كيف نتعامل مع السنة النبوية
د. يوسف القرضاوي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن السنة النبوية هي الوحي الثاني، والبيان النبوي للقرآن الكريم، وأحد المصادر الرئيسية لتشريع الأحكام، وتوجيه السلوك، والتي يرجع إليها الناس في جميع أمورهم؛ حيث يرجع إليها الفقيه والمفسر والمتكلم واللغوي والواعظ، ويعتمد عليها المحدث، كما يرجع إليها الداعية والمربي، ليستخرجوا منها المعاني الملهمة، والقيم الموجهة، والحكم البالغة، والأساليب المرغبة في الخير، والمرهبة عن الشر، بالإضافة إلى الشواهد والدلائل، وعلل الأحكام، ومقاصد الشريعة.
ولذا كان التعامل مع السُّنة النبوية فريضةً على المسلمين، فهماً وفقهاً، وإيماناً والتزاماً، وعملاً وسلوكاً، ودعوةً وتعليماً، لكن مع ذلك لا بد من منهاج يضبط هذه الدراسة، ويعين على فهم هذا المصدر الثاني، وبالتالي فإن الحاجة إلى هذا المنهج يعتبر من أكثر الأمور ضرورة وأهمية.
وفي هذا الكتاب القيم نجد الشيخ القرضاوي -وفقه الله -يلخص لنا أساسيات التعامل مع السنة، بدءاً من بيان مكانتها في التشريع الإسلامي، وحاجة المسلمين إليها، وضرورة الفقهاء والعلماء للتحاكم إليها، والعمل بها، مع ضرب الأمثلة على ذلك، ففي البداية وضع مقدمة هامة عن منزلة السنة في الإسلام، وبين شيئاً من خصائصها، فذكر أنها: تمثل المنهج الشمولي، المتوازن، التكاملي، الواقعي، الميسر للإسلام.
ثم تحدث بعد ذلك عن واجب المسلمين نحو السنة وعلومها، وهو وجوب التعرف إليها، ومعرفة خصائصها، واتخاذها طريقةً حسنة في الاعتقاد والعمل والتعبد، وذكر الطرق السليمة في التعامل معها، وحسن تعلمها.
ثم ذكر المبادئ الأساسية في التعامل مع السنة، وهي: الاستيثاق من ثبوتها بالنظر في السند والمتن، وأحوالهما، ثم التأكد من سلامتها مما قد يعارضها، عقلاً أو نقلاً، ثم حسن فهمها بالرجوع إلى كتب الشروح وكلام العلماء
وقد لخصتُ ما في هذا الكتاب في هذه الورقات، كما يلي:
أولاً: الأحاديث التي ناقشها القرضاوي في كتابه -مفصلاً:
ثانياً: تلخيص الكتاب إجمالاً:
الباب الأول: منزلة السنة في الإسلام:
تعتبر السنة هي التفسير العملي للقرآن الكريم، والتطبيق الواقعي والمثالي أيضاً -للإسلام، فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو القرآن مفسراً، والإسلام مجسماً.
فمن أراد أن يعرف المنهج العملي للإسلام بخصائصه وأركانه، فليعرفه مفصلاً مجسداً في السنة النبوية القولية والعملية والتقريرية.
فكلمة (السنة): تعني الطريق أو المنهج، وهي تمثل (الحكمة) النبوية في بيان القرآن، وشرح حقائق الإسلام، وتعلميه للأمة، فقد أنزل الله على رسوله (الكتاب والحكمة) كما جعل ذلك من شعب مهمته في تكوين الأمة.
1-السنة منهج شمولي:
وإذا كان المنهج القرآني منهجاً شاملاً جامعاً، كما قال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبـياناً لكل شيء} (النحل : ٩)، فإن منهج السنة يسير في إطار منهج القرآن. لأنه مبين له. فهو منهج يتميز بـ (الشمول) لحياة الإنسان كلها، طولاً وعرضاً وعمقاً. ونعنى بالطول: الامتداد الزمني والرأسي، الذي يشمل حياة الإنسان من الميلاد إلى الوفاة، بل من المرحلة الجنينية إلى ما بعد الوفاة .
2-السنة منهج متوازن:
وهو منهج يتميز كذلك بالتوازن، فهو يوازن بين الروح والـجسم، بين العقل والقلب، بين الدنيا والآخرة، بين المثال والواقع، بين النظر والعمل، بين الغيب والشهادة، بين الحرية والمسؤولية، بين الفردية والجماعية، بين الاتباع والابتداع. فهو منهج وسط لأمة وسط، لا طغـيان فـيه ولا إخسار، {أّلا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} (الرحمن : ٨-٩).
