أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 يوليو 2023

التقريرات السديدة في المسائل المفيدة حسن بن أحمد بن محمد الكاف بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

التقريرات السديدة في المسائل المفيدة

حسن بن أحمد بن محمد الكاف

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد: هذا الكتاب الفقهي النفيس، هو تلخيص لأهم المسائل الفقهية على مذهب السادة الشافعية، والمتعلقة بربع العبادات، جمعها الأستاذ الشيخ حسن الكاف، وبينها بأسلوب مبسط ومفيد، وامتاز الكتاب بالتجويد، ومواكبة العصر، والترتيب العددي للمسائل، وابتكار الجداول، وربط المقاييس والموازين القديمة بما انتشر من الأوزان الحديثة في معظم العالم الإسلامي وجارى في وضعه نظم ابن رسلان المُسمّى (صفوة الزُّبد)، حتى قيل: إنه يُعد من شروحاته، لأنه يذكر مسائل كل باب ثم يختمها بأبيات من الزُّبد، لتلخص ما قدّمه من المسائل. 

وقد استفاد الشيخ حسن مادته من خزانة الفقه الشافعي، بالإضافة إلى دروس شيخه زين بن إبراهيم سميط، وقد وضع كذلك مقدمات هامة في الفقه عموماً، وفي الفقه الشافعي خصوصاً، فذكر مؤسس المذهب، وأئمة المذهب، وموجز في تاريخ المذهب، وأهم كتب المذهب، ومزايا المذهب، ومبادئ علم الفقه، وأقسام الأحكام الشرعية.

وبعد أن انتهى منه قرأ أجزاء منه على بعض العلماء الأفاضل، فلاقى استحساناً كبيراً، وقرظه جماعة من علماء الشافعية، منهم: الشيخ سالم الشاطري، والشيخ عمر الجيلاني، والشيخ حسين السقاف، والدكتور عبد الحق الهواس.

يقول أحمد حمادي الهوّاس، مادحاً المؤلف وكتابه:

نعم الكتاب ونعم الجهد يا حسنُ .. فيه الخصال وفيه الحُسن والسُنن

أثلجتَ صدري بعلمٍ أنتَ تحمله .. من دوحة البيت هذا الأصل والفننً

مقدمة في الحث على التعلم والفقه في الدين

بقلم الحبيب العلامة زين بن إبراهيم بن سميط حفظه الله 

الحمد لله الفتاح العليم، الذي أرشد من اصطفاه من عباده للتعلم والتعليم، وجعلَ العلم سببَ النجاة والفوز بالزُلفى عند المَلِكِ العظيم، والصلاة والسلام على من أرسله الله هادياً إلى الصراط المستقيم، وعلى آله وصحبه الفائزين من صحبتِهِ واتَّبَاعِهِ بالخلودِ في دار البقاء والنعيم، ومَن خالفه واتَّبَعَ هواه وآثَرَ دنياه على أخراه صارَ مُهاناً بالخِزْيِ في عذاب الجحيم، وكان مذموماً مدحُوراً مع أتباع الشيطان الرجيم، ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةُ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ﴾ (سورة النور : ٦٣)، أما بعد: 

فاعلم أن الله تبارك وتعالى إنما خلَقَ الخَلْق ليعرفُوه ويعبدوه، ومفتاح المعرفة والعبادة هو العلم، ولا يكون العلم إلا بالتعلّم، قال الشاعر: 

تعلَّم فليسَ المَرْءُ يُولَدُ عالماً .. وليس أخو علم كمَنْ هو جاهل 

وإِنْ كبيرَ القَومِ لا عِلْمَ عِندَهُ .. صغير إذا التفت عليه المحافل 

وما كان الناس قبل الإسلام إلا جُهَالاً يعبُدونَ الأصنام، ويأكلون الحرام ويقطعون الأرحام، ويرتكبون الفواحش العِظام فبعث الله إليهم الرُّسل مبشرين ومنذرين بالشرائع، فبلغوا الناس وأرشدوهم، وخَلَفَهم على ذلك العلماء العاملون، والدعاة الناصِحُون، فهم خلفاء الرسل ونوابهم، فلم يزل الدين بواسطتهم مُتَنَقِّلاً في الأمة المحمدية حتى وصل إلينا. 

ثم إن ديننا الإسلامي قائم على أساس العلم والمعرفة، فلا ينبغي للمسلم أن يبقى بعيداً عن نور العلم، بل لا بد أن يقتبس من ميزان النبوة، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فالعلم حياة القلوب من العمى ومصباح البصائرِ مِن الظُّلم.

وقد حث الدين الإسلامي على تعلم العلوم كلها ولا سيّما علم الفقه الذي كلها ولا سيّما علم الفقه الذي هو لب الكتاب والسُّنَّة، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾، وفي الحديث: «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وفيه: «مَن يُرِدِ الله به خيراً يفقهه في الدِّين».

وقال بعضُهم: 

تفقه فإنّ الفقة أفضل قائدِ .. من الفقه واسبح في بحور الفوائد 

وكن مستفيداً كــل يــوم زيادة .. إلى البر والتقوى وأعدَلُ قاصد 

هو العَلَمُ الهادي إلى سَنَنِ الهُدى .. هو الحِصْنُ يُنْجِي مِن جميع الشَّدائِد 

وإنَّ فَقِيهــا واحـــداً متــــورعــــاً .. أشد على الشيطان من ألف عابد

واعلم أنَّ التفقُه في الدِّينَ أهم من كثرة الأوراد والأذكار، فعِلمُ الفقه يكون فرضاً عينياً فيما تتوقف عليه صحّةُ العبادة والمعاملة والمناكحة، وفرضاً كفائياً فيما زاد على ذلك إلى بلوغ درجة الفتوى، ومندوباً فيما زاد على ذلك والتبحر فيه، فهو من أفضل الطاعات، وأولى ما أنْفِقَت فيه نفائس الأوقات، وفي الحديث: «لكلِّ شيءٍ عماد، وعماد هذا الدِّين الفقه»، وفيه: «ما عُبدَ الله بشيء أفضلَ مِن فقه في الدِّين»، وفيه «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا»؛ أي: صاروا عالمين بالأحكام الشرعية. 

وإنما كانَ علم الفقه بهذه المنزلة الرفعية لأنه هو الذي يحفظ للمسلمين مركزهم الديني والدنيوي بين سائرِ الأُمم، وبه يعرفون من أين تُؤخذُ الكَتِفُ في العبادات والعادات، وأنّ المسلمين هم الأعلونَ على سَائِرِ الأُمَمِ في الحياة وبعد الممات، كما أخبرنا الله بذلك في مُحْكَمِ كتابه المبين بقوله عزّ وجلَّ أصدق القائلين: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

فإن المسلمين ما سادوا ولن يَسُودوا إلا بالفقه في الدين، كما أخبر بذلك متبوعهم الأعظم -صلى الله عليه وسلم -بقوله: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيراً يُفَقَّهُهُ في الدِّين»؛ فعلى شباب المسلمين أن يَجِدُّوا ويَجتَهِدُوا في طلب العلم الشريف، وفي التفقه في دين الله حتى يكونوا خيرَ خَلَفٍ لخيرِ سَلَفٍ، ولا سيما في هذا الزمانِ الذي اجتَرَفَ فيه تَيّارُ المدنيّةِ جميعَ البلادِ الإسلامية على كثرة الجهل في أهلها، فكان حظهم من ذلك القُشُورَ والسُّفُورَ وأحوالاً وأموراً هي السبب في التدهور واستيلاء جنودِ إبليس الخبيثِ الغَرُور، وصدق الله العلي العظيم حيث يقول في كتابه القرآن الحكيم: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ﴾.

فنسألُ الله تعالى أن يُرِيَنا الحق حقاً ويَرزُقَنا اتباعه، ويُرِينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ويجعل هوانا تبعاً لما جاءَ به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا المتابعة له ظاهراً وباطناً في عافية وسلامة. 

وبعد: فقد اطلعت بحمد الله تعالى على كتاب التقريرات الشديدة في المسائل المفيدة التي جمعها الطالب النجيب، حسن بن أحمد بن محمد الكاف من كُتُبِ العلماء المعتمدين، وأفواه المشائخ العارفين، فوجدتُها وافية بالمقصودِ والمراد، وقَرَّبَ الفقة لمن أراد، وأجاد وأفاد في ربع العبادات، بعبارات سهلة واضحات. 

فأسألُ الله الكريم الوهاب، أن يَعُمَّ النفعُ بها كافة الطلاب، وأن يجازي جامِعَها بِحُسْنِ المآب، وجزيل العطاء والثواب، والله تعالى ولي التوفيق، وأسألُهُ الهداية إلى أقوم طريق ، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم. وكتبه خادم العلم الشريف بالمدينة المنورة زَينُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سُمَيط عفا الله عنه بتاريخ ١٤٢٣ هـ.

