وقت صلاة المغرب
وقتٌ واحدٌ أم وقتـــــــان ؟
إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة
جعل الله سبحانه وتعالى للصلوات المفروضة أوقاتاً محدودة، لا بد أن تؤدى فيها، لقول الله عز وجل: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} (النساء: 103) أي فرضا مؤكداً ثابتاً ثبوت الكتاب.
واتفق الفقهاء على وجوب صلاة المغرب إذا غربت الشمس وتكامل غروبها، واختلفوا في جواز تأخيرها عن أول الوقت، على قولين:
1- ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة والظاهرية، إلى أن للمغرب وقتان: وقت فضيلة: إذا غابت الشمس وتوارت بالحجاب، ووقت جواز: يمتد إلى مغيب الشفق الأحمر، وهو قول الشَّافعيِّ في القديم، وروايةٌ عن مالك، وقول إسحاق، وأبي ثور، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيِّم.
2-وذهب المالكية وجمهور الشافعيَّة، وهو قول الشَّافعيُّ في الجديد؛ إلى أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد هو أول الوقت بقدر زمن وضوءٍ، وستر عورةٍ، وأذانٍ، وإقامة، وخمس ركعات، وهو قول الأوزاعيّ.
واستدلَّ المالكية والشَّافعيُّ في الجديد بأدلَّةٍ، منها:
1- ما رواه أحمد والترمذي والنسائي، في حديث "إمامة جبريل"، عن جابر بن عبد الله، قال: (ثم جاءه المغرب؛ فقال: قم فصلِّه) وهذا في اليوم الأول، (ثم جاءه المغرب وقتا واحدا لم يزل عنه) وهذا في اليوم التالي، ثم قال له في آخره: (ما بين هذين الوقتين وقت).
وهذا الحديث: أخرجه ابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، كلهم من طريق عبد الله بن المبارك، عن حسين بن علي بن حسين، عن وهب بن كيسان، عن جابر.
وقال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب، وقال: قال مُحمَّد (يعني البخاريّ): أصحُّ شيء في المواقيت حديث جابر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ مشهورٌ من حديث عبد الله بن المبارك، والشيخان لم يُخرجاه لقلَّة حديث الحسين بن علي الأصغر، ووافقه الذهبيُّ.
قالوا: فهذا جبريل صلى المغرب برسول الله صلى الله عليه وسلم في اليومين في وقت واحد حين غربت الشمس.
وأجاب الجمهور: بأن حديث إمامة جبريل: يدل على استحباب التعجيل بصلاة المغرب، وقد جاءت الأحاديث الأخرى تُصرح بامتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق، وهي متأخرة عن حديث جبريل.
2-واستدلوا بما رواه مسلم، عن سلمة بن الأكوع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب).
قالوا: وهذا الحديثُ يُشير إلى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلي المغرب في أول وقتها.
3- واستدلوا بما رواه أحمد وأبو داود، عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تزال أمتي بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم).
وهذا الحديث سكت عنه أبو داود، وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح" فيه محمد بن إسحاق، وهو صدوق، وقد صرَّح بالسماع، وقال النووي في "المجموع": حسن، وقال ابن حجر في "تخريج مشكاة المصابيح": إسناده حسن.
وصححه من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر، والإمام الألباني رحمة الله عليهما.
قالوا: في هذا الحديث ما يدلُّ على وجوب تعجيل المغرب، لأن تأخيرها يعني انتفاء الخيرية، وقد ترجم له ابن خزيمة بقوله: (باب التغليظ في تأخير صلاة المغرب). وقال في "عون المعبود": (على الفطرة) أي على السنة (إلى أن تشتبك النجوم) قال ابن الأثير أي تظهر جميعا ويختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها وهو كناية عن الظلام، والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم.
وأجاب الجمهور: بأن الحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم.
4-واستدلوا بما رواه أحمد والطبراني، عن السائب بن يزيد أن: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجوم).
قال الخطيب في "تاريخه": غريب. وقال محمد ابن عبد الهادي في "التنقيح": فيه عبد الله بن الأسود القرشي، قال أبو حاتم: شيخ. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رجاله ثقات. وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حسنٌ لغيره. وهو كما قال.
5- واستدلوا بما رواه الشافعي في الأم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمني جبريل عليه السلام، عند باب البيت مرتين… فصلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم) وفي المرة الثانية (صلَّى المغرب لوقته الأول.. ثم قال جبريل: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين).
وهذا الحديث رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وابن المنذر في "الأوسط"، وعبد الرزاق في "مصنفه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"، وابن الجارود في "مسنده"، وعبد بن حميد في "مسنده"، والطبراني في "الأوسط"، والدارقطني في "السنن"، والبيهقيُّ في "المعرفة"، وقال الترمذيُّ: حديث ابن عباس حسنٌ صحيح.
