أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 يونيو 2021

ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي تأليف د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي [رسالة (دكتوراه) جامعة أم القرى- قسم العقيدة]. بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي

تأليف د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي

[رسالة (دكتوراه) جامعة أم القرى- قسم العقيدة].

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا شك أن واقعنا المعاصر يسيطر عليه الفكر الإرجائي (والمتمثل في حصر الإيمان في التصديق القلبي وقول اللسان) دون أي أثر لذلك في واقع الحياة، بل أصبح الإيمان اليوم عبارة عن نظرية ذهنية موروثة، ومنطقٌ جدليٌّ عقيم، مجرَّدٌ عن أعمال الجوارح، ومنفصلٌ عن الأخذ بالأسباب، وذلك بالتزامن مع انتشار الفلسفة الجاهلية الموتورة، وحركات التغريب والعلمنة، وتقهقر الحياة الإسلامية عموماً.

وأما في الغرب فقد طغى الإلحاد والتمرد على الأديان بالجملة وأصبح ديدن الكثيرين التفلت من العبوديات كلها صائبة كانت أو خاطئة، وانتقل هذا الوباء إلى الأمة الإسلامية عبر شيوخ الضلال وقنوات الإلحاد، وأصبح الإرجاء سياسة عامة في الجمع بين المتناقضات، فحُيّدت المسائل الكبرى، وأصبحت بعض النقاط الفرعية أصولاً مشتركة وحلولاً بديلة عن الإصلاح والتغيير.

وأصبح التشكيك في المعارف البديهية والقضايا الأساسية أمراً ضرورياً ساهمت في إذكائه نار هذه الظاهرة، إلى حد إنكار بعضهم للحقائق الموضوعية في التوحيد والعبادة والرسل والحكم والجهاد، بل وانحسار مفهوم العبادة وتضييقه إلى أدنى درجاتها، وتبع ذلك انتقاص توحيد الألوهية وتسويغ صور الشرك الأكبر دون رقيب أو حسيب.

وتؤكد ظاهرة الإرجاء - وهي نبتةٌ عراقية-على أن الإيمان شيء واحد، لا يزيد ولا ينقص، وأن الناس متساوون فيه إلى درجة الكمال، بلا تفاوت ولا تمايز أو اختلاف، وزعم أصحاب هذا الفكر أنه يمكن أن يكون القلب مملوءاً بالإيمان ولا يظهر من ذلك على الجوارح شيء ‍‍‍! بل زعموا وجوده في القلب مع أن أعمال الجوارح كلها بخلافه؟!

وكان فكر المرجئة حاضنةً حامية لفكر الجهمية وغيرهم من أصحاب الأهواء والآراء والبدع والفلسفات الهدامة، بل ومهدت المرجئة لآراء المتكلمين من الأشاعرة والماتريدية الذين قصروا الإيمان على التصديق القلبي موافقةً لمرجئة الفقهاء.

وجعل المرجئة قول اللسان وفعل الجوارح علامةً ظاهرة علة وجود الإيمان، كما جعلوا الأعمال المكفرة -أيضاً -مجرد علامة على الكفر الباطن، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون فاعل الكفر كافراً حقيقةً، والعجيب أن هذه الفرق تحسب أن هذا موضع إجماعٍ، وإنما هو إجماعٌ بينها فقط.

وقد كان ابن كلاب -وهو المؤسس الحقيقي لمذهب الأشاعرة -على عقيدة مرجئة الفقهاء، وتبعه على ذلك الباقلاني وغيره، وأما أبو عبد الله بن مجاهد -تلميذ الأشعري، وشيخ الباقلاني، وأبو العباس القلانسي ونحوهم؛ فكانوا على عقيدة السلف في الإيمان؛ كما نقله أبو القاسم الأنصاري -شيخ الشهرستاني -في شرح كتاب "الإرشاد" للجويني، وكل هؤلاء لم يبق لهم في مذهب الأشعرية أيُّ أثر.

وأما الإيمان عند أهل السُّنة فهو حقيقةٌ مركبة من الأقوال والأعمال، وبتعبير آخر هو: اعتقادٌ وقولٌ وعمل" يزيد وينقص، ويتفاوت ويتفاضل ويتجرأ تحقيقاً وتفصيلاً، والأعمال من الإيمان، وركنٌ فيه، ولازمٌ من لوازمه، ولا يزول الإيمان بنقص العمل، ولكن يزول بجحود العمل، وبالقرائن الدالة على ثبوت الكفر.

ولا شكَّ أن لهذه الظاهرة أثرها السييء على إيمان الإنسان وفطرته، حيث بحث المتكلمون ماهية الإيمان، وجردوه من حقيقته الشرعية، ثم أخذوا يحكمون على العموم والأعيان بالإيمان المطلق (الكامل) بالمنطق والهوى، وهي أحكام مطلقة مجردة في الذهن تحتاج إلى تحقيق في الخارج، وقد أدى هذا الأمر ضرورةً إلى رقَّةٍ في الدين، وتهاون عظيم بالواجبات، وارتكاب لكثيرٍ من المحرمات، وكان ذلك نذيرٌ شرٍّ وشؤمٍ عاقبة.

ونظرياً لم يبق من الأعمال إلا معانٍ شاحبة، وابتلي العامة بشرك الإرادة، بالإضافة إلى أن أكثر الناس من المسلمين وغيرهم جعلوا همهم وحرثهم وكدحهم وتعبهم للدنيا وحدها، فلا تتحرك قلوبهم ولا تنفعل إلا لها وبها، بل ترى أن الناس مستغرقون تماماً في عالم الشهوات والملذات دون أن يأبهوا لآخرتهم أو يستعدوا لها، وركن كثيرٌ من الغثاء إلى الدنيا، ولم يعد بإمكانهم دفع تكاليف باهظة وتبعات جديدة في سبيل هذا الدين، على الأقل في هذا الشرق المكلوم.

 واقتصر الكثيرون على العبادات الخاصة دون تحمل مسؤوليات انتمائهم لهذا الدين، و المصاعب والشدائد في نشر هذه الدعوة، ودون التفاتٍ إلى إقامة الجوارح في التكاليف الشرعية المهجورة، ايثاراً منهم للسلامة، وعدم الاصطدام مع واقعٍ مليء بالجهل والخرافة، أو حتى تحمل أعباء الفرائض والواجبات التي تركها الكثيرون، ناهيك عن نبذ الجاهلية بموازينها وأعرافها وطرقها وعلائقها المنتشرة.

ولم تكن هذه الأمة لتنهض بحالها لولا حلقات قاسية من المعاناة والتربية بالأحداث والتجارب والفتنة والابتلاء، ولن يصلح حالها حتى تعود إلى هذه الحلقات، لتنبثق من هذه المعاناة والألم فجرٌ جديد يُجدد في الأمة نشاطها، ويُعيد إليها الريادة والصدارة.

وكان الإرجاء في بداياته عبارة عن دعوة فكرية مجردة نشأت بين مضض الصمت على جور الحكام وبين ثورة يقودها الخوارج، ثم تطور بعد ذلك إلى واقع ضخم يواجه كل دعوة تجديدية (مهما كانت أهدافها بسيطة أو محدودة)، يفوز صاحبها بالجنة بلا ابتلاء ولا زلزلة، ومن ثمَّ فإن لازم هذه الظاهرة هو تخطئه السلف في إجماعهم أن الإيمان قول وعمل، وعدم تكفير طوائف من المرتدين.

