أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 أغسطس 2022

العمدة في شرح بردة البوصيري لابن حجر الهيتمي (والكلام على شروحات البردة، وتخميسها وتسبيعها وتشطيرها ومعارضتها وبعض المواضع المشكلة والتي يُتوهم منها الشّرك، والمواضع التي يظهر فيها الغلو وضاحاً) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنونة

العمدة في شرح بردة البوصيري لابن حجر الهيتمي

(والكلام على شروحات البردة،

وتخميسها وتسبيعها وتشطيرها ومعارضتها

وبعض المواضع المشكلة والتي يُتوهم منها الشّرك، والمواضع التي يظهر فيها الغلو وضاحاً)


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنونة


تمهيد/ لا زلنا نتكلم عن قصيدة البردة، وشروحاتها، وعناية الشعراء والعلماء بها، وقد رأينا كيف نالت هذه التحفة الفنية الرائعة استحسان الجم الغفير من المسلمين بالقبول، وذلك لما تناولته من القضايا الأدبية والشعرية من حيث ألفاظ الشاعر وتراكيبه الأسلوبية وصوره ومعانيه، والموسيقي، والجوانب التصويرية، والملاحم، وهذه الخصائص ارتقت بها إلي أعلى درجات القصيدة، حتى غدت من بدائع الشعر العربي.

ولكن لم تخلُ البردة من مواضع يسيرة انتقدها بعض العلماء على البوصيري لما رأوا فيها من الغلو المذموم، والإطراء المبالغ فيه والذي لا يستند على ما يعضده أو يؤيده من كتاب الله تعالى أو صحيح السُّنة النبوية المشرفة.

ومع ذلك فقد بقيت القصيدة عموماً محل قبول وثناء، لما تميزت به من روعة الألفاظ وتألُّق الأساليب وسمو المعاني؛ حتى قيل فيها: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي بين العامة والخاصة.

ولا شك أن البوصيري سلط موهبته في البيان على هذا النظم، فأنطقته بهذه الحكمة الرائعة، وجعلت قوله رصينا جزلاً، يستحق الثناء والمدح عليه، كما أنه اقتبس معاني أبياته في الأعم الأكثر من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والقصص الإسلامي، والسيرة النبوية المطهرة، دون تمحيص ما ثبت عما لم يثبت. 

والكلام في هذا المقال ليس عن شرح الهيتمي بخصوصه، لكنه كلام عن شروحات البردة وكل ما يتعلق بها عموماً، والتي ذكرنا منها (٥٧) شرحاً، ثم تحقيق نفي شرح أبي شامة للبردة، ثم ذكرنا ردود العلماء على البردة والتي بلغت في مجملها (٨) ردود، ثم البديعيات المتعلقة بالبردة؛ فقد وجد أن للبردة (١٢) تخميساً، وتسبيعان، و(٣١) تشطيراً، و(٩) معارضات، وختمنا بذكر بعض الأبيات التي يتوهم أنها من الغلو المذموم، والجواب على ذلك، ثم ذكر أكثر بيت فيه غلو في بردة البوصيري.

يقول حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" (٢/ ١٣٣١): "قصيدة البردة، الموسومة: (بالكواكب الدرية، في مدح خير البرية)، الشهير: (بالبردة الميمية)، للشيخ، شرف الدين، أبي عبد الله: محمد بن سعيد الدولاصي، ثم البوصيري. المتوفى: سنة ٦٩٤ هـ، أربع وتسعين وستمائة وهي: مائة واثنان وستون بيتاً، منها: 

اثنا عشر: في المطلع. وستة عشر: في ذكر النفس، وهواها.

وثلاثون: في مدائح الرسول - عليه الصلاة والسلام.

وتسعة عشر: في مولده. وعشرة: في يمن دعائه (فيمن عابه) .

وسبعة عشر: في مدح القرآن. وثلاثة عشر: في ذكر معراجه.

واثنان وعشرون: في جهاده. وأربعة عشر: في الاستغفار.

وتسعة: في المناجاة" انتهى.

أولاً: الشروحات التي وضعها العلماء في شرح البردة:

وقد شرح البردة عددٌ كبيرٌ من علماء المسلمين الأعلام، منهم:

١-الشيخ علي بن محمد البسطاي الشاهرودي المعروف بـ(مصنفك) المتوفى سنة (٨٧٥ هـ).

٢-بدر الدين محمد بن محمد الغزي المتوفى سنة (٩٨٤ هـ)، وسماه (الزبدة).

٣-محيي الدين محمد بن مصطفى (شيخ زاده)، المتوفى سنة ٩٥١ هـ.

٤-بحر بن رئيس بن الهاروتي المالكي، وسماه (ارتشاف الشهدة بشرح قصيدة البردة).

٥-عبيد الله محمد بن يعقوب الفناري (ت ٩٣٦ هـ).

٦-عبيد الله بن محمد بن يعقوب الصاوي، وسماه (إغاثة اللهفان).

٧-حسام الدين حسن بن عباس

٨-شرف الدين علي اليزدي (ت ٨٢٨ هـ)

٩-محمد بن عبد الرحمن الزمردي ابن الصائغ (ت ٧٧٦ هـ).

١٠-جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام النحوي (ت ٨٦١ هـ).

١١-كمال الدين حسين الخوارزمي (ت ٨٤٠ هـ).

١٢-زين الدين، خالد بن عبد الله الأزهري (ت ٩٠٥هـ)، وسماه (الزبدة).

١٣-جلال الدين، محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤ هـ).

١٤-أحمد بن محمد بن أبي بكر الشيرازي، وسماه (نزهة الطالبين، تحفة الراغبين).

١٥-خير الدين خضر بن عمر العطوفي (ت ٩٤٨ هـ).

١٦-طاهر بن حسن المعروف بابن حبيب الحلبي (ت ٨٠٨ هـ)، وسماه (الاستيعاب لما في البردة من المعاني والإعراب).

١٧-محمد بن أحمد بن مرزوف (التلمساني) (ت ٧٨١ هـ).

١٨-أحمد بن مصطفى الشهير (بلالي)، شرحها بالعربي وبالتركي.

١٩-أحمد بن محمد حجر الهيثمي (ت ٩٧٣ هـ)، وسماه (العدة في شرح البردة).

٢٠-محمد الشهير بابن بدر الدين المنشئ الرومي (ت ١٠٠١ هـ)، وسماه (طراز البردة).

٢١-الشيخ رضي الدين، يوسف بن أبي اللطف القدسي (ت بعد الألف).

٢٢-بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي (ت ٧٩٤ هـ).

٢٣-شمس الدين محمد بن حسن القدسي البرموني، سماه (النبذة في طي العدة، لنشر معاني البردة).

٢٤-جلال الدين الخجندي، نزيل الحرم، (ت ٨٠٣ هـ)، وهو شرح مختصر من إملائه، سماه (طيب الحبيب، هدية لكل محب لبيب).

٢٥-أبي العباس، أحمد الأزدي المعروف (بالقصار).

٢٦-حسن بن حسين التالشي، وقد أنشأه بالقاهرة للوزير ابن باشا.

٢٧-مسعود بن محمود بن يحيى الحسيني، وسماه (نزهة الطالبين، تحفة الراغبين).

٢٨-يحيى بن منصور بن يحيى الحسني، وسماه (نتائج الأفكار).

٢٩-محمد بن منلا، سليمان الكردي (ت ١٠٤٨ هـ)، وسماه (الدرة المضية).

٣٠-جلال الدين بن قوام بن الحكم.

٣١-نور الدين علي القاري (ت ١٠١٤ هـ).

٣٢-شرح مختصر للشيخ سعد الله الخلوتي، بالتركي.

٣٣-شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني (ت ٩٢٣ هـ).

٣٤-يحيى بن عبد الله الدفتري المصري.

٣٥-القاضي زكريا بن محمد الأنصاري (ت ٩٦٢ هـ)، وهو مختصر.

٣٦-عصام الدين إبراهيم بن عربشاء الاسفراييني (ت ٩٩٤ هـ).

٣٧-حاشية على متن البردة إبراهيم بن محمد الباجوري (ت ١٢٧٧ هـ) .

٣٨-حسن العدوي الحمزاوي (١٣٠٣هـ) وسماه النفحات الشاذلية.

٣٩- أحمد فتحي باشا (ت ١٩١٤ م ) : طبع في (مجموع الشروح) 

٤٠-شرح موسى بن محمد التبردار.