تقريظ الحبيب العلامة سالم بن عبد الله بن محمد بن الشاطري

حفظه الله ونفعنا به في الدارين آمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي رفع بالعلم أناساً وأذلَّ بالجهل آخرين، وجعل علم الفقه عماداً لهذا الدين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: 

فقد سرّحت نظري في هذا الكتاب: التقريرات السديدة في المسائل المفيدة»، تلخيص لأهم مسائل الأبواب الفقهية في ربع العبادات، مستفاد من كتب علماء الشافعية، ومن دروس السيد الفاضل الفقيه العلامة الحبيب إبراهيم زين بن سُمَيْط أمتع الله بحياته، جمعه تلميذه الطالب المبارك -إن شاء الله -حسن بن أحمد سالم الكاف، فتح الله عليه، وملاً من الخير قلبه ويديه، وقد قرأتُ وطالعت بعض هذا الكتاب المذكور واستدللت من جزئه على كله أنه كتاب كثير الفوائد، عظيم القدر، وكيف لا يكون كذلك وهو تقريرُ عالم جليل وفقيه تحرير، وقد سهل للطلاب الكثير من المسائلِ الصعبة في الفقه ووضحها لهم بأسلوب حديث سَهْل؛ فجزى الله جامعه خير الجزاء، حيث حفظ لنا بكتابه هذا الكثير من الشوارد والفوائد، كما قيل 

تفوتُ الخبايا في الزوايا ومالها .. من الناس بين الناس للناس ذاكِرُ

تفوت كرامات الرجال شوارداً… إذا لم تقيدها علينا الدفاتر 

وهكذا جدير بطالب العلم أن يحرص على كل ما يستفيده من مشائخه في دروسهم ومحاضراتهم، حفظاً وكتابة قبل أن تفوت الفرصة؛ فترك الفرصة غصة، ولقد أحسن من قال: ((كل علم ليس في القرطاس ضاع، وكل سر جاوز الاثنين شاع )).

وختاماً نشكرُ هذا الطالب على ما قدَّمه من خدمة جليلة في علم الفقه لطلابه، كما نشكر مدرسه الذي شجّعه على ذلك، وأسأل الله أن ينفع به الأمة، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم، والحمد لله رب العالمين.

كتبه الفقير إلى الله سالم بن عبد الله بن عمر الشاطري 

مدير رباط تريم، حرر بتاريخ ۱۷ ربيع الأول عام ١٤٢٣ هـ ٢٦ مايو عام ٢٠٠٢م

تقريظ العلامة المحقق السيد عمر بن حامد الجيلاني حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله، شرع لنا الدين، وبيَّن لنا الأحكام أوضح تبيين، ويسر لنا ذلك، وأنار لنا المسالك، وأوقفنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، والصلاة والسلام على من أنقذنا الله به من الضلالة والجهالة، محبوبنا ومتبوعنا سيدنا محمد وآله قرناء الكتاب، وأصحابه نقلة السنة وحفظة الكتاب، أنعم بهم من أصحاب، وبعد: 

فإن من رحمة الله بعباده، أن يسَّر لهم أحكام دينهم، وأقام لذلك مبلغين هم نواب وورثة مبعوثه إليهم صلى الله عليه وآله وسلم، وأمد أولئك الوراث العلماء بفهم النصوص وإجلاء غوامضها وبيان مشكلاتها وتخصيص كلياتها، وتقييد مطلقها ومعرفة السابق واللاحق إلى غير ذلك من محصلات الأحكام واللوازم للقيام بها.

وقام العلماء الوارثون بذلك أحسن قيام، وسجلوا علوم الإسلام في تأليفهم ومكتوباتهم، ونقلها الدَّرَسةُ جيلاً بعد جيل، وطبقةً بعد طبقة، وكلما جدَّ محدَث تصوروه، وأحاطوا بكنهه وعرضوه على النصوص، ونزَّلوا عليه الحكم الشرعي، وجعلوا له الضوابط والحدود، فكانت الشريعة بأحكامها المتجددة صالحة لكل زمان ومكان، ووُجد عند المسلمین تراث عظیم موروث، كفيل بحاجات الناس، جليلها ودقيقها، مما لا يوجد له مماثل أو نظير في دين من الأديان، أو أمة من الأمم.

 وكان من خصائص هذه العلوم الإسلامية: أن نصوصها دُونَتْ بطريقة في غاية التوثيق فارتقت في مجموعها إلى مرتبة اليقين والقطع، ولقد درج العلماء المسلمون على إلقاء العلوم الإسلامية في حلقات دروسهم، ومجالس إملائهم على تلاميذهم، وتلقاها أولئك الطلاب وضبطوا سَمَاعاتهم، وقرؤوا مؤلفات شيوخهم عليهم، وقابلوا نسخهم على نسخ الشيوخ الأصل، وسجلوا الفوائد التي التقطوها في حلقات الدرس ومجالس الشيوخ، وتسلسل هذا الحال في الأجيال منذ بداية عصر التدريس للعلوم إلى وقتِ تبلور العلوم واستقرارها في كتبها وتميز كل علم باسمه وحده وغايته. 

واستمر الشيوخ وطلبة العلم على هذا النهج في كل علم وفن، ووُجِدَ هذا التراث العلمي العظيم والأعداد الكبيرة من العلماء الفطاحل، حتى جثم الاستعمار الغربي بكَلْكَلِه على الأمة الإسلامية؛ فسعى إلى إلغاء هذه المناهج العلمية، وألقى في روع بعض المنبهرين بحضارته والمرهوبين بقوته المنخدعين ببريق تسويلاته، أن هذه المناهج هي سبب تخلفهم، فنادوا بما أسموه: إصلاح مناهج التعليم الدينية فهجروا كتب العلم وأسموها: (الكتب الصفراء)، واستهجنوا طرق الأخذ على الشيوخ في حلقات العلم، فضَعُف التحصيل العلمي، وقلت بضاعة من يلقيه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه وانمحقت البركة في المدارس، وكان الجهل سمة كثير من المتخرجين بهذه المناهج، عدا أفذاذ لو كُشف عن أحوالهم لظهر أن لهم اتصالاً ببعض حلقات من بقي من الشيوخ، أو لهم ذكاء حاد مصحوب باجتهاد، وكاد أن يصبح هذا سمة واضحة لمعظم المتخرجين من كليات الشريعة في العالم الإسلامي، خلا نزر يسير من هذه الكليات، تنبه القائمون عليها إلى خطورة تهديد هذا النهج للعلوم الإسلامية، فعادوا إلى مناهج السالفين في تلقين العلوم وإلقائها، ومزجوه بالمعاصر المفيد في إثارة منهج البحث العلمي في نفوس الطلبة، وطرق تسهيل البحث وترتيب المعلومات. 

وهذا الكتاب: التقريرات السديدة في المسائل المفيدة» الذي صنفه وحرّره طالب العلم النجيب النابه السيد حسن بن أحمد بن محمد الكاف، قد جدد به طريقاً قد عَفَتْ أثارها ودَرَسَتْ، معالمها وقل سالكوها، فبارك الله فيه وزاده فضلاً وعلماً,

إن هذا الكتاب خلاصة ما كان يمليه شيخه العالم الرباني في حلقة درس الفقه على تلاميذه وهو يُظهِرُ علم الشيخ وحرصه على المسائل، وذكر الحواصل، وتوسيع دوائر البحث، ويُظهر أيضاً اجتهاد هذا الطالب النابه، ومتابعته الدقيقة للشيخ، وتسجيل جميع ما يفوه به من فوائد وضبطها وتسجيلها، والشيخ إذا رزق طلبة بهذا الوصف يُحمل علمه ويُحفظ، ويستمر الانتفاع به ويخلد حُقُباً مديدة كما حدث لكثير من الأئمة المشهورين المخدومة علومهم. 

وقد أثنى الشافعي -رحمه الله -على الليث بن سعد -رحمه الله -وأرجع عدم انتشار علمه وضياع مذهبه إلى عدم خدمة تلاميذه وأصحابه له، إن هذا الكتاب الملئ بالفوائد والمسائل قد ماشی به مؤلفه منظومة ابن رسلان ويُعد من شروحها، ومنظومة الرُّبَد من المتون التي يؤسس عليها طلبة الفقه الشافعي بنيانهم. 

وقدَّم المصنف كتابه بما اعتاده المؤلفون من توصيف العلم الذي يريدون التأليف فيه، وهو ما أسموه بمبادىء الفنون العشرة، ليتصور طالب العلم العلم الذي يريد أن يلج بابه ويخوض غماره، وقدَّم له بمقدمة عن مذهب الشافعي ومراحل تدوينه وتحريره، إلى مرحلة استقرار المعتمد فيه، وذكر الكتب المؤلفة فيه وترتيبها وتدرج الطالب في قراءتها. 

والكتاب مع كثرة مسائله وامتلائه بالفوائد العلمية، واهتمامه بذكر الحدود والضوابط قد امتاز بالتجديد؛ فقد رتب بعض المسائل بالترقيم العددي، كما في مسألة استباحة بعض العبادات بالتيمم، كما امتاز بابتكار جداول الفروق بين المس واللمس في مسألة نقض الوضوء، وجداول الحيض والنفاس وجداول زكاة النعم ،وغيرها كما ربط المقاييس للمسافات والموزونات بما انتشر في أغلب بلدان العالم الإسلامي من المقاييس المعاصرة.