ولا شك أن هذا الكتاب يُجلِّي لنا صراعاً يجري في الخفاء بين هذه الظاهرة الإرجائية والتي تمثلها شرائح عريضة من المجتمع سواء من المثقفين وأصحاب الأقلام وبين الصورة الحقيقية لهذا الدين، وكونه ديناً عملياً يسعى إلى إقامة التوحيد، ونبذ الشرك، ونشر السلام في أرجاء المعمورة.

إن أول فرقة مرقت من الدين وشقت صفوف المسلمين هي (الخوارج). وإنما كان ضلالها حينئذ في مسألة الإيمان؛ إذ كفرت المسلمين بالذنوب، واستحلت دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ثم تتابعت الفتن، وأصابت الأمة سنة الأمم الأولى؛ فتجارت ببعضها الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فما مرقت الخوارج إلا وتزندقت الشيعة، وفسقت المرجئة، ثم ألحدت القدرية - وهذه الأربع هي أصول الفرق الضالة والمنحرفة. 

والخلاف في مسألة الإيمان -قديم حديث، وهو يتعلق بفصل الإيمان عن العمل، وقد تناول الباحث هذه الظاهرة من ثلاث جوانب:

* الأول: دراسة " الإرجاء " على أنه " ظاهرة فكرية " لا " فرقة تاريخية ".

* الثاني: معالجة واقع الدعوة الإسلامية المعاصرة، فالمشاهد اليوم أن أصحاب الدعوة ينقسمون غالباً - فريقين -، وكل فريق تتوزعه فرق وآراء واجتهادات:

(أ) فريق أوغل في الغلو ظاناً أن هذا هو منهج العزيمة والاستقامة، فوقع في طامة التكفير - أعني تكفير أعيان عوام المسلمين من المخالفين؛ فهذا الفريق (أعاد مذهب الحرورية جذعاً).

(ب) وفريق: ليس له منهج واضح ولا تصور اعتقادي متكامل، فلم يتناول الأمر بالتأصيل العلمي بل بالتهويش العاطفي، ولما واجهه المرجئة بأصول وقواعد لا يستطيع مثلها، هرب من التكفير إلى التبرير، وهذا الفريق (أحيا مذهب المرجئة غضاً).

(ج) وفريقٌ وسط، بيَّن أن الإيمان اعتقاد وعمل على الحقيقة الشرعية والواقعية والنفسية في آن واحد.

ولذا كان لا بُد من الاهتمام "بركن العمل"، لا سيما وأننا نرى الأمة تتراخى عن العمل بالتدريج وتنفلت من الواجبات وتنحدر إلى مستنقع التفريط والتراخي.

ونلمس في هذا الكتاب التأثُّر الكبير بفقه الدعوة ورموزها، لا سيما "سيد قطب" رحمه الله، خاصة في مسائل الجهاد والتضحية والقضاء على صور الجاهلية. وقد استطاع المؤلف أن يبطل كثيراً من التصورات الوهمية الساذجة التي ابتدعها المرجئة من خلال عرض نصوص التراث وتحليلها ونقدها -مع بعض الملاحظات عليها -.

بالإضافة إلى حل بعض الإشكالات وتوضيحها، وتفصيل بعض المجملات، ونفي كل ما يتوهم في حق الأشخاص والأفكار، كل ذلك في محاولة لتجلية موقف المرجئة الحقيقي من العمل، من خلال الرجوع إلى أصول فرق المرجئة والخوارج والمعتزلة وما يتصل بها أو ببعضها.

كذلك يُعد هذا الكتاب مادةً تأصيلية جيدة لنشأة الفرق الإسلامية، وانبثاق بعضها من بعض، وعلاقتها بنشأة الفرق المقارنة الموافقة والمناوئة والمنشقة أو الفرق التي نشأت ابتداءاً والتي نشأت كردود فعل، وكيف تطورت هذه الفرق، وكيف تأثرت بعامل الزمن وحدوث المسائل، وأثر العوامل السياسية في بلورة المواقف الدينية، 

كذلك فإن هذا الكتاب يُعدُّ نقداً لاذعاً لكثيرٍ من الكتاب المعاصرين الذين كتبوا في التاريخ والفرق بطريقة متناقضة ومُلصقة؛ أمثال: الدكتور علي سامي النشار، الذي وصف أبا سفيان وابنه معاوية وبني أمية كلهم بالزندقة والجاهلية والحقد الدفين على الإسلام! ويصف عثمان بالشيخ المتهالك، الذي لا يُحسن الأمر، ولا يُقيم العدل! 

ويُشكل الباب الثالث والرابع والخامس جوهر هذه الدراسة ومحورها الحقيقي، حيث تُسلط النظر على بدايات هذه الظاهرة، وأصول هذا المذهبي، وأثر علم الكلام والمنطق في تطوير الإرجاء، والنتيجة النهائية لهذه الظاهرة من إخراج العمل من مسمى الإيمان.

وقد ختم المؤلف كتابه بذكر بعض الأحاديث التي وضعها المرجئة، وبين أنها موضوعة لا تصح، وردَّ بعض الإشكالات بحسب وجهة نظره على النتائج التي توصل إليها وقررها، وبين أن نشر الفكر الإرجائي في الأمة له تبعاته الخطيرة وأنه من جملة المؤامرات والدسائس التي عني الغرب برعايتها والإشراف عليها.

  • نبذة عامة عن الإرجاء:

والإرجاء في اللغة هو تأخير الشيء، وهما فرقتان: 

فرقةٌ متقدمة وتسمى (المرجئة الأولى = الإرجاء المتعلق بالصحابة): فأرجت أمر عليِّ وعثمان رضي الله عنهما فلم تحكم على أحدهما بجنة ولا نار، وتركت ولايتهما والبراءة منهما، وكان إرجاؤها إرجاء شكٍّ وحيرة ونُفة من الخوض في القضية، وهي بالتالي مُضادةٌ لمن يُكفرهما أو يغلو فيهما أو في أحدهما، وكذا مُضادةٌ لمن يرى تقديمهما أو فضلهما أو وجوب موالاتهما؛ فالشيعة تعدُّهم نواصب، والجماعة تعدُّهم خوارج، والخوارج تعدُّهم نواصب.

فإرجاء هذه الفرقة "المرجئة" شعبةٌ من شعب الفكر الخارجي؛ لأنه يُخالف ما هو ثابتٌ مشهور لدى الأمة قاطبة من فضل عثمان وعلي، والشهادة لهما بالجنة، وعند ذلك نفهم كلام الإمام أحمد في كتابه "السنة": "إن الخوارج هم المرجئة".

