أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 مايو 2021

قَوَاعِدُ معرفَة الْبِدَع تأليف مُحَمَّد بن حُسَيْن الجيزاني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

قَوَاعِدُ معرفَة الْبِدَع

تأليف مُحَمَّد بن حُسَيْن الجيزاني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا كتابٌ نفيس في معرفة البدعة والقواعد الضابطة لها، من تأليف الشيخ الدكتور محمد بن حسين الجيزاني، الأستاذ المساعد في كلية أصول الفقه بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وقد بلغ عددها ثلاثة وعشرون قاعدة (23) على عدد سني الدعوة المحمدية المباركة، وجمع في توضيح كل قاعدة منها بين البيان الإجمالي والتفصيلي، مع التمثيل لكل قاعدة، وذكر كلام أهل العلم المتعلقة بإثبات هذه القاعدة والتمثيل لها.

    وقد شرح هذه الرسالة شرحاً وافياً جيداً الشيخ خالد منصور في ثمانية عشر حلقة، والشيخ أحمد نبيل في اثني عشر حلقة مسجلة على اليوتيوب، وشرحهما مُفيدٌ للغاية.

ولتمهيد هذا الكتاب، نقول:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أصحابه على المنبر، يحمد الله ويثني عليه، ويأمرهم بتقوى الله عز وجل ولزوم سنته، ويحذرهم من مسالك الضلال وطرق الزيغ؛ فيقول: (أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار)، وكان أصحابه من بعده رضوان الله عليهم -أشدَّ الناس حرصاً على العمل بالكتاب والسنة، وأشدهم عداوةً وبُغضاً للبدع وأهلها.

وقد تكاثرت الأدلة من الكتاب والسنة والآثار والأخبار التي تُفيد الناظر فيها، والمتبصر بها، أن كل بدعةٍ في الدين صغيرةً أو كبيرة، في الأصول أو الفروع، في العقائد أو العبادات أو المعاملات، فعلية أو قولية أو تركية فهي ضلالة صاحبها مؤاخذٌ بها، مُعاقبٌ عليها، وبدعته مردودةٌ عليه، غير مقبولةٍ منه، وذلك لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3)، وفي الحديث (ما تركتُ من شيء يُقربكم إلى الجنة، إلا وقد حدثتكم عنه، وما من شيء يُبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به) رواه الطبراني. فحذار حذار إخواني من الابتداع في الدين.

  • أهمية معرفة قواعد البدع:

1-وضع ضوابط جليَّة لمعنى البدعة، ورسم معالم بيّنة لحدودها، وما يدخل فيها وما لا يدخل.

2-ضبط كثيرٍ من المسائل المنتشرة، والبدع المتفرقة في الأبواب الفقهية والعقيدة وغير ذلك، وإجمالها في موضع واحد، وذلك أوعى لحفظها، وأدعي لرسوخها.

  • وقد رتَّب الشيخ الجيزاني كتابه هذا على قسمين:

القسم الأول: في بيان حد البدعة،

القسم الثاني: الأصول الجامعة للابتداع.

  • أما القسم الأول، وهو بيان حد البدعة؛ ففيه ثمان مسائل مهمة، 

وهي:

1 - معنى البدعة في اللغة، ولها في اللغة معنيان:

(أ) الشيء المخترع على غير مثال سابق.

(ب) التعب والكلال.

2 - معنى البدعة في الشرع (وهي ما أحدث في دين الله وليس له أصلٌ عام أو خاص يدلُّ عليه)، وتتضمن ثلاثة قيود:

(أ) الإحداث.

(ب) أن يُضاف هذا الإحداث إلى الدين.

(ج) ألا يستند هذا الإحداث إلى أصلٍ شرعي بطريق عام أو خاص.

3 - موازنة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي للبدعة:

(أ)  أن المعنى اللغوي للبدعة أعم من المعنى الشرعي،فبينهما عموم وخصوص مطلق. (ب) البدعة الشرعية مذمومةٌ مطلقاً، بخلاف البدعة اللغوية فإن منها الحسن ومنها السيء.

