أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 سبتمبر 2021

ولاية الله والطريق إليها (قطر الولي في حديث الولي) تأليف محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني

ولاية الله والطريق إليها (قطر الولي في حديث الولي)

تأليف محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني 

(المتوفى: 1250هـ)

شتا حسين، ومصطفى الهواري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب النفيس هو أوسع شرحٍ للحديث المعروف (بحديث الولي)، وهو الحديث القدسي، الذي يقول فيه رب العزة: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وقد تناوله الإمام الشوكاني بالشرح والتعليق واستباط المعاني الدقيقة، وتكلم على معانيه وأسراره وحكمه، وبيَّن المراد بالولي، وشرط الولاية، وأحوالها، ومعانيها، وأسباب التحقُّق فيها، وعلامات صدقها، والخوارق التي تجري على أيدي الأولياء، بالإضافة إلى العديد من المباحث اللغوية، والحديثية، والأصولية، والفوائد المنثورة في صفحات الكتاب.

وقد تعرَّض الكتاب للرد على أدعياء الولاية، أو الأولياء المزيفون الذين ينتمون إلى الآراء الباطنية من الرافضة والصوفية الذين اتخذوا الولاية والأولياء ذريعةً للتحلُّل من الشريعة، وبيَّن فيه الإمام الشوكاني الصورة الحقيقية للولي كما يُريده الله سبحانه، حسبما ورد في القرآن الكريم والسُّنة النبوية الصحيحة. 

كما يعتبر هذا الكتاب -أيضاً -دفاعاً عن الإسلام في أخصِّ ناحيةٍ فيه، وهي ناحية استمداد الأحكام الدينية، بعيداً عن الشطحات الغنوصية، والفلسفات الباطنية، التي تسربت إلى أفكار كثير من الطوائف المتحللة من الشرائع والدين، والمحتالين الذين زحلفوا أحكام الشريعة بالشُّبه الباطلة، والأقوال الكاذبة.

وكذلك يُمكن اعتباره داعياً إلى طريق الولاية الحقيقة، ومرشداً إليها، من كتاب الله عز وجل، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى أن طريق الولاية بعد الإيمان بالله عز وجل هو العمل بما جاءت به الأحاديث الصحيحة، والزيادة بالنوافل المشروعة من الطاعات، وأن هذه وتلك أنواعٌ عديدة كما جاء في الكتاب والسنة. وكما قال الشوكاني: "وَكَيف يكون وليا لله سُبْحَانَهُ من يعرض عَمَّا شَرعه لِعِبَادِهِ ودعاهم إِلَيْهِ ويشتغل بزخارف الْأَحْوَال، وخواطر السوء ويؤثرها على كَلَام من هُوَ ولي لَهُ؟ ! فَإِن هَذَا هُوَ بالعدو أشبه مِنْهُ بالولي".

ويتميز الشوكاني بمنهجه السلفيِّ الأصيل، الذي يردُّ كل شيء إلى الكتاب والسنة، ويجعل هدفه في التقرب إلى الله عز وجل المحافظة على الشريعة، وإحيائها بالعمل.

ومن المؤاخذات على الكتاب، ما يلي:

أولاً: ذكر الإمام الشوكاني تأويلات العلماء لصفة "التردد" لله عز وجل، ورده جميعاً، وأجاب عنها، ثم جاء هو بما هو أضعف من تأويلاتهم. 

قال المحققان: وأما اعتقاد السلف في صفة (التردد): فهو أن وصف الله تعالى بالتردد من جملة الصفات التي يجب الإيمان بها على حقيقتها مع الاعتقاد أن صفاته تعالى كلها علو وكمال ولا تشابه صفات خلقه وكلام المصنف هنا مخالف لاعتقاد سلف الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان؛ إذ فيه إخراج للفظ عن مراد االله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع المصنف رحمه االله في تأويل بعض الصفات مع أن الثابت عنه في كتبه موافقته لمذهب السلف في صفات االله تعالى إجمالا وقد فصل د عبد الله نومسوك في كتابه "منهج الإمام الشوكاني في العقيدة" أن وصف الله تعالى بالتردد في قبض عبده المؤمن على حقيقته، ولا يجوز صرفه عن مراد الله فيه. وقد سئل  شيخ الإسلام ابن تيمية عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟  كما في مجموع الفتاوى  (١٨/ ١٢٩) فأجاب: هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة، وقالوا: إن االله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، واالله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة: المتردد والتحقيق أن كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بيانا منه، فإذا كان كذلك؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس، وأجهلهم، وأسوأهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول االله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور؛ لا يكون ما وصف االله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن االله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهل منه بالشيء الواحد، الذي يحب من وجه، ويُكره من وجه. وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة، التي تكرهها النفس، هو من هذا الباب… فالرب مريد لموت عبده، لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك، كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مُراداً للحق من وجه، مكرو ًها له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مُراداً من وجه، مكروهاً من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس أرادته لموت المؤمن الذي يحبه، ويكره مساءته، كإرادته لموت الكافر، الذي يبغضه، ويريد مساءته.

ثانياً: ما ذكره من أن بعض الأولياء يطلع على الغيب

والجواب: أن الأصل في الغيب أنه لا يعلمه إلا االله تعالى، وقد قالت أم المؤمنين عائشة: في حقه  صلى الله عليه وسلم: (ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب): وهو يقول، لا يعلم الغيب إلا الله. كما في صحيح البخاري، فإذا كان هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فمن دونه أولى. قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله -في (منهاج أهل السنة والجماعة في العقيدة والعمل) ص ٢٢: لا شك أن في هذه الأمة أئمة، ولا شك أن فيها أولياء، ولكننا لا نريد بذلك أن نثبت العصمة لأحد من هؤلاء الأئمة، ولا أن ُنثبت لأحد من الأولياء أنه يعلم الغيب أو يتصرف في الكون. انتهى. وانظر إلى هذا التخبط من أحد غلاة الصو - وهو الشعراني -في طبقاته -يقول عن الولي: إذا صلحت سريرته مع االله، كلَّفه ما بين السماء والأرض، فإن فيهم خلقاً لا يعلمه إلا االله، ثم لا يزال يرتفع من سماء إلى سماء، حتى يصل إلى محل الغوث، إلى أن يصير صفة من صفات الحق تبارك وتعالى، ويطلعه على غيبه، حتى لا تنبت شجرة، ولا تخضر ورقة، إلا بنظره. انتهى. نعوذ بالله من الخذلان.