وقال الزيعليُّ في "نصب الراية": فيه عبد الرحمن بن الحارث تكلم فيه أحمد، وقال: متروك الحديث، ولينه النسائي وابن معين وأبو حاتم الرازي، ووثقه ابن سعد وابن حبان.
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": صححه أبو بكر بن العربي، وابن عبد البر. وصححه الإمام الألباني في "صحيح الترمذي".
قالوا: في هذا الحديث صلَّى جبريل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم المغرب في وقتٍ واحدٍ، وهو حينما غربت الشمس، وأفطر الصائم.
6-واستدلوا بما رواه البزار في "مسنده"، من طريق محمد بن عمار بن سعد، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنَّ جبريلَ عليْهِ السَّلامُ جاءَهُ فصلّى بِهِ الصَّلواتِ وقتينِ وقتينِ إلّا المغربَ... جاءني في المغربِ فصلّى بي ساعة غابتِ الشَّمسُ، لم يغيِّرْهُ عن وقتِهِ الأوَّلِ).
وقال البزار: لا نعلم روى عنه إلا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": فيه عمر بن عبد الرحمن بن أسيد بن عبد الرحمن: ذكره ابن أبي حاتم وإبراهيم بن نصر، لم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون.
وهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفاً إلا أن له شاهداً على شرط مُسلم كما ذكر ذلك ابن الملقن في "البدر المُنير"، وهو: ما رواه الحاكم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، بمعناه.
وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلم، ووافقه الذهبيُّ.
7-واستدلوا بما رواه الطبراني في "الكبير"، والبيهقيُّ في "الكبرى"، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو: (أتى جبريلُ عليهِ السَّلامُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتاهُ الوقتَ بالأمسِ حينَ غربتِ الشَّمسُ فقالَ: قُم فصلِّ فصلّى المغربَ ثلاثًا).
وقال البيهقيُّ: فيه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري، وإنما هو بلاغ بلغه. وقال ابن دقيق العيد في كتاب "الإمام": منقطع.
وأخرجه الدارقطني في "سننه": من حديث أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عروة بن الزبير، عن ابن أبي مسعود، عن أبيه إن شاء الله. بمعناه.
قالوا: وهنا ذكر جميع الصلوات في أول الوقت وفي آخره، إلا المغرب، فإنه أخبره عنها بوقتٍ واحدٍ، وهو حينما غربت الشمس.
8-واستدلوا بما رواه البيهقيُّ في "معرفة السنن"، عن عطاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم: (صلى المغرب في وقت واحد).
وهذا الحديث مرسل ضعيف، فإن عطاء لم يُدرك النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفيه رجلٌ مُبهمٌ.
9-واستدلوا بما رواه البيهقي في "معرفة السنن"، عن جابر قال: (كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نخرج نتناضل، حتى ندخل بيوت بني سلمة ننظر إلى مواقع النبل من الإسفار)، وفي روايةٍ له عنه: (ثم ننصرف فنأتي بني سلمة، فنبصر مواقع النبل).
وهذا الحديث ضعيف؛ قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في "تخريج شرح السنة": فيه إبراهيم بن محمد ضعيف جداً، وقال ابن حجر في "التقريب": متروك، وقال البخاري: جهمى تركه ابن المبارك والناس، وقال أحمد: قدرى معتزلي جهمى كل بلاء فيه، و قال يحيى القطان: كذاب.
10-واستدلوا بما رواه مسلم، عن رافع بن خديج؛ قال: (كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله)، وهذا مثل الذي قبله.
11- واستدلوا بما رواه مسلمٌ، عن سلمة بن الأكوع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب).
قالوا: وظاهر هذا الحديث أنه صلَّى المغرب لأول وقتها، وهذا يدلُّ على أن للمغرب وقتٌ واحد.
12- واستدلوا بما أحمد، والطيالسي، وابن أبي شيبة، عن زيد بن خالد الجهني قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم ننصرف فنأتي السوق، ولو رمي بنبل لأبصرت مواقعها).
ورواه البيهقي في "معرفة السنن"، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": فيه صالح مولى التوأمة وقد اختلط في آخر عمره، قال ابن معين سمع منه ابن أبي ذئب قبل الاختلاط، وهذا من رواية ابن أبي ذئب عنه.
وعليه فهذا الحديث صحيح، وقد صححه من المعاصرين شُعيب الأرناؤوط في "تخريج المسند".