وفرقةٌ ثانية هي أخطر من الأولى، وهي: التي أخرجت العمل والطاعة عن مسمى الإيمان، وقالوا: ليس في الإيمان زيادة ولا نقص، ولا يضرُّ مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة، وتمثلها قصيدة "ثابت قطنة" المعروف بـ"شاعر المرجئة"، وهي الأثر الإرجائي الباقي =وقد رواها الأصفهاني في كتابه "الأغاني" وجادةً، يقول فيها:

نُرجي الأمور إذا كانت مشبهة. ... ونصدق القول فيمن جار أو عندا

المسلمون على الإسلام كلهم ... والكافرون استووا في دينهم قددا

ولا أرى أن ذنبا بالغ أحدا ... من الناس شركا إذا ما وحدوا الصمدا

وفرقة ثالثة تُسمى بـ"مرجئة الفقهاء" أو "مرجئة العُبّاد"، أو "مرجئة السنة"، ورأسهم حماد بن أبي سليمان -شيخ أبي حنيفة النُّعمان، وقيل: أول من تكلم به: ذر بن عبد الله الهمداني، وقل: قيس الماضري، ويقولون: الأعمال من شرائع الإيمان، وليست من أصل الإيمان، وفاعلها مثاب وتاركها مُعاقب، وهي شبهة نظرية أخطأ فيها بعض العلماء نتيجة لفهم قاصر، أو رأيٍ غير مُحرر، أو متابعةً بلا تبصُّر، وعدَّه بعضهم خلافاً لفظياً، والصحيح أنه خلافٌ مؤثر، ولكن لا يُخرجهم عن أهل السُّنة.

  • خلاصة آراء المؤلف "الحوالي" في كتابه:

1. أن ترك الأركان الأربعة وسائر عمل الجوارح كفر ظاهراً وباطناً؛ لأنه ترك لجنس العمل الذي هو ركن الحقيقة المركبة للإيمان، التي لا وجود لها إلا به، هذا مما لا يجوز الخلاف فيه، ومن خالف فيه فقد دخلت عليه شبهة المرجئة شعر أو لم يشعر… كما أنَّه يُفرق بين ترك جنس العمل، وبين ترك آحاده، فالأول يكون كافراً يقيناً، بينما الثاني يكون على حافة الكفر، وبالكافرين أشبه.

2. وأن القول بعدم كفر تارك الصلاة قول شاذ، وصلته بالإرجاء جلية، وعلى هذا يقاس غيرها من الأركان؛ والأدلة مجتمعة في كفر الأول؛ والأدلة المتناولة للتارك هي الأدلة المتناولة للجاحد فلا فرق إذن في الحكم.

3. خطأ أكثر الفقهاء المتأخرين، لأنهم بحسب قوله ردُّوا بعض النصوص، أو أخطأوا في توجيهها، أو تعسفوا في تخريجها، كقولهم أن هذا مخالف للأصول، وأنه منسوخ  ونحو ذلك.

4. وأن الإيمان مركب من أصلين: القول والعمل، ومتضمن لتصديقان: تصديق القلب وإقراره، وتصديق الجوارح بالعمل، وأن تارك جنس العمل متول عن الطاعة معرض عن الأمتثال؛ فتارك الركن تارك للإيمان.

5-أن أكثر كفر الخلق هو من جهة الإباء والاستكبار وترك الانقياد والاتباع لا من جهة اعتقاد أن الكفر حلال، فإن أكثر المتدينين في العالم يرتكبون المحرمات في دينهم ولا يقولون نعتقد أنها حلال فكيف إذا ارتكبوا الكفر؟

6-وأن ما ورد النصوص بكفره كفرناه، وما ورد نفي الإيمان عنه نفينا عنه الإيمان المطلق، وأثبتنا له مطلق الإيمان، ومن ارتكب كبيرة من الكبائر أطلقنا عليه اسم الفسق.

ولا ريب أننا لا نوافق الشيخ "سفر الحوالي" في بعض ما ذهب إليه، ولا شك أن نزعة الغلو ظاهرة في بعض فقرات الكتاب.

  • محتويات الكتاب:

وهذه الدراسة تنقسم إلى خمسة أبواب، وفي كل باب عناوين فرعية ومباحث جزئية، كما يلي:

الباب الأول: حقيقة الإيمان وارتباط العمل به، ويشتمل على:

• دعوة النبي صلى الله عليه وسلم (ارتباط العمل بحقيقة الدين والدعوة)

• حقيقة النفس الإنسانية وارتباط الإرادة والعزيمة بالفكر، وتطريقة حول الموقف النفسي إلى عقيدة ومبدأ.

• حقيقة الإيمان الشرعية: أنه قولٌ وعملٌ ونيّة، وتفسير ذلك.

الباب الثاني: نشأة الإرجاء وتطوره إلى أن أصبح ظاهرة، ويشتمل على:

• براءة الصحابة رضي الله عنهم من الإرجاء ذاتاً وموضوعاً

• الإرجاء خارج مذهب الخوارج، والإرجاء هو موقف نفسي يُمكن أن يقع عند كل خلاف والتي يُمكن التعبير عنها بمصطلح "الواقفة".

الباب الثالث: الإرجاء الظاهرة، ويشتمل على:

• البدايات والأصول

• أصول مذاهب المرجئة نظرياً

• الأثر الكلامي في تطور الظاهرة

• الأثر المنطقي لظاهرة الإرجاء

• النتيجة: حكم ترك العمل في الطور النهائي للظاهرة

الباب الرابع: علاقة الإيمان بالعمل والظاهر بالباطن، ويشتمل على:

• العلاقة بين إيمان القلب وإيمان الجوارح

• علاقة قول اللسان بقول القلب وعمله

• أهمية عمل القلب

• إثبات عمل القلب

• نماذج من أعمال القلوب

• أثر الجوارح في أعمال القلب

الباب الخامس: الإيمان حقيقة مركبة وترك جنس العمل كفر، ويشتمل علي:

• بيان أن الإيمان حقيقة مركبة

• الشبهات النقلية والاجتهادية







الأربعاء، 2 يونيو 2021

فضائل القرآن لأبي عُبيد القاسم بن سلام الهروي (150 هـ -224 هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة غزة -فلسطين

فضائل القرآن

لأبي عُبيد القاسم بن سلام الهروي 

(150 هـ -224 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

غزة -فلسطين


تمهيد/ إن موضوع فضائل القرآن من أجل وأهم الموضوعات التي تناولها علماء المسلمين، فقد اعتنوا به غاية الاعتناء، واهتموا به غاية الاهتمام، ووضعوا لذلك المصنفات، وأوردوا ما جاء وصحِّ في ذلك من الأحاديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، سواءً فضائل كل سورة على حدة، أَو فضائل آيات مُعيّنة، في بداية تفسيرها أو بعد الانتهاء منها، وجعل بعض المفسرين باباً خاصاً لفضائل القرآن كما نجده في الجزء الأخير من تفسير الحافظ ابن كثير، ووضع المحدثون في مصنفاتهم الحديثية أبواباً خاصة في فضائل القرآن كما نرى في "موطأ" مالك، وكتب أصحاب السُّنن، وأفرد بعضهم هذا العلم الخاص في مؤلفات خاصة، وعُدَّت المؤلفات في ذلك ففاقت الثلاثين مُصنفاً.

 وأَول من صنف في فضائل القرآن: الإمام الشافعي (204 هـ) في كتاب سماه "منافع القرآن"، ثم أَكثر العلماء من التصنيف في ذلك باسم فضائل القرآن، أو ثواب القرآن، ومن أبرز هؤلاء وأشهرهم: أَبو عُبيد القاسم بن سلّام -بتشديد اللام - الهروي مولداً، والبغدادي نشأةً (224 هـ) من علماء القرن الثالث الهجري.

ويعتبر هذا الكتاب مصدراً هاماً ومرجعاً أساسياً لكثيرٍ ممن تناولوا هذا الموضوع وألفوا فيه، فإن أغلب الكتب التي أُلفت في فضائل القرآن تنقل عنه مباشرةً، ويعتبر متميزاً بما يورده فيه من أحاديث نبوية شريفة، يُسندها إلى رواتها، فسلك بذلك مسلك المحدثين، ونهج منهجهم في إسناد ما يأتي به من مرويات الأحاديث النبوية المتعلقة بفضائل القرآن، وآدابه، ومعالمه، مما يُفيد أن الكتاب غزير العلم والمادة، متعدد الجوانب، متنوع الفوائد في بابه وموضوعه.

ومع أن الكتاب يندرج ضمن السلاسل الحديثية لكونه اشتمل على أحاديث كثيرة مسندة، إلا أن صبغته الأساسية هي الدراسات القرآنية

ويعتبر الإمام أبي عُبيد أحد أئمة الدين، والعلماء الكبار في التفسير والقراءات والتاريخ والحديث واللغة؛ وقد وصفه بذلك الذهبي، وابن كثير، والزبيدي، والسيوطي، والقفطي، والبغوي، والنقاش، والجاحظ، وابن السبكي، وغيره.

وهو صاحب المؤلفات الكثيرة العظيمة الشأن، والتي من أشهرها (الغريب المصنف)، و(غريب الحديث) الذي أسمعه للمأمون العباسي، و(غريب القرآن)، و (الأمثال)، و (معاني الشعر)، وله في التفسير (معاني القرآن)، وقد شحنها بأقوالٍ دقيقة في النحو والإعراب، وتحليلات لطيفة، وفروقات عزيزة، متتبعاً أسرار اللغة وشواهدها.

كذلك فإن أبا عُبيد كان فقيهاً قاضياً، صحب الشافعي مُدَّة، وتولى القضاء بمدينة "طرسوس" لمدة ثمانية عشر سنة برغبة واليها "ثابت بن نصر بن مالك الخزاعي"، وقد وصفه بذلك القاضي عياض، وابن حجر، والسيوطي، وغيرهم، وكان له اختيارات خاصة على مذهب المحدثين؛ كأحمد وأبي ثور، وغيرهما، وقد وصفه كثيرٌ من العلماء بـ"الفقيه" أبرزهم ابن حبان، والذهبي، وابن كثير، وابن السبكي.

وإذا تأملنا أسانيد أبي عُبيد، فإننا نجدها أحياناً ثلاثية، فيما بينه وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث وسائط، وهو في هذه الحال يروي عن أتباع التابعين كالسفيانين، والليث بن سعد، وهشيم، وأبي معاوية الضرير، وابن أبي زائدة، ويزيد بن هارون، وغيرهم، ثم يروي هؤلاء عن الصحابة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتبلغ وسائطه أحياناً إلى ستِّ وسائط، ولكن الأغلب الأعم في مروياته أربع وخمس وسائط.

وقد عاصر الإمام أبي عُبيد سبعةً من الخلفاء العباسيين، ونال عندهم حظوةً كبيرة، وخاصة الخليفة المأمون، وهم:

أبو جعفر المنصور (136 -158 هـ)، وفي عهده ولد أبو عُبيد على أقل تقدير سنة (154 هـ).

  1. المهدي (158 -169 هـ).

  2. الهادي (169 -170 هـ)

  3. هارون الرشيد (170 -193 هـ)

  4. الأمين (193 -198 هـ).

  5. المأمون (198 -218 هـ)

  6. المعتصم (218 -227 هـ)، وفي عهده توفي أبو عُبيد رحمه الله سنة (224 هـ) على أصح الأقوال.

ويُلاحظ أَن أكثر ما يذكره المفسرون في الفضائل هو من قسم الضعيف والموضوع مع إِغفال ذكر الكثير من الصحيح المرفوع، وق وقع فيه أَمثال الزمخشري والبيضاوي وأَبي السعود والرازي وغيرهم. 

وقد ذكر السيوطي (فضائل القرآن): في النوع الثاني والسبعون من كتابه "الإتقان"، وذكر بعض من أفرده بالتصنيف؛ كأبي بكر بن أبي شيبة، والنسائي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وابن الضريس، وآخرون.

قال: "وقد صح فيه أحاديث باعتبار الجملة، وفي بعض السور على التعيين، ووضع في فضائل القرآن أحاديث كثيرة، ولذلك صنفت كتابا سميته "خمائل الزهر في فضائل السور" حررت فيه ما ليس بموضوع وأنا أورد في هذا النوع فصلين، الأول: فيما ورد في فضله على الجملة، والفصل الثاني فيما ورد في فضل سور بعينها".

  • فضل القرآن الكريم في الجملة:

والقرآن هو كلام الله -عز وجل -الذي أنزله على خاتم رسله محمد -صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي جبريل -عليه السلام: {وإنه لتنزيل رب العالمين *نزل به الروح الأمين *على قلبك لتكون من المنذرين *بلسان عربي مُبين} (الشعراء: 192 -195)؛ وهو الوحي الإلهي، والنور المبين، والمصدر الأول للتشريع الإسلامي الحكيم، وهو خيرٌ كله، ونورٌ كله، وبركةٌ كله، وهدايةٌ كله.

وقد تحدى الله به فحول البلاغة، وأمراء الكلام والفصاحة، وأُباة الضيم، وأرباب الأنفة، فبهرهم بيانه، وأعجزتهم ألفاظه ومعانيه، وأخذت بألبابهم أساليبه ومقاصده، فخروا على أذقانهم صاغرين، وعدلوا عن اللجاج والعناد، وآمن من شاء هدايته ربُّ العباد. وهو الكتاب العزيز الذي: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت: 42)،

فيه نبأ ما قبلنا، وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، فيه آياتٌ بينات، ودلائل واضحات، وأخبارٌ صادقات، ومواعظ رائعات، وشرائع راقيات، وآدابٌ عاليات، وعلومٌ تأخذ بالألباب، وبلاغة يقصر عن وصفها فكرٌ أو بيان، فهو آية الله الدائمة، ومعجزته الخالدة.

وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، والكتاب المبين، والصراط المستقيم، {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مُبيناً} (النساء: 174). وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تنقضي عجائبه، ولا تشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم.

وحق على من يقرؤه أن يزين صوته به كما في حديث البراء (زينوا القرآن بأصواتكم)، ويزين القرآن بصوته كما في حديث أبي هريرة: (زينوا أصواتكم بالقرآن)، وأن يترسل ولا يعجل في قراءته: {ورتل القرآن ترتيلاً}، ويُفرق تلاوته بحيث يعقل خطابه ويفهم معانيه ويعمل بمقتضاه: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مُكثٍ ونزلناه تنزيلاً}، وأن يطول بكاؤه: {أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون}، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه قرأ سورة مريم حتى انتهى إلى السجدة {خروا سجدا وبكيا} (مريم: 58)؛ فسجد بها، فلما رفع رأسه قال: «هذه السجدة قد سجدناها فأين البكاء؟»

وهو المحيط بالقليل والكثير، والصغير والكبير، لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غرائبه، ولا تُحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد، ولا يخلقه التلاوة كثرة الترديد، ولما سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم منذرين، فقالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (الجن: 1، 2).