حديث الولاية

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٌ أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته " 

[رواه البخاري (8/ 105)، برقم (6502)].

ذكر فصول هذا الكتاب ومباحثه باختصار:

الْفَصْل الأول: المقدمة

1-من هُوَ الْوَلِيّ؟

2-أفضل الْأَوْلِيَاء؟

3-طَبَقَات الْأَوْلِيَاء؟

4-الْأَوْلِيَاء غير الْأَنْبِيَاء لَيْسُوا بمعصومين؟

5-المقياس فِي قبُول الْوَاقِعَات والمكاشفات؟

6-إِمْكَان وُقُوع المكاشفات؟

7-الْوَاجِب على الْوَلِيّ فِيمَا يصدر من أَعمال؟

8-خوارق غير الْأَوْلِيَاء؟

9-المكاشفات الصَّحِيحَة وأولياء الْمُؤمنِينَ

10-شخصية الْوَلِيّ

11-جَوَاز الكرامات

12-مَتى يكون الخارق كَرَامَة

13-المعاداة من الْوَلِيّ كَمَا يُمكن أَن تتَصَوَّر

14-عود إِلَى مقياس الْولَايَة

15-السكونيات، والدينيات فِي الْقُرْآن الْكَرِيم

16-الْقدر وَنفي احتجاج العصاة بِهِ

17-مبدأ الباطنية، وَكَيف قَامُوا

18-كَرَاهَة الرافضة للصحابة أُرِيد بِهِ هدم السّنة

19-نصيب الْعلمَاء العاملين من الْولَايَة

20-أَسبَاب رسوخ الْعلمَاء العاملين فِي الْولَايَة

21-الرُّجُوع إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله فِي مسَائِل الدّين هُوَ الطَّرِيقَة العلمية

22-حَقِيقَة الْمُقَلّد والتقليد وحكمهما

23-التَّقْلِيد فِي نظر الْعلم والمعرفة

24-موقف أَئِمَّة الْمُسلمين من المقلدين

25- تناقص الْمُقَلّد مَعَ نَفسه

27-مَنْهَج الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ

28-معنى الِاقْتِدَاء بالصحابة، وموقف الْمُقَلّد من ذَلِك

29-رأى الْعَالم عِنْد فقد الدَّلِيل رخصَة لَهُ فَقَط:

30-مَا هُوَ مَنْهَج الْحق، ومهيع الشَّرْع، الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَآله وَسلم، وخلفاؤه الراشدون، وَبِه تقوم الْحجَّة على كل مُسلم. 

31-الْمَطْلُوب من مقلد وَمن عوام الْمُسلمين

32-الِاجْتِهَاد ووحدة الْأَحْكَام

33-منطق المقلدين هُوَ منطق السوفسطائيين

34-سد بَاب الِاجْتِهَاد وَنسخ للشريعة

35-جِهَاد الشَّوْكَانِيّ للمقلدين

36-من أخطار التَّقْلِيد والمقلدين

37-وجود الِاجْتِهَاد فِي الْمذَاهب حجَّة على المقلدين

38- أهل الْيمن وَالِاجْتِهَاد

39-تعصب المقلدين أساسه الْجَهْل

40-وَاجِب الْعلمَاء وأولي الْأَمر نَحْو المقلدين

41-مدى تكريم الله سُبْحَانَهُ للأولياء

الفصل الثاني: الطَّرِيق إِلَى ولَايَة الله

(1) أَدَاء الْفَرَائِض:

1 - من أَدَاء الْفَرَائِض ترك الْمعاصِي

2 - من الْمعاصِي إبِْطَال الْفَرَائِض بالحيل


(أ)- إبِْطَال حجج الْقَائِلين بالحيل

(ب) الْحِيلَة والشريعة

(م) الْحِيلَة من الإضافات للشريعة المبطلة لفرائضها

(د) المعاريض من الشَّرِيعَة

(هـ) من الْحِيَل المكفرة والمنافية للدّين

(2) " التَّقَرُّب بالنوافل "

1 - من نوافل الصَّلَاة

تذييل - محبَّة الله والاستكثار من تِلْكَ النَّوَافِل

2 - من نوافل الصّيام

3 - من نوافل الْحَج

4 - من نوافل الصَّدَقَة

(3) التَّقَرُّب بالأذكار:

ترغيب الْكتاب، وَالسّنة فِيهَا

أعظم الْأَذْكَار أجرا

أذكار الْأَوْقَات وفوائدها

أذكار التَّوْحِيد

الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وفضلها

التَّسْبِيح وفوائده

الْأَدْعِيَة النَّبَوِيَّة

الْأَدْعِيَة عقب الْوضُوء وَالصَّلَاة

الْأَدْعِيَة عِنْد الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَدخُول الْمَسْجِد

الْأَدْعِيَة دَاخل الصَّلَاة

الْأَدْعِيَة فِي الصّيام وَالْحج وَالْجهَاد وَالسّفر وَغَيرهَا

(4) - الْإِيمَان وَطَرِيق الْولَايَة:

1 - الْإِيمَان بِالْقدرِ، وخاصة الْمُؤمنِينَ:

2 - فَوَائِد الْإِيمَان بِالْقدرِ:

3 - الْإِيمَان بِالْقضَاءِ والاستعاذة من سوءه:

4 - الْإِيمَان وَالْإِحْسَان وَلمن يَجْتَمِعَانِ:

(5) الدُّعَاء أعظم مظَاهر الْولَايَة:

1-الْولَايَة وَالْعُزْلَة

2-اللطف والنصر وَعَامة الْمُؤمنِينَ

3-محبَّة الله بَين أَدَاء الْفَرْض وَالنَّفْل

4-أدَاء الْفَرَائِض شَرط فِي اعْتِبَار النَّوَافِل

5-لَيست المداومة شرطا فِي الْقرب

6- محبَّة الله شَامِلَة للمتقرب بِالْفَرْضِ والمتقرب بالنفل


الْفَصْل الثَّالِث: أثر محبَّة الله فِي حَيَاة الْوَلِيّ

1- هدايته وتوفيقه

2- المُرَاد من أَن الله صَار سمع العَبْد وبصره إِلَخ

3- تَحْقِيق آراء الاتحادية والصوفية

4- منشأ الْخَطَأ عِنْد الاتحاديين

5- فضل السّمع على الْبَصَر فِي التأثر وَالِاعْتِبَار

6- إِجَابَة الدُّعَاء، من مظَاهر محبَّة الله للْعَبد (أَولا)

7-أثر نوافل الصَّلَاة وَغَيرهَا فِي محبَّة الله لعَبْدِهِ

8-الْعِصْمَة والقرب الَّتِي فِي هَذَا الحَدِيث

9-مَتى نسلم بآراء أهل الْولَايَة وخواطرهم

الْفَصْل الرَّابِع: قيمَة هَذَا الحَدِيث فِي بَاب السلوك والأخلاق

1-الْإِحْسَان والمفروضات الباطنية

2-طَهَارَة الْبَاطِن وأثرها فِي مَرْكَز الْإِنْسَان من الْولَايَة

3-الطَّرِيق إِلَى طَهَارَة الْبَاطِن

4-مقَام الْإِحْسَان وَلمن يكون

5-مقَام الْوَلِيّ وَإجَابَة الدُّعَاء

6-مقَام الْمحبَّة وَإجَابَة الدُّعَاء

7-مقَام الْمحبَّة ومداومة الدُّعَاء

8-ضلال المدعين لرفع التَّكْلِيف

9-المُرَاد بتردد الله سُبْحَانَهُ عَن نفس الْمُؤمن

10-لَا تلازم بَين علم الله ونفاذ قَضَائِهِ

11-الدُّعَاء كسبب لرد الْقَضَاء

12-مبدأ السَّبَبِيَّة فِي الشَّرِيعَة الإسلامية

13-كَرَاهَة الْمَوْت ومقام الْولَايَة

14-الْوَلِيّ وَمَعْرِفَة الغيبيات

15-تواضع الْوَلِيّ وَحَقِيقَته

16-خَاتِمَة الشَّرْح



عقيدتنا في الولاية والأولياء بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

عقيدتنا في الولاية والأولياء

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

1- الولاية في اللغة: القربُ والمحبة والنصرة والتأييد والإعانة.

2-وولاية الله لعبده: هدايته إلى طاعته، ومحبته، ونصرة دينه.

3-وولاية العبد لله: تقتضي الإيمان به سبحانه، والتقرب إليه بطاعته، وترك مساخطه، وخشيته ومراقبته،

فالوليُّ: هو العالم بالله تعالى، المواظبُ على طاعته، المخلصُ في عبادته،

وبعبارة أخصر، هو كل مؤمنٍ بالله، تقيٌّ في دينه، مؤثرٌ طاعة ربه على هوى نفسه.

4- وولاية الله لعبده ليست عن افتقارٍ أو حاجةٍ إليه، إنما يواليهم إكراماً لهم وتفضلاً عليهم، لغناه سبحانه عمن سواه، وافتقار كل من عداه إليه.

5- والولاية نوعان:

-عامةٌ لكل المؤمنين، وحاصلةٌ لهم بقدر إيمانهم وتقواهم،

-وخاصَّةٌ، وهي لمن قام لله بجميع حقوقه، وآثره في جميع الأحوال، حتى صارت مراضي االله ومحابه هي همه ومتعلق خواطره.

6- قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (يونس: 62 - 64).

3-وأعظم الناس ولايةً لله تعالى، وأفضل الأولياء على الإطلاق هم الأنبياء عليهم السلام، وأفضلهم الرسل، وأفضل الرسل أولوا العزم منهم، وأفضل أولي العزم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

4- ثم بعد الأنبياء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأفضلهم أكابرهم، لا سيما الذين جمعوا بين العلم والجهاد، وأفضلهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، وأفضلهم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان ثم علي، ثم الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر رضي الله عنه، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل الدار، ثم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم أصحاب بدر، ثم أصحاب بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضوان الله عليهم.

5-ثم من بعدهم من الأولياء من التابعين وأتباعهم، وأفضلهم أويس القرني، ومن ثمَّ عامة الأولياء في القرون الثلاثة المفضلة، الذين لا يُحصيهم إلا الله تعالى.

6- ثم من جاء بعدهم من العلماء العاملين، الذين آمنوا بالله ورسوله، الذين بيَّنوا للناس ما شرعه الله تعالى، ودفعوا عن الناس البدع والجهل والغلو، وصاولوا أهل الإلحاد والزيغ والزندقة، واعتقدوا عقائد السلف من الإثبات والتوحيد.

6- والولاية تتفاوت بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح؛ فكلما ازداد يقين العبد وترقَّى في درجات الكمال والصلاح، واتصف بالتقوى كان أعظم ولايةً عند الله سبحانه وتعالى.

7- وأولياء الله سبحانه المتقون، هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فيفعلون ما أمر به، وينتهون عما زجر عنه، فيؤيدهم الله بملائكته، وروحٍ منه، ويقذف في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يُكرم بها أولياءه المتقين.

8- والأولياء -عدا الأنبياء -غير معصومين بل هو معرضون للخطأ، ويجوز عليه ما يجوز على غيرهم من المعاصي والوقوع في الكبائر والصغائر.

9-وإذا وقع منهم الذنب بادروا إلى التوبة، ولا يخرجهم ذلك عن كونهم أولياء لله تعالى.

10-ولا يجوز للولي أن يعتقد في كل ما يحصل له من الواقعات والمكاشفات أن ذلك كرامةً من الله سبحانه له، بل قد يكون ذلك من تلبيس الشيطان ومكره به، ويعرف ذلك من جملة أحواله.

11- ويجب على الولي أن يعرض أوقواله وأفعاله على الكتاب والسنة، فإن كانت موافقةً لهما فهي حقٌّ وصدق، وإن خالفتهما، كان ذلك باطلاً ومردود، وكان ممكوراً به. 

12-ويجب على الوليِّ أن يكون ممتثلاً كتاب الله عز وجل، مقتدياً بالسُّنة، وازناً لأفعاله، مُميزاً للشريعة المطهرة، واقفاً على حدودها، غير زائغٍ في شيءٍ من أمور الدين.

13-وإذا ورد عليه واردٌ قلبي يُخالف الشريعة ردَّه، واعتقد أن هذا من الشيطان، ويدافع ذلك بحسب استطاعته، ومن خالف في هذا فليس ولياً لله تعالى.

14- وليس من الكرامة ترك الطعام أو الشراب، على ترتيب معروف، وقانون معلوم، حتى تمضي عليه مُدة، ويزعم أنه أدرك ما لم يُدرك غيره، وليس من الكرامة الضرب بالشيش، أو المشي على الجمر، أو الضرب بالسكين، وإنما ذلك من أفعال الشياطين الذين لهم أتباعٌ من الجن، ويظهرون ذلك على أيديهم بما يظنون أنه كرامة وهو في الحقيقة من المخاريق الشيطانية.

15-والمجانين والمعاتية ليسوا من جملة الأولياء المقربين، ولا الأعداء المبعدين، وإن ظهر على ألسنتهم مكاشفات صحيحة، وعبارات ظاهرة، لكنهم ملتاثون بالنجاسات، وغير متنزهين عن القاذورات، ويظن بعض من لا حقيقة عنده أنهم من الأولياء وليسوا كذلك.

16- ومن أخصِّ أوصاف أولياء الله تعالى أن يكونوا مجابي الدعاء، وهذه أعظم كراماتهم، مع رضاهم التام عن الله تعالى في كل حال، وقيامهم بفرائضه، وتركهم لمناهيه، وزهدهم في دنيا الناس، وتواضعهم مع الخلق، غير معجبين بأنفسهم، مع حُسن الأخلاق والعمل، وعظيم الحلم، وعظم الاحتمال.

17-ونعتقد أن كل بدعةٍ ضلالة، وكل مبتدعٍ فهو مُبعدٌ غير مُقرب، وأنه أحقُّ بوصف العداوة من الولاية، ويشمل ذلك ما يفعله الراقصون من المتصوفة، أو المطبرون من الشيعة، وأذنابهما.

19-ونعتقد أنه يجب الإيمان بجميع ما أخبر به الأنبياء عن الله عز وجل، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به؛ بخلاف الأولياء فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به ولا تصديق كل ما يخبرون به؛ بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله وما خالف الكتاب والسنة كان مردوداً.

20-ونعتقد أن مقام الولاية تبع لمقام النبوة، فلا يكون الولي ولياً لله تعالى حتى يعتقد أن النبي أفضل منه ومن البشر أجمعين، ومن ظن غير ذلك فقد فتح على نفسه باباً من الزندقة.

21-وأن الأولياء لا يأمرون الناس بعبادتهم، ولا اتخاذهم أنداداً ولا شفعاء، ولا وسطاء بين الله وخلقه، ويعتقدون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ويُحرمون على أتباعهم دعاءهم أو الاستغاثة بهم بعد موتهم، ولا يرضون أن يُفعل ذلك عند قبورهم، ويتبرءون ممن يفعل ذلك أتمَّ البراءة، ويعادونه أتمَّ المعاداة، ومن خالف ذلك فهو من أعداء الله لا من أوليائه.



الأحد، 19 سبتمبر 2021

نظرة إلى تطور المذهب الأشعري -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

نظرة إلى تطور المذهب الأشعري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ينتسب الأشاعرة إلى مؤسس الفرقة الأول، وهو أبو الحسن الأشعري (ت 324 هـ)، الذي تبنى مذاهب الكلابية، وابن كلاب (=عبد الله بن سعيد بن كلاب -قوله مشوبٌ بقول الجهمية في الكلام والقدر والصفات الاختيارية)، ووافق الأشعري أهل السنة في إثبات الصفات الخبرية، مثل: الوجه، والعينين، واليدين...، وخالفهم في إثبات الصفات الاختيارية، وحاول الأشعري أن يجمع بين بعض أصول المعتزلة والجهمية واتّباع مذهب السلف، وهو في الجملة أقرب إلى السلف من كثيرٍ ممن أتى بعده.

ثم جاء من بعده المؤسس الثاني، وهو القاضي الباقلاني (=أبو بكر، محمد بن الطيب، ت 403 هـ)، وهو أول من انتسب إلى الأشعري، واعتنى به وميزه، وأعلن عن هذه التسمية، وحاول أن يجمع بين اعتقاد الحنابلة والمذهب الكلابي، ونحا بالمذهب إلى تأويل بعض الصفات الخبرية.

ثم جاء ابن فورك (= محمد بن الحسن، ت 406 هـ) الذي نحا بالمذهب الأشعري إلى التأويل وبقوة، وجدد الأصول الكلامية للمذهب الأشعري، وأخذ كثيراً من أصول المعتزلة،

ثم جاء البغدادي (= عبد القاهر بن طاهر، ت 430 هـ) الذي حصر أهل السنة في الأشعرية، وتبنى فكرة أن المذهب الصحيح هو المذهب الأشعري، وأنه ليس ثمَّ إلا المعتزلة والأشاعرة.