3-السنة منهج تكاملي:
وهو كذلك منهج (تكاملي) يتكامل فـيه الإيمان مع المعرفة، أو الوحي مع العقل، ليكون منهما نور على نور، كما قال تعالى في سورة النور (الآية: ٣٥)، ويتكامل فـيه التشريع مع التربية، فللتربية دورها في التكوين والتأسيس والتوجيه، وللتشريع دوره في الصيانة والإلزام والتأديب والعقاب، فلا تغني التربية وحدها بلا تشرع، ولا يغني التشريع وحده بغير تربية. وكان -صلى الله عليه وسلم -هو القائم على التربية والتشريع معاً.
4-السنة منهج واقعي:
بمعنى أنها لا تتعامل مع الناس على أنهم ملائكة أولو أجنحة، بل أعلى أنهم بشر يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، لهم غرائزهم، وشهواتهم، ولهم ضروراتهم وحاجاتهم، كما أن لهم أشواقهم الروحية العليا، وتطلعاتهم إلى الملأ الأعلى، فهم خلقوا من طين وحمأ مسنون، كما أن فيهم نفحة من روح الله، فلا غرو أن يصعد الإنسان ويهبط، وأن ينهض ويعثر، وأن يهتدي ويضل، ويستقيم وينحرف، ويعصي الله ويتوب.
5-السنة منهج ميسر:
ومن خصائص السنة النبوية أنها تتميز بالسهولة واليسر والسماحة، وهذا من ثمار واقعيتها؛ فمن أوصاف صاحب المنهج في كتب الأولين من أهل التوراة والإنجيل، أنه: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: 157).
ثانياً: واجب المسلمين نحو السنة:
السنة النبوية إذن هي المتهاج التفصيلي لحياة الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، وهي تمثل - كما أشرنا القرآن مفسراً، والإسلام مجسداً في الحياة. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين للقرآن، والمجسد للإسلام، بقوله وعـمله، وسيرته كلها، في الخلوة والجلوة، والحضر والسفر، واليقظة والدوم، والحياة الخاصة والعامة، والعلاقة مع الله ومع الناس، ومع الأقارب والأباعد، والأولياء والأعداء، في السلم وفي الحرب، وفي العافية والبلاء.
ومن واجب المسلمين أن يعرفوا هذا المنهاج النبوي المفصل، بما فيه من خصائص الشمول والتكامل والتوازن والواقعية والتيسير، وما يتجلى فيه من معاني الربانية الراسخة، والإنسانية الفارعة، والأخلاقية الأصيلة، وأن تتخذوا مته الأسوة الحسنة في حياتهم كلها، كما قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} (الأحزاب: ٢١). وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر: ٧). وقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} (آل عمران:٣١).
وهذا يوجب عليهم أن يعرفوا كيف يحسنون فهم هذه السنة الشريفة، وكيف يتعاملون معها فقهاً وسلوكاً، كما تعامل معها خير أجيال هذه الأمة: الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، الذين تعلموا في المدرسة المحمدية، فأحسنوا التعلم، ثم عملوا بما تعلموا فأحسنوا العمل، ثم علموا الأمم الإسلام، فأحسنوا التعليم.
التحذير من آفات ثلاث:
وقد روى عن الرسـول صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ما يتعرض له علم النبوة وميراث الرسالة على أيدي الغلاة، والمبطلين، والجهال. وذلك فيما رواه ابن جرير وتمام في فوائده وابن عدي وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».
إنها معاول ثلاثة، كل واحد منها يمثل خطراً على الميراث النبـوي، وعلى المنهاج النبوي، وتفصيلها كما يلي:
(أ) تحريف أهل الغلو:
فهناك: (التحريف) الذي يأتي عن طريق الغلو والتنطع، والتنكب عن (الوسطية) التي تميز بها هذا الدين، وعن (السماحة) التي وصفت بها هذه الملة الحنفية، وعن (اليسر) الذي اتسمت به التكاليف في هذه الشريعة.
وروى ابن مسعود عنه: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً، ومما يذكر هنا: أن الحديث اعتبر الغلو (تحريفا) للدين، وذلك لأنه بغير طبيعته السهلة الميسرة الوسطية، إلى طبيعة أخرى، تكلف الناس شططاً، وترهقهم عسراً.
(ب) انتحال أهل الباطل:
وهناك: (الانتحال) الذي يحـاول به أهل الباطل أن يدخلوا على هذا المنهج النبوي ما ليس منه، وأن يلصقوا به من المحدثات والمبتدعات ما تأباه طبيعته، وترفضه عقيدته وشريعته، وتنفر منه أصوله وفروعه.