13-واستدلوا بما رواه مالكٌ في "الموطأ"، من طريق نافع، عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى عماله: (أن صلوا المغرب، إذا غربت الشمس).
قالوا: ولم يُعين لهم وقتاً ثانياً.
وفي رواية له من طريق أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: (وصلِّ المغرب إذا غربت الشمس).
قالوا: وهذا الحديث موقوفٌ صورةً مرفوعٌ حكماً؛ لأن المواقيت لا تُدرك بالرأي.
وهذا مشهورٌ عن عمر بن الخطاب؛ فقد ذكر ابن المنذر في "الأوسط"، عن عمر بن الخطاب؛ قال: (صلوا هذه الصلاة والفجاج مسفرة يعني: المغرب)، أي: قبل ذهاب ضوء النهار.
وهذا يدلُّ على أنه صلاها لأول الوقت، وأن المغرب له وقتٌ واحد.
وأجاب الجمهور: بأنَّه أشار عليهم بوقت الفضيلة والاختيار، ولا يمنع ذلك من بقاء وقت المغرب إلى نهاية الشفق الذي هو وقت الجواز.
14-واستدلوا بما رواه مالكٌ في "الموطأ"، عن عبد الله بن رافع أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة. فقال أبو هريرة: أنا أخبرك...وفيه: (صلِّ المغرب، إذا غربت الشمس)، قالوا: ولم يُعيِّن وقتاً آخر.
وأجاب الجمهور أن أبا هريرة بيَّن للرجل وقت دخول صلاة المغرب.
15-واستدلوا بما رواه الحاكم والبيهقيُّ في معرفة السنن"، عن أبي عبيدة بن عبد الله، يقول: "كان ابن مسعود يصلي المغرب إذا غاب حاجب الشمس، ويحلف: والذي لا إله غيره إنه الوقت الذي قال الله عز وجل: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (الإسراء: 78)".
ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار" من طريق عبد الرحمن بن يزيد؛ فزاد فيه: " قال ابن مسعود: ودلوكها حين تغيب، وغسق الليل حين يظلم فالصلاة بينهما".
وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، بهذه السياقة، وقال الذهبيُّ: على شرط البخاري ومسلم.
16-واستدلوا بما رواه البيهقيُّ في "السنن"، عن ابن عباس: (لا تفوت صلاة حتى يدخل وقت الأخرى).
قال البوصيري في "إتحاف المهرة": إسناده موقوف، ورجاله ثقات.
واستدلَّ الجمهور بأحاديث كثيرةٍ، منها:
1- بما رواه مسلم في صحيحه، من طريق معاذ بن هشام، وشعبة، وهمام، وحجاج، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا صليتم المغرب فإنه وقتٌ إلى أن يسقط الشفق). وتعددت روايات مسلم لهذا الحديث:
فمن طريق شعبة: (ووقتُ صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق).
ومن طريق حجاج: (ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق).
ومن طريق همام: (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق).
والشفق: هو الحمرة المعترضة بعد مغيب الشمس.
قالوا: وهذا الحديث وما بعده مُصرِّحٌ بامتداد وقت المغرب إلى غياب الشفق؛ فدل ذلك على أن للمغرب وقتين (وقت اختيار)، و (وقت جواز).
2-واستدلوا بما رواه مسلمٌ، عن بُريدة بن الحُصيب الأسلمي، أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فسأله عن مواقيت الصلاة؛ فقال له: (اشهد معنا الصلاة)... وفيه: (ثم أمر بالمغرب حين وجبت الشمس) ثم أمره الغد، وفيه: (ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق)؛ فلما أصبح؛ قال: (أين السائل؟ ما بين ما رأيت وقت).
3-واستدلوا بما رواه البخاريُّ ومسلمٌ، عن أبي موسى الأشعري؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (أمر رجلاً فأقام المغرب حين وقعت الشمس)، ثم في اليوم التالي: (أخر حتى كان عند سقوط الشفق)، ثم قال: (الوقت ما بين هذين).
وفي روايةٍ لمسلمٍ: (فَصَلّى المَغْرِبَ قَبْلَ أنَّ يَغِيبَ الشَّفَقُ في اليَومِ الثّانِي).
4-واستدلوا بما رواه الترمذيُّ في "سننه"، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للصلاةِ أولًا وآخِرًا)… وفيه (وإنَّ أولَ وقتِ المَغرِبِ حينَ تَغرُبُ الشمسُ، وإنَّ آخِرَ وقتِها حينَ يَغيبُ الأُفُقُ).