ثم جاء الإمام أبو بكر البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي، ت 458 هـ)، الذي ربط المذهب الأشعري بالمذهب الشافعي، ومزج كتبه العقدية بكلام الأشاعرة ودعم الأشاعرة في فتنة نيسابور بين السلفية والأشعرية، والتي قامت على القشيري –صاحب الرسالة –الذي تغلَّظ للتعطيل، وحصلت بسببه فتنةٌ عظيمة.

ثم جاء القشيري (أبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن، ت 465 هـ)، الذي أدخل التصوف بقوة في المذهب الأشعري، وجعله مختلطاً به في المنهج والاعتقاد والسلوك، والتصق به التصاقاً كلياً، وكان المذهب الأشعري في هذه الفترة مستعلياً بالنظامية، مع فتنٍ كثيرة تسبب بها لأصحاب المعتقد السلفي.

ثم جاء الجويني (عبد الملك بن عبد الله، ت 478 هـ) وهو الذي خطا بالمذهب الأشعري خطوات نحو الاعتزال، والتأصيل الكلامي، ونقح الجويني المذهب الأشعري ورد بعض أقوال الأشعري والباقلاني وابن فورك ومن في طبقتهم الذين أثبتوا الصفات الخبرية لله تعالى، واتهم الأشعري بالتناقض، وكان أكثر اقتراباً من أصول المعتزلة، بحيث تمثل بعضها تماماً، فمال إلى الاعتزال، وقرب الأشعرية من المعتزلة، وكان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم الجبائي، واطلاع واسع على كتب الفلاسفة.

ثم جاء دور الغزالي (أبو حامد، محمد بن محمد الطوسي، ت 505 هـ)، الذي لم يأتِ بجديد في مذهب الأشاعرة، بل تابع الجويني في أصوله الاعتزالية، وأعاد صياغة ما كتبه، بأسلوب جديد، وحوَّل المعركة بين الأشاعرة والمعتزلة إلى مسار جديد بين الأشاعرة والفلاسفة، كما امتزج تصوفه بتصوف أهل الاتحاد، وعلومه بعلوم الفلاسفة، وكرَّس قانون التأويل الكلامي في المذهب الأشعري، بحيث أصبح المذهب لا ينفك عنه.

وعاصر الغزالي ابن تومرت (محمد بن تومرت، ت 524 هـ) الذي أسَّس ما سماه  بدولة الموحدين، التي بناها على أنقاض دولة المرابطين، وقد ساهم في نشر المذهب الأشعري، وادَّعى المهدية، وكان سفاكاً للدماء.

ثم جاء المُجدد الرابع لمذهب الأشعرية، وهو الرازي (الفخر، محمد بن عمر، ت 606 هـ)، والذي توغل في الفلسفة وخلطها بعلم الكلام الذي استقصى أوائله وأواخره، ولم يقدر على الخلاص من العلوم الفلسفية، وحصل له اضطراب في كثيرٍ من المسائل، وكثر اضطرابه في تقريراته وكتبه، وقد اقتدى به كثيرٌ ممن أتى بعد، وأدخل أنواعاً من الشرك إلى التصوف، وزاده فلسفةً وغموضاً.

ثم استقرَّ المذهب الأشعري على ما قرره عضد الدين الإيجي (عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي، ت 756 هـ)، الذي صاغ مذهب الأشاعرة صياغةً نهائية، وتخلص من التفريعات التي أطنب بها الرازي، وكان ما كتبه هي الأرضية التي استقرَّ عليها هذا المذهب، وكل من جاء بعده إنما يُعول عليه.

=============================

ولا شك أن متأخري الأشاعرة كان خوضهم في علم الكلام ومخالفتهم للكتاب والسنة أعظم وأشد من متقدميهم.

وقد وُجد في كلام الرازي وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي وذويه.

ويوجد في كلام هذا وأبي المعالي وأبي حامد من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه.

ويوجد في كلام أبي الحسن من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه.

ويوجد في ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة مالا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة.

وإذا كان الغلط شبراً صار في الاتباع ذراعاً ثم باعاً، حتى آل هذا المآل، فالسعيد من لزم السنة واتبع هدي السَّلف رضوان الله عليهم.




موقف ابن تيمية من الأشاعرة تأليف الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود

موقف ابن تيمية من الأشاعرة

تأليف الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود

ط 1، 1995

قراءة: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الكتاب النفيس، مؤلف من بابين كبيرين في ثلاثة أجزاء، تناول فيه المؤلف موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة، أوضح فيه منهجه في التعامل معهم، والرد على مقالاتهم، وبيان تناقض الأشاعرة، وضعف حججهم، وتهافتها.. وأصله رسالة دكتوراه تقدم بها المؤلف إلى كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي بحق موسوعة علمية ضخمة للرد على الأشاعرة وبيان مفارقتهم لنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.

وتكمن أهمية هذا الموضوع في أن ابن تيمية -رحمه الله -كان صاحب منهجٍ واضح فيما يتعلق بمسائل العقيدة وأصول الدين، وقد تميز بإنصافه الكبير لخصومه وأعدائه، واستيعابه لمقالات الفرق والطوائف، ومعرفته الواسعة بتاريخ نشأة هذه الفرق واختلاف أصحابها، إضافة إلى اعتماده الكبير على الكتاب والسنة وأقوال السلف في نقد المقالات وتصويبها، وتأدبه بأدب السلف في الرد على المخالف -والأهم من ذلك ثباته على منهج محدد، فلم يتناقض ولم تتغير قناعته، ولم تختلف به المناهج والسبل كما حدث لغيره.

وقد وظف هذا المنهج الدقيق في جميع كتبه ورسائله، ونقض فيها أصول ومناهج الاستدلال عند الفلاسفة والمتكلمين، بالإضافة إلى أنه أبان عن المنهج الشرعي الإسلامي في هذه المسائل. 

ويمكن اعتبار هذا الكتاب مرجعاً علمياً موثقاً، لا يستغني عنه كل من يبحث في تاريخ الأشعرية ونشأتها وظهورها، كذلك هي حلقة دراسية مهمة للتعرف ما إذا كان الأشاعرة موافقين لمذهب السلف أم مخالفين له، والنقاط التي خالفوا فيها مذهب السلف.

التمهيد: فقد كان بعنوان: السلف ومنهجهم في العقيدة، وقد اشتمل على:

أولاً: التعريف بالسلف، أهل السنة والجماعة.

ثانياً: نشأة التسمية بأهل السنة والجماعة.

ثالثاً: شرح منهج السلف في العقيدة.

الباب الأول: ابن تيمية والأشاعرة، وقد اشتمل على عدة فصول:

الفصل الأول: عن حياة ابن تيمية، وقد اشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: عصر ابن تيمية 

وقد عرض فيه المؤلف بعض القضايا والأحداث التي حفل بها هذا العصر المليء بالاضطرابات، مثل الغزو الصليبي للعالم الإسلامي، وظهور التتار وسقوط الخلافة العباسية في بغداد، وقيام دولة المماليك، ودور الباطنيين والرافضة، إضافة إلى الجوانب العلمية والعقدية. 

المبحث الثاني: في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية

وقد أوضح فيه المؤلف اسمه ونشأته، وشيوخه، وجهاده وربطه العلم بالعمل، ودوره في مقاومة التتار والرافضة، ثم بيان منزلته ومكانته، وما جرى له من محن على يد أعدائه في الشام ومصر، والدور الإيجابي لابن تيمية في هذه المحن كلها. 

ثم ذكر تلاميذه والمتأثرين به، ورسائله وكتبه مع التركيز على بيان ما ألفه منها في الرد على الأشاعرة، ثم ذكر وفاته رحمه الله.

الفصل الثاني: منهج ابن تيمية في تقرير عقيدة السلف والرد على خصومها

وقد شمل ذلك البحث منهجه في المعرفة والاستدلال، وبيان العقيدة والاستدلال لها، والرد على الخصوم، وما تميز به شيخ الاسلام من الأمانة العلمية.

الفصل الثالث: عن حياة أبي الحسن الأشعري وعقيدته

ويشتمل على ترجمة الأشعري وحياته وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته بحث مسألة الأطوار التي مر بها في حياته العقدية وهل كانت طورين أو ثلاثة، وهل كان رجوعه في الإبانة إلى مذهب السلف رجوعاً كاملاً أو بقيت عليه بقايا من أقوال أهل الكلام، ثم بيان عقيدته وآرائه.

الفصل الرابع: نشأة الأشعرية وعقيدتهم

واشتمل هذا الفصل على مباحث، منها شيوخ الأشاعرة وأسلافهم الكلابية، مع الترجمة لأبرز أعلامهم. ومبحث الماتريدية وعلاقتهم بالأشاعرة، ثم مبحث نشأة المذهب الأشعري وأسباب انتشاره. وأخيرا وبشكل مختصر عقيدة الأشاعرة.

الفصل الخامس: تطور مذهب الأشاعرة 

وفيه بيان أشهر شخصيات الأشعرية إلى عهد ابن تيمية، وما حدث لمذهب الأشاعرة من تطور على يد أبرز رجاله، سواء بالميل إلى التأويل وأقوال المعتزلة، أو الامتزاج بالتصوف، أو الخوض في علوم الفلاسفة وإدخال آرائهم وأصولهم لتصبح جزءا من كتب الأشاعرة الكلامية. 

وقد ترجم -المؤلف في هذا الفصل لأبرز أعلام الأشاعرة- مع عرض مركز لأثر كل علم في تطور المذهب الأشعري، وهؤلاء الأعلام هم: أبو الحسن على بن مهدي الطبري، والباقلاني، وابن فورك، والبغدادي، والبيهقي، والقشيرى، والجويني، والغزالي، وابن تومرت، وأبو بكر بن العربي، والشهرستاني، وابن عساكر، والفخر الرازي، والآمدي، والعز بن عبد السلام، والبيضاوي، وأبو عمر السكوني، وصفي الدين الهندي، وعضد الدين الإيجي، وبدر الدين بن جماعة، وهؤلاء الخمسة كانوا معاصرين لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهم الله جميعًا- ولم يكن الحديث عن هؤلاء من حيث التركيز والإطالة على وتيرة واحدة، بل منهم من أطيل الكلام حوله كالباقلاني، وابن فورك، والبيهقي، والجويني، والغزالي، والرازي، والباقون بين التوسط والاختصار، وذلك حسب أهمية العلم وكثرة مؤلفاته العقدية، ودوره في تطوير مذهب الأشاعرة.

أما الباب الثاني: فهو موقف ابن تيمية من الأشاعرة؛ وقد اشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في عرض ابن تيمية لجوانب الأشاعرة الإيجابية

واعترافه بما عندهم من حق، وهذا جزء من منهجه العام في الرد على الخصوم- والاعتراف بجوانبهم الإيجابية في الرد على الفلاسفة، والباطنية، والمعتزلة والنصارى وغيرهم.

الفصل الثاني: في منهج ابن تيمية العام في الرد على الأشاعرة

وهو من أهم فصول هذا الكتاب، وفيه عرض للقضايا العامة التي ناقش فيها شيخ الإسلام الأشاعرة، والتي منها علم الكلام المذموم، وكون مذهب السلف أعلم وأحكم وأسلم، وجهل الأشاعرة بمذهب السلف، وإرجاع أقوالهم إلى أصولها الاعتزالية والكلامية، وأنه لا تعارض بين العقل والنقل، والرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم، وتناقض الأشاعرة وما وقع فيه أعلامهم من الحيرة والشك، ثم رجوع بعضهم إلى الحق. 

ثم بيان تسلط الملاحدة من الفلاسفة والقرامطة عليهم لضعف ردودهم عليهم وأخذهم بأصول أهل الكلام الباطل. وكل مسألة من هذه المسائل يذكر لها شيخ الإسلام أمثلة متعددة.