ومع أن هذا العمل هو باكورة الإنتاج إلا أنه يبشر بخير كثير عميم: وإذا رأيت من الهلال بُدُوهُ أيقنت أن سيكون بدراً كاملاً، بارك الله فيه، وزاده من فضله وأدام النفع بشيخه العالم التقي النقي الحبيب زين بن سميط، وحفظه وإيانا والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وكتبه عمر بن حامد بن عبد الهادي الجيلاني بمكة المكرمة، بتاريخ ٢٧ رجب ١٤٢٣ هـ

تقريظ العلامة المحقق السيد حسين بن محمد بن هادي السقاف

حفظه الله تعالى 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله الذي وفق وأعان، وهو المستعان وعليه التكلان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، سيدنا محمد المعلم الأكبر ومنبع العلوم والعرفان، وآله وأصحابه الذين ساروا على نهجه في نشر العلم في كل زمان ومكان، صلاة وسلاماً دائمين بدوام الملك الديان. أما بعد: 

فقد أطلعني السيد النجيب الأخ حسن بن أحمد بن محمد الكاف على مؤلفه النافع المسمى التقريرات السديدة في المسائل المفيدة»، فتصفحته وطالعته فوجدته كتاباً مفيداً جداً، لخص المؤلّفُ فيه المسائل المهمة في فقه الشافعية (قسم العبادات)، بأسلوب ملخص ومبسط ومستفاد مما تلقاه من دروس العلامة الفقيه الحبيب زين بن إبراهيم بن سُميط، فجزى الله المؤلّف الفاضل خير الجزاء على ما قام به من الجهد المشكور الذي بذله في جمع شتات هذه المسائل الفقهية المهمة وأبرزها في هذا المؤلف الحافل وبهذا الأسلوب المبسط، بحيث ينتفع به المبتدي وغيره من طلبة العلم وروّاد المعرفة، وسيجدون فيه إن شاءَ الله تعالى بغيتهم وما يساعدهم على ما هم بصدده من تحصيل العلم النافع، كما أرجو أن يوفق الله بقية الإخوان من طلبة العلم لمثل هذا العمل من تقييد ما يتلقونه ويحصلونه من العلم النافع، لا سيما الفوائد والشوارد الثمينة، وقديماً قالوا: 

العلم صيد والكتابة قَيدُهُ .. قيد صُيُودَكَ بالحِبال الواثقة 

فمن الحماقة أنْ تَصِيدَ غزالة.. وتفكها بين الخلائق طالقة

وفي الختام أضرَعُ إلى الله الكريم أن يثيب المؤلّف على عمله هذا، وأن يكتب ذلك في سجل حسناته، وأن ينفع بمؤلفه هذا إنه سميع الدعاء. 

كتبه راجي عفو ربه حسین بن محمد هادي السقاف في ٢٦ رجب ١٤٢٣هـ

تقريظ الأستاذ الدكتور عبد الحق الحواس 

كتابكمْ دُرَّةٌ يزهو بها الزمن …بوركت من كاتب بوركت يا حسن

 أجر من الله في ميزان مَنْ صدقوا…ما عاهدوا اللهَ لا زُلفى ولا ثمنُ

طوبى لكم نعم ما قلتم يزينه… جهد الإمام وما قالت به السننُ

لله أنتم فهذا الجهد مأثرة … ديناً ودنيـا علـى الأيام تحتضَنُ

سر في طريق رجال عبدوا طُرُقاً … شدوا الرحال مفازات وما وهنوا

في قمة المجد رايات مرفرفة .. في جنة الخلد أعلاماً بها سكنوا 

الدكتور عبد الحق حمادي الهواس 

دكتوراه في اللغة العربية وآدابها سوريا ـــ دير الزور

مقدمة الكتاب 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد الله المريدِ خيراً لِمَن في الدِّينِ تفقه، فرَفَعَ شَأْنَ العُلماء وأعطى كُلَّ ذِي حَقٌّ حَقَّه، وجعلَ الفقة الطريق المُوصِلَ إلى رضاه، والسبيل المؤدي إلى اتباع حبيبه ومصطفاه والصلاة والسلامُ على مَن حَثَّ على الفقه وجعَلَه في الدِّينِ العِماد، وبَشَّرَ مَن عَلَّمَ وتعلم واستفاد، بسهولة الطريق إلى جنة الخُلْدِ يومَ المعاد، وعلى آله وصحبه الذين عَمِلُوا بما عَلِمُوا وكانوا في أولِ صَفٌ في مجالس العلم والجهاد. أما بعد: 

فيقول الفقير إلى ربِّهِ واسع الألطاف، حَسَنُ بنُ أحمدَ بنِ محمد الكاف: هذه مسائل مجموعة لا يستغني عنها المسلمُ لِتَكمُلَ له عبادة ربَّه، فيَنعُمَ برضاه وقُرْبِه مُستقاةٌ تفاصيلها من كُتب علمائنا السادة الشافعية، مأخوذة أصولها من دروس شيخنا المربّي المُسَلَّك، العالم العابد الزاهد الورع، الفقيه المُحَقِّقِ الحَبْرِ الفَهامة، خليفةِ السَّلَفِ وزينةِ الخَلَف، شافعي عصرِهِ وفريد دهره الحبيب زين بن إبراهيم بن سميط -حفظه الله تعالى ونفعنا به، ومن دروس غيره حفظهم الله جميعاً. 

وقد أكرمني الله بتدريسه قبلَ طَبْعِهِ أكثرَ مِن مرة، فظهر لي فيه ما ينبغي تبسيطه وزيادته وحذفه فاشتغلتُ بذلك، وقد قرأته على شيخنا الحبيبِ زَين؛ فزادَ فيها وصَحَّح وحَذَفَ منها ونقح، وأسماها بـ: (التقريرات السديدة في المسائل المفيدة)، ثم قرأها وارجعها بمفرده وأرشدني إلى ملاحظاته فتبعتها. 

وقد انتهجت فيه منهج التسهيل والتبسيط وفك عبارات الفقهاء، والتي أصبحت كثيراً ما يستصعبها عامة الناس في هذا الزمان؛ بل وكثير من طلبة العلم ـ حتى يكون في متناول أيديهم، فتَسهل قراءتُهُ ويَسرُعُ فهمه، واعتنبت بأهم المسائل التي يَتَطرَّقُ إليها طلبة العلم من مدرسين وتلاميذ في دروس حلقاتهم، حتى يكون هذا الكتابَ عَضُداً قوياً لهم في تدريس المتونِ وفَهْمِ الشُروحِ والحواشي.

واعتنيتُ بحشدِ السُّنَن والآداب في كل باب وترتيبها على حسب عملها ووقتها ليَسهُلَ لمُطالِعِهِ العملُ بها، وقد أذكر بعض الأدلّةِ المهمة لبعض الأحكام، في المتن أو التعليق وذكرت كثيراً من الأدلة المبينة لفضيلة بعض الأعمال الصالحة ليَبعَثَ قارتها على الإقبال عليها، وذكرتُ بعض المسائلِ العَصْرِية التي يَكثُرُ السؤال عنها، واستشهَدتُ كثيراً بالمنظومة الفقهية المباركةِ صَفُوةِ كسنن الوضوء والغسل والاستنجاء وآداب قضاء الحاجة وسنن التيمم والصلاة وصلاة الجمعة والعيد وغيرهما والكيفية المسنونة في غسل الميت وتكفينه ودفنه وسنن الصوم وسنن أركان الحج وواجباته؛ كأدلة وجوب البسملة، وسنية القنوت، ومسح الرقبة في الوضوء وأدعية الوضوء.

وكفضل السواك والوضوء والصلاة والأذان والنوافل (الضحى والوتر والرواتب وقيام الليل) وصلاة الجماعة والتعزية والزكاة والصوم والاعتكاف والحج وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وكـ(حكم الصلاة في الطائرة، وحكم الإبرة للصائم، وحكم غسل الملابس في الغسالات الحديثة، والمقاييس الحديثة القلتين ونصاب الزكاة والمرحلتين) 

وقد عرضت هذا الكتاب قبل هذه الطبعة على أكثر من عالم من شيوخنا، التماساً لبركة دعائهم ونصائحهم وتوجيهاتهم، (كالحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف وقرأت عليه تبركاً أول كتاب الطهارة عام ١٤٢٠ من الهجرة والحبيب عبد الرحمن بن أحمد الكاف، والحبيب محمد بن أحمد الشاطري والحبيب محمد ن محمد رشاد البيتي والحبيب علي بن محمد بن سالم العطاس، والحبيب عبد الله بن علوي بن شهاب، والسيد العلامة المحدث محمد بن علوي المالكي، والحبيب العلامة سلطان علماء عصره سالم بن عبد الله بن عمر الشاطري، وقد قرأت عليه كتاب الحج والعمرة من الكتاب قبيل حج عام ١٤١٨ من الهجرة، وكذلك الحبيب العلامة علي مشهور بن سالم بن حفيظ، ولخبرته في كيفية غسل الميت علماً وعملاً قرأتُ عليه كيفية غسل الميت، والعلامة المحقق السيد عمر بن حامد الجيلاني، تفضّل بملاحظاته القيمة والعلامة المحقق السيد حسين بن محمد بن هادي السقاف، وكذلك شيخي العلامة صفوان عدنان داودي، وقرأتُ عليه كتاب متفضّلاً معظم

 الصوم قبيل رمضان عام ١٤١٨ من الهجرة ومقدمة المذهب، وقد خرج أحاديث الكتاب، وكذلك شيخي ووالدي وقدوتي أحمد محمد بن سالم الكاف، وعرضته كذلك على السيد حسين بن محمد الهدار مفتي محافظة البيضاء باليمن ومدير ،رباطها والسيد أبي بكر المشهور الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية ومراكزها التعليمية في عدن ،وغيرها وأخيه السيد شهاب الدين بن علي المشهور، والسيد عمر بن محمد بن حفيظ مؤسس دار المصطفى بتريم حضرموت، والسيد محمد بن سعيد البيض رئيس مدرسة الغناء بِمَمَّبُرُوي (منبع الروي) في كينيا والسيد عبد القادر جيلاني خرد وغيرهم، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء)، وكذلك كثير من إخوتي طلبة العلمِ طلبتُ منهم اقتراحاتهم وإرشاداتهم، فجزى الله الجميع كل الخير.

