كتاب شرح البسملة والحمدلة
للشيخ زكريا الأنصاري (ت ٩٢٦ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: لا شك أن السور القرآنية تمثل بيوت الهداية والبركة والشفاء، وإنما أبواب هذه البيوت هي البسملة، فمن دخل هذه البيوت من أبوابها كان في حرز الله وعصمته، وفي شآبيب حفظ الله وعنايته، ونال من بركة القرآن وثواب قراءته ما لا يناله غيره، لأن البسملة هي مفتاح قبول الأعمال، وحقيقتها إعلان الاستعانة بالله في كل قول وعمل، واستشعار لوجود الخالق بجانبنا، ولذلك كانت الباء في بدايتها للاستعانة والتبرُّك، وكان الابتداء باسم الجلالة زيادة في البركة والخير.
ويلاحظ القارئ في لفظ (اسم) في البسملة، أنه مفرد مضاف إلى لفظ الجلالة، وهذا يُفيد عموم أسماء الله الحُسنى، وكأنه يذكر جميع أسماء الله تعالى، بالإضافة إلى أن اسم الجلالة هو أعظم اسم من أسماء الله الحُسنى، وكأنه اسم خاصّ جاء بعد العموم ليشير إلى الأهميّة والشرف، وفي ملاحظة ذلك البركة واللطف والعناية الإلهية.
وقد استلطف بعض الصالحين من باء البسملة معانٍ لطيفة؛ فقالوا: عندما تذكر باء البسملة، تفهم أنها باء كل بداية لكل عمل صالح، وهي باء الجر لكل عمل سيء وعلامة على التخلص منه، وهي باء الحب الذي تسلسلت باقتفاء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذكر بعض المفسرين أن البسملة تسعة عشر حرفاً، وكل حرف منها يقي من زبانية جهنم التسعة عشر، فاسمه سبحانه يقي العبد من كل سوء وضرر بإذنه تعالى.
والبسملة في جملتها: تضرع إلى الله تعالى أن يحفظنا من غوائل النفس، ومكائد الشيطان، فهي مع الاستعاذة توأمان لا ينفكان، ولا تقتصر البسملة على قراءة القرآن الكريم، بل تسن البسملة في الكثير من العبادات، كالوضوء، والغُسل، والتيمّم، والذبح، وقراءة الحديث الشريف، وفي بداية مجالس الذِّكر، وكذلك تُسن في كثيرٍ من الأمور المباحة: كالأكل والشرب والجماع واللباس، ونحو ذلك.
وهذا الرسالة الصغيرة الحجم الجليلة القدر للشيخ زكريا الأنصاري، وضعها لبيان معاني البسملة والحمدلة على سبيل الإيجاز والاختصار، ولبيان ما يتعلق بالحمد من الشكر والمدح في اللغة والعرف، مع بيان النسبة بينها، وفوائد أخرى أصولية ولغوية جيدة، وقد اعتمد المحقق فيها على أربع نسخ خطية، وحققها في مقدمة وأربعة مطالب والنص المحقق.
ويقع شرح هذا الكتاب في أربعة محاور، وفي كل محور مسائل متنوعة متعلقة به، وتناول طائفة من المفاهيم الأصولية ذات الدلالة اللغوية، مع طائفة من الأصول العقدية، سيما في أصول الإيمان والتي بلغت شروطه خمسة وعشرين شرطاً. وبيانها فيما يلي:
المحور الأول: في الباء وفيه أربع مسائل:
الأولي: في متعلقها مع مدخولها.
والثانية: في معناها.
والثالثة: في حكمة كسرها.
والرابعة: في سبب تطويلها.
المحور الثاني: ففي لفظة (اسم) وفيه خمس مسائل:
الأولى: في معناه.
الثانية: في الابتداء به في البسملة.
الثالثة: في اشتقاقه.
الرابعة: في لغاته.
والخامسة: في حذف ألفه خطاً.
المحور الثالث: في لفظ الجلالة (الله)، وفيه أربع مسائل:
الأولى: في علميته ومسماه.
الثانية: في أصله.
الثالثة: في كونه عربياً أو معرباً.
الرابعة: في الخلاف في كونه الاسم الأعظم أو غيره.
المحور الرابع: في الرحمن الرحيم، ويتعلق بهما مسألتان:
الأولى: في لفظهما معنىً واشتقاقاً.
الثانية: في علة تقديم (الله) عليهما، وتقديم الرحمن على الرحيم.
المطلب الأول: حياته:
١- اسمه، وكنيته، ولقبه:
هو الإمام شيخ الإسلام قاضي القضاة محيي الدين زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا أبو يحيى السنيكي الشافعي الأنصاري المصري الأزهري.
٢- مولده:
ثمة اختلاف في تحديد سنة ولادة الشيخ زكريا الأنصاري: فذهب جمهور المؤرخين إلى أنه ولد سنة ست وعشرين وثمانمئة. وحكى الشيخ نجم الدين انه قرأ بخط والده بدر الدين أن الشيخ ولد سنة ثلاث وعشرين وثمانمئة، وذكره الزركلي أيضاً. وذكر ابن إياس انه ولد سنة أربع وعشرين وثمانمئة.
٣- نشأته:
نشأ الشيخ زكريا فقيراً معدماً يتيماً؛ فقد مات والده وهو ما يزال طفلاً، فعانى هو وامه مشاق الحياة ومرارة الجوع، فقد ذكر صاحب الكواكب السائرة: أن الشيخ ربيع بن الشيخ عبد الله: كان يوماً بمنطقة سنيكة مسقط رأس الشيخ زكريا، وإذا بامرأة تستجير به وتستغيث أن ولدها مات أبوه، وعامل البلد النصراني قبض عليه يريد أن يكتبه موضع أبيه في صيد الصقور، فخلصه الشيخ منه، وقال لها: إن أردت خلاصه، فافرغي عنه يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر وعليَّ كلفته فقبلت وأخذه، وكان عليه يومئذ ثوب خَلق مقور، فما زال يشتغل الشيخ زكريا حتى صار إلى ما صار إليه، حيث اصبح قاضي القضاة وكان إذا ورد عليه الشيخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجله في زمن صمدته ومنصبه، وكان يقضي حوائجهم، ويعترف بالفضل لهم.
وكانت بداية نشأته في مسقط راسه بسنيكة حيث حفظ فيهـا القـرآن عند بعض شيوخها، ثم تحول إلى القاهرة في سنة إحدى وأربعين فقطن الأزهر، وأكمل حفظ كتب كثيرة يطول المقام بذكرها في علوم مختلفة، وأقام بعد مجيئه القاهرة بها يسيراً ثم عاد إلى بلده ثم رجع فداوم الاشتغال وجد فيه.
وكانت حياة الأنصاري أيام الطلب شظفة مكدودة، إذ كان يجوع في الجامع ، فيخرج بالليل يلتقط قشور البطيخ فيغسلها ويأكلها ولما ظهر فضله تتابعت إليه الهدايا والعطايا، وأولاه السلطان قايتباي الجركسي قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد مراجعة وإلحاح، ولما ولي رأى من السلطان عدولاً عن الحق في بعض أعماله، فكتب إليه يزجره عن الظلم، فعزله السلطان، فعاد إلى اشتغاله بالعلم إلى أن توفي.
وقال السيوطي عنه: ((برع وتفنن، وسلك طريق التصوف، ولزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبل على نفع الناس أقراء وافتاء وتصنيفاً مع الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع، ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت وولي مشيخة الصلاحية وغيرها، وقضاء القضاة)).
٤ - وفاته:
كانت وفاته بعد أن عمر حتى جاوز المائة أو قاربها يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة ٩٢٦هـ وحزن الناس عليه كثيراً لمزيد محاسنه ورثاه جماعة من تلامذته.
المطلب الثاني: سيرته العلمية:
١- طلبه للعلم:
ترعرع الشيخ زكريا الأنصاري منذ طفولته على طلب العلم؛ فقد زاحم العلماء والشيوخ فقرأ عليهم وسمع منهم الكثير من العلوم الشرعية، حتى وصل الى ما وصل إليه وبلغ المكانة العلمية الرفيعة.
وكان قد اشتغل على طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة عن بني الدنيا، مع التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسعة الباطن، والاحتمال والمداراة ولا يكاد يفتر عن الطاعة ليلاً ونهاراً، إلى أن أذن له غير واحد من شيوخه في الإفتاء والاقراء.
وقد كتب له شيخه ونص كتابته في شهادته على بعض الآذنين له: "وأذنت له أن يقرىء القرآن على الوجه الذي تلقاه ويقرر الفقه على النمط الذي نص عليه الإمام وارتضاه"، وتصدى للتدريس في حياة غير واحد من شيوخه.
وتابع مع ذلك مسيرته العلمية حتى برع في سائر العلوم الشرعية وآلاتها تفسيراً، وحديثاً، وأصولاً، وفقهاً وعربيةً وأدباً، ومعقولاً، ومنقولاً.
٢- شيوخه:
أخذ الشيخ زكريا الأنصاري عن جماعة من كبار علماء المسلمين بمصر، وكان من أشهرهم: الشيخ الإمام عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الزركشي، والعلامة محمد بن علي القاياني، والشيخ أحمد الشافعي المعروف بابن المجدي، والقاضي عبد الرحيم المعروف بابن الفرات والإمام الرحلة رضوان العقبي، والشيخ الإمام أحمد بن علي الكناني، والعلامة محمد بن محمد العقيلي وغيرهم كثير حتى أوصلهم محقق (فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل) للقاضي زكريا الأنصاري الى تسعة واربعين شيخاً.
٣- تلاميذه:
لقد أسهم تبحره بالعلوم وطول عمره - لأنه كما أسلفنا جاوز مئة سنة –في كثرة تلاميذه حتى سافر إليه الطلبة من الشام والحجاز، واصبح طلبته مشايخ الإسلام في حياته، وسنقتصر على ذكر أشهر تلاميذه : وهم العلامة جمال الدين عبد الله الصافي، والشيخ الإمام نور الدين المحلي، والشيخ الإمام مجلي، والشيخ الفقيه عميرة البرلسي، والشيخ العلامة السيد كمال الدين بن حمزة الدمشقي، والشيخ بهاء الدين المصري، والشيخ العلامة مفتي البلاد الحلبية البدر بن السيوفي، والشيخ العلامة شهاب الدين الحمصي والشيخ العلامة بدر الدين العلائي الحنفي، والشيخ العلامة شمس الدين الشبلي، وغيرهم كثير.
٤- مؤلفاته:
ظل الإمام زكريا يشتغل بالفتيا والتدريس والتأليف إلى أن وافاه الأجل؛ حيث أسهم تبحره بشتى العلوم وكذلك طول عمره بكثرة تأليفه؛ إذ أن كتبه وصلت الافاق في شتى أنواع العلوم كالتفسير والقراءات والحديث والفقه وأصوله والعقيدة والمنطق والنحو والمواريث والتصوف والأذكار والهندسة.
وكانت مؤلفات في هذه العلوم بين حاشية على كتاب او شرح له او تأليف في موضوع ما، وقد ذكر نجم الدين: أن مؤلفاته كثيرة وصلت الى احدى واربعين كتاباً، الأمر الذي دفع الإمام الشوكاني الى القول بأن: له شروح ومختصرات في كل فن من الفنون. وقد جمعها محقق (فتح الجليل) من بين ثنايا الكتب حتى اوصلها الى خمسين مؤلفاً.
المطلب الثالث: منهجه ومصادره في مقدمته على البسملة:
١ - منهج الشيخ زكريا الأنصاري:
يرتكز منهج زكريا الأنصاري في شرحه للبسملة والحمدلة على ثلاثة محاور تفصيلاً، ومحورين إجمالاً، فقد ذكر المؤلف أن عمله هو ((الكلام على البسملة والحمدلة والشكر والمدح لغة وعُرفاً مع بيان النسبة بينهما، ومع ذكر فوائد)).
والمحور الأول: هو البسملة والحمدلة، ويتبعهما الحمد والشكر والنسبة بينهما.
والمحور الثاني هو الفوائد.
وقد أخذت هذه الفوائد شكلين أساسيين:
الشكل الأول فوائد أصولية تتعلق بدلالات الألفاظ.
والشكل الثاني فوائد عقدية تتعلق بالإلهيات والنبوات والسمعيات.
بينما المحور الأول: البسملة والحمدلة: أخذ كلام المؤلف عليهما ثلاثة جوانب: الاشتقاق والنحو والدلالة .
الاسم من السمو ... وفيه سبع (يعني مسائل):
١ - الاشتقاق: أورد المؤلف طائفة من الألفاظ مشيراً إلى اشتقاقها أو أصولها الاشتقاقية، فأشار إلى اشتقاق (الاسم) والخلاف فيه واللغات الجائزة أو الواردة فيه، وهو في ذلك يسوق الآراء ويوردها من غير ترجيح، فيقول في الاسم والاسم عند البصريين مشتق من السمو وهو العلو، وعند الكوفيين من الوسم، وهو العلامة لأنه علامة على مسماه لغات,
ثم لا تفوته الإشارة إلى شيء من الجوانب الإملائية في اللفظة؛ فيقول: وحذفت الألف خطاً كما حذفت لفظاً لكثرة الاستعمال؛ فإن قلت: فلم حذفت في "بسم" دون الله والرحمن والرحيم مع أنها في الجميع همزة وصل قلنا: خطآن لا يقاسان، خط المصحف وخط العروضيين، وطولت الباء لتدل على حذف الألف في بسم.
٢- النحو: ومن ذلك بحثه في (الرحمن الرحيم)؛ فهما صفتان عند جمهور، والرحمن علم عند فريق آخر من النحاة، وقد أورد الشيخ هذين الرأيين أو المذهبين قبل أن يقول: ((قلت: لا تمنع غلبة علميته اعتبار وصفيته الاصلية، فيجوز كونه نعتاً باعتبارها أما مجيئه غير تابع فلا يدل على عدم اعتبارها، لأن الموصوف إذا عُلِمَ جاز حذفه وإبقاء صفته كقوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر: ٣٠).
فالرحمن وصف في الأصل صار علماً بالغلبة التقديرية أو التحقيقية، فكأنه في ذلك يعلل مذهبي النحاة في المسألة، فهم بين ناظر إلى الأصل، وناظر إلى ما غلب على الاسم.
٣- الدلالة: تنقسم مباحث الدلالة في شرح البسملة والحمدلة إلى قسمين: دلالات الألفاظ -ودلالات التراكيب.
۱ - دلالات الألفاظ:
تناول الأنصاري مباحث الألفاظ في غير موضع، ومن ذلك أنه في صدر شرح الحمدلة وقف الأنصاري عند الحمد والمدح والشكر والثناء، فقال في الحمد: ((فالحمد أي: لغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم سواء كان مقابلة نعمة أم لا)). وقال في الشكر: (( والشكر لغة: هذا الحمد)).
أما العلاقات بين هذه الألفاظ، فقد وقف الأنصاري بأناة معها، فبين ما بينها من عموم وخصوص عام أو وجهي، وما بينها من تطابق أو تصادق وغيره، فقال في بيان النسب: ((فبين الستة والبقية نسبة إما تباين أو تساو أو عموم من وجـه او عموم مطلقاً، لأن المنتسبين أن لم يتصادقا فمتباينان، كالحمد اللغوي لا بالنظر لشرطه مع الشكر العرفي؛ لصدقه بالثناء باللسان فقط، والشكر إنما يصدق بذلك مع غيره وإن تصادقاً كلياً مـن الجانبين فمتساويان كالحمد العرفي مع الشكر اللغوي)).
ثم بين النسبة أو العلاقة من جانب المفهوم المطلق فقال: ((أو من جانب مفهوم مطلق، كالحمد اللغوي مع كل من المدحين لصدقه بالاختياري فقط، وصدقهما بالاختياري وغيره، أو مع الشكر العرفي بالنظر لشمول متعلقه الله تعالى ولغيره واختصاص متعلق الشكر به تعالى)).
ثم تناول العلاقة أو النسبة إن كان التصادق في الجملة فقال: ((وإن تصادقا في الجملة فعموم من وجه.. وانفراد اللغوي لصدقه بذلك في غيره، والعرفي لصدقه بغير اللسان على النعمة)).
٢ - الدلالة التركيبية:
وقف الأنصاري عند (البسملة والحمدلة)؛ فقال في البسملة: ((أما البسملة فالباء فيها للاستعانة أو للمصاحبة متعلقة بمحذوف اسم أو فعل مقدماً كل منهما أو مؤخراً كقولك ابتدائي أو ابتدئ، وبتقديره فعلاً محل الجار والمجرور نصب وبتقديره اسما محلهما رفع على المشهور من انه الخبر أو النصب على القول بأنه معمول الخبر المحذوف)).
وبتواشج دلالة الحرف مع دلالة التقدير تختلف الدلالة، فمع الأول يكون: ابتدائي، ومع الثاني تكون الدلالة: أن الابتداء مصاحب لاسم الله تعالى.
ويبدو والله أعلم أن لا مانع من ملاحظة المعنيين في دلالة التركيب، فيكون الابتداء مستعيناً به تعالى، ومصاحباً له إلى الفراغ من العمل المبسمل عليه؛ إذ لا يلزم من الابتداء به أن يصحبه إلى النهاية، فجاء الحرف محتملاً ليعطي التركيب الدلالتين توسعاً في التعبير، ويبقى أن في الباء قولاً يذهب إلى أنها زائدة، فيكون لفظ الاسم مبتدأ محذوف الخبر.
المحور الثاني الفوائد وقد أخذت هذه الفوائد شكلين أساسيين:
١ - قدم الأنصاري في هذا المحور طائفة من المفاهيم اللغوية التي أفاد منها الأصوليون في مباحثهم فقال مفتتح هذا المحور: ((وأما الفوائد، فهي أن التقسيم إظهار الشيء الواحد على وجوه مختلفة، والفرع ما يكون مندرجاً تحت أصل كلي والتنبيه ما تعرض له المذكور قبله بطريق الإجمال)).
وعرضه هنا لهذه المفاهيم اللغوية الأصولية ينحو فيه منحى أصحاب المتون من اكتناز العبارة واعتماد القيود في تحديد ماهية المفهوم دقيقةً، ومن ذلك قوله: ((والمنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وهو نص إن أفاد معنى لا يحتمل غيره كزيـد، وظاهر إن احتمل مرجوحاً كالأسد، والمنطوق على معنى المضمر المقصود دلالة اقتضاء))، ولا يعدو عرضه هذا ما أسلفنا ذكره في الإشارتين الماضيتين من توصيف لمنهجه في هذا المحور ذلك.
٢- يمثل هذا المحور طائفة من الأصول العقدية، وقد ساقها بوصفها شروطاً للإيمان، وقد انقسمت مرتبة بحسب أبواب العقيدة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام: الإلهيات، والنبوات، والسمعيات.
وعلى الرغم من أن عرضه مختصر هنا، فانه لم يخله في الجمهور من الاستدلال. فكانت في الإلهيات نقلياً وعقلياً، وفي النبوات والسمعيات نقلياً، وقد يأتي عقلياً أيضاً، ومن ذلك في الإلهيات قوله: ((وشرائطه [يريد الإيمان] خمسة وعشرون شرطاً:
أحدها أن تعتقد أن الله سبحانه وتعالى موجود لقوله تعالى لموسى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ( طه : ١٤)، ولأن المعدوم لا يصح منه فعل ولا إرادة ولا غيرهما)).
أما النبوات، فقد أورد فيها الإيمان بالأنبياء بعامة وبالنبي (ﷺ) بخاصة، فقال: ((سابع عشريها أن تؤمن بجميع الأنبياء لقوله تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: ٢٨٥) ... ثالث عشريها أن تؤمن بالنبي (ﷺ) أنه نبي صدق ورسول حق إلى الخلق أجمعين وأنه خاتم النبيين)).
أما السمعيات، فقد أورد الإيمان بالملائكة والكتب والجنة والنار والصراط والميزان والحوض والشفاعة فقال في الأيمان بالملائكة: ((خامس عشرها أن تؤمن بالملائكة لقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: ٢٨٥)). وقال في الإيمان بالجنة والنار: ((أن تؤمن بالجنة والنار، وإلا لما كان أمر ونهي)). والدليل هنا عقلي بحت كما لا يخفى.
ثم أنه ختم بثلاثة جوانب يتم ترتيبها عن منهجية واضحة في العرض والتأليف، وهي الإيمان بالنبي (ﷺ) والإيمان بالقرآن، والإيمان بما أجمعت عليه الأمة، فقال: ((ثالث عشريها أن تؤمن بالنبي (ﷺ) ... رابع عشريها، أن تؤمن بالقرآن وأنه معجز وأنه كلام الله غير مخلوق، وأن من جحد شيئاً كفر، ومن تبعه هدي ورشد. خامس عشريها: أن تؤمن بما اجتمعت عليه الأمة من التحليل والتحريم وغيرهما))؛ فهذه الأمور يسلم بعضها إلى بعض، فالإيمان بالنبي يسلم إلى الإيمان بالقران الكريم لأنه الكتاب الذي أنزل عليه، وهو يسلم أيضاً إلى الإيمان بما اجتمعت الأمة على حله أو حرامه، إذ لا تجمع الأمة إلا على ما توافرت الأدلة القطعية عليه، بحيث يؤدي إنكاره إلى نقض القران من جحد منه.
٢ - مصادر المؤلف:
أحال الأنصاري إلى مجموعة ليست بالكبيرة من العلماء، وإلى أقل منها في الكتب، أما نقوله عن العلماء فقد أخذ جانبيين، فهو: إما أن يصرح باسم العلم الذي أخذ عنه، وأما أن يحيل بلفظ (قيل) أو (قال بعضهم) وإذا كان له الرأي بالمسألة يقول (قلت).
أ- الاعلام:
الشافعي (المتوفى سنة ٢٠٤) والبلخي (المتوفى سنة ۳۱۹)، والبندنيجي (المتوفى سنة ٤٢٥)، وعبد الله بن عبدان (المتوفى سنة ٤٣٣)، والواحدي (المتوفى سنة ٤٦٨) والاعلم (المتوفى سنة ٤٧٦، والزمخشري (المتوفى سنة ٥٣٨) ، والإمام الرازي (المتوفى سنة ٦٠٦) وعز الدين بن عبد السلام (المتوفى سنة ٦٦٠)، وابن مالك (المتوفى سنة ٦٧٢)، والنووي (المتوفى سنة ٦٧٦)، وابن هشام الأنصاري (المتوفى سنة ٧٦١)، والتفتازاني (المتوفى سنة ۷۹۱)، والجمهور، والبصريين، والكوفيين.
ب- الكتب:
الكشاف، والفائق، وحاشية السعد، وشرح لب الأصول، وشرح البهجة، وهكذا تمضي المنهجية التي سار في ضوئها الأنصاري مطردة مستمرة متيحة للباحث الوقوف على ملامحها بيسر.
المطلب الرابع: التعريف بالمخطوط
نسبة الكتاب للمؤلف:
ثمة أدلة متعددة تؤكد صحة نسبة هذا المخطوط للشيخ زكريا الأنصاري، وهي:
١- صُرِحَ في الأسطر الأولى من نسخ المخطوط جميعاً التي اعتمدنا في التحقيق عليها باسم المؤلف فكتب: ((قال شيخنا ... زين الملة والدين أبو يحيى زكريا الأنصاري... فهذه مقدمة على سبيل الاختصار …)).
٢- أحال المؤلف في أثناء شرحه إلى كتبه الثابتة نسبتاً اليه، فقال في صدد حديثه عن الاسم والمسمى: ((وهي مسألة طويلة لا تحتملها هذه المقدمة . وقد لخصت الغرض منه مع زيادة في لب الأصول)). وقوله: ((وعليه يحمل كلامي في شرح البهجة، وغيره)).
٣- أن من بين من ترجم للمؤلف ذكر أن له كتاباً في شرح البسملة والحمدلة.
______________________________________
نص الكتاب المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل.
قال شيخنا ومولانا وقدوتنا الى الله تعالى، قاضي القضاة وشيخ مشايخ الاسلام، ملك العلماء الأعلام، وعمدة المحققين، زين الملة والدين، أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي -رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جنته برحمته، ونفعني والمسلمين ببركاته، في الدنيا والآخرة آمين آمين تغمده الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما تفضل به من نعمائه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم انبيائه وعلى آله وصحبه وأصفيائه. وبعد: فهذه مقدمة على سبيل الاختصار في الكلام على البسملة والحمدلة وعلى الحمد والشكر والمدح لغة وعرفاً، مع بيان النسبة بينهما، ومع ذكر فوائد.
أما البسملة:
- فالباء فيها للاستعانة أو للمصاحبة، متعلقة بمحذوف اسم أو فعل مقدماً كل منهما أو مؤخراً، كقولك: ابتدائي أو ابتدئ، وبتقديره فعلاً محل الجار والمجرور نصب، وبتقديره اسماً محلهما رفع على المشهور من أنه الخبر، أو نصب على القول بأنه معمول الخبر المحذوف.
ولا يرد عليهما لزوم حذف المصدر وإبقاء معموله مباشرة أو بواسطة، لأن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما.
وتقديره كمـا قـال الامام الرازي مؤخراً وفعلاً أولى كما في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥)، ولأنه تعالى مقدم ذاتاً، لأنه قديم واجب الوجود لذاته، مقدم ذكراً، وقال بعضهم: بل تقديره اسماً أولى، ونسبه الى البصريين، والاول للكوفيين. وكسرت الباء لتناسب عملها.
والاسم لغة: ما دل على مسمى، وعرفاً ما دل مفرداً على معنى في نفسه غير متعرض ببنيته لزمان والتسمية جعل اللفظ دالاً على ذلك المعنى.
واختلف هل الاسم عين المسمى أو غيره وهي مسألة طويلة، لا تحتملها هذه المقدمة، والمختار أنه غيره عند الاطلاق، وقد حررها السعد التفتازاني في حاشيته عند الكلام على قوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: ۳۱)، وقد لخصت الغرض منه مع زيادة في شرح لب الأصول.
وإنما لم يقل: بالله بدل: بسم الله؛ لأن كل حكم ورد على اسم فهو على مدلوله إلا بقرينة كـ(ضرب) فعل ماض، وذلك لأنه إذا قيـل: ذكرت اسم زيـد ، فليس معناه أنه ذكـر زيد لأنه مدلول اسم زيد، إذ مدلوله اللفظ الدال عليه وهو لفظ زيد، فكذا بسم الله ابتدئ، معناه: ابتدئ بمدلول اسم الله، وهو لفظ الله، فكأنه قال: بالله ابتدائي.
وإنما لم يأت به تحرزاً ايهام القسم، وتحصيلاً لنكتة الاجمال والتفصيل، واشعاراً بالتعميم، لكون التبرك والاستعانة بجميع اسمائه تعالى.
والاسم عند البصريين: مشتق من السمو وهو العلو، لأنه يدل على مسماه فيعليه ويظهره، وعند الكوفيين من الوسم، وهو العلامة، لأنه علامة على مسماه، واحتج كل منهما على مدعاه بما يطول ذكره.
وفيه سبع لغات: اسم بضمة الهمزة وكسرها، وسمّ بضم السين وكسرها، وسُما كهدى، وسِما كرضى، وسَمی کفتی، وقیل عشر اسم وسم وسما بتثليث أولها، وسما بالفتح، والمد، وحذفت الألف من بسم الله خطاً، كما حذفت لفظاً، لكثرة استعمالها، بخلاف: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} (العلق: ١)، وألحق بها {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (هود: ٤١)، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (النمل: ۳۰)، وإن لم يكتب في القرآن إلا مرة واحدة لشبههما لها صورة.
فإن قلت: فلم حذفت في بسم دون الله والرحمن الرحيم، مع انها في الجميع همزة وصل؟ قلنا: خطان لا يقاسان: خط المصحف، وخط العروضيين، وطولت الباء لتدل على حذف الألف
والله: علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، وأصله إله حذفت همزته، وعوض عنها حرف التعريف، ثم جعل علماً، وهو عربي عند الاكثرين، وزعم المعتزلة أنه مُعرَّب فقيل عبري، وقيل: سرياني.
قال البنـدنيجي: وأكثر أهل العلم على أن الاسم الاعظم هـو الله، واختار النووي تبعاً لجماعة أنه الحي القيوم قال: ولذلك لم يرد في القرآن إلا قليلاً وذلك في ثلاثة مواطن: البقرة وآل عمران وطه.
والرحمن الرحيم اسمان بنيا للمبالغة من (رحم) بتنزيله منزلة اللازم، أو بجعله لازماً، ونقله الى (فَعُل) بالضم. والرحمة رقة القلب تقتضي التفضل فالتفضل غايتها، وأسماء الله تعالى المأخوذة من ذلك إنما تؤخذ باعتبار الغاية دون المبدأ، نحو: وقدم الله على الرحمن الرحيم لأنه اسم ذات، وهما اسما صفات والذات مقدمة على الصفة، وقدم الرحمن على الرحيم، لأنه خاص؛ إذ لا يقال لغير الله، بخلاف الرحيم، والخاص مقدم على العام، لأنه أبلغ من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى غالباً، كما في قطع وقطع.
فإن قلت: تقديم الرحمن على الرحيم مخالف للعادة من تقديم غير الأبلغ، ليترقي منه إلى الأبلغ، كقولهم: عالم تحرير، وجواد فياض.
قلت: قيل: إن الرحيم أبلغ وقيل معناهما واحد فلا أبلغية لأحدهما، لكن قائلهما خص كلاً منهما بشيء، فقيل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، وقيل: عکسه، وقيل: الرحمن أمدح، والرحيم ألطف، وقيل: إنما خولفت العادة لأنه أريد أن يردف الرحمن الذي يتناول جلائل النعم وأصولها بالرحيم ليكون كالتتمة والرديف، لتناوله ما دق منها ولطف، واختاره الزمخشري!
وهذا كله بني على أن الرحمن صفة، وهو كذلك في الأصل لكنه صار علماً بالغلبة، فقد قال ابن هشام: ألحق قول الأعلم وابن مالك انه ليس بصفة بل علم، قال: وبهذا لا يتجه السؤال. قال: وينبني على علميته أنه في البسملة ونحوها بدل لا نعت، وأن الرحيم بعـده نـعـت لـه لا نعت لاسم الله تعالى؛ إذ لا يتقدم البدل على النعت.
قال: ((ومما يوضح أنه غير صفة مجيئه كثيراً غير تابع نحو: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (الإسراء:۱۱۰)، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان: ٦٠)). قلت: لا تمنع غلبة علميته اعتبار وصفيته الاصلية، فيجوز كونه نعتاً باعتبارها.
وأما مجيئه غير تابع فلا يدل على عدم اعتبارها، لأن الموصوف إذا عُلِـم جـاز حذفه وإبقاء صفته؛ كقوله تعالی {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: ٢٨) أي: نوع مختلف الوانه.
والاسم مجرور بالباء والله بالمضاف لا بالإضافة ولا بالحرف المنـوي علـى الصحيح، وكذا الرحمن الرحيم. والوقف على الله قبيح للفصل بين التابع والمتبوع، وعلى الرحمن كذلك، وقيل: كافٍ وهو الراجح وعلى الرحيم تام.
وأما الحمدلة: فالحمد، أي اللفظي لغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا.
فدخل في الثناء الحمد وغيره، وخرج باللسان الثناء بغيره، كالحمد النفسي، وبالجميل الثناء باللسان على غير الجميل، إن قلنا برأي الشيخ عز الدين بن عبد السلام أن الثناء حقيقة في الخير والشر، وإن قلنا برأي الجمهور أنه حقيقة في الخير فقط، ففائدة ذكر ذلك تحقيق الماهية، أو دفع توهم ارادة الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يجوزه كالشافعي رضى الله عنه.
وبالاختياري المدح، فإنه يعم الاختياري وغيره، تقول: مدحت اللؤلؤة على حسنها، ومدحت زيداً على رشاقة قده، دون حمدتهما، ومن قال أنه مرادف للحمد، زعم أن الاول من هذين مولد، والثاني منهما خطأ أو مؤول، بأنه يدل على فعل اختياري، وعليـه فقـيـد الاختياري بيان للماهية لا للاحتراز.
وعلى جهة التعظيم مخرج لما كان على جهة الاستهزاء والسخرية، نحو: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (الدخان: ٤٩)، ومتناول للظاهر الثناء على الجميل عن مطابقة الاعتقاد، أو خالفه أفعال الجوارح لم يكن حمداً، بل تهكماً أو تمليحاً وهو لا يقتضي دخول الجوارح والجنان في التعريف، لأنهما اعتبرا فيه شرطاً لا شطراً.
واعترض على التعريف بأنه يلزم على تقييده بالاختياري أن لا يكون وصفه تعالى بصفاته الذاتية حمداً له، وليس كذلك. وأجيب بأنه يتناولها تبعاً، وبأنها مختارة له، لا بمعنی ايجاده لها، بل بمعنى أن ذاته اقتضت وجوده على ما هي عليه، فنزلت منزلة افعال اختيارية، بأنها مبدأ أفعال اختيارية، فالحمد عليها باعتبار تلك الأفعال الاختيارية، فالمحمود عليه اختياري في المآل.
والحمد عرفاً فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد وغيره، سواء أكان باللسان أم بالجنان أم بالأركان.
والشكر لغة: هو هذا الحمد، وعرفاً: صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه من السمع وغيره إلى ما خلق لأجله.
والمدح لغة: الثناء باللسان على الجميل مطلقاً على جهة التعظيم، وعرفاً ما يدل على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل، فبين كل من الستة والبقية نسبة، إما تباين، أو تساو أو عموم من وجه، أو عموم مطلقاً، لأن المنتسبين إن لم يتصـادقا فمتباينان، كالحمد اللغوي، لا بالنظر لشرطه مع الشكر العرفي؛ لصدقه بالثناء باللسان فقط، والشكر إنما يصدق بذلك مع غيره. وإن تصادقا كلياً من الجانبين فمتساويان، كالحمد العرفي مع الشكر اللغوي لما مر، وعكسه بالنظر لشرط الحمد.
أو من جانب مفهوم مطلق، كالحمد اللغوي مع كل من المدحين لصدقه بالاختياري فقط، وصدقهما بالاختياري وغيره، أو مع الشكر العرفي بالنظر لشمول متعلقه الله تعالى ولغيره، واختصاص متعلق الشكر به تعالى، وعليه يحمل كلامي في شرح البهجة وغيره.
وكالشكر اللغوي مع الشكر العرفي لصدقه بالنعمة فقط وصدق العرفي بها وبغيرها، أو مع المدح اللغوي، لصدقه بالثناء باللسان وغيره، وصدق المـدح المذكور بالأول باللسان فقط.
وإن تصادقا في الجملة فعموم من وجه كالحمد اللغوي مع العرفي، لصدقهما بالثناء باللسان في مقابلة نعمة، وانفراد اللغوي لصدقه بذلك في غيره، والعرفي لصدقه بغير اللسان على النعمة، فمورده أعم، ومتعلقه أخص، واللغوي عكسه، أو مع الشكر اللغوي كذلك.
وكالحمد العرفي والشكر اللغوي مع المدح اللغوي لاجتماعهمـا معـه فـي الثناء باللسان على النعمة، وانفرادهما عنه بصدقهما بغير اللسان، وانفراده عنهما بصدقه بغير النعمة، فمورده أخص، ومتعلقه أعم، وهما بالعكس.
وقيل: الحمد والشكر لغة لفظان مترادفان، وقيل: الحمد مختص بالقول، والشكر مختص بالفعل، قال الزمخشري في الكشاف: إن الحمد والمدح أخوان، قال السعد التفتازاني: من الشائع في كتبه أنه يريد بكون اللفظين اخوين أن يكون بينهما اشتقاق كبير بأن يشتركا في الحروف الأصول من غير ترتيب كالحمد والمدح، أو أكبربأن يشتركا في أكثر الحروف فقط، كالفلق والفلج والفلذ مع اتحاد في المعنى، أو تناسب فمجرد كون المدح والحمد لا يدل على ترادفهما، لكن سوق كلامه هنا وصريح كلامه في الفائق يدلان عليه.
ثم لا يخفى من أن كلاً من مفاهيم الثلاثة لا بد له من خمسة أمور: (وصف، وواصف، وموصوف، وموصوف عليه، وموصوف به) فالوصف في مفهوم الحمد مثلاً الحمد، والواصف الحامد، والموصوف المحمود، والموصوف عليه المحمود عليه، والموصوف بـه المحمود به.
ووجه تغاير الاخيرين أن الواصف كثيراً ما يلاحظ في موصوف صفة من صفاته، ثم يصفه بسبب ملاحظة هذه الصفة بما فيه من سائر صفاته، وقد يتغايران اعتباراً فقط؛ كأن حمده على شجاعته بها، فإن فيها حيثيتين: كونها موصوفاً عليها، وكونها موصوفاً بها. فهي باعتبار الاولى محموداً عليها، وباعتبار الثانية محموداً بها. وتحقيقه أن المحمود بهما يقع به الحمد.
وجملة (الحمد لله) خبرية لفظاً، انشائية معنى الحصول الحمـد بالتكلم بها مع الإذعان لمدلولها، ويجوز أن تكون موضوعة شرعاً للإنشاء.
والحمد مختص بالله كما أفادته الجملة، سواء أجعلت لام التعريف فيه للاستغراق كمـا عليـه الجمهور وهو ظاهر، أم للجنس كما عليه الزمخشري؛ لأن لام الله للاختصاص، فلا فرد فيه لغيره، أم للعهد كالتي في قوله تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة: ٤٠)، كما نقله الشيخ عز الدين ابن عبد السلام، وأجازه الواحدي علی معنی أن الحمد الذي حمد الله به نفسه وحمده به انبياؤه وأولياؤه مختص به، والعبرة بحمد من ذكر، فلا فرد منه لغيره.
وأولى الثلاثة الجنس، وكما يقال: للام التعريف إنها للجنس، يقال إنها للحقيقة وللطبيعة وللماهية المطلقة. ومحل بسط كونها للاستغراق وللجنس وللعهد المطولات.
واعلم أن ضد الحمد الذم والشكر الكفران والمدح الهجو، والثناء النثا بتقديم النون على الثاني المشهور. يقال: أثنى عليه إذا ذكره بخير وانثى عليه إذا ذكره بسوء.
وقدمت البسملة على الحمدلة عملاً بالكتاب والإجماع.
وأما الفوائد فهي أن: التقسيم: إظهار الشيء الواحد على وجوه مختلفة.
والفرع: ما يكون مندرجاً تحت أصل كلي.
والتنبيه: ما تعرَّض له المذكور قبله بطريق الاجمال.
والمنطوق: ما دل عليه اللفظ في محل النطق.
وهو نص إن أفاد معنى لا يحتمل غيره كزيد.
وظاهر أن احتمل مرجوحاً كالأسد.
والمنطوق إن توقف فيه الصدق أو الصحة على إضمارك فدلالة اللفظ الدال على المنطوق على معنى المضمر المقصود دلالة اقتضاء؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).
وإن لم يتوقف على إضمار، فإن دل اللفظ على ما لم يقصد به فدلالته على ذلك الذي لم يقصد دلالة إشارة.
وإن دل على ما قصد به فدلالته على ذلك الذي قصد به دلالة ايماء.
والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق.
فإن وافق حكمه المنطوق فموافقة وإلا فمخالفة.
والعام لفظ يستغرق الصالح لـه بـلا حصر، والخاص بخلافه.
فمنه -يعني العام -العلم كزيد، والنكرة في سياق الإثبات كرجل وعشرة.
والمطلق كإنسان وضرب، والمشترك كعين، والمعرف العهدي.
والمشترك: اللفظ الواحد المتعدد المعنى الحقيقي.
والمترادف: اللفظ المتعدد المتحد المعنى.
والحقيقة: لفظ مستعمل فيما وضع له ابتداءً.
والمجاز: لفظ مستعمل فيما وضع له ثانياً لعلاقة.
والظاهر: ما دل دلالة ظنية.
والمؤول: لفظ محمول على محتمل مرجوح.
والتأويل حمل ظاهر على محتمل مرجوح.
والنص: ما دل دلالة قطعية؛ كأسماء العدد، وقد يطلق النص على ما يشمل الظاهر كالوحي المفهوم المعنى من كتاب أو سنة، والمفسر ما اتضحت دلالته، ويسمى المبين، سواء أورد عليه البيان أم استغني عنه ومنه المتشابه.
والمحكم: المتضح المعنى، وهو قريب مما قبله.
والمجمل: ما لم تتضح دلالته.
والصريح: ما وضع اللفظ له، وأولى منه قول الحنفية: ما ظهر المراد منه ظهوراً تاماً بالاستعمال.
والكناية: ما لزم عما وضع اللفظ له، قيل وأولى منه: إفادة الملزوم بذكر لازمه كما يعلم من علم البيان وغيره.
والإيمان لغةً: التصديق، وشرعاً التصديق بما جاء من عند الله، وقيل هو: التصديق بذلك والاقرار به، وعلى الاول الإقرار شرط لإجراء أحكام الدنيا، وعلى الثاني جماعة منهم العلامة أبو الفضل عبد الله بن عبدان.
قال: وشرائطه خمسة وعشرون شرطاً:
أحدهما: أن تعتقد ان الله سبحانه وتعالى موجود؛ لقوله تعالى لموسى عليه الصلاة السلام: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه: ١٤)، ولأن المعدوم لا يصح منه فعل ولا ارادة ولا غيرهما.
ثانيها: أن تعتقد أن الله واحد لا شريك له لقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الأنبياء: ۲۲)، ولأنه لو كان معه غيره لما استقام الخلق والامر له؛ إذ قد يريد أحدهما إيجاد شيء، والآخر نفيه، فلا بد أن يكون أحدهما مقهوراً والمقهور لا يكون خالقاً ولا غالباً، فلا يكون إلهاً.
ثالثها: أن تعتقد انه تعالى لا يشبهه غيره، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: ١١)، ولأن المتماثلين يجري على أحدهما ما يجري على الآخر، فلو شابه غيره، وجرى على غيره الحدوث وصفات النقص لجرى عليه ذلك أيضاً فلا يكون إلهاً.
رابعها: أن تعتقد أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض لأن هذه الأمور يجري عليها الحدوث وصفات النقص، والله بخلاف ذلك.
خامسها: أن تعتقد أنه قديم لا أول له، ولا آخر له؛ لأنه تعالى خلق العالم، ولأنه تعالى لو لم يكن قديماً لكان حادثاً وهو باطل كما مر.
سادسها: أن تعتقد أنه حي لقوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (آل عمران: ٢)، ولأنه لا يجوز وجود شيء من الأمور الموجودة من غير حي
سابعها: أن تعتقد أنه عالم، لقوله تعالى{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (النساء: ١٦٦) ولقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (التغابن: ۱۸)، ولأن الأفعال المشاهدة لا تحصل من جاهل مع أن الجهل نقص.
ثامنها: أن تعتقد أنه قادر، لقوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (آل عمران: ١٦٥)، ولأن عدم القدرة نقص.
تاسعها: أن تعتقد أنه مُريد، لقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (البروج: ١٦) يفعل ما يريد، ويفعل ما يشاء، ولأن عدم الإرادة نقص.
عاشرها: أن تعتقد أنه متكلم، لقوله تعالى: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} (الفتح: ١٥)، ولقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء: ١٦٤)، ولأن عدم الكلام نقص.
حادي عشرها: أن تعتقد أنه بصير، لقوله تعالی: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } (غافر : ٤٤)، ولقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة: ۱۱۰)، ولأن عدم البصر نقص.
ثاني عشرها: أن تعتقد انه سميع لقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (المجادلة: ١) الآية، لأن عدم السمع نقص.
ثالث عشرها: أن تعتقد أنه لا يجري في العالم أمر إلا بإرادته وحكمه، لقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام: ٥٩)، الآية، ولأنه لو جـرى فـي العـالـم أمـر بغيـر إرادته لكان ذلك مقهوراً مجبراً.
رابع عشرها: أن تعتقد أنه مثيب لعباده الصالحين، ومعاقب للمذنبين، لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } (الزلزلة : ٧، ٨) الآية (٢٤٨) ولأن الثواب والعقاب لو لم يثبتا لفعل من شاء ما شاء ولبطل الامر والنهي والعبادة.
خامس عشرها: أن تؤمن بالملائكة، لقوله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: ٢٨٥).
سادس عشرها: أن تؤمن بجميع كتب الله التي أنزلها على الأنبياء للآية السابقة فيه.
سابع عشرها: أن تؤمن بجميع الأنبياء، لقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} (البقرة: ٢٨٥).
ثامن عشرها: أن تؤمن بالبعث والنشور، لقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (البقرة: ٧٣ }، ولقوله: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} (التغابن: ۹)، وقوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: ١٥)، ولأنه لو لم يكن بعث ولا نشور لما كان أمر ولا نهي، ولفعل من شاء ما شاء.
تاسع عشرها: أن تؤمن بالجنة والنار، وإلا لما كان أمر ونهي.
عشروها: أن تؤمن بالصراط، لقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} (الصافات: ٢٣).
حادي عشريها: أن تؤمن بالميزان القسط، لقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأنبياء: ٤٧).
ثاني عشريها: أن تؤمن بالحوض والشفاعة، لقوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} (الکوثر: ١)، فسره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (هو حوض آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً).
ثالث عشريها: أن تؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أنه نبي صدق، ورسول حق الى الخلق أجمعين، وأنه خاتم النبيين.
رابع عشريها: أن تؤمن بالقرآن، وأنه معجز، وأنـه كلام الله غيـر مخلوق، وأن من جحد منه شيئاً كفر ، ومن اتبعه هدي ورشد.
خامس عشريها: أن تؤمن بما اجتمعت الأمة عليه من التحليل والتحريم وغيرهما انتهى.
ومراده بالشرط ما لا بد منه، وإلا فبعضها ما هو ركن لا شرط كما لا يخفى والله سبحانه وتعالى أعلم.
تمت المقدمة بحمد الله وبعونه، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
الرابع من شهر جماد الأول سنة ١٢٣٧
بيد الحقير إلى ربه الصمد إبراهيم بن أحمد، لأخيه وحبيبه في الله الشيخ عبد الرحمن في بلد الله الحرام مكة شرفها الله على الدوام، غفر الله للجميع بمنه وكرمه آمين.