4 - العلاقة بين الابتداع والإحداث:

(أ) الابتداع والإحداث يردان في اللغة بمعنى واحد؛ إذ معناهما: الإتيان بالشيء المخترع بعد أن لم يكن.

(ب) وأما في المعنى الشرعي؛ فغلب إطلاق البدعة على (الأمر المخترع المذموم في الدين خاصة). وأما المحدثة فقد غلب إطلاقه (على الأمر المخترع المذموم في الدين كان أو في غيره). وبهذا يعلم أن الإحداث أعم من الابتداع؛ فيشمل الإحداث: الإثم وفعل المعاصي

5 - العلاقة بين البدعة والسنة:

(أ) بالنظر إلى المعنى اللغوي؛ فإن السنة في اللغة بمعنى البدعة في اللغة.

(ب)  بالنظر إلى المعنى الشرعي؛ فإن السنة بالمعنى الشرعي في مقابل البدعة بالمعنى الشرعي.

6 - العلاقة بين البدعة والمعصية:

(أ) تجتمع البدعة والمعصية في أن:

-كلاً منهما منهي عنه، مذموم شرعًا.

-أن كلاً منهما متفاوت، ليس على درجة واحدة في الإثم.

-أنهما مؤذنان باندراس الشريعة وذهاب السنة.

-أن كلاً منهما مناقض لمقاصد الشريعة، عائد على الدين بالهدم والبطلان.

(ب) وتفترق البدعة عن المعصية في:

-أن مستند النهي عن المعصية غالبًا هو الأدلة الخاصة، بخلاف البدعة؛ فإن مستند النهي عنها غالبًا هو الأدلة العامة.

-أن البدعة مضاهية للمشروع؛ إذ هي تضاف إلى الدين، بخلاف المعصية فإنها مخالفة للمشروع، وخارجة عن الدين.

-أن البدعة مخالفة في اعتقاد كمال الشريعة، ورمي للشرع بالنقص والاستدراك،  بخلاف سائر المعاصي؛ فإنها لا تعود على الشريعة بتنقيص ولا غض، وإنما هي تنصل من بعض أحكامها.

-أن المبتدع يرى نفسه أنه موقر لله، معظم لشرعه ودينه، خلاف المعصية التي ظاهرها  عدم توقير الله في النفوس بترك الانقياد لشرعه.

7 - العلاقة بين البدعة والمصلحة المرسلة.

وتفترق البدعة عن المصلحة المرسلة في:

-أن  البدعة لا تكون إلا في الأمور التعبدية التوقيفية، وما يلتحق بها من أمور الدين بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإن عامة النظر فيها إنما هو فيما عقل معناه.

-أن المقصود من البدعة هو التقرب إلى الله تعالى بذاتها بالمقام الأول، بخلاف المصلحة المرسلة فإن التقرب إلى الله يكون بالغاية التي تؤدي إليها المصلحة، لا بالوسيلة نفسها.

-البدعة تؤدي إلى التشديد على المكلفين وزيادة الحرج عليهم، بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإنها تعود بالتخفيف على المكلفين، ورفع الحرج عنهم، أو إلى حفظ أمر ضروري لهم.

-البدعة مناقضة لمقاصد الشريعة، هادمة لها، بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإنها خادمة لمقاصد الشريعة، موافقةً لها.

- المصلحة المرسلة لم تقع في عصر النبوة لأجل انتفاء المقتضي لفعلها، أو وجود المانع من فعلها، بخلاف البدعة؛ فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها، وتوفر الداعي، وانتفاء المانع.

8 - خصائص البدعة، وهي أربع خصائص:

الأولى: لا يوجد في النهي عن البدعة - غالبًا - دليل خاص.

الثانية: أن البدعة لا تكون إلا مناقضة لمقاصد الشريعة، هادمة لها.

