ضوابط تكفير المُعين
عند ابن تيمية وابن عبد الوهاب، وعلماء الدعوة الإصلاحية،
تأليف أبو العلا راشد بن أبي العلا الراشد
تقديم صالح الفوزان
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن (الإيمان) و (الكفر) من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك مما يحكم به الناس بظنونهم، وأهوائهم، وقد استقرأ العلماء هذه النصوص، وخرجوا لنا بقواعد عامة، وضوابط مهمة في مسائل التكفير، سواء ما يتعلق بتكفير القائل نفسه أو المقولة دون القائل، ونسبة الكفر للمُعيَّن، وهو بابٌ خطير لا يجب أن يحكم في كل شخص قال كفراً أو فعله بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر حلال. لقرب عهده بالإسلام، أو لنشوئه ببادية بعيدة.
ومن المباحث المهمة في هذا الكتاب قضية الحكم بغير ما أنزل الله، كذلك مسألة الموالاة والتولي للكافرين. ويظهر في هذا البحث اهتمام علماء الدعوة النجدية بقضية الموالاة والمعاداة وبيان وتحرير الصور المكفرة وغير المكفرة في هذه القضية.
كذلك مسألة مشابهة الكافرين فيما هو من خصائصهم، وأبرزها مشابهة طوائف منتسبة إلى الإسلام بهم في باب الاعتقاد، والعبادات المبتدعة كغلو المتصوفة، وعباد القبور في الأولياء والصالحين، واختراعهم لعبادات بدعية، و أعياد ومواسم غير شرعية ما انزل الله بها من سلطان كالتعبد بالأصوات، والسماع والطرب والرقص، والموسيقى. وكبناء القبور على المساجد، والطواف بها، ودعاء أهلها من دون الله والتمسح بها، والتبرك بها، ونحو ذلك من البدع والشركيات، والاحتفالات البدعية، وكل ذلك مشابهة لليهود والنصارى، ومضاهاة لهم. فـإلى الله المشتكى، وهو المستعان.
كذلك تكفير المشركين واعتقاد كفرهم، وأن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر. لأن الله جل وعلا كفرهم في آيات كثيرة من كتابه وأمر بعداوتهم لافترائهم الكذب عليه، ولجعلهم شركاء مع الله، وادعائهم بأن له ولداً، ولا يحكم إسلام المرء حتى يكفر المشركين، فإن توقف في ذلك مع ظهور الأمر فيهم، أو شك في كفرهم مع بيانه، فهو مثلهم، أما من صحح مذهبهم واستحسن ما هم عليه من الكفر والطغيان، فهذا كافر بإجماع المسلمين، ولا بد لكل مسلم من أن يكفر المشركين، وأن يعاديهم ويبغضهم. وغيرها من المسائل.
ونعود لما قدمناه أولاً، فنقول: إن من الخطر الكبير إطلاق اللسان بالتكفير والتفسيق والتبديع لمجرد عداوةٍ دنيوية، أو هوى شخصي، أو لمخالفة في مذهب، بل النظر هنا إلى مقاصد التوحيد وأصول العبادة التي يحرم صرفها لغير الله عز وجل، ومن الخطر أيضاً التساهل مع من يتعاطى أسباب الكفر وأعماله؛ لأن في ذلك فتنةً لعوام المسلمين وبروز طوائف تمارس النفاق والزندقة تحت عباءة الإسلام.
وجاء هذا الكتاب استقراءً لنصوص علماء الدعوة النجدية في مسألة تكفير المعين، وبيان أنهم لم يتناقضوا مع أنفسهم، ولا مع شيخ الإسلام ابن تيمية، بل منهجهم متفقٌ تماماً معه، ومع علماء أهل السنة عموماً.
أهمية الحديث عن هذا الموضوع:
1. أن إطلاق الحكم بكفر المعين له تبعات وآثار خطيرة، إذا كان هذا الحكم بغير ضوابط: من الموالاة والمعادة، والقتل والعصمة، والوعيد في الآخرة، فينبغي ضبط هذه المسألة بما يتفق مع أقوال أهل العلم.
2. الإفراط والتفريط الذي حصل في باب التكفير، عند من بحث هذه المسألة أو كتب فيها؛ فطائفة سارعت إلى تكفير المُعيّن بغير ضوابط، وطائفة تركت تكفير المُعين مع توفر شروطه وانتفاء موانعه، وقصر بعضهم تكفير امعين على استحلال بعض المحرمات أو جحود بعض القطعيات، وأهملوا بقية المكفرات التي ذكرها أهل العلم في أبواب الردة، بينما أهل السنة لا يتوقفون في تكفير المعين متى استوفى شرائط التكفير، وانتفت الموانع عنه.
3. الحذر من تكفير المُعيَّن، والتسرع في الحكم عليه بغير موجب شرعي.
4. بيان الكثير من المكفرات التي يقع فيها كثيرٌ ممن ينتسب إلى الملة، وبخاصة ما تكلم فيه الشيخين ابن تيمية وابن عبد الوهاب، ومناقشة الملبسين على الناس أمر دينهم في بعض هذه القضايا.
أهمية الحديث عن منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب، وعلماء الدعوة الإصلاحية في تكفير المُعين:
أ. تميُّز منهج هذه المدرسة بتحقيق وضبط مسائل المكفرات، وأحكام تكفير المعين، وفق الأصول الصحيحة عند أهل السنة والجماعة.
ب. بيان اتفاق ابن تيمية وابن عبد الوهاب وعلماء الدعوة الإصلاحية في ميان مسائل التكفير، ونواقض الإسلام، وأحكام تكفير المعين.
ج. تناول شخصيات بارزة وفذَّة في تاريخ الدعوة الإسلامية، التي تدعو إلى العقيدة الصحيحة، وبيان موقفهم جميعاً من مسألة تكفير المُعين، وبخاصة أن الغلو في التكفير قد أخذ من كلامهم دون ضبطه أو فهم معانية، وكذلك فعل أهل التفريط في مسائل ترك التكفير، فقد يستدلون ببعض كلامهم، وبالتالي توضيح هذا المنهج فيه إبطالٌ لتلك المذاهب المفرطة والمفرّطة، حتى لا يُتخذ كلام هؤلاء الأعلام مطيَّة للدعاوي الباطلة، والأفكار الفاسدة، والفرق الضالة.