٤١- شرح أحمد بن محمد الحاج.

٤٢- أبو عبد الله محمد بن أحمد بنِّيس، سماه لوامع أنوار الكوكب.

٤٣-شرح فارسي مجهول.

٤٤- محمد بن سعد الآلاني.

٤٥- عبد الحق بن الحسين الحجاجي، سماه البرق المليح.

٤٦- لإسماعيل بن عثمان بن أبي بكر يوسف النيازي وسماه العمدة.

٤٧-يوسف بن محمد بن شهاب الجامي، وهو شرح فارسي.

٤٨- يوسف أهله من هراة.

٤٩- محمد الأنصاري.

٥٠-عبد القادر بن عمر البغدادي ( - 1093 هـ / 1682 م ) .

٥١-ضياء الدين حيدر بن عبد الله الحيدري كان حيًا سنه (١٣٠٤ هـ)، في الجرأة في شرح البرأة.

٥٢-عبد الله بن فخر الدين الأعرج (١١٨٨ هـ).

٥٣- علي بن رسول السوسني، كان حيًا ( ١١٦٥ هـ).

٥٤- شرح قصيدة البردة محمد الثيري المعروف بالعيشي ( ت ١٠١٦ هـ)

٥٥-شـرح ابـن الصائغ (ت ٦٦٧ هـ).

٥٦- شرح علي بن محمد القَلَصَأي (ت ٨٩١ هـ) 

٥٧-شرح قصيدة البردة سليمان الحنائي كان حيًا سنة (ت ١٢٠٤ هـ).

ثانياً: تحقيق الكلام على شرح أبي شامة المقدسي للبردة:

من الشروحات المنسوبة لأبي شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل القدسي الشافعي (ت ٦٦٥ هـ)، شرح البردة، وأوله (سبحان من أخفى سبحات وجهه بحجاب عجائب الأنوار …إلخ). 

وكتب في ردِّ هذه النسبة لأبي شامة -الشيخ الدكتور علي محمد زينو مقالاً بعنوان (نفي نسبة "شرح البردة" إلى العلامة أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي (665 هـ)، نشر في النشرة الشهرية- مجموعة المخطوطات الإسلامية- السنة الثانية- العددين: الحادي عشر والثاني عشر- رمضان وشوال ١٤٣٩ هـ، صفحة (١٨٧- ١٩١).

وقد أحصى فيه لهذا الشرح إحدى وعشرين نسخة خطية، وأعاد ذكر نسخة المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، فبلغ العدد لديه اثنتين وعشرين نسخة.

وانتهى إلى هذه النتيجة التي يقول فيها: ((إنها لا تصح نسبة "شرح البردة" إلى العلامة أبي شامة المقدسي الشافعي (٦٦٥ هـ)، برغم وجود الكثير من نسخ هذا "الشرح" منسوبة إليه. كما أني لم أستطع بعد البحث أن أجد لهذا "الشرح" نسبة أخرى إلى أحد من أهل العلم لقب أيضًا بـ (أبي شامة)، وظُن أنه العلامة المقدسي)).

قلتُ: وقد مَن الله علي بالكشف عن مؤلف هذا الشرح.

فقد أحصيت لهذا الشرح ثلاثًا وستين نسخة خطية، من الله علي بإحدى وثلاثين نسخة منها، إضافة إلى بعض الطبعات الحجرية التي مضى عليها أكثر من خمسين ومائة سنة، ونسبت إلى بعض الأصحاب (الشيعة).

بعض هذه النسخ منسوب إلى أبي شامة المقدسي، والبعض الآخر غير منسوب إلى أحد، وثلاث فقط نسبت إلى مؤلف الشرح الحقيقي.

وأقدم نسخ هذا الشرح التي وقفت عليها، أو على بياناتها، وذكر في آخرها تاريخ الفراغ من النسخ: نسخة المكتبة الوطنية في طهران (1774 ع)، كتبت سنة (904 هـ)، تليها نسخة جامعة برنستون، كتبت سنة (950 هـ)، ثم إحدى النسخ التركية، كتبت سنة (963 هـ)، ثم نسخة المكتبة الوطنية الفرنسية، كتبت سنة (966 هـ)، ثم نسخة مكتبة راشد أفندي في مدينة قيصري التركية، كتبت سنة (975 هـ)،

فهذه خمس نسخ كتبت في القرن العاشر الهجري، إضافة إلى نسخة المكتبة الوطنية في طهران (25 ع)، والتي قيل: إنها كتبت في القرن التاسع الهجري تقديرًا.

أما مؤلف هذا الشرح فهو (أبو شحمة)، وليس (أبا شامة).

ثالثاً: المؤلفات التي وضعها العلماء في نقد البردة:

وقد نقد هذه القصيدة بعض الأفاضل من العلماء وطلبة العلم، ودون بعضهم ذلك النقد في كتب مستقلة، وآخرون ضمنوا الرد عليها بعض كتبهم، وطائفة تولت ذلك النقد في مقالات خاصة، ومن هؤلاء:

١-الإمام الشوكاني ، ضِمن ” الدرّ النضيد في إخلاص كلمة التوحيد “.

٢-شرّاح كتاب ”التوحيد” للإمام محمد بن عبد الوهاب، كالشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في ”تيسير العزيز الحميد“، والشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في ”فتح المجيد“، الشيخ العثيمين في ”القول المفيد“، والشيخ صالح آل الشيخ في ”التمهيد في شرح كتاب التوحيد” ، والشيخ صالح الفوزان ضمن كتابه ”إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد“ وغيره.

٣-الشيخ الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، وقد ألَّف رسالة خاصَّة في الردّ عليها بعنوان ”الرد على البردة“، وهي مطبوعة في آخر كتاب ”الشيخ العلاّمة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين مفتي الديار النجدية” للدكتور علي بن محمد العجلان.

٤-الشيخ محمود شكري الألوسي ضِمن كتابه ”غاية الأماني في الرد على النبهاني”.

٥-الشيخ عبد البديع صقر، في كتاب خاص بعنوان ”نقد البردة مع الرد والتصحيح”.

٦-الشيخ محمد جميل زينو، ضمن كتابه ”معلومات مهمة عن الدين“.

٧-عدة مقالات منشورة في مجلة (البيان) عدد رقم ١٣٩، منها مقال للشيخ الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف، بعنوان ”قوادح عقدية في بردة البوصيري“، ونشر في نفس العدد للأستاذ سليمان بن عبد العزيز الفريجي مقالاً بعنوان ” مظاهر الغلو في قصائد المديح النبوي“، ومقال آخر للشيخ علوي السقاف، بعنوان ” قراءة في بردة البوصيري وشعره“.

٨-عبد الرؤوف محمد عثمان ضمن كتابه ” محبة الرسول بين الاتباع والابتداع “.

رابعاً: التخميسات والتسبيعات التي وضعها الشعراء والعلماء على البردة:

والتخميس هو أن يزيد الشاعر على البيت ثلاثة أشطارٍ أخرى، أما التسبيعتات فهي إضافة خمسة أشطار على البيت الواحد.

أ- ومن أبرز الذين خمسوا البردة:

١-سليمان بن علي القرماني (ت ٩٢٤ هـ)، وعارضها بأخرى.

٢-محمد نبادكاني بن صافي، (ت ٩٠٠ هـ).

٣-أبو الفضل أحمد بن أبي بكر المرعشي (ت ٨٧٢ هـ).

٤-عبد الله بن محمود، المعروف (بكجوك محمود زاده) (ت ١٠٤٢ هـ).

٥-يوسف بن موسى الجذامي، (ت ٧٦٧ هـ).

٦-أسعد بن سعد الدين المفتي، من آل حسن جان (ت ١٠٣٤ هـ).

٧-يحيى بن زكريا المفتي.

٨-شمس الدين، محمد بن خليل المقري الحلبي (ابن القباقبي)، (ت ٨٤٩ هـ)، وسماه (الكواكب الدرية في مدح خير البرية)، وشرحه مصطفى بن بالي.

٩-الشيخ الأديب، ناصر الدين بن عبد الصمد، المالكي.

١٠-شعبان بن محمد القرشي، وسماه (آثار المعشوق أو العشرة).

١١-شهاب الدين، أحمد بن محمد الحجازي، (ت ٨٧٥ هـ).

١٢-نجم الدين محمد بن أحمد القلقشندي (ت ٨٧٦ هـ).