ولما عجزوا عن إضافة شيء إلى القرآن المحفوظ في الصدور، المسطور في المصاحف، المتلو بالألسنة، حسبوا أن طريقهم إلى الانتحال في السنة ممهد، وأن بإمكانهم أن يقولوا: قال رسول الله تله دون بينة. ولكن جهابذة الأمة، وحفظة السنة، قعدوا لهم كل مرصد، وسدوا عليهم كل منافذ الانتحال.
(ج) تأويل أهل الجهل:
وهناك: (سوء التأويل) الذي به تشوه حقيقة الإسلام، ويحرف فيه الكلم عن مواضعه، وينتقص فيه أطراف الإسلام، فـيخرج من أحكامه وتعاليمه ما هو من صلبه، كما حاول أهل الباطل أن يدخلوا فيه ما ليس منه، أو يؤخروا ما حقه أن يقدم، أو يقدموا ما حقه أن يؤخر.
وهذا التأويل السيء، والفهم الرديء، من شأن الجاهلين بهذا الدين، الذين لم يشربوا روحه، ولم ينفذوا ببصائرهم إلى حقائقه، فليس لهم من الرسوخ في العلم، ولا من التجرد للحق، ما يعصمهم من الزيغ والانحراف في الفهم، والإعراض عن المحكمات، واتباع المتشابهات، ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويلها، تبعاً للهوى المضل عن سبيل الله.
إنه (تأويل الجاهلين) وإن لبسوا لبوس العلماء، وتظاهروا بألقاب الحكماء. وهذا ما يجب التنبه له، والتحذير منه، ووضع الضوابط الضرورية للوقاية من الوقوع فيه. ومعظم الفرق الهالكة، والطوائف المنشقة عن الأمة، وعن عقيدتها، وشريعتها، والفئات الضالة عن سواء الصراط، إنما أهلكها سوء التأويل.
ثالثاً: مبادئ أساسية في التعامل مع السنة النبوية:
ومن هنا يبغي لمن يتعامل مع السنة النبوية، لكي ينفي عنها انتحال المبطلين، وتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين: أن يتشبث بعدة أمور، تعتبر مبادئ أساسية هذا المجال:
١- الاستيثاق من ثبوت السنة:
أولاً: أن يستوثق من ثبوت السنة وصحتها، حسب الموازين العلمية الدقيقة التي وضعها الأئمة الأثبات، والتي تشمل السند والمتن جميعا، سواء أكانت السنة قولاً، أم فعلاً، أم تقريراً. ولا يستغني باحث هنا عن الرجوع إلى أهل الذكر والخبرة في هذا الشأن، وهم صيارفة الحديث الذين أفنوا أعمارهم في طلبه ودراسته، وتمييز صحيحه من سقيمه، ومقبوله من مردوده: {ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر: ١٤).
وقد أسس القوم للحديث علماً ثابت الجذور، باسق الفروع، هو (علم أصول الحديث) أو (مصطلح الحديث) هو للحديث (بمنزلة علم أصول الفقه للفقه)، وهو في الواقع مجموعة من العلوم بلغ بها العلامة ابن الصلاح في مقدمته الشهيرة (٦٥ نوعاً).
وزاد عليها من بعده حتى أوصلها الحافظ السيوطي في (تدريب الراوي على تقريب النواوي) إلى (٩٣ نوعاً).
٢- حسن الفهم للسنة:
ثانياً: أن يحسن فهم النص النبوي، وفق دلالات اللغة، وفي ضوء سياق الحديث، وسبب وروده، وفي ظلال النصوص القرآنية والنبوية الأخرى، وفي إطار المبادئ العامة، والمقاصد الكلية للإسلام، مع ضرورة التمييز بين ما جاء منها على سبيل تبليغ الرسالة، وما لم يجى كذلك، وفق تقسيم حكيم الإسلام بالهند أحمد بن عبـد الرحيم المعروف باسم شاه ولي الله الدهلوي (ت ١١٧٦ ه)، وبعبارة أخرى: ما كان من السنة تشريعاً وما ليس بتشريع (وفق تعبير شيخنا محمود شلتوت: شيخ الأزهر الأسبق)، وما كان من التشريع له صفة العموم والدوام، وما له صفة الخصوص أو التأقيت، فإن من أسوأ الآفات في السنة خلط أحد القسمين بالآخر.
إن الآفـة قد لا تكون من عدم ثبوت السنة، بل قد تكون السنة ثابتة صحيحة، ولكن الآفة قد تأتي من سوء فهمها. وسوء الفهم داء قديم، عرض للسنة كما عرض للقرآن، ولذا حذر المحققون من علمائنا من سوء الفهم عن الله ورسوله.
