معه إلا قليلاً حيث أتممت حفظ بعض المتون العلمية كالأجرومية والمرشد المعين على الضروري من علوم الدين والخلاصة وهي ألفية ابن مالك، وبعض مختصر خليل في الفقه المالكي.
ثم التحقت بالمعهد الديني بالجامع الكبير ومكثت فيه نحو عامين تلقيت خلالها دروساً نظامية مختلفة على ضعف المستوى العام في التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو والبلاغة، على مدرّسيه المشهورين الأساتذة محمد بن عبدالصمد التجكاني، ومحمد بن عبدالكريم أقلعي الشهير بالفحصي القاضي فيما بعد رحمه الله، ومحمد بن عبدالله القاسمي خليفة القاضي، والعربي بن علي اللُّوه (الوزير في الحكومة الخليفية)، وقد ألف عدة كتب طبع بعضها في الأصول والمنطق والعقائد وتاريخ المقاومة في شمال المغرب، ومحمد بن حمو البقالي الأحمدي، والشيخ محمد المصمودي والتهامي المؤذن الغرباوي، ومحمد الزكي الحراق السريفي وأحمد القصيبي الأنجري وعمر الجيدي الغماري، وغيرهم وقد توفي هؤلاء إلى رحمة الله في مدد (متفاوتة).
وكنت قبل التحاقي بالمعهد أخذت عن والدي رحمه الله النحو بالأجرومية والألفية إلى باب الترخيم حيث توفي وكانت طريقته في التدريس من أنفع الطرق للمبتدي، حيث كان يأخذني بحفظ المتن فقط، ثم يشرحه لي، ويلقنني الأمثلة والشواهد ويأخذني بحفظها ويبين لي محل الشاهد، ويمتحنني كل أسبوع، كما أخذت دروساً في الفقه المالكي بالمرشد المعين لعبد الواحد بن عاشر على الفقيه القاضي (بعد الاستقلال) السيد عبدالسلام بن أحمد علال البختي الوادراسي، ودروساً أخرى في النحو على الأستاذ السيد المختار الناصر الذي كان مدرّساً للبنات بالمدرسة الخيرية بتطوان، وكنا نقرأ عليه لأول عهدنا بالطلب بالزاوية الفاسية بالطرَنكات وكان يطيل الدرس إلى أن ينام أغلب الطلبة، رحمه الله، وعلى الأديب الكاتب الشاعر الناثر الفقيه المعدل السيد محمد بن أحمد علال البختي المدعو ابن علال.
وقبل هذا وبعده حضرت دروساً في الحديث والسيرة على الفقيه المؤرخ وزير العدلية السيد الحاج أحمد بن محمد الرهوني، وكان هذا في الغالب في رمضان قبل أن ينتقل بسكناه إلى جنانه ببوجراح وكان يسرد له السيد محمد بن عزوز الذي تولى القضاء بإحدى قبائل غمارة وبها توفي، وكان يسرد حياناً صحيح البخاري السيد عبد السلام أجْزُول لجمال صوته، وعلى الفقيه المدرّس النقاعة السيد الحاج محمد بن محمد الفرطاخ اليدري.
كما نفعني الله تعالى جداً بدروس الدكتور تقي الدين بن عبد القادر الهلالي الحسيني السجلماسي الذي قدم تطوان حوالي ١٣٦٥هـ في أعقاب الحرب العالمية الثانية من أوربا، وأقام بين ظهرانينا نحو ست سنوات تلقيت عليه خلالها دروساً في التفسير والحديث والأدب، وكان يلقي هذه الدروس بالجامع الكبير، وكان يسرد عليه محمد ابن فريحة ويدرس بالدر المنثور للسيوطي، والاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي، وأحدث بتطوان نهضة أدبية، وشغل الناس بآرائه وأفكاره، وأثار الفقهاء والصوفية بانتقاداته، فلمزوه وآذوه فهجاهم أقذع الهجو، رحمهم الله.
كما انتفعت كثيراً بتوجيهات العلامة الأديب الوزير السيد محمد بن عبد القادر بن موسى المنبهي المراكشي منشأ التطواني داراً ووفاة فكان يملي علي قصائده وأشعاره، ويذاكرني بلطائف المعاني وطرائف الآداب، وقد جمعت ديوانه في مجلد لطيف (توجد صورة منه بخزانة تطوان).
وفي فاتح رجب ١٣٧٦هـ توفي والدي رحمه الله فَقُتْ في عضدي، وخمدت جذوة نشاطي، وتأخرت عن كثير من دروسي انشغالاً بالعيش وحل المشاكل المختلفة، وسعياً على الوالدة ،والإخوان، ولم أنقطع قط عن الدراسة والمطالعة واقتناء الكتب ومدارسة إخواني الطلبة الأدب والعلم.
وفي نحو عام ١٣٧٠هـ زرت مدينة فاس ومكثت بها أياماً أخذت فيها دروساً على الفقيه الشهير محمد بن العربي العلوي بالقرويين في أحكام القرآن لابن العربي.
وبعد ذلك عرض علي الفقيه القاضي الحاج أحمد بن تاويت رحمه الله العمل معه كاتباً بعد أن عينته وزارة العدل قاضياً ثانياً عند اتساع العمران وازدحام السكان، فأنشأت محكمة شرعية أخرى بحي العيون غربي الجامع، فقبلت وعملت معه كاتباً.
وفي فاتح جمادى الأولى ١٣٧٤هـ فى ١٩٥٤/١٢/٢٧م أصدرت مجلة (الحديقة) أدبية ثقافية عاشت خمسة أشهر؛ إذ توقفت في رمضان عامه، وكانت مجلة جميلة كنت آمل - لو عاشت - أن تكون مجلة الطلبة الوحيدة في شمال المغرب، حيث كان ينشر فيها نجباء الطلبة وكتابهم وشعرائهم وقصاصوهم، وكنت قبل ذلك أصدرت بالمعهد الديني أول مجلة خطية باسم (أفكار (الشباب) كنا نكتب منها نسختين أو ثلاثة يتداول الطلبة قراءتها.
وبعد خروجي من المعهد اتصل بي جماعة من الطلبة وعرضوا علي المشاركة في نشاطهم الثقافي، وكان يتولى إدارة المعهد يومئذ أستاذ متعاون مع الإدارة الإسبانية، فأوجس خيفة من نشاطنا وبث حولنا عيونه، وكنت أصدرت جريدة (البرهان) خطية لانتقاد سياسة الاستعمار في التعليم واضطهاد الطلبة، والتضييق عليهم، ولم يصدر منها إلا عدد أول، فكتب مدير المعهد رسائل إلى رئيس الاستعلامات الإسباني (بلدا) يخبره فيها باستفحال نشاط الطلبة السياسي وصدور الجريدة، وما يكتب فيها فلان - يعنيني - وهو غير طالب بالمعهد ومتهم بالوطنية ! من مقالات تمس سياسة إسبانيا . . . إلخ، فاستدعيت ونالني من السب والشتم والتهديد والأذية ما قرت به عين سيادة المدير للمعهد الديني الإسلامي وأذنابه.
ولما أيس هذا المدير (الأمين التمسماني) من انتقام الإدارة الإسبانية منا كتب إلى الباشا اليزيد بن صالح الغماري) بمثل ما كتب به إلى (بلدا)، فسألني الباشا عن التهمة فأجبته بأن رئيس الاستخبارات الإسباني سبقه إلى التحقيق في هذه القضية ولم يجد شيئاً، فغضب الباشا واحتد وأمر بنا إلى السجن لولا تدخل بعض الناس.
ومن عجيب صنع الله أن هذا الباشا اضطر إلى الوقوف بباب مكتبي بالمحكمة بعد عزله في أول عهد الاستقلال فلم أعامله بالمثل، ثم انتبهت إلى أن مكتبه الذي هددني وهو خلفه هو المكتب الذي خاطبته من ورائه بعد أن احتاج إلي، ولله في خلقه شؤون.
ثم انقطعت عن كل نشاط من هذا القبيل وأكببت على التدريس والكتابة، ونشرت مقالات كثيرة في عدة صحف ومجلات كمجلة (لسان الدين) التي كان يصدرها الدكتور (الهلالي) بتطوان، وبعد سفره الشيخ (عبد الله کنون) ومجلة النصر والنبراس وأخيراً جريدة (النور) وغيرها، ونظمت قصائد وأنظاماً كثيرة معظمها في الإخوانيات ضاع أكثرها؛ لأني كنت أضمنها رسائل وأجوبة للإخوان ولا أحتفظ بنسخها، ولدي كنانيش فيها تقایيد ومختارات ومقطوعات لا يجمعها نظام ولا يضمها باب.
وقد أصهرت إلى الأستاذ المحدِّث الكبير؛ بل كبير علماء الحديث بالشمال الإفريقي الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق التجكاني الغماري الطنجي، وكنت أعرفه من قبل فأعجبت بسعة اطلاعه ورسوخ قدمه في علوم الحديث، فكاتبته وجالسته واستفدت منه علماً جماً، وأعطاني من وقته وكتبه ما كان يضن به على الغير، وأجازني إجازة عامة بما تضمنه فهرسه الكبير والصغير، كما أجازني مشافهة كثير من العلماء؛ من أشهرهم: الشيخ عبدالحي الكتاني عند زيارته لتطوان واعتذر عن الكتابة ووعد بها، فحالت دونها مواقفه السياسية، كما أجازني الشيخ عبدالحفيظ الفاسي الفهري مشافهة بمصيف مرتيل والشيخ الطاهر بن عاشور بمنزله بتونس عام ١٣٨٢هـ، واعتذر عن الكتابة بالمرض والضعف، وهذا الأخير من شيوخ شيخي ابن الصديق.
ولم تكن لي عناية بالإجازات، والشيخ أحمد بن الصديق هو الذي أجازني ابتداءً دون طلب مني ولم أكن معه على وفاق في الاعتقاد بالتصوف الفلسفي والصوفية، والمبالغة في ذلك كما لم أكن أرضى تخبطه في السياسة وتورطه في أوحالها، مما شوه سمعته وسود صحيفته، وأصابني برشاش، كما ندمت بالغ الندم وتبت إلى الله منه لما طوح بي إليه الشيخ من التشيع المقيت والرفض المُرْدي، فتورطت في الحملة على كثير من الصحابة، ولعن بعضهم كمعاوية وأبيه وعمرو بن العاص وسمرة وابن الزبير وغيرهم، متأثراً بما كنت أسمعه مراراً وأقرؤه من أحاديث مما عملت أيدي الروافض، كان الشيخ يمليها علينا مبتهجاً مصرحاً أنها أصح من الصحيح، فكنا نثق به ونطمئن إلى أحكامه، ويحكم على كل ما يخالفها من الأحاديث بأنها من وضع النواصب.
ومن الطريف في هذا الباب: أنه كان يبغض الشام وأهله ويصفهم بالشؤم على الإسلام وأهله ويبطل ما ورد في فضله من أحاديث صحيحة، وظل كذلك إلى أن فر من المغرب إلى مصر، ثم زار الشام فأكرمه أهلها وأقام له صوفيتها المآدب فكتب إلى أخيه السيد حسن يقول بأنه رجع عن اعتقاده في الشام وأهله وأن ما ورد في ذلك صحيح.
ومما كان له الأثر الكبير في حياتي، ويعد وصلاً لما كان انقطع من انتهاجي منهج السلف الصالح بعيدا عن تيارات التصوف الفلسفي والتشيع المنحرف : اتصالي بالشيخ المحدث السلفي الحق (محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني) الأرناؤوطي ثم الدمشقي نزيل عمان البلقاء الآن مهاجراً بدينه مضيقاً عليه بعد أن أخرج من دمشق ظلماً وعدواً، فقد اجتمعت به في المدينة المنورة في حجتي الأولى عام ۱۳۸۲هـ بمنزله وأعطاني بعض رسائله، فاعتبرتها مناولة؛ فاستأذنته في الرواية عنه بها فأنعم، وزارني بتطوان مرتين: قرأت عليه في إحداهما أبواباً من السنن الكبرى للنسائي المخطوطة بخزانة الجامع الكبير، واجتمعت به بطنجة بمنزل الشيخ الزمزمي بن الصديق، وسمعت من فوائده وفتاواه الكثير، وبعث إلي من رسائله وكتبه المستطابة ما أحيا في قلبي كامن الشوق إلى تتبع هذا المهيع المشرق والعناية بآثاره ومعالمه والاستمساك ،بعراه وما زلت إلى الآن لاهجاً بفضله، داعياً إليه.
وقد تزوجت باكراً وأنجبت أولاداً بكرهم أويس، وهو الآن أستاذ بإحدى ثانويات تطوان ويعد أطروحته لإحراز دكتوراه الدولة في الأدب، وله شعر حسن ومقالات منثورة، نسأل الله تعالى أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، آمين.
وتوجد نماذج من نظمي ونثري عند الإخوان وضمن مذكراتي المسماة (جراب السائح) كما أنني صححت جزءاً من تمهيد ابن عبد البر طبع وزارة الأوقاف في المغرب، وأكثر من النصف من كتاب (الذخيرة) في الفقه المقارن للقرافي المالكي، والأربعين حديثاً في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، وسراج المهتدين لابن العربي المعافري، وتحت يدي الآن الجزء الثامن والتاسع من النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني، وسيصدر إن شاء الله عن دار الغرب الإسلامي.
وكلفتني منظمة (الإيسيسكو) للتربية والثقافة والعلوم بمراجعة: معجم تفاسير القرآن الكريم الذي صدر عنها مؤخراً والاستدراك عليه، وقد تم المستدرك في حجم أصله، وتم طبعه وسيصدر قريباً بإذن الله.
كما طبع لي جزء (الأربعين حديثاً النهي عن اتخاذ القبور مساجد) وتم توزيعه بتطوان، كما أخذ بعض الإخوة هنا مجلداً في خطب الجمعة ،لطبعه يسر الله ذلك بمنه.
وللأخوين الكريمين: الدكتور حسن الوراكلي الأستاذ بجامعة أم القرى، وصديقه الأخ الداعية محمد المنتصر الريسوني كلام عني وعن أدبي نشر بمجلة دعوة الحق، كما صدرت لي ترجمة ضمن مادة التعريف بأسرة (بوخبزة) في (معلمة المغرب) التي تصدر تباعاً بالمغرب بإشراف الدكتور محمد حجي.
هذه ترجمة كتبتها بطلب من الأستاذ عبدالوهاب بن منصور مؤرخ المملكة المغربية ليدرجها في موسوعته (أعلام المغرب العربي) التي صدر منها للآن ٦ مجلدات وأذكر أنني اعتذرت للأستاذ المذكور عن كتابة الترجمة بأنني تلميذ محب للعلم ولست من الأعلام حتى أترجم ضمنهم، فأجابني أن كثيراً جداً ممن تضمهم معاجم التراجم وكتب الطبقات والتواريخ عوام أو في حكمهم، ولا يستحقون أن يكونوا تلامذة بمعنى الكلمة، ومع ذلك فقد أضفيت عليهم الألقاب والأوصاف وأسدلت عليهم أردية التعظيم والاحترام، فكيف تَكِعُ أنت - يخاطبني - عن التعريف بنفسك، وقد انتفع الناس بك، وأنا أعتمد على إشاراتك وتنبيهاتك كلما زودتني بها في كلام من هذا القبيل أملاه عليه تواضعه المشكور ، وهو العالم المؤرخ المشهور، فشجعني كلامه هذا على كتابة ما تقدم، وأرجو أن أكون قد أصبت الحقيقة، وأستغفر الله على كل حال، وقديماً قيل:
لعمر أبيك ما نسب المعلى … إلى كرم وفي الـدنـيـا كـريـم
ولكن البلاد إذا اقشعرت … وصوح نبتها رعي الهشيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
زوجته وأبناؤه:
زوجته هي الشريفة العفيفة السيدة: أنس بنت الفقيه محمد بن عبد الصمد التجكاني الغماري، وقد ترجم لها الشيخ في بعض كنانيشه فقال:
ولدت سنة ١٣٥٩هـ في غيبة والدها عن البلد حاجاً، وسماها خالها (أنس) تيمناً وتفاؤلاً باسم السيدة الفقيهة المحدثة المسندة أنس كريمة الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وكان خالها أبو الفيض رحمه الله الذي سماها لهجاً باسمها معجباً بها وبوالدها فنشأت في بيت خير وصلاح، يرأسه والد منقطع للوعظ والتدريس، ووالدة تسربلت بالصون والعفاف والاستقامة، وكان مكتوباً علينا أن نقترن ولما طرق سمعي اسمها اهتززت له، وآنست فيه معاني الدّعة والأنس والاطمئنان وعاودتني هذه الذكرى بعد ذلك فلم أشعر وأنا في غمرة التفكير أن كتبت:
أنست بها والأنس مصدر ما به …. تُسمى فطاب العيش من حبها جدا
وقرت بها عيني وزادت صبابتي… أمسيت في حالي بها ثابتاً طودا
وجرّت ذيول الفخر تيهاً بنا على ….ولدات وأتراب لهجن بها وجدا
وأملت عليهن المحامد وانثنت …. تقول بأن الدهـر أصبح لي عبدا
وهذا بحمد الله ما نطقت به …. مراشفها اللعـس المدرة لي شهدا
وبعد ذلك وقفت في خطط المقريزي على أنه كانت بالقاهرة على عهده بغِي مشهورة تسمى أنس وأنهم قبضوا عليها الخ ما قال عنها في کلامه على مهمة المحتسب؛ فأزعجني ما رأيت وعلمت منه أن الحافظ ابن حجر مسبوق بهذا الاسم وأنه فيما أظن لم يكن إلا عند المصريين، وربما لاحظ من سمّى به البنت معناه المصدري وإلا فهو اسم ذكوري مشهور.
٧- أبناؤه: للشيخ ابنان:
-البكر اسمه أويس، ولد) عند أذان فجر يوم الجمعة سادس وعشرين ٢٦/ رمضان المعظم عام ستة وسبعين وثلاثمائة وألف ١٣٧٦هـ موافق ٢٧ أبريل سنة ١٩٥٧م، وقد سماه تبركاً وتيمناً باسم سيد التابعين أويس القرني. درس في التعليم النظامي العصري، وتخرج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. وصفه والده بأنه أديب شاعر ناقد قصاص.
قلت: وأما في الشعر فهو شاعر مطبوع ، ذو خيال ساحر، ملك ناصية القوافي، وسبح به في أعماق البحور بزاد كافي.
وله من الأعمال: القصائد. دیوان شعر، نشر منه مجموعة من مقالات نشرت في العديد من الصحف والمجلات كالعلم والرسالة الإسلامية والنور التطوانية. كناش أسماه (عجر وبجر)، وتحقيق كتاب (عنوان النفاسة في شرح الحماسة) للفقيه الأديب محمد بن قاسم بن زاكور الفاسي مرقون وهو أستاذ اللغة العربية بالسلك الثانوي.
-والآخر اسمه المُعافى، ولد قبيل زوال يوم الثلاثاء ٢٥ شعبان الأبرك عام ۱۳۸۷هـ موافق ۲۸ نونبر ١٩٦٧م، وقد سماه على اسم ياقوتة العلماء المعافى بن عمران الموصلي (ت (١٨٥هـ)، وأديب الفقهاء أو فقيه الأدباء العالم الزاهد المعافى بن زكريا النهرواني (ت٣٩٠ هـ) صاحب كتاب (الجليس الصالح الكافي، والأنيس الناصح الشافي).
اجتهد وجد، وبحث ودرس، وحصل المراتب والشهادات، من إجازة وماجستير، وخط يراعه بحوث ودراسات، منها: تحقيقه لكتاب التذييل والتذنيب على نهاية (الغريب) للحافظ السيوطي مرقون. وتحقيقه لكتاب (فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث) للشيخ محمد الإفراني الصغير. مرقون وهو الآن يشتغل بالمحاماة.
٨- المحن التي حلت به:
كل إنسان في هذه الحياة مبتلى وممتحن وعلى الأخص منهم الأنبياء والعلماء لقول الرسول ﷺ : «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل».
وللشيخ في هذا الباب نصيب لا يغيب من ذلك:
محنته مع الاستعمار الإسباني لما كان طالباً، وقد سبق ذكرها في ترجمته.
محنته مع القضاة: الذين تبرم من العمل معهم، وسئم سلوكهم وأحوالهم، حيث أعرب عن ذلك في أرجوزة له سيأتي نصها قريباً.
محنته مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عبد الكبير العلوي المدغري، الذي عزله عن الخطابة والوعظ بعد مدة دامت نصف قرن في الدعوة إلى الله ونشر العلم الصحيح.
٩- وظائفه:
لقد اشتغل الشيخ -حفظه الله -لتأمين عيشه بكفاف وعفاف بمهنتين، هما:
-ناسخ مع القاضي أحمد بن تاويت بمحكمة السدد.
-موثق بقسم المخطوطات بالمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان، وظل بهذا المنصب إلى أن أحيل للتقاعد.
والمنصب الأول كان مرتباطاً به وهو على أحرّ من الجمر، قلقاً مضطرباً، إلى أن جاء الفرج بتعيينه في المنصب الثاني، الذي اطمأنت إليه نفسه، وارتاح فيه ضميره، وقد صوَّر حالته هذه في أرجوزة نظم فيها قصته (انظر ص ٣٦ -٣٧).
واشتغل أيضاً بالخطابة والتدريس: ظل خطيباً بمسجد العيون بتطوان خمسين سنة إلى أن عزله وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور عبد الكبير المدغري أواخر سنة ١٤٢٢هـ.
ودرس في جمعية الإمام الشاطبي؛ وكلف بتسييرها وإدارتها، قال أبو أويس متحدثاً عن هذه الجمعية وتاريخ تأسيسها في يوم الجمعة ١٤ ربيع الثاني ١٤١٤ هـ - ۱۹۹۳/۱۰/۱م بعد العصر افتتح مقر الجمعية التي أسسناها باسم الله تعالى وسميناها جمعية الإمام أبي القاسم الشاطبي لتحفيظ القرآن وتدريس علومه، وقد تقدم هذا جمع آخر اختير فيه المكتب، واتفقوا على رئاستي وتكليفي رغم اعتذاري وتملصي فألحوا عليّ قبولها ولو صورة، وحضر الحفل جمع من الأساتذة والطلبة المختارين من حفظة القرآن، وتكلم عبدالله الشارف نائب الرئيس، والأمين ،بوخبزة وجلال راغون أمين المالية، وافتتح الدرس بتلاوة القرآن واختتم به وبالدعاء الصالح... وقد وضع برنامج للتدريس روعي فيه التركيز على علوم القرآن من التفسير والتجويد ثم الحديث والفقه والنحو والأدب، وحصة من اللغة الفرنسية، والجغرافيا والتاريخ والحساب أعاننا الله تعالى ووفقنا وأنجح هذا المشروع المراد به وجه الله تعالى والدار الآخرة.
١٠- معتقده:
الشيخ حفظه الله سلفي في الاعتقاد على ما جاء في عقائد أعلام السنة المشهورين كاعتقاد ابن أبي زيد القيرواني وأبي جعفر الطحاوي، من إثبات صفات الباري عزَّ وجلّ من غير تشبيه أو تمثيل، ولا نفي أو تعطيل.
وهو في هذا الباب على طرفي نقيض مع الأشاعرة، ويدل على ذلك ما قاله في مناقضة أبيات لعبد الله الهرري ،الحبشي، قال - أي الهرري -:
شيئان من يعذلني فيهما …فهو على التحقيق مني بري
أبي بـكـر إمـام الـهــدى … ثم اعتقادي مذهب الأشعري
فقال الشيخ:
أنا بريء منك يا مفتري … لنصرك الخَلْفَ الغوي الزّري
وحربك الحق و أصحابه … فأنت عنه ـ يا خبيث - عري
وقال معرباً عن رأيه في اعتقاد الأشاعرة والماتريدية: من آثار انطماس البصيرة الناشئ عن الإعراض عن الله والتقاعد عن دراسة الوحي وأخذ العقائد منه والتفقه في الدين اعتقاد مذهب الأشاعرة والماتريدية واعتقاد أنهما أهل السنة والجماعة وقد أدركت عناية الله تعالى أبا الحسن الأشعري فألهمه التوبة وأعلنها على منبر البصرة بعد أن ظل ضالاً نحو أربعين سنة بسبب خاله الجبائي ،وغيره وكتب ذلك بيده في كتبه الإبانة عن أصول الديانة وهي آخر ما ألف ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين وفيه إعلانه أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ويعتقد ما يعتقده ورسالته إلى أهل الثغر وفيها ،دخن، وليت من ينتسبون إليه الهموا قراءة هذه الكتب واتباعه فيها بدل تورطهم فيما هم عليه من ضلال مبين يتوارثه الخلف عن السلف، أما أبو منصور الماتريدي فلم يثبت رجع عن فضائحه المتمثلة في كتابيه التوحيد وتأويلات أهل السنة فيما زعم والرجل أوتي من جهله بالحديث وعدم استرشاده بأهل السنة بحق، وهم أهل الحديث والأثر السائرين على نهج الصحابة والتابعين، وقد أدال الله تعالى منهم فيسر إخراج ذخائر أئمة السنة والحديث وقد بلغت الآن الآلاف من كتب العقائد والحديث والآثار المسندة والفقه الصحيح المقرون بالدليل السليم.
وتبين للناس وخصوصاً طلبة العلم الشرعي أن ما كان يسمى علم التوحيد وأصول الدين إنما هو فلسفة باردة سخيفة لا تورث قارئها إلا الشكوك والوساوس ،والجهالات ولو كان فيها خير لما تبرأ منها حاملوها والذابون عنها كالجويني والغزالي والرازي والشهرستاني وغيرهم، ثم تمت منة الله على المسلمين بطباعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ما جهد أعداؤه خصوم الإسلام من المتصوفة اللئام والمتعصبة الطغام، في إتلافها وإحراقها زمناً وكذلك كتب أصحابه الكرام كابن القيم وابن كثير والمزي والذهبي وابن عبد الهادي ونحوهم.
ولك أن تسأل الآن طلبة العلم عن كتابي الماتريدي، ولمع الأشعري وكتب الرازي والجويني فلن تجد من يعرفها إلا نادراً، أما كتب ابن تيمية كالفتاوى ومنهاج السنة والفرقان، وزاد المعاد لابن القيم وتفسير ابن كثير ... إلخ فهي على ألسنة الجميع وفي متناول من طلبها.
وكل من قرأها ووقف عليها تمسك بها وعلم أنها معالم الحق وانتفع بها أيما انتفاع ومع هذا كله فلا زلنا نسمع لعن أصحابها والتحذير منهم !؟ ولأجل نصرة معتقد السلف والاعتصام بحبلهم نبذ من عداهم، وتبرأ من كتبهم.
فقال مثلاً في كتاب (أساس التقديس) للفخر الرازي: قرأت كتاب (أساس التقديس) للفخر الرازي؛ فضاق صدري من الركاكة والبهرج الذي يسميه براهين، وما يكتنفها من غموض واصطلاحات وضعها أسلافه المتكلمون وحكموها في الوحي والعقول والوجدان، وحسبوها أدلة عقلية قطعية، وصرحوا في قِحَةٍ وجرأة أن ما عداها من النقل كيف ما كان لا يفيد العلم ولا يقوم منه دليل معتمد وليست في الحقيقة إلا بهتاً وصناعة جدل، وألفاظ اصطلاحية يرددونها في شكل لا يستسيغه طبع سليم، ولا ذوق مستقيم ولا يقبله قلب مؤمن، ولا عقل صريح واضح، ثم علمت أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان على صواب في حملته عليه ورده المحكم لأباطيله في كتابه الكبير (تخليص التلبيس من أساس التقديس) الذي الأسف، وإنما احتفظ لنا ببعض فصوله في فتاواه الكثيرة التي خصصها للرد على نفاة الصفات من المعتزلة وأفراخهم الأشاعرة الذين ولجوا باب التمرد على الله تعالى التي فتحها أسلافهم الجهمية.
سبحان الله كيف عمي هؤلاء الناس، وتواصوا بالمنكر وهم من الذكاء بمكان كبير، والوحيان أمامهم طافحان بمئات الآيات والأخبار والآثار في صفات الباري سبحانه وتعالى وأسمائه، وإثباتها إثباتاً يتمرد على التأويل، ويستعصي ويبتعد ويشمخ ويتطاول، ولا يفتأون رغم ذلك يجرون وراءه لاهثين متنكبين طريق الهدى، أفلا يسعهم ما وسع السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ممن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية، ولله في خلقه شؤون، فيا مقلب القلوب ثبت قلبنا على دينك:
(بأساس التقديس) وهنٌ كبير … وبلاءٌ جلاله مستطير
لا يغرنَّك (فخره) فهو مرؤٌ … فاه بالزور والإله خبير
عطلوا الله عن صفاتٍ وأضحوا … عدماً يعبدون، رزءٌ خطير
إذا تصفحت تراجم علماء المسلمين وسيرهم، تجدهم في تفاوت من حيث النسخ والخط، فمنهم المجيد المتقن، ومنهم الرديء المشكل، ولله في خلقه شؤون، وشيخنا أبو أويس يدرج ضمن النوع الأول، وتجربته في هذا الفن تكمن في التقليد والمحاكاة لا التعلم ومدارسة القواعد، فقد أخبرني بأنه في صغره كان يقلد خط الوزير الصدر أحمد الغنيمة، وبخطه تدرب وتمرس.
١١-خطوطه:
وقلمه يخط من الخطوط أشكالاً ثلاثة:
- الخط المجوهر: وهو ما تحرر به الرسائل الخصوصية والعمومية، وتكتب به الظهائر الملوكية، وهو أكثر خطوطنا استعمالاً ... بالمجوهر نسبة لعقد الجوهر لجماله وتناسب حروفه وتناسق سطوره (انظر نموذجاً له في الملحق).
- الخط الكوفي: وهو ما نجده مكتوباً على رق الغزال في المصاحف والكتب القديمة ويسمى أيضاً خط المصاحف. (انظر نموذجاً له في الملحق).
- الخط المغربي المتمشرق: هو الخط المغربي المشوب بملامح مغربية؛ مثل: الفاء بالموحدة من فوق والقاف بالمثناة الفوقية، وشكل الياء المدرجة بآخر الكلمة. (انظر نموذجاً له في الملحق).
ولجودة خطه وحسنه طلبه الملك الراحل الحسن الثاني لكي يقوم بمهمة الكتابة والنسخ لديه قال أبو أويس متحدثاً عن هذا الأمر مراسلة له إلي: والواقع أن الملك الراحل لقيني مع الأساتذة المنوني ومحمد العربي الخطابي ومصطفى العمراني، ورابع نسيته، وكان اللقاء في بقصر (بوزنيقة)، وكلمنا نحن الأربعة في تقويم خزانة محمد الفاسي الذي أراد شراءها من ورثته، ثم عند الانصراف كلمني عن العمل بالقصر لكتابة الظهائر والرسائل الملكية؛ لأنه أن لي خطاً مغربياً جميلاً، وهذا يرجع لابن منصور فهو الذي أخبره لأنهم لم يجدوا إلى الآن من يكتب هذا الخط؟ وقد طلبت بإلحاح من ابن منصور أن يعتذر عني سمع للملك ففعل.
١٢-مجالسه العلمية والأدبية:
والشيخ حفظه الله اجتماعي بطبعه، يأنس بلقاء أهل العلم أو المنتسبين إليه، حيث ينشرح صدره لمذاكرتهم، وتطيب نفسه لمجالستهم ومسامرتهم، بفنون من العلم الرصين وأطايب من الأدب المتين مجالس اختلف روادها بتحول الأعوام والسنين، وظل أبو أويس عمود فسطاطها المكين.
وقد عن باسم تحدث هذه المجالس الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي في سياق كلامه عن الندوات التطوانية فقال : وخامس ندوات تطوان العلمية والأدبية هي ندوة أخينا الأود المحدث الفقيه الأديب الشيخ أبي أويس محمد بوخبزة، وكان الاسم الذي عرفت به أول ،أمرها وهو (ندوة أدباء الشباب) ما تمّ الإعلان عنه في مجلة (الحديقة)، لكنها اشتهرت فيما بعد آخر (ندوة الفقيه بوخبزة)، وذلك مرده لأمرين اثنين:
أولهما: أن الأستاذ بوخبزة هو الذي يعود إليه الفضل في تأسيس هذه الندوة، وثانيهما: أن هذه الندوة إنما استمرت بعد مرحلتها الأولى الممتدة من أواخر الأربعينات الميلادية إلى أواخر الخمسينيات بفضل رعاية الأستاذ بوخبزة لها بعد أن انفض جل أعضائها الأوائل عنها، إثر الإعلان عن استقلال البلاد، بسفر بعضهم لاستكمال الدراسة بالجامعات المشرقية وذهاب بعضهم الآخر للعمل بالعاصمة الرباط، وظل مقام الأستاذ بوخبزة حيث أقامه ربه بمسقط رأسه منصرفاً للدرس، منقطعاً للعلم مما أتاح له أن يحافظ على عقد هذه الندوة كل أسبوع في بيته العامر. وبهذا وذاك أضيفت الندوة إليه وعرفت باسمه إلى يوم الناس هذا ... وكان من رواد هذه الندوة، الأساتذة: المهدي الدليرو، وعبدالواحد أخريف، ومحمد اللواح، وحسن المفتي، وأحمد المرير وعبدالغفور الناصر ومصطفى الوراكلي، وأحمد بلقات ومحمد اليزناسني وأحمد الزكاري وعبدالسلام الحسيني، ومحمد الطنجاوي، ومحمد بن عيسى ، وحسن داود وفيصل الخطيب، ومحمد الغربي، والمهدي زريوح وأحمد البقالي، ومحمد البوعناني.
وكانت جل مجالسهم تدور حول تذاكر الشعر وأربابه ودهاقنته، ثم بعد ذلك سن لهم صاحب الندوة سنة التدريب على الإنشاء من خلال ترسم خطى مشاهير الأدباء الأندلسيين أمثال ابن الخطيب وابن زمرك ومن نحى نحوهم كالوزير ابن موسى المنبهي...
وتطور الأمر إلى إثارة مجموعة من القضايا والمسائل، منها قضية الأدب المكشوف : أي فائدة في كتابته ونشره؟ والأدب المحلي أعلامه وتراثه.