وقد قدم شيخنا الحبيب زين بن محمد سميط، للكتاب بمقدمة في الحث على التعلم والتفقه في الدين، ثم قدَّمتُ له بمقدمة أخرى مهمةٍ لا يَسَعُ طالب العلم جهلها عن المذهب وأئمّتِه وكُتُبه، وأتبعتها بمبادئ الفن والأحكام الشرعية ففقه العباداتِ من هذا الكتاب، والله الكريم أسألُ أن يَمُنَّ علينا وعلى جميع المسلمين بالرضا الأكبر في خير ولطف وعافية، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، ومُقرباً لجناتِ النعيم، وقرة عين لسيّد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين. 

((ويليها إن شاء الله قسم البيوع والفرائض والنكاح والجنايات إلى كتاب العتق))

مقدمة في المذهب الشافعي

 أولاً : مؤسس المذهب:

هو محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، يلتقي في نسبه مع النبي ﷺ في جده عبد مناف، ولد بغَزّة سنة ١٥٠ للهجرة، وحمل إلى مكة، وطلب العلم على شيخه الإمام خالد بن مسلم الزنجي مفتي مكة، والفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. ثم رحل إلى المدينة وعُمره (۱۲) سنة، وحفظ «الموطأ» كلَّه أيام، مهيأ نفسه لملازمة الإمام مالك، ثم أخذ عن الإمام مالك حتى صار أعلم طلابه، وأخذ عن أهل المدينة ومكة، وتأهل للفتوى وهو في الخامسة عشر من عمره؛ مع معرفته بأشعار العرب وعلوم اللغة، حتى إنّ الأصمعي (راوية أشعار العرب) استفاد منه وأخذ عنه أشعار قبيلة بني هذيل في (١٩) ثم رحل إلى اليمن وأخذ عن مطرف بن مازن، وهشام بن يُوسُفَ القاضي، وعمرو بن أبي سلمة، ويحيى بن حسان، ثم رحل إلى العراق وأخذ من وكيع بن الجراح ومحمد بن الحسن الشيباني فقيه العراق، وحمّاد بن أسامة، وأيوب بن سُوَيد الرّملي، وعبد الوهاب بن عبد المجيد، وإسماعيل عُلَيّة، وألف كتابه «الحُجّة» وجمع فيه مذهبَه القديم. 

وأخذ عن الإمام الشافعي مذهبه أئمة كبار كالإمام أحمد والإمام أبي ثور، ثم توجه إلى مصر وتغيّر اجتهاده في كثير من المسائل، فرجع عن أقواله القديمة وأسس مذهبه الجديد، وأملى كتابه «الأم»، وصنّف كذلك «الرسالة» في أصول الفقه وكان بهذه الرسالة مؤسس علم أصول الفقه وفاتح مغاليقه. علوم ويُعتبر الإمام الشافعي مجدد المائة الثانية (القرن الثاني)؛ لأنه جمع بين الحديث وأهل الرأي، وأرسى قواعد علم أصول الفقه، إضافة إلى اطلاعه الواسع على الحديث ورواياته ورجاله، والقرآن وعلومه، والتاريخ والشعر والأدب واللغة وورعه وتقواه وزهده في الدنيا، وتوفي رحمه الله بالقاهرة . ة سنة ٢٠٤ للهجرة.

وقد قال عنه الإمام أحمد: كان الإمام الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن، فهل ترى لهذين من خلف أو عنهما من عوض»، وقال رحمه الله : «كان الفقهُ قُفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي. وقال فيه الإمام أبو زرعة: ما أعلمُ أحداً أعظم منة على أهل الإسلام من الشافعي رحمهم الله تعالى ورضي عنهم 

* وقد صنف في مناقب هذا الإمام العظيم طائفة الأئمة، كالحافظ ابن أبي حاتم، والإمام البيهقي، والإمام فخر الدين الرازي والحافظ ابن كثير، وهذه مطبوعة، ومما لم يطبع: كتابُ الإمام الآبري، والإمام عبد القاهر البغدادي، والخطيب البغدادي، والحافظ ابن المقرىء، والحافظ أبي الحسن البيهقي المعروف بـ «فندق»، وغيرهم انظر ترجمة الإمام الشافعي رضي الله عنه ومصادرها في كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي ".

* ملاحظة: لا يجوز الإفتاء بالمذهب القديم إلا ثماني عشرة مسألةً فيعمل بها من المذهب القديم وإن كان ما يُخالفها في المذهب الجديد، وذلك لقوة الدليل الذي ظهر لمن جاء بعد الإمام الشافعي، وهي عدم وجوب التباعدِ عن النجاسة في الماء الكثير بقدرِ قلتين، وعدم تنجس الماء الجاري إلا بالتغيّر، وعدم النقض بلمس المحرم، وتحريمُ أكل الجلد المدبوغ، والتثويب في أذان الصبح وامتداد وقتِ المغرب إلى مغيب الشفق، واستحباب تعجيل العِشاء، وعدمُ ندب قراءة السورة في الأخيرتين، والجهرُ بالتأمين للمأموم في الجهرية، وندبُ الخَطَّ عند عدم الشاخص، وجواز اقتداء المنفرد في أثناء صلاته، وكراهية تقليم أظافر الميت، وعدم اعتبارِ الحَوْل في الركاز، وجواز صيام الولي عن الميت الذي عليه ،صوم وجواز اشتراط التحلل بالمرض، وإجبار الشريك على العمارة، وجعلُ الصَّداق في يد الزوج مضموناً، ووجوب الحد بوطء المملوكة المحرم. 

ثانيا: أئمة المذهب:

ومن أهم رواة المذهب القديم: الإمام أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي. ومن تلاميذ الإمام الذين نقلوا عنه مذهبه الجديد، المُزَني، والبويطي، والربيع المُرادي، وحَرْمَلة، والربيع الجيزي ويونس بن عبد الأعلى، ويسميه شيخه الإمام الشافعي راوية (المذهب)، وكلهم تُوفُوا في القرن الثالث. 

ثم جاء بعد هؤلاء أجيال وطبقات كثيرةٌ من العلماء، من أبرزهم: الإمام ابن سريج، والقفال الكبير الشاشي، وأبو حامد الإسفرائيني، والاصطخري، والمروزي وابن أبي هريرة وابن القاص في القرن الرابع. 

ثم الماوردي، وأبو إسحاق الشَّيرازي، وأبو محمد الجُوَيني، وابنه إمامُ الحرمين، والبيهقي، والبَندَنِيجي، والمَحَامِلي، والقفال الصغير المروزي، والقاضي حسين، والفُوراني، والمسعودي، وابن الصباغ، والمتولي، في القرن الخامس. 

ثم الغزالي حجّةُ الإسلام والشاشي، والبغوي، والعمراني، في القرن السادس. 

ثم ابن الصلاح، والقزويني والعزّ بنُ عبد السلام، والإمامان الكبيران النووي والرافعي (شيخا المذهب، وابن الفركاح، وابن دقيق العيد، في القرن السابع.

ثم ابنُ الرّفعة، والتقي السُّبْكي والقَمُولي، والإسنوي، والأذرعي، والبلقيني، وابن الملقن والزركشي، وابن النقيب، والشرف البارزي، والمحب الطبري، في القرن الثامن. 

ثم الولي العراقي، والتقي الحصني، والشهاب ابن رسلان صاحب «صفوة الزبد»، وابن قاضي شُهْبة، وابن المُزَجَّد، والدَّمِيري، والجلال المحلي، والأقْفَهسِي، وابن المُقْرِىء، وعبد الله بن عبد الرحمن بافضل، وغيرهم في القرن التاسع. 

والبرهان البرماوي، وعلي الشبراملسي، والرشيدي، وغيرهم في القرن العاشر.

ثم الإمام الجلال السيوطي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، والخطيب الشَّربيني والشهاب الرملي وابنه الشمس، وابن حجر الهيتمي، وعبد الله بن عمر بامخرمة، وابن قاسم العبادي، وباقشير، وابن زياد، في القرن الحادي عشر. 

ومحمد بن سليمان الكردي فقيه الحجاز، وسليمان الجمل، وغيرهم في القرن الثاني عشر.

 وعبد الله بن والباجوري والشرقاوي والبجيرمي وعبد الله بن حسين بلفقيه، وأحمد باسودان، وسعيد بن محمد باعشن، وعبد الرحمن بن سليمان بن الأهدل، وعلي باصبرين وغيرهم في القرن الثالث عشر. 

والسيد علوي بن أحمد السقاف، وأحمد بن زيني دحلان، وبكري شطا، وعبد الرحمن المشهور ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب، وأبو بكر بن أحمد الخطيب، وعبد الله باجماح وعبد الله بن عمر الشاطري، وأحمد بن عمر الشاطري، وعبد الرحمن بن عبيد الله السقاف، ومحمد بن هادي السقاف، ومحمد بن سالم بن حفيظ وغيرهم في القرن الرابع عشر.