٣- سلامة النص النبوي من معارض أقوى:
ثالثاً: أن يتأكد من سلامة النص من معارض أقوى منه، من القرآن الكريم، أو أحاديث أخرى أوفر عددا، أو أصح ثبوتا، أو أوفق بالأصول، وأليق بحكمة التشريع، أو من المقاصد العامة للشريعة، التي اكتسبت صفة القطعية، لأنها لم تؤخذ من نص واحد أو نصين، بل أخذت من مجموعة من النصوص والأحكام أفادت - بانضمام بعضها إلى بعض يقيناً وجزماً بثبوتها.
وهذا الأمر يتصل بقضية هامة من قضايا علم أصول الفقه، وعلم أصول الحديث، وهي قضية (التعارض والترجيح) ذلك أن النصوص قد تتعارض في ظاهرها، وهي في حقيقتها ليست متعارضة، ولذا كان على الفقيه أو العالم أن يزيل التعارض الظاهري بينها بالجمع إن أمكن، أو بالترجيح. وقد ذكر الإمام السيوطي في (تدريب الراوي) مرجحات زادت على المائة .
٤- معرفة أن رد الأحاديث الصحيحة كقبول الأحاديث الموضوعة
وإذا كان من الخطأ والخطل والخطر قبول الأحاديث الباطلة والموضوعة، وعزوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمثله في البطلان رد الأحاديث الصحاح الثابتة بالهوى والعجب والتعالم على الله ورسوله، وسوء الظن بالأمة وعلمائها وأثمنها في أفضل أجيالها، وخير قرونها. لقد كان عوام الأمة في العصور الماضية يتقبلون الأحاديث الواهية والمكذوبة
المهم هنا: أن رفض الأحاديث الصحاح، مثل قبول الأحاديث المردودة في الدين على حد سواء. وإن قـبول الأحاديث المكذوبة يدخل في الدين ما ليس منه، أما رد الأحاديث الصحيحة، فيخرج من الدين ما هو منه، ولا ريب في أن كليهما مرفوض ومذموم: قبول الباطل، ورد الحق.
٥ - من المجازفة التسرع برد الصحيح وإن أشكل:
إن المسارعة برد كل حديث يشكل علينا فهمه - وإن كان صحيحا ثابتا- مجازفة لا يجترئ عليها الراسخون في العلم. إنهم يحسنون الظن بسلف الأمة، فإذا ثبت أنهم تلقوا حديثا بالقبول، ولم ينكره إمام معتبر، فلابد أنهم لـم يروا فيه مطعنا من شذوذ أو علة قادحة.
والواجب على العـالم المنصف أن يبقى على الحديث، ويبحث عن معنى معقول أو تأويل مناسب له. وهذا هو الفرق بين المعتزلة وأهل السنة في هذا المجال.
ومن أجل هذا ألف الإمام أبو محمد ابن قتيبة (ت ٢٦٧ ه) كتابه المعروف «تأويل مختلف الحديث» رداً على الزوابع التي أثارها المعتزلة حول بعض الأحاديث، التي زعموا أنها معارضة للقرآن، أو للعقل، أو يكذبها العـيان أو تناقضها أحاديث أخرى .
وجاء بعده محدث الحنفية الإمام أبو جعفر الطحاوي (ت ٣٢١هـ) فألف كتابه (شرح مشكل الآثار) في أربعة مجلدات، محاولاً أن يجد لهذه الأحاديث المشكلة تأويلاً مقبولاً، ووجهاً معقولاً.
الباب الثاني: السنة مصدراً للفقيه والداعية:
أولاً: السنة في مجال الفقه والتشريع:
1-السنة هي المصدر الثاني للفقه والتشريع بعد كتاب الله تعالى، ولهذا نرى مبحث (السنة)ـ باعتبارها أصلاً ودليلاً للأحكام الشرعية - مبحثاً فافياً واسع الأكناف، في جميع كتب (أصول الفقه) في كل المذاهب.
حتى قال الإمام الأوزاعي (ت ١٥٧ هـ): "الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب". وذلك، لأن السنة هي المبينة للكتاب، فهي التي تفصل ما أجمله، وتقيد ما أطلقه، وتخصص ما عممه. وهذا ما جعل بعضهم يقول: "السنة قاضية على الكتاب"، بمعنى أنها تبن المراد منه.
ولكن الإمام أحمد لم يسترح لهذه العبارة، وقال: لا أجرؤ أن أقول ذلك، ولكن أقول: "السنة مبينة للكتاب". وهذا من فقه الإمام أحمد وورعه معاً. وهذا هو العدل، فالسنة تبين الكتاب من وجه، وهي من وجه آخر تدور في فلك الكتاب ولا تخرج عنه.