  •  أهمية التعرف إلى فضائل القرآن:

(1) الترغيب في تلاوة كتاب الله عزَّ وجلَّ والحث على حفظه والارتباط الوثيق به وبآياته وسوره، والتعلق بمعانيه والانتفاع بمواعظه وآدابه وتعاليمه.

(2) توجيه المسلم إِلى ما يكثر به حسناته ويمحو سيئاته بعمل يسير في متناول الجميع، وذلك بالمداومة على قراءة سورة مُعينة، أو اتخاذ آيات وسور أوراداً ثابتة.

(3) التعرف إلى شخصية أبي عُبيد وهو الرجل العالم السُّني، الملتزم الورع الزاهد، من خلال فكره الحر، وعلمه الموسوعي، وتراثه الحديثي.

(4) كون هذا الكتاب صُنف على منهج المحدثين، فيلتزم الروايات بأسانيدها، واشتماله على ثروة هائلة من الأحاديث النبوية، فهو يعتبر من أهم كتب السنة، وبين أبي عُبيد وبين النبي سبع طبقات.

(5) كون هذا الكتاب من أوسع وأشمل كتاب وصل إلينا من كتب تلك الفترة التي شهدت تدوين العلم، وأنه استوعب كثيراً مما تفرق في غيره.

  • منهج أبي عُبيد في فضائل القرآن:

  1. التركيز والإيجاز في ذكر الفضائل والتعليق عليها وعدم الإطناب في ذكر الروايات والتعقيب عليها.

  2. أنه يُتبع الحديث غالباً بشرح معنى لفظة، أو تصويب كلمة، أو بيان حكم شرعي، أو ذكر الخلاف بين العلماء في الصناعة الحديثية.

  3. ذكر الكلام على السور مرتباً بحيث يأتي الكلام على السورة في الأبواب كترتيبها في المصحف.

  4. مجانبة التكرار إلا لموجب يقتضيه المقام للتقطيع والتكرير كلياً أو جزئياً، فوجوده بناءً على تنويع الأسانيد، أو لاشتمال الخبر منها على أغراض بعضها يصلح لباب وبعضها يصلح لباب آخر.

  5. اعتماده السند فيما يرويه على طريقة المحدثين؛ لأن الإسناد من الدين، ولم يكن أبو عبيد يقبل الأسانيد في التفسير والحديث واللغة وغيرها إلا بعد تمحيصها وإظهار ما فيها من استقامة أو اعوجاج.

  6. روايته في الغالب عن الثقات؛ حتى قال جمهرة من العلماء: إنه لا يروي إلا عن الثقات.

  7. تنويع رواته الذين يروي عنهم حسب الموضوع المروي؛ ففي التفسير يروي عن المفسرين، وفي الحديث يروي عن المحدثين، وفي القراءات يروي عن القراء، وفي النحو واللغة يروي عن النحاة واللغويين، وفي الأنساب والتواريخ يحكي عن علماء النسب والتاريخ، وهكذا في كل موضوع يعالجه ويتطرق إليه.

  8. اهتمامه بالجرح والتعديل للرواة وذكر المبهمين والمهملين من أسمائهم، ورتبتهم في القبول والرد.

  9. ظهور شخصيته العلمية واستقلال رأيه فيما يذهب إليه من أقوال وآراء.

  10. دمجه بعض فنون العلم في بعضها الآخر، فمثلاً في هذا الكتاب يحدثنا عن ثلاث غزوات، وهي: غزوة أحد في (باب إعظام أهل القرآن وتقديمهم)، وغزوة الأحزاب، وفتح مكة في باب (ما يستحب للقارئ من تحسين القرآن وتزيينه بصوته).

  • موضوعات الكتاب:

يتكون الكتاب من واحدٍ وسبعين باباً مُضافاً إليها أربعة أبواب كبرى تتخلل الكتاب، أُطلق على ثلاثة منها اسم "جماع الأبواب"، وهي:

  1. جملة أبواب قراء القرآن ونعوتهم وأخلاقهم منه.

  2. جماع أبواب سور القرآن وآياته وما فيها من الفضائل.

  3.  جماع أحاديث القران وإثباته في كتابه وتأليفه وإقامة حروفه.  

  4. جماع أبواب المصاحف وما جاء فيها مما يؤمر به وينهى عنه.  

وهذه الأبواب الأربعة الكبرى تؤول في النهاية إلى مدلول اسم الكتاب؛ فالأول منها يعود للآداب، والثاني للفضائل، والثالث والرابع للمعالم.

ومعنى ذلك أن جانباً من البحث يخص هذا الإنسان المشرف بحمل أمانة القرآن وما ينبغي له أن يتصف به من آداب.. وجانباً ثانياً عرفه فيه فضائل هذا  القرآن جملةً وتفصيلاً.. وجانباً ثالثاً ذكره بالمراحل التي قطعها القرآن، نزولاً، وجمعاً، وتدويناً، واعتناءً به إلى أن أصبح بين أيدينا مكتوباً في المصاحف العثمانية التي أجمعت عليها الأمة الإسلامية، وتناقلتها القرون، فحفظ الله بها كتابه من كل تحريف أو ضياع.  

  • إجمال موضوعات الكتاب:

وبالجملة فكتاب (فضائل القرآن) يدور على ثلاث موضوعات رئيسية، وهي:

أولا: فضائل القرآن: 

يضم الأبواب (1 - 49) مع إمكان إدخال الباب الثالث والستين فيه أيضاً. وقد تطرق أبو عبيد في هذا المحور إلى أمور كثيرة، منها : فضائل كل القرآن، سور القران، آيات القرآن، حامل القران، قارئ القرآن، سامع القرآن، معلم القران، محب القرآن، دارس القران، علم القران، مفسر القران، ختم القرآن، النظر في القرآن، الاستشفاء بالقرآن.. وكل أبواب هذا القسم مركزة أساساً على الأحاديث والآثار التي ذكر كثيراً منها الشيخان في صحيحيهما وأصحاب السنن والمسانيد بمثل تلك الألفاظ أو نحوها في (فضائل القرآن) من كتبهم، كما يلاحظ ذلك أيضا في كتاب (مختصر قيام الليل) لمحمد بن نصر المروزي (ت 292هـ) الذي اختصره المقريزي صاحب (الخطط)، ففيه الشيء الكثير من النصوص التي ذكرها أبو عبيد في (فضائل القرآن).

ثانياً: معانيه (معاني القرآن):

ويبتدئ من الباب الخمسين إلى السبعين (50 -70)، باستثناء الباب الثالث والستين، فمن الأولى أن يدمج في (الفضائل)، والباب الأخير (70) فيصح ادماجه في قسم (الآداب).  

ويشمل هذا المحور: نزول القرآن، مدته، كتابته، جمعه، توزيعه، مكيه  ومدنيه، لغاته، أسباب نزوله، وناسخه ومنسوخه، أوائله وأواخره، قراءه، قراءاته، تفسيره، إعرابه، تأويله بالرأي، أجزاءه، مصاحفه، اختلافها، رسمها، تعشيرها، تزيينها بالذهب والفضة، كتابها، بيعها وشراءها، وحملها، وغير ذلك.

ثالثاً: آدابه (آداب القرآن):

يحتوي على الأبواب: من  (9 -إلى 31) مع إمكان إدماج الباب السبعين فيه أيضاً، ويدور حول: آداب تلاوة القران، آداب الاستماع إليه، آداب القيام به.. الخ.