وغيرهم ممن أبدع وظهر وألف في القرون المتأخرة، رضي الله عنهم أجمعين، ورجال المذهب عموماً أكثر من أن تحصيهم الأوراق، ويكفي في ذلك كتاب الإمام السبكي طبقات الشافعية الكبرى» في عشرة مجلدات، الذي يبين مدى كثرة علماء المذهب ومدى الخدمة التامة التي حظي بها مذهبنا من بين سائر المذاهب حتى انتمى إليه أئمةُ . الفنون وأعمدتها . جميع فمن الأصوليين الجُوَيني صاحب «البرهان»، والغزالي صاحب المستصفى»، والرازي صاحب المحصول ، والتاج السبكي صاحب جمع الجوامع، والبيضاوي صاحب منهاج الأصول»، وغيرهم. وكتبهم هذه هي من أعظم كتب الأصول على الإطلاق. الحفاظ المحدثين الأئمة الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان، وأبو نعيم، وابن المنذر، والخطابي، والخطيب البغدادي، والحافظ البيهقي صاحب «السنن»، والزين العراقي صاحب الألفية» في الحديث، والهيثمي (۱) صاحب (مجمع الزوائد»، وابن حجر العسقلاني صاحب «فتح الباري، وغيرهم. ومن ومن المؤرخين ابن عساکر صاحب تاریخ دمشق»، والذهبي صاحب سير أعلام النبلاء»، والصَّفَدي صاحبُ «الوافي»، وابن كثير صاحب البداية والنهاية»، وابن الأثير صاحب «الكامل»، وغيرهم. ومن المتكلمين الحليمي صاحب شعب الإيمان»، وعبد القاهر البغدادي، والفخر الرازي صاحب المطالب العالية»، في العلم الإلهي، (1) الهَيْثَمي (بناء مثلثة)، المتوفى سنة ٨٠٧هـ ، وأما الفقيه ابن حجر المكّي فهو الهَيْتَمي (بالتاء المثناة المتأخّر عن الأول والمتوفى سنة ٩٧٤هـ 

والعَضُد الإيجي، والآمدي، والعلاء الباجي والأصفهاني، والتفتازاني، وغيرهم . ومن المفسرين الماوردي صاحب التفسير، والخازن، والبغوي صاحب معالم التنزيل ، وغيرهم. ومن القرّاء الجَعْبَري، وابنُ الجَزَري صاحب «النشر»، والشهاب القسطلاني . ومن اللغويين والنحاة أبو حيان الأندلسي، وابن مالك صاحب «الألفية»، وابن عقيل، وابن هشام، والفيروزآبادي صاحب «القاموس»، وغيرهم. 

ومن أئمة الصوفية العارفين القُشيري صاحب «الرسالة القشيرية»، والإمام الغزالي والإمام عبد الله بن علوي الحداد وعدد كبير من الأئمة والعلماء المشاركين في شتى أصناف العلوم والمعارف. 

ثالثاً: موجز عن تاريخ المذهب:

يتلخص تاريخ المذهب في خمس مراحل: 

المرحلة الأولى: التأسيس وانتهت بوفاة الإمام الشافعي رضي الله عنه، وترك لنا كتابه «الأم» وغيره. 

المرحلة الثانية: مرحلة النقل، وقام فيها تلاميذه وأصحابه بنشر المذهَب، ومن أشهر كتبهم مختصر الإمام المزني. 

المرحلة الثالثة: مرحلةُ تدوين فروع المذهب والتوسع في مسائله، وتتمثل في ظهور طريقتين:

١ - طريقة العراقيين وعلى رأسها الشيخ أبو حامد الإسفرائيني، وتبعه الماوردي، وأبو الطيب الطبري، والبندنيجي، والمحاملي، وسليم الرازي، وغيرهم. 

۲ - طريقة الخراسانيين وعلى رأسها القفال الصغير أبو بكر المروزي، وتبعه أبو محمد الجُوَيني، والفُوراني، والقاضي حسين، وأبو علي السنجي، والمسعودي وغيرهم.

المرحلة الرابعة: مرحلة التحرير وكانت على يدي شيخي المذهب الرافعي والنووي في كتبهما التي من أهمها «المحرر» و«الشرح الكبير»  و«الشرح الصغير»، كلاهما على  «الوجيز» للغزالي، وثلاثتها للرافعي، و«المنهاج»، و«المجموع شرح مهذب الشيرازي»، و«روضة الطالبين ثلاثتها للنووي، حيث قاما بتحرير مسائل المذهب وأدلته، والترجيح بين روايات المذهب وأقواله. 

قال الإمام النووي في مقدمة مجموعه: طريقة العراقيين في نقل نصوص الشافعي وقواعد مذهبه ووجوه متقدّمي أصحابه أتقن وأثبت من نقل الخراسانيين غالباً، وطريقة الخراسانيين أحسنُ تصرفاً وتفريعاً وترتيباً غالباً.

المرحلة الخامسة: مرحلة الاستقرار وتتمثل في جهود الفقيهين العظيمين ابن حجر الهيتمي في كتابه «تحفة المحتاج بشرح المنهاج»، والشمس الرَّمْلي في كتابه «نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج»، حيث قاما بتحرير ما لم يتكلم فيه الشيخان من أقوال المذهب ورواياته، وقاما باستدراك ما بقي من فروع المذهب وتتبع المسائل في شتى الأبواب. 

ولما كان المذهب قد تم تحقيقه على يدي النووي والرافعي، واستقرت بقية مباحثه على يدي ابن حجر والرملي فقد ارتضى العلماء المتأخرون كتبهم في الفتوى، فما اتفق عليه الشيخان النووي والرافعي فهو المعتمد، وإن اختلفا النووي.

وتجوز الفتوى بقولِ كلِّ منهما، وما اتفق عليه ابن حجر والرملي من المسائل التي لم يبحثها من قبلهما فهو المعتمد، وإن اختلفا فأهلُ الحجاز وحضرموت يقدمون ابن حجر، وأهل الشام ومصر يقدمون الرملي، وسبب تقديم ابن حجر على الرملي؛ لعدة أسباب، منها: قوة مدركه، واتساعه في علم الحديث كما يُؤخذ من مؤلفاته، والمقدم من كتبه «التحفة»، ثم «فتح الجواد»، ثم «الإمداد»، ثم «المنهاج القويم» ثم شرح العباب»، ثم فتاويه»، وفي ذلك قال بعضهم:

وشاع ترجيح مقال ابن حَجَرْ .. في يمن وفي الحجاز فاشتهر 

وفي اختلافِ كُتبـه فـي الـراجـح .. الأخذ بالتحفة ثم الفتح 

فأضلُهُ لا شَرْحُهُ العُبَابَا .. إذ رام فيه الجمع والإيعـابـا

تنبيه: «العزيز» للرافعي: هو العزيز شرح الوجيز، ويسميه البعض تورعاً «فتح العزيز»، وهو المشهور في المذهب بـ «الشرح»

والمقدم من كتب النووي : «التحقيق» فـ «المجموع»، فـ «التنقيح»، فـ الروضة»، فـ«المنهاج»، ، ففتاويه» فـ«شرح مسلم»، فـ«تصحيح التنبيه» و«نكته». 

وأما بقية أصحاب التآليف التي يكثر النقلُ عنها فيجوز العمل بكل منها والإفتاء؛ إلا ما اتفق على أنه غلط أو سهو أو ضعيف، ولا يَعرِفُ ذلك إلا مَن أخذَ عن شيوخ هذا الفن. 

رابعاً : أهم كتب المذهب:

 تنقسم كتب الفقه إلى أقسام متون وشروح، وحواش، وفتاوى، وغير ذلك، وأهم الكتب المتداولة الآن في حلقات العلم: 

أ-من المتون: 

«الرسالة الجامعة» للعلامة السيد أحمد بن زين الحبشي، و«سفينة النجاة» للشيخ سالم بن سُمّير الحَضْرَمي والمختصران الكبير المسمَّى بـ«المقدمة الحضرمية، والصغير»، وكلاهما للشيخ العلامة عبد الله ابن عبد الرحمن بافضل، و«الياقوت النفيس» للعلامة السيد أحمد بن عمر الشاطري، و«متن الغاية والتقريب» للإمام أبي شجاع الأصفهاني، ومنظومة «صفوة الزبد» للإمام شهاب الدين أحمد ابن رسلان، و«عُمدة السالك» هي إمام ابن النقيب، و«التنبيه» و«المهذب» للإمام الشيرازي، و«منهاج الطالبين» و«الروضة) للنووي ، والإرشاد» لابن المقري .

ب- أمهات الكتب: 

وقد صنف الإمام الشافعي في الفقه: «الأم» و«الإملاء»، وصنف البويطي والمُزَني مختصريهما، وشرح إمام الحرمين «مختصر المزني» في كتابه «نهاية المطلب في دراية المذهب، ثم اختصر الإمامُ الغزالي كتاب نهاية المطلب إلى «البسيط»، ثم اختصر «البسيط» ، إلى «الوسيط»، ثم اختصر «الوسيط»، إلى «الوجيز»، ثم اختصر «مختصر مختَصَرِ المُزَني» لأبي محمد الجُوَيني في كتابه «الخلاصة»، وليست مختصراً لـ«الوجيز» كما يُظنُّ، وفي ذلك يقول بعضهم: 

حرر المذهَبَ حَبْرٌ ..أحسَنَ اللهُ خَلاصَهُ 

في ببسيط ووسيط  .. ووجيز وخلاصة 

واختصر «الوجيز» الإمامُ الرافعي في «المحرَّر»، ثم اختصر «المحور» الإمامُ النووي في منهاج الطالبين»، ثم اختصر المنهاج» الشيخ زكريا في «منهج الطلاب»، ثم اختصر الشيخ الجَوْهَري المنهج في كتابه «نهج الطالب». 

ج-ومن الشروح: 

مرتبة على التدرج في التلقي «نيل الرجاء بشرح سفينة النجا» للسيد أحمد بن عمر الشاطري، وبشرى «الكريم شرح المقدمة الحضرمية» للشيخ العلامة سعيد ابن محمد باعشن، و«شرح ابن قاسم الغَزّي على متن أبي شجاع»، و«الإقناع شرح متن أبي شجاع» كذلك للخطيب الشربيني، و«فتح العلام بشرح مرشد الأنام» للعلامة الجُرْداني، وشرح شيخ الإسلام زكريا على كتابه «المنهج» المسمّى «فتح الوهاب»، وفتح المعين بشرح قرة العين» للعلامة زين الدين ابن عبد العزيز المليباري، وشروح منهاج الإمام النووي الأربعة: شرح المحلي المسمّى «كنز الراغبين»، وشرح الخطيب الشربيني المسمى «مغني المحتاج»، وشرح الشمس الرملي المسمّى نهاية المحتاج»، وشرح الشيخ ابن حجر المسمى (تحفة المحتاج»، وغيرها. 