د. الرد على تشنيع المتصوفة وغيرهم من المبتدعة على شيخ الإسلام ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، وكذلك على علماء الدعوة، ووصفهم بالأوصاف الذميمة في مسألة التكفير، وأنهم يسلكون مسلك الخوارج، وإيضاح براءة أئمة الدعوة الإصلاحية من هذا الافتراء، وأنهم على منهج أهل السنة والجماعة في مسألة تكفير المعين.
أبواب الكتاب:
يتكون الكتاب من سبعة أبواب، كل باب من عدة فصول، والفصول من عدة مباحث، نجمل أهم ما فيها فيما يلي:
الباب الأول:ترجمة الإمامين ابن تيمية وابن عبد الوهاب:
الفصل الأول في ترجمة موجزة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
والفصل الثاني في ترجمة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى.
الباب الثاني: شروط تكفير المعين عند ابن تيمية، وعلماء الدعوة النجدية، وفيه:
الفصل الأول: في اشتراط قيام الحجة، وصفتها، وبم تقوم؟ واعتبار الشبهة، والتأويل، والخطأ في مسائل الشرك الأكبر.
الفصل الثاني: الفرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في مسألة تكفير المُعيّن عند شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء الدعوة الإصلاحية، ويشتمل على ضوابط المسائل الظاهرة والخفية، وما يندرج تحت كل واحدٍ منهما، مع نقول النصوص الدالة على ذلك.
الفصل الثالث: في اشتراط قصد المُعيَّن بكلامه المعنى المكفر عند ابن تيمية وعلماء الدعوة، وفيه بيان أنواع الألفاظ المكفرة، وأحكام الألفاظ المشتبيهة، وأن القصد لا يعني الاعتقاد والنية.
الفصل الرابع: التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين، ونقل نصوص ابن تيمية وعلماء الدعوة في إطلاق الكفر على الفعل والقول دون المعين.
الباب الثالث: أحوال الكافر المعين، وفيه عدة فصول:
الفصل الأول: الحالات التي لا يكفر فيها المعين عند ابن تيمية وعلماء الدعوة، ونصوصهم في ذلك، ويشتمل على: من نشأ في بادية بعيدة ومن كان حديث عهدٍ بالإسلام، ومن نشأ بأزمنة وأمكنة الجهل والبعد عن الرسالة.
الفصل الثاني: نصوص أئمة الدعوة في حكم تكفير المعين إذا وقع في الشرك جهلاً.
الفصل الثالث: نماذج من كلام أهل العلم وتصريحهم بتكفير المُعيّن.
الباب الرابع: حقيقة منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة تكفير المعين، ويشتمل على مباحث، وهي:
الأول: تبرئة الشيخ من فرية التكفير بالعموم.
الثاني: منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة تكفير المعين.
الثالث: أبرز ملامح منهج الشيخ محمد في هذه المسألة.
الباب الخامس: أهم المكفرات عند علماء الدعوة، ويتضمن عدة فصول:
الفصل الأول: نواقض الإسلام في توحيد الألوهية، والمكفرات العملية التابعة لذلك.
الفصل الثاني: الحكم بغير ما أنزل الله عند علماء الدعوة، ومتى يُكفر صاحبها؟
الفصل الثالث: موالاة الكافرين من نواقض الإسلام عند علماء الدعوة.
الباب السادس: أهم المكفرات عند ابن تيمية، ويتضمن عدة فصول:
الفصل الأول: المكفرات في توحيد الألوهية، ونصوص ابن تيمية المتعلقة بذلك.
الفصل الثاني: أقوال ابن تيمية في الحكم بغير ما أنزل الله، والتحاكم إلى ذلك.
الفصل الثالث: الموالاة والمعاداة عند ابن تيمية، والصور المكفرة في ذلك.
الباب السابع: أهم الفرق الباطنية التي يُكفرها ابن تيمية، وهي:
الإسماعيلية -والدروز -والنصيرية -والقرامطة.
تفريق العلماء بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في تكفير المُعين:
ويُفرق العلماء بين المسائل الظاهرة، والمسائل الخفية، والمسائل المشتبهة في قضية تكفير المعين، وقد اشتدت عنايتهم ببيان حقيقة التوحيد، والرد على من غلط في فهم التوحيد، لا سيما توحيد الألوهية الذي وقعت فيه الخصومة بين الرسل وأقوامهم.
ومن مسائل الكفر الظاهر في باب توحيد الألوهية:
من عبد صنماً، او حجراً، أو بشراً، او قبراً، او دعا ملكاً أو نبياً أو ولياً واستغاث به أو استعان به، ويدخل في ذلك دعاء الغائبين، والأموات والصالحين، وطلب قضاء الحوائج منهم، وهذا نوعٌ منتشر بين المتأخرين، فهذا لا يتوقف في تكفيره.
وكذلك يكفر كل من اتخذ من خلق الله وسطاء وشفعاء بينه وبين الله على جهة العبادة، وكذلك من أتى بناقضٍ من نواقض الإسلام، وكذلك الغلو في الأموات واعتقاد أن فيهم شيئاً من خصائص الألوهية؛ فإنه يكفر، ويستوي في هذا الحكم الجاد والهازل والخائف والمتأول الجاهل والمخطئ إلا المكره.
ومن أنواع الشرك الظاهر الذي يكفر به المعين أيضاً: طلب النفع والضر من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وهو في معنى الدعاء الاستغاثة والاستعانة. ويدخل فيه الذبح والنذر لغير الله تعالى، والطواف بالقبور، ومنه السجود والركوع لغير الله تعالى على جهة العبادة والقربة، وكذلك الطواف بالقبور والأضرحة والقباب على جهة التعظيم، وسواء سماها قربانا او شفاعة كل ذلك كفر أكبر مخرج من الملة.
ومن المسائل المشتبهة أو المحتملة كمن صلى إلى القبلة وأمامه نار أو قبر، وقد بوَّب البخاريُّ لذلك؛ فقال: "بابُ من صلى وقُدامه تنور أو نار أو شيء مما يُعبد فأراد الله له".