وإذا أردنا أن نُفصِّل هذه الموضعات الثلاث المجملة؛ لوجدنا أنها عند التفصيل تتفرع إلى خمسة أقسام رئيسة أيضاً، وهي:

القسم الأول:يتعلق بفضل تعلم القرآن والعمل به، وتعظيم أهله وجمع علومه ولغاته وإعرابه وتأويله.

القسم الثاني: يتعلق بفضائل القرآن: سوره وآياته.

القسم الثالث: يتعلق بحامل القرآن وقارئه وإكرام القرآن وتعظيمه واتخاذ ورد منه.

القسم الرابع: يتعلق ببيع المصاحف وشرائها ونقطها وتزيينها ومس المسلم والمشرك له.

القسم الخامس: يتعلق بقراءات القرآن وحروفه والخط العثماني.

  • المصادر التي اعتمد عليها أبو عُبيد في كتابه:

يمكن القول بأن جميع مصادر أبي عبيد التي اعتمد عليها في كتابه (فضائل القرآن) كانت شفوية، مع جواز أن يكون قد اعتمد على بعض منها مكتوب، واكتفى بذكر أسماء مؤلفيها، فهو لم ينص في كتابه إلا على المصاحف العثمانية، مع مصاحف أخرى. ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من شيوخه، أو شيوخ شيوخه كانت لهم مؤلفات في الدراسات القرآنية والحديثية واللغوية وغيرها.  

ونكتفي هنا بإعطاء نماذج لتلك الأنواع الثلاثة من المؤلفات التي دار كتاب (فضائل القرآن) حولها، وهي: 

1- لأبي عبيدة معمر بن المثنى : (معاني القرآن، مجاز القرآن، إعراب القرآن، غريب القرآن).  

2 - وللفراء (معاني القرآن، لغات القران، المصادر في القرآن، المقصور والممدود، فضل القرآن، الجمع والتثنية، في القرآن، الوقف والابتداء، اختلاف المصاحف). 

3 - وليحيى بن آدم : (أحكام القرآن، الخراج، القراءات). 

4- وللكسائي: (العدد، أي عدد آي القران، معاني القران، الهجاء، أي هجاء المصاحف يتعلق بالرسم القرآني. أجزاء القران، القراءات، اختلاف العدد، كتاب مقطوع القرآن وموصوله، كتاب الهاءات المكنى بها في القرآن).  

5- ولأبي زيد الأنصاري (النوادر، قراءة أبي عمرو، لغات القران).  

6- ولهشيم بن بشير السلمى، من أكابر شيوخ أبي عبيد الذين دارت معظم الرواية عنهم في (فضائل القرآن): (كتاب التفسير، كتاب القراءات).  

7 - وللأصمعي: (لغات القرآن، المقصور والممدود).  

8- ولأبي محمد اليزيدي: (المقصور والممدود، النقط والشكل).  

9- ولإسحاق الأزرق الواسطي (ت 195 هـ) : (كتاب القراءات).  

10- ولإسماعيل بن علية (ت 193هـ) : (كتاب التفسير).  

11- وللإمام عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) : (كتاب الزهد، كتاب التفسير).  

12— ولهشام بن عمار الدمشقي (245 هـ) : (فضائل القران).  

13— ووكيع بن الجراح كتاب (التفسير).  

14 - ولأبي نعيم الفضل بن دكين كتاب (التفسير).  

15 - ولإسماعيل بن أبي كثير كتاب (عدد آي القرآن عند أهل المدينة).  

16— ولحجاج بن محمد الأعور المصيصي كتاب (الناسخ والمنسوخ في القرآن)  

17— ولأبي جعفر الرؤاسي شيخ شيوخ أبي عبيد (ت 197 هـ): (معاني القرآن، الوقف والابتداء).  

18— ولأبي عمرو بن العلاء (شيخ شيوخ أبي عبيد أيضا (ت 159 ه) كتاب (القراءات).  

كما كان لأقران أبي عبيد ومعاصريه مؤلفات حول تلك المواضيع؛ فللإمام الشافعي - مثلاً: (أحكام القرآن، فضائل القرآن، ومعاني القرآن، والناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة). وهذان الأخيران ضمن كتابه (الرسالة) التي ألفها تحقيقا لرغبة الإمام عبد الرحمن بن مهدي.

ولإسحاق بن راهويه (كتاب التفسير).

ولقطرب: محمد بن المستنير (ت 206هـ): (إعراب القران، معاني القران،  مجاز القرآن، ما سأل عنه الملحدون من آي القران). وليونس بن حبيب الضبي (ت 183 هـ، وله أكثر من مائة سنة): (معاني القرآن، اللغات). وللخليل بن أحمد الفراهيدي الشهير (ت 175هـ): (كتاب النقط والشكل). وللأخفش (معاني القرآن). ولأبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي البصري (ت 195 هـ): (غريب القرآن، معاني القرآن). 

وبما أن كتاب أبي عبيد (فضائل القرآن) قد استوعب أكثر ما دارت حوله هذه المؤلفات في منهجية دقيقة محكمة، كان له بالغ الأثر في كتابات الدارسين قديماً وحديثاً، سواء تعلق الأمر بكتب: علوم القرآن، أو التفسير، أو القراءات، أو المصاحف، أو لغات القرآن، أو كتب الحديث، أو فضائل القرآن، أو غيرها.

ويضيق المجال عن ذكر كل من تأثر بأبي عبيد، لأن عددهم يفوق الحصر، ابتداء من أقرانه إلى تلامذته فمن دونهم عبر تلاحق الأحقاب والسنين، فمن المفسرين: تلميذه الحارث بن أسد المحاسبي في العقل وفهم القرآن، والطبري، وابن كثير، والقرطبي، والسيوطي، وأبو حيان الأندلسي، وابن تيمية، والألوسي. 

ومن أصحاب علوم القرآن: ابن  فارس، والباقلاني، والداني، وأبو جعفر النحاس، وابن كثير، والزركشي، وابن الأنباري، وابن الجزري، ومكي القيرواني، والنووي، والسيوطي، والقرطبي، وسواهم.  

ومن أصحاب الحديث: أبو جعفر الطحاوي، والدارمي، والبيهقي، والحاكم، والحكيم الترمذي، وابن عبد البر، وابن وضاح، وبالجملة فالنقل عن أبي عُبيد يبدو واضحا عند الشيخين في صحيحيهما، وعند أصحاب السنن والمسانيد بصفة عامة.

  • اختصار الكتاب:

وقد اختصر كتاب (فضائل القرآن) لأبي عُبيد: أحمد بن يحيى بن محمد الفاسي الذي كان حياً قبل (820 هـ)، ولا نعلم أحداً اختصره غيره، وقد أنهى اختصاره في التاريخ المذكور، ولا نعرف ترجمته.

  • فوائد من كتاب (فضائل القرآن) لأبي عُبيد:

* جاء في باب فضل القرآن وتعلمه وتعليمه للناس أحاديث كثيرة، منها: (إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه) -عن عثمان مروفوعاً - و (أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق، فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين في غير إثم، ولا قطيعة رحم) ؟ قلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك. قال: (فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد، فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، ومن ثلاث، ومن أعدادهن من الإبل) -عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعاً - و (إن الذي يقرأ القرآن وهو به ماهر مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يشتد عليه فله أجران) -عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً، والسفرة: هم الملائكة جمع سافر، والسافر في الأصل الكاتب.