د- ومن الحواشي المفيدة: 

حاشية الشيخ الباجوري على شرح ابن قاسم لمتن أبي شجاع، وحاشية العلامة السيد بكري بن شطا الدمياطي على «فتح المعين، وحاشية الشيخ العلامة عبد الله بن حجازي الشرقاوي على «شرح التحرير»، و«الحواشي المدنية على شرح ابن حجر للمقدمة الحضرمية» للشيخ محمد بن سليمان الكردي وحاشية الترمسي على نفس الشرح، وحاشية البُجَيرمي على الإقناع للخطيب وحاشيتا الشيخ سليمان الجمل والبجيرمي على شرح المنهج، وكذلك حواشي شروح المنهاج المتقدمة الذكر؛ كحاشيتي الشيخ عبد الحميد الشرواني وابن قاسم العبادي على «التحفة» لابن حجر، وحاشيتي الشيخ القليوبي وعميرة على شرح المحلي، وحاشيتي الشبراملسي والرَّشِيدي على النهاية» للرملي، وغيرها.

 وهناك شروح لا تزال مخطوطة وفي طريقها إلى الطبع منها شرح الدميري وشرح الأذرعي وشرح التقي السبكي.

هـ- ومن كتب الفتاوى النافعة: 

فتاوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وفتاوى الإمام السبكي، والحاوي للفتاوي للإمام السيوطي، والفتاوى الكبرى للإمام ابن حجر، وفتاوى بامخرمة، وبغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين للسيد العلامة عبد الرحمن المشهور (وقد جمع فيه فتاوى خمسة من العلامة عبد الله بن حسين بلْفَقيه، والعلامة عبد الله بن عمر بن يحيى، والعلامة علوي بن سقاف الجفري، والعلامة محمد بن أبي بكر الأشخر اليمني، والعلامة محمد بن سليمان الكردي المدني. وكذلك كتابه «غاية تلخيص المراد من فتاوى ابن زياد» الزَّبيدي مفتي الديار اليمنية، والتي وصفها بأنها من أصح الفتاوى وأجمعها وللسيد العلامة أحمد بن عمر الشاطري حاشيةٌ عظيمة النفع على بغية المسترشدين» المشار إليها) وغيرها.

و- ومن الكتب التي تخرّج ما يتداوله الفقهاء من الأحاديث: 

«التلخيص الحبير» لابن حجر العسقلاني، و«البدر المنير وتحفة المحتاج» كلاهما لابن الملقن وغيرها.

ز-ومن الكتب المؤيدة بالأدلة مع مناقشة أدلة المذاهب: 

نهاية المطلب في أدلة المذهب الإمام الحرمين الجويني، والحاوي الكبير للماوردي و المجموع بشرح مهذب الشيرازي للنووي، وافتح العزيز بشرح وجيز الغزالي» للرافعي و شرح المنهاج للتقي الشبكي، وغيرها. 

ح -ومن الكتب الموضحة لمفردات الفقهاء في عباراتهم: 

«المصباح المنير» للفيومي، و«تحرير التنبيه» و«دقائق المنهاج» كلاهما للنووي، و«النظم المستعذب في حل ألفاظ المهذب» لابن بطال الركبي، وغيرها. 

ط- ومن كتب تراجم فقهاء المذهب: 

«طبقات الشافعية» لابن عاصم العبادي، و«طبقات الشافعية الكبرى» للتاج السبكي، و«طبقات الشافعية» للإسنوي، و«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة، ومن آخرها «التحفة البهية في طبقات الشافعية (مخطوط) للشرقاوي صاحب الحاشية على التحرير». وغير ذلك.

خامساً: مزايا المذهب:

 يمتاز مذهبنا الشافعي بمزايا كثيرة نذكر، منها: 

۱ -اعتناء مؤسسه رحمه الله بالدليل كتاباً وسنةً وآثاراً حتى تتلمذ على يد إمام دار الهجرة مالك بن أنس، وتتلمذ على يديه إمام السنة الإمام أحمد بن حنبل، وتابعه على ذلك أئمة المذهب حتى صار منهم كبار الحفاظ كالبيهقي وابن حجر العسقلاني، وقاموا بخدمة المذهب بالأدلة النصية غاية الخدمة، بل حفاظ الشافعية - من حيث العدد ـ قرابة شطر حفاظ الأمة . 

٢-اعتناء مؤسسه رحمه الله بأصناف القياس وأسس الاستنباط التي مهر فيها الإمام أبو حنيفة وأصحابه (لا يفهم من هذه النقطة وسابقتها عدم اعتناء الإمامين أحمد ومالك بالقياس، أو عدم عناية الإمام أبي حنيفة بالسنة، بل كان للجميع نصيب مما عند الآخر، إلا أنه امتاز أحمد ومالك بالتركيز على السنن التي هي مصدر ،الفقه وامتاز أبو حنيفة وأصحابه بالتركيز على الأقيسة التي هي لب الاجتهاد).

 وكان أوّل من صنف في علم أصول الفقه، ثم كان من أصحابه من وضع فيه المراجع الكبيرة الرئيسة كالإمامين الجويني والغزالي وغيرهما . 

٣- كونَ مذهبه وسطاً بين أهل الرأي وأهل الحديث. 

٤ - كثرة المجتهدين من العلماء الذين خدموا المذهب ونشروه في كل مكان، كالعز بن عبد السلام وابن دقيق العيد، والتقي السبكي، والسيوطي، وغيرهم.

٥ - كثرة الكتب التي ألفها العلماء في تحقيق المذهب وتدليله وتيسيره للطلاب في كل قرن عبر العصور.

٦ ـ وفرة أتباعه في كل مكان، فهم منتشرون في البلدان من إندونيسيا وماليزيا شرقاً، مروراً بشبه القارة الهندية ثم بلاد فارس والعراق والشام والخليج، ثم الحجاز وحضرموت واليمن جنوباً، ثم مصر وبعض سواحل إفريقية الشرقية غرباً (تالياً في ذلك مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه). 

٧- كون المجدد الذي يأتي على رأس كل قرن مذهبه شافعي غالباً، فالإمام الشافعي مجدد، القرن الثاني، وأبو العباس بن سُريج مجدد للقرن الثالث، وأبو الطيب سَهْل الصعلوكي للرابع، وأبو حامد الغزالي للخامس، والفخر الرازي للسادس والنووي للسابع والإسنوي للثامن، وابن حجر العسقلاني للتاسع والسيوطي للعاشر، على اختلاف وتفصيل في ذلك.

تنبيه: قيل الإمام الأشعري هو المجدد للقرن الثالث والشيخ أبو حامد الإسفرائيني للرابع، والرافعي للسادس وابن دقيق العيد للسابع، وكما قال السبكي: 

وانظر لسر الله أنّ الكُلَّ مِنْ .. أصحابنا فافهم وأنصِفْ تُرشَدِ 

هذا على أن المصيبَ إمامنا .. أجلى دليل واضح للمهتدي 

يا أيها الرَّجُـل المـريـدُ نَجابَةٌ .. دع ذا التعصب والمراء وقلّد 

هذا ابن عم المصطفى وسَمِيهُ .. والعالم المبعوث خيرُ مُجدد 

وَضُحَ الهدى بكلامه وبهديه .. يا أيها المسكينُ لِمْ لا تَقْتَدِي

بسم الله الرحمن الرحيم 

مبادئ علم الفقه 

قال فيها العلامة الصّبَانُ رحمه الله تعالى: 

إن مبادئ كل فن عشَرَة: … الحد، والموضوع، ثم الثمرة 

وفضله، ونسبة، والواضع … والاسم الاستمداد، حكم الشارع 

مسائل، والبعض بالبعض اكتفى … ومَن دَرى الجميع حاز الشرفا 

۱ ـ حده (تعريفه): 

عرَّفَه الإمامُ السُّبكي بأنه: العلم بالأحكام الشرعية العملية، المُكتسب من أدلَّتِها التفصيلية. 

شرح التعريف:

قوله: (العلم): هو حكم الذهن الجازم المطابق للواقع عن دليل، والمراد به هنا الظن مجازاً. وقوله: (بالأحكام): خرج به العلم بالذوات والصفات وأحكام جمع حكم، وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين. 

وقوله: (الشرعية): خرج به العلم بالأحكام العقلية من حساب ومنطق. 

وقوله: (العملية) خرج به العلم بالأحكام الشرعية الاعتقادية، من: توحيد الله سبحانه، وغيره. 

وقوله: (المكتسب): خرج به علم الله تعالى.

 وقوله (من أدلتها) خرج به علم المقلد فهو مستفاد من أدلة الأحكام لا من قول الغير.

وقوله: (التفصيلية): خرج به من الأدلة الإجمالية، فهو علم أصول الفقه.

۲ ـ موضوعه: أفعالُ المُكلَّفين. 

٣- ثمرتُه (فائدته): امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وهي حقيقة التقوى، وبها تحصل سعادة الدارين .

 ٤ - فضله: دلَّتِ الآيات والأحاديثُ على أنّه أفضل العلوم بعد علم التوحيد. 

٥- نِسبتُه: يَنتسب إلى العلوم الشرعية. 

٦ - واضعه: الأئمة المجتهدون، وأَوَّلُ مَن أَلَّفَ فيه إملاء هو الإمام زيدُ ابنُ علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي عنهم أجمعين، وأَوَّلُ مَن ألَّفَ فيه تلميذه الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى. 