تفريق العلماء بين بلوغ الحجة وقيام الحجة:
ويفرقون بين من بلغته الدعوة بالبيان الكافي، وبين من لم تبلغه، فبلوغ الحجة في المسائل الظاهرة وقيامها يكون بالكتاب والسنة، وتُسمى "بالحجة الرسالية"، أو "بلوغ العلم"، ولا يشترط في قيام الحجة وبلوغها فهم الحجة، لأنه لو اشترطنا فهم الحجة لكان لا يكفر إلا المعاند، وهو باطلٌ قطعاً، ولأن من بلغته الحجة وهو عاقلٌ فقد قامت عليه الحجة، بينما قيام الحجة في المسائل الخفية لا يكون إلا ببلوغ الحجة وإزالة الشبهة.
وبين عدم العذر بالجهل في المسائل الظاهرة، والعذر بالجهل في المسائل الخفية، بخلاف من أعرض عن تعلم التوحيد فهو غير معذور بالجهالة، وبخلاف الجاهل الذي لم يتيسر له من يعلمه وينبهه على الشرك والكفر فحكمه حكم من لم تبلغه الدعوة.
الفرق بين تكفير المطلق وتكفير المعين:
أ - التكفير المطلق هو: تنزيل الحكم بالكفر على الفعل والقول؛ فيقال: من قال كذا كفر، أو فعل كذا كفر، دون تنزيل الحكم على المعين، وإن كان قد أتى بالفعل أو القول المكفر.
ب- تكفير المعين: هو الحكم بالكفر على الشخص المعين الذي فعل الكفر، أو قاله بعد التحقق من ثبوت الشروط وانتفاء الموانع.
فأما شروط التكفير والحكم به فتنقسم إلى أقسام:
(أ) - شروط في الفاعل: أن يكون بالغاً، عاقلاً، متعمداً لفعل الكفر، مختاراً له .
(ب) - شروط في الفعل أو القول: أن يكون فعله أو قوله ثبت بالأدلة الشرعية أنه كفر أكبر أو شركٌ أكبر، أو أن يكون هذا الفعل المكفر مما ذكر أهل العلم أنه فعل أو قول مكفر مخرج من الملة. أو يكون الفعل أو القول صريح الدلالة عل الكفر، أي مشتمل لفظ واضح مكفر بخلاف المحتملات من الألفاظ.
(ج) ثبوت نسبة هذا الفعل أو القول إلى صاحبه، وذلك بالإقرار، أو الشهود (مُسلمين عدلين)، ولا بُدَّ أن تكون الشهادة مُبيّنة مُفصَّلة، غير مُجملة.
وأما موانع التكفير والحكم به:
فهو ما يلزم من وجوده عدم التكفير، وهي أقسامٌ أيضاً:
(أ) موانع في الفاعل، وهي عوارض الأهلية، من الجهل في المسائل الخفية، بأن لا يفهم الخطاب، وكذلك الخطأ، والتأويل. أو النشوء في بادية بعيدة، وحدث الهد بالإسلام، أو الإكراه في المسائل الظاهرة.
(ب) موانع في الفعل المكفر، من كونه غير صريح الدلالة على الكفر، أو أن الدليل الوارد فيه غير قطعي الدلالة عليه.
(ج) موانع في ثبوت نسبة الفعل أو القول المكفر، لكون أحد الشهود ليس عدلاً، أو غير مقبول الشهادة، أو صغيراً لا يعتد بشهادته.
ضوابط المسائل الظاهرة:
* أن تكون معلومةً من الدين بالضرورة، ويشترك في معرفتها عامة الناس.
* أنها مسائل إجماعية، ودليلها محكم، لا شبهة فيه ولا تأويل.
* أنها مسائل جلية يتناقلها المسلمون عوامهم عن خصائصهم.
* ومن الأمثلة على المسائل الظاهرة:
توحيد الألوهية وصرف شيء من العبادات لغير الله..
مسائل الشرك الأكبر والنذر والذبح لغير الله تعالى.
الصلوات الخمس والزكاة والحج وحرمة الربا والزنا.
ما اشتهر من المسائل كحكم الأكل في الصيام والكلام في الصلاة.
ضوابط المسائل الخفية:
* أنها غير معلومة من الدين بالضرورة، وغير منتشرة بين الناس.
* أنها وقع فيها التنازع بين أهل السنة وغيرهم، ويمكن الجهل بها لشبهة الخلط والتأويل.
* أنها خفية تحتاج إلى إعماب النظر في الدليل، وإعمال العقل لفهمها.
ومثال الألفاظ المكفرة بصريح العبارة:
1. ألفاظ الشرك الأكبر كقول بعضهم يا سيدي فلان عافي وارزقي، أو أنا في غوثك ومددك.
2. وكذلك من الأفعال المكفرة صراحة: إلقاء المصحف تعمدا في القاذورات علمه بأنه كتاب الله، لأنه لا يحتمل إلا الاستخفاف.
أما الألفاظ المحتملة للكفر وعدمه، مثل:
أقوال أهل البدع غير الدالة صراحة على الكفر، وإن كان لازمها الكفر، وقد مثل لها أهل العلم بأمثلة في كتبهم، وهذه الأقوال والأعمال المحتملة للكفر وعدمه تسمى بالتكفير بالمحتملات، أو التكفير بالمآل، أي أن القول ليس كفراً في ذاته، ولكنه يؤدي إلى الكفر بالضرورة، ومثل هذه الأقوال يحتاط ويتوقف في تكفير صاحبها إلا إذا التزم بلازمها صراحة، وسيأتي تفصيل ذلك في فصل مستقل من هذا الكتاب.
ما اشتهر واستفاض علمه من فروع المسائل، كحكم الأكل في الـصيام، ووجوب الصلوات الخمس.
ما يندرج تحت المسائل الخفية التي لا يكفر بها المُعيّن:
١. مسائل الأسماء والصفات التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة، وغيرهم من الفرق المخالفة، كالاستواء والرؤية مخلاف الصفات التي هي من لوازم الربوبية كالقدرة والعلم، فهذه الصفات تندرج تحت المسائل الظاهرة لتعلقها بتوحيد الربوبية.