أ- ومن أبرز الذين سبعوا البردة:

١-جمال الدين، محمد بن الوفاء، وشرحها بعض المدنيين.

٢-بعض المجهولين.

خامساً: تشطيرات البردة:

والمقصود بالتشطير، هو: أن يعمد الشاعر إلى أبيات مشهورة لغيره،  فيقسم أبياتها إلى شطرين يضيف إلى كل منهما شطراً من عنده، مراعيا تناسب اللفظ والمعنى بين الأصل والفرع.

١- تشطير البردة عمر بن محمد بن عباس القفصي

٢- تشطير البردة أحمد الدلنجاوي.

٣- دفع الشدة في تشطير البردة أو جلب المسرات وتفريج الشدة في تصدير وتعجيز البردة، عبد الحميد بن محمد علي.

٤- تشطير البردة رمضان جلاوة ( - ١٨٨٧ م).

٥- برء السقيم عبد الرحيم بن عبد الرحمن علي بن مكي السيوطي المالكي.

٦- تشطير البردة أحمد بن أحمد بن عثمان بن سالم العوامي.

٧- تشطير البردة أحمد بن عبد الوهاب الجرجاوي (١٨٣٨ م).

٨- تشطير البردة أحمد بن شرقاوي بن مساعد الخلوتي (١٨٩٨ م).

٩- تشطير البردة أبي الهدى حسن وادي الصيادي الرفاعي.

١٠- تصدير البردة وتعجيزها أحمد الحفظي بن عبد الخالق الزوزني العجيلي اليمني

١١- تشطير البردة محمد بك فرغلي الأنصاري الطهطاوي ( ولد ١٢٨٠ هـ).

١٢-شفاء العليل عبد القادر بن سعد الرافعي الطرابلسي في (نيل المريد) .

١٣- تشطير البردة سالم أبي النجم البولاقي القاهري.

١٤- الفيوض الرحمانية محمد بن إبراهيم بن خليل العزازي الحسيني الأزهري.

١٥- الدرة الزاهرة بتضمين البردة الفاخرة الشيخ قاسم.

١٦- علي أفندي السيد في: (معارضات البردة).

١٦-لحسن العاملي تضمين شعري بعنوان: ( مفرج الشدة تضمين البردة).

١٨- الدرة المعنية على الكواكب الدرية شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي الشافعي المعروف بابن الشماع (ت ٨٦٣ هـ).

١٩- تشطير البردة أبي نصر محمد بن عبد الله الطرابلسي ( - ١٢١٨ هـ).

٢٠- تشطير أحمد بن شرقاوي الخلفي (ت ١٢٥٠ هـ).

٢١- تشطير أحمد بن عبد الوهاب الجرجاني (ت ١٢٥٤ هـ).

٢٢- تشطير أحمد بن عثمان العوامي.

٢٣- تشطير رمضان حلاوة من علماء آخر القرن الثالث عشر.

٢٤- تشطير محمد فرغلي الطهطاوي.

٢٥- تشطير عبد العزيز بك محمد.

٢٦- تشطير الشيخ سالم أبو نجم شاعر بولاق.

٢٧- تشطير الشيخ عبد القادر سعيد الرافعي.

٢٨- تشطير محمد سعيد السويدي .

٢٩- تشطير عبد الوهاب النقشبندي.

٣٠- تشطير فضل الله الأنصاري .

٣١- تشطير حسين بن علي بن حسن بن محمد بن فارس العشاري البغدادي (ت ١١٩٥ هـ).

سادساً: معارضات البردة:

والمقصود بالمعارضة هو: أن ينظم شاعر قصيدة يحاكي فيها قصيدة شاعر آخر مستعملاً نفس البحر ونفس القافية وذلك لإعجابه بها، مع حرصه على أن يفوق نظمه القصيدة النموذج براعة وجمالاً.

١- معارضة البردة سليمان بن علي القراماني (ت ٩٢٤ هـ).

٢- (الشهباء) وهي تقليد البردة لمحمد بن موسى النجار.

3- الكمالية في مدح خير البرية لأبي يوسف محمد كمال خاكي زادة المارديني، كان حيًا سنه (ت ١٣٠٢ هـ).

٤- محمود سامي البارودي عارض البردة في قصيدته (كشف الغمة في مدح سيد الأمة) (٤٤٧ بيت).

٥- أحمد شوقي عارض البردة بقصيدته ( نهج البردة ) .

٦- الشيخ أحمد الحملاوي سماها ( منهاج البردة) .

٧- الشيخ عقل ( ت ١٩٤٨ م ).

٨- السيد عبد الحميد الخطيب وهو أحد رجال الحجاز الإعلام (من نهج البردة).

٩- الشيخ علي سيد عاشور الأزهري (بردة الصبا في مدح الرسول المجتبى).

سابعاً: من الأبيات التي يتوهم أنها من الشرك والغلو المذموم:

من الأبيات التي يظن كثير من الناس أنها من الغلو المذموم، قول البوصيري رحمه الله تعالى: 

١- [ ما ضامني الدهر يوما واستجرت به .... إلا ونلت جوارا منه لم يضم ]

قلت (محمد):

لا بد من تقدير مفعول لفظ الجلالة محذوف، أي"واستجرت الله به" أي بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، على معنى التوسل به.

وقوله (إلا ونلت جوارا منه) أي بسببه، كون التوسل به مقبول، والجوار بمعنى الحماية والحفظ من الله تعالى وحده، ونسب الجوار إلى الرسول مجاز باعتبار أنه السبب فيه، لا المتسبب به.

وعليه يحمل كلام الباجوري في حاشيته كما سيأتي، حيث أسند الفعل وهو "الحفظ" إلى غير من هو له، فقوله في الجوار أنه "حفظ من الرسول" أي بسببه، فأسند الحفظ له مجازا، من باب إسناد الفعل إلى غير من هو له، وهذا معروف في لغة العرب.

أو يقال: (واستجرت به) أي بكثرة ذكره وكثرة الصلاة والسلام عليه -صلى الله عليه وسلم، فينالي بسبب ذلك من الحفظ والبركة ما يمنع ظلم الآخرين لي.

أو يقال: (واستجرت به) أي اعتصمت بسنته، وتمسكت بهديه، فينالني بسبب ذلك من العصمة عن الشرك والضلال، ما لا يصيبني معه في ذلك ظلم ولا ضيم.

يقول الشيخ زكريا الأنصاري في «زبدته» (ص 96): (ما سامني الدهر) هذا على عادة العرب، أو هو على حذف مضاف، أي «أهل ادهر»، أي ما ظلمني أحد منهم ضيما. (واستجرت به) صلى الله عليه وسلم، (إلا ونلت) أي أصبتُ جوارا ...- أي قربا منه، (لم يضم) أي لم يحقر، بل يحترم. انتهى.

ويقول الإمام الباجوري في حاشيته (ص 77): (قوله: ما ضامنى الدهر يوما إلخ) هكذا فى بعض النسخ، وفى بعضها «ما سامنى الدهر ضيما إلخ»،

=والمعنى على الأول: ما ظلمنى الدهر (بالفعل) فى يوم إلخ..

وعلى الثاني:= ما -أرادني =وقصدنى الدهر بظلم إلخ،

وعلى كل فلا بد من تقدير مضاف أى =أهل الدهر، وإلا فالدهر لا يظلم ولا يريد الظلم، وإن جرت عادة العرب بنسبة الظلم إليه لوقوعه فيه،  (وقوله: واستجرت به) أي طلبت منه أن يجيرني من ذلك،...(وقوله إلا ونلت جوارا منه) أى إلا وأعطيت جوارا … أى حمى وحفظا من الرسول، (وقوله لم يضم)، ... أى لم يحتقر، بل يحترم.

ومن الأبيات التي يظن كثير من الناس أنها من الغلو المذموم، قول البوصيري رحمة الله تعالى عليه:

٢- [ لو ناسبت قدره آياته  عظما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم ]

قلت (محمد): ومقصود الإمام البوصيري -رحمه الله- أن الله تعالى لم يعط النبي صلي الله عليه وسلم -كل معجزاته (الشاملة لكرامته عنده) في دار الدنيا، لأنه ادخر له (المقام المحمود) الذي ينفرد به عن الخلائق يوم القيامة، وتظهر به كرامته ومقامه، وهذا القدر والمقام في الآخرة يناسبه في دار الدنيا من المعجزات (التقديرية)= أنه لو تلي اسمه على ميت لدبت فيه الحياة،

أو أن مجموع معجزاته الحسية = تناسب من قدره الشريف «مجتمعة» لا كل فرد منها.. أنه لو دعي اسمه الشريف على دارس الرمم لأحياه، حيث أن معجزاته الحسية من حيث المجموع = تساوي هذه المعجزة من حيث الانفراد.. والغرض من هذا البيت بيان عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وشرفه، وبركته..