بل وتنامى ذلك إلى المساجلات الشعرية مثل ما وقع بين الشعراء الثلاثة : أبي أويس والمهدي الدليرو وعبد الواحد أخريف، في معارضتهم لقصيدة القاضي أبي عبدالله محمد بن الأزرق الغرناطي في تعداد أنواع الأطعمة، وأول معارض لها هو شيخنا أبو أويس؛ حيث قال في مطلعه:
لذ بالشريف الحستي … أبو خبزة السَّني
فـــإنــه نــعــم الـــمسلي … عند نزول الفتن
يــتــحــفــك بــالــشــعــر الذي … عنه يزول وسني
قال أبو أويس: ولما فرغ الناظم كان الله له ولياً ونصيراً، من ذكر الأطعمة وأنواعها، والأشربة وأصنافها ... ذهب إلى البيت المعمور، والمنتدى المشكور الواقع بحي (السويقة) التي هي في المجون عريقة، في المكان المسمى بالطنانة والصفاح مجتمع الوجوه الصباح، وقرأ على إخوانه الشعراء النوابغ الكبراء القصيدة السالفة الذكر، المسماة بمسيلة اللعاب، ومطربة الصحاب فتحركت همة الشاعرين الأديبين، الصديقين الحميمين، السيدين عبد الواحد أخريف والمهدي الدليرو إلى معارضتها، فنظم المهدي قصيدة ذكر فيها أنواعاً من الأطعمة لم أذكرها أنا ولا ابن الأزرق ،... وبعدما قرأها أخذها ليزيد عليها وينقحها، لتثبت هذا أختها وإلى الآن لم يردها وبعده بقليل نظم أخريف قصيدة زادت أبياتها على المائة، وهي حسنة، ظريفة مستحسنة، وإليك نصها، فازدرد فصها:
أخريف قد بدأني … بالنظم لما جاءني
لؤلؤة أو درة … تطرب كل شادن
وقد رآني عندما .. قرأ شعر (الحسني)
في مدح كل فاخر … من مأكل حلو سني
إلى آخر القصيدة
ومن طرائف هذا النادي: دفتر التشريفات المخصص للتوقيع من طرف الزوار، قال أبو أويس : كتبت على ظهر دفتر التشريفات بنادي الأدب، وكان دكان السيد أحمد الهراس بالخرازين وكنا نجتمع فيه فإذا جاء شاب أجنبي عنا كلفناه التوقيع في الدفتر:
وقع الدفتر فالدفتر يا … سيدي - عقد نجوم الأدب
واصغ للتاريخ يـطـريـك بـمـا … تشتهي من وحي (نادي الأدب)
وكانت هذه المرحلة الأولى حسب تقسيم الأستاذ حسن الوراكلي، وتلتها المرحلة الثانية حيث حُوِّل النادي إلى بيت الشيخ، وتغيرت معه المواضيع والوجوه أيضاً، قال الأستاذ حسن الوراكلي: وستعرف مجالسها تطوراً فى موضوعات الحوار وقضاياه تمت به الهيمنة عليها للمعارف الحديثية والفقهية، ولقضايا التراث والثقافة والدعوة. غير أن هذا لا يعني انزواء الأدب بالمرة من مجالس الندوة فقد ظل له ـ مع اهتمامات الندوة العلمية في طورها الثاني - في نفس صاحبها متسع، وكذلك في نفوس بعض روادها مثله ؛ ومن ثم فإنه أي الأدب، كان لا يفتأ من حين لآخر، يتسلل إلى باحتها فيسمع له صوت من خلال صوت صاحبها وهو ينشد جلساءه مما يحفظ منه أو ينشئ أو من خلال صوت هذا أو ذاك من روادها. ومثل هذا التطور في الاهتمامات المعرفية - مدار الحوار - في مجالس ندوة الشيخ بوخبزة كان حقيقاً بأن يكسبها سمعة علمية رفيعة دفعت بالباحثين الشباب إلى ارتيادها مثلما دفعت بشيوخ العلماء إلى زيارتها. ومن هؤلاء وأولئك تذكر الأستاذ عبدالله ،كنون والأستاذ محمد ،داود والدكتور محمد بنشريفة، والأستاذ أبو بكر القادري والفقيه أحمد بن تاويت، والأستاذ محمد الطاهري، والأستاذ محمد بن تاويت والأستاذ إسماعيل الخطيب، والأستاذ عبد العزيز الساوري، والأستاذ مصطفى الصباغ، والأستاذ عبدالقادر الإدريسي، والأستاذ أحمد محفوظ، والأستاذ الأمين بوخبزة، والدكتور عبدالله الشارف والدكتور توفيق الغلبزوري والأستاذ عبداللطيف الجيلاني، والدكتور مصطفى محفوظ والأستاذ أحمد بوخبزة والأستاذ أحمد الستيتو، وغيرهم كثير.
وهكذا ظلت إلى يومنا هذا منبع الفوائد، لكل وارد وقاصد.
١٣- مكتبته:
له مكتبة حافلة غدّاها بالنفائس والكنوز التي يندر وجودها في شتى البقاع، مثل: (كتاب إيراد اللآل من إنشاد الضوال وإرشاد السؤال) للفقيه الأديب واللغوي الطبيب أبي جعفر أحمد بن علي ابن خاتمة الأندلسي. وقد ادعى بعض أهل العلم فقده في حين أنه قابع في رفوف مكتبة الشيخ أبي أويس.
و(جزء الحوض) للإمام الورع بقي بن مخلد الأندلسي وذيله لابن بشكوال ظهر بمكتبته بعدما أيس الباحثون من العثور على أثر من آثار بفي.
وله فيها أعلاق نفيسة تتمثل في وثائق وظهائر ومؤلفات لأعلام مغاربة يعسر الحصول عليها عند غيره. وإنّي جاد في الكشف عن خباياها ضمن الله ذلك. كتاب مستقل يسر الله ذلك.
١٤- أخلاقه:
يمتاز الشيخ حفظه الله بخلال حميدة، يندر وجودها إلا في أفراد قلائل، مثل:
- التواضع ومن الأمثلة على ذلك عدم حبه للمدح والإطراء، وقد وصفته في بعض مراسلاتي له بـ نجم الدين وهو لقب له تضمن تزكية، فعاتبني في جوابه بقوله:
فلست بـ (نجم الدين) وصفا أبا الفضل …. فَفُه بخفيف القول زُيّن بالعدل
وإياك ذبحي إنني جد مخلص …. بحبك فاصدقني فإنك ذو فضل
- الكرم وهذا من العجائب خصوصاً وهو ابن تطوان التي اشتهرت بالبخل، فكم حباني بهداياه وأعطياته المليحة من كتب ونقود، وهذا ليس خاصاً فقط الوثيق صلتي به، بل هو عام يصيب منه الأغراب أيضاً، من ذلك أنني زرته ذات يوم بصحبة بعض الباحثين، فسأله عن كتاب (سراج المهتدين) لابن العربي المعافري فقال له مشيراً: انظر في ذلك الرف - من مكتبته - وخذ نسخة منه. فلما نظر وجد معه كتاباً آخر للأستاذ عبدالقادر العافية حول الست الحرة أميرة تطوان، فسأله وهذا؟ فأجابه الشيخ: خذه أيضاً. ففرح الأخ بهذه العطية وعدها من النوادر؛ لأننا بشمال المغرب اشتهر عندنا أن العلماء يأخذون ولا يعطون.
- الصدق، ومن أمارات صدقه أنه يكرر بعض الحوادث والطرائف في العديد من كنانيشه بسبب النسيان، وإذا قارنت بينها تجدها متحدة في المضمون مختلفة في الإنشاء فقط، وهذه عند المحدثين من الدلائل على صدق الراوي فيما يحدث. النزاهة والعفة: فقد صرح في بعض كنانيشه بما صرح به الإمام ابن حزم في طوق الحمامة أنه ما حل سراويله على حرام قط.
- رد الجميل: من ذلك أنه إذا مدحه شخص، تجده لا يني في شكره بمثل ما أبدى له نثراً وشعراً، وكم لهذه الخصلة من دلائل وأمثلة في سلوكه ومعاملاته، لا يعلم بها إلا عارفوه ومحبوه.
- الاعتراف بالخطأ والإذعان للصواب دون خجل أو تعنت، وهذه من الفضائل التي يحمد عليها الرجل، وقد قيل : الرجوع إلى الحق فضيلة، من ذلك أن بعض الأساتذة العراقيين - لعل اسمه إبراهيم السامرائي - زاره في بيته وتذاكرا حول كتاب (أعلام) مالقة من خلال نسخة الشيخ التي بخطه، فأرشده الأستاذ إلى وهم صدر منه فقبل الشيخ تنبيهه وأصلح الخطأ مجلساً.
- التفاني في خدمة العلم وأهله فالشيخ خدوم للباحثين ييسر لهم العسير، ويقرب لهم البعيد لا ينى ولا يكل في هذا الباب، ودلائل هذه الخصلة ماثلة للعيان لا تحتاج إلى توضيح وبيان. وهل يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دلـيـل.
- الغيرة على حرمات الله: لذلك تجده جاداً في الدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة باللسان عبر دروسه التعليمية والوعظية، وقلمه من خلال كتاباته العلمية والأدبية وهذا هو السبب الذي تجنح به الحدة إلى القسوة، فيرمى بالغرور والجفوة، وقد أعرب عن هذه الحال فأنشد :
استغفر الله مما قلت منتقصاً … غيري وممتدحاً نفسي وأحوالي
والعذر أني أحب الحق منتصراً … فإن رأيت اهتضاماً هاج بـلـبـالـي
والمسلمون عموا عن رشدهم وغدوا …. شراً على دينهم، فالحزن أولى لي
مع العفو والصفح فهو يعفو عمن ظلمه وأساء إليه، من ذلك ما وقع له الأستاذ عمر الحدوشي، وذلك أنه كان في أول الأمر يتنقص الشيخ، وأكثر هذا أنه على انتقاده والرد عليه، وذات هاتفه مستسمحاً مما بدر منه فرحب الشيخ بذلك وصفح وتناسى ما بدا منه وسمح، فَمَنْ من عزم يوم {فمن عفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
١٥- رحلات وجولات الشيخ:
شيخنا حفظه الله يعشق السفر والتجوال فى الأمصار والبلدان من أجل ملاقاة الإخوان والخلان أو الاطلاع على عجائب خلق الله المنان، كأنه أسير قول الشاعر:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى … وسافر، ففي الأسفار خمس فوائد
علم وآداب وصحبة ماجد … تفرج هم واكتساب معيشة
وأشهر رحلاته ثلاث: حجازيتان، ومصرية.
- الرحلة الحجازية الأولى:
وهذه قد سطر أحداثها ببنانه، واعتصرها من ذاكرته، في جزء لطيف مفرد أسماه (ملامح من رحلاتي الحجازية)، قال فيه بعد الحمدلة والصلاة والسلام:
كانت رحلتي الأولى بَراً عام ١٣٨٢هـ - ١٩٦٢م ضمن وفد من بني بلدي في سيارة مشتركة زرنا خلالها الجزائر وتونس وليبيا ومصر، ثم امتطينا طيارة لضيق الوقت إلى جدة وبعد انتهاء الحج عدنا بحراً إلى الأردن ثم زرنا سورية ولبنان، ومنه بحراً إلى الإسكندرية فبرشلونة فالمغرب.
وكانت رحلة طيبة طالت ثلاثة أشهر ونصف لولا ما شابها من ضياع سيارتنا بمصر حيث استولى عليها المصريون بميناء الإسكندرية ظلماً وعدواناً بحيلة مفتعلة، وتفصيل ماجريات الرحلة ووصف المنازل والديار والأخلاق والعادات والمشاهد يطول جداً، ويحتاج إلى وقت، والمقصود الآن الإشارة إلى ما تم لنا من لقاء بعض أهل العلم وما استفدناه من هذا اللقاء، وزيارة بعض مشاهد مشاهير أهل العلم للاتعاظ والاستذكار.
فأول ذلك بعد خروجنا من المغرب زيارة مدينة تلمسان الجميلة الوادعة، وقد صلينا بها صلاة الجمعة بالجامع الكبير الذي هو أثر من آثار المغاربة بصحنه ونافورته وصومعته المربعة المزخرفة بالزليج المغربي، ومن كتابة منقوشة على الجدار القبلي من المسجد علمت أن بمقصورته خزانة كتب وضريح أحد ملوك تلمسان المشهورين من بني زيان؛ أظنه : يغمراسن، لم يتح لي الوقوف على الكتب ولا القبر.
وكان خطيب الجمعة الشيخ العربي الحصار وللتاريخ فإن أولاد الحصار هؤلاء هجر منهم إلى المغرب فكان منهم بتطوان إلى عهد قريب وانقرضوا، وما زال منهم إلى الآن بسلا، وكان الرجل يخطب ويُطَعّم كلامه باللهجة الدارجة للإفهام، وربما عبر خلالها باللغة الفرنسية لزيادة البيان أننا لاحظنا أول ما لاحظنا أن الجزائريين حتى المتعلمين منهم يخللون كلامهم بالفرنسية، وهذا من أثر الاستعمار الفرنسي الذي طال واستطال قرابة قرن ونصف، ولولا ما من الله به عليهم من قيام جمعية العلماء المسلمين بهمة وعناية العالمين الشيخين عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي الذين إليهما بعد الله تعالى يرجع الفضل في بقاء القرآن واللغة العربية بينهم ولا سيما في بعض المدن والمراكز التي كان نشاط العلماء جدياً بها رغم اضطهاد الفرنسيين لهم ومحاربة التعليم الإسلامي واللغة العربية، إضافة إلى الصوفية وزواياهم الجادة في تخدير أعصاب الشعب وأمره بالاستسلام للحكام وعدم مناهضة سياستهم.
ثم صعدنا جبل العباد مارين بمقبرة به ضريح الشيخ محمد بن يوسف السنوسي صاحب العقائد وبمصلى الجبل - وهو عامر بالمباني والسكان - تقع مدرسة أبي عنان المريني ومسجده الذي بناه قرب ضريح أبي مدين الأندلسي رحمه الله، وقد دخلنا المسجد وهو مغربي في هندسته وصومعته التي تضارع صوامع فاس.
وقد زرنا بالجزائر مدناً كثيرة منها: ابن العباس، وتلمسان، وقسنطينة والجزائر العاصمة، وسطيف، وعنابة وغيرها ومكثنا أياماً جميلة بالعاصمة، زرت خلالها ضريح الشيخ عبدالرحمن الثعالبي الفقيه المشهور صاحب التآليف العديدة كتفسيره (الجواهر الحسان) و(العلوم الفاخرة)، وغيرها، وكضريح مولاي محمد، وقد لاحظت من مظاهر التغريب الغريبة اللافتة للنظر: كتابة الرخامات على القبور بالفرنسية مع صورة المقبور بشكل كتاب مفتوح.
وكان نزولنا بفندق قريب من جامع كتشاوة القريب من ساحة الشهداء حيث الجامع الحنفي الشهير الذي تحمل صومعته المغربية ساعة كبرى وسطه، وهو مبني على الطراز التركي، وقريباً منه يقوم الجامع الكبير الذي هو من بناء المرابطين وما زال شكله وهندسته وصومعته المربعة القصيرة، أما جامع كتشاوة فقد كان من المساجد التي حولها الفرنسيون إلى كنائس، فلما نصر الله الجزائريين عليهم وأجلوهم عن الوطن أعادوا هذه المساجد إلى وضعها الإسلامي وأزالوا الصلبان من أبوابها وقبابها وأبراجها، وكانت أول جمعة أقيمت بعد إعلان الاستقلال بهذا المسجد الفخم، وخطب به فيها الشيخ البشير الإبراهيمي خطبة نارية بأسلوبه العجيب ولهجته الصادقة.
وما زالت نبراته ترن في آذاننا.وقد أذيعت يومها بالراديو. ولذلك كان من أهم مقاصد الرحلة الاتصال بمثل هذا الشيخ والأخذ عنه. فسألت عنه كثيراً، ومن عجب أنني لم أجد من يعرفه ـ وهو أشهر عالم جزائري عم صيته المغرب والمشرق قديماً وحديثاً، ومواقفه في مناهضة الاستعمار ما زالت ماثلة في آثاره خصوصاً (جريدة البصائر) التي كانت تعتبر بالمغرب والجزائر وتونس بمثابة قنبلة قوية المفعول يحاكم ويعاقب من ضبطت عنده فكان الناس يتواصون بقراءتها، ويبذلون ما شاء الله للحصول عليها خصوصاً بعد ظهور طلائع الأزمة السياسية بالمغرب التي انتهت بنفي الملك محمد الخامس وخلفه.
فكان الشيخ البشير رحمه الله يتصدى لكشف المخطط الفرنسي وفضح سياسة فرنسا وعملائها كعبد الحي الكتاني والتهامي الكلاوي، وكان نصيب الكتاني من حملاته كبيراً نظراً إلى مركزه العلمي وشهرته بالمشيخة، ومعرفة الشيخ البشير به.
قلت: وظللت أسأل عنه غير يائس إلى أن لمحت شاباً وسيماً يتأبط كتباً وجرائد فتوسمت فيه المعرفة وسلمت عليه وسألته عن أحوال البلد وما جرت به العادة، ثم سألته الشيخ فأخبرني أنه يعرفه وأن سكناه بحي حيدرة، وهو بعيد وأشار علي أن أركب الحافلة رقم كذا، وبعد الوصول إلى الحي وهو كبير واسع اسأل الشرطة فشكرته وامتطيت الحافلة إلى الحي وقصدت الشرطة فلم أجد عندهم خبراً عنه.
ولما رأوا حيرتي وتعجبي أمرني أحدهم أن أتصل بمحطة البنزين قائلاً: إن جميع أهل الحي يمرون بسياراتهم عليها وأصحابها يعرفونهم، فقصدتها وسألتهم فأفادوني أن رجلاً أشيب أعرج يمر أحياناً قليلة عليهم، وأنه يسكن بمفترق الطرق القريب، وأشاروا إليه، فذهبت ووجدت دكاناً للمأكولات ثمة فسألت صاحبه فأشار إلى فيلا صغيرة فقصدتها وطرقت بابها مراراً إلى أن عزمت على الانصراف آيساً، فإذا بالشيخ يطل ملتفتاً خارج الباب فتقدمت وسلمت فسأل عني فتعرفت إليه فرحب، واستدعاني للدخول خلفه، ولأول مرة رأيت الشيخ عياناً وعلامة الهرم والإعياء بادية عليه وعاهة العرج كبيرة، فجلسنا في حجرة متواضعة لا أثاث فيها ولا فراش إلا بساطاً متواضعاً ومنضدة صغيرة جداً عليها جرائد ومجلات وعصا الشيخ وبعد حديث قصير اعتذر الشيخ عن خلو البيت، قائلاً بأن أثاثه وكتبه وأهله ما زالوا بالقاهرة، وأن الإخوان (يقصد الحكام من جبهة التحرير) ابن بلة ورفاقه لم يخصصوا له مكاناً مناسباً واسعاً يسعه، وتحدث بمرارة عن جفوتهم له، وأنهم لم يمنحوه إذناً بزيارة المغرب للاتصال بإخوانه من معارفه من زعماء المغرب وعلمائه، وسمى لي عدداً منهم ما زلت أذكر ابن العربي العلوي وكنون وداود وعلالاً الفاسي وغيرهم، قال وما زال يطالبهم. ويلح عليهم وهم يسوفون،
كما تحدث الشيخ عن بعض ذكرياته بالشرق كالحرمين ودمشق والعراق ومصر، وعن نشاطه الصحفي والتعليمي، وكنت أحب أن أدون ذلك لو كان الظرف يسمح، ولم يكن متيسراً إذ ذاك اقتناء آلة تسجيل وأخيراً طلب مني الشيخ أن لا أنساه من دعاء صالح من مظان الإجابة بالحرمين، وأن أزوره في العودة ليأنس بي رحمه الله وجزاه خيراً، ولم يكتب لي أن أزوره لأنني عدت إلى وطني عن طريق إسبانيا، وكنت سألت الشيخ عمن أزوره بتونس فسمى لي شيخاً كتبياً بالقرب من جامع الزيتونة؛ لعل اسمه: صالح الثميني، وقد زرته وجلست معه، وهو من علماء الإباضية ثم ودعت الشيخ البشير وخرجت ناسياً نظارتي الشمسية بمنزله ولم أعد إليها رغم اعتيادي لبسها . واشتريت أخرى، وذلك لبعد الحي وإعجال السفر.
ولم أكن عرفت السبب في إضراب الشيخ البشير عن ذكر علماء تونس كابن عاشور وابنه والشاذلي النيفر وحسن حسني عبدالوهاب، حتى اقتنيت مجموعة آثاره المختارة فقرأت ردوده على الشيخ الطاهر بن عاشور ومن سار على نهجه في موقفهم من محنة التجنيس الذي فرضه الفرنسيون على التونسيين فكان مثار أخذ ورد وسبب امتحان عسير لكثير من العلماء والكتاب وكان موقف الشيخ الطاهر غير مشرف، وهو شيخ الإسلام وكبير علماء الزيتونة رحمه الله وسامحه، و حاولت الاتصال بالسيد توفيق المدني صاحب تاريخ الجزائر) فلم أفلح كما سألت عن الشاعر محمد العيد، فقيل بأنه يسكن ببلدة تبعد عن العاصمة بألف كيلومتر، وفي مرورنا بمدينة سطيف دخلت مسجداً على الطريق فوجدت بها حلقة كبيرة ووسطها رجل ملتح كبير فأردت الجلوس بها فنظروني شزراً فخرجت وعلمت بعد ذلك أنهم إباضية؛ أي من بقايا ويسمونهم هناك الخوامس؛ أي أصحاب المذهب الخامس.
وبعد أيام ودعنا الجزائر ودخلنا التراب التونسي، ووصلنا العاصمة ليلاً ونزلنا بحي شعبي، وفي الصباح خرجت وسألت عن ضريح كبير ذي قباب ومسجد قريب من الفندق تظهر عليه علامة القدم، فلم أجد من يعرفني كما ينبغي حتى اتصلت بالشيخ الفاضل ابن عاشور رحمه الله فأخبرني بأن الضريح هو لسيدي مُحرز الذي سأل عبدالله بن أبي زيد القيرواني أن يؤلف له رسالته المشهورة في الفقه المالكي لأنه كان مدرراً يقرئ الصبيان، فألف له الشيخ الرسالة ليحفظها النساء والصبيان.
أما المسجد فيعرف بمسجد (سبحان الله)، قال: وهو من المساجد العتيقة بتونس مر على بنائه نحو ألف سنة، وقضينا بتونس أياماً طيبة زرنا فيها عدداً من الأحياء وقصور الباي سلطان (تونس) التي حول أحدهما إلى متحف كبير، وصعدنا إلى تل مشرف على المدينة مكسو بالأشجار الوارفة الظلال وعلى قمة التل بناء غاية فى الإتقان والجمال، قيل لنا بأنه منتزه البايات، كما زرنا جامع الزيتونة وصلينا به جمعة وشاهدنا من تقاليدهم المبتدعة في ذلك ما قضينا منه العجب، ومن كيفية خروج الإمام وكان وقتها من الأشراف الذين يتوارثون الخطابة بها سماه الشيخ الفاضل ونسيت لطول العهد فخرج من المقصورة نحو أربعة أفراد لابسين ثوباً خاصاً مزخرفاً يمشون الهوينا وخلفهم الخطيب الذي صعد المنبر بحركات متزنة، وصعد أحدهم معه إلى منتصف درج المنبر وجلس إلى النهاية، وهؤلاء هم الذين يؤذنون ويقيمون الصلاة بصوت واحد بشكل مستغرب منغوم كأنهم يؤدون أغنية.
وأخبرني الشيخ الفاضل أن ذلك تقليد من أيام الأتراك وعليه أحباس لا يستطيعون الخروج منه، وزرنا بعد ذلك جامع القصبة حيث القصور السلطانية ودواوين الحكام وبالقرب منها يرقد علي بن زياد أحد تلامذة الإمام مالك ورواة موطنه، وهو أول أدخلها إلى إفريقية، ومن ذلك زيارتنا لجامع (مولى الطايع) وهو أمير تركي، وجامعه في غاية الفخامة والجمال وقبره متصل به وبالقرب منه مدرسة الطلاب وأذكر أنني وجدت بالجامع حلقاً لتلاوة القرآن والتدريب على أدائها ولفت نظري أنهم يقرأون في نفس واحد متصل دون وقف، فوقفنا نستمع مستغربين أنا والفقيه الحاج أحمد بن تاويت، وأردنا أن ننبههم إلى في ذلك؛ فلم يفرغوا من القراءة، وكنا أثرنا هذه المسألة الفاضل فاعترف بعدم لياقتها إلا أنه اعتذر بحاجة التعليم في التلقين كذلك كما نفعل نحن مع الأطفال فيما نسميه بـ (التهجي) في الكتاتيب إلا أن هذا عندنا قاصر على الأطفال.
أما عندهم فعام وعند زيارتنا للمدرسة الصادقية للسؤال عن الشيخ ابن عاشور لم نجده ووجدنا أحد كتابه الذي أخبرنا بأنه في رخصة وأنه لن يحضر إلا بعد أيام، وأبدينا له رغبتنا في زيارته فكلمه بالهاتف فرحب بنا ونزلنا إليه بسيارتنا مسترشدين بوصف الكاتب إلى أن وصلنا إلى قصره الفخم بحي المرسى مارين بحلق الوادي، فاستقبلنا الشيخ الفاضل ببشاشته المعهودة وأدبه الجم ودخلنا إلى صالون كبير مزدان بستور وثريات ولوحات فنية، ووجدنا به صحافياً مصرياً وبعض الأساتذة وبعد التعارف تحدثنا مع الشيخ الفاضل حديثاً أَنْسَانا الأهل والأولاد لحلاوة المنطق ودماثة الأخلاق والإلقاء بشكل سليم سريع يستطيع الكاتب المتروي أحسن منه وبعد هنيهة خرج وعاد مصحوباً بوالده الشيخ الطاهر فشاهدنا شيخاً وقوراً عليه مهابة العلم والسن تتلى في وجهه آيات الفضل والجد، وقد تبادلنا معه أحاديث كان منها حديث مطول عن مدونة الأحوال الشخصية وما تم فيها من تغيير واختيار مسائل خارجة عن مذهب مالك، وكان منها مسألة الطلاق المجموع في كلمة واحدة، وكيف اعتبر طلقة واحدة بائنة، فأشار الشيخ إلى اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعلوم في المسألة وأنه أمضاه على الناس لينزجروا، قال الشيخ: وما زلت أذكر صوته وقد جهر به ومع ذلك لم ينزجروا.
وكنت رأيت بالمكاتب بعض أجزاء مطبوعة بتونس من تفسير الشيخ فهممت بشرائها إلا أني لم أفعل، ولقد ندمت الساعة على ذلك؛ لأنني كنت أستطيع أن أقدمها للشيخ ليناولنيها فأستأذنه في الرواية عنه مناولة، ولكني قلت وقد فاتتني هذه المنقبة : ألا أستأذن الشيخ في الرواية العامة، وإن كان من الصعب أن أكلف الشيخ الكتابة وحالته لا تسمح بها كما ظروف الزيارة وحضور الناس يحول دون ذلك، وعند وداعه سلمت عليه وسألته فأنعم وفرحت بذلك لأني بالرواية عنه مشافهة شاركت بعض شيوخي الآخذين عنه كالشيخ أحمد بن الصديق وعندما ودعت الشيخ الفاضل بمدخل القصر سألنا عن منزلنا فأخبرناه ولم نعرف مقصوده.
وبعد وصولنا إلى الفندق بمديدة حضر الشيخ الفاضل بسيارته الفخمة فعلمنا سبب سؤاله ولقيناه وصعد معنا إلى الغرفة المتواضعة في فندق شعبي غير لائق وصنعنا له شاياً مغربياً وحمل إلينا الشيخ تموراً طيبة وحلويات قدمها إلينا معتذراً عن التقصير راغباً ملحاً أن يكون مرورنا في العودة علينا أحسن ليتمكن من الإكرام اللازم يقول هذا بأسلوب تتخلله لطائف التعبير ويضمخه طيب الشمائل والأخلاق رحمه الله وأكرمه وفي مثل هذا الرجل يحسن إنشاد قول أبي العلاء : جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم بعد الممات جمال الكتب والسير.
وفي أثناء الحديث أشار علي الشيخ بزيارة السيد الصاحب (أبي زمعة البلوي رضي الله عنه) بالقيروان وابن غانم وسحنون وابن أبي زيد والقابسي وأبي عمران الفاسي، وفعلا عند وصولنا إلى القيروان زرنا هذه المشاهد كلها بعد مسجد عقبة بن نافع الذي هو أعظم وأقدم الآثار الإسلامية بشمال أفريقية، وقد طفنا بأبهاء المسجد وبلاطاته الناطقة بجلال القدم والتقوى وصعدت المنبر الذي هو من آثار بني الأغلب فيما يقال، ونزلنا إلى قبر سحنون وهو في سبخة ووجدنا به ناساً يعملون على مرمات لنسيج البز الذي اشتهرت به القيروان وعلى دربوز القبر ورقة كتب عليها هذا قبر فلان المتوفى سنة كذا ووقفنا على فِسْقِيّة بني الأغلب وهي كبيرة مستديرة لتجميع مياه المطر وشاهدنا بقية تافهة من آثار مدينة رمادة المشهورة، ثم عدنا إلى العاصمة وصعدنا إلى زاوية للشاذلية بمقبرة الزلاج وهي مقبرة بها، ورأيت حرص الشيخ أحمد تاويت على الوقوف على قبر الفقيه ابن عرفة وابن عبدالسلام التونسي والأبي وقد دلّه عليهم مرشدنا المتطوع ويسمّى : خُميس والباني، ووصلنا الزاوية وهي بأعلى المقبرة ودخلنا وهي متينة البناء ووجدنا بها آثار احتفال من بسط كثيرة وأثاث وأواني طبخ كبيرة وأفادنا المرشد بأن الصوفية يحيون بها ليالي المواسم وكان أحدها قريباً، وهذه الزاوية مبنية على مغارة تحت الأرض ضيقة جداً لا تسع أكثر من شخصين قيل بأنها متعبد الشيخ أبي الحسن الشاذلي الشيخ الغماري المغربي الشهير النسبة إلى قرية (شاذلة) بتونس، وهو مغربي صميم وإنما أقام طويلاً بالقرية المسماة، وما زلت أذكر أن بالمغارة صورة محراب منقور بالصخر، وقد حضر الفقيه ابن تاويت خشوع كبير وجلس ودعا وتأسف كثيراً لعدم وضوئه فكان يصلي ثمة ركعات وعجبت لصنيعه هذا اشتهاره بالسلفية. مع
وفي رحلة لاحقة لتونس زرت من أعلامها الشيخ الشاذلي النيفر رحمه الله: توفي مؤخراً عام (١٤١٨هـ) بمكتبته بالعاصمة، وهي مكتبة ضخمة فتحها لعموم الباحثين بحفل رسمي، وتضم كتباً قيمة ومخطوطات نادرة، وهي ومكتبة الشيخ الطاهر بن عاشور يمثلان أنفس وأكبر المكاتب الخاصة بتونس، وتليهما مكتبة حسن حسني عبدالوهاب وقد نقلت إلى المكتبة الوطنية بوصية منه وعلى ذكر هذا الرجل فإنني كنت حريصا على زيارته وسألت عن منزله فعرفته واستأذنت عليه فاعتذر لي شاب ـ لعله من تلاميذه بأنه مريض لا يستطيع مقابلة أحد.
وأذكر أن مما دار بيني وبين الشيخ الشاذلي من حديث حرصه البالغ على اقتناء تاريخ تطوان لمحمد داود الذي طبع منه حتى منه حتى الآن ثماني مجلدات وهو النصف من الأصل، وكان الشيخ وقف على بعضه وأعجبه، وحدثته عن كتاب شيخنا وشيخ الأستاذ داود (عمدة) الراوين في تاريخ تطاوين في عشرة أجزاء في خمسة مجلدات للشيخ أحمد بن محمد الرهوني التطواني فكان يتعجب من حديثي ولسان حاله ينشد عنه:
كيف الوصول إلى سُعاد ودونَها … قُلَلُ الجِبالِ وَدونَهُنَّ حُـتـوفُ
وتواعدنا أن يكاتبني في هذا الشأن لتدبير شأن الإرسال والتصوير، ولكنه لم يفعل ولعله كان يحب لقائي بالمغرب لإنجاز العمل، ولكن لم تتح له هذه الزيارة إلى أن توفي رحمه الله وما رأيت من يحاكيه في إيثار الحديث عن الكتب والمخطوطات إلا القليل كشيخينا عبد الحي الكتاني وأحمد بن الصديق إلا أنه يفارقهم بضنانته بأعلاقه ونوادره فلا يسمح بتصوير ولا إعارة بينما الأولان سخيان بما عندهما والله في خلقه شؤون، وكان مما يصب في هذا الاتجاه من حديث الشيخ أنه أخبرني عن والده وغيره من علماء الزيتونة كيف كانوا يتتبعون حركة النشر للكتب بالمطابع الحجرية بفاس ويحرصون على شرائها واقتنائها ويوصون بها وكيف كان الطلبة يتهافتون على آثار الشيخ المهدي الوزاني من شروحه وحواشيه ونوازله الفقهية الكبرى والصغرى مع كتب النوازل والفتاوى الكثيرة التي أخرجتها المطابع الحجرية بفاس.
ومن العلماء والمدرسين الذين لقيتهم وأنست بهم الشيخ عز الدين سلام، وهو خطيب ومدرس بأحد مساجد العاصمة ومتميز بإتقانه علم الحساب والفرائض عرفني به تلميذه الأثير الشاب الصالح العالم المقرئ المتقن الأستاذ فتحي العبيدي أحد أساتذة جامعة الزيتونة في علوم القراءات، الذي عرفته هو الآخر بواسطة شيخه أخينا الفاضل الباحث المعتني الدكتور محمد أبو الأجفان التميمي القيرواني خريج جامع الزيتونة والأستاذ بكلية الشريعة فيها، والذي يعمل حالياً بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وكان هذا الرجل الفاضل زارني منذ أكثر من عشرين سنة بالمكتبة العامة بتطوان وأهداني من تحقيقاته فهرست المجاري وفهرست القلصادي، ثم توطدت الصلة بيننا من يومئذٍ ولا أبالغ إذا قلت بأن رسائله إلي تناهز المائتين وكلها تدور على العلم والنشر والكتب والمخطوطات بارك الله في جهوده التي أثمرت الآن ما يجاوز الخمسين عملاً بين تأليف وتحقيق.
ثم غادرنا تونس العاصمة ومررنا بمدينة صفاقص التي لم نقف بها طويلاً وشاهدنا بها مساجد قديمة وأسواقاً تونسية أصيلة بدكاكينها وسيما أهلها وملابسهم وشاراتهم ووقفنا عند ضريح الإمام اللخمي صاحب التبصرة الشهيرة في الفقه المالكي التي هي من مصادر الشيخ خليل بن إسحاق الجندي في مختصره المشهور وأشار إليه في خطبته وأنه يعتمد اختیاراته على تفصيل له في ذلك، ومعلوم أن اختياراته أثارت جدلاً طويلاً بين متأخري ،المالكية ومن اللطائف قول بعضهم في انتقادها من أبيات:
لقد مزقت قلبي بسهم جفونها … كما مزّق اللخمي مذهب مالك
وكان من أهداف الزيارة الاتصال بالشيخ محمد محفوظ توفي قريباً فلا تسل عن أسفي لفوت هذه الفرصة وذلك لما امتاز به الشيخ رحمه الله من اطلاع وتحقيق وهو مؤلف (معجم المؤلفين التونسيين)، وكنت اقتنيت منه نسخة وقرأتها وعلقت على هوامشها ملاحظات كنت سأحاوره في شأنها لو شاء الله لقاءنا في الدنيا ونرجو أن يتحقق لقاءنا في دار كرامته بفضله ومنه، كما كنت أود اطلاع الشيخ على وجود نسخة تامة من كتاب (الأربعين البلدانية) للإمام البكري الذي حققه الشيخ تحقيقاً علمياً وطبعته دار الغرب للناشر التونسي الحبيب اللمسي عن نسخة سقيمة بها بياضات، وكنت عثرت على نسخة ثانية جيدة تامة من كتب المكتبة الزيدانية التي أضيفت للخزانة الملكية بالرباط.