2-جميع الفقهاء يحتكمون إلى السنة:
ونستطيع أن نؤكد هنا جازمين: أن جميع فقهاء المسلمين، من مختلف المدارس، وشتى الأمصار، ممن له مذهب باق أو منقرض، متبوع، أو غير متبوع، كانوا يرون الأخذ بالسنة والاحتكام إليها، والرجوع إلى حكمها إذا تبينت لهم، جزءا من دين الله، ولا يسعهم الخلاف عن أمرها، يستوي في ذلك المنتمي إلى مدرسة الرأي والمنتمي إلى مدرسة الحديث.
أخرج البيهقي عن عثمان بن عمر قال : جاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة فـقـال له : قال رسول الله تث كذا وكذا، فقال الرجل : أرأيت؟ فقـال مالك: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور). وأخرج عن ابن وهب، قال: قال مالك: لم يكن من فـتيـا الناس أن يقال لهم: لم قلت هذا؟ كانوا يكتفون بالرواية ويرضون بها.
3-ضرورة الوصل بين الحديث والفقه:
وإذا كانت السنة مصدراً أساسيا للفقه، كان من الواجب على الفقهاء أن يتعمقوا في علم الحديث، كما على المحدثين أن يتقنوا علم الفقه، وكان من الفجوات العلمية التي يجب أن تسد: الفجوة بين المشتغلين بالفقه، والمشتغلين بالحديث، وهذا ما ناديت به منذ سنين طويلة.
فالغالب على المشتغلين بالفقه أنهم لا يتقنون فنون الحديث، ولا يتعمقون في معرفة علومه، ولا سيما علم الجرح والتعديل، وما يترتب عليه من توثيق الرواة أو ولهذا تنفق عندهم أحاديث لا تثبت عند أئمة هذا الشأن من صيارفة الحديث، ومع هذا يثبتونها في كتبهم، ويحتجون بها لما يقروون من أحكـام في الحلال والحرام، والإيجاب والاستحباب.
4-وجوب مراجعة التراث الفقهي :
والواجب على أهل العلم في عصرنا: أن يراجعوا تراثنا الفقهي في ضوء علم الحديث الموصول بالفقه وأصوله، بعقلية بصيرة نافذة، وينظر في الأحكام التي أسست على أحاديث ضعيفة، فمن المجمع عليه أن الحديث الضعيف لا يؤسس حكماً، ولا يبني عليه تكليف حلال وحرام.
وهذه المراجعة العلمية الفاحصة من ثقات أهل العلم، ستكشف لنا عن أحكام في قضايا تشريعية واجتماعية مهمة لا سند لها إلا الضعاف من الأحاديث.
5-بيان موقف الإسلام من بعض القضايا الحياتية:
وكما يطلب الحديث الصحيح لبيان الأحكام في العبادات أو المعاملات والحلال والحرام، يطلب أيضا لبيان موقف الإسلام من القضايا الفكرية والتربوية والسلوكية وغيرها.
فإذا أردنا أن نبين موقف الإسلام من (الحياة الدنيا) من الزهد فيها أو الاستمتاع بطيباتها، فلا يكفي في ذلك الأحاديث الضعاف.
ومثل ذلك موقف الإسلام من (التوكل) واتخاذ الأسباب أو موقف الإسلام من الطب الوقائي أو العلاجي.
أو موقف الإسلام من المحافظة على البيئة أو الخضرة.
أو موقف الإسلام من قضية التطور المادي أو المعنوي.
أو موقف الإسلام من الخوارق والكرامات.
هذه القضايا وأمثالها لا يكتفي ببعض الأحاديث التي تقبل قيل وقال، بل لابد فيها من أحاديث محكمة، صحيحة في ثبوتها، صريحة في دلالاتها.
بل ينبغي أن لا يكتفي هنا بحديث واحد مفرد، بل الأصل أن يكون فيها أكثر من حديث يوضح الصورة، ويجلي الموقف، إلا أن يكون في المسألة قــرآن يتلى، فيكون هو الأصل والمرجع.
ثانياً: السنة في مجال الدعوة والتوجيه:
السنة النبوية - بعد القرآن الكريم - هي المورد الذي لا ينضب، والكنز الذي لا ينفد، ليستمد منه المربي أو الموجه أو الداعية في خطبته إذا خطب، وفي موعظته إذا وعظ، وفي درسه إذا درس، وفي تربيته إذا ربى. فالسنة مصدر متفق عليه لتوجيه السلوك، وتزكية النفوس ، كما أنها مصدر لتشريع الأحكام، وفقه العبادات والمعاملات .
ولهذا أجمع علماء السلوك، ورجال التربية الروحية، وشيوخ التصوف الأولون، والمعتبرون عند الأمة، على ضرورة التزام السالك أو المريد في الطريـق إلـى الله، بالسنة في فكره وعاداته وسلوكه، مع الله ، ومع نفسه، ومع الناس.
ففي السنة من التوجيهات المشرقة، والحجج الدامغة، والحكم البالغة، والكلم الجامعة، والمواعظ المؤثرة، والأمثال المعبرة، والقصص الهادفة، وألوان الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، ما يلين القلوب الجامدة، ويحرك العزائم الهامدة، وينبه العقول الغافلة، فهي تسير في خط القرآن في مخاطبة كيان الإنسان كله: عقله وقلبه وضميره، وهي تعمل على تكوين الشخصية المسلمة المتكاملة ، ذات العقل الذكي، والقلب النقي، والعزم الفتي، والجسم القوي .
أ- وأول ما ينبغي على الداعية أن يعتمد عليه وينهل من معينه، من كتبه السنة:
الصحيحان: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، اللذان تلقتهما الأمة بالقبول، ولم ينتقد عليهما إلا أحاديث معدودة، يتعلق النقد في جلها بأمور شكلية وفنية.
ثم عليه أن ينتقي من كتب السنة الأخرى مثل كتب السنن الأربعة : لأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وسنن الدارمي، وصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، ومسئدي أبي يعلى، والبزار، ومعاجم الطبراني، وشعب الإيمان للبيهقي، وغيرها مما نص الحفاظ والنقاد على صحته أو حسنه من الأحاديث.
وألا يعتمد على الأحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة، التي غدت للأسف الشديد بضاعة كثير من الخطباء والمرشدين الدينيين.
ومن فضل الله تعالى أن عددا من كتب السنة الأساسية قد خدم وحقق، فظهر (موطأ مالك) و (صحيح مسلم) و (سنن ابن ماجه) محققة مرقمة مفهرسة من عمل خادم السنة محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله ـ وكذلك ظهر كتاب (سنن البيهقي)، وغيرها…
ولا ريب أن كتب وأبواب الإيمان والتوحيد، والعبادات والعلم والأدب والزهد والرقائق والذكر والدعاء، والقرآن والبر والصلة، وأحوال الآخرة والجنة والنار، والسيرة والمغازي، والقصص والتاريخ، ونحوها، تجذب انتباه الداعية أكثر من الأحاديث التي تتعلق بالأحكام تعلقا مباشراً. وإن كان الداعية المتمكن الواسع الأفق، يستفيد من جميع أبواب الحديث، ولو كانت في الأحكام .
ب- التحري عند الاستشهاد بالحديث:
والشيء المهم للداعية هنا أن يتحرى عند إيراد الحديث مستشهدا به على معنى من المعاني ، أو قيمة من القيم، أو موقف من المواقف، وهذا في الواقع واجب أهل العلم جميعًا: أن يعتمدوا على المصادر الموثقة ، وأن يحرروا ثقافتهم من الأحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة، والتي لا أصل لها، التي تنتفخ بها بطون كثير من الكتب في ثقافتنا الدينية، فتختلط بغيرها من الصحاح والحسان، دون تمييز بين الصنفين: المقبول والمردود، وبعض الناس تغره شهرة الحديث بين الناس، وشيوعه في الكتب أو على الألسنة، فيحسب هذا كافياً في توثيقه، وإعطائه جواز المرور والقبول.
ومما هو معروف لدى المحققين أن الحديث قد يشتهر على الألسنة، بل قد يشتهر في كتب أهل العلم، ويتناقله بعضهم عن بعض، وهو ضعيف جداً، بل ربما لم يكن له أصل، أو كان حديثا موضوعاً، وهذا ما جعل عددا من علماء الحديث يؤلفون في بيان قيمة الأحاديث المشتهرة على الألسنة، من ذلك كتاب الزركشي (ت: ٧٩٤ه) المسمى (التذكرة بالأحاديث المشتهرة) وكتاب ابن الديبع (تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث) وكتاب الحافظ ابن حجر (ت: ٨٥٢هـ) (اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة)، وكتاب السيوطي (ت: ٩١١هـ) (الدرر المنتشرة في الأحاديث المشتهرة)، وكتاب السخاوي (ت : ٩٠٢هـ) (المقاصد الحسنة فيما اشتهر من الحديث على الألسنة) والذي اختصره الزرقاني (ت: ١٢٢هـ).
وأجمعها كتاب (كشف الخفاء ومزيل الألباس، عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس) للعجلوني (ت: ١١٦٢ه). كما أن الكتب الخاصة ببيان الأحاديث الموضوعة- لابن الجوزي والسيوطي والقاري والشوكاني واللكنوي وابن عراق والألباني وغيرهم. مهمة في هذا المجال .
وفي كتب التصوف والوعظ والرقائق كثير من هذا النوع من الأحاديث، فليحذر منها قارئها، وكذلك في كتب التفسير، وخصوصاً ما يتعلق بفضائل السور وقصص الانبياء والصالحين، وأسباب النزول، فلم يصح منها إلا القليل .
ج- آفة كثير من الوعاظ:
وآفة كثير من الوعاظ وخطباء المساجد في أكثر البلاد الإسلامية أنهم حاطبو ليل، همهم ما يحرك العامة من الأحاديث ، وإن لم يكن لها سند صحيح ولا حسن. ولا أكاد أشهد خطبة جمعة، أو درس وعظ، إلا سمعت جملة من الأحاديث الضعيفة، بل الشديدة الضعف، وربما الموضوعة.
ثالثاً: تحقيق القول في رواية الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب:
وأعتقد أن سبب رواج هذا النوع من الأحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة لدى جمهرة الخطباء وَالمُذَكِّرِينَ والواعظين هو إطلاق القول بأن جمهور العلماء يجيزون رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال، والرقائق والزهد والترغيب والترهيب والقصص ونحوها، مما لا يتعلق به حكم شرعي من الأحكام الخمسة، من حل وحرمة، وكراهة، وإيجاب واستحباب.
وإن أحدًا من أئمة الحديث لم يقل برواية أحاديث الترغيب والترهيب، عن كل من هب ودب من الرواة، وإن كانوا مجهولين أو متهمين، أو فاحشي الغلط.
وإنما أجازوا رواية بعض الرواة الذين في حفظهم بعض اللين أو الضعف وإن لم يكونوا «من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان» كما قال الإمام الثوري. فهؤلاء لا ريبة في صدقهم وعدالتهم، وإنما الريبة في حفظهم ويقظتهم وإتقانهم.
ولهذا ذكر الحافظ ابن حجر لقبول الضعف في الرقائق والترغيب، شروطا ثلاثة نقلها عنه الحافظ السيوطي في " تدريب الراوي ":
الأول: متفق عليه، وهو أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه.
الثاني: أن يكون مندرجاَ تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصلٌ أصلاً.
الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، لئلا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله، وإنما يعتقد الاحتياط.
قال: والأخيران عن ابن عبد السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد، والأول نقل العلائي الاتفاق عليه.
وهناك جملة من الحقائق يجب أخذها بعين الاعتبار:
1-أنه يوجد من العلماء القدامى والمعاصرين من يرفض الأحاديث الضعيفة، ولو في الترغيب والترهيب والرقائق.
2-أن هناك من أهل العلم الذين ليس لهم باعٌ في الحديث، لم يراعوا الشروط التي وضعها العلماء في قبول الحديث الضعيف.
3-أن العلماء اشترطوا على من يروي الحديث الضعيف أن يرويه بصيغة التمريض والتضعيف لا الجزم والحتم.
4-أن في الحديث الحسن والصحيح غُنية عن الأحاديث الضعيفة إذا توافرت هذه وهذه.
5-التحذير من مسألة أن الأخذ بالحديث الضعيف يؤدي إلى اختلال النسب بين الأعمال؛ فينبغي ملاحظة ذلك.
6-أن العلماء تساهلوا في رواية الحديث الضعيف، ولم يجعلوه مصدراً يستند عليه في أخذ الأحكام.
7- ألا يشتمل الحديث الضعيف على مبالغات وتهويلات يمجها العقل أو الشرع أو اللغة: وقد نص أئمة الحديث أنفسهم أن الحديث الموضوع يعرف بقرائن في الرواي أو المروي.
8-ألا تعارض دليلاً شرعياً آخر أقوى منها.
الباب الثالث: معالم وضوابط لحسن فهم السنة:
أولاً: فهم السنة في ضوء القرآن الكريم:
ذلك أن السنة النبوية هي شارحة هذا الدستور ومفصلته؛ فهي البيان النظري والتطبيق العملي للقرآن، ومهمة الرسول أن يبين للناس ما نزل إليهم.
ثانياً: فهم الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد:
ومن اللازم لفهم السنة فهماً صحيحاً: أن تجمع الأحاديث الصحيحة في الموضوع الواحد , بحيث يرد متشابهها إلى محكمها، ويحمل مطلقها على مقيدها، ويفسر عامها بخاصها. وبذلك يتضح المعنى المراد منها، ولا يضرب بعضها ببعض.