أو يقال: إن قدره بالنظر إلى ذوات المعجزات الحسية، وهي أمور مخلوقة لله تعالى، أنه أفضل منها مجتمعة من حيث أنه خير خلق الله كلهم، ولا يناسب قدره إلا هذه المعجزة التقديرية..

يقول الشيخ زكريا الأنصاري في "زبدته" (ص 72): (لو ناسبت قدره آياته عظما) أي في العظم، (أحيا اسمه حين يدعى) أي ينادى به، (دارس) .. بمعنى مدروس، و(الرمم) أي العظام البالية، ودروسها زيادة في البلى، أي أحيا اسمه ببركته ذلك حين يدعى به لإحيائه، كأن يقال: «يا الله بمحمد النبي أحيي هذا» فيحيا، فيكون الإحياء المذكور من آياته.

==والمعنى: لو ناسبت قدره في العظم آيات له، كان منها الإحياء المذكور ، لأنه أعظم آية، وبه تكون الآيات مناسبة لقدره الذي هو أعظم قدر،

= لكن الله تعالى لم يجعل الإحياء المذكور من آياته، فليست (على انفرادها) كقدره في العظم، ...= وقوله في النبي صلى الله عليه وسلم: «وأنه خير خلق الله كلهم» (ومعلوم أن المعجزات الحسية كلها مخلوقة).

وأنت خبير بأنه لا يلزم من جعل الإحياء من آياته أن تكون آياته مناسبة لقدره، إلا أن يريد حينئذ مجموعها، إذ المناسب لقدره إنما هو إحياؤه فقط، ولا ينافي ما نقر من جعل الإحياء لعيسى عليه السلام، فتأمل. انتهى.

قال الإمام الباجوري في حاشيته (ص 52):

( قوله لو ناسبت إلخ)، كأن المصنف ادعى أن آياته لم تناسب قدره فى العظم، وذكر هذا البيت استدلالا على ذلك،

فإنها إشارة إلى قياس استثنائى نظمه هكذا: (لو ناسبت آياته قدره فى العظم لكان من جملة آياته أن يحيى اسمه دارس الرمم حين يدعى به)،

= لكن لم يكن من آياته أن يحيى اسمه دارس الرمم حين ينادى به ، فلم تناسب آياته قدره فى العظم، وهو المطلوب ، لأن الواقع أن قدره أعظم من آياته …

والنتيجة ووجه الملازمة فى الشرطية =أن الإحياء المذكور أعظم آية، وبه تكون الآيات مناسبة لقدره، أى يكون مجموعها بواسطة كون الإحياء المذكور منه= مناسباً لقدره الشريف، لا كل فرد منها؛ لأنه لا يلزم من جعل الإحياء المذكور منها أن يكون كل فرد منها مناسبا لقدره،

لا يقال : كيف لم يجعل الإحياء من آياته كما جعله من آيات عيسى عليه السلام؟

لأنا نقول الكلام فى (إحياء اسمه دارس الرمم) حين يدعى به ، وهذا كما لم يجعل من آياته لم يجعل من آيات عيسى عليه السلام؛ وإنما الذى جعل من آيات عيسى إحياؤه الموتى بإذن الله، والمراد من قدره = كمال قربه من الله تعالى،والمراد بآياته = أعلام نبوته، كالمعجزات،

(وقوله: أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم) أى أحيا الله بسبب اسمه دارس الرمم حين يدعى به؛ كأن يقال : يا الله بمحمد احيي هذا الميت، فإسناد الإحياء إلى اسمه مجاز عقلى، ...وجوز بعضهم أن يكون ..دعاؤه باسمه كأن يقال: يا ميت احى باسم محمد، ... والرمم =جمع رمة، وهى الشيء البالي، والمدروسة: التي زيد في بلائها…

ومن الأبيات التي يظن كثير من الناس أنها من الغلو المذموم، قول البوصيري -رحمة الله عليه:

٣- [ وقدمتك جميع الأنبياء بها ...والرسل تقديم مخدوم على خدم ]

قلت (محمد): في هذا البيت تشبيه التقديم بالتقديم، لا المقدم بالمقدم، لأن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز تشبيههم بالخدم، وبذلك تنتفي دعوى الغلو في هذا البيت.

يقول الشيخ زكريا الأنصاري في «زبدته» (ص 114): (وقدمتك جميع الأنبياء) بسبب تلك المنزلة التي نلتها، ليلة المعراج، كتقديم مخدوم على خدم في المنزلة. انتهى

ويقول الإمام الباجوري في شرحه على البردة (ص 121): ( قوله وقدمتك إلخ) ...

1-يحتمل أن المراد التقديم فى «الرتبة والمكانة»،كما يدل عليه قوله "تقديم مخدوم على خدم"، وذلك لأن الله قد أطلعهم على منزلته -صلى الله عليه وسلم -بالوحى فى مدة حياتهم، كما يدل عليه قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} (الآية آل عمران: 81)،

2-ويحتمل أن المراد التقديم فى «الحس والخارج» بالفعل... (كما تقدمهم بالصلاة ليلة أسري به).

وهل كانت الأنبياء والرسل بأجسامهم وأرواحهم، أو بأرواحهم فقط؟

والراجح: أنهم كانوا بأرواحهم فقط، إلا عيسى وإدريس، فإنهما كانا بروحهما وجسمهما، وبعضهم رجح أن الأنبياء جميعا كانوا بأجسامهم وأرواحهم…

(قوله: تقديم مخدوم على خدم) أى تقديما مثل تقديم مخدوم على خدم، فهو بالنصب على المصدرية، لكن «على وجه التشبيه». انتهى.

ومن الأبيات التي أشكلت على كثير من الناس، فجعلوها من الغلو المذموم، قول البوصيري -رحمه الله عليه:

٤-[  يا أكرم الرسل ما لى من ألوذ به ...سواك عند حلول الحادث العمم ].

قلت (محمد): الغرض من قوله (مالي من ألوذ به سواك) بيان رتبة النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه يعني من بين الناس والأنبياء، (فمالي من ألوذ به سواك) يعني من المخلوقين عندما يلوذ الناس بانبيائهم، وليس أنه يؤثر المخلوق على الخالق في اللواذ، عياذاً بالله تعالى.

يقول الشيخ زكريا الأنصاري في «الزبدة الرائقة» (ص 140): والحادث العمم، أي: الشامل للخلق، وهو هول يوم القيامة.. فيجود بالشفاعة. انتهى.

ويقول الإمام الباجوري في حاشيته على «البردة» (ص 131): ( قوله يا أكرم الرسل إلخ ) ... وفى بعض النسخ «يا أكرم الخلق»، ولكونه -صلى الله عليه وسلم -أكرم الرسل وأكرم الخلق اختص بالشفاعة العظمى، وهى شفاعته في فصل القضاء، .. (وقوله ما لى من ألوذ به سواك) أى ليس لى أحد ألتجئ إليه غيرك.

(وقوله عند حلول الحادث العمم) أى عند نزول الحادث العام، أي: الشامل لجميع الخلق، والمراد بذلك الحادث: هول يوم القيامة؛ فإن كلا من الرسل يقول حينئذ «نفسى نفسى»، ويخبر بأن الله غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله، ولا يغضب مثله بعده، والنبى -صلى الله عليه وسلم -يقول: «أمتي أمتي»، وقيل المراد بذلك الحادث: الموت. (ويكون معنى اللوذ هنا التمسك بسنته وهديه، فينتفع بذلك بعد موته).

ومن الأبيات التي أشكلت على كثير من الناس قول البوصيري -رحمة الله تعالى عليه -في «البردة»:

٥-[ فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم ]

يقول الشيخ زكريا الأنصاري -رحمه الله -في «زبدته» (ص 141):

"فإن من جودك =الذي جاد «الله تعالى» به عليك، الدنيا وضرتها =وهي الآخرة، أي خيريهما، ومن خير الدنيا =هدايته الناس، ومن خير الآخرة =شفاعته فيهم.