٢. معتقدات الفرق المخالفة لأهل السنة التي تخالف النصوص الشرعية، مثل مخالفات المرجئة لأهل السنة في باب الإيمان، ويسميها أهل العلم مسائل النزاع بين أهل السنة والفرق المخالفة.
٣. مسائل الفروع غير المشتهر علمها للعامة وليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ومثلوا لها بتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، أو أن القاتـل عمداً لا يرث أو أن للجدة السدس وما اشبه ذلك من الأحكام؛ فإن من أنكرها لا يكفر لعدم استفاضة علمها في العامة!
ويستفاد من هذا التفريق عدة أمور:
١ - التفريق بين من وقع منه كفر في المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في التكفير.
٢ - وصفه لمن وقع منه كفر في المسائل الخفية قبل قيام الحجة بأنه ضال.
٣ - وصفه لمن وقع في الكفر في المسائل الظاهرة بالردة والخروج عن الإسلام.
٤ - ذكر شيخ الإسلام ما يندرج تحت المسائل الظاهرة ومثل لها:
ا- التوحيد وهو الأمر بعبادة الله وحده دون سواه.
ب-الشرك وهو عبادة غير الله تعالى من الملائكة والنبيين والشمس والقمر.
ج - الأمور المعلومة من الدين بالضرورة مثل إيجاب الصلوات الخمس ومعاداة ملل الكفر وتحريم الفواحش مثل الربا والخمر والميسر.
شروط تكفير المعين:
وهناك شروط لا بُد من مراعاتها قبل تكفير المُعين، وأنه لا ينبغي التسرع في التكفير، حتى تستوفى الشروط وتنتفي الموانع، ومن هذه الشروط:
أ. كون المعين قد بلغته الحجة في المسالة التي وقع فيها، ونعني بذلك بلوغ الدليل.
ب. كون المسالة الي وقع فيها الكفر من المعين من المسائل الظاهرة المعلومة من الدين بالضرورة، بخلاف المسائل الخفية.
ج. كون المعين قصد المعنى المكفر، أما إذا لم يقصد فلا يكفر.
د. كون المعين لا يقع تحت الحالات التي يمتنع فيها تكفيره، وهي:
(1) حديث العهد بالإسلام: أي من أسلم حديثاً، خلاف من أسلم قديماً.
(2) أو من نشا ببادية بعيدة عن المسلمين، بخلاف من كان في بلاد المسلمين.
(3) أو من نشأ في أمكنة أو أزمنة غلب عليها الجهل، وفترت فيها آثار النبوة، وليس عنده من يُبلغه الحق والهدى، فلا يوجد من يبلغه الحجة، خلاف من نشأ في أزمنة العلم وأمكنته.
أما إذا تحققت هذه الشروط أمكن تكفير المعين، ولا نقول كما قال بعض من دخلت عليهم شبهة الإرجاء أن المعين لا يكفر، ولو توفرت فيه الشروط، وخلا من الرائع.
مسألة الحكم بغير ما أنزل الله:
وقد اهتمَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعلماء الدعوة بقضية الحكم بما انزل الله، وفصَّلوا الصور المكفرة في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله وذكروا منها:
أ- استحلال الحكم بغير ما أنزل الله، واعتقاد عدم وجوبه.
ب- عدم التزام حكم الله ورسوله.
ج- تحكيم العادات الجارية، أو سوالف البادية، وتقديم ذلك على حكم الكتاب والسنة.
د- تفضيل أحكام الجاهلية على أحكام الله تعالى.
هـ- تبديل الشرع المجمع عليه من فعل ذلك كان مرتداً باتفاق الفقهاء.
و-رفض التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والإعراض عنهما، وإرادة التحاكم إلى غيرهما.
وقد قرر العلماء أن كل من اعتقد ان حكم غير الله: أحق، أو أحسن، أو مثل حكم الله؛ فهو كافرٌ كفراً أكبر، ومن اعتقد أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، ومن جمع إلى ذلك الحكم بغير ما أنزل الله بالفعل، ونصبها بديلاً عن شرع الله، فهو كافر، أو كما يفعل أهل العشائر والقبائل من الرجوع إلى الرؤساء والكهان والعرافين دون الرجوع لحكم الله، كل ذلك كفر.
ومن أعظم الصور الكفرية تحكيم القوانين الوضعية، وإن قال صاحبها أنا أعلم أنها باطل. وقد ربط علماء الدعوة لقضية الحكم بما أنزل الله بتوحيد الطاعة والاتباع، والكفر بالطاغوت، واعتبارها مرتبطة بالشهادتين. وقالوا بوجوب الهجرة من البلاد التي تحكم القوانين الوضعية.
وأما المسائل التي لا يُكفر بها من حكم بغير ما أنزل الله، ولكن يكون فعله كفراً أصغر:
أ- إذا كان هذا التحاكم في المرة ونحوها، أو في واقعة بعينها، أو قضية بعينها دون غيرها، مع الإقرار بوجوب التحاكم إلى شريعة الله عز وجل، ولكنه عدل عنه عصياناً، واعترافه بأنه آثمٌ في حكمه بغير ما أنزل الله، فبه يزول الإيمان ويثبت النفاق، وهو نص كلام أهل العلم: الشيخ محمد بن إبراهيم، وشارح الطحاوية، وابن القيم رحمهم الله.
ب- أن يكون ملتزماً بشريعة الله ظاهراً وباطناً، ولكنه حكم بهـواه في مسألة ما، فحكمه حكم أمثاله من أهل المعاصي.
ج- أن يعترف بعصيانه مع اعتقاد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعى، وهذا نصُّ ابن القيم، والشيخ محمد بن إبراهيم، وشارح الطحاوية.
والخلاصة مما سبقت دراسته في في هذا الباب:
١. ارتباط الحكم بما أنزل الله بالتوحيد، وأن من حكم بما أنزل الله، فقد أطاع الله وحده، ومن حكم بغير ما أنزل الله أو تحاكم إلى غيره، فقد نصب نفسه إلهاً ومشرعاً، ومن تحاكم إليه، فقد اتخذه إلهاً ومشرعا، وأشرك به شرك الطاعة والاتباع، نص على ذلك علماء الدعوة.
٢. تسمية من تحوكم إليه من الحكام بغير كتاب الله طاغوتاً يجب الكفر به سواء أكان الحاكم بغير ما أنزل الله مبدلاً مغيراً لحكم الله، أو محكماً لهذا التبديل، ولم يبدل بنفسه ذكر ذلك بالتفصيل علماء الدعوة، ونص على النوعين الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، وقد نص غيرهم من أهل العلم على تسميته طاغوتاً.
٣. وجوب الكفر بالطاغوت الحاكم بغير ما أنزل الله، لأن ذلك من شرط الإيمان بالله، وذلـك يكون باعتقاد بطلان أحكامه، ورفضها، ورفض الاحتكام إليها في قليل أو كثير، نص على ذلك علماء الدعوة وغيرهم.
٤. بيان نوعي الشرك وهما التحاكم إلى غير ما أنزل الله وعبادة غير الله تعالى.
٥. تسمية القانون والدستور، وشرع القبيلة، وعادات الآباء والأجداد التى يتحاكم إليها الناس طاغوتاً.
مسألة الموالاة للمشركين:
لا يجتمع في قلب المؤمن إيمان بالله ورسوله وموالاةٌ لأعداء الله تعالى، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لا يكون على أساس البلد أو القبيلة أو الطريقة، فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أيِّ صنفٍ كان، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أيِّ صنفٍ كان. والموالاة هي: المحبة والمودة والمعاونة والموافقة، والمناصرة، والأنس، والرضا بأفعالهم، والهجرة إليهم، ولا فرق بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي للموالاة.
ويقسم العلماء الموالاة إلى قسمين.
أولاً: موالاة مطلقة، وهي كفر صريح، وناقضٌ من ونواقض الإسلام، وهي بهذه الصفة مرادفة لمعنى التولي، وعلى ذلك تحمل الأدلة الواردة في النهي الشديد عن موالاة الكفار، وأن من والاهم كفر. ومن صور الموالاة المطلقة:
(أ). تولي أمواتهم، أو أحيائهم بالمحبة والتعظيم والموافقة.
(ب). نصرتهم، ومظاهرتهم، ومعاونتهم على المسلمين.
(ج). الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، والتحاكم إليهم دون كتاب الله عز وجل.
ثانياً: موالاة خاصة (جزئية): وهي موالاة الكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، أو لقضية معينة لرحم أو لحاجة، وهي معصية من المعاصي، وقد تصل بصاحبها إلى الكفر.
ومن الصور التي يكفر صاحبها بموالاة أعداء الله سبحانه، ويكون ردَّة عن دين الله سبحانه وتعالى:
١. أن يوالي المسلم الكافر مع المشاركة في الديار والقتال معه، فهذه صورة مكفرة لقوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
٢. نصرة الكفار على المسلمين وعونهم عليهم.
٣. التشبه العام بهم.
٤ . تمجيد ما هم عليه من كفر وشرك.
٥ محبة نصرتهم وكراهية نصرة المسلمين عليهم.
٦. الدعوة إلى تطبيق ما هم عليه من تشريعات كفرية.
٧. الطعن في أحكام الإسلام إرضاءً لهم كالطعن في أحكام آيات الحجاب والطلاق والنكاح.
٨. الدعوة إلى وحدة الأديان، وعدم التفريق بين المسلم والكافر، بسبب دينه.
مسألة الصور المكفرة في مسألة المشابهة:
(أ). المشابهة المطلقة أو الكلية للكفار والمشركين كفر مخرج من الملة بخلاف المشابهة الجزئية في مسألة معينة؛ فهي صورة غير مكفرة، وإن كانت محرمة.
(ب). مشاركتهم في أعيادهم الكفرية، و إقرارهم على كفرهم من الصور المكفرة.
(ج). زيارة معابدهم، وبيعهم، وكنائسهم، على جهة التقرب والاستحباب من الصور المكفرة.
(د) لبس شعار كفرهم؛ كالصليب والزنّار، والقلنسوة، التي من شعار المجوس من صور المشابهة.
ومن الصور التي يكفر بها المُعيّن الدعوة إلى وحدة الأديان، أو التقريب بينها:
وهي دعوات مشبوهة، اجتمع فيها من يسمونه حوار الأديان الثلاثة من أجل تقريب المفاهيم بين الأديان، وقد وصل الكفر والردة أن يقول بعضهم: «الشيخ والقسيس قسيسان، وإن شئت فقل هما شيخان»، نعوذ بالله من الكفر والردة والخذلان.
فالدعوة إلى وحدة الأديان دعوة كفرية خبيثة من اعتنقها، أو دعا إليها، فقد ارتد عن الإسلام والعياذ بالله. وقد روج لهذه الدعوة قـديماً، الملاحدة والزنادقة، ودعاة الحلول، والاتحاد والزندقة. كما روج لهذه الدعوة حديثاً دعاة الماسونية، المتأثرين بالغرب الداعون إلى حضارته وثقافته. وقد عقدت المؤتمرات المشبوهة في بلاد المسلمين لهذه الدعوة. ويجب بيان خطورة هذه الدعوة، وما فيها من كفر ظاهر ووجوب كشفها وكشف رموزها الداعين إليها في أقطار المسلمين. وأنها دعوة بدعية ضالة كفرية، وخطة آثمة بين المسلمين، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد، ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها واجتماعاتها أو محافلها، بل يجب نبذها، واحتساب الطعن فيها، وفي دعاتها
نتائج هذه الدراسة والتوصيات:
1-خطورة البحث في مسألة تكفير المعين، وأنه لا ينبغي أن يتكلم فيها إلا بعلم وبرهان؛ وأن قيام الحجة في المسائل الظاهرة يكون ببلوغ الدليل بواحدٍ من الكتاب أو السنة، وإن لم يفهمه، إذا كان عاقلاً بالغاً، وأما قيام الحجة في المسائل الخفية؛ فلا بُدَّ مع بلوغ الدليل وبيانه من إزالة الشبهة.
2- وقوع من كتب في مسألة تكفير المعين بين إفراط وتفريط، فطائفة ترى أنه لا يكفر المعين، ولو استوفى شرائط التكفير، وخلا من موانعه، وطائفة كفرت المعين دون ضوابط أو شروط.
3- وجوب شرح وإيضاح نواقض الإسلام لعموم البلوى بها، ووقوع كثير من الناس فيها.