ثم خرجنا من مدينة صفاقص إلى مدينة قابس التي توصف بأنها جنة الدنيا ودخلناها في يوم عابس ذي ريح عاصف وغبار كثير ومررنا على قبور لجماعة من الصحابة فيما يقال لا أدري أسماءهم، ولم ألق فيها أحداً من أهل العلم، وغادرناها متجهين نحو الحدود الليبية فدخلناها خائفين من اكفهرار الجو وزمجرة الرياح، وشاهدنا عواصف رملية كنا نقف بسيارتنا بعيدين في انتظار مرورها سوداء في شكل عمود ضخم متحرك، وبعد ساعات عصيبة وصلنا إلى مدينة مصراطة واسترحنا وكنت أعلم أن بهذه المدينة مرقد الشيخ أحمد زروق الفاسي فسألت عنه فعرفت أنه خارج المدينة، فخرجنا إليه فوجدنا مدرسة بها طلاب يحفظون القرآن وآخرون يعانون حفظه على الطريقة المعهودة عندنا بكتابته في ألواح خشبية اطلعت على بعضها، ووقفت على ضريح الشيخ ومعه آخر. ولم أجد ثمة عالماً أسأله.
وبينما أنا ثم مررنا على مدينة نسيت اسمها وهي بديوانه (ولعله المرجة أو المرج) كان أصابها زلزال دمر كثيراً منها شاهدنا آثار التدمير بها نسأل الله العافية، ثم زرنا مدينة طرابلس ومعرضها السنوي وكان لا بأس به والبلد حديث عهد بالاستقلال، ولم يكن البترول ظهر بها. ثم زرنا مدينة بنغازي وهي لا تمتاز عن العاصمة إلا بمزيد من الفقر ؛ إلا أنني وقفت بها على قبر الشهيد عمر المختار رحمه الله وعليه بناء حديث فخم وفوق قبره رسمت بطلاء ذهبي قصيدة أحمد شوقي الشاعر المصري في رثائه وهي أتجول في شوارعها بعد أن تغدينا بسوق الظلام، وهو سوق طويل مسقف بقبو، في مطعم شعبي ما زلت أذكر صاحبه شيخاً يسمى : حمادة الطرابلسي أخبرنا أنهم يعانون من كساد قاتل وصلت إلى مكان أنكرت ما شاهدت فيه من نساء كثيرات جالسات على أبواب بيوتهن وهن متزينات مكتحلات متنمصات محمرات الشفاه والخدود وبعضهن يدخن السجاير والكيف، ومنهن من كن ينظرن إلى بشوق فأسرعت الخطى إذ علمت أن المكان (بُرْدِيل) للبغاء والبغايا، نسأل الله العافية. ،
وبعد نحو يومين خرجنا فمررنا على عدد من القرى والمدن منها درنة وبها قبور بعض الصحابة كما رأيت مكتوباً عليها كعبدالله الزلام الأنصاري القاضي (كذا) وقيس بن زهير البلوي وغيرهم إلى نحو سبعين قبراً في بيت مستطيل ولم تذكر أسماؤهم إلا هذين وهذه المدينة تقع في سفح الجبل الأخضر المشهور الذي كان من معاقل الجهاد وحصون عمر المختار وأصحابه الذين ساموا الطليان به وبغيره سوء العذاب، وقد صعدنا الجبل بعد خروجنا من البلدة فإذا هو أخضر دائما لنبات أشجار لا يسقط ورقها وزرنا بلد الزاوية البيضاء، وبها ضريح الشيخ السنوسي الكبير جد الملك إدريس السنوسي وعليه قبة فخمة وبالمدينة معهد علمي، وقد رأيت أساتذة وطلبة يلبسون الجباب المصرية كالأزهريين وأذكر أنني رأيت بمدخل المدينة مسجداً حديثاً ذا منارة مصرية طويلة ووسطه قبة كتب على مدخله أنه ضریح رويفع بن ثابت الأنصاري الصحابي رضي الله عنه، وقرب الضريح مقبرة لفت نظري فيها شواهد قبور بها أسماء البقالي بكثرة، فلا أدري هل هؤلاء الموتى من البقاليين المغاربة، ومما مررنا عليه مدينة أجدابية، وهي صغيرة متواضعة ذكرت باسمها أبا إسحاق ابن الأجدابي العالم اللغوي الشهير صاحب كتيب (كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ) الذي قرأته درسا بالجامع الكبير بتطوان لأنه كان مقرراً لطلبة القسم الابتدائي، ولكنني لم أعرف بها أحداً، ولا زرت بها عالماً ولا ميتاً وكل ما أذكر أنني صليت بها الجمعة بمسجد متواضع وخطب يومها خطيب أعمى لعله مصري، كما مررت بقرية سرت - هكذا بالسين المهملة - وهي قرية كبيرة نوعاً، يقال بأن أولاد الشَّرْتِي التطوانيين ينحدرون منها كما سمعت منهم، ووقفت بها على طلل واطئ قيل لنا بأنه أصل منارة مسجد مغربي بني هناك أيام حكم المرابطين أو الموحدين.
ثم مررنا على مدينة طبرق، وهي بليدة عالية طيبة الهواء.ومررنا على قرية سواكن وصلينا بمسجدها الذي علمنا بعد أنه لإباضية إلا أننا كنا صلينا وحدنا لطول انتظارنا للجماعة وقد علمت بعد ذلك أن هذه النحلة الباقية من الخوارج الذين كان المغرب من مراكزهم الأولى توجد هنا بليبيا بهذه القرية وغيرها وبتونس بجزيرة جربة، وبالجزائر ببني مزاب. هذا بشمال إفريقية ويوجدون بطانزانيا ومعلوم أن لهم الآن دولة وقوة بسلطنة عمان وبلاد الخليج العربي الغنية بالنفط وغيره من المعادن، ولهم الآن صحف ومجلات ودور نشر تطبع من تراثهم الكثير وهم مبتدعة معتزلة في العقائد يحطون على علي بن أبي طالب وأهل بيته وبعض الصحابة نسأل الله العافية، ثم انحدرنا في طريق جبلي طويل انتهى بنا إلى قرية السلوم التي هي على الحدود بين ليبيا ومصر.
وقد تعبنا في النزول لسوء حالة الطرق ليبيا؛ لأنها ما زالت محفورة من أثر معارك الحرب العالمية الثانية التي دار كثير منها بها. ودخلنا التراب المصري مقتربين من البحر الأبيض حتى وصلنا أول بلد به وهو مرسى مطروح، وهو مصيف جميل تغدينا به، ثم واصلنا السير إلى الإسكندرية التي أقمنا بها أياما بفندق جميل مطل على میدان نُصب بوسطه تمثال من البرونز لسعد زغلول يشير بيده، والإسكندرية بلد غني عن التعريف ويحتاج من يتعرف عليه إلى أيام عديدة؛ إلا أنه ما لا يدرك كله لا يترك قله من ذلك زيارتنا لقصر التين وهو قصر عجيب، ومنه حمل الملك فاروق بن أحمد فؤاد الأرناؤوط آخر ملوك مصر، معزولاً منفياً. وقد تجولنا فيه وفيه مصعد كهربائي لشهود طبقاته، وكان ما زال على الحال التي تركها عليه الملك حتى يومية الشهر ما زالت كما هي وخزائن الملابس المختلفة حتى الأحذية والبرانيط والطرابيش والعصي وأنابيب التدخين، كل هذا محفوظ كما تركه صاحبه في خزائن زجاجية في غاية الإتقان والصون والحفظ، واللوحات معلقة بالجدران تكاد تنطق، ومنها لوحة رسمها للملك رسام أوربي رائعة لاحظ المرشد المصري طول وقوفنا عندها فقال: شَكْلُو حِلْو مش كدا.
وفي تجولي بشوارع الإسكندرية زرت مسجد أبي العباس المرسي وهو شامخ البناء ذو منارات مصرية الشكل، ووجدت الضريح غاصاً بالزائرين والزائرات يتمسحون بالتابوت، ويلصقون به بطونهم وظهورهم ووجوههم ويزمزمون في شكل ينافي أدب الإسلام في الزيارة الشرعية، وبالقرب منه ضريح البوصيري صاحب البردة والهمزية، وكلاهما من أصل مغربي وأذكر أنني رأيت قصيدته الميمية البردة مكتوبة بخط رائع بالصفر بقبته، وهناك بالقرب قبر يقال إنه لأبي الدرداء الصحابي وهذا غير صحيح والمتسولون والمعتوهون هناك بالعشرات يلحقون بالسؤال وهم في غاية الفقر والخصاصة والأسواق غاصة والمدينة مزدحمة.
وهناك قلعة قايتباي على البحر لم أصل إليها، وبعد أيام غادرناها في طريق جميل تحفه الحقول الخضراء من اليمين والشمال بخلاف طريق الإسماعيلية والسويس، فإنه طريق صحراوي قاحل. ومررنا في ذهابنا للقاهرة على جرجا وسيدي جابر وطنطا ومنارة مسجد البدوي تظهر من بعيد وعلى رأسها مصباح يضيء ليلا ولم نقف بها ومساءً دخلنا القاهرة وقصدنا عنوان الأخ محمد مولاطو التطواني وهو مثوى متواضع قريب من مسجد الكيخيا.
وقد قضينا في القاهرة أكثر من ١٥ يوماً، وصادف يوم دخولنا القاهرة مرور موكب جنازة كبيرة فوقفت أنظر فسمعت رنة صوت لنادية وعرفت وجوها لعدد من الممثلين المصريين فسألت فأخبرت أن الجنازة لمأمون الشناوي الشاعر الذي كان من أبرز مذيعي إذاعة القاهرة وعرف بأشعار له رقيقة لحنت وغني بها، وكان من أهداف الرحلة كما قلت الاتصال بأهل العلم إلا أننا بعد مضي أيام على إقامتنا بالقاهرة علمنا أن المواصلات مقطوعة بين مصر والسعودية في البر والبحر فسقط في يدنا وأخذنا نبحث عن طريقة للسفر إلى جدة لإنجاز ما رحلنا لأجله وهو الحج، فسافرنا إلى السويس فلم نجد باخرة وعلمنا أنه لا يسمح لا بحراً ولا جواً ولا براً بالسفر إلى السعودية وإذاعة القاهرة جادة في حملاتها على الملك سعود والثورة المصرية في فجر عهدها.
وفي أول جمعة لنا بمصر رأيت جمال عبد الناصر ماراً لصلاة الجمعة بالأزهر مع ضيفه رئيس جمهورية الهند داكر حسين، والطرق مزدانة بالأعلام وغاصة بالناس وصليت الجمعة بالأزهر، وزرت الكثير من مساجد القاهرة كمسجد الحسين، والمؤيد، والحاكم، وعمرو بن العاص، وابن طولون، ومدرسة السلطان حسن، وزاوية الرفاعي ،قبالته ومسجد محمد علي بالقلعة وفيه ضريحه وزرت متاحف القاهرة كالمتحف الفرعوني والفن الإسلامي ومتحف القلعة، ودار الكتب المصرية، وصعدت برج القاهرة، وزرت حديقة الحيوان، والقناطر الخيرية والحديث المفصل عن هذا كله يطول كما زرت ضريح الإمام الشافعي والليث والقرافة والمقطم حيث ضريح عمر ابن الفارض وزرت ضريح شيخي أحمد بن الصديق وكان قريب العهد بالوفاة بعد هجرته إلى مصر فاراً من الاستقلاليين بالمغرب كما زرت منزل شقيقه عبدالله الذي كان معتقلا بتهمة الجاسوسية، وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف إلى المؤبد، ثم سرح من السجن بشفاعة الملك الحسن الثاني لأنور السادات بعد وفاة جمال.
قلت: وفي غمرة هذه الأحداث اشتغلنا بقضية السفر والوقت ضاق فلم نتمكن من زيارة أحد، فقد دللنا على ترجمان من أصل تركي له وكالة أسفار مهمة ليدبر لنا أمر السفر فاتصلنا به وأخبرنا بأن هناك طائرة ستسافر قريباً إلى الظهران بالسعودية لنقل بعض العمال والخبراء، فحجز لنا فيها وعلم بذلك عدد من الحجاج الجزائريين ففعلوا مثلنا، وتمت قضية السفر جواً ولله الحمد وكان لهذا الترجمان ولد وبنت كان يحضر إليهما يومياً يلقنهما دروساً في العربية والدين الشيخ أحمد الشرباصي الخطيب المشهور، فلقيته في مبنى الوكالة وسلمت عليه، وسألني عن بعض العلماء المغاربة البشير الإبراهمي كما لقيت بمكتبة محمد علي صبيح الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد الشهير منهم بتحقيقاته وجالسته قليلاً فرأيته يدخن بشراهة، وسألني أسئلة تدل على عدم إلمامه بالمغرب وأهله.
ثم سافرنا بعون الله إلى جدة فوصلناها ليلاً، ومنها سافرنا في السيارات إلى المدينة المنورة حيث قضينا أياماً تشرفنا خلالها بالسلام على رسول الله ﷺ وصاحبيه، وزيارة حرمه الشريف والصلاة فيه في معظم الأوقات، ثم زيارة البقيع ومسجد قباء، وتجولنا ما شاء الله بأحياء المدينة وخرجنا لمشاهدة أحد وميدان المعركة والوقوف على قبور شهدائها وعلى رأسهم سيدهم حمزة رضي الله عنهم أجمعين. وكان نزولنا بدار قديمة قريبة من الحرم اكتريناها من صاحبها الذي ذكر أنه من أولاد بري المغربي الأصل، وكانت تجاهها دار أخرى يملكها مغربي نزل المدينة قديماً وجاور بها وتزوج، ووجدناه طريح الفراش طاعناً في السن وله قرابة بالحاج العياشي الصُغَيَّر كما ذكر ابنه الفقيه العدل السيد محمد بن الصديق، وكان جو المدينة حاراً لأننا كنا في شهر يونيه فكنا ندخل الدار للأكل وقضاء الحاجة أما النوم فكنا ننام بالمناخة وهي ساحة كبيرة يرابط بها الحمالون والمكارون بحميرهم، وبها مقاهي تقليدية ومراحض تحت الأرض، فكنا ندخل بعد صلاة العشاء نسمر وننام بعد أن نَصِفٌ الشَّبْرَيات في شكل مربع ولا ندع لها مدخلاً ،فننام وأذكر أنني كنت أدخل زعبولتي الجلدية وهي صغيرة في سراويلي عند النوم احتياطاً.
وبعد أيام سمعت الفقيه ابن تاويت وقد جاء متأخراً يذكر أنه حضر حفلاً كبيراً لإنهاء الدراسة في الجامعة الإسلامية وكانت في عامها الأول أو الثاني ورئيسها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ونائبه الشيخ عبدالعزيز بن باز، وذكر أنه سمع تدخل الشيخ ناصر الألباني ملاحظاً على بعض الطلبة المتفوقين الذين ألقوا خطباً بالمناسبة، فاسترعى حديثه انتباهي، ذلك لأنني كنت سمعت بالمغرب ثناء حسناً من شيخي أبي الفيض أحمد على الألباني قائلاً بأنه خير من يشتغل بعلوم الحديث الآن ويتقنها، وهي شهادة قلما يسخو بمثلها الشيخ، ثم كان الفقيه اعجولو التطواني، وكان جاري في السكن يطلعني على بعض المجلات الشرقية التي كان يطلعه عليها تلميذه محمد الجُحْرَة صاحب مجلة (الأنيس)، وكانت تصله بحكم التبادل الثقافي، ومنها مجلة التمدن الإسلامي التي كانت تصدر بدمشق لصاحبها أحمد مظهر العظمة، فكنت أجد فيها بين الحين والحين مقالات وفتاوى حديثية للشيخ الألباني الذي قدمه للقراء صاحب المجلة في مناسبة بأنه فتى أرناؤطي هاجر مع والديه وأهله إلى دمشق فاستوطنوها، وكان هذا الفتى عصامياً فاعتمد على نفسه على فتاء سنه (۹) سنوات يعمل في البناء والنجارة والكهرباء، ثم تعاطى صناعة إصلاح الساعات وفتح دكاناً لذلك ما زال إلى الآن يعمل فيه ولده عبداللطيف. وشدا شيئاً من النحو والفقه.
ثم حبب إليه الحديث فكان يستعير من بعض الكتبيين كتبه ويقرأها بنهم، ثم أخذ يتردد على المكتبة الظاهرية وبمضي الزمن اكتسب ملكة في هذا العلم لفتت أنظار المسؤولين فوضعوا ثقتهم فيه وخصصوا له بيتاً، وأذنوا له في البحث وتناول المخطوطات وخدمتها بالترقيم والإصلاح والتعريف والبحث في الخروم لإتمام البتر، فتم على يده من ذلك ما شاء الله مما عم نفعه وعظم، وقعه وهو الذي وضع فهرس مخطوطات الحديث وما إليه.
قلت: والحديث ذو شجون لما سمعت الفقيه ابن تاويت يذكر هذا تاقت نفسي لرؤية الشيخ والاجتماع به فأخبرني الفقيه أنه يصلي بالحرم باستمرار، فاتفقت معه على إرشادي إليه في صلاة العشاء، وهكذا تم اللقاء بحمد الله على باب عبدالمجيد فرأيت كهلاً طوالاً أصهب كأنه من رجال الإنجليز فسلمت عليه ورحب بي واستدعاني فخرجنا وامتطينا سيارته وقد امتلأت بأطفاله. وأضافنا ببيته على الماء والبطيخ الأحمر (الحَبْحَب) معتذراً بسفر زوجته وقد قضيت معه ساعات مباركة في المذاكرة، والفقيه ابن تاويت وشقيق الشيخ واسمه منير نائمان يُهَوِّمان جالسين وناولني الشيخ في أثناء المذاكرة مخطوطة فهرسه لكتب حديث الظاهرية الذي طبع منتخبه بعد ذلك بدمشق، ورسالته في الصلاة، وأخرى في صلاة التراويح، وكان قال لي بأنه لا رواية له وأنه يعتبر ذلك شيئاً لا طائل تحته، وأن الشيخ راغب الطباخ الحلبي أجازه بدون طلب فأشرت له بالإذن بالمناولة التي تمت بيننا وهي من أنواع الرواية والتحمل - فوافق جزاه الله خيراً.
وبعد نحو أسبوع أو عشرة أيام غادرنا المدينة وأحرمنا من ذي الحليفة قاصدين مكة المكرمة وكان إحرامي بالتمتع وأبى الشيخ ابن تاويت إلا الإفراد رغم محاورتي له في لزوم التمتع إلا لضرورة قصوى فلم ينصت. ،
ونزلنا بمكة بمحلة الشامية عند المطوف عبد المعطي مرداد، وهو من عائلة مكية منها علماء ووجهاء، وكان هو نفسه قاضياً هناك. ولم يكن يومئذ بالحرمين آلات تكييف ولا مراوح كهربائية كافية ولا ثلاجات كثيرة، والمياه طبيعية دافئة تصل إلى البيوت على يد عمال يمنيين وغيرهم، يأتي أحدهم حاملاً سطلين كبيرين على كتفيه بخشبة معترضة يسعى بها سعياً لا يتأوه ولا. يشكو، وتباع أحياناً قطع ثلج ليست بذاك.
وبالجملة فمن قارن حال الحرمين يومئذ بما آلت اليوم بعد نيف وثلاثين سنة عجب من التطور السريع الذي مرت به، فأصبحت اليوم في فنادقها وعماراتها الشاهقة وأسواقها وشوارعها ومظاهر العمران الآخذة في الارتفاع والاتساع من أحدث البلاد وأرقاها في هذه الماديات، وأشفق مما تستتبعه هذه من مخاطر التقليد والبذخ والتفرنج والاستغراب، وقد بدأت بعض هذه الآثار المدمرة للدين والأخلاق والروح نسأل الله السلامة.
ومن الجدير بالذكر أننا عندما دخلنا مكة وجدنا أعمال البناء قائمة لتوسعة الحرم التوسعة ما قبل الأخيرة وهي أكبر وأوسع توسعة عرفها الحرم الشريف، وكانت على أيام الملك سعود بن عبدالعزيز الذي استقر في عهده إنتاج البترول بعد اكتشاف حقوله وآباره المتعددة المتدفقة، مما دفع بالبلاد بعد ذلك مع سائر دول الخليج العربي التي كانت أفقر دول الأرض، إلى أرقى درجات الغنا والترف لو عرف أهلها كيف يستغلون هذا الفيء العام لصالح الإسلام والمسلمين . . .إلخ بأن ومثله ما هذه السنوات ١٤ -١٥ من توسعة الملك فهد للحرمين فقد حدثني رجل رآني أصعد النظر وأصوبه في القباب العالية والسواري الضخمة والبوابات والأقواس والقواعد والنوافذ . . . الأسطوانية الرخامية الواحدة تكلف اثني عشر ألف دولار، وقال الرجل بعدها : ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾، فذهبت لحالي ولم أقل شيئاً لجهلي بالمصير.
وقد مكثنا بمكة نحو عشرة أيام زرنا خلالها مساجد وأسواقاً ومكاتباً، وبمكتبة الحرم المكي لقيت رجلاً ذا سمت جميل ولحية مهابة فسألته عن شيء نسيته فأخبرني، وبعد مدة علمت أنه الشيخ عبدالرحمن المعلمي اليمني، وهو عالم مشهور بتحقيقه وكتبه وعدت إليه فلم أجده، فندمت على فوات الفرصة.
ومرت أعمال الحج على أحسن ما يرام ورأيت كثيراً من العلماء يملون الدروس بمختلف اللغات على كراسيهم في الحرمين ومنهم من الهند ومصر والشام، ولكني لم أستطع التعرف عليهم لضيق الوقت وزحمة الأشغال، ومما يستحق التدوين أننا وقد أنهينا الوقوف بعرفات في أحسن حال، وأذكر أن الطيب بنونة - ولعله كان يومئذ سفيراً للمغرب في إيران - حج وزارنا في خيمتنا بعرفات وأخذ لنا صورة جماعية، وصورة للفقيه ابن تاويت وهو نائم في لباس إحرامه.
وبتنا بمزدلفة وفي الإسفار دفعنا والتقطنا الجمرات، ورمينا جمرة العقبة، ونزلنا داراً قديمة فلاحظت أن الفقيه ابن تاويت يحتفظ بالجمرات وهي حصيات غليظة نوعاً، فراجعته وأريته ما عندي منها وما سألتقطه مما يعدو حصا الخذف كفول الباقلا؛ كما يقول الفقهاء، فقال لي: هذا حصا اللعب.
وفي أيام التشريق وبعد الحلق والذبح وطواف الإفاضة كنا نرمي الجمرات فجاء السيد عبدالكريم أشرقي وعبد الخالق السكيرج وكلاهما من تطوان بلدنا يسألان عن النيابة الأول عن أمه والثاني عن عمته، وهما مريضتان في رمي الجمار، فأفتاهما الفقيه بجواز النيابة عنهما إلا أنه لا بد من فدية نسك؛ أي الذبح، فأجابا بأنه لا يمكنهما ذلك لغلاء الماشية، فقلت لهما نوبا عن المرأتين المريضتين ولا شيء عليكما، فغضب الفقيه وأخرج من حقيبته ملازم من شرح الدردير لمختصر خليل وكتاب بداية المجتهد، وأخذ يقرأ وهو يقول لي: كيف تقول ما لا علم لك به، وكان المسؤولون بالحرم المكي يوزعون بعض الكتيبات على الحجاج ومنها أحكام الحج والعمرة لعبد العزيز بن باز، ولم أكن قرأته فتذكرته وأخرجته من قرابي، وسرعان ما وقفت فيه على المقصود وهو جواز النيابة في الرمي عن العاجز دون أن يلزمه شيء لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، ومثل هذا كان حصل لي مع الفقيه ونحن بمكة عندما ناظرته فيما فعل من إحرامه بالإفراد مع ثبوت الأحاديث الصحيحة الصريحة في أمره من أحرم بالحج وحده أن يفسخه ويجعله عمرة، وسؤال سراقة له عليه السلام على الملأ هل هذا دائماً أو في تلك المرّة فقط ؟ فقال: بل للأبد، بل لأبد الأبد»، وشبك بين أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، فقال الفقيه: إنه قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة»، فعجبت منه كيف يرد هذا بهذا مع يؤيده، ثم ذكر فعل الشيخين أبي بكر وعمر وذكر نصاً لابن رشد، فكان الجواب أن لا اجتهاد مع الرسول ﷺ، والخليفتان خالفهما علي بن أبي طالب وابن عباس ،وغيرهما، أما ابن رشد فليس من أهل الحديث، فغضب الفقيه واحتد والتفت إلي يقول بلهجة شديدة وهل أنت مثل ابن رشد؟ فهدأته وخففت من ثورته والسيد محمد السداتي يثيره بضحكه ويقول له: الحق مع (بوخبزة).
وبالجملة فإنا كنا نسمع ونحن بتطوان أن الفقيه ابن تاويت، وهو النجل الأكبر لشيخنا الذي حفظنا عليه القرآن بكتاب الاترنكات الفقيه محمد بن عمرو بن تاويت الوادراسي رحمه الله لا يقلد تقليداً أعمى، ولذلك تشجع وأفتى بحرمة الصلاة في المقابر وزوايا تطوان المدفونة، فقامت قيامة فقهاء تطوان وعلى رأسهم شيخ الجماعة وشيخه الفقيه الزواق، ورد عليه في جريدة النهار، فأخذ الفقيه الجريدة وذهب إلى جامع السوق الفوقي حيث يصلي الفقيه الزواق إماماً وجلس على الكرسي وأخذ يقرأ الجريدة ويرد على ما جاء فيها، والفقيه يسمع خلف الاسطوانة المقابلة للمحراب، وكتب بعد ذلك رسالة في بضع صفحات سماها: (إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا).
أقول: كنت أظن أن الفقيه ابن تاويت - وقد وقف هذا الموقف وأعلن عن رأيه المخالف لما جرى به العمل عملاً بالأحاديث الواردة في الموضوع أنه ينتهج هذا المنهج السلفي القويم، فإذا به لا يكاد يخرج عن المشهور في المذهب إلا في هذه المسألة فقط، وقد ناظرته في مسائل عدة فتبين لي ما قلته، ولله في خلقه شؤون.
وفي أثناء تلك الأيام زرنا مدينة جدة للاجتماع بعين أعيانها الشيخ محمد نصيف فاجتمعنا بداره الكبرى فرحب بنا وأكرمنا وأعطانا مما كان يطبع أو يساهم في طبعه من الكتب السلفية وأذكر أنه أعطانا: الفوائد المجموعة للشوكاني ومجموع السنة في جزءين، وهو مجموع رسائل ومقالات في الرد على الروافض، وسألنا الشيخ عن بعض علماء المغرب كما سألنا عن كيفية صنع الكسكس فأخبره الحاج أحمد اطوبي - وكان معنا - بذلك. قال الشيخ : إنه يعجبه كثيراً ولا يجد هناك من يتقن صنعه، ورجا منا أن نبعث له أدوات الصنع ففعلنا بعد الرجوع، ووقفنا بعد خروجنا من عنده على القبر الطويل المنسوب لأمنا حواء وكان عليه بناء كبير وقبته عجيبة فهدمت كما إني سألت الشيخ عن مسجد رأيته في أحد شوارع جدة وعلى بابه كتب الزاوية القنفدية، فدخلته فلم أر فيه شيئاً مما يوجد عادة في الزوايا، قال الشيخ : إن ذلك المسجد كان في الأصل زاوية لطريقة صوفية، ولكنه بعد القضاء على الطرق والزوايا وتحويلها إلى مساجد بقيت بعض الكتابات التاريخية كتلك، وكان الواجب إزالتها.
وبعد أيام من إنهاء المناسك عزمنا على الرجوع، فتذاكرنا الوسيلة هل البر أو البحر أو الجو؟ فانقسمنا إلى فريقين، ذلك أن الفقيه ومصطفى الشاوي واطوبي فضلوا أن يذهبوا إلى الشام براً ورأوا شاحنات واقفة بساحة في انتظار أصحابها للرجوع بهم إلى الشام عن الطريق الصحراوي، فكلّموا أصحابها فوافقوا واتفق أن علم بعض ضباط الشرطة بذلك فحذروهم من السفر في هذه الشاحنات لخطورة الطريق وهبوب العواصف الرملية علاوة على سوء أحوالها وركابها، وقد شاهدنا ذلك وراجعنا الإخوان فأصروا. ثم حدث ما أوجب الإقلاع عن هذا كله وذلك أننا في رجوعنا إلى مدينة الحجاج ركبنا حافلة صغيرة من تلك الحافلات الحرة التي يقدم بها أصحابها من مختلف أنحاء المملكة للارتزاق بنقل الحجاج في جدة. وكان الوقت ليلاً
بعد العشاء، ونزلنا من الحافلة ،وذهب وعندما وصلنا إلى البيت الذي كنا فيه افتقد الحاج السداتي حقيبته اليدوية وكان يحمل فيها جوازات السفر لجميع أفراد الجماعة التسعة علاوة على أنواع العملة الصعبة له ولغيره وبعض الهدايا ،الذهبية فعلمنا أنها بقيت في الحافلة الذاهبة والوقت ليل ولم نعرف رقم الحافلة ولا سائقها ولا اتجاهها وسقط في يدنا، وقامت قيامة السداتي، وخرج بعض الجماعة للبحث والسؤال وترددوا مراراً على إدارات الشرطة دون جدوى، وكلفوني التردد على مستودع الأمانات عسى أن يظهر أثر للضالة، وبتنا شر ليلة بين الفينة والأخرى.
وفي الصباح استأنفنا العمل بالبحث والسؤال إلى أن يئسنا، واتفقنا على الذهاب إلى سفارة المغرب بجدة، وكان السفير يومئذ الفقيه غازي المكناسي ،الاستقلالي، وكاتبه الأستاذ الناصري لاستصدار أوراق السفر فيمكننا الرجوع بها إلى بلدنا، ولم نفكر ساعته في سيارتنا الباقية في القاهرة، ولا في شيء إلا السفر على نفقة الدولة على أن نسدد المصاريف في وطننا، وفعلا ذهبنا إلى السفارة وهناك حدثت الكرامة، فعند استقبالنا للسيد الناصري بادرنا بقوله : أين كنتم يا إخوان؟ لقد بحثنا عنكم كثيراً لأن صاحب حافلة خاصة جاءنا بحقيبة قال : إنه وجدها بحافلته، ولما فتحها وجد بها جوازات سفر وأوراقاً لمغاربة فجاء بها إلينا ودفعها لنا بوصل أمانة أحصى فيه كل ما كان بالحقيبة من مال وأوراق وهدايا، وأخذ نسخة الوصل بعدما أدلى بعنوانه الكامل لاستدعائه إذا ضاع شيء، فعجبنا لأمانته وحرصه على رد الحق لأهله مع أن الواقع يساعده على التنكر والهرب والجحود ولا أحد يعرفه وهذا بلا شك من أثر الحكم الإسلامي وإقامة الحدود الشرعية.
وفي اليوم التالي وجدنا باخرة صغيرة دانماركية راسية في الميناء تجمع الناس للسفر إلى العقبة بالأردن، فاتفقنا على السفر بها لرخص ثمنها ووعد المكلفين بها ـ وهم نصارى - أن عندهم طعاماً وشراباً فلا نحتاج إلى شراء شيء، وركبناها وأقلعت باسم الله مجراها ومرساها، وما هي إلا ساعات - وقد وجدنا الباخرة مكتظة بالحجاج من الأردن وسورية - حتى تغير الجو وأخذ البحر في الاضطراب وكان هذا من عجيب صنع الله، فإنه لم يكن عند القوم أكل ولا شرب إلا زجاجات معدودة من الكوكا كولا ولكنا لم نفكر في الطعام بعد تزايد اضطراب البحر وإصابة الإخوان كلهم بالدوخة؛ إلا الفقيه ابن تاويت وكاتب الحروف فقد بقينا محتفظين بوعينا، ومرت علينا ثلاثة أيام بلياليها لم نذق فيها راحة ولا نوماً ولا طعاماً.
وصعدت مرة إلى سطح الباخرة ماراً على الحجاج فلم أر إلا طريحاً يئن وآخر يقيء ما في بطنه، وآخر فاقد الوعي لا يشعر بما يجري. وشاهدت من عظيم قدرة الله ما قف له شعري وخفت من اكتساح الأمواج العاتية لي والباخرة كقشرة صغيرة تتقاذفها الأمواج، وأيقنت بالخطر، ولجأت إلى الله داعياً ضارعاً. وفي صباح اليوم الثالث أخذ البحر يهدأ، والجو يصحو ويروق، وبعد ساعات أخذت الجبال تظهر من بُعد، ثم تبيَّنا البر.
وبعد منتصف النهار وصلنا بحمد الله ميناء العقبة وامتطينا حافلة عمومية قديمة تقلنا إلى عمان فوصلناها مساء وأكلنا واسترحنا وقضينا بها يومين أو ثلاثة وصلينا الجمعة بالمسجد الحسيني، ورأيت الملك حسين عاهل الأردن جاء المسجد بسيارة واحدة فنزل ومعه عسكري ودخل المسجد وتقدم إلى الصف الأول قرب المنبر ، ولم يقم له أحد، ولم تحدث جلبة، وبعد الصلاة خرج وركب سيارته وذهب وكان إمام المسجد رجلاً كبير السن شجي الصوت طيب النغمة بكتاب الله.
وقد كتب لي زيارة عمان بعد ذلك مرتين فرأيت الفرق العظيم في تغير الأحوال وتطور العمران فقد كانت البلدة يومئذ متواضعة ومبانيها صغيرة وشوارعها ضيقة ومساحة البلد أضيق بكثير مما هي عليه الآن، وخرجنا منها إلى دمشق الفيحاء التي قضينا فيها أكثر من أسبوع زرنا فيها معالمها وأسواقها ومنتزهاتها، ونزلنا فندقاً قريباً من ساحة المرجة وغير بعيد عنه تكية السلطان سليم العثماني، وهي مسجد جميل محاط بأشجار وأزهار وورود وصحن كبير بوسط صهريج ونافورة وقرب المسجد شبه مدرسة بها بيوت متراصة، لعلها كانت معدة لسكنى ،الصوفية وهذا ما يفهم من لفظ (تكية) التركية التي هي بمعنى الزاوية، ووجدناها اليوم محتلة من الجنود والتكية تطل على نهر (بردى) الذي هو نهر صغير، ولم أكن أعرف اسمه ولما سألت عنه تذكرت قول شوقي في رثاء دمشق حينما ضربها الفرنسيون بالمدافع:
سَلامٌ مِن صَــبــا بَـرَدى أَرَقُ … ودمع لا يُكَفَكَفُ يَا دِمَشقُ
وتجولت كثيراً بشوارع دمشق ودخلت المسجد الأموي وزرت المدرسة الظاهرية، ودخلت قبة الملك الظاهر المشحونة بالمخطوطات، ووسط القبة قبران محاطان بدواليب خشبية زجاجية عرضت فيها نوادر المخطوطات التي هي بخطوط مؤلفيها ولا سيما منهم أهل دمشق وما حولها، فرأيت فيها خطوط ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير وابن عساكر وغيرهم كثير، وأصبت في تلك الأيام بمغص حاد ذهبت بسببه إلى حمام الملك الظاهر وهو بالقرب من مدرسته، وهو حمام عجيب، ثم رأيت هناك مشهداً للسيدة رقية بنت الحسين بن علي رضي الله عنهما وعليه دربوز من ،فضة ، والشيعة يترددون عليه وعلى قبور السيدة زينب وغيرها ومشهد هذه ،أفخم ويقيمون المناحات عليهم، وزرت خلف المسجد الأموي ضريح صلاح الدين الأيوبي في الكلاسة ومعه قبر آخر، كما زرت البيمارستان النوري ومدرسة نور الدين الشهيد وغيرها من المدارس والمشاهد مما يطول ذكره ووصفه، وصعدت حي الصالحية وزرت بها قبر ابن العربي الحاتمي ومعه قبر الأمير عبد القادر محيي الدين الذي نقل بعد ذلك إلى الجزائر بعد استقلالها.