ومن علومك =التي علمها «الله» لك =علم اللوح والقلم.

يُقال: إن الله أطلعه على ما كتب القلم في اللوح المحفوظ، وعلى علوم الأولين والأخرين، وهذا من جاهه عند الله تعالى، والجاه القدر والمنزلة". انتهى.

وقال الإمام الباجوري في «حاشيته على البردة» (ص 151): (قوله فإن من جودك الدنيا إلخ ) ... من للتبعيض، والمراد من الدنيا =ما قابل الأخرى، ولذلك جعلها الناظم ضرتها، وفى كلامه تقدير مضاف: أى خيرى الدنيا وضرتها التى هى الآخرة، فمن خير الدنيا =هدايته للناس، ومن خير الآخرة =شفاعته فيهم،

(وقوله ومن علومك علم اللوح والقلم) ... وذلك لعظم جاهه، ولا شك أن العلم من أكبر أسباب عظم الجاه وعلوه،...و(من علومك) للتبعيض ... والمراد بعلومه =المعلومات التى أطلعه الله عليها، فإنه تعالى أطلعه على علوم الأولين والآخرين.

[يدل لذلك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «أتاني الليلة ربي - تبارك وتعالى - فى أحسن صورة؛ فقال: يا محمد، هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين السماء والأرض] (صحيح).

والمراد (بعلم اللوح والقلم): المعلومات التى كتبها القلم فى اللوح بأمر الله تعالى؛ فإنه ورد أن (أول ما خلق الله القلم، فقال: له اكتب  قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء، حتى تقوم الساعة).

• واستشكل جعل علم اللوح والقلم بعض علومه= بأن من جملة علم اللوح والقلم الأمور الخمسة المذكورة فى آخر سورة لقمان والتي لا يعلمها إلا الله تعالى؟ مع أن النبى عليه الصلاة والسلام لا يعلمها، لأن الله قد استأثر بعلمها، فلا يتم التبعيض المذكور؟!!

• وأجيب:

١- بعدم تسليم أن هذه الأمور الخمسة مما كتب القلم فى اللوح وإلا لاطلع عليها من شأنه أن يطلع على اللوح كبعض الملائكة المقربين،

٢- وعلى تسليم أنها مما كتب القلم فى اللوح، فالمراد أن بعض علومه علم اللوح والقلم =الذى يطلع عليه المخلوق، فخرجت هذه الأمور الخمسة على أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يخرج من الدنيا إلا بعد أن أعلمه الله تعالى بهذه الأمور،

فإن قيل: إذا كان علم اللوح والقلم بعض علومه، فما البعض الآخر ؟

•  أجيب: بأن البعض الآخر هو ما أخبره الله عنه من أحوال الآخرة، لأن القلم إنما كتب فى اللوح ما هو كائن =إلى يوم القيامة فقط، كما تقدم فى الحديث.

ومن الأبيات التي يظن أنها من الغلو المذموم، قول الإمام البوصيري في بردته:

٦-[ لا طيب يعدل ترباً ضمَّ أعظُمَهطُوبى لمنتشقٍ منه ومُلتثٍم ]

يقول الإمام الباجوري في شرحه على «البردة» (ص 46): ولا شك أن قبره صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة، بل أفضلها، وقد قال علـيه الصلاة والسلام: «القبر ..إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» (حسن).

وقد قال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «ما بين قبرى ومنبري روضة من رياض الجنة».

[قال القرطبي الرواية الصحيحة (بيتي)، ويروى (قبري) وكأنه روي بالمعنى؛ لأنه دفن في بيت سكناه].

وحاصل المعنى: أنه لا طيب يساوى التراب الذى جمع الجسد الشريف، وهو تراب قبره صلى الله عليه وسلم، ولما كان الطيب يستعمل على وجهين: تارة يستعمل بالشم، وتارة يستعمل بالتضمخ، فأشار للأول بقوله: «منتشق» وللآخر بقوله: «ملتثم» واللثم هو التعفير والتضمخ.

ومما ينتقد على شعر البوصيري أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم كثيرة في شعره -وهي أشنع من التوسُّل، وإن خلط بينهما بعضُ الناس جهلًا أو تلبيسًا-، ولم تقتصر على البردة فقط بل هي في غيرها أكثر غلوًا، ومن ذلك قوله كما في (الديوان):

يا نبي الهدى استغاثةُ مَلْهُو … فٍ أضرتْ بحاله الحوباءُ

يدَّعي الحب وهو يأمر بالسو … ءِ ومن لي أن تصدق الرغباءُ

ثامناً: أكثر الأبيات غلواً في البردة:

أما البيت الذي أرى فيه غلواً واضحاً في بردة البوصيري -رحمه الله -هو هذا البيت، الذي يقول فيه:

[ وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدم ]

قلت (محمد): يقرر البوصيري أنه لولا محمّد صلّى الله عليه وسلّم لما خُلِقَت الدّنيا ! وهو مخالف لقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).

وحتّى سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم إنما خُلق لعبادة الله تعالى وحده، وكل التأويلات التي حاولت تبرير هذا البيت مهزوزة، ومردودة.. 

وأما حديث توسل آدم بالنبي، وقوله فيه: «ولولا محمد ما خلقتك».

فقد رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الدلائل، والبيهقي في الدلائل وضعفه، والحاكم في المستدرك، وتعقب بأن فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف.

وقال الذهبي في «الميزان»: باطل. وقال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي»: ضعيف الإسناد جدا. وقال ابن تيمية في «التوسل والوسيلة»: روي مرفوعاً وموقوفاً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم ويغلط كثيراً. وضعفه ابن كثير، وابن عساكر. وقال الألباني وابن باز: موضوع.

وصحح الحاكم إسناده =وهي واحدة من أوهامه التي تحسب عليه، وتبعه في ذلك القسطلاني في المواهب اللدنية.

يقول الشيخ زكريا الأنصاري في «زبدته» (ص 65):

(وكيف) للاستفهام الإنكاري لا تدعو اي لا تميل، إلى حب الدنيا أصالة، (ضرورة) من لولاه موجود، (لم تخرج الدنيا من العدم) إلى الوجود، ... وخرج بقولي (أصالة) دعاء -أي ما يدعو - ضرورة إلى الدنيا عرضا، كالحاجة إلى قدر القوت، وستر العورة، ... انتهى.

ويقول الهيثمي في «العمدة» (ص 219): معنى البيت:

بأي حال يميل هذا النبي العظيم إلى هذه الدنيا، ويقبل على زينتها الباطلة، وزخارفها العاطلة، ولولا وجوده لامتنع إخراج الدنيا من العدم إلى الوجود، بل وجدا لوجوده،

وهذا مأخوذ من حديث: « لما اقترف آدم الخطيئة، وكان قد رأى على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمدرسول الله، سأل بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يغفر له، فقال سبحانه وتعالى: إذ سألتني بحقه، فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك».

وآدم أبو البشر، وقد خلق الله له ولذريته الأرض وما فيها، وسخر لهم الليل والنهار، والشمس والقمر، وغير ذلك. انتهى.

ويقول الباجوري في «حاشيته على البردة» (ص 40):

( قوله: وكيف تدعو إلخ ) استفهام إنكارى بمعنى النفي، أى لا تدعو إلخ، والدعاء: الطلب والميل (وقوله: إلى الدنيا) ... هي اسم هذه الدار التي نحن فيها، وقد تطلق على أعراضها وزخارفها من المال والجاه وما أشبههما، وهذا هو المراد هنا.

( وقوله: ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدم) أى لولا وجوده: لاستمرت الدنيا على عدمها ولم توجد، فوجوده علة فى وجودها، فلو كانت ضرورته تدعو إلى الدنيا لكان وجوده معلولا لوجودها، وهو خلف.

والأصل فى ذلك: ما رواه الحاكم، والبيهقي، من قول الله تعالى لآدم لما سأله بحق محمد أن يغفر له ما اقترفه من صورة الخطيئة، وكان رأى على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله: «سألتنى بحقه أن أغفر لك، وقد غفرت لك، ولولاه ما خلقتك»،

فوجود آدم عليه السلام متوقف على وجوده، وآدم أبو البشر، سخر جميع المخلوقات لأجله ... - وهذه المخلوقات خلقت لأجل البشر ، وأبو البشر إنما خلق لأجله . فكانت الدنيا إفا خلقت لأجله فيكون هو السبب فى وجود كل شيء!!