الفصل الثالث:ردود شيخ الإسلام ابن تيمية على الأشاعرة تفصيلاً، ويشمل عدة مباحث:

المبحث الأول: ردوده عليهم في مسألة توحيد الألوهية والربوبية، ويدخل في هذا المبحث بعض المسائل، مثل: 

  • مسألة أول واجب على المكلف.

  • ومفهوم التوحيد عند الأشاعرة.

  • وبيان خطئهم وتقصيرهم في مسألة توحيد الربوبية، وإغفالهم لتوحيد الالوهية.

المبحث الثاني: في الأسماء والصفات:

وقد احتوى هذا المبحث على مسائل كثيرة جداً تتعلق بأسماء الله، والصفات التي أثبتها الأشاعرة، والصفات التي نفوها. وكيف رد عليهم شيخ الإسلام طويلا، وخاصة في المسائل الكبرى كمسألة العلو والاستواء، والصفات الفعلية، كالنزول والمجيء والغضب والرضا، والصفات الخبرية، وغيرها.

المبحث الثالث: في القضاء والقدر، وبعض المسائل المتعلقة به، وردوده عليهم في ذلك.

المبحث الرابع: في الإيمان، وميلهم إلى الإرجاء وردوده على أقوالهم.

المبحث الخامس: وفيه عرض لبعض المسائل المتفرقة التي خالف فيها الأشاعرة مذهب أهل السنة.

أما الخاتمة ففيها عرض مختصر لأهم نتائج البحث.

- خلاصة وتعقيب (من المؤلف):

مما سبق يتبين كيف تطور المذهب الأشعري بدءاً من الأشعري وإلى عصر شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنه يتبين كيف دخل هذا المذهب على يد أعلامه في متاهات كلامية وفلسفية، وصوفية، فقرب من الاعتزال، وخلط علومه بمقدمات الفلاسفة المنطقية وغيرها، وقرن ذلك بتصوف منحرف.

أما ما استقر عليه مذهب الأشاعرة، فلا يمكن تحديد ذلك بدقة، لاختلاف الأقوال وتعارضها، وقد يثبت بعضهم ما نفاه الآخرون، ومع ذلك فيمكن أن يقال: إن الأرضية التي استقر عليها هذا المذهب هو ما سطره الإيجي في كتابه المواقف، مع ملاحظة أنه يعرض أحياناً في بعض المسائل لعدة أقوال داخل المذهب الأشعري، ومع ملاحظة أن الأشاعرة حتى في العصور المتأخرة يعولون على كتب السابقين مثل كتب الأشعري والباقلاني والجويني والغزالي والرازي وغيرهم.

لذلك فيمكن أن يقال: إن المذهب الأشعري أخذ السمات التالية:

1- ضرورة المقدمات المنطقية والعقلية لتحديد المصطلحات، والإحالة عليها عند عرض ما يتعلق بها من موضوعات العقيدة.

2- التمسك بدليل حدوث الأجسام، والتركيز على ضرورته لأجل الرد على القائلين بقدم العالم.

3- استقرار القانون العقلي - عند تعارض العقل والنقل - الذي جاءوا به على أنه قانون مسلم، يلجأون إليه دائماً عندما يواجهون بالنصوص.

4- خبر الآحاد -عند الأشاعرة -لا يفيد اليقين، فلا يحتج به في العقائد ابتداءً، ولا مانع من الاحتجاج به في مسائل السمعيات، أو فيما لا يعارضه قانون عقلي.

5- مسألة نفي العلو والجهة، أصبحت من المسائل المسلمة التي لا تقبل المناقشة.

6- التوحيد هو توحيد الربوبية فقط، ويدخلون فيه نفي الصفات الخبرية التي تقتضي عندهم تجسيماً، لأن هذا يخالف - عندهم - حقيقة التوحيد، أما توحيد الألوهية فلا يشيرون إليه في كتبهم إلا من خلال موضوعات التصوف التي تدخلها الشركيات والانحرافات الكثيرة.

7- في الصفات استقر الأمر على إثبات الصفات السبع العقلية- وخلاف باقٍ في صفة البقاء - أما ما عداها من الصفات فيجب تأويلها.

8 - الصفات الخبرية: فيها قولان: التأويل أو التقويض، وكلاهما متقاربان في النتيجة وهي القطع بنفي ما يدل عليه ظاهرها من الصفة اللائقة بالله تعالى.

9- اعتقادهم بنفي الصفات الفعلية الاختيارية، وهي ما تسمى بمسألة حلول الحوادث.

10- كلام الله، أبقوا على ما كان موجوداً عند شيوخهم من الأشاعرة، وهو القول بالكلام النفسي، وإنه أزلي، وإنه معنى واحد، أما ما يتعلق بالقرآن المتلو فقد يميلون إلى رأي المعتزلة.

11- الرؤية الثابتة، لكن مع نفي العلو، ولم يتخلوا عن هذا التناقض الواضح إلا ما ظهر من ميل الرازي إلى تفسير الرؤية بأنها مزيد من الانكشاف العلمي، وهو قريب جداً من مذهب المعتزلة.

12- في القدر: بقيت كثير من قضاياه، كالكسب، وإنكار التعليل، والقول بالتحسين والتقبيح الشرعي فقط، وتكليف ما لا يطاق، والاستطاعة - على المذهب المشهور عنهم- أما القدرة التي للعبد وهل هي مؤثرة فقد تعددت أقوالهم فيها، وإن كان الغالب عليهم الميل إلى أنها غير مؤثرة.

13- الإيمان: مالوا فيه إلى مذاهب المرجئة، فقالوا إنه التصديق - وبعضهم يقول: إنه المعرفة - مع قولهم بوجوب الطاعات، وتأثيم العصاة وكذلك مالوا في مسائل زيادة الإيمان ونقصانه، ودخول الأعمال فيه، والاستثناء فيه- إلى أقوال المرجئة - ومع قول بعضهم: أن الإيمان هو المعرفة إلا أنهم لا يلتزمون لوازم مذهب جهم الفاسدة.

14- النبوات يثبتونها بدلائلها التي هي المعجزات، ويميلون إلى ما قرره الباقلاني فيها.