وسألت عن الشيخ محمد بهجة البيطار فدللت على بيته بحي المهاجرين فذهبت إليه واستقبلني بتواضع جم وجالسني أكثر من ساعة واستفدت منه فوائد وهو يومئذ أشهر علماء دمشق، وأخبرني أنه مشتغل بتحقيق كتاب جده العلامة الأديب عبدالرزاق بن حسن البيطار (ت١٣٣٥هـ ١٩١٣م) (حلية البشر في تراجم أعيان القرن الثالث عشر) الذي طبع بعد ذلك، وأذكر أنه سألني أول ما لقيته فأخبرته بأنني مغربي من مدينة تطوان قائلاً : أظن الشيخ سمع باسم المدينة؟! فقال: نعم، كيف لا أعرفها، وهي تذكر في أناشيدنا الوطنية، وقرأ:
بلاد العرب أوطاني … من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن … إلى مصر فتطوان
كما كنت أجالس شيخا يؤم بمسجد درويش باشا القريب من فندق بني أمية حيث نزلنا رأيته ببيت قبالة باب المسجد الذي بالصحن؛ فقصدته وسلمت عليه فرد ورحب ووجدت عنده كتباً ويتردد عليه بعض الطلبة والفقراء الصوفية لشرب الشاي والمذاكرة، وربما ترنموا بأشعار الصوفية بنغمة أهل الشام التي سمعتها منهم فأعجبني ،سماعها، ووجدت الشيخ مرة يلقي درساً داخل القبة في الفقه، ولعله حنفي المذهب، واسم هذا الشيخ عبدالوكيل الدروبي، وأعطاني رسالة طبعها على نفقته لشيخ يسمى: عبد الله الحبشي الهرري فري من بلده ونزل دمشق، وكان متصوفاً متعصباً، أردت الاجتماع به فأخبرني الدروبي أنه مريض بالمستشفى ببيروت، ووجدت له صيتاً هناك؛ لأنه يرد دائماً على الألباني.
وقد رد عليه هذا آخرین يتبادلون الردود في المساجد ويؤلفون رسائل في هذا بدمشق وحلب وحماة وغيرها، وفرق كبير بينهم وبين عدوهم الألباني الذي يفحمهم بردوده العلمية وقوة حجاجه وقد أَمِرَ أمْرُ الشيخ الحبشي بعد ذلك فأصبح زعيم نحلة الأحباش الذين تجاوزوا الآلاف ببيروت وأوروبا، ولهم أناشيد ومساجد ومراكز ودعاة يؤلفون لهم الكتب في الرد على أعدائـهـم وعلى رأسهـم الوهابية السعوديون، والحبشي أخطرهم في هذا الباب لجهله العظيم وجرأته على الله، وقد ألف في كشف فضائحهم وأعمالهم عبد الرحمن دمشقية مجلداً ضخماً رأيته.
ومررت ليلة على مسجد يسمى: يَلبُغَا الكبير، وفي جانب من صحنه الواسع تقف شاحنات وسيارات ووجدت شيخاً يلقي درساً فاستمعت إليه، وهو بهي الطلعة ذو لحية كبيرة سوداء ولهجة شامية حلوة، وقد ألقى درساً وأجاب عقبه على أسئلة كثيرة قدمت إليه مكتوبة في أوراق وضعت على كوب ماء، وعنه أخذت هذا التقليد ونقلته إلى مسجد بتطوان، حيث ألقيت دروسي في التفسير والحديث وشاعت عني هذه العادة؛ أعني: تقديم الأسئلة مكتوبة والجواب عنها بعد الفراغ من الدرس.
وقد سألت عن هذا الشيخ فقيل لي: بأنه الشيخ أحمد كفتارو، الذي أصبح بعد ذلك مفتياً لجمهورية سورية ورأيته بالمغرب قد حضر مناسبات، ولم أجتمع به وإنما رأيته في التلفاز، ومما يستحق الذكر أن بالفندق الذي نزلته كان يعمل رجل كهل في التنظيف، وكان متودداً يبادر بالسلام والسؤال، ولاحظت أن بوجهه خموشاً فسألته فقال: إنه من أثر اعتداء المشايخ الذين يراودونه عن نفسه! ويعني بهم مشايخ الشيعة الروافض، وقد رأيتهم هناك مراراً بعمائمهم السود وجباتهم السوداء الواسعة وأخبرني العامل - ولم يكن ذا جمال وفتاء يشتهى من اللوطية -أن هذه عادتهم وأنهم يستحلون اللواط بأهل السنّة؟! فعجبت لهذا الانحراف المخزي.
وقد زرت فيما زرت مقبرة الباب الصغير وعلى بابها يرقد الإمام ابن القيم -رحمه الله- في بيت عار ألصقت فوقه رخامة باسمه، وقربه قبر الصحابي أوس بن أوس الأنصاري، وبالمقبرة كثير من القباب لعدد من الصحابة وأمهات المؤمنين الله أعلم بصحة ذلك وبكلية الطب وقفت على قبر الإمام ابن تيمية ومعه الحافظ ابن كثير تلميذه في روضة مزهرة، وكان هذا المكان في القديم مقبرة فدرست المقبرة وبني فوقها.
ومن تلك المباني الجامعة وبها مسجد صغير يصعد إليه بدرج، وهو المسجد الذي ألف الألباني في جوابه عن أسئلة لجنته رسالته (الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة).
وبعد أيام ذهبنا إلى بيروت ووقفنا على معالمها وأسواقها، ونزلنا بفندق قريب من ساحة الشهداء وبأحد ميادينها رأينا تمثالاً لرياض الصلح، وهو ولد لمياء التي تزوجها بعد ذلك الأمير عبدالله الملك الحسن الثاني، وصلينا بالمسجد العمري وهو أقدم المساجد ببيروت فيما قيل، وزرت قبر الإمام الأوزاعي وهو في بيت متواضع قريب من البحر، وسألنا عن المواصلات فعلمنا بمرور باخرة تركية فخمة منها إلى برشلونة بتاريخ كذا، فعزمنا على السفر، وكلفنا أحدنا وهو السداتي بالسفر مع أحمد الفاسي -وهو سائق سيارتنا التي تركناها بالقاهرة وكان حجه على نفقتنا - إلى القاهرة لإخراج السيارة والقدوم بها إلى بيروت للعودة بها من طريق أوروبا، وكان هذا السائق أسر في نفسه سوء بسبب ما سمع ونحن بعرفات عما جرى ببلدية تطوان من تغيير فخاف على وظيفته في السياقة وهو حديث العهد، وتمنى لو يجد السبيل إلى الرجوع إلى المغرب في أقرب وقت وكان يعلم أننا قررنا العودة من طريق أوربا وهذا يطول، فأضمر في نفسه أن يكيدنا بتمزيق أوراق السيارة أو رميها أو حرقها وكذلك فعل، فأبرق إلينا ونحن ببيروت بما وقع فلم نجد بداً من إلغاء السفر، وأبرقنا إليهما أن ينتظرانا بميناء الإسكندرية يوم كذا على الساعة كذا لشحن السيارة، وقد حجزنا لهما وللسيارة، وركبنا الباخرة التركية وعند وصولنا إلى ميناء الإسكندرية صعد أحد النصابين المصريين وادعى أنه وكيل الوكالة وطلب تذكرة السيارة فدفعت إليه واختفى فعلمنا أنه لص، أما السيارة فقد زعم رجال الجمارك أنها تسجل باسم فؤاد بوهلال بينما عندنا في الأوراق التي منحتها لنا سفارتنا بالقاهرة أن صاحبها يسمى: الطيب بوهلال، وأطلعوا الإخوان على ذلك، فقلنا لهم بأن الخطأ جاء من رجال الجمارك بالسلوم، فهم الذين أخطأوا، وأخيرا امتنعوا من تسليم السيارة وكانت مؤامرة خسيسة ونصب واحتيال وقد أذنت الباخرة بالإقلاع فلم يسعنا إلا السفر تاركين وراءنا سيارة (فاركونيطا) من نوع فلسفاكن الألمانية، اشتريناها شركة من طنجة، فذهبت ضحية التآمر والطيش والكيد من السائق الشاب الوسيم الذي توسمنا فيه الخير وقبلنا أن يحج على نفقتنا فسعى في ضياعنا، ومنا فقراء صالحون مثل: الحاج أحمد أطوبي، الذي ما فتئ يدعو على من فعل هذا، فكان من قدر الله وعدله أن السائق الفاسي عزل من وظيفته وسافر للعمل بأوروبا ولم يمر عليه وقت طويل حتى بلغنا أنه أصيب ببصره، ولم نره منذ ذلك الوقت إلى الآن، ولا ندري ما فعل الله به.
ومن عجيب أمر هذه السيارة أنني رأيت عنها رؤيا عجيبة ونحن بالسعودية والقوم يشترون البضائع ويستكثرون وقد نبهتهم مراراً بأن هذه الأثقال لا يمكن أن تحملها سيارة واحدة لأن حمولتها القانونية محدودة فلم يكن القوم يبالون فرأيت وأنا بمكة أو بجدة أننا راكبون هذه السيارة وسائرون في طريق جيد معبد، فاستقبلتنا قنطرة كبرى على واد ملان ماء فانحرفت السيارة عن الطريق ونزلت الهوينا وأنا أصيح على السائق، على يمين القنطرة في طريق منحدر ضيق حتى دخلت في الماء شيئاً فشيئاً، وقد استطعت الخروج منها وأخذ ما أمكن أخذه ووقفنا على شاطئ النهر نشاهد غرقها إلى أن غرقت ولم يبق ظاهراً منها شيء، وكأني أنظر إليها الساعة وهي تغرق، ولما استيقظت لم أحدث الإخوان بالرؤيا المزعجة واستعدت بالله من شرها ولم يقع تأويلها إلا بعد مكيدة السائق، وتآمر رجال الجمارك، ونصب اللص المصري الذي أخذ تذكرتها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعد رحلة طيبة في الباخرة التركية استغرقت ثلاثة أيام أو أربعة أيام مارين بإيطاليا التي شاهدنا مساءً أحد براكينها المشهور وهو يرمي بشرر، ونزلنا مدينة نابولي) الجميلة ومكثنا بها ،ساعات كما نزلنا بمدينة (مرسيليا) الفرنسية ورأينا الجسر المفتوح الذي يرفع ويخفض لمرور البواخر، ووصلنا إلى برشلونة التي رأينا من اتساعها وحدائقها ومبانيها ومعاملها ما يدهش الألباب.
وقد صلينا مرة في إحدى حدائقها الرائعة جماعة والإسبان ينظرون متعجبين، ثم مررنا على عدة مدن وقرى إلى أن وصلنا إلى غرناطة؛ حيث مكثنا يومين زرنا خلالها قصر الحمراء، وزرنا إشبيلية وزرنا بها قصورها وصعدنا منارة يعقوب المنصور الموحدي (الخرالدا)، وتجولنا بحدائقها الساحرة، ووقفنا على النهر الكبير الذي طالما تغنّى به الشعراء :
وَأَين حمص وَمَا تَحويهِ مِن نُزِّه … وَنَهرُها العذبُ فَيّاضٌ وَمَلَانُ
ثم زرنا مالقة وبتنا بها ليلتين زرنا خلالها ما تبقى من قصر العرب وشواهد قبور وبقايا أسوار والمسجد الجامع ومنارته وقد حول كنيسة، وأخيراً وصلنا الجزيرة الخضراء، ولم نبت ،بها وركبنا بحر الزقاق إلى مدينة سبتة الأسيرة فك الله أسرها مع أخواتها الأندلسيات، وأعاد إليهن كلمة التوحيد، وما ذلك على الله بعزيز.
ووجدنا بالميناء أقاربنا وهم ولدي الأكبر أويس وهو طفل، وركبنا السيارات إلى الباب السعيدة حيث وجدنا جموعاً من المستقبلين، أذكر منهم : الأستاذ محمد داود والحاج محمد بنونة، وغيرهم من الأحبة.
والحمد لله الذي جمع الشمل، وحقق الأمل، وأعادنا إلى بلدنا وأهلينا، وهو المسؤول سبحانه أن يمن بالقبول وأن يتجاوز عنا ويغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا إنه غفور رحيم، جواد كريم.
وقد بذلنا جهوداً كبيرة لتخليص السيارة من أيدي المصريين، واتصلنا بالسفير الطريس، وكتب لنا إلى السفير ابن المليح الفاسي، كما كتب رسائل إلى هذا الأخير وغيره، وبعثنا بما يلزم من مال لشحن السيارة بواسطة موظف السفارة ابن المفتي، وذهب الأخ محمد مولاطو إلى السفارة بنفسه وكان طالباً هناك بالقاهرة فوجد أن المال ضاع وأن السفير لم يفعل شيئاً، وأخبرنا بعد ذلك أن المصريين باعوا السيارة لما استحق عليها من أجرة الأرض بالميناء، وهكذا تحققت الرؤيا المشار إليها، وأيسنا من أمر السيارة، والعوض على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
وبعد رجوعنا إلى الوطن فكرت في تدوين هذه الرحلة والمعلومات ماثلة في الذاكرة، والأحداث قريبة العهد، والأوراق متوفرة، وكنت حدثت الفقيه ابن تاويت عن ذلك، وأخبرته أنني سأسمي الرحلة بعد كتابتها: (السير والسرى إلى طيبة وأم القرى)، فأمرني أن أزيد في اسمها مواصلة السير بالسرى، وكان العزم أن أفيض في وصف الطرق والمنازل والمدن والقرى مع ذكر ملخصات عن تاريخها وأن أثبت كل ما تم الاطلاع عليه من كتب ورسائل وتراجم الرجال الذين اجتمعت بهم أو زرت ضرائحهم، مع تفصيل القول في الحج والمناسك بذكر الدلائل والفوائد والحكم في تركيز كاف، وتوثيق معتبر؛ إلا أن الشواغل والعمل الإداري لتأمين العيش للأولاد ومعاكسة الظروف كانت تحول بيني وبين ذلك، حتى من الله عليّ وقد لزمت الفراش في أيام عيد الأضحى من عام ١٤١٨هـ فأمضيت الوقت في استذكار ما مضى مما بقي في الذاكرة عالقاً يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد، وفي النية إن شاء الله تعالى أن أعود إليها لتدارك ما يمكن من ذلك بحول الله.
وكتب هذه الأوراق على عجل ومع معاناة مرض في يومي السبت والأحد ١٤ - ١٥ ذي الحجة الحرام عام ١٤١٨هـ عبيد ربه أبو أويس محمد بن الأمين بوخبزة الحسني عفا الله عنه بمنزله بحي سيدي طلحة الأنصاري بمحروسة تطوان قاعدة الدريج شمال المغرب الأقصى.
- الرحلة المصرية:
وقد حدثنا عنها وعن تفاصيلها في كتابه (رونق القرطاس) فقال:
في مساء الجمعة ١٨ جمادى الثانية ١٤١٩هـ - ١٩٩٨/١٠/٩م امتطيت طائرة محلية من مطار (بو خالف) بطنجة صحبة الزوجة والأخ الفاضل علي الربيعي الجديدي، إلى الدار البيضاء، ومنها ليلاً إلى القاهرة، ووصلتها على الساعة ٦ صباحاً بتوقيت القاهرة بعد ليلة متعبة لم ننم فيها، وهذه هي الرحلة الثانية للديار المصرية بعد الأولى التي كانت ضمن رحلة الحج عام ١٣٨٢م، وكان نزولنا بالفندق الإسلامي بشارع الشيخ حسن العدوي وله به مشهد ومسجد، وعلى قبره قبة والفندق قريب من الأزهر وساحة مسجد الحسين وتحته على ساحته متجر جامع. وفي يوم الأحد نزلت والزوجة للتجول بشارع الموسكي المزدحم والعتبة الخضراء وخان الخليلي بأسواقه ومنعرجاته، واشترينا بعض الحاجيات وزرت دار الحديث الكاملية ـ وهي ترمم الآن، والأشرفية جنبها وغيرهما من مشاهد وآثار، وما أكثرها في الثلاثاء ١٥ جمادى الثانية زرت برج القاهرة، صعدته بمصعد مع الزوجة وبأجر، وكان بناؤه حوالي عام ١٣٨٠هـ على يد حسن التهامي لما كان محافظ القاهرة، وهو قريب من النيل يشرف منه على نواحي القاهرة كلها، وفي أعلاه مرايا تقرب البعيد، كما زرت حديقة الحيوانات ولم أجدها كالمرة السابقة فقد ضعف شأنها وحالها الإهمال ومنها ذهبت إلى المتحف الوطني الفرعوني ووجدت به ازدحاماً كبيراً من الأجانب ودخلته، وقد وسعوا بناءه وأعادوا ترتيبه، وأغْلوا وجيبة الدخول، وفيه من آثار الفراعنة من ألبستهم واوانيهم وحليهم وأسلحتهم واشيائهم الأخرى، الكثير في نظائر مجموعة ومكتوب عليها بالعربية والإنجليزية وهناك قسم خاص بالموميات وهي قبور عثر عليها في الأهرامات والمقابر المكتشفة بأسوان والكرنك ،وغيرها، تضم رفات عدد من الفراعنة، وقد عرفوا من الكتابات والرسومات المثبتة على الجدران والسقف شيئاً من تاريخهم وأسمائهم وأعمالهم.
وقد أخرجوا هذه الجثث ووضعوها في صناديق زجاجية وكتبوا على كل واحد منها اسم صاحبها وتاريخه ومنهم فرعون موسى وقد ظهرت بظهور جثته معجزة القرآن في قوله تعالى عنه : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدنك لتكون لمن خلفك وهي جثث كاملة مسودة ما زال بعض شعر في وجوهها، ظاهرة الملامح إلا أنها يابسة لطول العهد، فقد مرت عليها آلاف السنين، وزرت بعده المتحف الإسلامي أو متحف الفن الإسلامي وهو موزع على العصور ابتداءً من زمن الفتح حيث عثر على وثائق وآثار وأوراق بردي مكتوبة، ثم عصر بني أمية فالعباسيين وعصر ابن طولون والعبيديين والممالك والأتراك العثمانيين، لكل عصر حجرة تشتمل على نقوش وأبواب وكراسي وكتب، وفيها نوادر فنية لا تقدر بثمن، ومصاحف عجيبة ضخمة جداً إلى صغيرة جداً، ولم أزر دار الكتب ولا مكتبة الأزهر لكونهما مغلقين للترميم كما قيل، وفي تجوالي وصلت إلى ضرائح آل البيت كالسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وما أرى هذا يصح وضريح السيدة نفيسة وسكينة وغيرهما، وقبور المالكية ابن القاسم وابن وهب ،وأشهب وبالقرب منهم الإمام الشافعي ووكيع ... وقد ازدحم عندها العابدون والمتعلقون والمتسولون والمتسولات من ذوي العاهات، وقد ذكرني منظرهم المؤلم بضريح أبي العباس السبتي بمراكش، ووصلت باب زويلة وباب الفتوح، وبالقرب منه ضريح المؤيد الشيخ ومسجده الفخم، وفيه من الزخارف والفسيفساء الدقيقة، وأشكال غاية في الدقة والجمال من حجر المينا الأخضر الكريم مع الطلاء الذهبي الذي ما زال محتفظاً ببعض لمعانه، أما المنبر والمحراب فيحار فيه العقل، وبمدخل المسجد على اليسار قبر الباني مؤيد الشيخ المملوكي، وخلف مكان الصلاة من الغرب حديقة فيها ميضأة ممتازة، ثم زرت مساجد للمماليك، وانتهى المطاف للمسجد العتيق مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد وجدتهم يُرَمِّمونه وكذلك في المرة الأولى منذ أربعين سنة، إلا أنه لسعته ما شاء الله من المصلين، وقد وجدت فيه هذه المرة ما سرني انتصاب امرأة على كرسي في أحد أركان المسجد تلقي درساً في الدين على المسلمات وهن مآت جلسن متحجبات في خشوع وحضور يحيط بهن سياج خشبي ساتر ؛ إلا أننا نسمع صوت المُدرسة أحياناً، وهذا ما لم أره في غيره.
ووقفت على ضريح أحمد طولون الطاغية الذي استقل بحكم مصر أيام العباسيين، ومسجده هذا مشهور، ومن أقدم آثار القاهرة، ومساحته كبيرة جداً، وبناؤه في غاية المتانة والضخامة، ووسط صحنه الواسع قبة الوضوء، وغربيه منارته الملتوية والتي يصعد إليها بدرج خارجها، وكنت أتردد على الجامع الأزهر وأتجول خارجه في الأحياء القريبة وصدفة عثرت خلف الجامع على مدرسة كتب على رخامة ببابها أنها مدرسة الإمام العيني فدخلتها من المطاف وهي صغيرة جداً، وبغربيها قبران: أحدهما لمحمود العيني صاحب (عمدة القاري في شرح صحيح البخاري) محتسب القاهرة الإمام المؤرخ الفقيه الحنفي المحدث، غريم الحافظ ابن حجر، ومعه الشيخ أحمد الزرقاني، وقد سألت بالمناسبة هناك عن قبر ابن حجر فلم أجد من يعرفه إلا أنه في القرافة والقرافة في القاهرة متعددة وفيها آلاف المشاهد وبالقرب من مدرسة العيني قصر أثري فخم كتب عليه أنه قصر زينب خاتون إلا أن الدخول إليه يكلف عشرين جنيها.
وفي يوم الأربعاء ۲۹ جمادى الثانية زرت مدينة كفر الشيخ بعد سؤال وبحث عن العنوان، وذلك لزيارة الأخ العلامة المحدث الحافظ أبي إسحاق حجازي بن شريف الحُوِّيني المصري، وكنت عرفته قبل اليوم بسنوات بالمدينة النبوية بمنزل الشيخ ربيع المدخلي، وقد امتطيت سيارة أجرة صغيرة من المهندسين (اسم حي) فانطلقت بنا بسرعة فإذا المسافة نحو مائة كيلاً لا كما كنت أظن، ولما وصلت المدينة سألت بمكتبة فدللت على بيته وهو عمارة من أربعة طوابق، وسكنى الأخ في ربعها وهو يقطن دارين؛ إحداهما له والأخرى للكتب، ولما خرج إلي وتعرفت إليه عرفني ونزلت معه بينما دخلت الزوجة إلى بيت داره الأخرى، وفيه أمه وإحدى زوجاته الثلاث، إلى مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية وهو حديث البناء وما زالت الأعمال جارية به وبه طبقة سفلى للنساء والميضأة، والوسطى للرجال، والعليا للضيوف والمكتبة ولم تتم بعد.
وقد بني المسجد بإشراف الأخ وعلى وفق السنة، وهو مستدير، وبقبلته أثر خفيف للدلالة على القبلة، ومنبر خشبي متواضع من ثلاث درجات وليس بالمسجد زخرفة ولا ألوان، مع خزانة كتب، وأخبرني أن له بالمسجد مدرسين وطلبة، وسألته عن موقف السلطة منهم، فقال: لا يتعرضون لنا لأننا بعيدون عن كل ريبة وقد علمت من الأخ أن له أخوين أحدهما طبيب، وأن له أزواجاً ثلاثاً، وأولاداً نحو الخمسة؛ سماهم بأسماء المحدثين كعبد الرزاق وشعبة وقتادة وبنت يافعة، وأكرمني الرجل وجالسني بمكتبته العامرة وأهداني بعض كتبه، ومن تواضعه أنه طلب مني الإجازة للتبرك فكتبتها له في دفتر بخطي، وأعجبه خطي المغربي، وحدثني عن مشاريعه العلمية وعن توقفه فيما ذا يقدم أهل الدعوة بالدروس والمحاضرات والأسفار؛ أم الانقطاع للتأليف والكتابة؟ فأشرت عليه بالثاني فقدمتها، قال: ولكن معظم الإخوان يطالبونه بالدعوة لمس الحاجة إليها، والأخ أينما حل وارتحل، وبعد أن أعطي جلداً عليهما معاً، وهو متبوع أجر لي سيارة أجرة إلى طنطا وهي قريبة من كفر الشيخ، فقدمتها للمرة الأولى فوجدتها في موسم البدوي، ولا زال البدويون بأبنائهم وأوساخهم و(عَفْشهم) يملأون الساحات المحيطة بضريح البدوي، ودخلته والأذن تكاد تصم من صياح الباعة في دكاكينهم الخشبية المنصوبة بمناسبة الموسم، وكثير من الجند يطوفون هناك، ودخلت الضريح ولم أكد أخلص من الزحام، ورأيت مسجداً فسيحاً مزخرفاً وقبة شاهقة على ضريح موهوم لا يعرف صاحبه، وقد قال لي الحويني لما سألته عنه بمنزله إنه يقال عنه: جاسوس أجنبي، والله أعلم وعدت إلى القاهرة بالقطار.
ويوم الجمعة ٢٥ جمادى الثانية صليت بالأزهر وخطب شيخه الجاهل خطبة في الأخوة الإسلامية يضرب فيها على وتر التقريب بين المذاهب الإسلامية، وذلك بمناسبة زيارة محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الشيعي بلبنان، الذي ألقى درساً بعد الصلاة في موضوع محنتهم مع اليهود في جنوب لبنان، وأشاد بانتصار المصريين في حرب رمضان، وذكر أنه يجب تسميتها بحرب رمضان لا أكتوبر اعتزازاً برمضان والتاريخ الهجري، ولاحظت أنه لم يذكر الحكام، وانصرفت قبل فراغه، أما خطبة شيخ الأزهر فكانت خطبة باردة فيها بدع، وذكر فيها حديثين لا يصحان أحدهما أن ابن عباس رضي الله عنهما رأى رجلاً مكروباً بدين عليه فخرج معه من المسجد وكان معتكفا فقطع اعتكافه، فنبهه الرجل فأخبره أنه ذاكر وأنه سمع صاحب القبر ﷺ يقول: «من مشى مع أخ له لقضاء حاجته كان خيراً له من اعتكافه في هذا المسجد عشر سنين، والحديث الثاني: مَن مشى مع مظلوم لينصره ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وصليت وراءه مرة أخرى فإذا هو هو جهالة وركاكة وكذباً على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومصر كانت منذ عصر ابن حجر والسخاوي والسيوطي خالية من الحديث إلا أنه في هذه العقود ظهر فيها شباب مؤمن أقبل على الحديث والسنة قولاً وعملاً واعتقاداً والفضل في ذلك بعد الله تعالى يرجع لشيخنا الألباني، وهذا الحويني المحدّث عنه خير من يحيي ذكر الحافظ ابن حجر، وهو من أذكى تلاميذ الألباني، وهناك مصطفى العدوي وصفوة رئيس جماعة أنصار السنة، وفي الإسكندرية جماعة كثر الله جمعهم، وطيب ذكرهم، وسدد خطاهم حتى يملأوا سماء الكنانة هدى ونوراً إن شاء الله.
على إني لاحظت هذه المرة إقبالاً متزايداً على الحجاب الشرعي في المدارس والشوارع لا تكاد ترى متبرجة إلا القبطيات أو المصريات نممسوخات، وفي هذه الأيام زرت كذلك القلعة وقصر محمد علي وضريحه، ثم نزلت فزرت زاوية الرفاعي حيث يرقد طاغيتان من طواغيت العصر : الملك فاروق وتجاهه شاه إيران ومعلوم أن بهذه الزاوية يرقد الملك فؤاد، ولما خرجت منها دخلت مدرسة السلطان حسن، وهي من عجائب الزمان، وكان بناها للمذاهب الأربعة وفيها ضريحه الفخم، وبعد نزولي دخلت ضريح الحسين الذي يقال بأن رأسه دفن فيه بعد جلبه من عسقلان أيام بني عبيد وهذا من أكاذيبهم، ووجدت أنهم سدوا الطريق داخل الضريح حتى لا يقع طواف كما كان قبل يُدخل من باب ويطاف ويخرج من باب آخر، وجعلوا في هذا الباب مدخلاً لزيارة النساء حتى لا يقع اختلاط، ولما دخلت وجدت رجلاً جاهلاً يصيح ويقرب من الشباك الفضي ويناديه ماداً يديه يدعوه يا ابن رسول الله يا كذا، يا كذا... في كلمات تنضح بالشرك والعياذ بالله.
كما وجدت بالقرب من المحراب شيخاً يلقي درساً في فضائل رجب ويذكر أحاديث موضوعة ويقول: لا بأس من العمل بها لأنها في الفضائل !؟ ووجدت أعمال الترميم قائمة بناحية من المسجد كالمرة السابقة ومما لفت نظري هذه المرة - ولعله كان موجوداً ولم أنتبه أن بمدخل الأزهر الكبير على اليمين مكاناً واسعاً كتب عليه مكان الفتوى يجلس به أربعة علماء على المذاهب الأربعة، وبالقرب من المزعوم.
قال في الجزء الأول من جراب الأديب السائح (٣٥) : قرأت بباب الضريح لسيدنا الحسين بالقاهرة في زيارتي عام ۱۳۸۲م مكتوباً بالخط العريض المموّه بالذهب: عن رسول الله ﷺ أنه قال عن الحسين (الشفاء في تربته، والدعاء مستجاب تحت قبته، والأئمة من ذريته وعترته) وهو زور وبهتان وكذب، يتضمن من البهتان والإجرام ما له الأثر البالغ في إفساد عقيدة المسلمين وإضلالهم، ودفعهم إلى الشرك والوثنية، ولا شك أن هذا الكلام من وضع زنادقة الروافض لعنهم الله، والعجب العجيب أن هذا مكتوب يراه كل أحد وهو على بضع خطوات من الأزهر (معقل العلم والعلماء فأين العلماء والمصلحون؟ ثم استدرك فقال: علمت في زيارتي الأخيرة للقاهرة أن هذه الكتابة أزيلت ونرجو أن يزال الضريح المزيف
الباب كاتب بمنضدة يسأل كل داخل عن مذهبه ويدله على المفتي بعد أن يكتب اسمه. وعجبت لتكريس هذا الضلال القديم وبقائه أنه ألغي منذ صلاح الدين مذهب الشيعة العبيديين ولم يبق منه إلا محراب قديم في وسط بناء الأزهر القديم، كما أن محاريب المذاهب ما زالت موجودة إلا أنها ملغاة وما دام المسلمون هكذا مختلفين في دينهم حتى في أهم ركن وهو الصلاة فلن تقوم لهم دولة وصليت جمعة ثالثة بالأزهر وخطب الشيخ عيد، وهو أحسن من الشيخ الأكبر الذي سئل عن كتاب (فقه السنة) للسيد سابق فنوّه به ووصفه بأنه موسوعة ولاحظت أن البدع في الأزهر الأسف، فالأذان الأول قبيل صعود الخطيب بدقائق، وإذا جلس على المنبر أُذن ثانياً، وهذا شيء لا أصل له في السنة، وزاد الأزهر قراءة حزب أو نصفه من قارئ شاب خليق وسيم يقرأ على منصة باب المحراب بالأنغام والتمطيط، ومن السامعين من يصيح: الله عليك، مع العادة.
ولم أقرأ تلك الأيام إلا كتاب الأخ الحويني الذي أهدانيه، وهو (تنبيه الهاجد إلى ما وقع من النظر في كتب الأماجد)، واشتريت من مكتبة صغيرة تسمى مكتبة الجلال قرب الفندق درء (الضعف لأحمد بن الصديق، وكنت قرأته قبل ذلك كما اشتريت رد الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله على الزنديق الملحد نجيب محفوظ الذي مررت على مقهى ومجلس له بخان الخليلي ولم أجده فيه، وقد أجاد الشيخ كشك في الرد على تخليط في كلامه، ومعلوم أن المردود عليه كان ألف قصة سمّاها (أولاد حارتنا) جعل الحارة كناية عن الكون والمعلم كذا - الجبلاوي - كناية عن الله تعالى وأولاده يعني بهم الأنبياء والمرسلين والكتاب سخرية من الأديان وعبث بالعقيدة ومساس بالإله المعبود سبحانه وتعالى، ولهذا منح جائزة نوبل اليهودي الذي لم يحصل عليها عربي إلا هذا الجُعسوس الجهول، وقد تعرض لمحاولة اغتيال إلا أنه أفلت مع الأسف ولله الأمر من قبل ومن بعد.
هذا ما حدثنا به الشيخ أسعده الله -من تجليات وفوائد هذه الرحلة.
- الرحلة الحجازية الثانية:
السلام عليكم ورحمة الله, أما بعد ... ولعلكم على علم بأنني اعتمرت مع زوجي في أواخر رمضان ومكثت هناك إلى أن حججت ولله الحمد والمنة ولم أرجع إلا بعد العيد، وقد الله لقاء كثير من العلماء الأفاضل، وألقيت محاضرة بندوة الشيخ الرفاعي بمكة حضرها جم غفير من أهل العلم نالت إعجابهم وتحدثت عنها مجلة الأربعاء ونشرت صورتي في الندوة، كما نشرت جريدة البلاد ترجمتي مع صور لي، وقد استجازني كثير من الدكاترة والمشايخ وقرأ علي الحديث كثير من الطلبة في الحرم المكي وأهديت إلي كثير من الكتب الجيدة تركتها لثقلها هناك على أمل أن يبعثها إلي أولئك الإخوان يسر الله ذلك، ومنها: (الجواهر والدرر)، و (شرح ابن بطال على البخاري) وما لا أذكر اسمه، وقد كنت أتردد على الأخ خالد مدرك في منزله برباط المغاربة بحي الشامية وأشرب معه الشاي المغربي، وقرأ علي بعض المتون وله خزانة كبيرة، وهو على وشك الفراغ من تحقيق القول المنبي للسخاوي وقد اطلعت على ما صوّر من مصر ... وقد زرت هذه المرة مدينة الطائف، وأكرمني علماؤها وأهداني كبيرهم ومؤرخ الطائف الشيخ الطيب كتابه في أوقافها وتاريخها. وزارت خزانته العامرة، وفيها ٢٦ ألف كتاب، وكنت عازماً على زيارة الرياض إلا أن وزير الأوقاف الشيخ صالح آل الشيخ أخر ذلك إلى ما بعد الحج إلا أني اضطررت للرجوع لمرض الزوجة، وقد بالغ الوزير في إكرامي وأنزلني بأفخم فندق في مكة المكرمة ومنى وعرفات، وأطلعته على المعهد ونشاطه فوعد بالدعم وإرسال الكتب يسر ذلك آمين . . . والسلام.
وهذه لم يكتب تفاصيلها كما فعل في السابقتين، وإنما تحدث عن مجملها باختصار في مراسلة له لبعض تلاميذه قال فيها بعد البسملة والصلاة والسلام.
حضرة الأخ الكريم الفاضل السيد أبو حاتم يوسف السعداوي.
الأربعاء ۲۳ ذي الحجة ١٤٢٠هـ أخوكم محمداً الرفاعي
وتحدث عنها في عجالة ضمن كتابه (جراب الأديب السائح)، فقال: شددت الرحلة مع زوجي في رمضان ١٤٢٠هـ لأداء مناسك الحج والعمرة رغبة في فضل الله تعالى وإحراز الثواب الوارد فيمن اعتمر في رمضان بأنه كحجة، وفي رواية (عمرة) في رمضان كحجة معي، وكانت هذه المرة الثالثة، ووصلت الحرم ليلة السابع والعشرين في الفجر بعد ليلة سهر في الطائرة، ولم أقدم شيئاً بعد أداء الصلاة على إنجاز المناسك والازدحام بلغ أشده، وتمت المناسك بحمد الله تعالى.