الثالثة: أن البدعة غالباً -تكون بفعل أمور لم تعرف في عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد صحابته رضي الله عنهم.

الرابعة: أن البدعة مشابهة ولا بد للأمور الشرعية ملتبسة بها.

  • والقسم الثاني: في الأصول الجامعة للابتداع، وهي ثلاثة أصول:

الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع.

 الأصل الثاني: الخروج على نظام الدين.

الأصل الثالث: الذرائع المفضية إلى البدعة.

وكل أصلٍ من هذه الأصول تندرج تحته قواعد متفرعة عنها للبدعة:

  • الأصل الأول: التقرب إلى الله بما لم يشرع، وتحته عشر قواعد:

1 - كل عبادة تستند إلى حديث مكذوب فهي بدعة.

2 - كل عبادة تستند إلى الهوى والرأي المجرد؛ فهي بدعة.

3 - كل عبادة تخالف السنة التركية؛ فهي بدعة.

4 - العبادة المخالفة لعمل السلف: بدعة.

5 - العبادة المخالفة لقواعد الشريعة: بدعة.

6 - التقرب إلى الله بالعادات والمباحات من وجه لم يعتبره الشارع: بدعة.

7 - التقرب إلى الله بالمعاصي: بدعة.

8 - إطلاق العبادة المقيدة: بدعة.

9 - تقييد العبادة المطلقة: بدعة.

10 - الغلو في العبادة بالزيادة والتنطع والمبالغة: بدعة.

  • الأصل الثاني: الخروج على نظام الدين، وتحته ثمان قواعد:

11 - ما كان من الاعتقادات والآراء معارضًا لنصوص الوحي بدعة.

12 - ما لم يرد في الوحي ولم يؤثر عن الصحابة والتابعين من الاعتقادات: بدعة.

13 - الخصومة والجدال والمراء في الدين بدعة.

14 - الإلزام بشيء من العادات والمعاملات: بدعة.

15 - إذا حصل بفعل العادة أو المعاملة تغييرٌ للأوضاع الشرعية الثابتة؛ فهو بدعة.

16- مشابهة الكافرين في شيء من خصائصهم: بدعة.

17 - مشابهة الكافرين في محدثاتهم التي ليست من دينهم: بدعة.

18 - الإتيان بشيء من أعمال الجاهلية التي لم تثبت في الإسلام: بدعة.

  • الأصل الثالث: الذرائع المفضية إلى البدعة، وتحته خمس قواعد:

19 - فعل ما هو مطلوب شرعًا على وجه يُوهم خلاف ما هو عليه في الحقيقة: بدعة.

20 - إذا فعل ما هو جائز شرعًا على وجه يُعتقد فيه أنه مطلوب شرعًا؛ فهو بدعة.

21 -عمل العلماء للمعصية وظهورها من جهتهم، بحيث يعتقد العامة أن هذه المعصية من الدين: بدعة.

22 - عمل العوام بالمعصية وشيوعها فيهم، بدون أن ينكرها العلماء وهم قادرون على الإنكار، بحيث يعتقد العامة أن هذه المعصية مما لا بأس به: بدعة.

23 - كل ما يترتب على فعل البدع المحدثة من الأعمال؛ فهو: بدعة.

  • مجالات البدعة:

بتأمل قواعد معرفة البدع وتدقيق النظر فيها يظهر جليًا أن الابتداع يدخل في أقسام متعددة، وإليك فيما يأتي بيان هذه الأقسام وما يندرج من هذه القواعد تحت كل قسم:

1 - الاعتقادات (القاعدة رقم 11، 12، 13)

2 - العبادات والقربات (القاعدة من رقم 1 إلى 10، 19)

3 - العادات والمعاملات (القاعدة رقم 6، 14، 15، 20، 23)

4 - المعاصي والمنهيات (القاعدة رقم 7، 21، 22)

5 - مشابهة الكافرين (القاعدة رقم 16، 17، 18)






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق