أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 ديسمبر 2022

منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال الحافظ جلال الدين السيوطي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال

الحافظ جلال الدين السيوطي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ النية هي انبعاث النفس وميلها إلى غرضها الملائم لها عاجلاً أو آجلاً، وهي أصل قبول الأعمال وشرط صحتها، وبها تتميز العبادات عن العادات، وتفترق المحكمات عن المتشابهات، وعنها تصدر العقائد والأقوال والأعمال، ونيات الناس تختلف بحسب الباعث والغرض. وكذلك يكون الثواب بقدر نياتهم، وعليه فلا بد من تجريد النية وإخلاصها لله تعالى، والتبري عن كل ما دونه سبحانه، فلا يطلب المرء بعمله غير مرضاة الله وحده، فلا يطمع بجاه ولا منصب، ولا يبتغي ثناءً ولا شهرة، بل يضع نصب عينه مرضاة ربه سبحانه، فإنه سبحانه لا يقبل إلا ما كان صواباً وخالصاً.

وهذه الرسالة الفذة الجامعة هي شرح مُطوّل لحديث عمر رضي الله عنه، الشهير: «إنما الأعمال بالنيات» وهو حديث اتفق العلماء على عظم شأنه، وأنه أصل من أصول الإسلام وركن ركين من أركان العلم، وهو الحديث الذي عليه مدار قبول الأعمال إذا تحققت المتابعة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع، ولا نعبده بالبدع، كما قال - تعالى -: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} ( الكهف: ١١٠). وهو الأمر المتعلق كذلك بتحقيق الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله؛ ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه، وفي الثانية: أن محمداً هو رسوله المبلغ؛ فعلينا أن نصدق خبره ، ونطيع أمره).

وقال ابن القيم -رحمه الله: ولا يكون العبد متحققاً بـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) إلا بأصلين عظيمين: أحدهما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم. والثاني: الإخلاص للمعبود؛ فهذا تحقيق ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ). وتحقيق هذين الشرطين يكون بتمام الإخلاص، وإحسان العمل، وإتقانه. 

والإمام السيوطي توسع جداً في شرح هذا الحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فذكر من خرّجه من الأئمة، واختلاف ألفاظه، وبين أثر ذلك على المعنى، ومذاهب العلماء في اشتراط النية، وما تقتضيه النية من الأجر والإثم، وأثر النية على تخصيص العام وتقييد المطلق وتبيين المبهم في الإقرارات والأيمان والأقوال عموماً، وما ينعقد بها كنايةً أو صريحاً، وما يعذر بواسطتها غفلةً وسهواً، ثم دور النية في اعتبار المقاصد وإبطال الحيل، وسد الذرائع، وغير ذلك من المعارف والعلوم.

وقد أسهب في ذكر الفوائد الحديثية والفقهية والعقدية والنحوية والتفسيرية المتعلقة بهذا الحديث، وبين ذلك في وجوه بلغت (٨١) واحداً وثمانين وجهاً، بالإضافة إلى الفوائد الكثيرة التي تضمنها هذا الشرح. فهذا الشرح كما قال السيوطي - رحمه الله- في مقدمته الوجيزة المقتضبة: (كثير الفوائد، جم العوائد ..).

والسيوطي عالم موسوعي ينقل القارىء بين فنون العلم التي يحتاج إليها في المسألة فيجد القارىء نفسه وهو يقرأ في فائدة من فوائد علم المصطلح، تأتيه فائدة أخرى فقهية، وتليها لغوية وبعدها أصولية أو عقائدية، وهكذا يطوّف بالقارىء أثناء كتابه مع فروع العلم. وهذا شأن الراسخين في العلم الذين يجعلون بين يدي القارىء ما يريد أن يقرأه في المسألة قدر الطاقة والتوفيق.

وما أحسن ما قاله الإمام ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد" (۱۸۷/۳ -۱۸۸): "والكلام في مسألة النية شديد الارتباط بأعمال القلوب ومعرفة مراتبها وارتباطها بأعمال الجوارح وبنائها عليها، وتأثيرها فيها صحة أو فساداً، وإنما هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة، وأن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح مات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح إذ هي أصلها وأحكام الجوارح متفرعة عنها". انتهى.

أولاً: أهمية حديث (إنما الأعمال بالنيات): 

كل من ذكر الأحاديث التي يدور عليها الإسلام ذكر حديث النية فيها، وإن اختلفوا في الأحاديث الأخر. فقال الشافعي - رحمه الله -: هذا الحديث ثلث العلم. 

قال البيهقي - رحمه الله - في السنن الصغير -شارحاً كلام الشافعي: وهذا لأن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه وبنانه، والنية واحدة من ثلاثة أقسام اكتسابه. ثم إن النية ترجح على القسمين الآخرين. فإن النية تكون عبادة بانفرادها؛ والقول العاري عن النية والعمل الخالي عن العقيدة لا يكونان عبادة بأنفسهما، ولذلك قيل «نية المؤمن خير من عمله»؛ لأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء والنية لا يدخلها. وبالله التوفيق. انتهى .

وعن الإمام أحمد - رحمه الله - قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر «إنما الأعمال بالنيات». وحديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وحديث النعمان بن بشير «الحلال بين والحرام بين». 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (علوم الحديث ۱۷۲ -۱۷۳): ووجه هذا الحديث أن الدين فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه؛ فحديث «الحلال بين» فيه بيان ما نهى عنه والذي أمر به نوعان: أحدهما: العمل الظاهر وهو ما كان واجباً أو مستحباً. والثاني : العمل الباطن وهو إخلاص الدين لله. 

فقوله: «من عمل عملاً .. الخ» ينفي التقرب إلى الله بغير ما أمر الله به أمر إيجاب أو أمر استحباب. وقوله «إنما الأعمال بالنيات ... الخ». يبين العمل الباطن وأن التقرب إلى الله إنما يكون بالإخلاص في الدين لله. كما قال الفضيل في قوله تعالى: {لبلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}. قال: أخلصه وأصوبه؛ قال: فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل؛ وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل؛ حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة. وعلى هذا دل قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَلِحًا ولا يشرك بعبادة ربه أَحَدًا} (الكهف: ۱۱۰). فالعمل الصالح هو ما أمر الله به ورسوله أمر إيجاب أو أمر استحباب وأن لا يشرك العبد بعبادة ربه أحداً وهو إخلاص الدين لله". انتهى.

وسيأتي مزيد كلام على هذا الأمر في الوجه الخامس والعشرين من الأوجه التي ذكرها الإمام السيوطي.

ثانياً: عناية السلف بأمر النية:

وقد كان السلف الصالح يهتمون بأمر النية أكثر من اهتمامهم بحركة الأعمال لعلمهم أن العمل بلا نية عناء. فعن يحيى بن أبي كثير: تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل. وعن داود الطائي: رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية ؛ وكفاك بها خيراً وإن لم تنصب. وعن سفيان الثوري :قال ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي. وعن يوسف بن أسباط قال : تخليص النية أشد على العاملين من طول الاجتهاد.

ثالثاً: إثبات نسبة الكتاب إلى السيوطي رحمه الله:

لا شك أن الكتاب من تصنيف الحافظ السيوطي - رحمه الله فقد أشار إليه في فهرس مؤلفاته الذي كتبه بنفسه قبل وفاته بسبع سنين وهو مطبوع مع مقدمة معجم طبقات الحفاظ والمفسرين» لعبد العزيز السيروان. قال تحت عنوان «الحديث وتعلقاته» رقم ۱۳ «منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال». وقد نسبه له غير واحد من أهل العلم كابن الأمير الصنعاني في حاشيته على «عمدة الأحكام» ج ۸۰؛ والكتاني في نظم المتناثر من الحديث المتواتر» ص ٣٣؛ وحاجي خليفة في كشف الظنون» ج ٢ ص ١٨٥٢.

رابعاً: أهم المسائل التي تضمنتها رسالة السيوطي:

(١) الوجه الأول: الكلام على صحة هذا الحديث، وذكر من خرّجه، وهذا الحديث صحيح، اتفق على إخراجه الأئمة الستة وغيرهم. قال مالك في الموطأ -رواية محمد بن الحسن (ح ٩٨٣): أنا يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: سمعتُ علقمة بن وقاص، يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

(٢) الوجه التاسع: قال الحافظ ابن حجر: قد تواتر هذا الحديث عن يحيى بن سعيد؛ فقال النووي في «شرح مسلم»: رواه عن يحيى بن سعيد أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة. وحكى محمد بن علي بن سعيد النقاش الحافظ أنه رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفساً، وسرد أسماءهم أبو القاسم بن منده فجاوز الثلاثمائة بأربعين، وروى أبو موسى المديني عن بعض مشايخه مذاكرة عن الحافظ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي قال: كتبته من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى. قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: وأنا أستبعد صحة هذا قال: وقد تتبعت طرقه من الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة. وقال في «أماليه»: ولكن تأويل كلام الهروي بأن كتب عن كل نفس من أصحاب يحيى بن سعيد أكثر من طريق، فلا يزيد العدد على من سمى ابن منده.

(٣) الوجه العاشر: ورد في معظم الروايات: «إنما الأعمال بالنية» ببجمع الأعمال وانفراد النية، وفي رواية عند البخاري في «بدء الوحي»: «إنما الأعمال بالنيَّات» بجمع النية أيضاً. وفي رواية عنده في «الإيمان» و «العتق» و «الهجرة»: «الأعمال بالنية» بالإفراد وحذف «إنما». وفي رواية له في «النكاح»: «العمل بالنية»بإفرادهما. وفي صحيح ابن حبان «الأعمال بالنيات» بجمعها وحذف «إنما»، وكذا وقع في الشهاب للقضاعي ووصله في «مسنده»، وأنكره أبو موسى المديني كما نقله النووي وأقره. قال ابن حجر: وهو متعقب برواية ابن حبان. 

(٤) الوجه الحادي عشر: لفظ رواية مالك: «وإنما لامرىء»، ورواية ابن عيينة «وإنما لكل امرىء»، ورواية البخاري في «الإيمان» بلفظ: «ولكل امرىء»، ورواه في «العتق» بلفظ «ولامرئ» بحذف «إنما» و «لكل». ومعظم الروايات ومن كانت هجرته إلى دنيا ورواه البخاري في الحيل بلفظ: ومن «هاجر».

(٥) الوجه الثاني عشر: قال ابن الصلاح في «علوم الحديث»: حديث «إنما الأعمال بالنيات» ليس من المتواتر بسبيل وإن نقله عدد التواتر وزيادة؛ لأن ذلك -أي التواتر-طرأ عليه في وسط إسناده ولم يوجد في أوائله. واعترض عليه بأن أبا القاسم عبد الرحمن بن منده ذكر أنه رواه جماعة من الصحابة فبلغوا العشرين. قال العراقي وبلغني أن الحافظ أبا الحجاج المزي سئل عن كلام ابن منده فأنكره واستبعده؛ قال العراقي: وقد تعقبت أحاديث الصحابة الذين ذكرهم فوجدت لأكثرهم في مطلق النية لا بلفظ: «إنما الأعمال بالنيات».

(٦) الوجه الثالث عشر: ورد هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم - بلفظ حديث عمر من حديث:

-(أبي سعيد الخدري) أخرجه الدارقطني في غرائب مالك، والخطابي في معالم السنن، وأبو نعيم في «الحلية»، وقد تقدم تعليله في كلام الدارقطني. 

(في الوجه الثامن = قال الدارقطني: روى هذا الحديث واختلف عنه: فرواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ولم يتابع عليه. وأما أصحاب مالك الحفاظ فرووه عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر وهو الصواب. قال العراقي في شرح التقريب: وقول الخطابي إنه يقال: إن الغلط إنما جاء من قبل نوح بن حبيب، الذي رواه عن ابن أبي رواد فليس بجيد من قائله؛ فإنه لم ينفرد به نوح عنه؛ بل رواه غيره عنه وإنما الذي تفرد به ابن أبي رواد كما قال الدارقطني وغيره).. 

-(ومن حديث أنس) أخرجه ابن عساكر في جزء من أماليه من رواية يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أنس، وقال: غريب جداً والمحفوظ حديث عمر ا.هـ. 

-(ومن حديث أبي هريرة) أخرجه الرشيد العطار في جزء من تخريجه.

- ورواه -يعني الرشيد العطار -من حديث (علي بن أبي طالب) بلفظ «الأعمال بالنية تحسب» أخرجه ابن الأشعث في سننه، والحافظ أبو بكر محمد بن ياسر الجياني في الأربعين العلوية من طريق أهل البيت وفي إسناده من لا يعرف. قال الحافظ ابن حجر في (تخريج أحاديث المختصر): وقد وقع لي بلفظه من حديث صحابي خامس لم يذكره أبو القاسم بن منده ولا شيخنا؛ أخرجه الحاكم في تاريخه في ترجمة أبي بكر محمد بن أحمد بن بالويه: من روايته عن محمد بن يونس عن روح بن عبادة عن شعبة عن يحيى بن سعيد فذكر حديث الأعمال بالسند المعروف؛ وبه إلى شعبة عن محمد بن المنكدر عن ابن هزال عن أبيه عن النبي - ﷺ - قال : فذكر مثله؛ قال الحاكم ذكرته لأبي على الحافظ فأنكره جداً، وقال: قل لأبي بكر لا يحدث به بعد هذا. قال الحافظ ابن حجر: محمد بن يونس هو الكديمي معروف بالضعف. والمحفوظ بالسند المذكور قصة ماعز فلعله دخل عليه حديث في حديث.

(٧) الوجه الرابع عشر: ورد في مطلق النية من غير خصوص هذا اللفظ أحاديث كثيرة جداً تزيد على عدد التواتر: فروى البيهقي في سننه من (حديث أنس): «لا عمل لمن لا نية له»، وروي في الشعب من حديث أنس؛ والطبراني في الكبير من حديث (سهل بن سعد) و(النواس بن سمعان)، والديلمي في مسند الفردوس من حديث (أبي موسى الأشعري): «نية المؤمن خير من عمله». وروى ابن ماجه من حديث (جابر بن عبد الله) و(أبي هريرة) و(صفية)، ومسلم من حديث (عائشة) و(أم سلمة)، والطبراني في الأوسط من حديث (أم حبيبة): «يبعث الناس على نياتهم». وروى الطبراني من حديث (غزية بن الحارث)؛ وأحمد من حديث رافع بن خديج وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري؛ والشيخان من حديث ابن عباس «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية»؛ وروى الأئمة الستة من حديث سعد بن أبي وقاص: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها». وروى أحمد من حديث (ابن مسعود): «رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته»، وروى ابن ماجه من حديث (معاوية): «إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه»، وروى النسائي من حديث (عبادة بن الصامت): «من غزا في سبيل الله وهو لا ينوي إلا عقالاً فله ما نوى». وروى الأئمة الأربعة من حديث (عقبة ابن عامر): «إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة فذكر فيه وصانعه يحتسب في صنيعه الأجر»، وروى النسائي من حديث (أبي الدرداء): «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى»، وروى الطبراني من حديث (صهيب): «أيما رجل تزوج امرأة فينوي ألا يعطيها من صداقها شيئاً مات يوم يموت وهو زان، وأيما رجل اشترى من رجل بيعاً فنوى ألا يعطيه من ثمنه شيئاً مات يموت وهو خائن»، وروى الطبراني من حديث (أبي أمامة): «من أدان ديناً وهو ينوي أدان ديناً وهو أن يؤديه أداه الله عنه يوم القيامة، ومن ينوي لا يؤديه فمات قال الله - عز وجل - يوم القيامة: ظننت أني لا آخذ لعبدي بحقه، فيؤخذ من حسناته فيجعل في حسنات الآخر؛ فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فتجعل عليه».

(٨) الوجه الخامس عشر: قال العراقي في شرح التقريب: أطلق بعضهم على هذا الحديث اسم المتواتر وبعضهم اسم الشهرة وليس كذلك؛ وإنما هو فرد؛ ومن أطلق ذلك فمحمول على أنه أراد التواتر والاشتهار في آخر السند من عند يحيى بن سعيد. قال النووي: هو حديث مشهور بالنسبة إلى آخره غريب بالنسبة إلى أوله؛ قال: وليس متواتراً لفقد شرط التواتر في أوله. انتهى.

وأقول (يعني السيوطي): قد قسم أهل الأصول المتواتر إلى قسمين: لفظي: وهو ما تواتر لفظه. ومعنوي: وهو أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب قضايا مختلفة تشترك في أمر يتواتر ذلك القدر المشترك؛ كما إذا نقل رجل عن حاتم مثلاً أنه أعطى جملاً وآخر أنه أعطى قوتاً؛ وآخر أنه أعطى ديناراً؛ وهلم جرا. فتواتر القدر المشترك في أخبارهم وهو السخاوة. 

قال في «المحصول»: لأن هذه الجزئيات اشتركت في كلي واحد، وراوي الجزئي راو للكلي، فيصير الكلي وهو السخاء متواتراً بالتضمن. 

قلت (يعني السيوطي): وحديث النية كما ترى فصار متواتراً بهذا الاعتبار وإن لم يتواتر لفظه، فصحَّ قول من جنح إلى تواتره وكذا أحاديث الحوض، ومسح الخف ورفع اليدين. وكثير من الأحاديث التي وصفها الحفاظ بالتواتر، إنما هي متواترة تواتراً معنوياً، فإنها أخبار تضمنت ذكر ذلك لا لفظه.

(٩) الوجه السادس عشر: قـال الـخـطـيـب فـي الـمـتـفـق والمفترق»: المسمون من الرواة عمر بن الخطاب ستة: أولهم أمير المؤمنين راوي الحديث؛ والثاني عمر بن الخطاب الكوفي روى عن سفيان بن زياد العصفري وعنه خالد بن عبد الله الواسطي؛ والثالث: عمر بن الخطاب بن زكريا الراسبي البصري حدث عن دفاع السدوس وعنه يحيى بن حكيم المقوم روى له ابن ماجه؛ والرابع: عمر بن الخطاب بن حليلة بن زياد بن أبي خالد الإسكندري أبو الخطاب مولى كندة حدث عن يعقوب بن عبد الرحمن وضمام بن إسماعيل، ذكره أبو سعيد بن يونس؛ وقال: هو رجل معروف توفي في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين ومائتين بالإسكندرية؛ والخامس: الخطاب بن سويد يعرف بابن أبي خيرة؛ حدث عن أبيه وعنه حفيده محمد بن إسماعيل بن عمر، والسادس : عمر بن الخطاب السجستاني حدث عن محمد بن كثير الصنعاني ومحمد بن يوسف الفريابي، وسعيد بن أبي مريم وأصبغ بن الفرج؛ روى عنه أبو داود السجستاني في سننه ومات بكرمان سنة أربع وستين ومائتين.

(١٠) الوجه الثامن عشر قال الحافظ ابن حجر: سعيد الأنصاري من صغار التابعين، وشيخه محمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، وشيخ محمد علقمة بن وقاص من كبارهم. ففي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق. قال: وفي «المعرفة» لابن منده ما ظاهره أن علقمة صحابي. فلو ثبت كان فيه تابعيان وصحابيان.

(١١) الوجه التاسع عشر: هذا الإسناد مسلسل بالأخبار والسماع ليس فيه عنعنة وما أشبهها.

(١٢) الوجه العشرون من أنواع الحديث: معرفة أسبابه . . قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة»: شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث في تصنيف أسباب الحديث كما صنف في أسباب النزول للكتاب العزيز.. وهذا الحديث واقع على سبب لأنهم نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس؛ فسمي مهاجر أم قيس ولهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوي به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية. انتهى.

قال الحافظ ابن حجر: وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : من هاجر يبتغي شيئاً فإنما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس. 

ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس، قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، قال: ولم أرَ في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك. ا.هـ. 

قلت (يعني السيوطي): قد رأيته مصرحاً به في بعض الطرق وسأذكره قريباً. .

(١٣) الوجه الحادي والعشرون قال الحافظ ابن حجر المهلب أن النبي - صلى الله عليه وسلم- خطب بهذا الحديث حين قدم المدينة مهاجراً فلهذا بدأ به البخاري في أول صحيحه، قال ابن حجر: وهذا وجه حسن. إلا أنني لم أرَ ما ذكره - من كونه - خطب به أول ما هاجر ـ منقولاً. وقد رواه البخاري في باب «ترك الحيل» بلفظ: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية» ففي هذا إيماء إلى أنه كان في حال الخطبة، أما كونه كان في ابتداء قدومه إلى المدينة فلم أرَ ما يدل عليه؛ ولعل قائله استند إلى ما روي في قصة مهاجر أم قيس، ولو صح أن سبب الحديث قصة مهاجر أم قيس لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية. هذا كلام ابن حجر. قلت (السيوطي): وقد وقفت على التصريح بكونه خطب به لما قدم المدينة في بعض الطرق. وعجبت للحافظ ابن حجر كيف لم يستحضرها ؟! 

قال الزبير بن بكار في أخبار المدينة: حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: لما قدم رسول الله - ﷺ - المدينة وعك فيها أصحابه، وقدم رجل فتزوج امرأة كانت مهاجرة. فجلس رسول الله - ﷺ - على المنبر فقال: «يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية - ثلاثاً - فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يطلبها أو امرأة يخطبها فإنما هجرته إلى ما هاجر إليه، ثم رفع يديه فقال: اللهم انقل عنا الوباء ثلاثاً؛ فلما أصبح قال: أتيت هذه الليلة بالحمى فإذا بعجوز سوداء ملببة في يدي الذي جاء بها، فقال: هذه الحمى فما ترى فيها؟ فقلت: اجعلوها بخم».

فهذه الطريق صرح فيها بذكر سبب الحديث وبكونه خطب به حين قدم المدينة، واستفدنا منه تاريخ الحديث. وهو أحد علوم الحديث . .

(١٤) الوجه الثاني والعشرون: أقول ظهر لي في مناسبة خطبته به أول قدومه المدينة: أن الأحكام وغالب العبادات أنها شرعت بعد الهجرة وكلها متوقفة على النية، والنية محلها أول كل عمل؛ فبدأ - ببيان النية للإشارة إلى وجوب تقديمها على كل عمل من الأعمال وأنها أول الأركان.

(١٥) الوجه الثالث والعشرون: يحتمل أن أم قيس المذكورة هي بنت محصن الأسدية أخت عكاشة، فإنها أسلمت بمكة قديماً وهاجرت إلى المدينة واسمها «آمنة»؛ وقيل «جذامة» بالجيم والذال المعجمة. قال أبو الخطاب بن دحية اسم أم قيس التي ورد الحديث في مهاجرتها «قيلة» بقاف مفتوحة ثم تحتية ساكنة، وهذا يدل على أنها امرأة أخرى غير بنت محصن. قال الحافظ العراقي والحافظ ابن حجر ولم نقف على اسم مهاجرها.

(١٦) الوجه الرابع والعشرون من فنون الحديث: الجمع بين الحديث والقرآن. وقد قال الشافعي - رضي الله عنه -: كل ما حكم به النبي - ﷺ - فهو مما فهمه من القرآن. وهذا الحديث مشتمل على جملتين: جملة النية مأخوذة من قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، ومن قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} أي نيته: كذا فسرها الحسن البصري ومعاوية بن قرة المدني وقتادة أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم، واستند إليه البخاري.

وجملة الهجرة مأخوذة من قوله تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مهاجرا إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّه}.

(١٧) الوجه الخامس والعشرون: تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث: فقال أبو عبيد: ليس في أخبار النبي - ﷺ - شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث. وقال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول  يدخل هذا الحديث ـ يعني حديث عمر إنما الأعمال بالنيات» - في سبعين باباً الفقه. أخرجه الخطيب في الجامع. وقال البويطي: سمعت الشافعي يقول: يدخل في حديث إنما الأعمال بالنيات ثلث العلم. أخرجه البيهقي. وقال عبد الرحمن بن مهدي: من أراد أن يصنف كتاباً فليبدأ بحديث: «الأعمال بالنيات. وقال ابن مهدي ـ أيضاًـ: لو صنفت كتاباً لجعلت حديث عمر بن الخطاب إنما الأعمال بالنية في أول كل باب.. وقال أحمد بن حنبل: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث الأعمال بالنية، وحديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد؛ وحديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين. وقال أبو داود : كتبت عن رسول الله - خمسمائة ألف حديث؛ انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني كتاب السنن - كتبت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث؛ ويكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث: الأعمال بالنيات ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، قال أبو داود: فمن أخذ بهذه الأربعة أحاديث تجزئه عن الأربعة آلاف. وقال ابن مهدي وعلي بن المديني الحديث على أربعة أحاديث: الأعمال بالنيات ولا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث وبني الإسلام على خمس، والبيئة على من ادعى واليمين على من أنكر.. وقال عثمان بن سعيد الدارمي والدارقطني: الفقه يدور على أربعة أحاديث: «الأعمال بالنيات» و «من حسن إسلام المرء و الحلال بين» و «ازهد في الدنيا». 

وقد نظمها أبو الحسن طاهر بن مُفوِّز الإشبيلي في قوله:

عمدة الدين عندنا كلمات … أربع من كلام خير البرية 

اتق الشبهات وازهد ودع ما … ليس يعنيك واعملن بنية

(١٨) الوجه الثامن والعشرون: قال النووي في شرح مسلم: في هذا الحديث دليل على أن الطهارة وهي الوضوء والغسل والتيمم لا تصح إلا بالنية؛ وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات؛ قال: وتدخل النية في الطلاق والعتاق والقذف. ومعنى دخولها أنها إذا قارنت كناية صارت كالصريح، وإن أتى بصريح طلاق ونوى طلقتين أو ثلاثاً وقع ما نوى؛ وإن نوى بالصريح غير مقتضاه دين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يقبل منه في الظاهر. انتهى. 

قلت (السيوطي): وتدخل النية - أيضاً - في باب مسح الخف في مسألة الجرموق: إذا الأعلى وهو ضعيف فنزل البلل إلى الأسفل إن قصد صح وإلا فلا. وفي باب الأواني في مسألة الضبة: إن قصد الحاجة لم تحرم أو الزينة حرمت بشرطه وفيما إذا قصد استعمال الحلى أو كنزه. وفيما إذا قصد بشراء شيء التجارة أو القنية، وفي سائر العقود في البيع والهبة والوقف والقرض والضمان والإبراء والحوالة والإقالة والوكالة وتفويض القضاء والاقرار والإجارة والوصية والأيمان.. وتدخل فيها أيضاً في غير الكنايات وفي مسائل شتى: كقصد لفظ الصريح لمعناه ونية المعقود عليه في المبيع والثمن وعوض الخلع في المنكوحة. وتدخل في بيع المال الربوي ونحوه. المال الذي قرب حوله بقصد الفرار من الزكاة أو غيره، وفي النكاح إذا نوى ما لو صرح به بطل، وفي القصاص في مسائل كثيرة: منها تمييز العمد وشبهه من الخطأ، ومنها إذا قتل الوكيل في القصاص إن قصد قتله عن الوكيل أو قتله بشهوة نفسه. وفي الردة، وفي السرقة فيما إذا أخذ آلات الملاهي بقصد كسرها وإشهارها أو بقصد سرقتها. وفيما إذا أخذ الدائن مال المدين بقصد الاستيفاء أو السرقة فلا قطع في الأول ويقطع في الثاني. وفي أداء الدين فلو كان عليه دينان بأحدهما رهن فأدى أحدهما ونوى به دين الرهن انصرف إليه والقول قوله في نيته. وفي اللقطة بقصد الحفظ أو التمليك. وفيما لو أسلم على أكثر من أربع؛ فقال: فسخت نكاح هذه فإن نوى به الطلاق كان تعييناً لاختيار النكاح وإلا حمل على اختيار الفراق. وفيما لو وطىء أمة بشبهة وهو يظنها زوجته الحرة فإن الولد ينعقد حراً.

وفيما لو تعاطى فعل شيء مباح له وهو يعتقد عدم حله، كمن وطىء امرأة يعتقد أنها أجنبية فإذا هي حليلته؛ أو قتل من يعتقده معصوماً فبان أنه يستحق دمه أو أتلف مالاً يظنه لغيره فبان ملكه. فإنه يجري عليه حكم الفاسق - كما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام ـ لجرأته على ذلك. وعكس هذا ما لو وطئ أجنبية وهو يعتقدها حليلته لا يترتب عليه شيء من العقوبات الواجبات اعتباراً بنيته ومقصده .

وتدخل النية أيضاً في عصر العنب بقصد الخلية أو الخمرية، وفي الهجر فوق ثلاثة أيام فإنه حرام إن قصد الهجر وإلا فلا؛ وفي ترك الطيب والزينة فوق ثلاث أيام لموت غير الزوج فإنه حرام إن قصد الإحداد وإلا فلا. وفي نية قطع السفر، وقطع القراءة في الصلاة، وقراءة القرآن جنباً بقصده أو بقصد الذكر، وفي الصلاة بقصد الإفهام. وفي الجعالة إذا التزم جعلاً لمعين فشاركه غيره في العمل إن قصد فله كل الجعل. وإن قصد العمل للمالك فله قسطه. وفي الذبائح وفي الأيمان والنذور وفي كل القرب بمعنى توقف حصول الثواب على قصد التقرب بها إلى الله. ومن ذلك نشر العلم بوجوهه والحكم بين الناس وإقامة الحدود، وكل ما يتعاطاه الحكام والولاة وتحمل الشهادات وأداؤها بل يسري ذلك إلى المباحات فإنها تصير قرباً وطاعات إذا نوى بها المعونة على الطاعة فقد دخلت النية في سبعين باباً كما ترى.

(١٩) الوجه التاسع والعشرون: قد دخلت النية في علوم أخر غير الفقه في العربية والشعر، فمن ذلك الكلام يشترط فيه القصد على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور. والمنادى النكرة إن قصد نداء واحد بعينه تعرّف وينى على الضم وإلا فلا؛ والمنادى المقصود نحو: يا فتى. إذا وقع في الشعر ونون إن نوى فيه الضم جاز في نعته الرفع والنصب؛ وإن نوى فيه النصب تعين في النعت. والتابع الذي يجوز إعرابه بدلاً وعطف بيان مبني على قصد المتكلم.. إن قصد يشترط الأول وإحلال التابع محله أعرب بدلاً، وإن لم يقصد ذلك أعرب بياناً .. والعَلَمُ المنقول عن صفة إن قصد شرح الصفة المنقول عنها أدخل فيه «ال» وإلا فلا في مسائل كثيرة.. واشترط أهل العروض في الشعر أن يكون موزوناً مقصوداً؛ فما يقع موزوناً اتفاقاً لا عن قصد من المتكلم فإنه لا يسمى شعراً.. وعلى ذلك خرج جميع ما وقع في القرآن والحديث موزوناً.

(٢٠) الوجه الثلاثون في الحديث دليل على أنه يستحب للإمام الأعظم الخطبة عند الأمور المهمة وتعليم الحكم المهم؛ لأنه أبلغ في الإشاعة والاشتهار ولما أوردناه من طريق الزبير بن بكار. ونظير ذلك خطبة عمر بالجابية وخطبته لما قدم من الحج قرب وفاته.

(٢١) الوجه الحادي والثلاثون قال بعضهم: فيه دليل على أن الواحد الثقة إذا كان في مجلس جماعة ثم ذكر عن ذلك المجلس شيئاً لا يمكن غفلته عنه ولم يذكره غيره أن ذلك لا يقدح في صدقه خلافاً لمن عمل بذلك، فإن علقمة ذكر أن عمر خطب على المنبر كما في رواية البخاري ثم لم يصح من جهة أحد عنه غير علقمة. قلت (السيوطي): وكذلك النبي - ﷺ ، خطب على المنبر ثم لم يصح من جهة أحد عنه غير عمر.

(٢٢) الوجه الثاني والثلاثون قد يقال إن المنبر إنما اتخذه رسول الله - ﷺ - بعد الهجرة بمدة في سنة سبع من الهجرة وقيل سنة ثمان. فكيف يصح قوله في رواية الزبير بن بكار: فجلس على المنبر وذلك أول قدومه من الهجرة؟!. ويجاب بأن المراد به ما كان يخطب عليه آنذاك: هو غير المنبر المعروف الذي اتخذه آخراً.

(٢٣) الوجه الخامس والثلاثون الظاهر أنه يجوز حذف «يقول» الخط؛ كما يجوز حذف «قال من الخط في مثل «حدثنا فلان قال». وحذف أنه من حدثنا فلان أنه فلاناً». وقد صرح بحذف «قال» أهل الحديث؛ وبحذف «أنه» الحافظ ابن حجر وقال: قلّ من نبه عليها ولم يصرح أحد بحذف يقول». ويحتمل المنع لأنه يلتبس فلا يدري المحذوف قال أو يقول.

(٣٤) الوجه السادس والثلاثون: إذا حذفت من الخط تعين النطق بها في القراءة.. وهل يجوز حذفها كما صحح ابن الصلاح في فتاويه» والنووي جواز حذف قال؟؟ وعندي أنه ينبني على العلة في جواز حذف قال فمن علله بأنه من باب إضمار القول - وحذف القول كثير في القرآن والحديث والنحو؛ حتى قال بعض النحاة: إضمار القول في حديث الشيخ حدث ولا حرج - يسوغ حذف يقول أيضاً، ومن علله بأن حدثنا وأخبرنا يغني عنه فإن معنى «حدثنا فلان أن رسول الله - ﷺ: قال لنا فلان أن رسول الله - ﷺ - لم يسوغ حذف يقول فإن «سمعت» لا يغني عنه، وحاصل الفرق أن «سمعت» فعل مسند إلى الراوي فلا بد معه من فعل مسند إلى المروي عنه . وحدثنا وأخبرنا فعل مسند إلى المروي عنه فلم يحتج إلى فعل آخر ..فتأمل .

(٣٥) الوجه السابع والثلاثون: في الحديث براعة الاستهلال فإنه لما سيق بسبب من هاجر ليتزوج امرأة قدّم على ذكر الهجرة ذكر النية واستفتح الحديث بما يناسب المقصود ويشمله وغيره من الناس.

(٣٦) الوجه الثامن والثلاثون: قوله «يا أيها الناس» أصل في قولها في الخطبة صدر الوعظ وفيها من الفوائد التنبيه على العموم فيما يذكر، وأنه لا يخص واحد دون آخر وهو أدعى إلى قبول الوعظ.

(٣٧) الوجه التاسع والثلاثون: قال ابن دقيق العيد في «شرح العمدة»: كلمة إنما للحصر كما تقرر في الأصول. فإن ابن عباس فهم الحصر من قوله - ﷺ: (إنما الربا في النسيئة)، وعورض بدليل آخر يقتضي تحريم ربا الفضل ولم يعارض في فهمه للحصر. وفي ذلك اتفاق على أنها للحصر. انتهى. قال الحافظ ابن حجر وقد تعقب باحتمال أن يكونوا تركوا المعارضة تنزلاً. قال: وأما من قال يحتمل أن يكون اعتمادهم على قوله (لا ربا إلا في النسيئة)؛ لورود ذلك في بعض طرق الحديث المذكور فلا يفيد ذلك في رد إفادة الحصر، بل يقويه ويشعر أن مفاد الصيغتين عندهم واحد؛ وإلا لما استعملوا هذه موضع هذه. وأوضح من ذلك حديث «إنما الماء من الماء». فإن الصحابة الذين ذهبوا إليه لم يعارضهم الجمهور في فهم الحصر منه، وإنما عارضهم في الحكم من أدلة أخرى كحديث «إذا التقى الختانان»، وقد وقع استعمال إنما موضع استعمال النفي والاستثناء كقوله تعالى: {إِنَّمَا تُجزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، وقال: {وَمَا تُجْزَونَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. وقوله: {أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَغ الْمُبِينُ}، وقال: {وما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغ}. ومن شواهد الأعشى:

ولست بالأكثر منهم حصىً .. ولكنَّ العزّة للكاثرِ

قال السبكي: يعني ما ثبتت العزة إلا لمن كان أكثر حصى.ا.هـ.. قال: ومن أوضح أدلة الحصر قوله تعالى: {وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَغ}. إذ لو لم تكن للحصر كانت بمنزلة: إن تولوا فعليك البلاغ. وهو - ﷺ - عليه البلاغ تولوا أم لا. وإنما رتب على توليهم نفي غير البلاغ مما قد يتوهم نسبته له .ا.هـ. 

ثم القول بأنها للحصر هو رأي الأكثرين ونقله البلقيني عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي ووافق الآمدي في إنكاره: أبو حيان واشتد نكيره على من قال به. وقال التقي السبكي: إن المخالف في الحصر مستمر على لجاجه. وقال الشيخ تاج الدين في رفع الحاجب»: وقد نقل ناقلون عن القاضي أبي بكر إنكار كونها للحصر والذي رأيته في التقريب» أنها عنده محتملة لتأكيد الإثبات و محتملة للحصر وزعم أنه يجوز استعمالها لكل من الأمرين. وقال ابن عطية: «إنما» لفظ لا يفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع ويصلح مع ذلك للحصر إذا دخل في قصة ساعدت عليه فجعل وروده للحصر مجازاً يحتاج إلى قرينة وكلام غيره على العكس من ذلك وأن أصل ورودها للحصر فتحصلت على أربعة آراء.

(٣٨) الوجه الأربعون: قال ابن دقيق العيد: معنى الحصر في «إنما إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه. وهل نفيه عما عداه بمقتضى موضوع اللفظ أو هو من طريق المفهوم؛ فيه بحث. وقال التاج السبكي في «رفع الحاجب»: اختلف القائلون بأن إنما تفيد الحصر هل تفيده بالمنطوق أو بالمفهوم؟ على قولين : الأكثرون على الأول؛ وقال بالثاني شرذمة قليلون. ونقل أخوه في «عروس الأفراح» القولين ولم يرجح شيئاً. وكذا ابن الحاجب في مختصره.

(٣٩) الوجه الخامس والخمسون قوله إنما الأعمال بالنيات» من مقابلة الجمع بالجمع أي كل عمل بنية. وقال الحوفي: كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال. كمن قصد بعمله وجه الله تعالى وتحصيل موعوده أو الاتقاء لوعيده.

وأما رواية «الأعمال بالنية» فوجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها، بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد الذي لا شريك له .

(٤٠) الوجه السادس والخمسون الباء في «بالنيات» للمصاحبة وبه جزم الكرماني، قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده. قال : وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله.

(٤١) الوجه السابع والخمسون: لا بد من محذوف يتعلق بالجار والمجرور فقدره بعضهم: تعتبر وقيل تكمل وقيل تصح وقيل تحصل وقيل تستقر. قال النووي في شرح مسلم تقدير الحديث أن الأعمال تحسب إذا كانت بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية.

قال الكرماني: وهذا وجه آخر في تعلق الجار. قال الطيبي: كل من الأعمال والنيات وقع محلى بالألف واللام الاستغراقية؛ فإما أن يحمل على عرف اللغة فيكون الاستغراق حقيقياً، أو على عرف الشرع وحينئذ إما أن يراد بالأعمال الواجبات والمندوبات والمباحات». وبالنيات «الإخلاص»؛ أو يراد بالأعمال الواجبات وما لا يصح إلا بالنية. ولا سبيل للعرف اللغوي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بعث إلا لبيان الشرع فكيف يتصدى لما لا جدوى له فيه. فحقيقته تحمل إنما الأعمال بالنيات على ما اتفق عليه أصحابنا :أي ما الأعمال محسوبة بشيء من الأشياء - كالشروع فيها والتلبس بها - إلا بالنيات. وما خلا منها لم يعتد بها. 

فإن قيل: لم خصصت متعلق الجر والظاهر العموم كمستقر أو حاصل؟ فالجواب : أنه حينئذ يكون بياناً للغة لا إثباتاً لحكم الشرع وقد سبق بطلانه. وقال البلقيني: الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث فمن كانت هجرته ... الخ. وعلى هذا تقدير المحذوف كوناً مطلقاً من اسم فاعل أو فعل. وقال الزركشي فيما كتبه على العمدة الأحسن تقدير من قدر إنما الأعمال معتبرة أو مجزئة. وقيل تقدير الخبر واقع أولى لأنهم أبداً لا يضمرون إلا ما يدل عليه الظرف وهو واقع أو مستقر وهي قاعدة مطردة عندهم. قال : وهذا مسلم في تقدير ما يتعلق به الظرف مطلقاً مع قطع النظر عن صورة خاصة. أما الصور المخصوصة فلا يقدر لها إلا ما يليق بها مما يدل عليه المعنى أو السياق.

قلت (السيوطي): هذا والذي ذكره الطيبي مردود لأن القاعدة النحوية أنه لا يحذف متعلق الجار إلا إذا كان كوناً مطلقاً، فإن كان كوناً خاصاً وجب ذكره وكان حذفه لحناً. 

(٤٢) الوجه الستون جملة إنما الأعمال بالنية» بالنظر إلى كونها من كلام النبوة مستأنفة لا محل لها من الإعراب. وبالنظر إلى كونها محكية يقول في محل نصب لأنها مقول القول.

(٤٣) الوجه الحادي والستون النية مصدر نوى نية ونواة وزنها فعلة. والأصل نوية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء.

(٤٤) الوجه الثاني والستون: المشهور في النية تشديد الياء. وحكى النووي فيها التخفيف. قلت (السيوطي): وعلى هذا هل المحذوف الياء الأولى أو الثانية؟ ينبغي أن يجري فيه الخلاف في نظائره.

(٤٥) الوجه الثالث والستون فسر الجوهري في «الصحاح» النية بالعزم وقال الخطابي: هي قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له. وقيل هي عزيمة القلب. وقال التيمي: النية ههنا وجهة القلب، وقال البيضاوي : النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مالاً. والشرع خصصها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله وامتثالاً لحكمه. وقال النووي النية القصد وهو عزيمة القلب وتعقبه الكرماني بأن المتكلمين قالوا: القصد إلى الفعل هو ما نجده من أنفسنا حال الإيجاد والعزم قد يتقدم عليه ويقبل الشدة والضعف بخلاف القصد، ففرقوا بينهما من جهتين فلا يصح تفسیره به وكلام الخطابي أيضاً يشعر بالمغايرة بينهما. وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح التقريب : اختلف في حقيقة النية فقيل هي الطلب وقيل الجد في الطلب ومنه قول ابن مسعود: من ينو الدنيا تعجزه» أي من يجد في طلبها. وقيل القصد للشيء بالقلب ؛ وقيل عزيمة القلب، وقيل: هي من النوى بمعنى البعد فكأن الناوي للشيء يطلب بقصده وعزمه ما لم يصل إليه بجوارحه وحركاته الظاهرة لبعده عنه فجعلت النية وسيلة إلى بلوغه. انتهى. وقال الزركشي في قواعده: حقيقة النية ربط القصد بمقصود معين، والمشهور أنها مطلق القصد إلى الفعل وقال الماوردي: هي قصد الشيء مقترناً بفعله، فإن قد وتراخى عنه فهو العزم.

(٤٦) الوجه السابع والستون: أطبق أصحابنا على أن النية محلها القلب، ولم يحكوا في ذلك خلافاً، وأشار القرافي إلى خلاف في ذلك، مبني على أن العقل في القلب أو الدماغ.

والوجه الرابع والسبعون:  تكلم العلماء في فائدة قوله (وإنما لكل امرىء ما نوى) بعد قوله: «إنما الأعمال بالنيات» فقال القرطبي: فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال. قال العراقي: فجعله للتأكيد ولا ينكر أن التأسيس أولى منه. وقال النووي في شرح مسلم: قالوا فائدة ذكره بعد إنما الأعمال بالنيات بيان أن تعيين المنوي شرط فلو كان على إنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهراً أو غيرها، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك وقال ابن السمعاني في (أماليه): فيه دلالة على أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا نوى بها فاعلها القربة. كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة، والنوم إذا قصد به ترويح البدن للعبادة، والوطء إذا أريد به التعفف عن الفاحشة كما قال عليه السلام: (وفي بضع أحدكم صدقة . .) الحديث.

 وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: وإنما حصل لكل امرىء ثواب العمل الذي نواه. قال: وبهذا التقرير تكون الجملة الأولى لبيان ما نوى من الأعمال الدنيوية والثانية لبيان ما يترتب عليها من الثواب في الدار الآخرة. وقال ابن دقيق العيد: أفادت الجملة الثانية أن من نوى شيئاً حصل له وإن كان دون عمله عنده، وأن ما لم ينوه لم يحصل له. وقال الفاكهي : أفادت الجملة الثانية عدم صحة الاستنابة في النية ولا يستفاد ذلك من الجملة الأولى؛ إذ لو نوى واحد عن غيره لصدق عليه أنه عمل بنية فنص على منع ذلك بقوله: وإنما لامرىء ما نوى». وقال بعضهم الأفعال التي ظاهرها القربة وإن كان موضوع فعلها عبادة إذا فعلها المكلف عادة لم يترتب الثواب على مجرد الفعل وإن كان الفعل صحيحاً حتى يقصد به العبادة ذكره العراقي: وقد ذكر ابن دقيق العيد في «الاقتراح» أن من أحسن ما يقصد بسماع الحديث كثرة الصلاة على النبي - ﷺ - بقصد القربة لا على سبيل العادة. فجعل الصلاة على النبي -ﷺ - وإن كانت قربة لا تحصل فائدتها إلا إذا قصد بها القربة.

(٤٧) الوجه السابع والثمانون: استدل به على أن المتوضئ إذا لم ينوِ إلا عند الوجه، لا يحصل له ثواب السنن السابقة، وهو الأصح عندنا.

خامساً: مصادر السيوطي في كتابه (منتهى الآمال):

استقى السيوطي مادة منتهى الآمال من العديد من الكتب في فنون متفرقة كعادته في كتابة مصنفاته، والملاحظ أنه أكثر من النقل عن (طرح التثريب شرح التقريب) للحافظ العراقي - رحمه الله، و (فتح الباري شرح صحيح البخاري) للحافظ ابن حجر رحمه الله؛ و(إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام للحافظ ابن دقيق العيد -رحمه الله)؛ و(الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري) للكرماني - رحمه الله؛ و(إحياء علوم الدين) للغزالي - رحمه الله، و(الأمنية في إدراك النية) للقرافي - رحمه الله؛ و(المنهاج شرح صحیح مسلم بن الحجاج) للإمام النووي - رحمه الله.

وإليك مسرد المصادر التي اعتمد عليها السيوطي - رحمه الله في كتابه «منتهى الآمال»:

١ - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام. لابن دقيق العيد .

٢ - إحياء علوم الدين، للغزالي .

٣ - أخبار المدينة، للزبير بن بكار.

٤- الإخلاص والنية، لابن أبي الدنيا.

٥ - الآداب الشريفة والأخلاق الحميدة. لابن جرير الطبري.

٦ - أعلام الحديث، للخطابي.

۷ - الإقليد. لابن الفركاح.

٨- الأمالي على المختصر؛ لابن حجر العسقلاني.

٩- الأمنية في إدراك النية، للقرافي.

۱۰ - الإيضاح؛ لأبي علي الفارسي.

۱۱ - بدائع الفوائد؛ لابن القيم الجوزية.

١٢ - تخريج أحاديث المختصر. ولعله الأمالي، لابن حجر.

١٣ - التذكرة؛ لابن هشام.

١٤ - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، للنووي.

١٥ - تهذيب الآثار؛ لابن جرير الطبري.

١٦ - الجامع لآداب الراوي والسامع؛ للخطيب البغدادي.

۱۷ - حاشية العضد على مختصر ابن الحاجب؛ لعضد الدين الإيجي.

۱۸ - حديث مالك؛ للنسائي.

۱۹ - حكم ابن عطاء، لابن عطاء الله السكندري.

٢٠ - حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني.

٢١ - حياة القلوب؛ لعماد الدين الإسنوي.

۲۲ - رفع الحاجب شرح مختصر ابن الحاجب؛ لتاج الدين السبكي.

٢٣ - الروح؛ لابن القيم الجوزية.

٢٤ - سنن ابن ماجه؛ لابن ماجه القزويني.

٢٥ - سنن أبي داود؛ لأبي داود بن الأشعث.

٢٦ -سنن الترمذي؛ لأبي عيسى الترمذي .

۲۷ - سنن الدارمي؛ لأبي سعيد الدارمي.

۲۸ - سنن سعيد بن منصور؛ لسعيد بن منصور.

٢٩ - سنن النسائي؛ لأبي عبد الرحمن النسائي.

٣٠ - السنن الصغير؛ للبيهقي.

۳۱ - السنن الكبرى؛ للبيهقي .

۳۲ - شرح عمدة الأحكام؛ لابن العطار.

۳۳ - شرح عمدة الأحكام؛ للزركشي.

٣٤ - شرح حكم ابن عطاء؛ لابن عباد.

٣٥ - شرح المصابيح؛ للخلخالي.

٣٦ - شعب الإيمان؛ للبيهقي.

٣٧-  الصحاح؛ للجوهري.

۳۸ - صحيح ابن حبان؛ لأبي حاتم بن حبان.

٣٩ - صحيح البخاري؛ للإمام البخاري.

٤٠ - صحيح مسلم؛ للإمام مسلم.

٤١ - طرح التثريب؛ للعراقي.

 ٤٢ - عروس الأفراح؛ لبهاء الدين السبكي.

٤٣ - علل الدارقطني؛ للدارقطني.

٤٤ - علوم الحديث؛ لابن الصلاح.

٤٥ - غرائب مالك؛ للدارقطني.

٤٦ - فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ لابن حجر.

٤٧ - فتاوى ابن الصلاح؛ لابن الصلاح.

٤٨ - الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري؛ للكرماني.

٤٩ - المتفق والمفترق؛ للخطيب البغدادي .

٥٠ - المجالسة؛ للدينوري.

٥١ - المجموع شرح المهذب؛ للنووي.

٥٢- المحرر الوجيز؛ لابن عطية.

٥٣- المحصول؛ للفخر الرازي.

٥٤ - المسند؛ للإمام أحمد.

٥٥ - مسند الديلمي؛ للديلمي.

٥٦-ـ معالم السنن؛ للخطابي .

٥٧-ـ معجم الطبراني الأوسط؛ للطبراني.

٥٨ ـ معجم الطبراني الصغير؛ للطبراني.

٥٩ - معجم الطبراني الكبير؛ للطبراني.

٦٠ - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب؛ لابن هشام.

٦١ - المفردات؛ للراغب الأصفهاني.

٦٢ - الموطأ -رواية محمد بن الحسن الشيباني؛ للإمام مالك.

٦٣ - المنثور في القواعد؛ للزركشي.

٦٤ - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج؛ للنووي.

وغير ذلك مما ذكر اسم صاحبه ولم أقف على كتابه؛ كابن الدهان والحوفي وغيرهما؛ أو وقفت على كتابه وذكرته في هامش التحقيق ولم أذكره هنا .







البيان الثاقب في شرح حديث حاطب تأليف خالد بن علي الغامدي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

البيان الثاقب

في شرح حديث حاطب

تأليف خالد بن علي الغامدي 

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه الرسالة النافعة تبين لنا حكم مظاهرة الكفار والمشركين وإعانتهم على المسلمين، وقد جمع المؤلف واحدا وعشرين دليلاً يؤكد فيها أن من يُظاهر المشركين والكفار من الطُّغاة، والمجرمين: بماله، أو بسلاحه، أو برأيه، فهو كافرٌ كفراً صريحاً، وأنه مُرتدٌّ حقيقية عن دين الإسلام. 

ولا شكَّ أن هذا الفعل قبيحٌ، يبرأ منه الإسلام وأهل الإسلام؛ ومن يُشاهد ما يفعله طغاة المسلمين وحكامهم من ولاءٍ لأعداء الملة والدين، وما يفعلونه من إيذاء المسلمين وكونهم سبب شقائهم وهوانهم، كل ذلك يدفعه إلى القول بهذا الحكم، 

مع أن المسألة خلافيَّة سيما وأن من العلماء من يرى أنه لا يُكفر هؤلاء بمجرد فعل المظاهرة، حتى ينضمَّ إليه ما يُناقض الإيمان: من الرضى بالكفر مثلاُ، وهو رأيٌ له شواهده واعتباراته، وإن كان لنا ميلٌ نحوه، إلا أننا نعرض المسألة كما هي، ونرجو من الله سبحانه أن يُصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين. 

نعم، إننا نُنكر أشدَّ الإنكار على كل من يدَّعي محبة الإسلام والمسلمين، وكره أعدائهم، ثم هو يُقاتل في صفوفهم، وتحت راياتهم، سواءً  حمله على ذلك: مصالحه الدنيوية من مالٍ أو منصبٍ أو جاه، فكم قتل من المسلمين بسببه؟ ومن الأطفال والنساء؟ كم يُتِّمَ من الأرامل؟، وكم من الأعراض انتُهكت؟، مع ما في ظاهر فعله من السَّعي إلى إزالة الإسلام وإفناء أهله، وإظهار المشركين والكافرين، وإعزازهم، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. 

-----------------------------------------

● الموالاة والولاية في اللغة:

تطلق هذه الألفاظ في اللغة على: القُرب، والدُّنوّ، والمحبة، والنُّصرة، والمتابعة، ويدلّ كلامُ أهلُ العلم على أنّ هذه الأفعال منشؤها المحبةُ والميلُ القلبي. 

----------------------------------------- 

● معنى موالاة الكفار وتوليهم: 

أولاً: موالاة الكفار: 

هي الحفاوة بهم، وزيادة تكريمهم، واتخاذهم أخداناً وأصحاباً، وتفضيلهم على المسلمين، وتقليدهم في أنماط حياتهم، وسلوكياتهم: عمهاً وسفهاً، وهي كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وسببٌ لسُخط الله عزَّ وجل.

قال تعالى: {تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ} (المائدة:٨٠). 

ثانياً: تولي الكفار: 

هو مُظاهرتهم، ومعاونتهم، ونصرتهم ضد المسلمين، والذَّبُ والدفاع عنهم، ومشاركتهم في باطلهم، ويشمل ذلك إعانتهم بالمال والبدن والرأي.

وهو حرامٌ باتفاق العلماء، وهي نوعٌ من أنواع الردة؛ لأن ذلك يتضمن مقاومة الإسلام، والرغبة في اضمحلاله، وإذلال أهله.

------------------------------------------ 

● من الأمثلة والصور على موالاة الكفار : 

(١) الرضا بكفرهم، أو الشك فيه، أو الامتناع عن تكفيرهم، أو الإقدام على مدح دينهم. 

(٢) التحاكم إليهم، ونقل قوانينهم وتحكيمها في بلاد المسلمين. 

(٣) مودتهم، ومحبتهم. 

(٤) الركون إليهم، والاعتماد عليهم، وجعلهم سنداً وظهيراً. 

(٥) إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين . 

(٦) الانخراط في مجتمعاتهم، والانضمام إلى أحزابهم، وتكثير سوادهم، والتجنُّس بجنسياتهم (لغير ضرورة )، والخدمة في جيوشهم، والعمل على تطوير أسلحتهم. 

(٧) التولي العام لهم، واتخاذهم أعواناً، وأنصاراً، وربط المصير بهم. 

(٨) مداهنتهم ومجاملتهم على حساب الدين، ويدخل في ذلك مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله. 

(٩) الثقة بهم، واتخاذهم بطانةً من دون المؤمنين، وجعلهم مستشارين، وولاة أعمال المسلمين.

(١٠) توليتهم المناصب الإدارية التي يرأسون بها المسلمين، ويذلونهم فيها، ويتحكمون في رقاب الموحدين، ويحولون بينهم وبين أدائهم عباداتهم . 

(١١) جعلهم في بيوت المسلمين: يطلعون على العورات، ويربون أبناءهم على الكفر، وخلطهم مع العوائل والأسر المسلمة . 

(١٢) ضمُّ الأولاد إلى مدارس النصارى، ومعاهد التبشير، والكليات والجامعات النصرانية (لغير الحاجة)، وجعلهم يسكنون مع عوائل الكفار . 

(١٣) التشبه بالكافرين فيما هو من خصائصهم، أو سمتهم وهيأتهم المحرمة في الملبس، والهيئة، والكلام، وغيرها، وذلك يدل على محبة المتشبه به. 

(١٤) الإقامة في بلادهم بغير حاجة ولا ضرورة، ولهذا فإن المسلم المستضعف الذي لا يستطيع إظهار شعائر دينه تحرم عليه الإقامة بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة. 

(١٥) مدحهم، والذبّ عنهم، والإشادة بما هم عليه من الفساد والانحلال، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد. 

(١٦) تعظيمهم، وإطلاق ألقاب التفخيم عليهم، والبدء بتحيتهم، وتقديمهم في المجالس وفي المرور في الطرقات. 

(١٧) ترك تاريخ المسلمين والتأريخ بتاريخهم، واعتماده خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي.

(١٨) مشاركتهم في أعيادهم، أو مساعدتهم في إقامتها، أو تهنئتهم فيها، أو حضور أماكنها. وقد فُسَّر الزور في قوله تعالى : {والذين لا يشهدون الزور}  بأعياد الكفار . 

(١٩) التسمي بأسمائهم المُنكَرة، والتشبه بأشكالهم، والتزيي بزيهم. 

(٢٠) الاستغفار لهم، أو الترحم عليهم، أو ذكر مناقبهم، أو تمجيد أمواتهم. 

----------------------------------------------- 

● حكم موالاة الكفار:

وتنقسم موالاة الكفار والمشركين إلى ثلاثة أنواع، ولكل نوعٍ حُكمه الخاصُّ به: 

أ- النوع الأول: الموالاةَ التامة الكاملة للكفّار: 

وذلك باعتقاد بنصرتهم، ومظاهرتهم، والرّضى عن دينهم، أو تصحيح مذهبهم، أو حبِّ ظهورِ الكفر على الإسلام، وإعانتهم في ذلك بالنّفس أو المال أو الرأي، ونحو ذلك، فهذا مِن موجبات الرّدة، والخروج مِن الملة رأساً. 

ب- النوع الثاني: التجسسَ للكفّار على المسلمين:

ذهب عامة العلماء، إلى أنّ هذا الفعل محرَّمٌ وأنَّه مِن الكبائر والمعاصي التي لا تُخرج مِن الملة -إذا فَعَلَهُ لِغَرَضٍ دُنيويّ، واعتقادُهُ على ذلكَ سَليمٌ. 

وهو قول الشافعيِّ في (الأم)، وابنُ بطّال، وابنُ حجر، والعيني، والقسطلاني في (شرحهم على البخاري)، والنووي في (شرح مسلم)، وابن العربي المالكي في (أحكام القرآن)، والقرطبي في (تفسيره)، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم. 

وقد استدلوا لذلك بحديث حاطب رضي الله عنه - المتفق عليه - حينما كاتب قريشاً بمسير النّبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "يا حاطبُ ما حملك على ما صنعتَ ؟"، فذكر حاطبُ -رضي الله عنه- أنه لم يفعله كفراً ولا ارتداداً عن الإسلام، وإنما فعله ليكون له يدٌ عندَ قريشٍ يدفعُ بها عن أهلِه، فقال النبي: "لقد صدقكم"، وفي لفظ: "ولا تقولوا له إلا خيراً" .

الشاهد من الحديث/ أن فعل حاطبٍ إنما كان لِغَرَضٍ دُنيويّ، واعتقادُهُ على ذلكَ سَليمٌ، وذلك حِينَ قَصَدَ بِذلكَ اتِّخاذَ اليدِ، ولم ينو الرّدة عن الدّين، وقد سمَّى الله تعالى فعله هذا موالاة، فقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (الممتحنة: ١)، ولم يكن بذلك كافراً. 

 ولا نعلمُ أحداً مِن أهل العلم نصَّ على كفرِ الجاسوس المسلم بمجرد الجسّ، بل نصّ الإمامُ الشافعي على أنّ الخلافَ في تكفيره غيرُ معتبر؛ لأنه النصَّ ظاهرٌ في ذلك. 

جـ- النوع الثالث: مناصرة الكفار، ومظاهرتهم تأوُّلاً، وجهلاً:

فإذا كانت نصرتهم ومولاتهم للكفار على المسلمين: غير تامّةً، ولم تكن حباً في دينهم، فقد اختلف العلماء في ذلك: 

(١) فيرى الإمام الطبري، والجصاص، وابن حزم، والعزُّ بن عبد السلام، والشيخ أحمد شاكر، (وهو ما رجحه المصنف)، أن مظاهرة المشركين والكفار: كُفرٌ بدين الله عز وجل، وأنه من الكُفر الاعتقادي وليس من الكُفر العملي؛ لأنَّ المظاهرة بالفعل والإعانة: 

تتضمن المحبَّة لهم، ولما هم عليه من الكُفر، ولازم الكفر كفر.

وأنَّه يحرم موالاة الكفار بالفعل والمظاهرة مطلقاً، سوءاً فعله خوفاً، أو مُداراةً، أو مَشحَّةً بوطنه، أو أهله، أو ماله، أو فعله على وجه المزاح، وغير ذلك من الأغراض. 

(٢) ورأى فريقٌ من أهل العلم أنَّ موالاة الكفار ومعاونتَهم على المسلمين لا تكون كفراً بمجرد الفعل ما لم يصاحبها رضىً بدينهم، أو تصحيحٌ لمذهبهم، أو حبُّ ظهورِ الكفر على الإسلام، ونحو ذلك، وهو قول الشيخ السعدي (في تفسيره)، والطاهر بن عاشور (في التحرير والتنوير)، وعبد اللطيف آل الشيخ في (الدرر السنية). وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. 

● والخلاصة: 

- أنه لا نحكم بالكفر على من قاتل ضدَّ المسلمين إن كان متأولاً، أو جاهلاً.

- وأن مظاهرة الكفار وإعانتهم لا يُخرج الإنسان من الملة، وقد وصف الله سبحانه من يفعل ذلك: بالظلم، والفسوق، وتوعده بالعذاب، ولكن لم يصفه بالكفر، وهذا أمرٌ نُباينُ فيه المؤلِّف.

- فإن ما يكفُر به المرء هو: محبة الكفار ودينهم، فإذا انضمَّ إلى ذلك المظاهرة كان ذلك كفراً أشدُّ وأعظم. 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": "وليس لأحدٍ أنْ يكفر أحداً مِن المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة". 

● وهل يجب قتله ؟ 

ينظر في ذلك إمام المسلمين بحسب المصلحة، وقتله في ذلك إما تعزيراً، أو ردَّةً، بحسب توافر شروط التكفير وموانعه. 

-------------------------------------------------

● وقد استدلَّ المُصنِّف على كُفرِ المظاهرين للمشركين على المسلمين بأدلةٍ منها: 

(١) (ظواهر الآيات وعموماتها)، في نفي الإيمان عنه، ووصفها له بالردة، والفسوق، وأن الله جعل مظاهرتهم من أسباب الكفر والنفاق.

(٢) (الأحاديث النبوية الشريفة): من حديث عمر بن الخطاب الذي حكم على حاطب بالكفر، وفعل أبي لُبابة، وكذلك الفاسق الخزرجي الذي يُقاتل مع قريش، وكذلك حال هرقل، وغير ذلك كثير. 

(٣) (العقل)، قال: فإن العقل يدلُّ على أن المظاهرة كُفرٌ، وأن المُظاهر والمُعين للكفار من أشدِّ الناس كفراً، واستدل بمن يقول لرسول الله: أُحبُّكَ، ثم يُقاتل في صفوف أعدائه، فإن هذا لا يشكُّ أحدٌ في كفره. 

(٤) (الإجماع)، وذكر الإجماع الشيخ عبد العزيز بن باز عن العلماء وأئمة السلف، قال المُصنِّف: ولا يُعلم لهذا القول مُخالفاً إلا المرجئة. 

(٥) (القياس): حيث أن ترك المناصرة للمسلمين مع القدرة عليه، وخذلانهم، وترك الجهاد: يُعدُّ من النفاق، وقصة الثلاثة الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد لذلك، فكيف بمن يُناصر الكفار ويشدُّ من أزرهم، ويُعاونهم في ظلم المسلمين واضطهادهم؛ فهذا لا يشكُّ عاقلٌ في كقره. 

(٦) (سدُّ الذرائع): فيرى أن المستفيد من عدم القول بكفر المُظاهر للكافرين: هم أعداء المسلمين، الذين يتخذون من ذلك ذريعةً إلى معاونتهم، وأن الاقتصار على مجرد التحريم يوقع الضرر بالمسلمين من جهة استهانة هؤلاء بدماء المسلمين . 

------------------------------------------------

● أولاً: من القرآن الكريم: 

يقول الله عزَّ وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة: ٥١). 

وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (التوبة: ٢٣). 

قال: الآيات صرَّحت بأنه (منهم)، وكل من كان منهم فله حُكمهم. 

وقال جلَّ شأنه: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (المائدة: ٨٠، ٨١). 

قال: في هذه الآية نفى الإيمان عمن يتولى الكفار، وحكم بكفرهم، وخلودهم في النار. 

وقال سبحانه: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (الحشر: ١١). 

قال: فجعل المظاهر والكافر أخوين في الكفر. 

وقال جلَّ وعلا: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (آل عمران: ٢٨). 

قال ابن جرير: "فليس من الله في شيء: أي قد برئ من الله، وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر، إلا أن تتقوا منهم تُقاة، وإلا تكونوا في سلطانهم، فتخافوا على أنفسكم، فتُظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتُضمروا لهم العداوة، ولا تُشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تُعينوهم على مُسلمٍ بفعل". 

وقال جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} (محمد: ٢٥، ٢٦). 

قال: حيث حكم الله على هؤلاء بالردة بسبب مظاهرتهم للمشركين والكافرين. 

وقال جلَّ شأنه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (التوبة: ١٠٧). 

قال: وقد جعل من أسباب كفرهم ونفاقهم مظاهرتهم للكافرين والمنافقين. 

وقال سبحانه وتعالى: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة: ٥٢). 

قال: فقد اشترط لعدم الكفر أن يكون إظهار المودة ظاهريٌّ في حال الخوف منهم، لا موالاتهم ظاهراً وباطناً؛ لأن ذلك يقتضي الكفر، والعياذ بالله تعالى.

------------------------------------------------

● ثانياً: حديث حاطب بن أبي بلتعة:

وجاء في حديث حاطب أنه بعث جاريةً له برسالةٍ يوم فتح مكة، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم علياً والمقداد، فأتوا بها، وفيه: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟».

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ (أي: حليفاً)، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا (ولم أكن من نفس قريش وأقربائهم)، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ صَدَقَكُمْ". 

قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ. قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " (رواه البخاري، وأبو داود، وأحمد). 

قال: وهذا يدلُّ على أن حاطب يعلم أن أصل فعله الذي هو التجسس فضلاً عن المظاهرة ردَّة، كما يؤيد ذلك قول عمر رضي الله عنه: "دعني أضربُ عُنق المنافق"، وفي رواية: "أمكنِّي منه فإنه قد كفر"، وفي رواية: "قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه". 

والجواب: أن ظاهر الفعل يحتمل الردة ويحتمل غيرها، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، ولما انضم إلى ذلك نفي حاطب أن يكون فعل ذلك ردةً أو كُفراً، وأخذ النبيُّ بقوله، وهو حكمٌ بالظاهر، دلَّ ذلك على أن هذا الفعل بمجرده ليس كفراً. 

قال: فكون فعل حاطب كفرٌ لا مرية فيه، ولذلك لم يُنكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم قول عمر بل أقره، وإلا لو كان عمر أخطأ في الحكم الظاهر، لأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، كما أنكر على عتبان بن مالك مثل ذلك في مالك بن الدخشم، وكإنكاره على حنظلة لما قال: نافق حنظلة، وهذا كله يدل على أن الخلاف ليس في كون فعل حاطب كفراً، وإنما كان في تكفير حاطب، ومعلومٌ أنه ليس كُلُّ فاعلٍ للكفر يُكفَّر ويُقتل، بلا لا بُدَّ من قيام الحجة، مع توافر الشروط وانتفاء الموانع. 

 والجواب: أن الكفر كفران: كفرٌ أصغر، وكفرٌ أكبر، والتفريق بينهما سائغ، وهو ما نحمل عليه قول عمر بن الخطاب. 

قال: أضف إلى ذلك أن حاطب كان في فعلته هذه متأولاً، وأنه لم يتكرر منه بعد ذلك، وأنه ليس من عادته فعله، ولا فعله أحدٌ من الصحابة غيره، وهذا صحيح.

---------------------------

المصادر:

كتاب الكتروني- موقع الكتيبات الإسلامية-النوادر

Www.ktibat.com

انظر أيضاً: الإسلام: سؤال وجواب-

https://ar.islamway.net .

وهيئة الشام الإسلامية: 

https://islamicsham.org.