٧- اسمه: علم الفقه، أو: علم الأحكام الشرعية، أو: علم الحلال والحرام، أو: الفقه الأصغر، أو فروع الدين.

٨ ـ استمداده: من الكتاب والسنة والإجماع والقياس. 

٩ ــ حكم الشارع فيه: 

(أ) الوجوب العيني: في القَدْرِ الذي تتوقَّفُ عليه: صِحَّةُ العبادة، كالطهارة والصلاة والصيام، وصحةُ المُعاملة، كالبيع والنِّكَاح. 

(ب) الوجوبُ الكِفَائيُّ : فيما زادَ على ذلك إلى بلوغ مرتبة الفتوى. 

(ج) النَّدْبُ: فيما زادَ على مرتبة الفتوى. 

١٠- مسائله (قضاياه التي يبحث فيها): كثيرة، كـ: «الطهارة شرط للصلاة»، و«غَسْلُ الوجه فرضُ في الضوء»، وغيرِ ذلك.

الأحكام الشرعية

 ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين: حكم شرعي تكليفي، وحكم شرعي وَضْعي. 

الحكم الشرعي التكليفي: هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين.

وينقسم إلى خمسة أقسام : الفرض، والسنة، والحرام، والمكروه، والمباح، وهي كما قال فيها الإمامُ ابنُ رَسْلانَ في منظومته لمباركة «صفوة الزبد»: 

حكامُ شَرْعِ اللهِ سَبْعَ تُقْسَمُ .. الفرضُ، والمندوب، والمُحرَّمُ 

الرابع المكروه، ثم ما أبيخ .. والسادس الباطل، واختِمْ بالصحيح

 (۱) الفرضُ لغة النصيبُ واللازم، وشرعاً: ما طلبه الشارع طلباً جازماً.

حكمه: يُثاب فاعله ويعاقب تارِكُه. 

مرادفاته: خمسة وهي (المكتوب والواجب، والرُّكُن، واللازم، المُتَحَتُّم).

أدخل الناظمُ الباطل والصخيحَ ضمنَ الأحكام الشرعية التكليفية، وهذا رأي مرجوح والمشهور عدم شمول الحكم التكليفي للخطاب الوضعي، وهما من الخطاب الوضعي.

ومن الفرض فرض الكفاية، وهو كل ما قصد الشارع تحصيل وقوعه من غير تعيين.

(۲) السنة لغة: الطريقة، وشرعاً ما طلبه الشارع طلباً غير جازم .

حكمها: يثاب فاعلها امتثالاً ولا يُعاقَبُ تارِكُها. 

مرادفاتها: سَبعةُ: (المندوب والمُستحب، والحَسَن، والمُرَغَبُ فيه، والتطوع، والنافلة، والفضيلة).

(٣) الحرام لغة: المحظور، وشرعاً: ما نهى عنه الشارع نهياً جازماً. 

حكمه: يُثاب تاركه امتثالاً، ويُعاقَبُ فاعله. 

مرادفاته ستة: المحظور، والممنوع، والذَّنْب، والمعصية، والمزجور عنه، والمتوعد عليه. 

(٤) المكروه لغة: المَرغوب عنه، وشرعاً ما نهى الشارع عنه نهياً غير جازم. 

حكمُه: يُثاب على تركه امتثالاً، ولا يُعاقَبُ على فعله. 

(٥) المباح لغة: الجائز، وشرعاً: ما كان تَرْكُهُ وفِعله على السواء. 

حكمُه: لا يُتَابُ فاعله ولا يُعاقَبُ تارِكُهُ إلا بالنية الصالحة، فيُثاب. 

مرادفاته ثلاثة : الجائز، والحلال، والطَّلق.

ومن السنة سنة الكفاية، وهو الذي إذا قام به البعض سقط الطلب عن الباقين، وقد حصرها بعضهم في قوله: 

أذان، وتشميت، وفعل بميت .. إذا كان مندوباً، وللأكل بسملا 

وأضحية من أهل بيت تعددوا … وبدء سلام، والإقامة، فاعقلا 

زاد بعض المتأخرين خلاف الأولى؛ فقالوا: إن كان طلب التركِ غير جازم بنهي مخصوص فمكروه، وإلا فخلافُ الأولى.

أما الحكم الشرعي الوضعي: فهو خطابُ اللهِ الوارد بكون الشيء سبباً، أو شرطاً، أو مانعاً، أو صحيحاً، أو فاسد فينقسم إلى خمسة أقسام: 

(۱) السبب لغة: الحبل وما يُتَوَصَّلُ به إلى غيرِه. واصطلاحاً ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته. کدخول الوقت، سبب للصلاة، فإذا وُجد وجبت الصلاة، وإذا عُدِمَ فلا وجوب للصلاة.

(۲) الشرط لغة: تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل. واصطلاحاً : ما يلزم من عدمه العدمُ ولا يلزم من وجوده الوجود ولا عدم لذاته.  كالطهارة شرط للصلاة، فإذا عُدِمَت عُدِمَت الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود الصلاة، ولا يلزم من عدمها عدم الصلاة، لذاتها بل قد يكون لعدم توفر سبب آخر ، أو لوجود مانع يمنع من وجود الصلاة.

(۳) المانع لغة: الحاجز أو الحائل بين شيئين. واصطلاحاً ما يلزمُ مِن وجوده العدمُ ومن عدمه الوجود ولا عدم لذاته. كالحيض، مانع من وجوب الصلاة، فإذا عُدِمَ وَجَبَت الصلاة، ولكن لا لذاته، فقد توجد الصلاة بسبب توفر بقية شروط وجوب الصلاة

(٤) الصحيحُ لغة: ضِدُّ السَّقِيم. اصطلاحاً ما استجمَعَ الشُّروط المُعتبَرةَ فيه، سواء أكان عبادة أم معاملة. 

(٥) الفاسد (الباطل) لغةٌ: ضِدُّ الصَّحيح. اصطلاحاً هو الذي فَقَدَ بعض شروط الصحة، سواء أكان عبادة أم: معاملة. 

(٦) وبعضهم يزيد منه الرخصة والعزيمة: 

. الرخصة لغة: السهولة. اصطلاحاً: هو الحكم الشرعي المتغيّر من صعوبة على المكلف إلى سهولة، لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي، كقصر الصلاة، تغيَّرَ مِن الإتمام إلى سهولة القصر لعذر السفر، مع قيام السبب في الإتمام وهو دخول وقت الصلاة. 

العزيمة لغة: القصد المصمم. اصطلاحاً: الحكم الشرعي الذي لم يتغيَّر أصلاً، أو تغير إلى صعوبة أو إلى سهولة لا لعذر أو لعذر، لا مع قيام السبب الأصلي، فالذي لم يتغيَّر أصلاً كوجوب الصلوات الخمس تامة في أوقاتها، والذي تغيَّر إلى صعوبة كحُرمة الاصطياد بالإحرام بعد الإباحة، والذي تغيّر إلى سهولة لا لعذر كحِلَّ تركِ الوضوء لصلاة ثانية لمن لم يُحدث، والذي تغير إلى سهولةٍ لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي كإباحة ترك ثباتِ واحد منا لعشرة من الكفار في القتال.




الاثنين، 3 يوليو 2023

كتب فقه الشافعية د. مهند فؤاد استيتي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

كتب فقه الشافعية

د. مهند فؤاد استيتي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: تسلسلت كتب السادة الشافعية منذ تدوينها وإلى وقت قريب عبر عدة حلقات متصلة، ابتداءً بحلقة التأسيس، ثـم حلقـة انتشار المذهب، ثم حلقة الطرق في عرض المذهب، ثم حلقة التحقيق والمعتمد، ثم حلقة الانتشار والذيوع، ثم الترتيب والتهذيب، وبعد قيام الباحث بتحليل كتب المذهب، تبين مدى التكامل والترابط بين هذه الكتب، بما يشبه قـصة الشجرة، فجعل هذه الدراسة، على صورة الشجرة؟.

فالجذور التي تمثل كتب الإمام، والساق (التي تمثل انطلاق فقه الإمام من خلال الرواة عن الإمام)، والأغصان (التي تمثل طرق المذهب)، والفروع (التي تمثل انتشار المذهب)، والثمار (التي تمثل خلاصة كتب المذهب وهي خمسة كتب)، وهي: (مختصر المزني، ومهذب وتنبيه الشيرازي، ووسيط ووجيز الغزالي)، ثم الأوراق (التي تمثل تحرير المذهب في صورته النهائية، وتشمل المختصرات، و الشروحات، والحواشي).

وبالجملة فالكتاب جيد في بابه، حيث يتمكن القارئ من الاطلاع على أهم كتب المذهب، ومعرفة الكتب المعتمدة في المذهب، والتعرف على أهم شخصيات الفقه الشافعي، وجملة من تراجمهم، وأهم كتب الشروحات، والحواشي، وينبغي التنبيه إلى أن الباحث وقع في خطأين الأول: نسبته فتح الجواد شرح الإرشاد للعسقلاني، وإنما هو للهيتمي، وقوله: المنهج القديم، وإنما هو القويم.