4-تميز شيخ الإسلام، وعلماء الدعوة فيها بضبط مسألة تكفير المعين، وأن مذهبهم بين غلاة المرجئة وغلاة الخوارج.
5- قيام الحجة، وبلوغ الدليل من القرآن والسنة شرط لتكفير المعين عند علماء الدعوة النجدية، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
6- تقوم الحجة ببلوغ الدليل من القرآن والسنة عند علماء الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية.
7-لا يشترط في قيام الحجة فهم الحجة، فقيامها نوع، وبلوغها نوع أخر عند علماء الدعوة النجدية.
8- عدم العذر بالشبهة والتأويل في مسألة الشرك الأكبر، خلاف المسائل الخفية، وبيان أقوال علماء الدعوة في ذلك، وردهم على من نسب إلى شيخ الإسلام العذر بالشبهة والتأويل في مسألة الشرك الأكبر.
9-بيان علماء الدعوة وإيضاحهم في مسألة قيام الحجة، وأنه لا يشترط فهم الحجة، والمعاندة، وردهم على المناوئين في نسبتهم أن شيخ الإسلام يشترط فهم الحجة، والمعاندة لتكفير المُعيّن.
10-تفريق شيخ الإسلام بين المسائل الظاهرة، والمسائل الخفية في مسألة تكفير المعين، وأن المُعين يكفر إذا وقع في الشرك في المسائل الظاهرة خلاف المسائل الخفية. وضبط شيخ الإسلام ابن تيمية للمسائل الظاهرة، بأنها المسائل المعلومة بالاضطرار من دين المسلمين للعامة والخاصة وأنها أظهر شعائر الإسلام ومثل لها رحمه الله بأمثلة، وأنه يكفر المعين إذا وقع في الشرك في المسائل الظاهرة إذا بلغته الحجة بخلاف المسائل الخفية فإنه لا يكفر حتى تزاح شبهاته.
. 11-موافقة علماء الدعوة لشيخ الإسلام ابن تيمية في تفريقه بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية في مسألة تكفير المعين، وإيضاح نصوص شيخ الإسلام ابن تيمية وأنها دالة على ذلك، وهم الشيوخ: الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، ومفتي الديار النجدية أبو بطين النجدي، علامة علماء نجد الشيخ سليمان سحمان النجدي، الشيخ عبد الرحمن بن حسن صاحب "فتح المجيد"، وابنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، الشيخ حمد بن عتيق من علماء الدعوة، والشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وأخوه الشيخ عبد الله، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتى السعودية، وقد سبقت نصوصهم كاملة.
12-التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية يختلف عن جنس تفريق أهل البدع بين أصول الدين وفروعه في مسائل التكفير؛ فقد تكون المسالة أصولية وتكون خفية لا يكفر فيها المعين، وقد تكون المسالة من مسائل الفروع وتكون ظاهرة يكفر فيها المعين.
13-قصد المعين المعنى المكفر شرطٌ في تكفيره في الألفاظ المشتبهة المحتملة للكفر، فمن نطق بلفظٍ لم يعرف معناه، ولم يُرد المعنى المكفر؛ فإنه لا يكفر إلا بعد معرفة مراده وقصده، وقد ذكر شيخ الإسلام صورا هذا النوع.
14-عدم اعتبار القصد بمعنى الاعتقاد والنية لتكفير المعين والرد على من اشترط ذلك.
15- إذا نطق المعين بلفظٍ صريح الدلالة على الكفر؛ فإنه يكفر، ولا يسأل عن قصده من هذا اللفظ الواضح الدلالة على كفره، وذلك يجري في المكفرات الظاهرة دون المكفرات الخفية.
16-الألفاظ المشتبهة المحتملة للكفر وعدمه، يحتاط في تكفير صاحبها، حتى يُعرف مقصده، وكذلك من قال قولاً لازمه الكفر، فإنه لا يكفر حتى يلتزمه.
17-أما ما يقع من الإنسان من سبق اللسان بكلام مكفر لشدة فرح أو دهش أو خوف فهذا لا يكفر لعدم قصده النطق بالكفر ولأنه سبق من لسانه، وهذا قول أكثر العلماء. ومن قال قولاً لازمه الكفر لا يكفر لأن لازم المذهب ليس بمذهب فإنه لا يكفر.
18-من قال قولاً لا يعرف معناه ولا دلالته لجهله معناه المكفر فإنه لا يكفر.
19-نصوص شيخ الإسلام إطلاق الكفر على القول دون قائله، والفعل دون فاعله، خاصَّةٌ بأهل الأهواء والبدع المتنازع في تكفيرهم، وليست في الشرك الأكبر، أو المسائل الظاهرة، بل هي في المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، مثل عبادة القبور، والاستعانة بها؛ لوضوح البرهان فيها، وقيام الحجة بالرسالة، وقد استقرأنا نصوص شيخ الإسلام في ذلك، وكذلك نصوص علماء الدعوة في فهمهم لنصوص شيخ الإسلام ابن تيمية، وهم الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب، وعالم الطائفة السلفية بنجد حمد بن ناصر بن معمر النجدي تلميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ سليمان بن سحمان النجدي، ومفـتي الديار النجدية والشيخ أبو بطين النجدي، ومن المعاصرين الشيخ محمد حامد الفقي من علماء أنصار السنة بمصر، ومؤسس الدعوة السلفية بها.
20-الاحتجاج بنصوص شيخ الإسلام في عدم تكفير المعين، وإطلاق الكفر على القول دون قائله، والفعل دون فاعله، في مسائل الشرك الأكبر شبهة قديمة أثيرت على علماء الدعوة من المناوئين لها، سواء في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب من بعض المناوئين لدعوته، او في عصر المجدد الثاني الشيخ عبد الرحمن بن حسن، او في عصر المشايخ سليمان بن سحمان، وإسحاق بن عبد الرحمن وقد رد هؤلاء مجمد الله على على هذه الشبهة وعلى من احتج بهذه الأقوال، وخصصوا كلام شيخ الإسلام بالمسائل الخفية، أو في المسائل الي وقع بها أهل البدع المتنازع في تكفيرهم بخلاف الشرك الظاهر.