ثالثاً: الجمع أو الترجيح بين مختلف الحديث:
فالأصل في النصوص الشرعية الثابتة: ألا تتعارض؛ لأن الحق لا يعارض الحق. فإذا افترض وجود تعارض، فإنما هو في ظاهر الأمر لا في الحقيقة والواقع وكان علينا أن نزيل هذا التعارض المدعى. وإذا أمكن إزالة التعارض بالجمع والتوفيق بين النصين بدون تمحل واعتساف بحيث يعمل بكل منهما، فهو أولى من اللجوء إلى الترجيح بينهما؛ لأن الترجيح يعني إهمال أحد النصين، وتقديم الآخر عليه.
رابعاً: فهم الحديث في ضوء أسبابها، وملابساتها ومقاصدها:
ومن حسن الفقه للسنة النبوية: النظر فيما بني من الأحاديث على أسباب خاصة أو ارتبط بعلة معينة، منصوص عليها في الحديث أو مستنبطة منه، أو مفهومة من الواقع الذي سيق فيه الحديث. فالناظر المتعمق يجد أن من الحديث ما بني على رعاية ظروف زمنية خاصة ليحقق مصلحة معتبرة، أو يدرأ مفسدة معينة، أو يعالج مشكلة قائمة، في ذلك الوقت.
ومعنى هذا أن الحكم الذي يحمله الحديث قد يبدو عاما ودائماً، ولكنه ـ عند التأمل ـ مبني على علة، ويزول بزوالها، كما يبقى ببقائها.
خامساً: التمييز بين الوسيلة المتغيرة، والهدف الثابت في الحديث:
ومن أسباب الخلط والزلل في فهم السنة: أن بعض الناس خلطوا بين المقاصد والأهداف الثابتة التي تسعى السنة إلى تحقيقها، وبين الوسائل الآنية والبيئة التي تعينها أحيانا للوصول إلى الهدف المنشود؛ فتراهم يركزون كل التركيز على هذه الوسائل، كأنما مقصوده لذاتها، مع أن الذي يتعمق في فهم السنة وأسرارها، يتبين له أن المهم هو الهدف، وهو الثابت والدائم، والوسائل قد تتغير بتغير البيئة أو العصر أو العرف أو غير ذلك من المؤثرات.
سادساً: التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث:
فالعربية لغة للمجاز فيها نصيب موفور، والمجاز أبلغ من الحقيقة كما هو مقرر في علوم البلاغة، والرسول الكريم أبلغ من نطق بالضاد وكلامه تنزيل من التنزيل، فلا عجب أن يكون في أحاديثه الكثير من المجازات، المعبرة عن المقصود بأروع صورة.
والمراد بالمجاز هنا: ما يشمل المجاز اللغوي والعقلي، والاستعارة والكناية، والاستعارة التمثيلية، وكل ما يخرج باللفظ أو الجملة عن دلالتها المطابقية الأصلية. وإنما يعرف المجاز في الكلام بالقرائن الدالة عليه، سواء كانت قرائن مقالية أم حالية.
سابعاً: التفريق بين الغيب والشهادة:
تعرضت السنة لموضوعات تتعلق بـ (عالم الغيب) ـ بعضها يتصل بغير المنظور من عالمنا هذا… وبعض هذه الغيبيات تتعلق بالحياة البرزخية… وكل هذه الأمور أو جلها مما تعرض له القرآن الكريم , ولكن السنة المشرفة توسعت وفصلت فيما أجمله القرآن.
والواجب على العالم المسلم هنا أن يسلم بما صح ثبوته حسب قواعد أهل العلم , وسلف الأمة المقتدى بهم، ولا يجوز رده لمجرد مخالفته لما عهدناه، أو استبعاد وقوعه تبعا لما ألفناه، ما دام في دائرة الممكن عقلا , وإن كنا نعتبره مستحيلا في العادة، فقد استطاع الإنسان، بما أوتي من علم , أن يصنع أشياء كانت في حكم المستحيل عادة، ولو حكيت لأحد الأقدمين , لرمي من يحكيها بالجنون , فكيف بقدرة الله تعالى، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟ ولهذا قرر علماؤنا أن الدين قد يأتي بما يحار فيه العقل، ولكنه لا يمكن أن يأتي بما يحيله العقل. فلا يتناقض صحيح المنقول، وصريح المعقول، بحال من الأحوال.
ثامناً: التأكد من مدلولات ألفاظ الحديث:
ومن المهم جدا لفهم السنة فهما صحيحا: التأكد من مدلولات الألفاظ التي جاءت بها السنة؛ فإن الألفاظ تتغير دلالاتها من عصر لآخر ومن بيئة لأخرى، وهذا أمر معروف لدى الدارسين لتطور اللغات وألفاظها وأثر الزمان والمكان فيها.