* روى أبو عُبيد "بإسناده" عن عقبة بن عامر الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان القرآن في إهاب، ثم ألقي في النار ما احترق».

قال أبو عبيد: وجه هذا عندنا أن يكون أراد بالإهاب قلب المؤمن وجوفه الذي قد وعى القرآن. انتهى. وقد ورد إشكالٌ على تفسير أبي عُبيد، وهو ما ورد أن قوماً يقرأون القرآن يحترقون بالنار.

وذكر ابن قُتيبة عن أبلي أمامةً تأويلاً آخر؛ فقال: لو كُتب في جلدٍ ثُم أُلقي في النار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحرقه النار، ثم انقطع ذلك بعده.

قال: وجرى هذا مجرى كلام الذئب، وشكاية البعير ونحو ذلك (أي المعجزات في زمنه).

قال ابن قتيبة: وفيه تأويلٌ ثالث، وهو أن النار تحرق الجلد والمدار ولا تحرق القرآن؛ لأن الله تعالى ينسخه ويرفعه من الجلد صيانةً له من الإحراق.

وردَّ أبو بكر الأنباري تأويل ابن قتيبة مع قول أبي عُبيد، ثم قال: والقول عندنا في تأويل هذا الحديث أن القرآن لو كان في جلدٍ ثُم أُلقي في النار ما أبطلته؛ لأنها وإن أحرقته فإنها لا تدرسه؛ لأن الله تعالى قد ضمَّنه قلوب الأخيار من عباده.

وجاء الشريف المرتضى في "أماليه" وقال: وهم الأنباري وابن عُبيد وابن قُتيبة، وإنما هذا جرى من النبيِّ صلى الله عليه وسلم مجرى المثل؛ لبيان عظمة القرآن وجليل قدره. والصواب في هذه المسألة هو ما قاله شيخنا الدكتور علي آل حمود: أن هذا الخبر على ظاهره، وتأويله أن المسلم إذا حفظ القرآن في صدره وبين جنبيه لم تمسَّه النار يوم القيامة.

* وقد جاء في الأحاديث النبوية تسع كيفيتا لختم القرآن الكريم، أقلها في ثلاثة أيام وأكثرها في أربعين يوماً، وذلك بحسب الاستطاعة وبحسب ما يُناسب الحال، وهذه الكيفيات بحسب عدد الأيام: (3 أيام، 5، 7، 10، 15، 20، 25، 30، 40)، روى أحمد في "مسنده" عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً (اقرأ القرآن في كل شهر، اقرأه في خمس عشر ليلة، اقرأه في عشر، اقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك). وعند أبي داود في "سننه" عن ابن عمر مرفوعاً: (اقرأه في عشرين ليلة)، وعند الطبراني في "الكبير"، عن ابن عمر مرفوعاً: (اقرأ القرآن في خمس)، وعند الطبراني في "الكبير" عن سعد بن المنذر مرفوعاً: (اقرأ القرآن في ثلاثٍ أن استطعت)، وفي صحيح الجامع (1154): (اقرأ القرآن في كل أربعين).

* يُضاف إلى ما سبق أن ممن كان يختم القرآن في كل ليلة مرة (علقمة)، وفي كل ركعة (عثمان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير)، وكان (سليم بن عتر التجيبي يختم القرآن ثلاث مرات في الليلة، في كل ستة أيام (الأسود بن يزيد) ويختمه في رمضان كل ليلتين، وكان أُبي بن كعب يختم كل ثمانية أيام، وكان معظم الصحابة يختمون القرآن في كل سبع ليالٍ مرة، يجزءونه بحسب ترتيب السور في المصحف

(3، 5، 7، 9، 11، 13، المفصل = 65 سورة)؛ وكانوا يقرأون ذلك في قيام الليل، وإلا بعد الفجر قبل الزوال.

* معظم الفقهاء والعلماء يجيزون قراءة القرآن لمن ليس جنباً أو حائضاً، كالمُحدث حدثاً أصغر، ومنع أكثر الصحابة قراءة الجنب للقرآن: كعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وهشيم، وسليمان الفارسي، وابن عمر، واشترط بعضهم الطهارة من الحدثين لقراءته مثل (عسعس بن سلامة)، وتوسع بعضهم جداً؛ حتى أجاز (سعيد بن المسيب) قراءة القرآن للجنب والمشرك! 

* روى أبو عُبيد "بسنده" عن ابن سيرين، أن عمر بن الخطاب، قرأ من القرآن بعدما خرج من الغائط، فقال له أبو مريم الحنفي: أتقرأ وقد أحدثت؟ فقال: «أمسيلمة أفتاك بهذا؟» … وعن ابن سيرين، عن عمر، مثل ذلك. إلا أنه قال له ذلك القول ضبيح أو ابن ضبيح. قال: وكانوا يرون أن قلب عمر عليه بعض الشدة. قال: وكانوا يرون أنه قتل زيد بن الخطاب يوم اليمامة؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله أكرم زيداً بيدي (بالشهادة)، ولم يهني بيده (فلم يقتلني وأنا مشرك). وهذا يُذكرنا بحديث (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخلان الجنة)، فكان هذا الأمر سبباً لضحك الله عز وجل.

* كان السلف من العلماء والفقهاء، يكرهون أموراً منها:

يكرهون قطع القراءة لأجل كلام الناس، ويجيزونه لأجل رد السلام. 

وكانوا  يكرهون تلاوة شيء من القرآن إذا عرض شيءٌ من أمور الدنيا فيما يسمونه "الاقتباس"، مثل من لقي صاحبه وهو يطلبه؛ فيقول: {لقد جئت على قدر يا موسى}، وكانوا يعدونه من الاستخفاف بالقرآن. 

وكانوا يكرهون قول سورة صغيرة، وقالوا: القرآن كله عظيم، ولقوله: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}.

وكانوا يكرهون أن يُقال: سورة خفيفة، قالوا: وإنما يُقال: سورة يسيرة، تأدباً مع كتاب الله عز وجل، وقوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}.

وكانوا يكرهون سمن القارئ؛ فعن عبد الله بن مسعود: «إني لأمقت القارئ أن أراه سميناً نسيّاً للقرآن»، وهنا يُذكر قول الشافعي: ما أفلح سمينٌ قط!. 

وكانوا يكرهون الصعق والغشي في القراءة، ويقولون: هذا فعل الخوارج.

* ذكر عن بعض السلف عبارات يقولونها في ختام آياتٍ وسورٍ مُعينة، ومنها:

-أن عمر لما سمع في صلاة العشاء يقرأ: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} (الذاريات: 22) فرفع صوته حتى ملأ المسجد: «أشهد»، وفي رواية عنه، قال: "وأنا أشهد". وقرأ أحدهم:  {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} (القيامة: 40) فقال: «سبحانك اللهم وبلى»، وفي رواية: «سبحانك وبلى».

وعن علي -بعد قوله: {سبح اسم ربك الأعلى} (الأعلى: 1)، قال: «سبحان ربي الأعلى». وسمع عمر رجلاً يقرأ: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} (الإنسان: 1) فقال: «يا ليتها تمت».