السبت، 13 أغسطس 2022

شرح البردة للباجوري (والكلام على الاستشفاء بأبياتها) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

شرح البردة للباجوري
(والكلام على الاستشفاء بأبياتها)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تعتبر بردة البوصيري من أروع المدائح التي قيلت في مدح النبيِّ صلي الله عليه وسلم، وقد نالت حظاً كبيراً من عناية العلماء والمصنفين، فشرحوها عشرات المرات وبلغات مختلفة، وشطَّروها، وخمَّسوها، وسبَّعوها، وعارَضوها، ونظموا على نهجها، وغلا بعضهم فيها حتى جعل بعضهم لأبياتها بركة خاصة وشفاء من الأمراض، وهو ما نلاحظه في شرح الباجوري على البردة، ولعل لنا وقفات مع هذه القضية بالذات.

ولا شك أن لهذه المسألة علاقة مباشرة بالسبب الذي جعل البوصيري -رحمه الله -ينظم قصيدته هذه، يقول البوصيري عن سبب نظمه لهذه القصيدة: (كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلى االله عليه وسلم، منها ما اقترحه علي الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير، ثم اتفق بعد ذلك أن داهمني الفالج ) الشلل النصفي (فأبطل نصفي، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى علي بردة، فانتبهت ووجدت فيَّ نهضةً؛ فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً).

يكمل البوصيري كلامه؛ فيقول: (فلقيني بعض الفقراء، فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول االله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها)!!. 

وهكذا شفي البوصيري من مرضه، بعد أن نظم هذه القصيدة، وعادت اليه كامل صحته وحيويته، وشاع هذا المنام، وذاع بين الناس، مما كتب لهذه القصيدة الذيوع والانتشار، ولكن هل هذه الحادثة التي وقعت للبوصيري أضفت على القصيدة خاصية الشفاء، وجعلت لكل بيت منها طريقة للعلاج من الأمراض والأدواء؟!!

وقد كتب حول البردة والتحذير منها عددٌ من العلماء وطلبة العلم أمثال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعبد الرحمن بن حسن بن عبد الوهاب الذي ذكر في بعض رسائله أن أحد شيوخ اليمن وهو محمد بن أحمد الحفظي (ت ١٢٣٧ هـ) كان يستشفي بها هو وأخوه وأبوه، ولكنهم تابوا من ذلك، وكذلك الشيخ علوي السقاف في مقال له منشور بعنوان (قراءة في قصيدة البردة) والتي خلص فيها إلى أن البردة فيها من الغلو وأن البوصيري كان مضطرب الشخصية، ولكن قليلٌ من تعرَّض لهذه المسألة.

وأكثر ما لفت انتباهي هو قول أحد محققي شرح الباجوري عبد الرحمن حسن محمود في (مقدمة شرحه، ص 5): ولعل أحداً يعترض ويقول: كيف يستشفي بها وهي ليست قرآناً ، ولا دعاء من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، الوارد فيها نصوص صريحة؟ فنقول ابتداءً: "إن السر في الكف لا في الحرف"!!، يقول: فكم من كاتب يكتب البسملة والأدعية المأثورة ولا يُشفى المكتوب له، ذلك لأن البركة منزوعة من الكاتب!! ولعل أصدق مثل على ذلك ما نتداوله في بلادنا: (هذه الفاتحة وأين عمر؟). يقول: "على أن الاستشفاء بالبردة، أو بأبيات منها، ليس هو استشفاء بها هي، وإنما الاستشفاء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، إذ هو بركة الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم" انتهى.

والجواب على هذا الإيراد أن يُقال إن جعل أبيات البردة مما يستشفى به، يضعها إلى جنب الرُّقى، ومن المعلوم أن: (الرقية شرعية لا بد أن تجتمع فيها شروط ثلاثة: 

١-أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه أو بصفاته، أو بالأدعية والأذكار النبوية.

٢-وأن تكون باللسان العربي لمن يعرفه، أو بما يعرف معناه من غير العربية، وألا تشتمل على كلمات غير مفهومة لا يُعقل معناها.

٣- وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بقدرة الله تعالى.

ولذلك لم يقل أحدٌ من أهل العلم بجواز الاستشفاء بالبردة ولا بغيرها لأن هذا يفتح باباً البدع والغلو.

والاستشفاء إنما يكون بٱثار النبي صلى الله عليه وسلم (كالشعر والظفر وغيره ...) وليس بجرد مدحه، فإنه لم ذلك في حديث صحيح ولا ضعيف، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدٌ من الصحابة أو السلف الصالحين، بل لم يظهر ذلك إلا عند بعض المتأخرين، الذين زاد غلوهم في البردة لما رأوا انتشارها وعناية الناس بها.

وعوداً على ما سبق، فقد انتشرت هذه القصيدة انتشار واسعاً، حيث ترجمت إلى اللغات الأخرى: كالفارسية، والأردوية، والبنجالية، والسندية، والبنجابية، والتركية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، وغيرها من اللغات.

يقول الشيخ علوي السقاف في كتابه (قراءة في شعر البوصيري، ص ١٣): (والحاصل أن البوصيري كان من غلاة الصوفية الشاذلية، ولا ينفع الذين دافعوا عنه التماسهم العذر له في بعض الأبيات أو توجيهها وجهة حسنة، فهذا إنما يقال لمن كان سليم المعتقد سليم المنهج والطريقة ثم تزل قدمُه في مسألة أو مسألتين، فهذا يُلتمس له العذر فيها، أمّا من كانت هذه طريقته، وهذا معتقده، وهذا ديدنه، فمهما التمسنا له العذر في بيت أو بيتين فماذا عن الباقي؟! وماذا عن شرّاح هذه القصائد الذين يؤكدون هذه المعاني ويتتابعون عليها في شرح قصائده؟! وهذا كله لا يمنعنا أن نشيد بقوةِ شِعْره وجزالته، سواء كان من شعر مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم أو ما فيه من حِكَمٍ ودُرَرٍ…).

أولاً: ترجمة الإمام البوصيري:

١-اسمه ونسبه:

هو شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج بن هلال الصنهاجي البوصيري.

٢-مولده ونشأته:

ولد بقرية دلاص إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، يوم الثلاثاء أول شوال ٦٠٨ هجري، التي كان منها أحد أبويه، والآخر من بوصير، وكلتاهما بمديرية بني سويف، ونشأ بقرية بوصير القريبة من مسقط رأس.

٣-نسبته (بوصيري):

ولما كان أحد أبويه من بوصير الصعيد، والآخر من دلاص، فركبت النسبة منهما فقيل: الدلاصيري، ثم اشتهر بالبوصيري، وقيل: ولعلها بلد أبيه فغلبت عليه، وأسرته ترجع جذورها إلى قبيلة صنهاجة إحدى قبائل البربر، التي استوطنت صحراء جنوبي المغرب الأقصى

٤-حياته التعليمية:

نشأ البوصيري في العصر المملوكي، وتلقي تعليمه في العديد من مدارس القاهرة، التي انتقل إليها، حيث تلقى علوم العربية والأدب منذ نعومة أظفاره فحفظ القرآن في طفولته، وتتلمذ على عدد من أعلام عصره، من العلماء المعروفين، منهم: أبو حيان أثير الدين محمد ابن يوسف الغرناطي الأندلسي، وأبو الفتح محمد بن محمد العمري الأندلسي الإشبيلي المصري، المعروف بابن سيد الناس، والعز بن جماعة وغيرهم من العلماء والأدباء، الذين اكتظت بهم مدن مصر خلال تلك الفترة.

٥-تأثره بالصوفية:

التقى البوصيري بأبي الحسن الشاذلي، وأبي العباس المرسي وغيرهما، وتأثر بهما، وتشرب أفكارهما.

٦-حياته العملية:

وقد تقلب الإمام البوصيري في العديد من المناصب في القاهرة والأقاليم، وعمل بديوان الإنشاء،وبرع في الكتابة والأدب، وأجاد قرض الشعر البليغ الذي تجلت فيه مظاهر الجزالة والسهولة، وتميّز بخفة الروح، والميل إلي الدعابة في غير الموضوعات الدينية.