ثم بمساعدة الأخ الفاضل ياسر الشعايري الذي كان يأخذ بيدي في المسعى وأنا أكاد أسقط من التعب، وبعد قضاء ليلة بمنزل الأخ الأمين بوخبزة ببئر الحمام بعمارة ناصر الخليفي استرحنا فيها أخبرني الأمين بأن خبر وصولي مكة بلغ الشيخ قاضي مكة، فأعد لي مكاناً بعمارته الزاهر بأعلى مكة المكرمة وهو في انتظاري، فذهبت إليه فأحسن استقبالي هاشاً ،باشاً، وبت وحدي بصالونه الفخم فوق مكتبته العامرة وباتت الزوجة مع أهله وبناته في انتظار إعداد المنزل، وكان دويرة مفروشة بفاخر الأثاث وفيها كل ما يحتاج إليه من مرافق، وكان القصد قضاء شهر العمرة والرجوع إلى الوطن، إلا أنه حدث أن الأخ الدكتور محمد بن الحسين السليماني الجزائري علم بوجودي ثمة فأخبر صديقه الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي أهدى إلي كتابين من مؤلفاته واستجازني فأجزته بواسطته، فأمر بنقلي إلى فندق ريجنسي من أفخم فنادق مكة، ولم أكن بحاجة إلى هذا الفندق ولكن قبلته إسعافاً لرغبة الوزير ولقرب الفندق من الحرم الشريف، وفي تلك الأيام أقامت الوزارة ندوة للوقف بفندق الشهداء تحت إشراف أمير مكة واستدعيت للندوة التي كانت برئاسة الوزير، ألقيت فيها عروض ودامت يومين أو ثلاثة لقيت بعد افتتاح الندوة في اليوم الأول الوزير الذي فرح برؤيتي والتزمني قائلاً والأذن تعشق قبل العين أحياناً، وأعلمني بعد ذلك بالواسطة أنني ضمن وفد العلماء المدعوين لأداء الحج مع الوزير، فسعدت بالبقاء بالحرمين الشريفين زهاء ثلاثة أشهر، كنت أتردد خلالها على منزل مضيفي الشيخ الرفاعي للاجتماع برواد مكتبته التي اجتمعت فيها مع كثير من رجال العلم والأدب والطلب.
وعلمت حينئذ أن القاضي الرفاعي سن سنة حسنة، وهي استدعاء عالم من الزوار وغيرهم لإلقاء محاضرة بصالونه الفسيح تفتح لها الأبواب في دعوة عامة تلقى فيها محاضرة، وبعدها يتناول الحاضرون العشاء، ثم يفتح باب السؤال والجواب والمناقشة، ثم ينتهي الحفل فيخرج الحاضرون لاهجين بكرم الشيخ الرفاعي وسمو همته وفاتحني فضيلته في شأن المحاضرة فاعتذرت بأنني لم ألق في حياتي محاضرة، فألح علي فلم أجد بداً من تلبية رغبته، وترك لي اختيار الموضوع، وكان ينظر إلي نظرة ملؤها الاحترام وحدد موعد المحاضرة بتاسع ذي القعدة ١٤٢٠هـ وجلست بالمنزل لتحرير المحاضرة التي اخترت لها عنوان (من رجال الحديث والرواية بالحرمين الشريفين) . .
١٦- شهادات ومدائح في الشيخ:
لقد قيل في الشيخ الكثير مدحاً وثناء من قبل عارفيه ومحبيه، من ذلك:
كان الشيخ أحمد بن الصديق يصفه في رسائله إليه بالشيخ النابغة الأديب، العلامة، المطلع، الواعية.
ووصفه الشيخ عبدالله بن الصديق في رسالة إليه بـ: الشريف الجليل، الماجد الأصيل الذكي الألمعي النابه اللوذعي سيدي محمد بوخبزة حفظه الله.
وفي أخرى جناب الفاضل الأديب، والكاتب الأريب سيدي محمد بوخبزة.
وفي أخرى إلى الشريف الجليل والماجد الأصيل، المطلع الباحث ، سيدي محمد بوخبزة.
ووصفه الشيخ محمد الزمزمي في رسالة إليه بـ: حضرة الشاب الأديب الذكي الأريب السني السلفي، الشريف سيدي محمد بن المرحوم سيدي الأمين بوخبزة حفظك الله ورعاك.
وحلاه الشيخ عبدالعزيز بن الصديق - لما أهدى إليه كتابه (الجواهر المرصوعة في ترتيب أحاديث اللآلئ المصنوعة - فقال ـ ومن خطه أنقل على ظهر نسخته - هدية من مؤلفه إلى السيد الجليل العالم الفاضل الأستاذ السید محمد بوخبزة التطواني رعاه الله . طنجة في يوم السبت الخامس عشر من ربيع الثاني سنة ١٣٧٦هـ.
ووصفه الشيخ حسن بن الصديق في رسالة إليه بـ: جناب صديقي الأخ الأعز، العلامة البارع المطلع سيدي الحاج محمد بوخبزة حفظكم الله ورعاكم.
ووصفه الدكتور إبراهيم بن الصديق في رسالة إليه بـ: الأخ العلامة المفضال سيدي محمد بوخبزة.
وحلاه الشيخ تقي الدين الهلالي في مراسلة له بـ: الأخ الكريم، الصديق العزيز، الأستاذ السلفي الأديب السيد محمد بن الأمين بوخبزة، دام سعده، وسعد جده.
ووصفه الأستاذ الشاعر الأديب عبد السلام ابن تامة الحسيني في مراسلة إخوانية بـ : حضرة الأستاذ الألمعي، والأديب اللوذعي، العالم العلامة التحرير، الحافظ المحدّث الشهير الشريف الأصيل سيدي محمد بوخبزة العمراني.
ووصفه الشيخ العلامة الفقيه البحاثة محمد بن عبدالهادي المنوني رحمه الله (ت ١٤٢٠هـ) في الإجازة التي تدبج فيها معه بـ: خادم الحديث النبوي الشريف العالم السلفي الخطيب، المعتني بالتراث المخطوط قراءة وتعليقاً ونسخاً وتصحيحاً.
وقال في كتابه (تاريخ الوراقة المغربية) (ص ٣٠٥): حي في عمر مديد، عامر بالحسنات، موفور المنتسخات بخطه المجوهر المرونق، مع تصحيح وتثبت، فضلاً عن متابعته لأعماله بالتعليقات والتنبيهات على مواقع الإفادات المهمة.
ووصفه الدكتور محمد أبو الأجفان في إهداء له بـ: هدية ود وتقدير -إلى عزيزنا الشيخ الفقيه الباحث محمد الأمين بوخبزة رعاه الله ونفع به. وقال في معرض كلامه عن (نسخ غرر المقالة): وما إن حققنا النص بالاعتماد عليهما حتى ظفرنا بنسخة ثالثة بمكتبة العالم العارف بالله محمد أبي خبزة التطواني الذي تفضل مشكوراً بمدنا بمصورة منه.
ثم قال: واستعنا في بعض المواطن بنسخة العالم محمد أبي خبزة التطواني.
وحلاه أستاذه الفقيه السعيد أعراب رحمه الله على ظهر كتاب (درر السمط في خبر السمط المهدى إليه بقوله : إلى الأخ العالم السلفي السيد محمد بوخبزة مع تحياتي وتقديري.
ووصفه الدكتور حسن الوراكلي في إهداء له: هدية لأخي الكريم العالم الباحث المحقق الشيخ محمد بوخبزة مع أطيب متمنياتي.
وفي رسالة إليه: الأخ الأجل، والمحدث الأكمل.
وقال الأستاذ محمد بن عبدالله آل رشید سمعت شيخنا - أي عبدالفتاح أبو غدة - يقول : من أنفع أهل المغرب السيد محمد المنوني، والسيد محمد الأمين أبو خبزة.
وكان الشيخان ابن باز وأبو الحسن الندوي يثنيان على أبي أويس: قال: زارني يوم السبت ٤ ذي الحجة ١٤٢٢ - ٦ فبراير ٢٠٠٢م الأخ في الله الدكتور عبدالله الأحمري من (أبها) من السعودية، والعجب أنه زار بيتي ليلا فلم يجدني فسأل عني فأخبره ولدي بأني ألقي ساعته درساً بمسجد معهد الشاطبي فحرص على الزيارة والرؤية وأبلغه الولد فحضر الدرس، واتصل بعده بي وسلم والتزم وأخذته معي إلى المنزل فأخبرني أنه إنما شد الرحلة من (أبها) إلى تطوان ليراني ويستجيزني وأنه سيرجع الليلة إلى البيضاء ليسافر ليلاً إلى بلده فأجزته، وكان من أغرب ما سمعت منه أن الشيخ عبدالعزيز بن باز وأبا الحسن الندوي حثياه على زيارتي واستجازتي، وسبحان الله وبحمده فإني أعرف الشيخ ابن باز بالرؤية الخاطفة فقط ولم أجالسه، أما الندوي فلم أره إلا في الصحف وتلفاز المغرب مرة واحدة، والله أعلم.
وقال الأستاذ الأديب محمد المنتصر الريسوني في محاضرته (آفاق الدعوة السلفية في الشعر المغربي الحديث) معرفاً به: هو أحد علماء تطوان السلفيين وشعرائها ولد بتطوان عام ١٣٥٠هـ موافق ۱۹۳۱م تلقی العلوم بالمعهد الديني بتطوان واختلف إلى حلقات العلماء في المساجد، ومن شيوخه السيد أحمد الزواقي، والسيد الصادق الريسوني، والسيد أحمد الرهوني، والسيد أحمد بن الصديق، ثم انقطع للدراسة الحرة، فوعى من المعارف القديمة والحديثة الشيء الكثير له إنتاج شعري ونثري منشور في الصحف والمجلات، وأصدر مجلة (الحديقة)، ثم توقفت عن الصدور، وعمل كاتباً في المحكمة الإقليمية، وهو اليوم يشرف على قسم المخطوطات بالمكتبة العامة بتطوان، ويزاول الخطابة والوعظ انظر ترجمته في هامش دراستنا (الشاعر الوزير محمد بن موسى دراسة في شعره) المنشورة بمجلة دعوة الحق - الحلقة ٣ - العدد ٧، ٨ ص ٩٦ - شعبان، رمضان - ۱۳۹۷ غشت - شتنبر ۱۹۷۷..
وتحدث عنه الأستاذ القاضي مصطفى بلقات في (مذكراته) فقال : ... وفي هذه المرة تعرفت على الأديب الماهر والشاعر الناثر العلامة
اللوذعي، والكاتب الألمعي النسيب ،الحسيب سيدي محمد بوخبزة، عافاه الله من كل ملمة، وأعاذه من كل مفاجأة مدلهمة، فكانت معرفتي الوثيقة به شفاء من كل داء، وبرءً من كل لأواء. وهو وإن وصفته لك فلا أستطيع أن أوافيه حقه: شخص متواضع في هندامه ومسكنه وحديثه، ضحكه يخفى وراء يده التي يضعها على فمه، وهذا من أعلى مراتب أخلاق التحدث والكلام إن فاتحته التحدث والحديث استبطأك وكان في حديثه غير حثيث، مسامرته غير مملة ومجالسته ليست مخلة، جامع الأنواع العلوم، وفاتق أبكار الفهوم فقها وحديثا أدبا وشعرا، وكل معلوم وغير معلوم. يغار منه ابن مقلة وينهار أمامه العي جله وكله. أما معرفته بالعلماء والفضلاء وأسمائهم ومصنفاتهم وما رقموا وسطروا، فهو بحر لا يجارى، وربيع يحير الحياري أخلاقه مرضية وسماته محظية. وما يشيعه الحاقدون عن كتاباته وشعره، وتصلف لسانه، وإقدام ،قلمه فلا والله ما أتى ببدع في المنهج أو ابتكار في القول، ودونك كتب البلغاء والأدباء ممن عرفتهم أو لم تعرفهم ؛ ككتب ابن قتيبة والثعالبي والجاحظ وأبي حَيَّان التوحيدي وابن عبد ربه والمعافى بن زكرياء والصدفي والنوري وصاحب نفح الطيب، وغيرهم كثير وكثير، والإنسان إنسان يصيب ويخطئ، والخطأ في كثرة الصواب معفو عنه.
حلو الشمائل مأمون الغوائل … مأمول النوافل محض زنده وار
الله ألبسه في عود معرسه … تیاب حمد نقيات من العار
ووصفه الدكتور عبداللطيف الجيلاني في مراسلة له بتاريخ ۱۹ شعبان ١٤٢٢هـ : علامة تطوان، وفخر المغرب، عالم الأدباء، وأديب العلماء
وقال الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي أثناء تعليقه على أسرة بوخبزة من كتاب (عمدة الراوين): ومن نبهاء هذا البيت الآن، شيخنا ومجيزنا المذكور، مسند تطوان ،والمغرب العلامة الأديب، سيدي محمد بوخبزة.
قرأ بتطوان على جلة علمائها وتتلمذ للعلامة الفرطاخ والرهوني، والوزير ابن موسى، وتقي الدين الهلالي، وأصدر مجلة الحديقة، عاشت ٥ أشهر، وكانت مجلة أدبية لطيفة ونظم ونثر، وبعض شعره في شبابه في هجاء من نال منه، ونشر أدبه في الصحف والمجلات، وأجازه سيدي أحمد الصديق، وعبدالحي الكتاني وعبد الحفيظ الفاسي والطاهر بن عاشور التونسي، وناصر الدين الألباني الدمشقي، وله تأليفات وتحقيقات، فيها المخطوط والمطبوع ومال إلى المذهب السلفي، واعتنى بالحديث، بعدما كان مائلاً إلى التصوف والطريقة الدرقاوية الحراقية وناله أذى من الأمين التمسماني، مدير المعهد الديني أيام الحماية لنشاطه الوطني، ومن الباشا اليزيد ابن صالح واشتغل في البدء بالمحكمة الشرعية كاتبا، أواخر أيام الحماية، ثم بمحكمة السدد بتطوان بعد الاستقلال، فمكث فيها سنين عدداً، أدركته فيها، حيث كان زميلاً لوالدي ثم انتقل منها إلى قسم المخطوطات بالخزانة العامة بتطوان، فانتفع ونفع البلاد والعباد بما نسخ وفهرس وحافظ عليه من الكتب إلى أن أحيل على المعاش ووعظ في مساجد تطوان خمسين سنة، إلى أن عزلته وزارة الأحباس قبل أشهر قليلة، أواخر سنة ١٤٢٢هـ، عن غير جرم اجترمه إلا أنه خالف سياستها، فما جزع ولا وهن؛ بل زاده ذلك محبة عند الناس. وهو رجل فيه حسن سمت وتؤدة، وحضور بديهة وفطنة وفيه من عزة النفس والإباء والإخلاص لمبادئه شيء كثير، مع دعابة ولطافة مع من ينبسط إليه من الناس وخدمة كبيرة لطلاب العلم، وإعانة لهم بكتبه وإرشاداته؛ لا يبخل على أحد بشيء. وقد جمع خزانة قيمة؛ فيها نفائس واستجازه الناس من المشرق والمغرب. وترجمته واسعة ضمناها معجمنا حفظه الله.
وحلاه الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في تقديمه لكتاب (معجم تفاسير القرآن الكريم) بـ : ... الأستاذ العالم المحقق والباحث المدقق السيد محمد بن الأمين بوخبزة، وهو من مشاهير رجالات العلم والثقافة العربية الإسلامية في المملكة المغربية، ومن العلماء المشهود لهم بالإحاطة الواسعة بمحتويات خزائن الكتب العربية الإسلامية قديمها وحديثها وبالمعرفة المتخصصة في ضروب شتى من العلوم الشرعية والعربية وفي التراث العربي الإسلامي المحفوظ في كبريات المكتبات والمتاحف العربية الإسلامية والعالمية
وحلاه الدكتور إدريس ابن الضاوية في محاضرته (كيفية وقوف الباحث على النص المخطوط فقال ثم لا ينبغي له بعد سلوك هذه الأسباب في التقصي أن يتعجل بنفي وجود كتاب حتى يسأل أو يكاتب أهل العلم المختصين الذين اشتغلوا بالتراث واعتنوا به فترة كبيرة من حياتهم، فإن عندهم من الحقائق عن الكتاب الإسلامي المخطوط ما يسيل اللعاب، ویدهش أولي الألباب وأحسب أن إمامهم في ناحيتنا، ومقدمهم في جهتنا، الشيخ المحدث الأديب أبو أويس محمد بوخبزة حفظه الله، الذي جمع من كتب التراث ما لم يجمعه مثله، وضم إلى مكتبته العامرة ما لا يعرف جله، ووفق للوقوف على حظ كبير من المتفرق من التراث المخطوط والمطبوع.
١٧ - مدائح:
أنشد فيه الشيخ أحمد بن الصديق الغماري:
حيا الإله سليـل الـمـجـد والكـرم … تحية من محب شاكر النعم
قرأت مدحكم نظماً فأطربني … مديحكم ببليغ النظم والكـلم
أطلت فيه أطال الله مجدكم … ودمت فخر الهداة من بني العلم
وأنشد فيه الأستاذ النحوي، الشاعر عبد السلام ابن تامة الحسني:
فأنتم ـ لعمري ـ فخرنا وعمادنا … تتيح لنا بالدرس أعظم مشهد
محمدنا بوخبزة الألمعي الذي … به يقتدي الإخوان في كل مقصد
يحبونه حباً عظيماً لأنهم … يرونه ذا علــم ونــبــل وسؤدد
وأنشد فيه أخونا الفاضل الأستاذ محمد ياسر الشعايري:
محمد بن الأمـيـن جـده حسن … أكرم به نسباً من نسل عدنان
فقد علا بالقوافي كل مكرمة … والفرع كالأصل في حمد وإحسان
ممكن من عنان الشعر يحكمه … يهواه كل أديب رام ألــحــانــي
سميدع في بني عمران قعدده … فهو الأمير بحق دون طغیان
ومدحه السيد النابغة أبغوني الحساني، فقال:
وقاك الله حادثة الـليالي .. وزادك بــالـــتـــواضـــع كــل عــز
وزادك من علوم ما ترید … وصانك من كلام لا يفيد
مکارم لا تزول ولا تبيد … ومعرفة يغاظ بها العنيد
وطلعتك السنية عنك تفشى وقد أعربت عن حق بعلم
وأنشد الشاعر يوسف بن محمد السلفي، أثناء زيارته الشيخ ببيته، فقال:
إن كان في كل أرض ما يُدنّيها … فإن تطوان فيها من يُرَقيها
فينا أبو خبزة فخر لمغربنا … بحر العلوم نبيه حاذق فيها
سقيا ورعيا لمن جاد الإله له …. بمنحة من فنون ليس يخفيها
١٨- أعمال الشيخ ومؤلفاته:
لم يكن الشيخ حفظه الله من محترفي الكتابة والتأليف؛ بل مجرد هاو ومحبّ، لذلك نجد أن أغلب تأليفه مجاميع وكنانيش ومقالات فقط، فإليك مسردها مع التعريف بكل واحد على حدة:
أولاً -مجال الشعر:
للشيخ حفظه الله قصائد وأنظام وأشعار متناثرة بعضها في كنانيش، وبعضها لا يزال في أوراق وبطاقات تحتويها حنايا وزوايا مكتبته الخاصة، وبعضها ضاع.
وقد أخبرت (والمخبر بذلك صديقنا الكتبي محمد العشيري) بأن أستاذنا الدكتور إدريس ابن الضاوية يحاول جمعها في ديوان، وفقه الله لإتمامه وكذلك يقوم بنفس العمل أخونا الفاضل الأستاذ ياسر الشعايري، وقد جمع من ذلك الكثير، ويغلب على ظني بأن ما تجمع لديه هو في حجم مجلد حافل. والله أعلم.
ثم بعد ذلك، وقفت على ديوان صغير بمكتبة الفقيه محمد داود بتطوان، تحت عنوان ديوان العيون أو شعر العيون به ما يقرب من ٢٠ قصيدة مرقونة على الآلة الكاتبة. وسألت الشيخ عن جامعه، فأخبرني بأنه لا علم له بهذا الأمر بتاتا.
ولا أنسى ما نشر من شعره على قلته وسأذكر ما وقفت عليه من قصائد ومقطوعات احتضنتها صفحات الجرائد والمجلات:
مولد النور: جريدة النور، ربيع الأول ١٣٩٥.
إلى الله: جريدة النور.
شيخ الطريقة: جريدة النور، العدد ١٣ من السنة الثانية، ١٣٦٠.
يا ساكن القلب: مجلة النصر، رجب ۱۳۷۹ الهائم : مجلة النصر، ربيع الثاني ١٣٧٩. لولاه : مجلة النصر، شعبان ۱۳۷۷.
مساجلة شعرية بينه وبين الشاعر المهدي الدليرو: مجلة النصر ربيع الثاني ١٣٧٨.
وله ضمن هذا المجال ديوان شيخه العلامة الأديب الوزير محمد بن موسی، جمع وترتيب وتنسيق وهو محفوظ بالخزانة العامة بتطوان.
ثانياً- مجال النثر:
كتاب الجنة الخضراء في التعريف بأشبال الزهراء.
ثالثاً: - مجاميع وكنانيش:
وهي كثيرة بعضها مسمى وبعضها غفل، منها:
(کتاب جراب الأديب السائح الحاوي للعظات والنصائح وزهر الأدب الفائح وثمار ما أنتجته القرائح) في خمسة عشر جزءاً -لم يتم.
وهو مجموع ضم فيه مجموعة من الفوائد التاريخية والأدبية والفقهية، إضافة إلى النوادر والطرائف الاجتماعية. وقد قرأت منه بعض الأجزاء فألفيته مفيداً ما تعاً، فقلت فيه مقرظاً:
جراب حوى حرّ فکر … بنفس يطيب بنفس الأديب
حــوى مـن ثــمــار تــــروق … قرائح كل لبيب
فطوراً مفيد طريف … كزهرٍ نثير قشيب
وطوراً نصيحٌ نذيرٌ … لقبحٍ مشينٌ غريب
فأنت تسيح وتحيا … بروضٍ فسيح خصيب
وقد قال أبو أويس معرفاً بمقاصده ومضامينه خلال تقديمه له:
الحمد لله الذي جعل في المعارف لذة العقول والأرواح، وفي الفوائد والنكت والطرائف منتهى المسرات والأفراح وحبب إلى طلبة العلم والأدب الأسفار والدفاتر المتضمنة تجارب الأوائل والأواخر، فكانت أنيسهم في الخلوات، وسميرهم في السهرات، فكم تغنوا بِمَدْحِهَا، ولهجوا بالثناء عليها، وأطنبوا في وصف عوائدها ونَفْعِهَا وقد صدقوا والله فهي أكثر مما قالوا وأجلّ وأهدى إلى المكارم والفضائل وأدلّ وبأدنى تأمل وتفكير، يتنبه الباحث الخبير، إلى عظم قدر ما يصرف فيه الإنسان نفيس وقته، ويكد ذهنه ويحرق دمه راضياً مطمئناً، فرحاً مسروراً، والصلاة والسلام على سيد البلغاء والفصحاء، الذي امتدح القريض والبيان ورغب لتذوق الإعجاز في تدبر القرآن، وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً، يلاطف مؤثراً صواباً وصدقاً، وعلى آله وأصحابه أهل العقول الراجحة، والمساعي الرابحة، أما بعد:
فهذا كشكولي ومخلاتي ومستطرفي ومشكاتي، وجليسي وبهجتي، وأنيسي وجؤنتي، سلكت فيه جميع من مضى، وحاذيت به سبيل الرعيل المرتضى، جمعت فيه أمشاجاً وأخلاطاً، ومددت من موائد اللطائف سماطاً، فهو لا أول له ولا آخر بين جاد من كلامه وساخر لا يخضع لضابط ولا نظام، ولا ينحصر في فن من فنون الكلام وشرطي فيه أن لا أثبت منشوراً، ولا أدون معروفاً مذكوراً، إلا إذا ذيلته بتنبيه على نظير، أو إشارة إلى شيء خطير، وقد ينشر بعض ما أذكره بعد ذلك، فلا لوم علي في ذكره هنالك متجرداً - فيما - أزعم من الغرض والهوى، وإن كانت هذه الدعوى صعبة الفحوى، ولكني بذلت جهدي وقلت ما عندي، وربما ذكرت فيه رسائل لغيري برمتها، وتقاييد بأكملها ضنا بها على الضياع والدثور.
ولتيسير الوقوف عليها والعثور، وقد سبق هذا الديوان نظائر له إلا أنها لم تبلغ حجمه في الكبر، ولم تحو ما تضمنه من الغرائب والعبر، فدونك (مذكرات) كما تسمى بلغة العصر الحاضر، ولهجة العرائض والمحاضر، ولعلك واجد فيها ما تقر به عينك ويرتضيه أدبك وفنك، وإن لم تكن هذه ففي طرائفه وفكاهاته ما يتكفل بانشراح الخاطر العليل، وإمتاع البصر الكليل، ولا تشمئز من أسرار مطوية تذاع ومجون فاضح يصك الأسماع، فلذلك مسوغات يعرفها المتأمل البصير، وإلى الله المرجع والمصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(نقل النديم وسلوان الكظيم وتأهيل العديم): مجموع مختلط، به مختارات ونظرات فكرية فريدة، وبحوث وردود علمية سديدة في جزء وسط.
وقد كنت شغفت بهذا الكتاب خلال مطالعتي له، فأخبرت الشيخ بعواطفي ومشاعري نحو الكتاب في إحدى مراسلاتي له، فقلت فيه مقرض وموطئاً: فقد قرأت كتابكم (نقل النديم وسلوان الكظيم، وتأهيل العديم) بشغف كبير، ونهم بالغ، وعشت معه بكياني وجوارحي؛ كأني نحلة وسط حديقة غناء حوت مختلف الورود والأزهار، فجزاك الله عن هذه الإفادات خيراً، دنيا وأخرى، وفي الأخيرة أحرى.
(حفنة در مجموع صغیر به فوائد وطرائف ولطائف)، صدره شيخنا بأبيات من مجزوء الرمل، فقال:
هذه (حفنة دُرٍّ) … لك فيها كل خير
ولما اطلع عليها الأخ النابغة الخطيب السلفي أبو عبدالله طارق الحمودي كتب شاكراً:
صاحب (الكناش) طبتم … لك مني كل شكري
ما رأينا غير خيرٍ … سُقته في كل سطرِ
كان لي منها غذاءٌ … وشفا من بعض ضير
أما كنانيشه؛ فهما:
كنينيش أخضر جزء صغير كذلك به مختارات وفوائد.
كنينيش أحمر: جزء صغير كذلك به مختارات وفوائد.
(سقيط اللآل وأنس الليال): مجموع مختلط به فتاوی وتراجم وتقاييد، ورسائل. وقد أنشد فيها من مجزوء الرجز، فقال:
كناشتي المختلطة … بهمتي مرتبطة
ضمنتها نوادراً … ونتفاً ملتقطة
نفسي بما تشمله … من الهدى مغتبطة
(رونق القرطاس ومجنب الإيناس) مجموع مختلط به طرائف: وإنشادات ورسائل ومختارات، وتراجم منتقاة، في مجلد ضخم.
وقد قال فيه مقرظاً مادحاً:
إن في الرقم (رونق القرطاس) … فأقرأ فيه من منتقى النثر
هو في الليل (مجلب الإيناس) …. علوماً من تحفة الجلاس
ولا بأس بإيراد مقدمته للتعريف بهذه المجاميع ومضامينها، قال حفظه الله:
الحمد لله الذي جعل طرائف الأدب، ونوادر الحكمة دواء لعلل القلوب، وفي الفوائد العلمية والنكت البلاغية وأفاكه المزاح طربا للأرواح ونشوة للجنوب، وفي لطائف الأخبار وعجائب الآثار، نزهة للأبصار، وربيعاً للأبرار.
والصلاة والسلام على سيد المرسلين الأخيار، القائل في حديثه مستودع الأسرار: (إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحراً)، وقد سمع بأبي هو وأمي الأشعار واستزاد منها وأجاز عليها، وشارك أصحابه
في الخوض في أحاديث الجاهلية ورنا إليه وقد قال: الحكمة ضالة المؤمن، وعلى آله وأصحابه الأطهار المصطفين الأحرار، ما دام الليل والنهار.
أما بعد؛ وفي كل وادٍ بنو سعد، فقد وجدت هذا النوع من التأليف المختلط غير المراعى فيه التفصيل والتبويب ولا الاقتصار على علم أو فن، أو نوع من المعارف أو لون بعد الأخذ بالواجب المتعين من مبادئ العلوم ليستقيم اللسان ،والفكر ويتمكن المرء من الدراية والفهم، وكم خطر بالبال الكتابة في باب من العلم مع مراعاة شروط التأليف الثمانية، التي إن خلا منها نبذ في السر والعلانية، فأجد أني مسبوق إليه وعالة على الغير، وربما اندفعت مقتنعاً بقولهم : كم ترك الأول للآخر، فأجد نفسي أدب ببطء في الأواخر، اللهم إلا إذا كانت الكتابة في الحادث المتجدد من مذاهب الفكر وماجريات التاريخ، وهذا حسن وجميل ولكن الخوض فيه لا يتأتى لمثلي من محدودي الاطلاع وقليل الدراية والمعرفة بما يجري في الدنيا، لانعدام الوسائل عندي لقلة ذات اليد والنشب وزحمة الأشغال، والاضطراب في السعي والكدح على الأهل والعيال، ومع شغل البال، لا يرتاح البلبال.
ثم إني رأيت بالتجربة المتواصلة أن كتب المحاضرات، التي دبجها يراع الأكابر والسادات أخف على النفس وأدعى للتمثل والوعي، وأعلق بالروح، وأرسخ في الذهن وأحلى للقلب ولذلك كثرت وتنوعت أشكالها، فلا تعد ولا تحصى من المتقدمين والمتأخرين، كما علمت بالتجربة كذلك : أن ما كان منها مختلطاً يسترسل فيه الكلام عفواً، أدعى للقبول، وأخف على نفس الملول، وقد قرأت منها مجامع واقتنيت نوادر جوامع، وربما أعدت مطالعة بعضها ككتب أبي حيان التوحيدي: (الإمتاع)، و (البصائر)، لما أجده فيها من طرف النوادر التي تستحليها الروح، ويطرب لها الضمير ويليها ما وضعت بالترتيب وألفت بالتفصيل والتبويب ك (عيون الأخبار لابن قتيبة، و (نثر) (الدر للأبي، و(تذكرة ابن حمدون)، و(بهجة) (المجالس لابن عبدالبر، و ربيع الأبرار للزمخشري، ومحاضرات الراغب) للأصبهاني، وغيرها كـ (زهر) (الآداب) للحضري، و(العقد) لابن عبد ربه؛ إلا أن هذه كلها رغم ما انطوت عليه من درر وغرر، وطرائف الحكمة وعجائب الأفكار، وأفاكيه النوادر لم أجد عند قراءتها ما وجدته في المختلطة، فآثرت هذا النوع متحرياً - علاوة على حسن الاختيار: الجدة صرف.
وقد صدرت مني مجامع عدة، منذ مدة، حجبتها زمناً عن الأنظار، لما انطوت عليه من جديد الأخبار، مما يجري به الليل والنهار، وفيها ما يتعلق بتاريخ أقوام، لم يعرف بين الناس أمرهم؛ تاریخ أهمله التاريخ، فتناولته لما فيه من عبرة أو فائدة، وهذا المجموع الذي بين يديك، وقد أسميته (رونق) القرطاس، ومجلب الإيناس بدأته أيام الطلب منذ نصف قرب تقريباً، واستأنفت العمل فيه كما ترى بين مختارات ونقول طريفة ونوادر شريفة، ومسائل فقهية، وردود علمية وأفاكيه ومجون نظيف، حتى تم بحمد الله تعالى على أحسن حال، أعوذ بالله من حسود لا يسود، أو حاقد للإنصاف فاقد والله المعين لأنه
رسالة (الدلائل المحررة في تحريم وبطلان الصلاة في المقبرة) وهي في نقد رسالة شيخه أحمد بن الصديق (إحياء المقبور باستحباب بناء المساجد والقباب على القبور).
(الأربعون حديثاً في الرد على القبوريين) طبع في جزء صغير بتطوان والدار البيضاء.
قال فيها منشداً:
لضلال نما مدى أحقاب … باتخاذ القبور تحت القباب
نقد كتاب (الأبحاث السامية للمحاكم الإسلامية)، قال أبو أويس: كتبت في نقده وإحصاء زلاته صفحات بقلم الرصاص، رآها عندي الفقيه الحسن ابن عبدالوهاب الحسني (ت ١٩٩٣/١٤١٣) ، فنظر فيها، واستسمحني أن يأخذها ولم يردها.
بن (القنابل الملقاة على رأس بلقات رسالة رد بها ـ في أسلوب من السخرية والاستهزاء - على الشيخ عبدالسلام بلقات الجزائري نجاراً، التطواني داراً وقراراً، من أجل دحض نبزه وطعنه في الشيخ أحمد الصديق الغماري. لكن هذه الرسالة أعارها لصديقه الأستاذ عبدالسلام بن تامة فانتشلتها منه أيدي الضياع والانشغال وطوي بساطها في زوايا النسيان والإهمال.
(ديوان الخطب) به ۲۰۰ خطبة. ومن نماذج خطبه خطبة في ذم الرشوة والتحذير منها قال فيها : الحمد لله الغني الحكيم، العلي العظيم مر بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التورط فيما يجلب الإثم والبلوى، أشهد أنه الله لا إله إلا هو فصل الأحكام، وبين الحلال والحرام، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الأنام صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ما دامت الليالي ،والأيام من يطع الله ورسوله فقد رشد ... إلخ .
(فهرسة خزانة المكتبة العامة بتطوان): طبع منه جزآن بتطوان.
(الاستدراك على معجم تفاسير القرآن الكريم): الصادر عن منظمة الإيسيسكو، طبع ببيروت.
(رسالة النقد النزيه لكتاب تراث المغاربة في الحديث وعلومه): طبعت بعنايتي عن دار الكتب العلمية ببيروت.
(تعليقات وملاحظات على الرسالة المستطرفة) هذه استخرجتها من هوامش نسخته ورتبتها ونشرتها مع الرسالة السابقة بذيل (الأمالي المستظرفة على الرسالة المستطرفة) للشيخ أحمد الصديق. بن
(تحصين الجوانح من سموم السوانح) وهو رد على كتاب (السوانح) للشيخ عبد العزيز بن الصديق وهذا الكتاب يحتاج إلى تحرير وترتيب. يسر الله ذلك.
رسالة في نقد كتاب (السنن والمبتدعات في العبادات) لعمرو عبدالمنعم سليم.
(نقد البردة والهمزية) للبوصيري.
(بيان إلى الدجال القرمطي عبدالله اليدري الكرفطي): وهي رسالة في الرد على الشيخ عبدالله التليدي الكرفطي في مسألة رؤية الله في المنام، وقد نشرت بتطوان في جزء باسم نشر الإعلام بمروق الكرفطي من الإسلام). وهذا الاسم من وضع الأستاذ عمر الحدوشي الذي اعتنى بالرسالة وعلق عليها.
(إبراز الشناعة المتجلية في المساعي الحميدة في استنباط مشروعية الذكر جماعة): وهي رسالة في الرد على الشيخ محمد بن محمد كركيش الحوزي الداعي إلى قراءة الحزب جماعة بصوت واحد، والذكر جهراً في الزوايا والسهرات بالتحليق، وما يسمى بالرقص الصوفي ... إلخ . (تراجم الأعلام مغربية : نشرت بـ (معلمة المغرب).
(تراجم أندلسية): ضاعت.
(ملامح من تاريخ علم الحديث بالمغرب) محاضرة ألقاها بمعهد الإمام الشاطبي لتحفيظ القرآن وعلومه بتطوان.
(من رجال الحديث والرواية بالحرمين الشريفين) محاضرة ألقاها بندوة الشيخ الرفاعي بمكة المكرمة.