21-نصوص شيخ الإسلام وعلماء الدعوة في اشتراط قيام الحجة لتكفير المعين لا تتناقض مع ما ذكرنا إذا فهم معنى قيام الحجة فهماً صحيحاً، وبيان حقيقة منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعلماء الدعوة في مسائل التكفير، وإعذار الجاهل، وتكفير المعين، وقد سبقت نصوصهم كاملة في فصل مستقل.
22- بيان الحالات التي يمتنع فيها تكفير المعين عند شيخ الإسلام وعلماء الدعوة، وهي كما يلي:
- حديث العهد بالإسلام «أي أسلم حديثاً» بخلاف من أسلم قديماً.
- من نشا ببادية بعيدة عن بلاد المسلمين، بخلاف من كان في بلاد المسلمين.
-من نشا في الأزمنة والأمكنة التي فترت فيها آثار النبوة (وكثر فيها الجهل) وليس عنده من يبلغه الحق والهدى، وقد استدل لهذه الصورة الأخيرة بحديث حذيفة (يدرس وشى الإسلام).
هذه هي الحالات التي لم يكفر فيها شيخ الإسلام المعين وإنما توقف في تكفيره لعدم بلوغه الحجة، وعدم تمكنه من العلم، وعجزه عن ذلك بخلاف من بلغته الحجة، أو تمكن من التعلم فإنه يكفر على التعيين. .
23-بيان منهج علماء الدعوة في وقوع المعين في الشرك جهلاً، واستقراء نصوصهم في ذلك، فالإمام محمد بن عبد الوهاب لا يُكفر بالعموم، ولا يقول بكفر جميع الأمة إلا أتباعه، ولم يقل إن الناس منذ ستمئة سنة ليسوا على شيء، كل هذا بهتان عظيم، وفرية كبيرة لصدِّ الناس عن دين الله عز وجل، وعن هذه الدعوة المباركة، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يُكفر أهل الإسلام، ولكن يُفكر من يتلبس بالشرك أو بالمكفرات المخرجة من الملة.
24- ذكر نماذج من أقوال أهل العلم من علماء الدعوة وشيخ الإسلام، وغيرهم في تكفيرهم لأناس بأعيانهم للرد على من قال يمتنع تكفير المعين، والرد على من زعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يكفر المعين، أو انه يطلق الكفر على القول دون قائله، او الفعل دون فاعله، وأن ذلك يجري في المسائل الظاهرة، والمسائل الخفية سواء بسواء، وبهذا تعلم غلط صاحب كتاب (العذر بالجهل) بعد نقله لنصوص شيخ الإسلام في عدم تكفير أهل الأهواء والبدع. وجميع العلماء في كتب الفقه يذكرون حكم المرتد، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة الشرك، فقالوا: من أشرك بالله كفر، ومن زعم ان له صاحبة او ولدا كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ويذكرون انواعاً مجمع على كفر صاحبها، ولم يفرقوا بين المعين وغيره.
25- تبرئة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من فرية التكفير بالعموم، أو تكفير جميع الأمة إلأ أتباعه، أو أنه أدخل في المكفرات ما ليس منها.
26- بيان حقيقة منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة تكفير المعين، وأنه يتفق مع منهج أهل السنة في هذه المسألة، وأن بلوغ الدليل من القرآن والسنة في المسائل الظاهرة يكفي لقطع المعذرة وإقامة الحجة، وإن لم يفهمه وهذا في المسائل الظاهرة.
27- عرض منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة كفر المعين، من خلال فهم تلاميذه وأحفاده من علماء الدعوة في هذه المسألة مع استقصاء نصوصهم، وأنهم لا يعذرون المقلد إذا قلد أهل الشرك في شركهم، ولا يعذرون المعين بالخطأ أو التأويل في مسائل الشرك الأكبر.
28- عرض نصوص اشتبهت على بعض الباحثين في بيان منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة تكفير المعين، وجواب علماء الدعوة عن هذه النصوص.
29- الرد على من فهم منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة تكفير المعين فهماً خاطئاً. وهي قضية أثيرت في عصر علماء الدعوة، وزعم بعض طلبة العلم أن الشيخ محمد لا يكفر المعين، أو أنه يعذر بالجهل مطلقاً، أو انه يطلق اسم الكفر على الفعل دون فاعله وقد رد عليهم علماء الدعوة برسائل مستقلة، ذكروا فيها الرد على من يقول إن منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب عدم تكفير المعين، أو عذره بالجهل مطلقاً في جميع المسائل والأحوال، أو انه يطلق اسم الكفر على الفعل دون فاعله، ومن هؤلاء العلماء: الشيخ عبد الرحمن بن حسن، ومفتي الديار النجدية أبو بطين النجدي، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ سليمان بن سحمان النجدي، والشيخ إسحاق بن عبد الرحمن النجدي علامة نجد، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة سابقاً.
27- بيان نواقض الإسلام عند علماء الدعوة، وأن هذه النواقض منقولة ممن سبقهم من أهل العلم، ولم ينفردوا بتقريرها.
28- ضبط مسألة المكفرات، وضبط الشرك الأكبر عند علماء الدعوة، والرد على المناوئين في هذه المسألة.
29- بيان الصور القولية والعملية التي اتنقض توحيد الألوهية عند علماء الدعوة .
30- تحرير الصور المكفرة في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله عند علماء الدعوة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلماء الأعلام.
31- تحرير الصور غير المكفرة في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله عند علماء الدعوة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم.
32-بيان ارتباط قضية تحكيم الشريعة بتوحيد الطاعة والاتباع وبمفهوم الشهادتين عند علماء الدعوة. والذي جعل المصنف يفرد هذه القضية بمبحث خاص أسباب منها:
١. سيطرة القوانين الوضعية على أغلب ديار المسلمين، وتحكيمها في جميع شؤون الحياة من اقتصاد وسياسة واجتماع، وحدود، وتعازير، بل في شؤون الأسرة والحياة الاجتماعية، وهذه السيطرة لم تتم بين عشية وضحاها، بل نمت بمكر، وتدبير منذ ضعف الدولة العثمانية، وإدخالها بعض الترتيبات الغربية في شؤون الدولة الإسلامية إلى أن سقطت الدولة العثمانية، وتم تنحية الشريعة عن بلاد المسلمين، وإحلال القوانين الوضعية محل القوانين الشرعية، وإلغاء القضاء الشرعي، وإبداله بالقضاء الوضعي، وفتح جامعات تدرس القوانين الوضعية والدساتير البشرية وتخرج دهاقنة القوانين ومنظريه، وليس المجال مجال تفصيل هذا.
٢. تشدق الكثير من العلمانيين في بلاد المسلمين بأن الشريعة لم تعد تلبي مقتضيات العصر، وأنه ينبغي أن ينحى عن الحكم والحياة، ولا بد أن تستبدل بقوانين أكثر مرونة تناسب روح العصر، وأنها لا تصلح الحياة في المجتمعات الإسلامية إلا بالتخلص من سلطة الدين كما فعلت أوروبا، حيث ثارت على سلطة رجال الكنيسة ورجال الدين، وطعن بعضهم في الأحكام الشرعية ووصفها بالجمود والرجعية والظلم، وعدم إنصافها للمرأة، بل تعدى الأمر إلى الطعن في أحكام الزواج والطلاق، وأحكام المواريث، ولا شك أن هذه ردة باتفاق أهل العلم.
٣. التباس هذه القضية الخطيرة في أذهان الكثيرين من كتب فيها، واحتدام الجدل. هل الحكم بغير ما أنزل الله وتنحية الشريعة عن شؤون الحياة من الأمور المكفرة، ام لا؟ قد تعدى البعض فوصف من يعتبر تحكيم القوانين الوضعية في شؤون الحياة من المكفرات بأنه من الخوارج، وزعموا أن تحكيم القوانين الوضعية في جميع صوره من الكفر الأصغر، وأن الحاكم بغير الشريعة لا يكفر ما لم يكن جاحداً أو مستحلاً، وقد رد أهل العلم بحمد الله على هذه الطائفة وبينوا بطلان أقاويلهم.
٤. بيان أن الحكم بما أنزل الله له ارتباط بتوحيد الألوهية، وأن هذه القضية لها ارتباط بتوحيد الطاعة والاتباع، فمن حكم الشريعة، فقد أطاع الله، ومن نحى الشريعة، فقد أشرك بالله، فالشرك في حكمه كالشرك في عبادته سواء بسواء.
٥. بيان الصورة المكفرة في هذه القضية، ومناط الكفر فيها، وهذا موضوع بحثنا، وبيان الصورة غير المكفرة للتفريق بين هذه وتلك، حتى لا يقع الالتباس.
٦. افردنا مبحثاً خاصاً لعلماء الدعوة النجدية المباركة، لأن بعض الناس توهم أن جل اهتمام علماء الدعوة كان في بيان شرك عباد القبور من الأولياء والصالحين، ولم يكن لهم اهتمام بهذه القضية الهامة، والحق أن علماء الدعوة كانوا على منهج مبارك متوازن عالجوا فيه هذه القضية وأوضحوا ارتباطها بالتوحيد، وارتباطها بالشرك، وذكروا أن من رؤوس الطواغيت الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله، وذكروا أن الطواغيت على نوعين، طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وعقدوا في كتبهم أبواب مستقلة وفتاوى ورسائل هامة في هذا الموضوع، وليس كما زعم بعضهم أن اهتمامهم انحصر في الإنكار على شرك الأموات، وأهملوا شرك الأحياء، فهذا من الافتراء عليهم، وقصر نظر من قال هذا في شأنهم
٧. من الأسباب الهامة، كثرة الدعاوى المعاصرة التي تنادي بـالتلفيق بين الإسلام وغيره من المناهج البشرية، والالتقاء معهم في منتصف الطريق، أو تحكيم الشريعة في أجزاء من شؤون الحياة، ورفض الجزء الآخر، والحق أن هذه دعاوي خطيرة، إذ أنها تفتح باباً من أبواب الشر كان مغلقاً، قال تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}، ولا شك أن التلبيس الذي يقع من البعض بدعوى الالتقاء بـين الديمقراطية والإسلام، وذكر بعضهم أن الديمقراطية روح الشورى في الإسلام، وأنه يمكن أن يحكم الإسلام في جزء منه دون الآخر، وهذه الدعوة هي من الخطورة بمكان، إذ أنها تلبيس على العامة من المسلمين في هذه القضية الخطيرة من أمر دينهم.
33. بيان الصور المكفرة في مسألة الموالاة والمعاداة عند علماء الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهي:
أ-الولاء المطلق لهم.
ب-المشابهة الكليّة للمشركين.
ج-تصحيح مذاهب الكفار، أو عدم تكفيرهم، أو الشك في كفرهم.
د- النصرة والمعاونة مع التحزب والمشاركة.
34-بيان الصور غير المكفرة في مسألة الموالاة والمعاداة عند علماء المسلمين، وهي:
المداهنة، والركون القليل إليهم، والإكرام والتبجيل - إكرام الكفار من أجل دنياهم مع عدم نية دعوته إلى الإسلام مع اعتقاد القلب ببطلان ما هم عليه من كفر وكراهة ذلك، وهذه إن كانت صورة غير مكفرة فـصاحبها آثم متعرض للعقوبة!
والدخول بهم على أمراء الإسلام، واستعمالهم في أمر من أمور المسلمين إمارة أو عمالة أو كتابة أو غير ذلك، ومجالستهم، ومزاورتهم، ومعونتهم في شيء من أمورهم، والدخول عليهم، مساعدتهم في أمورهم ولو بشيء يسير كبري القلم وتقريب الدواة ليكتبوا ظلمهم، وذكرهم بما فيه تعظيم كتسميتهم سادة أو حكماء أو علماء، كما يقال لطواغيتهم السيد فلان.
35-خطورة الفرق الباطنية على الإسلام والمسلمين.
36-عرض لعقائد فرقة الإسماعيلية، وتكفير شيخ الإسلام لهم.
37-عرض لعقائد فرقة الدروز، وتكفير شيخ الإسلام لهم.
38- عرض لعقائد فرقة النصيرية، وموقف شيخ الإسلام منهم، وتكفيره لهم.
39-عرض لعقائد فرقة القرامطة، وتكفير شيخ الإسلام لهم.