وهذا الحديث أخرجه أحمد في "مسنده"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"، ابن المنذر في "الأوسط"، والدارقطني في "السنن"، والبيهقي في "الكبرى"، وابن حزم في "المحلى"؛ كلهم من طريق محمد بن فُضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
وقال الترمذيُّ: سمعتُ محمداً (يعني البخاري) يقول: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصحُّ من حديث محمد بن فُضيل عن الأعمش. وحديث محمد بن فُضيل أخطأ فيه محمد بن فُضيل.
وقد صحَّح هذا الحديث من المعاصرين الشيخ أحمد شاكر في تعليه على "المسند"، وبسط القول فيه، وكذا صححه الإمام الألباني في "الصحيحة"، وقال: إسناده على شرط الشيخين، وقد أعلوه بأن غير ابن فضيل من الثقات قد رووه عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً.
قال الألباني: وقد بسط القول في رد هذه العلة العلامة المحقق أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي.
5-واستدلوا بما رواه أحمد، وابن أبي شيبة، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا المغرب لفطر الصائم وبادروا طلوع النجوم). وصححه شُعيب الأرناؤوط في "تخريج المسند".
وهذا الحديث يدلُّ على بقاء صلاة المغرب إلى طلوع النجوم واشتباكها، وظهورها، وذلك قبل غياب الشفق الأحمر.
6-واستدلوا بما رواه البخاريُّ وأحمد وأبو داود، من طريق عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: (ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فيها بطولى الطولين).
والطوليان: الأعراف والأنعام، كما جاء عند أبي داود في "سننه" بإسنادٍ صحيح؛ قال: فقلتُ -يعني مروان -لعروة: وما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف.
والحديث يدل على استحباب التطويل في قراءة المغرب، وهذا يدلُّ على على امتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر.
وقد استدلَّ بهذا الحديث ابن المنذر في "الأوسط" على أن وقت المغرب ممدودٌ، ثم قال: وقال هذا القائل: كانت صلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُبيَّنةً، وحرفاً حرفاً، بترتيلٍ مع إتمام ركوعٍ وسجود؛ فهذا يدلُّ على أن وقت المغرب ليس كما زعم من قال وقته واحد.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": واستدلَّ به الخطابيُّ وغيره على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق.
7-واستدلوا بما رواه مسلم في "صحيحه"، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -في حديثٍ طويل: (أَما إنَّه ليسَ فِيَّ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّما التَّفْرِيطُ علَى مَن لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةَ الأُخْرَى)
والخلاصة:
أن الصحيح: هو ما ذهب إليه الجمهور أن للمغرب وقتين، الأول (وقت فضيلة) وهو أول الوقت، والثاني (وقت جواز) ويمتد إلى غياب الشفق، أي: وقت الحمرة -فإذا غابت الحمرة فقد خرج وقت المغرب. وقد أجابوا على الأحاديث المُصرحة بأن المغرب وقتٌ واحدٌ، بأجوبة، منها:
أحدهما: أن جبريل اقتصر على بيان وقت الاختيار، ولم يستوعب وقت الجواز، وهذا جارٍ في كل الصلوات سوى الظهر.
والثاني: أن الاقتصار على وقت الاختيار متقدم في أول الأمر بمكة، وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق، متأخرة في آخر الأمر بالمدينة، فوجب اعتمادها وقبول ذلك منه صلى الله عليه وسلم، كما يجب قبول سائر السُّنن.
والثالث: أن هذه الأحاديث التي فيها بيان الوقتين أكثر رواةً، وأصحُّ إسناداً من حديث بيان جبريل، فوجب تقديمها.
وقد صحح جمهور الأصحاب من الشافعية القول الجديد من أن للمغرب وقتاً واحداً، وصحح جماعةٌ من المحققين القديم، وهو أن لها وقتين، وممن صححه: أبو بكر بن خزيمة، وأبو سليمان الخطابي، وأبو بكر البيهقيّ، وأبو حامد الغزالي، ومحيي السُّنة البغوي، ونقله الروياني عن أبي ثور، والمزني، وابن المذر، وأبي عبد الله الزبير، قال: وهو المختار، وقال النوويُّ: هذا القول هو الصحيح أو الصواب الذي لا يجوز غيره؛ لأحاديث صحيحة، منها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث أبي موسى الأشعري.
المصادر والمراجع:
فقه السنة؛ لسيد سابق.
الموسوعة الفقهية الكويتية.
توضيح الأحكام من بلوغ المرام.
الفقه المُيسر.
الوجيز في فقه الكتاب والسنة العزيز.
الدين الخالص.
الدرر السنية.
معرفة السنن والآثار؛ للبيهقي.
مشكل الآثار للطحاوي.
المجموع شرح المُهذَّب.
الإقناع حل ألفاظ أبي شجاع.