(المخطوطات والوثائق العربية) بالخزانة العامة وخزانة الجامع الكبير بتطوان: محاضرة شارك بها ضمن ندوة دولية حول المخطوطات العربية في الغرب الإسلامي نظمتها مؤسسة الملك عبدالعزيز بالدار البيضاء. وقد نشرت أعمال هذه الندوة مجموعة في كتاب تحت عنوان: المخطوطات العربية في الغرب الإسلامي وضعية المجموعات وآفاق البحث.
(ترجمة الإمام أبي القاسم الشاطبي) وهي ترجمة حررها شيخنا لطلاب معهد الإمام الشاطبي بتطوان.
(ملامح من رحلاتي الحجازية): تقدم ذكرها.
(دروس التفسير لكلام العلي القدير وهي دروس أعدها لطلاب معهد الإمام الشاطبي.
(ما لا يصح يصح من الحديث في أحكام الصيام وفضل رمضان)، لم يتم. وقد شرعت في إتمامه، يسر الله ذلك.
(دروس في التفسير واتجاهاته وما كتب فيه): وهي دروس أعدها لطلاب معهد الإمام الشاطبي خلال تدريسه لمادة الثقافة الإسلامية.
(إيثار الكرام بحواشي بلوغ المرام وهي دروس أيضاً لطلاب معهد الإمام الشاطبي.
(الشذرات الذهبية في السيرة النبوية): وهو كتاب مدرسي أعده طلاب معهد الإمام الشاطبي وقد أخبرني الشيخ بأن بعض الجهات طلبته منه.
(فتاواه الفقهية والحديثية) تحتاج إلى من يجمعها ويرتبها في ديوان، منها ما هو متناثر فى أوراق ومنها ما هو مفرق في الكنانيش والمجاميع طلبته منه ليطبع، يسر الله ذلك.
(مراسلاته وأجوبته العلمية): وقد قال الشيخ متحدثاً عن هذا الفن:
أدب الرسائل فن مستحدث من الفنون الأدبية كالمقامة والقصة والشعر ... إلخ، وهو عبارة عن رسائل شخصية أدبية يتبادلها أديبان يتناولان فيها موضوعات علمية وأدبية وتاريخية وربما فقهية وحديثية إلخ، إلا أنها لا تأخذ شكل تأليف كتاب أو رسالة، وقد جمع منها عدد وطبع، وكان له وقع حسن وأثر طيب في دراسة شخصية الأديبين الكاتبين، خصوصاً وأنها تكتب بأسلوب عفوي لا تعمد فيه، وقد يتطرق فيها إلى أخبار نادرة وفوائد غريبة، وتجارب حياتية في غاية الأهمية في فهم العصر ومستواه الأدبي إلى غير ذلك من المسائل التاريخية.
ورأيت منها الكثير كرسائل مصطفى صادق الرافعي مع تلميذه محمود أبو رية وأذكر أنني رأيت فيها ما ينم عن عقلية الرافعي الخرافية في اعتقاده في البدوي؛ لأنه كان موظفاً بمحكمة طنطا، وهذا ما لم يعرف عنه وحدثتها الآن، ورسائل الكرملي واليازجي وجمال الدين القاسمي ومحمود شكري الألوسي وغيرهم.
وقد انتهجنا نحن ومجموعة من طلبة تطوان نهجهم فكتبنا رسائل كثيرة سميناها (الإخوانيات) يجتمع منها مجلد بقلم كاتبه والإخوان المهدي الدليرو وعبد الواحد أخريف، ومحمد الطنجاوي، وعبدالسلام بن تامة وحسن ابن المفتي، ومحمد المولاطو، وغيرهم فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ، وقد استأنفت العمل مع بعض الإخوان من الجيل التالي فكان منهم من يملأ الفراغ وزيادة اختلاف الوجهة من هؤلاء الأخ المحب الأستاذ الفاضل بدر بن عبد الإله العمراني الجزائري الطنجي، فإنه لما تعرف علي أخذ يتردد علي بمنزلي الساعات تلو الساعات، لا يخلو شهر من زيارة أو اثنتين أو ثلاث يشد الرحل من طنجة إلي لا لنعمة يربها عليّ أو غرض؛ إلا التواصل العلمي والتزاور في الله ومن أجله، وفي خلال ذلك كان يكتب إلي بين الفينة والأخرى رسائل تتضمن أسئلة ومراجعات وحواراً علمياً هادئاً، وربما ناهزت هذه الرسائل الثمانين أو أكثر، ومما كتب إلي هذه الرسالة التي مع صورة من جوابي عليها فأحببت إثباتها لتستفاد، وفي النية إن شاء الله - إفراد مجموع لضم شمل هذه الرسائل التي تجاوزت الألف بلا شك من مختلف الأمصار والأقطار ومن كثير من الطلبة وأهل العلم.
(کتاب إرشاد ذي العقل السليم إلى مناهج التعليم): فهذا جزء لطيف ألفه شيخنا وهو لم يناهز العشرين من عمره، حيث قال في خاتمته : وكان الفراغ من تبييضها عشية يوم الجمعة الخامس من صفر الخير عام سبعين وثلثمائة وألف.وهو كتاب مفيد للمبتدئين، ومنير لسبيل العلم المبين.
(مقدمات الكتب): فقد قدم حفظه الله لعدد كثير من الكتب بمقدمات حافلة بعضها ،مطبوع، وبعضها لا يزال في الرفوف وطيات الدفاتر. ولو جمعت لبلغت في الحجم مجلداً حافلاً.
١٩- مجال التحقيق:
فالشيخ له باع طويل في هذا المجال لخبرته الطويلة بالمخطوطات وأنواعها وأماكنها ومواقعها، فقد وقع بيده الكثير، وعالج من مكنوناتها النادرة والشهيرة، فاستفاد منها وأفاد وأنقذ بعضها من براثين الإهمال والضياع حتى أصبح يشار إليه بالبنان في شتى البقاع له في هذا الباب: أربعون حديثاً في فضل الجهاد لعلي بركة طبع بتطوان، ثم طبع ببيروت عن دار الكتب العلمية ومعه الشرح للمؤلف. وكان العمل فيه بالاشتراك مع راقم هذه السطور.
الأستاذ سعيد الجزء ١٧ من كتاب التمهيد لابن عبدالبر بالاشتراك مع أعراب.
١٠ أجزاء من كتاب الذخيرة للقرافي: طبع ببيروت عن دار الغرب الإسلامي.
سراج المهتدين لابن العربي المعافري: طبع بتطوان. أحكام السهو في الصلاة للمالقي. خ
ثمرة أنسي في التعريف بنفسي لسليمان الحوات. خ
صرف الهمة إلى تحقيق معنى الذمة للمسناوي خ
أحكام شهادة اللفيف للعربي الفاسي: طبع بالرباط.
المعالم السنية: أرجوزة لابن المناصف الأزدي. خ
الإنجاد في أحكام الجهاد لابن المناصف الأزدي.
خ الانتصار لعمل أهل المدينة لأبي عبدالله ابن الفخار القرطبي. خ
شرح عقيدة ابن أبي زيد القيرواني للقاضي عبدالوهاب البغدادي: طبعت ببيروت عن دار الكتب العلمية مع تخريج أحاديثها وتوثيق نصوصها لراقم هذه السطور.
تحصيل ثلج اليقين بحل معقدات التلقين لأبي الفضل السجلماسي: وهي طرر وحواشي في نبیرود.
شرح غريب كتاب التلقين للقاضي عبدالوهاب، وقد قمت بتتميم عمل الشيخ والتقديم له، ثم قدمته للطبع بدار الكتب العلمية.
قصيدة لابن المقري اليماني في نظم مخازي الفصوص: علق عليها وصحح تحريفاتها اعتماداً على نسختين خطيتين من القول المنبي للسخاوي، مع تحرير ترجمة الناظم خ
رونق التحبير في سياسة التدبير للغرناطي : حققه الشيخ على ثلاث نسخ خطية. انظر سقيط اللآل ص ٩١. خ
حاشية الحاج أحمد بن العالم القادري الرباطي على مختصر الدر الثمين في شرح المرشد المعين لميارة. خ
أوجز السير لابن فارس. خ
الرائية للحضري في القراءات. خ.
نونية أبي عمار الكلاعي : طبعت ببيروت بذيل كتاب تلقين الوليد الصغير لعبد الحق الإشبيلي.
٢٠- المقالات:
مجلة الحديقة: المقالة الافتتاحية لكل عدد: ع ١.
مكتبة المعهد الديني العالي: ع ٢ يناير ١٩٥٥.
المكتبة العامة: ع فبراير ١٩٥٥.
معهد مولاي الحسن للأبحاث ومكتبته: ع ٤ مارس ١٩٥٥.
- مجلة لسان الدين:
إنما العلماء العارفون بالقرآن : ع ٢ فبراير ١٩٥٠
صلوا قبل المغرب ركعتين : ع ٣ مارس ١٩٥٠
إمامة المرأة بالنساء : ع أبريل ١٩٥٠.
صلاة المفترض خلف المتنفل صحيحة : ع ٩ شتنبر ١٩٥٠. ع
لا بأس به: ع ٦ يونيو ١٩٥٠.
المحاكم الشرعية : ع ١٥ سنة ١٩٥٢.
إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح: ملاحظات على تحقيق الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، ع ١٤ يونيو ١٩٧٥.
ليالي رمضان: ع ۱۷ شتنبر ١٩٧٥.
: احذروا هذه الكتب في ثلاث حلقات) ع ۲۳ مارس ۱۹۷۷.
عثرات المنجد في الأدب والعلوم والأعلام (في ثلاث حلقات)، ع ٢٨ يونيو ۱۹۷۷.
من ذيول المحن : ربيع الثاني ١٣٩٤.
المعجزات النبوية بين الإيمان والجحود: رجب ١٣٩٤. رمضانهم ورمضاننا : رمضان ١٣٩٤.
- مجلة النصر:
دم الأضحية : ع غشت ١٩٥٧.
- جريدة الميثاق الوطني:
حديث الصيام: سلسلة مقالات في الصوم وأحكامه وآدابه.
٢١- أدب الشيخ:
أولع أبو أويس منذ شبيبته بالأدب الشعري والنثري، وحلّق في سمائه يطلب النول من نجومه الزهر من حلقات تقي الدين ذي القلم المر كالحنظل، إلى جلسات ابن موسى الوزير صاحب الرحيق العذب كالسلسل وبينها في صحبة شلة الأنس، بندوة شباب أدباء الأمس، وخلال هذه المحطات قعد فسطاطه ثم بسط للناس بساطه فرتعوا فيه بمنظارهم النقدي، ليس فيهم محابي ولا مستجدي مصرحين بالحكم الصريح، المعتمد على الرأي النصيح، وأهل النقد في هذا الباب، رجلان فاها بفصل الخطاب:
الأديب الأول: الأديب الدكتور حسن الوراكلي القائل أثناء تقييمه للرصيد: فمحمد بوخبزة من أكثر الناس تعلقاً بالكتاب وأقدر الناس على التهامه مع الإفادة والهضم الجيدين، إذن فهو رجل مستهلك غير منتج، آخذ غير معط، وهذا يشكل في رأينا (أنانية) فكرية وأدبية لا نحمدها له كما لا نحمدها لكل من هو على شاكلته قدرة على الأخذ والعطاء، ولكنه يكتفي بأن يأخذ دون أن يعطي. فلما تفجرت ينابيع الشعر في وجدانه ... كان أكثر شعره تصويراً لذلك مدائحه للرسول عليه الصلاة والسلام، ومنها قصيدته (نفحات البردة التي مطلعها :
هل آذن النور أن يمحو دجى الظلم … وهل رأى الوصل أن يقتص من سقمي
ثم يقول: وأول ما نسجله على هذا المديح هو الروح البوصيرية التي تطغى عليه وتشيع في أعطافه بشكل ملحوظ لا نجد له من تفسير غير ما تتسم به العطاءات المبكرة لكل شاعر من رسوبات مقروئه الشعري الذي لا تتيسر له وقتئذ، عادة عمليتان هما عملية التأني في الهضم، وعملية الإجادة في التمثل وثاني ما نسجله على هذا المديح هو أنه إذا كان صاحبه لم يوفق فيه إلى إجادة في الصياغة ولا ابتكار في المعنى، فإن ما يشفع له عاطفته المتأججة المشبوبة، التي تبدو في أبيات قصيدته على نحو جلي.
ولشاعرنا مدائح أخرى، ضمت أبياتاً تستجاد كقوله في إحداها يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سناؤك يا حسن الوجود بأسره … هو الأصل في دنيا الجلالة والعلى
كلامك أحلى من رحيق جنائن … ووجهك شمس للمحاسن قد حوى
به يهتدي الساري إلى وضح الهدى … سکرت به سكراً أجار من الردى
٢٢- حب عميق:
الأديب الثاني: هو الأديب الشاعر الأستاذ محمد المنتصر الريسوني تحدث عن الروح السلفية في شعر أبي أويس فقال : ويستفز مشهد التوسل والاستغاثة بالموتى - على عادة الطرقيين - الشاعر محمداً أبا خبزة، لذلك حين يقرأ رائية للشيخ محمد العلمي المعروف بالحوات في ذكر سلسلة طريق الصوفية الجامعة بين طريق الأقطاب وطريقة العلماء.
فيذيل عليها بأبيات على رويها وعلى ،بحرها، ويرد على ما ورد فيها من ضلالات التوسلات بالمخلوقات مبيناً أن البشر لا ينفع ولا يضر ... وأن الخير والسعادة في ترسم خطى الوحي المنيف لا التعلق بالخرافات، فيقول:
قد ضاق منه الصدر من وزر وشر قد تم هذا النظم مشحونا بما من سرد أسماء الشيوخ وجلهم هي بن بيّ لا يرى منه أثر:
عزبت عقول ذوي التصوف جملةً … جهلوا وربي كيف يُدعى من غبر
بل كيف يعبد معشرٌ، لا شخصهم … يدري ولا أثر ولا من خبر!
كما يستفز شاعرنا أبا خبزة تمسح الطرقيين بالأضرحة وتعلقهم بأصحابها، وتوسلهم بهم طالبين منهم رفدهم وعونهم حين يقرأ أبياتاً كان ينشدها الشيخ التاودي بن سودة عند قبر الشيخ عبدالسلام بن مشيش يقول فيها:
أتيتكم شيخاً وكهلاً وناشئا … على وهن والضعف مني قد عما
فها أنا قد خيمت نحو فنائکم …. فلا ترجعوني دون فيض بحاركم
وفي كلها نرجو نوالكم الجما … ولا تحرموني من مواهبك العظمى
فيرد الشيخ في البحر نفسه والروي عينه دفاعاً عن التوحيد، ومذكراً في الوقت نفسه بما يترتب عن ذلك من إخلال بالالتزام الإسلامي في المجال العقدي الذي يشكل المنطلق الأساس في التصور الإسلامي الخالد للحياة . فيقول:
ألا فادع يا (تودي) إلاهك وانتظر … إجابته بالباب، وانعم به غنما
ولا تعبد المخلوق ترجو نواله … فذلك شرك ظاهر فاترك الظلما
فبابن مشيش حاجة لدعاء من …يرى غيره، فالله يمنحه رحمی
ولو كان حيا لانزوى عنك معرضا … لما قلت من زور تحوك به نظما
فيا محنة التوحيد من علمائها … غلوا في اعتقاد أورث المسلم الغما
كما يستفز شاعرنا أبا خبزة عمل قادة الطرقيين المشين المريب في معاملاتهم اليومية في الدار أو خارج الدار فيسجل بعدسته الشعرية هذه الظاهرة ويضفي عليها ظلالاً من التموج شفت وراقت، ثم راحت تشع ومضات وومضات تحفل بالرموز، وذلك في قصيدته (شيخ الطريقة)، وهي من الشعر الجديد . . . فيقول :
في البيت أربع نسوة والخادمات والزائرات
يا هل ترى يسلمن من فحشائه؟
شيخ الطريقة عندنا، لص بشوش
أدنى وأهون ما يبيع إذا انتشى
والمسبحة
شباك صيد رؤيا المنام سبيله نحو الجيوب سمسار
جنات عدن
والزاوية
وكر الفجور، ونبع زور
مأوى المخانيث الشاطحين على المكا والتصدية
لا يعرفون سوى الغناء والخمر تحسى والحشيش قرآنهم للبيع
ولـ (فدية) يتلى على القبور
هم يكتبون ... ويشعرون
كذب وتضليل وزور
هم يكتبون
شيخ الطريقة علة شقيت بها الأديان
وكذلك الأوطان
رمد بعين الدين سرطان في كبد اليقين
لا ينهض الإسلام من كبوته
من غفوته
و بجسمه هذا المخدر هذا الوباء المنتزي
(شيخ الطريقة)
من إن كان هذان الرجلان قد قيما الجانب الأدبي للشيخ انطلاقاً واجهات معينة، فقد تلاهما رجل آخر (هو أخونا الأديب الشاعر الأريب الدكتور قطب الريسوني أستاذ باحث، ذو قلم سيال، وأسلوب عذب يغري بالوصال أثمرت عنه بحوث ورسائل، حافلة بغرر الفوائد والمسائل، منها : حكم الشرع في دخول المرأة حمام السوق ط، أربعون حديثاً نبوياً في نهي الرجال عن لبس الذهب والحرير ط تحقيق نوازل ابن بشتغير، التعليق النبيل على مختصر هدي الخليل للدكتور تقي الدين الهلالي، ديوان شعري .. وفقه الله لمواصلة السير في دروب العلم المفضية إلى كل خير) بنظرة نقدية عامة، شملت معظم الواجهات بقلم سلس، وأسلوب تعشقه النفس، فقال في سلسلته (عنادل الشمال) تحت عنوان: محمد بوخبزة ريشة في مهب الإبداع
وصورة بهذا القدر من الطلاوة والنداوة يقدها نحت إزميل وتدحوها يد رسام ولو تكررت أخواتها ومثيلاتها في شعر (بو خبزة) لحلقت به جناحات غير منظورة إلى سدرة الخواطر كجنحات ولفتات الأبكار، لكنه يرسل القوافي على سجيتها إرسالاً، فيفلت عنان النظم فيها من يد الصقل والتجويد لتستأثر به يد العفوية والارتجال، فتنشئه إنشاء لاحظ فيه لضنى الصنيع وحرقة الإبداع. وذلك مذهبه في فن القول، يُلزم به نفسه، وينقد في ضوئه الآخرين!!
وجولته في مسرح النثر غير قصيرة .. أخذت فيه الكلمات زينتها، واختالت كعرائس شمع .. تطالعك في تقديم كتاب، وصدر خطاب، وترجمة علم، ممتطية صهوة ساجعة، ومستبيحة بيضة استعارة ولا تخطئ في طلعتها قسمات من وجوه وضيئة متألقة في دنيا النثر والترسل كالجاحظ وأبي حيان وابن بسام وابن الخطيب، وغيرهم من أمراء البيان وفرسان الكلمة.
وهاك من نثره الذي أخذ بلبي وسحر العين، قطعة من خطاب أرسله إلى أخيه وصفيه الأديب المبدع القصاص حسن الوراكلي، وقد جمعتهما عبر عقود من الزمن - زمالة علم وأدب موصولة غير مقطوعة، وعلائق ود وامق دافق:
(فقد طال أمد اللقاء، وكاد ينبت حبل ،الرجاء بين انتظار امتد زمانه، وترقب تمادى ،أوانه وبينما أنا أقلب أوراقاً ،وأكياساً، وجدت بين رسائل أجيبت ومكاتيب بت فيها رسالة منكم سابغة الذيل، وافرة النيل، فقرأتها مستغرباً وجودها بين لداتها المجابة، ذاكراً أنها نالت مني احتفالاً وإجابة، إلا أنه رابني عدم وجود نسخة الجواب، وعادتي الاحتفاظ بها للرجوع عند الاقتضاء، ولكني ألغيت لعل وعسى ،وربما وأخذت القلم لتجديد الخطاب، لا لتوجيه العتاب على أن لا محل له من الإعراب لتوالي البر والرعاية، والاهتبال والعناية شنشنة أعرفها من أخزم).
هذا ما قيم به هؤلاء النقاد أدب أبي أويس وهم في ذلك قد أصابوا كبد الحقيقة، ولم يحيدوا عنها من أجل محاباة عواطفه الرقيقة، بل الحق الناصع يفصح عن نفسه، غير هياب ولا وجل من غريمه المتردي في غياهب رمسه.
وفي ختام هذا الفصل ما علي إلا أن أشير إلى قضية مهمة لها مساس بتكوين الشيخ الشعري، وهو أنه لم يدرس العروض على شيخ، وراض نفسه على تحصيله من خلال الاجتهاد والمطالعة فعسر عليه، ولكنه استفاد معرفة البحور من طريقة والده في دروسه التعليمية؛ حيث يورد له الشواهد الشعرية ملتفتاً إلى نظائرها في الوزن عند أرباب السماع في حلقات الرقص الصوفية، فيقيس عليها طبقاً لجرسها الموسيقي، وفق نغمة أذنه حسه الذوقي فيعرب - بعد مراس ودربة ـ عن مقصوده الحقيقي من ذلك مثلاً: تثير في قول طرفة بن العبد :
رأيت بني غبراء لا ينكرونني …ولا أهل هذاك الطراف الممدد
ويقابله في الوزن الذي يمثله بحر الطويل قول الشيخ محمد الحراق في تائيته:
أتطلب ليلى وهي فيك تجلت … وتحسبها غيراً وليست غيرك
والشيخ لا يعد نشازاً في هذا الأمر، بل هناك من يماثله، مثل العلامة الأديب علي مصباح الخمسي (ت ١١٣٦هـ) صاحب الكتب الحفيلة منها: (سنا المهتدي إلى مفاخر الوزير اليحمدي)، وأنس السمير بما كان بين الفرزدق وجرير، حيث يقول عن نفسه وكنت أجد موازين الشعر في لساني، أعرف بالطبع موزونه من مكسوره؛ إلا ما خفي من ذلك إذن، فالشيخ حفظه الله شاعر بالطبع والسليقة، وصدق من قال: الشعر بالسجية، لا بالخزرجية.
٢٣- تلاميذه:
قد تتلمذ على الشيخ خلق كثير من شتى البقاع والأقطار، منهم:
- المغرب: الدكتور إدريس بن الضاوية. الأمين بوخبزة. أويس بوخبزة. الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي. الدكتور الحسن العلمي. الدكتور توفيق الغلبزوري. الدكتور أحمد بوخبزة. الدكتور أحمد الستيتو. إدريس العلمي. خالد مدرك. الدكتور محمد الحنفي. محمد السعيدي. سمير القدوري. الصادق أزام الحساني. طارق الحمودي. طارق بوزكية. عبدالعزيز العبدي الإدريسي. عبد القادر الشرقاوي عبد القادر الصحراوي. عبدالقادر الإدريسي. الدكتور عبداللطيف الجيلاني. الدكتور عبدالله البخاري. الدكتور عبدالمنعم التمسماني. الدكتور قطب الريسوني. الدكتور محمد التمسماني. القاضي محمد الرافعي. الدكتور محمد السرار. الدكتور محمد رستم. الدكتور محمد رياض. محمد ياسر الشعايري. مصطفى باحو السفياني. محمد بن الحسين السليماني. مراد الطيب صاش. ماجد بن عبدالعزيز الزيادي. مصطفى بن بوزيان بن علال الجذامي التلمساني.
- ليبيا: تشاد المعافى بو خبزة.
الجزائر: توفيق الكيفاني. جمال عزون. عبدالقادر النايلي. عبدالمجيد جمعة. عثمان عيسى. فريد عروق.
تونس: الدكتور فتحي العبيدي. الدكتور محمد أبو الأجفان. طارق ساسي الشيباني. علي بن سنوسي بن أحمد.
مصر: الشيخ المحدث أبو إسحاق الحويني. مجدي بن علي بن السيد سلطان.
سورية: الدكتور عبدالعزيز بن صالح بن مبارك الخليفي. الدكتور عبدالله الأحمري الشيخ محمد صالح آل الشيخ. وزير الأوقاف . محمد بن عبدالله آل رشيد. الحسين بن حيدر محبوب الحسيني. عمر بن عبدالله السبيل. نور الدين طالب محمد شكري حجازي.
البحرين: نظام يعقوبي.
قطر - الإمارات العربية المتحدة: جمعة الماجد.
السعودية: فواز العتيبي. راشد سعد الهاجري. طلال العجاج. طارق بن محمد الخويطر. هشام بن محمد بن سليمان السعيد. عاصم بن عبدالله القريوتي. طلال بن عبد الله الأحمدي.
الكويت: صلاح بن عايض الشلاحي محمد بن ناصر العجمي. الدكتور فيصل بن يوسف العلي. عبدالسلام بن حسن الفيلكاوي. أبو فالح علي بن مبارك سالم العازمي.
الهند: حافظ ثناء الله الزاهدي. الدكتور محمد عزیز شمس. الدكتور محمد أكرم الندوي.
إندونيسيا: الدكتور أنس بن طاهر الاندونيسي.
تایلاند: رضا برامودا.
٢٤- شيوخه وأساتذته:
- شيوخ الدراية
أولاً- شيوخ الدرس:
۱ - الفقيه النحوي المعمّر أحمد بن محمد القصيبي الأنجري : تلقى عليه دروساً في الألفية لابن مالك.
ترجمته: هو الفقيه أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحساني. ولد عام ١٣٣٣هـ بقرية القصيبة من قبيلة أنجرة.
أدخل الكتاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن. وفي عام ١٣٥٢هـ شرع في دراسة العلم بقرية أبي عباد بأنجرة على الفقيه أحمد بن المهدي أهباط إلى عام ١٣٣٧هـ، ثم انخرط بالمعهد الديني بتطوان والتحق بالسنة الأولى من القسم الثانوي واستمر في عمله إلى أن أتم دراسته الثانوية عام ١٣٦٣هـ. ثم عين أستاذاً بالمعهد الديني بتطوان وبعد مضي سنة تولى خطة العدالة.
والشيخ لا يزال حياً بمدينة تطوان.
٢- الفقيه أحمد الزواقي: تلقى عليه دروساً في رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وموطأ الإمام مالك بشرح الزرقاني.
ترجمته: هو الفقيه العلامة شيخ الجماعة القاضي أحمد بن الطاهر الزواقي الكنوني الحسني، ولد في شهر محرم عام ۱۲۷۷ - يونيو - غشت ١٨٦٠. تربى في حجر والديه، ثم قرأ القرآن على والده وعلى الفقيه سيدي محمد بن عبدالله البوزراتي الغماري، وقد حفظه حفظاً جيداً في صغره، وكان جل اعتماده في حفظه على والده رحمه الله.
وفي سنة ۱۲۹۳ شرع في حضور الدروس العلمية بمساجد تطوان وزواياها، فقرأ على شيوخ ذلك العهد، الفقيه سيدي محمد بن أحمد وهم البقالي، وهو عمدته الأول في العلوم بتطوان، وعلى الفقهاء سيدي مفضل أفيلال وسيدي محمد غيلان وسيدي المكي بن عبدالوهاب والقاضي محمد عزيمان وسيدي محمد النجار.
أما العلوم التي قرأها بتطوان قبل سفره لفاس، فهي التوحيد والنحو والفقه والمنطق والحديث والسيرة النبوية والتصوف
وفي شوال ۱۲۹۷ ارتحل إلى فاس بقصد القراءة على شيوخها، وهناك قرأ العلوم التي كانت متداولة بالقرويين وهي: التوحيد، النحو، الفقه الأصول ،البلاغة ،التفسير ،الحديث ،السيرة الحساب. وشيوخه بفاس هم العلامة أحمد بن الخياط، وهو عمدته في جل العلوم، ثم الفقهاء محمد بن المدني كنون ومحمد بن التهامي الوزاني، وأحمد بناني كلا، وعبد المالك الضرير والطيب بن كيران والهادي الصقلي، ومحمد القادري، وأحمد بن الجلالي المغاري والفقيه ابن عبدالرحمن
ثم رجع إلى بلده تطوان فاشتغل بعدة وظائف ومهام، وهي: العدالة الفتوى الإمامة الخطابة التدريس، القضاء.
وقد تخرج على يديه المشاهير، منهم:
-الفقيه أحمد الرهوني وزير العدلية ورئيس المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي، والفقيه محمد أفيلال وزير العدلية والفقيه محمد المرير رئيس محكمة الاستئناف الشرعي، والفقيه محمد اللبادي قاضي تطوان وقد كان الشيخ فقيهاً مالكياً متضلعاً مقلداً صلباً، لكنه ندم في آخر عمره على هذا الجمود الذي التصق به وأدرك أن الحق في معين الكتاب والسنة لا في ألغاز خليل وتمطيطات شراحه هذا ما حدثني به شيخنا أبو أويس.
وظل طول حياته معتكفاً في محراب العلم متحلياً بحلية التقى والورع إلى أن وافته المنية في ١٣ فبراير ١٩٥٢م موافق ١٣٨٣هـ ودفن بالزاوية القادرية بتطوان.
ورثاه الأديب الشاعر محمد بن موسى المنبهي بقصيدة رائعة، قال فيها:
قفا بمعاهد أمست ثكالى … أباح الشجـو للدمع انهمالا
ذواهل كلما خشعت لشجو… كواسف من صروف الدهر بالا
٣- الفقيه أحمد الرهوني: تلقى عليه دروساً في صحيح البخاري بشرح القسطلاني، والمرشد المعين على الضروري من علوم الدين لابن عاشر.
هو الفقيه العلامة المؤرخ القاضي أحمد بن محمد بن ترجمته:
الحسن الرهوني نسباً التطواني داراً ،وقراراً، التجاني طريقة وسلوكاً. ولد بتطوان زوال الأربعاء ٨ جمادى الآخرة عام ١٢٨٨هـ يوم جد في طلب العلم منذ الصغر، فدرس بتطوان على شيوخها وأعلامها، ثم شد الرحلة إلى فاس حيث نهل من حلقات جامع القرويين.
وكان من شيوخه خلال مرحلة الطلب: أحمد الزواقي، محمد بن الأبار، التهامي أفيلال، محمد بن علي عزيمان، المفضل ،أفيلال عبد القادر الفاسي محمد بن جعفر الكتاني، الخياط، محمد بن التهامي الوزاني عبدالملك الضرير، المهدي، أحمد بن الوزاني.
وحصل على إجازات من ابن الخياط وابن الجلالي وجعفر الكتاني وابنه محمد ومحمد القادري والمهدي الوزاني … بعد ذلك تصدر للتدريس ونشر العلم فتخرج على يديه أعلام منهم : محمد بن عبدالصمد التجكاني، الأمين بو خبزة، التهامي الوزاني، محمد داود ...
وتقلد عدة وظائف منها: العدالة القضاء وزارة العدلية، مفتشاً مفتشاً للتعليم الإسلامي. وقد كان رغم كل المناصب التي تقلدها لا يتوانى عن الكتابة والتأليف، ومما ألف:
شرح الأجرومية المسمى: تسهيل الفهوم لمقدمة أجروم ط.
شرح الألفية المسمى: رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة ط.
شرح المرشد المعين المسمى: هداية المسترشد لفهم نظم المرشد ط.
شرح السنوسية المسمى الغنيمة الكبرى بشرح المقدمة الصغرى ط.
لامية الأفعال المسمى: منح الكريم المفضال بشرح لامية الأفعال ط.
شرح شرح السلم المسمى جريان القلم بشرح نظم السلم ط.
شرح الاستعارة المسمى: النشر الطيب في شرح أرجوزة الشيخ الطيب ط.
شرح لامية الزقاق المسمى: حادي الرفاق إلى فهم لامية الزقاق ط.
تحفة الإخوان بسيرة سيد ولد عدنان ط.
إعلام الأنام بحقوق آل البيت الكرام خ.
عمدة الراوين في تاريخ تطاوين في عشرة أجزاء. طبع منها أربعة بتحقيق أستاذنا الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي وفقه الله لإتمام العمل.
ختم شفاء القاضي عياض.
اختصار الرحلة العياشية.
اغتنام الثواب والأجر في فضائل ليلة القدر ط.
تقريب الأقصى من تاريخ الاستقصا ط.
اللؤلؤ الحطيب من تاريخ نفح الطيب ط
الجزء الأول منه فقط. فضل الكريم المنان على قارئ القرآن ط.
الرحلة المكية ط.
ديوان شعري وفتاوى ونوازل.. إلى غير ذلك مما هو مخطوط ومحجوب.
ظل هكذا يحيى حياة حافلة بالعلم والتعليم إلى أن لبى داعي مولاه يوم الإثنين ثالث عشر ربيع الثاني عام ١٣٧٣هـ. والده الفقيه العدل الأمين بن عبدالله بوخبزة: درس عليه متن الأجرومية وألفية ابن مالك إلى باب الترخيم. تقدمت ترجمته في الفصل الأول.
الفقيه التهامي المؤذن الغرباوي حضر عليه باباً من أبواب الأجرومية في النحو.
ترجمته: هو الفقيه التهامي بن عبدالرحمن بن العلمي المؤذن. ولد بقبيلة الغربية سنة .۱۳۲۰ هـ، وقرأ القرآن بقبيلة أصله. وقرأ العلم الشريف بقبيلة بني كرفط على الفقيه محمد المجلاوي، ثم رحل إلى مدينة فاس سنة ١٣٣٦هـ، فاستقر بها أربع سنوات تلقى خلالها دروساً علمية نافعة على مجموعة من المشايخ منهم: العلامة إدريس المراكشي، والعلامة الحسين العراقي والفاطمي الشرادي وعبد السلام السرغيني، والفقيه المهدي الوزاني.
وبعد أن امتلأ وطابه بالمعارف والعلوم رجع إلى بلده فتقلب في عدة وظائف من إمامة وعدالة وتدريس. إلى أن وافاه أجله المحتوم.
٦ - الفقيه الأديب التهامي الوزاني: تلقى عليه دروساً في تحفة الحكام لابن عاصم.
ترجمته: هو العلامة الفقيه الأديب المؤرخ الشريف التهامي بن عبدالله الوزاني.
أحمد بن عبد الله كان ذكياً متفتح الذهن فاستطاع بذلك أن يستوعب علوم عصره، وأن يستفيد من شيوخ بلده ومصره، تلقى معارفه عن أعلام أساتذة هم : أحمد بن حمزة الوادراسي الخياط الوادراسي، الفتوح التطواني، محمد بن أحمد الكحاك الفاسي أحمد الكحاك الفاسي، أحمد الزواقي، محمد المؤذن العلمي، أحمد الرهوني، محمد المرير. وكان رجلاً تغلب عليه العصامية في تكوينه، قال ابن الحاج السلمي: ولم يقم برحلات علمية ولا حصل على شهادات ولا إجازات وأغلب قراءته مطالعات.
ولد بتطوان يوم الإثنين ٦ صفر عام ١٣٢١هـ.
تصدر العديد من المناصب والوظائف، وقد عددها ابن الحاج السلمي؛ فقال:
اشتغل وكيلاً لجمعية الطالب المغربية بتطوان ثم رئيساً لها، وكاتباً مساعداً للجمعية الخيرية الإسلامية بها ثم كاتباً عاماً للجمعية الخيرية المذكورة، ورئيساً لتحرير جريدة الحياة وجريدة الريف، وأستاذاً بالمدرسة الأهلية الحسنية ورئيساً لمجلسها الإداري ومدرساً بالمعهد الديني وشيخاً ومدرساً بالمعهد الديني العالي وخليفة الشيخه، وعضواً في المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي وخليفة الشيخه، وخليفة لرئيس جمعية الصحافة، ومستشاراً لنقابة الأساتذة الرسمية، ومديراً للمعهد الحر، وناظر الزاوية الوزانية، والكل بتطوان. وعين نقيب الشرفاء الوزانيين بالشمال، وأخيراً عميداً لكلية أصول الدين بتطوان المتفرعة عن جامعة القرويين وبقي قائماً بأعباء العمادة إلى أن أحيل على التقاعد ثم صار متقلداً مهامها بعقدة التزام إلى أن وافاه أجله المحتوم، وله قلم سيال في مجال الكتابة والتأليف بأسلوب رائق فائق، ومن المؤلفات التي خلفها:
تاريخ المغرب ط في أجزاء .. الزاوية ط منه الجزء الأول.