15- وفيما يتعلق بحكمهم على من خالفهم، فقد بقي المذهب متأرجحاً بين التكفير لغالب الطوائف، والأعذار لهم.

16- أما مسائل:

- الإمامة والتفضيل بين الخلفاء الأربعة.

- والسمعيات من المعاد وأحوال القيامة والجنة والنار.

- والشفاعة، وعدم خلود أهل الكبائر في النار.

فلم يتغير مذهبهم فيها، بل بقي موافقاً لمذهب أهل السنة والجماعة كتبهم تختلف وتتباين في كثير من تفاصيل هذه المسائل، وخاصة ما يتعلق بطرق الاستدلال لها، والله أعلم.

الخاتمة

والآن بعد هذه المباحث المتواصلة التي شملت عدة فصول في "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" نخلص إلى خاتمة هذه الدراسة باستخلاص النتائج التالية:

1- أن مذهب السلف يقوم على أسس وقواعد قوية ثابتة، عمادها الكتاب والسنة والإجماع، وكل دعوى في أتباع مذهب السلف لا تقبل ما لم تكن مبنية على منهجهم الواضح المستقيم. ولا تزال - والحمد لله - في كل زمن طائفة قائمة بالحق، تدعو إليه، وتجاهد في سبيله، وتجدد ما اندرس من معالمه، لا يضرها من خذلها ولا من خالف أمرها.

ومن خلال ما كتبه أئمة السنة - وخاصة أصحاب القرون المفضلة - سواء كان شرحا للعقيدة، أو ردا على خصومها، تكونت معالم بارزة، ومنطلقات واضحة، تحدد المنهج الحق لمن أراد أن يسلكه والطريق الصحيح لمن رام خدمة دينه وعقيدته وابتغاء رضوان ربه.

2- ومن خلال عرض حياة شيخ الإسلام وعصره، تبين كيف كان ذلك العصر مليئاً بالأحداث الجسام، وكيف كان شيخ الإسلام ابن تيمية علما بارزاً، وإماماً عظيماً، كان له أثر واضح في تلك الأحداث. السياسية منه والعلمية.

3- ظهور شيخ الإسلام في ذلك العصر الذي طغت فيه الطوائف المنحرفة من باطنية ورافضة، وصوفية، ومعتزلة وأشاعرة وغيرها - على أنه المدافع والمنافح عن مذهب وعقيدة السلف أمام هؤلاء جميعا. وقد ترك على إثر ذلك تراثاً ضخماً، تمثل في عشرات المجلدات في شتى الفنون. يجمعها الدفاع عن مذهب السلف والرد على خصومه.

4- وشيخ الإسلام كان له منهج واضح في عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة أو في الرد على مخالفيها، وأبرز ما في هذا المنهج - إضافة إلى اعتماده على الكتاب والسنة وأقوال السلف، وتأدبه بأدبهم - ثباته على منهم محدد، فلم يتناقض ولم تتغير قناعته، ولم تختلف به المناهج والسبل كما حدث لغيره، وإنما بقى صامداً مع كثرة المحن والأحداث التي مرت به. وهذا واضح جداً في كتبه التي وصلت إلينا، فهي على كثرتها، وتكرار بعض موضوعاتها لم يلاحظ عليه تناقض أو تراجع أو تردد، وهذا راجع إلى سلامة المنطلق والأساس الذي كان يعتمد عليه في كتبه.

5- أما مذهب الأشاعرة فقد تبين من خلال الفصول المتعلقة به، كيف كانت نشأة المذهب وكيف انتشر وكيف تطور على يد أعلام لا إلى القرب من مذهب السلف وإنما إلى البعد عنهم، وخاصة قربه من مذهب المعتزلة، والصوفية والفلاسفة.

أما مؤسس المذهب أبو الحسن الأشعري فقد كان أقرب إلى مذهب السلف ممن جاء بعده من أتباعه، وهو وإن كان في الإبانة قرب جداً من السلف إلا أنه بقيت عليه بقايا من مذهب المعتزلة.

6- أما موقف ابن تيمية من الأشاعرة فقد تبين مما سبق:

أ- أن شيخ الإسلام وهو يواجه أعداء الإسلام من النصارى والتتار والرافضة، إلا أنه لم يقل - كما يدعي البعض - ينبغي أن نتفرغ للعدو الأكبر وندع الخلافات التي بيننا، وإنما رد على هؤلاء وجاهدهم بيده ولسانه وقلمه، كما رد على أشاعرة عصره وفضح ما كانوا فيه من تجهم وتصوف. 

وبين أن أولئك الأعداء ما تسلطوا على المسلمين إلا لأجل تفريطهم وبعدهم عن مذهب أهل السنة، ووقوعهم في المعاصي والكبائر، والظلم وعدم العدل.

وحين تبدأ ساعة الجد والجهاد يركز على العدو الأصلي ويعمل على جمع الصفوف، ولم الشعث، وحث الناس على البذل والتضحية في سبيل الله.

ب- ومن خلال ردوده ومناقشاته للاشاعرة برز في منهجه أمران:

أحدهما: إنصاف خصومه الأشاعرة، واعترافه بما معهم من حق.

وثانيهما: الرد عليهما فيما خالفوا فيه مذهب أهل السنة بتقعيد الردود وتأصيلها، إضافة إلى المناقشات المفصلة لكل مسألة من مسائل العقيدة التي جانبوا فيها الحق والصواب.

ومن ثم جاءت ردوده شاملة لمسائل توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، والقدر والإيمان وغيرها.

جـ - وردود شيخ الإسلام أظهرت ما في مذهب الأشاعرة من انحرافات شملت أغلب جوانب العقيدة. ومن ثم فكتبهم الكلامية - وإن كثرت وانتشرت - إلا أنها لا يجوز أن تكون مصدرا لتدريس عقيدة أهل السنة والجماعة، كما لا يجوز أن تعتبر ممثلة لمذهب السلف، ولو ادعى ذلك المدعون.