وقال ابن مسعود عندها: «إي وعزتك، فجعلته سميعاً بصيراً، وحياً وميتًا».

وقال أبو هريرة بعد قوله: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} (القيامة: 40) فليقل: «بلى»، وبعد قوله: {فبأي حديث بعده يؤمنون} (المرسلات: 50) فليقل:  «آمنتُ بالله وما أنزل».

وعن أبي هريرة، وعلي بن أبي طالب: بعد قوله: {أليس الله بأحكم الحاكمين} (التين: 8) فليقل: «بلى».

وروي عن النبيِّ أنه قرأ: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} (الانفطار: 6) فقال: «غرَّه جهله»، وما ذكرته على سبيل البيان لا الحصر.

* عن الحسن، قال: مات عمر بن الخطاب ولم يجمع القرآن، قال: «أموت وأنا في زيادة، أحب إلي من أن أموت وأنا في نقصان». قال الأنصاري: يعني نسيان القرآن.

وهنا سؤالٌ يطرح نفسه، وهو: لماذا لم يجمع عمر القرآن كله مع قدرته على الحفظ؟ قال الزرقاني: كان عمر يجمع إلى الحفظ الفقه، ولذلك لم يُسرع في حفظه، وقد مكث في حفظ سورة البقرة اثني عشر سنة، وروى مالك في "الموطأ" أن عمر لما حفظ البقرة ذبح جزوراً. قال العلماء: يُصستحب لمن أحدث الله له نعمةً أن يُحدث لها شكراً.

* روى أبو عُبيد "بسنده" عن سعيد بن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» . قال أبو عبيد: قوله: «من لم يتغن» التغني: هو الاستغناء والتعفف عن مسألة الناس واستئكالهم بالقرآن، وأن يكون في نفسه بحمله القرآن غنياً، وإن كان من المال معدماً. ولكن ذكر البيهقي في "مناقب الشافعي"، عن ابن عُيينة أن المراد بالتغني هو رفع الصوت، وليس الاستغناء، ولو أراد النبيُّ الاستغناء؛ لقال (يستغنِ)؛ فلما قال: (ليس منا لم يتغنَّ بالقرآن)، علمنا أنه أراد التغي وهو رفع الصوت.

* وروى أبو عُبيد "بسنده" عن أبي أمامة الباهلي، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لصاحبه، اقرءوا الزهراوين سورة البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو كأنهما غمامتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما» . قال أبو عبيد: يعني ثوابهما. قال أبو الحسن: تكلم أبو عبيد بهذا والسيف يومئذ يقطر (يعني محنة خلق القرآن).

* جاء في الحديث، عن عبد الله بن عمرو (من قام بعشر آياتٍ لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) أخرجه أبو داود في "سننه"، وابن حبان في "صحيحه". 

* أوصى عمر بن الخطاب بتعلم أربع سور: النساء، والأحزاب، والنور، وكانت سورة الزمر تُعرف بسورة "الغُرف"، وآل حميم سبعة، وهي (غافر -فصلت -الشورى -الزخرف -الدخان -الجاثية -الأحقاف). والمسبحات: وهي السور التي افتتحت بشيء من صيغ التسبيح كـ"سبح، وسبحان، ويسبح"، وهي سبعة: (الإسراء -الحديد -الحشر -الصف -الجمعة -التغابن -الأعلى).

* نزلت المائدة بـ (11) فريضة، وفي رواية بـ (18) فريضة، وجمع بعض طلبة العلم هذه الفرائض فوجدها (22) فريضة. ومن الفوائد: أن العرب تُسمي وجه الفلاة "ساهرة" بمعنى ذات سهر؛ لأنه يُسهر فيها خوفاً منها.

* من القراءات التي انفرد بها الصحابة، قراءة:  أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: «ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك»، عن عبد الله، أنه قرأ (وإن يكاد الذين كفروا ليزهقونك بأبصارهم).

* ذكر أبو عُبيد بعض السور التي شيعتها الملائكة وأعدادهم كما يلي "الفاتحة" 700 ألف ملك، و"الأنعام" 70 ألف ملك، و"الكهف" 12 ألف ملك، وآية الكرسي" 30 ألف ملك، و"يس" 12 ألف ملك.

* جاء تسمية القرآن بأسماء كثيرة تدلُّ على عظمته، ومن ذلك سماه ابن مسعود (أدب الله، ومائدة الله، وميراث محمد صلى الله عليه وسلم، وسماه عبد الله  بن عمرو بـ(موضعظة العقلاء)، وجاءت تسميته في الأخبار (بأحسن الحديث، وأحسن القصص، ورحمة الله، وحبل الله، والشافع، والمشفع، والماحل، والمصدق).

* جاء في الأثر عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: «إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل، وإن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار، وإن من أشراط الساعة أن تقرأ المثناة على رءوس الملأ لا تغير». قيل: وما المثناة؟ فقال: «ما استكتب من غير كتاب الله»، ويدخل في المثناة المتون الفقهية وعلوم الآلة، فهي وإن كانت ضرورية للفهم والاستنباط إلا أن موقعها في نفوس كثير من المتأخرين أعظم من وقع كتاب الله عز وجل، وهذه طامة كبرى، وبليَّةٌ عظمى.

* علوم القرآن خمسة، روى أبو عُبيد "بسنده"، عن  عن الربيع بن خثيم، قال: " وجدت هذا القرآن في خمس: حلال، وحرام، وخبر ما قبلكم، وخبر ما هو كائن بعدكم، وضرب الأمثال"؛ فالحلال نُحله، والحرام نُحرمه، والخبر نُصدقه، والأمثال نعتبر بها. وزاد في رواية: "ومحكم ومتشابه" فنعمل بالمحكم، ونؤمن بالمتشابه.

وعن عبد الله بن مسعود: «من ختم القرآن فله دعوة مستجابة» . قال: فكان عبد الله إذا ختم القرآن جمع أهله ثم دعا وأمنوا على دعائه. وعن أنس بن مالك أنه كان يجمع أهله عند الختم. وكانوا يرجون استجابة الدعاء في هذا الموطن.

* واستحب السلف رفع الصوت عند آيات مُعينة في مثل قوله: {إن تُعذبهم فإنهم عبادك…}، وقوله: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا…} فهذا واردٌ عنهم، وأما خفض الصوت في مثل: {إن الله ثالث ثلاثة…}، {وقالت اليهود يد الله مغلولة…} فلا يُعلم ذلك عن السلف، ولو فعله إنسانٌ لكان حسناً.

* روايات يحتمل أنها أخطاء وقعت في الكتاب:

قال أبو عُبيد في معرض بيان اختلاف القراءات: وفي الأعراف: (وإذا أنجاكم من آل فرعون) بغير نون =والصواب بغير ياء.

وقوله: في الآية: (إن الذين حقت عليهم كلمات ربك) على الجماع. =والصواب على الجمع.

وروى أبو عُبيد "بسنده" عن عائشة، أن أبا بكر، دخل عليها، وعندها يهودي يرقيها، فقال: ارقها بكتاب الله عز وجل. وهذه الرواية خطأ، والصواب (وعندها يهودية ترقيها)، قال النووي في "المجموع": إسناده صحيح، وقال الألباني في "الصحيحة": إسناد رواته ثقات، لكنه منقطع.