وباشر أعماله في الشرقية مستقراً بلبيس مديرا لها، وله مجموعة من الأشعار في وصف موظف الدولة، وسوء معاملاتهم للشعب، وسرقة أمواله، وأخذهم الرشاوى، ومن أشهرها قصيدته التي يقول في مطلعها:

(نقدت طوائف المستخدمينا … فلم أرَ فيهمو حُراً أمينا)

٧-مساهمته في الأدب العربي:

نظم الإمام البوصيري الشعر منذ حداثة سنه، وله قصائد كثيرة، ويمتاز شعره بالرصانة والجزالة، وجمال التعبير، والحس المرهف، وقوة العاطفة، وأكثر ما اشتهر بمدائحه النبوية استعمال البديع فيها، كما برع في استخدام البيان، ولكن غلبت عليه المحسنات البديعية في غير تكلف؛ وهو ما اكسب شعره ومدائحه قوة ورصانة وشاعرية متميزة لم تتوفر لكثير ممن خاضوا غمار المدائح النبوية والشعر الصوفي. 

ترك الإمام البوصيري عددا كبيرا من القصائد والأشعار ضمها ديوانه الشعري الذي حققه محمد سيد كيلاني، وطبع بالقاهرة سنة (١٣٧٤ هـ- ١٩٩٥م)، منها:

-قصيدته البردة الشهيرة بالكواكب الدرية في مدح خير البريه.

-والقصيدة المضرية في مدح خير البرية. 

-والقصيدة المحمدية.

-وقصيدة ذخر المعاد.

-ولامية في الرد على اليهود والنصارى، نشرها الشيخ أحمد فهمي محمد بالقاهرة سنة (١٣٧٢ هـ/ ١٩٥٣ م).

-وله أيضاً تهذيب الألفاظ العامية، وقد طبع كذلك بالقاهرة.

وهنا يمكن أن نقسم شعره إلي قسمين أساسيين:

الأول: (شعره الاجتماعي): الذي قاله في المديح والهجاء، والعتاب وشكوى الحال، وغير ذلك من أمور الحياة والعيش آنذاك، وتتجلي فيه مظاهر السهولة والسلاسة، ويتميز بخفة الروح، والميل إلي الفكاهة والدعابة، فاقترب به من الروح الشعبي لغة وتعبيرا، التي اشتهر بها بين شعراء عصره.

أما الثاني: (فشعره الديني): الذي قاله في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم، وجاء قويا رصينا، بدوي الصياغة، يميل فيه إلي احتذاء الشعراء المتقدمين في أساليبهم وتعبيراتهم، والعديد من صورهم، المستمدة من حياة الصحراء والبادية، ولذلك كثر فيه ذكر العديد من أسماء بقاع شبه الجزيرة العربية المشهورة.

ومن العجيب أن شعره في أغلبه لا يمتاز بجودة ولا بلاغة ولا بروعة كبيرة، ولكن مدائحه النبوية وحدها هي التي نالت من البيان والبلاغة أعلى نصيب، واستحوذت على قصب السبق في كل رهان، فتراه في هذه القصيدة العصماء-أعني البردة -

ثناء العلماء عليه:

وبسبب تفوقه في شعر المديح النبوي، أثني عليه العديد من العلماء البارعين، ومؤرخي هذا العصر، فقال عنه ابن حجر الهيتمي في مقدمة " المنح المكية شرح الهمزية البوصيرية": (هو الشيخ الإمام العارف الكامل الهمام، المتفنن المحقق، البليغ الأديب المدقق، إمام الشعراء وأشعر العلماء، وبليغ الفصحاء وأفصح البلغاء).

وقال الشيخ ابن علان الصديقي في مقدمة كتابه "الذخر والعدة في شرح البردة": (أما بعد فهذا تعليق لطيف وترصيف قريب منيف على القصيدة المنبِئة عن كمال المودة، المسماة بالبردة للعارف بالله العالم العامل المخبت الأواه، شرف الدين أبي عبد الله محمد ابن سعيد البوصيري أثابه الله).

وقال الشيخ الباجوري في شرحه على البردة: (ومن أجل الشعراء الإمام الكامل والهمام العالم العامل البليغ الأديب أشعر العلماء وأفصح الحكماء الشيخ شرف الدين أبو عبد االله محمد بن سعيد البوصيري).

وقال الشيخ بسام محمد بارود في حاشيته على" العمدة شرح البردة": (إمام الشعراء، وشاعر الأئمة العلماء، بل هو الفرقد الوضاء الذي أنار الطريق إلى المدائح النبوية).

ومن مؤرخي هذا العصر، الذين أثنوا عليه ، فقال عنه ابن شاكر الكتبي: (وشعره في غاية الحسن واللطافة، عذب الألفاظ، منسجم التراكيب).

كما أثني عليه العماد الأصفهاني، فقال (برع في النظم).

وقال فيه ابن سيد الناس: (هو أحسن من الجزائر والوراق)، ولا شك أنهما من مشاهير الشعراء في عصر المماليك.

وفاته:

توفى البوصيري سنة (٦٩٥ هـ) عن عمر بلغ (٨٧) عاماً، ودفن قريبا من ضريح شيخه أبو العباس المرسي في شرق الإسكندرية أمام الميناء الشرقي بمصر.

أسماء قصيدة البردة:

١-البردة، وهي أشهر أسمائها، قال الباجوري: (وإنما اشتهرت بذلك لأنه لما نظمها بقصد البرء من داء الفالج الذي أصابه فأبطل نصفه حتى أعجز الأطباء رأى النبي صلى الله عليه وسلم، في منامه فمسح بيده الكريمة عليه ولفه في بردته فبرأ لوقته كما ذكره الناظم في تعليقه.

٢-البرأة، قال الباجوري :سميت بها البرأة لأن المؤلف برأ بها.

٣-الكواكب الدرية في مدح خير البريه.

٤-الكواكب البدرية في مناقب أشرف البرية سماها بذلك الشيخ جلال ابن قوام بن الحكم كما في كشف الظنون.

ولا شك أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى كما هو مشهور.

عدد أبيات هذه القصيدة

اختلف العلماء عن تحديد عدد أبياتها، فمنهم من قال أن عددها مائة واثنين وثمانين (١٨٢) بيتاً، ومن قال أن عددها مائة واثنين وستون (١٦٢) بيتاً، وقال بعضهم أن عددها مائة وواحد وسبعون (١٧١) بيتاً، ولكن معظم النسخ الصحيحة اتفقت على أن عدد ِ أبياتها مائة وستون بيتا (١٦٠) بيتاً: أولها:

أمن تذكر جيرانٍ بذي سلم مزجتَ دمعاً جرى من مُقلة بدمِ

ويشهد لذلك قول بعضهم:

أبياتها قد أتت ستين مع مائةٍ فرج بها كربنا يا واسع الكرمِ





قصيدة البردة للبوصيري دراسة أدبية للباحث محمد أبو الحسين بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

قصيدة البردة للبوصيري

دراسة أدبية للباحث محمد أبو الحسين

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه القصيدة المتقنة والمتألقة جاءت في مديح الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وتعداد خصاله وشمائله الشريفة، وما وهبه الله من الشرف والرفعة والتكريم، عبر فيها البوصيري عن ذلك بأفصح العبارات وأبلغها، وأكثرها تأثيراً في النفس، وقد جاءت حافلة بالعاطفة الصادقة، والإخلاص المتين، والحكمة الخالدة، وفنون القول، وجودة التصوير، كما أنها احتوت على خطرات رائقة، وأنواعٍ متنوعة من علوم البيان، كما أنها تميزت بالعذوبة، والرقة، والفخامة، مع السهولة والسلاسة التي قد تصل إلى السهل الممتنع.

كما يظهر من أبياتها أن البوصيري يقتبس معانيه من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والقصص الإسلامي، والسيرة النبوية المطهرة، وإن كان كثيراً منها لا يثبت، وظهر أثر ذلك واضحاً في العديد من أبيات القصيدة، مع قدرة الشاعر التعبيرية التي مكنته من التشخيص والتمثيل للمعاني المجردة على هيئة أشخاص وأفعال تتحرك وتحس.

ولا يخفى ما تعرضت له البردة من النقد العقدي والحديثي والتاريخي، حيث يرى كثيرٌ من العلماء المعاصرين أن فيها غلواً ومبالغة في المدح والثناء، بل وإن فيها ما يخالف الاعتقاد السوي والدين الحق، ولا نريد أن نخوض في هذه المسألة، فإننا لو جردنا البردة من تلك الأبيات المعترض عليها، فإنها ستكون في غاية النفاسة وعلو القدر، وعليه فلا يجوز أن نمحو السيء بالسيء، وإنما ندفع السيء بالحسن، وسيجد القارئ لها أثراً طيباً في نفسه.

ويغلب على الظن أن البوصيري قد تأثّر بنظم ابن الفارض في "ميميته"، وابن الفارض هو الشاعر الصوفي المعروف، المتوفى عام ٦٣٢ هـ، فاستأنس البوصيري عند نظمه البردة " بميمية" ابن الفارض جرى على منوالها وزنا وقافية، والتي يقول في مطلعها:

(هل نار ليلى بدت ليلاً بذي سلم… أم بارق لاح في الزوراء فالعلمِ)

(أرواح نعمــــــــــان هلاّ نسمة سحراً … ومـــــــــــــاء وجرة هــــلا نهـــــلة بفمِ)

الأمر الذي يناسب مطلع قصيدة البوصيري، حين يقول:

                    (أمن تذكر جيرانٍ بذي سلمِ مزجتَ دمعاً جرى من مُقلةٍ بدمِ)

ثم قول ابن الفارض في "ميميته":

                    (يا لائما لامني في حبهم سفهاً كف الملام فلو أحببت لم تلم)

يناسبه من شعر البوصيري، قوله:

                    (يا لائمي في الهوى العُذري معذرةً … مني إليك ولو أنصفت لم تَلُمِ)

وغير ذلك من المعاني التي تابع فيها البوصيري ابن الفارض في ميميته، ولايعني هذا أنه لو لا ميمية ابن الفارض ما كانت بردة البوصيري، وكانت بردة البوصيري تشبه ميمية ابن الفارض في الوزن الشعري، فكلاهما من البحر البسيط، وهو أحد الأبحر الثلاثة التي دارت على ألسنة الشعراء في مختلف العصور، وهي الطويل والبسيط والكامل.

كما أخذ البوصيري الروي أيضاً عن قصيدة ابن الفارض، فكان حرف الميم المكسور، الذي يُضفي على القصيدة جرساً موسيقياً مميزاً، مع تنويعه في الأساليب بين الأسلوب الخبري والأسلوب الطلبي المنفعل، الذي يلامس القلب، ويتغلغل في الوجدان.

ولكن جاءت ميمية ابن الفارض في (١٨) ثمانية عشر بيتاً في الوقت الذي وصلت فيه قصيدة البوصيري إلى (١٦٠) مائة وستين بيتاً، فميمية ابن الفارض خيط قصير، في النسيج الطويل للبردة.

لقد حظيت قصيدة البردة بما لم تحظ به قصيدةٌ قبلها من تنافس الناس في حفظها، والإكثار من ترديدها في مجالسهم، وأقبل الشراح يشرحونها، والشعراء يعارضوها، كما شطروها وخمسوها وسبعوها وتفننوا في ذلك حتى نشأ فن شعري جديد سمي بالبديعيات جاء علي هديها ونسقها، وصار من الموضوعات الشعرية الشائعة في عصر المماليك، واستمرت معارضتها حتى العصر الحديث، ومن أشهر هذه المعارضات:

١-معارضة الشاعر الكبير، الملقب بأمير الشعراء أحمد شوقي في "نهج البردة".

٢- ومعارضة البارودي في قصيدته، وغيرهما.

وقد تناول الباحث -في بحثه هذا -عدة محاور لهذه القصيدة، أبرزها:

أولاً: ترجمة الإمام البوصيري، وبيان عصره، وثناء الناس عليه، وأهم قصائده.

ثانياً: الأجزاء الرئيسية المكونة لقصيدة البردة:

ثالثاً: الأجزاء الثلاثة الأولى من قصيدة البردة حيث تناولها الباحث بالدراسة والشرح والتوضيح، وهي تمثل الجوانب المختلفة التي أراد الشاعر أن يعبر عنها، ويركز عليها.

الأجزاء الرئيسية المكونة قصيدة البردة:

والقصيدة من المطولات الشعرية، حيث أنها تقع في مائة وستين بيتاً، وتتكون القصيدة من عشرة أجزاء رئيسية، وهي:

-النسيب النبوي ١ -١٢

-التحذير من هوى النفس ١٣ -٢٨

-مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ٢٩ - ٥٨

-في الحديث عن مولده صلى الله عليه وسلم ٥٩ -٧١

-في الحديث عن معجزاته صلى الله عليه وسلم ٧٢ -٨٧

-في شرف القرآن الكريم ومدحه ٨٨ - ١٠٤

-في جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته ١١٨ -١٣٩

-في التوسل والتشفع بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ١٤٠ -١٥١

-في المناجاة والتضرع ١٥٢ -١٦٠

ثالثاً: الأجزاء الثلاثة الأولى من قصيدة البردة، هي:

    القسم الأول: ما يتعلق بذكر المحبة والهيام والشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    القسم الثاني: ما يتعلق بأحوال النفس وأمراضها وعلاجها.

    القسم الثالث: مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبيان خصائصه وخصاله.

وقد استهل البوصيري قصيدته بهذا النسيب النبوي الذي جاء في صورة هذا الغزل الطاهر البرئ، الذي نلمح من خلاله نار تشوقه إلي معالم تلك الأراضي الطاهرة التي يحن إليها قلب كل مسلم، فيجرد الشاعر من نفسه إنسانا آخر ليخاطبه، متسائلا عن سبب هذا البكاء، وتلك الدموع المنهمرة، أهو تذكر الأحبة وأماكنهم؟ أم أن الريح جاءت من ناحيتهم، تحمل بعضا من عبيرهم وشذاهم، فأثارت شجونه، وأحيت ذكرياته عنهم؟

(أمن تذكر جيرانٍ بذي سلمِ مزجتَ دمعاً جرى من مُقلةٍ بدمِ)

(أم هبَّت الريح من تلقاء كاظمةٍ وأومض البرق في الظلماء من إضمِ)

ويستطرد الشاعر في وصف حبه وهيامه، الذي لا يستطيع إخفائه وستر أمره عن أعين اللائمين، فمهما حاول التجلد والصبر، وتكلف إظهار الجلد، فلم يستطع إخفائه، فعلامات المحبة والهيام تفضحه، وتكشف ما خفي من أمره، وكيف ينكر أمر هذا الحب والعشق بعد ما شهدت به مجموعة من الشهود والعدول، هيمان الدمع- واضطراب القلب- وإراقة دمعه علي الأطلال- وتمكن الحب من قلبه- وأرقه لذكر البان والعلم، فهل بعد هذه الأدلة يجد إنكار، أو يفيد تستر وإخفاء، فلولا الحب ما بكيت علي ديار الأحبة، وما استعصى عليك النوم، وخاصم جفنيك، كلما مر بخاطرك موطن حبك القديم:

(لولا الهوى لم تُرق دمعاً على طَللِ … ولا أرقتَ لذكر البانِ والعلم)

(فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا …ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ)

(أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ… ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ)

ثم يعود الشاعر بعد أن اكتشف أمره، وأفصحت حاله عن حبه وهيامه، فيطلب المعذرة، وعدم المؤاخذة لهذا الهوى، فلو أصابك أيها العازل ماأصابني، وحل بك ما حل بي، لا تظلمني بهذا اللوم، ولأنصفت، وعدلت فلم تلم، لأنه ليس هناك اختيار في الحب، ثم يدعو علي لائمه هذا بأن يصاب بما أصيب به حتى يعذره ، ويكف عن لومه:

                ا لائمي في الهوى العذري معـــــذرة … مني إليك ولو أنصفت لم تلــــــــــمِ)

                (عدتك حالي لا سري بمســــــــــــــتتر … عن الوشاة ولا دائي بمنحســـــــــم)

ثم يعترف الشاعر للائمه بما أسداه إليه من النصح، ولكنه لم يستمع اليه، ولم يلتفت إلى نصحه، وهذه شيمة من يتمكن الهوى والحب من قلوبهم، فلا ينصتون لناصح، أو يستمعون إلي عاذل، إن المحب عن العذال في صمم، فوفر عليك نصحك، فلن أستجيب لك أبدا، لأن حب الله ورسوله قد تمكن في قلبي، وخالط لحمي ودمي:

                (محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ إن المحب عن العذال في صــــــممِ)

                         (إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي والشيب أبعد في نصح عن التهــــمِ)