وسليل الثقلين ط.
والمغرب الجاهلي ط.
التاريخ العام للأطفال ط.
المقاومة المسلحة والحركة الوطنية في شمال المغرب ط.
رحلة إلى جبل العلم. فوق الصهوات الرفرف وهو تفسير لأجزاء من القرآن الكريم. عوائد الناس الباقة النضرة. آل النقسيس بتطوان. ترجمة مرويكوس. ترجمة ضون كيخوطي دي لا مانشا وتعد أول وأحسن ترجمة أعدت حول قصة الأديب الإسباني سرفانطيس العصف والريحان مكب وسوي. الرحلة الخاطفة إلى مصر. هذا بالإضافة إلى مجموعة مقالاته التي نشرها في الصحف والمجلات.
وظل على هذا النهج إلى أن وافاه الأجل المحتوم في فجر يوم الجمعة ١٥ قعدة الحرام عام ١٣٢٩هـ.
قال عنه أبو أويس: كان الشيخ في جميع أحواله لا يستصعب عسيراً ولا ينفك متفائلاً ضاحكاً بشوشاً هازلاً، لا ينكر منكراً، ولا ينتقد سلوكاً، ومن أجل ذلك اعتبروه فيلسوفاً، ومن غريب أمره أنه كان صوفياً منقطعاً في زاوية الحراق بتطوان سنوات، وألف في ذلك كتاباً سماه (الزاوية)، ثم اشتغل بالسياسة، فكان من أعضاء حزب (الإصلاح) وأصدر جريدة يومية الريف) ولم يتعرض لاضطهاد ولا مضايقة، فكان وطنياً الوطنيين، ومتعاوناً مع الإسبانيين حتى سمّى الجنرال (باريلا) - وهو ألد مع أعداء المغاربة والمسلمين - ابن) تطوان المختار) وكتب ذلك على لوحة كبيرة مزخرفة قدمها للجنرال المذكور في احتفال ومسيرة في ظروف من أصعب أيام هذه البلدة وأشدها على الأحرار، وقد رأيته بساحة الفدان يرأس الوفد، والصورة محمولة في الصف الأول إلى أن دخلوا بها قصر (المقيمية) وسلموها للمقيم ونشرت القضية مع الصورة في الصحف ومنها جريدة (النهار).
۷ - الفقيه الحسن العمراني الزرهوني حضر له درساً في الأصول بجامع القرويين.
ترجمته: هو الفقيه الشريف الحسن بن محمد العمراني الزرهوني. ولد بزاوية زرهون مدفن الإمام إدريس الأول في ٧ رجب الحرام عام ١٣٠٢هـ.
درس بفاس معقل العلم والعلماء، فتلقى صنوفاً من المعارف على: محمد بن قاسم القادري ومحمد كنون الملقب بكنيون بالتصغير، وأحمد بن الجيلالي المغاري والفاطمي الشرادي والمهدي الوزاني وجعفر الكتاني وابنه محمد وعبدالسلام ،الهواري، ومحمد بن رشيد العراقي، وعبدالعزيز بناني، ومحمد العلمي.
ثم بعد التضلع من هذا المورد اشتغل بعدة وظائف كالعدالة والخطابة والتدريس.
توفي بعد زوال الإثنين ١٤ صفر الخير عام ١٣٦١هـ بالزاوية الخياطية بإزاء جامع الأندلس العتيق بفاس القديم. ۸ - الأستاذ المؤرخ سعيد أعراب: تلقى عليه دروساً في البلاغة من كتاب (الجوهر المكنون).
ترجمته:
ترجم له شيخنا أبو أويس في الجزء ١١ من جراب الأديب السائح؛ فقال:
توفي يومه ٢٤ شعبان ۱٤٢٤ - ۲۰۰۳/۱۱/۲۰ بتطوان صاحبنا الأخ الأستاذ الفاضل الشيخ سعيد بن أحمد أعراب البوزراتي الغماري بعد مرض طويل عانى منه ضعف بصر وعصب وقد جاوز الثمانين فيما أحسب.
وقد عمل منذ قدم من قبيلته حيباً جداً في التعلم والتعليم، وهو من الفوج الأول الذي تخرج مما كان يسمى الكلية أو المعهد الديني العالي الذي أسسه الإسبان بمساعدة مغاربة كالأستاذ محمد عزيمان ومحمد داود، لتخريج القضاة والمفتين ومدرسي الدرجة الأولى، ومنذ تخرج وهو يعمل في التدريس وولع بالكتابة في الصحف فنشر مقالات مسلسلة بمجلة (دعوة الحق) (وهي أول مجلة أصدرتها وزارة الأوقاف في فجر الاستقلال)، وفي صحيفة النهار بتطوان وصحيفة الميثاق لسان رابطة علماء المغرب، وجمع من هذه المقالات كتابين عن القراءة والقراء بالمغرب طبعته دار الغرب، وآخر عن القاضي أبي بكر ابن العربي طبع أيضاً بدار الغرب، وحقق أجزاء من (ترتيب المدارك للقاضي عياض والتمهيد لابن عبدالبر، والمقصد الشريف في صلحاء الريف للبادسي، وتتمة أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض لأحمد المقري مع الدكتور عبد السلام الهراس إلى غير ذلك.
قال ملفق هذه الفهرسة ولما توفي أقيمت حوله ندوة تأبينية بمقر المجلس العلمي بتطوان وحضرها جمع من الأساتذة والدكاترة أغلبهم من تلامذته فأشادوا بجهوده وأعماله ولما كنت من بين المشاركين في هذه الندوة ألقيت قصيدة أشدت فيها بجهود السيد سعيد أعراب في مجال الترجمة والبحث، فقلت:
سعید غـدا فـي الـتـراب دفـيـنـا … فصار صداه بـقـلـب أنـيـنـا
۹ - الفقيه الصادق الريسوني : تلقى عليه دروساً في مختصر خليل كتاب الطهارة والحكم لابن عطاء الله السكندري.
ترجمته: هو الفقيه القاضي محمد الصادق بن المختار الريسوني الحسني العلمي.
۱۷ ولد في ربيع الثاني بمدينة شفشاون عام ١٢٨١هـ ودرس العلم والمعارف الإسلامية بتطوان وشفشاون وفاس على ثلة من أحمد بن الطيب بن الأمين العلمي وأحمد بن محمد بن علوش، وأحمد الرحموني ومحمد بن محمد بن عمران ومحمد بن التهامي الوزاني والمهدي الوزاني وأحمد بن محمد ابن الخياط، وجعفر الكتاني وولده محمد وعبد العزيز بناني وأحمد بن خالد الناصري السلاوي . . وفور تخرُّجه وتأهله تقلد وظائف ومناصب تليق به كالعدالة والإفتاء والتدريس والقضاء.
من العلماء الأعلام: وكان رجلاً شجاعاً جريئاً لا يخشى أحداً له في ذلك مواقف تذكر. كم أسمعنا بعضها شيخنا أبو أويس.
وكان خطيباً مفوها، وذو نكتة ودعابة في دروسه التعليمية والوعظية، وشيخنا أبو أويس يحتفظ بطرائف مضحكة يخلل بها أحياناً صفحات من مجاميعه وكانينشه، في حين أنه لم يعتن بالكتابة والتأليف كباقي علماء عصره وأقرانه، وما خلف في هذا المجال إلا بضع رسائل، وطرر وفتاوى، وهي: الدر المكنون في ترجمة الزعيم ابن ريسون ط بشفشاون بعناية حفيده علي بن أحمد بن الأمين الريسوني والسر المصون في شرح أبيات سيدي عبدالسلام ابن ريسون بسط الحديث فيه عن بعض تاريخ المغرب من المائة الرابعة عشرة إلى آخر عمره الرد على من أجاز التحية برفع اليد (وهو رد على الفقيه أحمد الرهوني، منشور في حلقتين طويلتين بجريدة الوحدة المغربية)، خطب الجمعة فتاوي وأحكام فقهية مبثوثة بأيدي الناس، أوراق في تعيين الحرم المشيشي عرفا وشرعاً!؟ ونبذة في حوادث صدرت في العصر النبوي تدل على قرب قيام الساعة، دروس مكتوبة على تحفة ابن عاصم محفوظة بخزانة حفيده الأستاذ المنتصر رحمه الله.
توفي رحمه الله قبيل فجر يوم الجمعة ٢٦ ربيع الثاني عام ١٣٧٦هـ. 10 - الأستاذ النحوي محمد الزكي الحراق السريفي: تلقى عليه دروساً في الألفية.
١٠- الفقيه محمد الزكي بن محمد الحراق.
ترجمته: هو الفقيه محمد الزكي بن محمد الحراق. ولد بقبيلة أهل سريف مدشر الصفصاف التابعة لإقليم العرائش بناحية الشمال. وذلك حوالي عام ١٣١٤هـ. أدخل الكتاب فتعلم الكتابة والقراءة وحفظ القرآن، ثم اشتغل بالعلم، فجد واجتهد في تحصيله إلى أن برز وبرع.
وتقلب في عدة مناصب ووظائف منها:
في سنة ١٣٥٨هـ عين مدرساً بالمدرسة القرآنية الحسنية بتطوان. وبعد مرور نحو أربع سنوات عين كاتباً مساعداً بوزارة العدلية. وفي تاريخ ١٩٥٣ أسندت إليه وظيفة الإفتاء بقرار وزيري. وهكذا استمرت حياته العلمية إلى أن انتقل إلى جوار ربه.
۱۱ - الفقيه عبدالرحمن الأزمي تلقى عليه دروساً في الأصول من كتاب جمع الجوامع.
ترجمته هو الفقيه عبدالرحمن بن محمد الأزمي الإدريسي. : ولد بقرية البيين بقبيلة الحوز في يوم الجمعة ١٤ صفر ١٣٢٤هـ. وتلقى صنوفاً من العلوم والمعارف على صفوة من العلماء بتطوان وفاس، منهم:
السعيد بن أحمد بن عجيبة، وعبد السلام بن عبد القادر بن عجيبة وأحمد الزواقي، وأحمد الرهوني، ومحمد الفرطاخ، والطائع ابن الحاج السلمي، وعبدالله الفضيلي، والعباس بناني، وعلال الفاسي، ثم تقلد مناصب ووظائف تمثلت في التدريس والعدالة والإفتاء والقضاء.
واشتغل أيضاً بالكتابة، فخلف منها النفحات العنبرية في حكمة المحذوف من المصاحف العثمانية والمنهل الصافي على الكافي في علمي (العروض والقوافي)، وتقييد في بيع الجزاف ... وتوفي رحمه الله بتطوان مساء يوم السبت ٢٢ صفر الخير عام ١٤٠٢هـ.
والبرهان، وسانده بعض النسابين من ذوي المكانة والشأن وما علينا إلا أن نقول ما أثر في هذا الباب الناس مصدقون في أنسابهم.
ولد بفاس في يوم السبت ۳۰ شعبان الأبرك عام ١٣٢٦هـ وتلقى العلوم والمعارف الإسلامية على صفوة من أعلام العصر، والله أعلم.
أمثال: والده عبدالصمد كنون، وعمه محمد بن التهامي كنون، وأحمد بن محمد أبو العيش المعروف بالفقيه ،مصباح وعبدالسلام بن عبد النبي غازي، ومحمد بن عبدالسلام السميحي وأبو شعيب الدكالي، وعبد الله السنوسي.
تقلد العديد من المناصب والوظائف من تدريس وإدارة ووزارة ... وشارك في الندوات والمجامع العلمية، وألف وصنف الكتب المفيدة البديعة، منها:
النبوغ المغربي، وذكريات مشاهير رجال المغرب، وأدب الفقهاء، ومذكرات غير شخصية وأمراؤنا الشعراء، وواحة الفكر، وتفسير سور المفصل من القرآن الكريم، وظل يصول ويجول في ساحة العلوم والمعارف إلى أن وافته المنية بمدينة طنجة صباح يوم الأحد ٥ حجة الحرام عام ١٤٠٩هـ.
١٢- الفقيه الأصولي العربي اللُّوه: تلقى عليه دروساً في الأصول من جمع الجوامع بحاشية العطار.
ترجمته: هو الأستاذ الفقيه الأصولي العربي بن الحاج علي اللُّوه. ولد سنة ١٣٢٣هـ بقرية تِعَنِمين من قبيلة بقيوة إحدى قبائل الريف. وكان ولوعاً بالعلم منذ صغره تواقاً للنهل من حياضه، فتلقى معارفه من أعلام عصره أمثال : ثلة عن محمد الطاهر بن عاشور ومحمد الصادق النيفر، وصالح المالقي، ومحمد الزغواني، ومحمد الهادي العنابي، والصادق الشطي ... ولجده واجتهاده و نبوغه نال شهادة العالمية من كلية الزيتونة بتونس عام ١٣٤٨هـ بتزكية الأساتذة الشيوخ: أحمد بيرم، ومحمد الطاهر بن عاشور، ومحمد رضوان، وصالح المالقي.
وبعدها تقلد وظائف سامية ببلده منها القضاء والوزارة والتدريس وكان له حظ لا يغمط في مجال التأليف والكتابة؛ حيث صنف كتاباً في أصول الفقه، وكتاباً في العقائد سماه الرائد في علم العقائد، وكتاباً في المنطق سماه: المنطق التطبيقي، وكتاباً في تاريخ المقاومة سماه: المنهال في كفاح أبطال الشمال. وكلها مطبوعة.
ثم توفي رحمه الله بمستقره بتطوان صباح يوم الخميس ٢٢ ذي القعدة الحرام عام ١٤٠٨هـ.
١٣- الفقيه عمر الجيدي الغماري: تلقى عليه دروساً في الجغرافية الإقليمية.
ترجمته: هو الأستاذ الفقيه عمر بن العربي الجيدي الغماري، ولد حوالي سنة ١٣٣٢هـ.
نشأ بقبيلته بني زيات (قرية تجساس حيث حفظ القرآن وتلقى مبادئ القراءة والكتابة. ثم رحل إلى مدينة تطوان فلازم حلقات الدرس على شيوخها وأساتذتها أمثال: الفقيه محمد بن عبدالصمد التجكاني، والفقيه محمد بن تاويت والفقيه محمد الطنجي، والفقيه العربي اللوه والدكتور تقي الدين الهلالي، والفقيه التهامي الوزاني. وبعد التزوّد من معين العلم والمعرفة تصدر للتدريس والإفادة. وظل كذلك إلى أن انتقل إلى جوار ربه.
١٤- الفقيه الزاهد محمد بن عمر ابن تاويت الوادراسي: عليه تلقى حفظ القرآن؛ بل أتمه حفظاً وضبطاً وتصحيحاً وتحقيقاً.
١٥- الفقيه محمد بن الراضي الحسّاني: كذلك تلقى عليه مبادئ القراءة والكتابة والحساب.
ترجمته: هو الفقيه المقرئ محمد بن عمر بن عبد السلام بن المعلم عمرو بن علي بن محمد ـ فتحاً ـ المدعو المرابط بن موسى بن محمد ابن تاويت (نسبة إلى تاوَيْتِش وهو مدشر من قبيلة وادراس التي تبعد عن مدينة تطوان بنحو (١٤ كلم) الوادراسي ثم التطواني. كان الطلعة، بهي، تعلو وجهه نضرة الوقار، وهو من أشبه الناس بالشيخ محمد بن الصديق الغماري شيخ الزاوية الصديقية الدرقاوية بطنجة. كان محمود السيرة في التربية والتعليم، ومن مزاياه في هذا المجال أنه الصبي بالنظرة. كان يربي شيخ القراء بتطوان؛ حيث جل علماء وقته تخرجوا على يديه في الحفظ وضبط الرسم القرآني.
وهو والد العالمين الجليلين: العلامة القاضي أحمد ابن تاويت (ت ١٤١٤هـ)، والأستاذ الأديب اللغوي محمد ابن تاويت .
ومنهجه في التعليم بمكتبه هو أن التلميذ إذا استظهر القرآن الكريم فإنه يأمره بحفظ المتون العلمية كمختصر خليل والآجرومية وابن عاشر ...، ثم يأمره بقراءة الدروس الابتدائية خارجه في أوقات مناسبة على أنه يعود للكتاب بعد ذلك، وإذا ظهرت على تلميذ مخايل النجابة ودلائل الذكاء والفطنة أمره بإلقاء دروس أولية بالمكتب بعد صلاة العصر فكان كتابه لذلك بمثابة مدرسة علمية).
نص على هذه الطريقة تلميذه الفقيه محمد داود في كتابه على رأس الأربعين.
١٦- الأستاذ محمد زيان الوادراسي الطنجاوي أتم بحضرته حفظ بعض المتون العلمية كالأجرومية، والمرشد المعين على الضروري من علوم الدين وألفية ابن مالك، وبعض مختصر خليل في الفقه المالكي. الخط متقن الحفظ.
وظل على هذا النهج إلى أن لقي ربه يوم الإثنين ٤ رمضان عام ١٣٦٤هـ ودفن بالمقبرة العمومية بباب المقابر بتطوان قرب ضريح سيدي علي الفحل
١٧- الفقيه محمد بن حمو البقالي الأحمدي: تلقى عليه دروساً في البلاغة بالجوهر المكنون.
ترجمته: هو الفقيه السيد محمد بن حمو البقالي الأحمدي. ولد بقرية المويزة من قبيلة بني أحمد من إقليم شفشاون عام ١٩١٨م/ موافق ١٣٣٩هـ.
نشأ بقبيلته المذكورة حيث حفظ القرآن وتلقى مبادئ العلم الأولية، إلى أن التحق بالمعهد الديني بشفشاون الذي نهل منه مختلف العلوم الإسلامية من نحو وبلاغة وتوحيد وفقه وظل به إلى أن كرع من حياضه وبز زملاءه وأقرانه.
ومن مشايخه الذين استفاد منهم وانتفع بهم : المفضل بن زروق ومحمد البقالي، ومحمد بن عياد، وأحمد الزواق، وأحمد الرهوني، ومحمد الفرطاخ والتهامي الوزاني، ومحمد اللبادي، وعبد الله ،کنون ومحمد عزيمان، والعربي اللوه. وبعد تخرجه امتهن التدريس بالمعهد الديني بتطوان. وظل به إلى أن اخترمته المنية ..
١٨-الفقيه محمد المصمودي: تلقى عليه كتاب (كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لابن الأجدابي، وجزء عم بتفسير الشيخ محمد عبده
١٩-الفقيه الفرضي، العروضي المؤقت محمد البقاش السعيدي: تلقى عليه دروساً في الألفية، والمرشد المعين لابن عاشر. ترجمته : هو الفقيه المتفنن محمد بن عبدالرحمن بن الحسن البقاش السعيدي.
ولد عام ١٣٢٨هـ بقبيلة بني سعيد من عمالة تطوان في شمال المغرب.
نشأ بقريته حيث تلقى مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن، ثم رحل إلى فاس، فدرس على علمائها ومشايخها أمثال أبي الشتاء الصنهاجي، والعباس بناني ثم رجع إلى تطوان ليمارس مهنة التدريس والتعليم، التي نذر نفسه لها -إلى أن انتقل إلى جوار ربه.
٢٠- الأديب الكاتب الناثر الشاعر الفقيه محمد بن أحمد علال البختي المدعو ابن علال : درس عليه أوائل ألفية ابن مالك في النحو.
ترجمته: هو الفقيه العلامة، الأديب اللغوي، الأستاذ النحوى أحمد بن علال البختي العمراني، أصله من مدشر علالش بقبيلة ودراس قدم أبوه تطوان واشتغل فيها بالتدريس والإمامة وولد له المترجم (حوالي ١٣٣٠هـ) وبقية أولاده.
٢١- الأستاذ السيد المختار الناصر الغماري) (المعروف بالعَزْرِي) (۲) : تلقى عنه دروساً في النحو بالزاوية الفاسية بالطرنكات.
أخذ العلم عن علماء تطوان ولم يخرج منها ولكنه لفرط ذكائه برز في علوم وأتقن منها المنثور والمنظوم، وتعاطى العدالة والتعليم، وكان مديراً لمدرسة الخطيب، وتزوج وأنجب إلى أن اعتورته أمراض قضى منها وهو سائر في الطريق يوم الإثنين ٧ شعبان ١٤١٠هـ موافق ۵ مارس ۱۹۹۰م عن سن يناهز الثمانين وأقبر يوم الثلاثاء بمقابر تطوان. ،
قال أبو أويس ولهذا الأديب حفظه الله فكر وقاد، وقريحة سخية مبدعة، ونفس رفيع في المنظوم والمنثور، ولكنه لإنتاجه، غير محتفل ببنات فكره، أيتمهنّ وهو حي بينهن يرزق وكسل عن الاهتمام بهن وهو موفور الصحة والسلامة، راتع في بحبوحة العز والكرامة، ولله در أبي الطيب:
ولم أر في عيوب الناس عيباً … كنقص القادرين عـلـى الـتـمـام
ونحفظ له بيتين من قصيدة ،بديعة غالتها أظفار الضياع، يرثي بها أستاذه الفقيه محمد الفرطاخ في جماعة من الأساتذة حبّروا النظم والنثر محمد بن أحمد في رثاء المذكور، ولكن الأديب البختي بذهم، والبيتان هما
قدحت الشجون بقلب الشجي ورقرقت … دمعاً من المهج وأيبســت بلـة مــا بــالـحـشــا
وقد تذكرت بيتا آخر وهو بعد أبيات:
لقد كان بدراً منيراً أضــا به … الساري في القفر واللجج
٢٢- الفقيه محمد الفرطاخ تلقى عليه أبواباً من صحيح من صحيح البخاري، ومجالس من همزية البوصيري بشرح بنيس.
ترجمته: الفقيه العلامة محمد بن محمد الفرطاخ. ولد بقبيلة جبل حبيب في شهر ربيع الأول سنة ١٢٨٨هـ. فطر منذ نشأته على محبة العلم وأهله؛ فتلقى علومه على أعلام أساتذة منهم: محمد بن جعفر الكتاني وهو عمدته، وأحمد الزواقي، وأحمد الرهوني، وأحمد بن الجيلالي المغاري، وأحمد بن الخياط، والعباس بناني ... ولما برز ،وتخرج تصدر للتدريس والتعليم فاستفاد منه العديد من التلامذة، منهم: محمد بن عبدالصمد التجكاني، الأمين بوخبزة، محمد داود.
واشتغل بالتأليف أيضاً، فخلف منه أرجوزة في صحيح البخاري، وأخرى في العقيدة الأشعرية وهما مطبوعتان ورجز طويل جداً ذيل به ألفية السيوطي، وتقاييد وفتاوى.
وقد كان رحمه الله متمرساً في التدريس له نفس طويل في تقرير الدروس وتيسيرها خصوصاً الحديثية منها؛ بحيث لا يوجد بتطوان من يماثله في تدريس كتب الحديث كالبخاري وألفية السيوطي. بيد أنه كان مزاجي الطبع يلبس لباس التقليد ويفضله، ولا يرضى بالمخالف وينبذه.
وهذه شهادة سمعتها من أبى أويس.
انتقل إلى جوار ربه يوم الأربعاء ۲۱ ذي الحجة ١٣٦٩هـ موافق ٤ أكتوبر ١٩٥٠م.
٢٣- الفقيه محمد بن عبدالله القاسمي: تلقى عليه أبواباً من ألفية ابن مالك.
ترجمته: هو الفقيه العدل المدرس الحاج محمد بن عبد الله القاسمي.
أصل عائلته من قبيلة الحوز، ووالده هو الذي انتقل منها إلى تطوان وقد ولد المترجم بتطوان عام ۱۳۱۱هـ ، وقرأ بعض القرآن، ثم اشتغل مع والده بحرفة الحدادة، ثم تركها وأكب على قراءة القرآن حتى حفظه، ثم شرع في قراءة العلم على شيوخ تطوان وكان السارد الدائم للفقيه الرهوني. وفي ربيع الأول سنة ۱۳۳۸ ارتحل إلى فاس، وأقام فيها طول مدته بمدرسة الصفارين، ثم استقل في بيته منفرداً.
وكان ملازماً لدروس العلامة الفاطمي الشرادي، وقد سرد عليه كتباً متعددة، وقد قرأ أيضاً على غيره من شيوخ القرويين، ثم رجع إلى تطوان، فاشتغل بحرفة العدالة وبالتدريس بالمعهد الديني (الجامع الكبير)، وقد وقع إقبال على دروسه، وخصوصاً من طلبة البادية، وذلك لبساطة عبارته وعدم تطويله. ثم تولى نيابة القضاء بتطوان أيضاً.
وتوفي في رابع محرم عام ١٣٨٧هـ موافق ١٩٦٧/٤/١٥م ودفن بمقابر تطوان.
٢٤- الفقيه محمد بن عبدالصمد التجكاني: تلقى عليه دروساً في التفسير بالجلالين وشمائل الترمذي بشرح جسوس. ترجمته : هو الفقيه محمد بن عبدالصمد التجكاني الغماري. ولد بقبيلة بني سعيد من أحواز تطوان عام ١٣١٨هـ.
نشأ في بيت ملتزم مصون أحب العلم منذ صغره، فحفظ القرآن وأتقنه بقبيلته، ثم انتقل إلى تطوان لتزويد الوطاب، بصنوف من العلم المستطاب فأخذ على أفاضل شيوخها وجلة علمائها، أمثال : الفقيه عبدالرحمن أقشار، والفقيه محمد الفرطاخ والفقيه أحمد الرهوني ...،ورحل إلى فاس لإكمال المشوار بهمة ،وحماس فاستفاد من شيوخها الأعلام، أمثال: الفقيه الحسين العراقي والعلامة إدريس المراكشي،والفقيه الفاطمي الشرادي والفقيه عبد الواحد الفاسي، والعلامة عبد الله الفضيلي ...ولما آنس من نفسه التكوين والبناء آب إلى تطوان يحمل آيات النجابة ،والسناء، فتولى بها وظائف مهمة من تدريس وخطابة، أما الكتابة فلا نعرف له إلا رسائل إخوانية، وأرجوزة في الطوائف المبتدعة، سماها: ميسرة المقلدين فى طوائف المبتدعين.
وظل على هذا النهج سالكاً، إلى أن قضى نحبه يوم السبت ٦ رمضان عام ١٤١١هـ بتطوان.
٢٥- الفقيه محمد الفحصي : تلقى عليه دروساً في تحفة الحكام لابن -عاصم.
ترجمته: هو الفقيه محمد بن عبدالكريم أقلعي الفحصي. ولد سنة ١٣٢٢هـ بمدشر قلعية بناحية طنجة. وجد في تحصيل العلوم والمعارف على صفوة علماء عصره بتطوان
وفاس، أمثال: أحمد الزواقي، وأحمد الرهوني، وأحمد بن المامون البلغيثي وعبد الله الفضيلي، ثم اشتغل بعدها بالعدالة والتدريس والقضاء والخطابة. ولم يكن له حظ في الكتابة والتأليف.
توفي رحمه الله بتطوان يوم الثلاثاء ١٧ جمادى الأولى عام ۱۷ ١٣٩٣ هـ.
٢٦- الأديب الشاعر الدكتور محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي الحسيني السجلماسي: حضر عليه دروساً في الدر المنثور للسيوطي، والاعتصام للشاطبي.
ترجمته: هو العلامة الأديب الشاعر الدكتور محمد تقي الدين الهلالي السجلماسي الحسيني. وقد قال في التعريف بنسبه : نسبة إلى هلال وهو الجد الحادي عشر، ونسبتنا إلى الحسين بن علي ذكر ذلك غير واحد من المؤلفين في أنساب أهل البيت من المغاربة وأقر هذا النسب السلطان الحسن الأول حين قدم بلادنا سجلماسة سنة ١٣١١هـ.
ولدت سنة إحدى عشرة وثلاثمائة وألف في آخرها أو في أول التي تليها، بقرية تسمى الغريفة، وتسمى أيضاً الفرخ من بوادي يفلي بسجلماسة. طلب العلم بجد واجتهاد وصال وجال في شتى البلاد.
٢٧- الأستاذ الأديب محمد العربي الخطيب: تلقى عليه دروساً في السيرة والتفسير.
ترجمته: هو الأستاذ الأديب المفسر محمد العربي بن أحمد الخطيب.
ولد بتطوان سنة ١٣٠٣هـ.
وترجمته: محمد بن الأبار، أحمد الزواقي أحمد الرهوني، عبد العزيز بناني، عبدالصمد كنون أبو شعيب الدكالي عبدالسلام الهواري، أحمد بن المامون البلغيثي، أحمد بن الخياط الزكاري أحمد بن الجيلالي المغاري، رشید رضا.
طلب العلم وفنونه منذ الصغر على عدة مشايخ منهم:
وكان له نشاط اجتماعي ملحوظ ببلده بالإضافة إلى نشاطه العلمي والصحافي بحيث خلد له ذكراً حسناً بين الأهالي.
وكان له حظ وافر في الكتابة والتأليف فخلف في هذا المجال:
فتح الرحمن الرحيم في فهم القرآن العظيم في مجلد واحد أتم فيه سورة الفاتحة والبقرة خ.
الأرجوزة القرآنية ط.
الإرشاد المفيد لبيان بعض معاني كلمة التوحيد ،ط
الرحلة الحجازية في الأخلاق والتقلبات النفسانية خ.
ديوان شعري خ.
توفي رحمه الله بتطوان زوال يوم الثلاثاء ۲۰ ذي القعدة الحرام عام ١٤٠٠هـ.
٢٨- العلامة الأديب السلفي محمد بن العربي العلوي: حضر له دروساً في أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي المعافري بجامع القرويين.
ترجمته: هو العلامة الأديب السلفي محمد بن العربي العلوي الفيلالي.
ولد بمدغرة في ٧ ذي الحجة عام ١٣٠١ استقى معارفه من صفوة علماء عصره، منهم:
محمد بن قاسم القادري، أحمد بن الخياط الزكاري، أحمد بن الجيلالي المغاري الفاطمي الشرادي أحمد بن المامون البلغيثي، المهدي الوزاني، محمد بن جعفر الكتاني، أبو شعيب الدكالي كان جريئاً شجاعاً مجتهداً لا مقلداً، سلفياً مصلحاً.
تقلب في عدة مناصب ووظائف منها: قضاء فاس الجديد، رئاسة الاستئناف بالرباط، وزارة العدلية.
لم يكن له اعتناء بالكتابة والتأليف وجل ما يعرف له في هذا المجال: مقطعات شعرية ومحاضرات كان يلقيها بمحطة الإذاعة العربية بالرباط أثناء الحرب العالمية الثانية تحت عنوان : الوفاء بالعهد. التحق إلى جوار ربه بفاس عشية يوم الخميس ٢٢ محرم الحرام ١٣٨٤هـ.
٣٢ - الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني: تلقى عنه أبواباً من السنن الكبرى لأبي عبد الرحمن النسائي أثناء زيارته لمدينة تطوان.
ستأتي ترجمته ضمن شيوخ الرواية.
٢٣-شيوخ المذاكرة والدراسة:
١ - الحافظ الفقيه أحمد بن الصديق الغماري استفاد من مجالسته التي حفلت بالمذاكرات العلمية والفوائد المستطابة الجنية، ثم انتفع بأجوبته النافعة المضمنة في مراسلاته المتكاثرة التي تجاوزت المئة. هو الحافظ العلامة أبو الفيض أحمد محمد بن الصديق الغماري الحسني.
ولد يوم الجمعة سابع وعشرين رمضان سنة عشرين وثلاثمائة وألف بقبيلة بني سعيد.
نشأ بطنجة وترعرع بها. ولما بلغ خمس سنين أدخله ـ والده ـ إلى المكتب لحفظ القرآن على أحد تلامذته في العلم والطريق وهو الفقيه العلامة السيد العربي بودرة الغربي ثم لما كان له من العمر تسع سنين وقد أشرف على حفظ القرآن توجه والده لأداء فريضة الحج وذلك سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف فأخذه - والده - كسائر العائلة معه، وعقب الرجوع من الحج شرع في إكمال حفظ القرآن على الفقيه المذكور، فأمره بحفظ الأربعين النووية وحفظ متن الأجرومية والمرشد المعين والسنوسية وأكثر ألفية ابن مالك وبعض مختصر خليل وكان يقرأ معه آخر النهار قبل الانصراف من الكتاب -الآجرومية بشرح الأزهري والمرشد المعين بشرح ميارة الصغير وشرح السنوسية والأربعين النووية لجامعهما ...
ثم انتقل إلى بلده الغربية، فقرأ ختمة من القرآن العظيم على الفقيه عبدالكريم البراق الأنجري وكان يتقن علم الرسم فأتقن عليه ذلك بنظم الخراز وشرحه فتح المنان لعبد الواحد بن عاشر ثم أمره والده بحفظ جوهرة التوحيد لإبراهيم اللقاني والبيقونية في المصطلح فحفظها ثم أمره بحفظ ألفية العراقي فحفظ أكثرها وهو في كل هذه المدة يحضر دروس والده في مختصر خليل وصحيح البخاري بالجامع الأعظم بطنجة ومجالس مذاكرته بزاويته ويلازمه في البيت في علوم جمة من تفسير وحديث وفقه على المذاهب الأربعة وتصوف وتاريخ وتراجم الأئمة والعلماء والصوفية والعارفين ورجال الحديث وغيرهم على سبيل المذاكرة وإرادة التخلق بأخلاقهم والاهتداء بهديهم والتشوق إلى مراتبهم ...
ثم استمر هكذا إلى أن قرأ كتاب (شفاء الأسقام والآلام بما يكفر ما تقدم وما تأخر من الذنوب والآثام) لشيخه محمد بن جعفر الكتاني الذي فتح له الباب أمام علم الحديث وأصوله؛ ككنز العمال، ومشكاة المصابيح، والتيسير شرح الجامع الصغير وشرح إحياء علوم الدين، واللآلئ المصنوعة، والمقاصد الحسنة، والقول المسدد وغيرها مما أدى به بعد العكوف عليها إلى حفظ أكثر ما في تلك الكتب واستحضاره مع ما في شرح المناوي على الجامع الصغير من تصحيح وتحسين وتضعيف وكلام على الرجال ...
بعد هذا كله أرسله والده إلى القاهرة قصد الدراسة بالأزهر، فدرس النحو على الشيخ محمد إمام السقا وحسن حجازي، بالإضافة إلى الفقه المالكي، والتفسير وصحيح البخاري على الشيخ محمد بخيت المطيعي ولم يتم السنتين حتى كانت له ملكة تامة في بعض العلوم كالنحو مثلاً .... أما علم الحديث فلم يحضره على أحد قط ؛ بل اعتمد فيه على مطالعته الشخصية وسبره لكتب الرجال والتخريج، وهكذا كان دأبه في البحث والدرس حتى احتاج إليه أساتذته وشيوخه، وألف في فنون وعلوم متنوعة كتباً ومؤلفات بديعة، منها:
المداوي لعلل المناوي، الهداية في تخريج أحاديث البداية، فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب الإجازة للتكبيرات السبع على الجنازة، الأخبار المسطورة في القراءة ببعض السورة ، الأمالي المستظرفة على الرسالة المستطرفة، المسهم بطرق حديث طلب العلم فريضة على كل مسلم له شيوخ كثيرون ذكرهم في البحر العميق أربوا على المائة، ثم بعد ذلك تصدر للتعليم والتدريس فتخرج على يديه خلق من الناس. وخط قلمه السيال العديد من التآليف أغلبها رسائل وأجزاء صغيرة، منها:
الصبح السافر في تحرير صلاة المسافر التوقي والاستنزاه عن خطأ البناني في معنى الإله فضائل النبي في القرآن نهاية الآمال في صحة حديث عرض الأعمال كتاب الرؤيا في الكتاب والسنّة، الإحسان في تعقب الإتقان للسيوطي تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة، الأحاديث المختارة في الأخلاق والآداب المسمى الغرائب والوحدان.
توفي رحمه الله بطنجة سنة ١٤١٣هـ ودفن بزاوية والده.
ترجمته: هو الشيخ بن موسى المنبهي: استفاد من صحبته ومجالسته حيث كان لا يضن عليه بمعارفه أثناء المذاكرة ومن تواضعه أنه كان يملي عليه أشعاره وقصائده من أجل التقويم وابداء الرأي. فكانت مجالسه هذه بمثابة حلق الدرس العلمية، وأبو أويس يعده عموده في الأدب والشعر. العلامة الفقيه الأديب الشاعر محمد بن موسى المنبهي المراكشي داراً ونجاراً، التطواني وفاة وقراراً.
ولد بمراكش في أوائل القرن الرابع عشر الهجري سنة ١٣٠٠هـ تقريباً.
وتلقى العلوم الإسلامية على مشاهير علماء عصره أمثال : أحمد بن محمد الخياط الزكاري وأحمد بن المامون البلغيثي ثم تقلب في مهن متعددة من تجارة وكتابة بالباشوية، وأمانة الجمارك بالعرائش، إلى وزارة الأوقاف بتطوان.
وقد كان علامة مشاركاً في مختلف ضروب المعرفة؛ لكن أحب الشعر والده، ومحمد بن جعفر الكتاني، ومحمد بخيت المطيعي، وعمر حمدان المحرسي.
توفي رحمه الله يوم الأحد فاتح جمادى الثانية سنة ثمانين وثلاثمائة وألف جراء مرض القلب العضال الذي كان يكابده في منفاه الأخير بمصر.
۲ - الشيخ عبدالله بن الصديق: استفاد من أجوبته العلمية التي ضمنها بضع مراسلات ربطت بينهما المعرفة الإسلامية والعطاء العلمي
ترجمته: هو العلامة الأصولي المحدث عبدالله بن الصديق الغماري الحسني.
ولد بطنجة يوم الخميس غرة رجب الفرد سنة ١٣٢٨هـ. وبعد أن أدرك سن التمييز صار يتلقى مبادئ الكتابة والقراءة ويدرس القرآن الكريم بزاوية والده بطريق القادرية على الفقيه السيد محمد البراق الأنجري وعلى الفقيه السيد محمد الأندلسي المصوري وعليه استظهر الذكر الحكيم.
وبعد مغادرة الكتاب تلقى العلوم الشرعية الشريفة على مجموعة من المشايخ، منهم:
أخوه أحمد، ووالده، وشيخ الجماعة أحمد بن الجيلالي المغاري، والفقيه أبو الشتاء الصنهاجي، والشيخ العباس بناني والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ محمد بخيت المطيعي.
وقد جد واجتهد في طلبه حتى تبرز ونال شهادة العالمية للغرباء سنة ١٣٥٢هـ، ثم شهادة العالمية الأزهرية سنة ١٣٦١هـ وهذه الشهادة تعادل الدكتوراه في النظام الحديث.
وفنونه، فأسبل عليه أستاره وفتونه حتى صار لا يعرف إلا به، وهو أهل لما ينعت به، إذ قارب في شخصيته شخصية ابن زيدون، وحلق بإنشاداته في سماء العلا ولم يرض بالدون فكان بحق مفخرة عصره بلا منازع، وشاعراً فذاً يعز أن يوجد له مثيل أو مضارع. وكان نموذجاً في العفة والنزاهة وكرم نفس مشوب بتواضع ذوي الوجاهة.
وظل رحمه الله في دهاليز الوزارة يغدي ظهائرها برائق نثره، وهي تسلبه أنفس ما يملكه طول عمره إلى أن أزف الرحيل عنها بنذير التقاعد، فغادرها فقيراً وضيعاً بعد أن سلبته الموصول والعائد. وظل كذلك يعاني الشلل إلى أن وافته المنية بمستقره تطوان في ١٢ رجب ١٣٨٥هـ ـ ٦ نونبر ١٩٦٥م. ولا يعرف له أثر مجموع سوى كنانيش ضمن فيها قصائده وأشعاره، وأما شعره فقد جمعه شيخنا أبو أويس في جزء وسط، وهو محفوظ بالخزانة العامة بتطوان. من شعره قصيدة مولدية قال فيها:
واها لعهد بأكناف الحمى سلفا … لم أستطب أسفا من بعده خلفا
ألوي فما جذوة الأشواق كاتمة … وجداً ولا الدمع في إخمادها وقفا
ويحضرونهم مجالس السماع وهم لا يميزون رغبة في علو السند متناسين أن هذا من الكذب واللغو ....إذن، فالشيخ زهد في كثرة الإجازات لأنها لا تطلب إلا من باب التبرك وربط الصلة برسول الله ، وهذا يتم بإجازة أو إجازتين، وأما العلم فطريقه التعلم والاجتهاد ولأجل هذا لم يتعد عدد مجيزيه أصابع اليد الواحدة
وقد أجازه الشيخ أحمد بن الصديق الغماري بدون طلب، والسبب تأليفه في ذلك أنه مدحه في بعض مراسلاته بقصيدة عدد فيها مجموع أحمد بها وطرب، فكانت المكافأة هي إجازته بكافة مروياته ، فأعجب الشيخ وها هو ذا نص الإجازة.
٢٤-شيوخ الرواية والإجازة:
والشيخ حفظه الله لم يهتم بالإجازات ولو اهتم بها لكان مسند عصره بلا منازع ولحصل على أعلى الأسانيد والروايات من أساطين العلماء كالبشير الإبراهيمي، وبهجة البيطار الذين زارهما في بيتيهما، والشاذلي النيفر الذي زاره بمكتبته، والدكتور تقي الدين الهلالي الذي لازمه واستفاد منه، ومشايخه الذين درس عليهم بتطوان كلهم أصحاب إجازة ورواية أمثال أحمد الزواقي، وأحمد الرهوني، ومحمد الفرطاخ ... وأكثر من هذا أن الشيخ محمد المنتصر الكتاني كان يحثه على أخذ الإجازة من نقيب الشرفاء الصقليين بفاس السيد الكبير الصقلي، لكنه لم يكترث لتحفيزه؛ رغم العلاقة ووثاقة الصلة التي كانت تربطه بالسيد الكبير من خلال الزيارات المتبادلة.
وقد أعرب عن هذا الأمر بقوله حين تحدث عن المعجم الوجيز للمستجيز، فقال: (وهو مختصر صغير وقد كتب به إلي إجازة بدون استدعاء مني وإن كنت لا أعتبر ذلك ولا أميل إلى الاشتغال به، لأنه باللعب أشبه، وليس من العلم في شيء خصوصاً إذا تناوله الإنسان على طريقة المتأخرين المتساهلين فيدلسون في الأسماء، ويستجيزون الأطفال.
٢ - الشيخ الطاهر بن عاشور أجازه مشافهة لما زاره ببيته سنة ١٣٨٢هـ. وقد تقدم الكلام عن زيارته ولقائه عند ذكر رحلاته. ترجمته: هو العلامة الفقيه المفسر اللغوي الأديب، شيخ جامع الزيتونة الأعظم محمد الطاهر بن عاشور التونسي. ولد سنة ١٢٩٦هـ / ۱۸۷۹م نشأ في بيئة علمية محافظة، ودرس وحصل، واجتهد وتحمل، استفاد وانتفع بالعديد من الشيوخ، ممن كان لهم في العلم منتهى الرسوخ منهم: جده الصدر الأعظم محمد العزيز بوعتور، وعمر ابن الشيخ، وسالم بو حاجب، ومحمد النجار، وصالح الشريف صنف جملة من التصانيف، حباها بالعلم المتقن المفيد، مثل : مقاصد الشريعة،
٣ ـ الشيخ عبدالحفيظ الفاسي: أجازه ببيت الأستاذ المؤرخ محمد داود بمصيف مرتيل سنة وبطلب من هذا الأخير بعد أن قدمه له وحلاه بالنعوت المشرفة، وكانت الإجازة شفهية لعدم توفر ظروف الكتابة، إضافة إلى أن الشيخ لم يلح في ذلك.
ترجمة الشيخ عبدالحفيظ الفاسي: هو المسند الراوية المؤرخ النسابة القاضي أبو محمد عبدالحفيظ بن الطاهر الفاسي الفهري. ولد سنة ١٢٩٦هـ. كان رحمه الله كثير الأساتذة والشيوخ سواء بالمغرب أو خارجه، منهم:
والده الشيخ الطاهر الفاسي، الشيخ محمد بن أحمد الودغيري الشهير بالغيائي، الشيخ محمد بن محمد الفيلالي الكثيري، الشيخ محمد الشيخ محمد بن محمد بن مبارك ،الجزائري الشيخ أحمد بن زين العابدين بن الهادي ،البرزنجي الشيخ جمال الدين القاسمي، الشيخ عبدالله السنوسي، الشيخ العربي المكناسي، الشيخ يوسف السويدي، الشيخ أبو شعيب الدكالي الشيخ علي بن ظاهر الوتري الشيخ عبدالمجيد الشرنوبي. وغيرهم كثير جمعهم في معجمه المطبوع باسم (رياض الجنة أو
المدهش المطرب) فبلغوا ۱۱۳ شيخاً. خط يراعه كتباً جيدة مفيدة جلها في علم الحديث أو التاريخ، ومنها المطبوع والمخطوط، وهي:
معجم الشيوخ المسمى المدهش المطرب؛ بأخبار من لقيت أو كاتبني بالمشرق أو (المغرب) أو (رياض الجنة فيمن لقيت أو كاتبني من الجلة). مطبوع في سفرين متوسطين.
الانتصار على أبي جندار ط.
خطرات مريض. ط
الآيات البينات في شرح وتخريج الأحاديث المسلسلات طبع منه الجزء الأول فقط.
التاج فيمن اسمه محمد من ملوك الإسلام. ط
المعجم الكبير المسمى خبايا الزوايا. خ في أربع مجلدات.
الترجمان المعرب عن أشهر فروع الشاذلية بالمغرب. خ بالخزانة العامة
الإسعاد لمراعاة الإسناد. ط بالرباط.
خطوات وخطرات وهي رحلته عام ١٣٢٨هـ تكلم فيها على مدن المهدية وسلا والرباط وشالة والدار البيضاء وطنجة والقصر الكبير والعرائش وتاريخ كل مدينة وعدد سكانها وأحوالهم ومَن لقي بها من الفضلاء والعلماء مع الترجمة لبعضهم . خ بالخزانة العامة بالرباط.
المهدية والمهدويون. خ
شذور العسجد في الذيل على عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد فرغ منه سنة .۱۳۲۹ رتبه على مقدمة ومقصد وخاتمة، المقدمة في ترجمة السلطان المولى سليمان، والمقصد فيه أبواب الأول في ذكر جماعة من أعيانهم أغفل ترجمتهم في الأصل مع تقدم وفاتهم واتصافهم بالعلم واشتهارهم الثاني في ذكر من أتى بعد تاريخ العناية الثالث في ذكر فذلكة جامعة لفروعهم من أصل أفرادهم إلى منتهى جموعهم، الرابع في رسم شجرة جامعة والخاتمة ترجم فيها لنفسه. يقع في مجلد وسط. خ
وابن الجد هو أبو بكر محمد بن عبدالله بن الجد الفهري المالقي الأصل الإشبيلي الوفاة المترجم له فى الطبقة الثانية عشرة من شجرة النور الزكية لمخلوف وكان انتقال أحفاده من الأندلس إلى العدوة أواسط القرن التاسع الهجري وظهر منهم جماعة أشرقوا إشراق الأقمار وظهروا ظهور الشمس في رابعة النهار.
أشهر مشاهير العائلات، وهو مطبوع في عدة أعداد من جريدة السعادة.
فلسفة تاريخ أشهر دول المغرب الأقصى وهي الإدريسية والمغراوية واللمتونية والموحدية والمرينية. خ
تأليف في البساتين الهندسية في الذب عن الشبيبة المدرسية. خ
في نحو كراسة الإنصاف في العمل بالتلغراف. خ
رسالة في العمل عند تعارض الدليلين السمعي والعقلي. خ
إتقان الصنعة في الرد على مقسمي البدعة. خ
رسالة في الكلام على الكواكب وسكانها والصعود إليها كعطارد والزهرة والمريخ إلخ وإنها صالحة للسكنى وإنها مسكونة ولا يمكن الصعود إليها وأن ما يدعيه الأوروبيين من إمكان الصعود إليها هو تخريف وتدجيل!؟ خ
رسالة في الطائفة المعروفة بهداوة وأصلهم وأحوالهم. خ
الروضة المنيفة في نسب شيخه الكتاني. خ
تأييد الحقيقة جوابا عن أسئلة مختلفة. خ
توفي رحمه الله في صباح يوم الأحد رابع وعشرين رمضان عام ثلاثة وثمانين وثلاثمائة وألف بعاصمة الرباط، ودفن بمقبرة شالة قرب جده المدفون هناك.
٤ ـ الشيخ عبدالحي الكتاني: أجازه شفهياً لما التقى به في تطوان، ووعده بالكتابة إن زاره ببيته بفاس، ولما عزم الشيخ على زيارته حالت دون ذلك فتنة الفدائيين والاتهامات التي شانت سمعة الشيخ عبدالحي بالوسط الوطني.
ترجمة الشيخ عبدالحي الكتاني:
هو العلامة المسند المؤرخ محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني الفاسي.
ولد بفاس سنة ١٣٠٠هـ، وتلقى العلم بجد واجتهاد على جملة من المشايخ الأعلام، منهم والده وشقيقه محمد بن عبدالكبير وخاله جعفر بن إدريس الكتاني، وابن خاله محمد بن جعفر. صال وجال واستجاز وأجاز، وصنف وألف، ومن تأليفه: فهرس الفهارس وهو أشهر كتبه وأكثرها فوائد، عقد الزبرجد في أن من لغا فلا جمعة له مما نقب عنه من الأخبار فلم يوجد، اليواقيت إليها وأن ما يدعيه الأوروبيين من إمكان الصعود إليها هو تخريف وتدجيل!؟ خ
رسالة في الطائفة المعروفة بهداوة وأصلهم وأحوالهم. خ
الروضة المنيفة في نسب شيخه الكتاني. خ
تأييد الحقيقة جوابا عن أسئلة مختلفة. خ
توفي رحمه الله في صباح يوم الأحد رابع وعشرين رمضان عام ثلاثة وثمانين وثلاثمائة وألف بعاصمة الرباط، ودفن بمقبرة شالة قرب جده المدفون هناك.
٥. محمد ناصر الدين الألباني: اشتهر بالحديث وعلومه وأهله فقدم إليه الشيخ مع القرى (وكان قطعاً الحبحب): البطيخ الأحمر كما أذكر رسائل مما طبع له يومئذ هدية، فاستأذنه الطالب في الرواية بالمناولة فأذن جبراً لخاطره وإتماماً معنوياً لقراه، وأذكر أن الشيخ أبا إسحاق الحويني المصري - وهو من أنجب وألمع تلاميذ الشيخ -، لم يسألني هذا السؤال وقد زرته بكفر الشيخ منذ سنوات، وأضافني وأكرمني وأهداني كتابه (تنبيه الهاجد) فأخبرته وأنا معه بمكتبته العامرة أن لي رواية عن كبار مشايخ المغرب المعاصرين وعن شيخنا معاً الشيخ ناصر، فرغب حفظه الله ونفعه في الإجازة فكتبتها له مجلساً في دفتر كبير، وعلى كل حال فمن المعلوم أن زمن الرواية انقضى على رأس الثلاثمائة، وأن السنّة جمعت ولم يبق منها شيء مجهولاً، وأن مقصود الرواية بالإجازة إنما هو التبرك بربط الاتصال بأولئك العلماء وأصولهم الحديثية تقليد علمي جرى به العمل منذ قرون فمن تبناه وحرص عليه بحسن نية فقد أحسن، وأولى وأحق بالعناية منه: حفظ المتون والتفقه فيها والاستنباط بشروطه بعد نقد الأسانيد والبحث عن العلل وما يتعلق بذلك، وهذا مجال فسيح جداً تنقطع الأعمار دون استقصائه).
ترجمة الشيخ الألباني: هو العلامة محدث العصر ومفيده محمد بن نوح نجاتي الشهير بمحمد ناصر الدين الألباني.
ولد في مدينة أشقودرة في ألبانيا سنة ١٣٣٣هـ موافق ١٩١٤م، ثم هاجر مع والده إلى بلاد الشام فراراً بدينه من الطاغية أحمد زوغو.
فتلقى العلم على والده ثم على الشيخ سعيد البرهاني وعلى الأخص العربية والفقه الحنفي. لكن الشيخ كان له ولع بعلم الحديث فانقطع إليه بجد واجتهاد وإخلاص ويقين صادق، فبرز فيه ونبغ، وأفاد وأجاد، حتى صار مدرسة في هذا الفن بالعصر الحاضر لما تميز به من منهج رصين في البحث، وأسلوب قويم في الكتابة تمخضت عنه مؤلفات ورسائل ملأت السهل والوعر وأشهرها سلسلتاه الذهبيتان الصحيحة والضعيفة، اللتان فنى فيهما عمره كي يذب عن رسول الله الله الكذب والانتحال. رحمه الله وأثابه، وأسكنه فسيح جناته.
توفي رحمه الله في عمان عصر يوم السبت الثاني والعشرين جمادى الآخرة سنة ١٤٢٠هـ.
وقد أسف لموته محبوه من العلماء ورثاه الشعراء والأدباء، ومنهم: أخونا الدكتور قطب الريسوني، قال : وفاة محدّث العصر محمد ناصر الدين الألباني فاجعة تستجيش القرائح الجامدة، والخواطر الكليلة، وكيف لا والراحل عنا سالت أقباس من مغزله واخضوضرت حروف في سلاله فأضاء واحترق، وأخصب واكتوى ... إلى روحه الطاهرة المرفرفة أهدي هذه الضمة من الزقزقات:
لقد رحل الحادي وناحت .. وحم قضاء واثبتنا مخالبه
كتائبه معاهد من بعد الرحيل توحشت …فما ازدان غصن أو تهادت ذوائبه
٦- ويروي تدبيجاً عن الشيخ صفاء الأعظمي:
والشيخ صفاء هو أبو أوس صفاء الدين بن حمدي بن مهدي بن الحاج إسماعيل الدباغ الأعظمي البغدادي. ولد سنة ١٣٦٦ هجرية (١٩٤٧/١٢/٠٤م)، بمحلة الشيوخ بأعظمية النعمان بن ثابت صاحب المذهب المشهور، وتلقى العلوم العقلية والنقلية على أكابر علماء العراق، منهم :
۱ - علامة العراق الشيخ عبدالقادر الخطيب بن عبدالرزاق القيسي ثم الأعظمي البغدادي، المتوفى (۱۳۸۹هـ ـ ١٩٦٩م ، ودرس عليه بجامع الإمام الأعظم : القراءات السبع، فأجازه إجازة خطية بقراءة عاصم (١٣٨٥هـ - ١٩٦٥م)، ثم بالقراءات السبع (١٣٨٨هـ - ١٩٦٨م)، ثم قرأ عليه القراءات الثلاث المتممة للعشرة من طريق الدرة للإمام ابن الجزري المتوفى ٨٣٣هـ. كما درس عليه الفقه الحنفي بكتاب مراقي الفلاح بشرح نور الإيضاح للشر مبلالي الحنفي المصري، والنحو بالآجرومية، وألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل وقطر الندى لابن هشام الأنصاري. وكان المترجم كثير الملازمة لشيخه عبد القادر الخطيب حتى تخرج به وبرز في علم القراءات.
٢ - والشيخ نجم الدين الواعظ الشافعي وقرأ عليه الفقه الشافعي بمتن الغاية والتقريب بجامع عبدالعزيز العساف، بالأعظمية.
٣ - والشيخ هاشم الأعظمي البغدادي الحنفي، ودرس عليه النحو والفقه.
٤- والشيخ المقرئ الفقيه شاكر رشيد الشيخلي الحنفي مفتي الجيش العام، ودرس عليه التجويد بمسجد الشاه بندر بالأعظمية، وأفاد منه كثيراً.
٥- والشيخ معتوق بن محمود الأعظمي البغدادي الحنفي، ودرس عليه التجويد، واستفاد منه كثيراً.
٦ - الشيخ وحيد الدين الهندي إمام وخطيب مسجد سلمان الفارسي رضي الله عنه، وسمع منه الفقه الحنفي.
ومن شيوخه المصريين الذين درس عليهم الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة والشيخ محمد سيد طنطاوي والشيخ عبدالله بن محمود شحاته، وكانوا قد انتدبوا للتدريس بكلية الإمام الأعظم ببغداد.
وسمع بعض الفقه الحنفي من الشيخ مولود التركي، الحاصل على دكتوراه الفقه المقارن من جامعة الأزهر.
وأجازه شيوخ آخرون إجازات خطية بقراءة عاصم، فمن العراقيين: الشيخ حقي علي غني، شيخ علماء كركوك، والشيخ محيي الدين الخطيب، وأكرم بن عبدالوهاب الموصلي، وأجازه أيضاً إجازة خطية بمروياته من كتب القراءات.
ومن المصريين: الشيخ المقرئ إبراهيم المنصوري، عضو المقارئ المصرية.
ولما توجه إلى بلاد المغرب الأقصى عام (١٤١٩هـ ـ ١٩٩٨م)، وجالس بعض شيوخ القراءات ،به وتحققت لهم أهليته العلمية، أجازه منهم إجازة خطية بالقراءات السبع، فمنهم الشيخ محمد بربيش أستاذ كرسي القراءات بمسجد السنة بالرباط، والشيخ محمد السحابي، أستاذ القراءات بجمعية أبي شعيب الدكالي، بسلا. وقد أجازهما هو كذلك. وأخذ عن المترجم جماعة لا يحصون كثرة، وأجاز بعضهم إجازات خطية بروايات مختلفة:
- فمن العراق القارئ محمد محمود العزاوي وعامر بن شاكر الكبيسي وجمال الكبيسي وعبدالمعز شاكر الأعظمي.
- ومن أهل الأردن: الشيخ كامل لاله مقرئ مسجد الحسين بعمان، ومن أهل فلسطين شادي بن خالد خريج جامعة بغداد.
- وأجاز من أهل المغرب برواية ورش: الباحث إدريس بن محمد العلمي السجلماسي نزيل القنيطرة، والعلمي حجاج إمام وخطيب مسجد بدر بطنجة، وأحمد بابا العلوي مقدم البرنامج الإذاعي (كيف نقرأ القرآن وحسن جعيط مقدم البرنامج التلفزي (في رحاب القرآن)، وعبدالكريم الدغوش من سلا، والشيخ عبدالعزيز القصار، والحسن الطالب كلاهما من قراء فاس، وأجاز بالقراءات السبع : الباحث مصطفى بن علال هديمان المراكشي.
- وأجاز من أهل ماليزيا: الشيخ حسن الأزهري، ومحمد إدريس السنوسي. وكذا أجاز جماعة من الفضلاء بمروياته لكتب القراءات منهم: منهم. العلامة الفقيه أبو أويس محمد بوخبزة الحسني التطواني، وتدبجا معاً، والأساتذة : إدريس بن الضاوية وتوفيق الغلبزوري والحسن بن محمد العلمي، وأخوه إدريس، وكلهم مغاربة.
وقد شغل المترجم مناصب علمية في العراق، فعين أستاذا لكرسي القراءات بجامع الإمام أبي حنيفة بأمر وزاري سنة ١٣٩٩هـ - ۱۹۷۹م)، ومستشاراً لجمعية القراء العراقيين وخبير القراءات فيها، ورابطة قراء العالم الإسلامي (سنة ١٩٩٣م).
وفاز بجوائز في مسابقات دولية لتجويد القرآن الكريم، ففي سنة (١٩٩٤م) فاز بالجائزة الأولى في مسابقة التجويد بالمغرب، على مستوى قراء الوطن العربي، وفي سنة (١٩٩٥م) فاز بالجائزة الثالثة بالمغرب على مستوى قراء العالم الإسلامي.
كما شارك في محاضرات وندوات علمية عدة مرات في مجال اختصاصه بالجامعات ،المغربية منها جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، وجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وجامعة المولى إسماعيل بمكناس. وألقى دروساً عدة مساجد، ودور القرآن ومعاهد العلم، بالقنيطرة وخارجها.
وشارك في الدروس الحسنية عامي (۱۹۹٥ و ۱۹۹۸م). ودعي للتحكيم في عدة مسابقات وطنية في المغرب.
وله مؤلفات وبحوث ألقيت في عدة مناسبات ولم تنشر بعد، منها: القراءات القرآنية من النشأة إلى نهاية القرن التاسع)، و(النقد الإقرائي): دراسة تاريخية ونقدية والوقف والابتداء، آراء واستدراكات على مآت العلماء)، و(التغني بالقرآن وكتاب في رواية قالون، سماه (تيسير المنافع لطالبي أصول رواية قالون عن نافع)، وهو قيد الطبع.
وقد جمع إلى علمه الغزير في القراءات، ومنهجه الفريد في التدريس، وجمال طريقته في الأداء والتلاوة، طيب الأخلاق وكريم الخصال، وخفة الظل، فلا تجده إلا بشوشاً متبسماً مستبشراً. وما زال عطاؤه موصولاً في التدريس والتأليف، بارك الله في علمه وعمله. وهو إلى حين كتابة هذه الترجمة مقيم بقنيطرة المغرب الأقصى. وكتب ترجمته بإذن منه وإقرار تلميذه إدريس بن محمد العلمي السجلماسي، بعد العشاء الآخرة من يوم الإثنين تاسع شعبان من سنة (١٤٢٤هـ - ٢٠٠٣م)، بالقنيطرة.
٧-ترجمة الشيخ عبد الله بن عقيل الحنبلي:
الشيخ عبدالله بن عقيل الحنبلي: قال أبو أويس: زارني ببيتي مع عبدالصمد البقالي الطنجي الشيخ شيبة الحمد الفقيه العلامة عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل من كبار فقهاء الحنابلة وأكبر تلاميذ الشيخ عبدالرحمن السعدي صاحب التفسير نحو سنة ١٤٢١ ومعه ابنه الأستاذ عبدالرحمن صاحب دار الطبع والنشر بالسعودية ومصر، وعلمت بعد ذلك أن للزائر الكريم مؤلفات مطبوعة في الفقه، وأنه كان رئيس المجلس الأعلى للقضاء بمكة المكرمة، ومن تواضعه أنه استجازني فأجزته، واستجزته
ترجمة الشيخ ابن عقيل هو العلامة الفقيه القاضي أبو عبدالرحمن عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل آل عقيل العنزي الحنبلي. ولد في عنيزة بتاريخ ١٣٣٥/٧/١ ، الموافق ١٩١٧/٤/١٣.
نشأ أسرة علمية مشهورة فامتطى العلم جواداً منذ صغره، من ناد في إلى نادي، ومن حلقة إلى حلقة يرضع لبانها، ويمتص رحيقها، غير كُلّ ولا ممل، فكان له من المشايخ والأساتذة خلال هذه المسيرة أعلام ک الجبال، على رأسهم والده الشيخ عبدالعزيز، ثم الشيخ عبدالله القرعاوي، والشيخ عبدالله بن محمد المطرودي، والشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، والشيخ علي أبو وادي، وظل على هذا النهج حتى أينعت ثماره واشتد ساعده، وبز أقرانه ورفاقه.
وتصدر للإفادة ،والتعليم والإدلاء بعلمه الغزير العميم، فصنف وجمع كتباً وأسفاراً مفيدة ضمنها من العلوم مسائل محققة سديدة، وها هي ذي أسماؤها مرتبة نضيدة:
۱ - رسالة في جواز صلاة النافلة على الراحلة في الحضر.
٢ - التراث في ما ورد في عدد السبع والثلاث.
٣- مجموع الفوائد المنثورة.
٤ - ترجمة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن عقيل.
٥ - فتاواه.
٦ - الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة.
٧ - ديوان شعري: وهو لا يزال الآن حياً، متعه الله بالصحة والعافية، وبارك في جهوده
٨- ترجمة الشيخ المنوني:
هو الفقيه العلامة المؤرخ محمد بن عبدالهادي المنوني المكناسي.
ولد بمكناس سنة ١٩١٥م.
فجد في تحصيل العلوم والمعارف منذ الصغر بدءً بالكتاب (المسيد) وانتهاء بجامع القرويين حيث حصل على شهادة العالمية. تلقى خلالها جملة من العلوم على العديد من العلماء منهم : شيخ الجماعة محمد بن الحسين العرائشي، والشيخ المختار السنتيسي والشيخ محمد غازي، والعلامة النوازلي محمد بن هلال
وهكذا ثابر حتى برز، وأفاد بكل ما لديه نادر وعزيز، فنال بذلك المكانة المرموقة السامية، والأوسمة العزيزة الغالية؛ فحاز على : جائزة المغرب سنة ١٩٦٩م، ووسام العرش من درجة ضابط سنة ۱۹۸۷م، وجائزة المغرب الكبرى للكتاب سنة ۱۹۸۹م، وجائزة الإمام عبد الحميد بن باديس من مركز دراسات المستقبل الإسلامي - لندن سنة ۱۹۹۲م.
هكذا ظل في مضمار البحث مجداً مثابراً لا يكل ولا يمل إلى أن لقي ربه ليلة الأحد ۱۷ جمادى الأولى سنة ١٤٢٠هـ. وخلف وراءه تراثاً نفيساً، من دخائره: تاريخ الوراقة المغربية العلوم والآداب والفنون في عصر الموحدين، تاريخ ركب الحاج المغربي ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين المصادر العربية لتاريخ المغرب مصادر يقظة المغرب، قبس من عطاء المخطوط المغربي
٢٥-الشيخ بوخبزة يقلب سلبيات الحالة العلمية
الشيخ محمد بن الأمين بو خبزة، عالم من مشاهير علماء المملكة المغربية ورجل له باع طويل في إحياء ما اندثر من العلوم خاصة الشرعية، وأهمها علم الحديث كان للشبكة الإسلامية هذا الحوار الممتع مع الشيخ حفظه الله.
٢٦- الحالة العلمية في العالم الإسلامي:
الحالة العلمية التي تحياها مجتمعاتنا الإسلامية ليست في المستوى المطلوب، وعوامل ذلك كثيرة، يرجع معظمها إلى الخلل في برامج الدراسة، وأحياناً إلى فساد أنظمتها ومع توالي الأيام، وعدم التفكير في الإصلاح الجدي أفرز الوضع أجيالا من أصحاب الشهادات هم في حاجة ماسة إلى تعلم مبادئ العلوم الضرورية والأمثلة على هذا كثيرة، ومن المعتاد أن نسمع اللحن الفاحش والجهل الفاضح بالقواعد الأولية من جمهور كبير من خريجي الجامعات الكبرى في العالم الإسلامي، وإذا عثر على أحد صحيح المعرفة، جيد الثقافة، فإنه غالباً ما يكون ذا تكوين جيد قبل ولوجه الجامعة، أما إذا كان خريج النظام المعتاد، فإنه سينتهي به المطاف إلى أن يسأل المدرس في الدراسات الإسلامية العليا في آخر السنة، عن معنى (شهادة الزور فيكون الجواب - كما أجاب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عن نفس السؤال : هي هذه الشهادة التي ستنالها بعد اليوم، وتلك بعض السلبيات الصارخة التي يلقاها الباحث في الحياة الثقافية في العالم الإسلامي، وليست المسألة قاصرة على العلوم الشرعية، بل هذا الزيف طال مختلف العلوم، كما أكد لنا العارفون بمناهج التعليم وأنظمته عندنا، وما لم يتق المسؤولون ربهم ويتداركوا الوضع بجد وإخلاص، ويقلعوا عن تقليد الأعداء فيما رسموا لتذويبنا، والقضاء على مقوّماتنا، فإننا ننشد القائل : مع
إن دام هذا ولم تحدث له غِيرٌ .. لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
٢٧- موقف العلامة بوخبزة من القضية الفلسطينية:
السؤال: تمرُّ القضية الفلسطينية بأحلك ،مراحلها ولا شك أن لفضيلتكم رؤية خبير عركته التجارب وامتحنته السنون فهل لكم - فضيلة الشيخ - أن تبينوا لقراء الشبكة نظرتكم لهذا الشأن الخطير من شؤون المسلمين؟؟
الجواب : قضية فلسطين والمسجد الأقصى، وما أدراك ماهيه، وقعت منذ البدء بين أيدي أثيمة اتجرت ،بها وتلاعبت بمبادئها ومارست الخيانة الجلية في تناولها والخوض فيها، بينما الطرف الآخر كان جاداً يقظاً، كله إيمان وجد ونشاط بنبواتهم المزيفة وخرافاتهم التليدة والحديثة وعنصريتهم الفريدة التي فرضوها على العالم، وتمكنوا من قلب الموازين ومسخ المفاهيم، وتكذيب الحقائق وبرعوا في التدليس والتلبيس والدس بين سمع العالم وبصره، وسلكوا لذلك أقرب الطرق وأضمنها لتحقيق المآرب والأهداف كيفما كانت، الطريق الاقتصادية، فسعوا جادين لاحتجان الأموال والسيطرة على سبله مؤمنين بأن عالم النفاق والكذب والأطماع يعتبر أرخص السلع في دنيا القيم، وهكذا انفردوا في هذا العالم بالتجارة في الذمم، ومسخ الأخلاق والعبث بالمبادئ لصالحهم، وقد عشنا قبل ظهور إسرائيل زمناً لا نسمع لليهود نأمة ولا حركة، والمسلمون غارقون فى أوحال الثالوث المدمر الجهل، والفقر والمرض و أضافوا إليه الآن ثالوثاً آخر لا يقل تدميراً وشؤماً وهو : الرشوة والغش والسرقة واليهود يتحركون هنا وهناك في صمت لانتهاز الفرصة، وما هي إلا سنوات حتى كان وعد بلفور) وقيام إسرائيل على أرض (الميعاد) وعلى الإسلام والعرب والفلسطينيين العفاء، وقد مر الآن على قيام دولتهم قرابة نصف قرن والحال هي الحال، هنا غفلة وخيانة وخذلان بل تآمر، وهناك عمل وجد ونشاط بشكل أكثر خبثاً وضراوةً من ذي قبل، لأن القضية أشرفت على النهاية والمسجد الأقصى يحتضر ولا معتصم له، ولا صلاح الدين، ونبوات نبينا محمد ﷺ تتجلى أكثر من ذي قبل في غثائية المسلمين، وهم مليار ونصف يجللهم الذل والصغار المسلط عليهم بسبب حرصهم على الدنيا والحكم وإخلادهم إلى الراحة وتبلد شعورهم، ومخالفة أمر الله ورسوله، والحل بأيديهم، والطريق معبد مسلوك، والداعي ما زال في قلب كل مومن ولكن الداء كل الداء إنما يستشري عند فساد الرأس، والإعراض عن الله سبب كل شر، وصدق الله عزّ وجلَّ في قوله: {وَكَذَلِكَ نُوَلّي الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.