ملخص البحث

ترجم الإمام الشافعي مذهبه الفقهي في كتابه "الحجة"، والذي ألفه فـي بغـداد، ليعرف فيما بعد ذلك الكتاب "بالمذهب القديم"، ثم بعد رحيله إلى مصر، وقبل وفاته، انتهى قوله من المسائل الفقهية في كتاب ألفه وسماه بـ"الأم"، ليعرف بعد ذلك "بالمذهب الجديد"، وبعدها قام تلاميذ كل مذهب بنشر فقه الإمام، ومن أشهر رواة المـذهب الجديـد الإمـام المزني الذي وضع مختصره "مختصر المزني" من علم الإمام الشافعي، ثم تشكلت مدارس الشافعية التي تميزت عن بعضها في طريقة عرض المذهب، وهي: مدرسـة العراقيين، والخراسانيين، لتأتي بعدها المدرسة الجامعة التي جمعت بين المدرستين، ومن أشهر رواد المدرسة الجامعة: الإمام الجويني، في كتابه "نهاية المطلب"، وتلميذه الإمام الغزالي فـي كتبه: "البسيط"، "الوسيط"، و"الوجيز"، والتي مصدرها كتاب شيخه الجويني، ثم جاء بعـد ذلك دور تحقيق المذهب وتحريره، من خلال: الإمام الرافعي والإمام النووي، فأما الرافعي في كتابيه: "فتح العزيز" وهو شرح لوجيز الغزالي، و"المحرر" وهو أيضاً مقتـبس مـن وجيز الغزالي، وأما النووي ففي كتابيه أيضا":الروضة في الفروع"، وهو مختصر من فتح العزيز للرافعي، و"منهاج الطالبين" وهو مختصر لكتاب المحرر للرافعي،  وأخيـراً كـان لمتأخري الشافعية مهمة تثبيت المذهب، ومن أشهرهم: الإمام الرملي فـي كتابـه "نهايـة المحتاج"، وابن حجر الهيثمي في كتابه"تحفة المحتاج"، وكليهما شرح لمنهاج النووي.

المقدمة:

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، سيدنا محمـد إمام المتقين والمجاهدين، وعلى آله وصحبه كلهم أجمعين، ومن سار على نهجه ودربه إلى يوم الدين، وبعد: 

يعتبر الفقه الإسلامي من أولى العلوم استحقاقاً لصرف الهمة، وبذل الجهد، فـي البحـث والتحقيق والعناية، وصور العناية تظهر جلية بالبحث في المسائل الفقهية وصولاً للحكم الشرعي، غير أن هناك من الصور الأخرى، والتي لا تقل شأنا لمقام العناية والخدمة للفقه الإسلامي، وذلك من خلال النظر في الكتب الفقهية التي سطرها علماء المذاهب، وخاصة المذاهب الأربعة.

سبب اختيار الموضوع وأهميته

إن كل مذهب فقهي من المذاهب الأربعة قد لاقى قبولاً واسعاً من العلماء الذين أفنوا عمرهم في تعلم وتعليم ونشر وتحقيق المذهب، وتمثل جهدهم السابق بتأليف الكتب المعبرة عن مذاهبهم. فأولئك العلماء قد اختلفت مؤلفاتهم تبعا لمذاهبهم، ومن بين أولئك العلماء علماء الشافعية، حيث تعد كتبهم الكثيرة دليلاً عظيما على مدى خدمتهم لمذهبهم، وبعد النظر فيها تبين للباحث أن كتب الشافعية ترتبط مع بعضها البعض ضمن عدة حلقات: حلقة التأسيس، ثـم حلقـة انتشار المذهب، ثم حلقة الطرق في عرض المذهب، ثم حلقة التحقيق والمعتمد، وقد تيسر لمذهب الإمام الشافعي الكثير ممن كتبوا في مذهبه ضمن تلك الحلقات المختلفة، ولكثرة تلك الكتب بحلقاتهـا، وما يواجهه طالب العلم من اختلاط في تمييزها ومعرفة قيمتها، كان هذا البحث.

مشكلة البحث

تحددت مشكلة البحث في جملة من التساؤلات، جاء البحث للإجابة عنها، ومن أهمها:

- ما كتب الإمام الشافعي ؟

- ما هي أشهر كتب رواة المذهب القديم والجديد ؟

- ما هي أشهر كتب طرق الشافعية: العراقيين، والخراسانيين، والجامعة ؟

- ما هي أشهر كتب المحققين ؟

- ما هي أشهر كتب الشروح والحواشي ؟

- ما هو شكل التسلسل الفريد بين كتب الشافعية ؟

- ما هي أشهر كتب الشافعية على الإطلاق ؟

الدراسات السابقة

يبرز الحديث عن كتب فقه الشافعية من طريق كتب التعريـف بفقهـاء وعلماء الشافعية، والمعروفة بطبقات الشافعية وتراجمهم، ويمكننا أيضا معرفتها من خلال مقدمة الكتـب الفقهيـة؛ حيث وجدنا فيها التعريف بالكتاب وأصله وعلاقته بغيره، وهناك بعض العلماء الذين ذكروا جانباً معيناً من كتب الشافعية، كما قام الشيخ علوي بن أحمد في كتابه "مجموعة سبعة كتب مفيدة" .

غير أني قمت بجمع ما يخص كتب الشافعية في بحث مستقل مختص، جمعت فيه بين حلقات الشافعية، من لحظة تأسيسه من الإمام الشافعي وكتبه، سواء أكانت على منهجه القديم أم الجديد، ثم انتشاره من قبل تلاميذه وكتبهم، وأيضا على المنهج القديم والجديد، ثم طـرق الشافعية في عرض المذهب وعلمائهم وكتبهم، ثم التحرير والتحقيق والمعتمد وكتبهم وعلمائهم، لنـصل فـي النهاية إلى أهم كتب الشافعية والمعتمد منها.

منهجية البحث

قامت الدراسة على المنهجية العلمية القائمة على المنهج الاستقرائي الوصفي والتحليلي، والمتمثل بالنظر في كل ما له من علاقة بكتب الشافعية من كتب الطبقـات العامـة، والطبقـات الخاصة بالشافعية، وبعض مقدمات كتب الفقه الشافعية.

ليتم الوصف بعد ذلك لحياة الإمام، ومؤلفاته، وتلاميذه، ورواة مذهبه، ومـدارس وطـرق الشافعية، وكتبهم، ومن ثم المقلدين للإمام، وكتبهم.

وبعد تحليل كل ما سبق، تبين للباحث أن قصة كتب الشافعية فيها من الترابط ما يشبه قـصة الشجرة، فكانت الدراسة لتلك الكتب وفق أقسام الشجرة: الجذور، والساق، والأغصان، والفروع، والثمرة، تشبيها لتطور وتسلسل وترابط كتب الفقه عند الشافعية بأجزاء وأقسام الشجرة


المطلب الأول: الساق

(انطلاق فقه الإمام وتحديد أصول مذهبه ومنهجه)

ثم خرج الإمام الشافعي إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة (١٩٩ هـ)، وبدأ بتصنيف الكتب الفقهية هناك، وترجم جهده بتأليف عدة كتب، أشهرها كتاب"الأم"، وأظهر فيها الأصول التي اعتمدها للوصول إلى الأحكام الشرعية، وهي موضحة في قوله: "والعلم طبقات شتى الأولـى: الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة، ثم الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنّة، والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النبي صلى االله عليه وسلم ولا نعلم له مخالفاً منهم، والرابعة: اختلاف أصـحاب النبي صلى االله عليه وسلم في ذلك، والخا : القياس على بعض الطبقات، ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى".

وأشار الإمام الشافعي في أكثر من مناسبة على منهجه الفقهي، وذلك بتصريحه المـأثور "إذا

وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول االله صلى االله عليه وسلم فقولوا: بسنة رسـول االله صـلى االله

عليه وسلم ودعوا قولي").(2

ولقد أدى تمسك الشافعي بأصول مذهبه ومنهجه في الفقه إلى أن تكون مجمل تـصانيفه فـي مصر تخالف مجمل أحكامه في بغداد، أو بالأحرى ما جاء في كتابه "الحجة"، كأن يكون قد وجـد حديثاً صحيحاً في مسألة ما غيرت من حكمه الذي مبناه الرأي والقياس مثلاً، أو عثر على قـول بعض الصحابة لم يجده سابقاً، أو عدل عن قياس إلى آخر أولى منه، كل ذلك عكس لنـا مـدى أمانة الإمام في تحري الصدق، وذلك الاختلاف في الأحكام أظهر ما يعرف بالقول القديم والقول الجديد في المذهب الشافعي، ويقصد بالقول القديم مجموعة الآراء الفقهية التي صرح بها الإمـام الشافعي في بغداد، وكانت مدونة في كتابه "الحجة"، وأما القول الجديد فهو كل ما ألفه أو قالـه الشافعي بعد دخول مصر، وعلى رأس تلك المؤلفات كتابه "الأم" والذي أطلق عليه القول الجديد.

وأما المعتمد في النهاية هو القول الجديد بالجملة، وفي ذلك قال الإمام النووي": كـل مسألة فيها قولان للشافعي - رحمه االله - قديم وجديد ، فالجديد هو الصحيح وعليه العمل؛ لأن القـديم مرجوع عنه، واستثنى جماعة من أصحابنا نحو عشرين مسألة أو أكثر ، وقـالوا: يفتي فيهـا بالقديم ، وقد يختلفون في كثير منها".

المطلب الثاني: الفروع

(انتشار المذهب)

توفي الإمام الشافعي -رحمه االله- وقت صلاة العشاء، ودفن في مصر بعد صلاة العصر من يوم الجمعة ٣٠ رجب سنة (٢٠٤ هـ)، وبعد أن خلف تراثاً فقهياً ضخماً في كتبه العديدة، والتي وصلت إلى أيدي تلاميذه الأمناء، الذين أدوا واجبهم في نقل المذهب إلى طلابهم ليقوموا بنشره في أنحاء المعمورة، وهم في عملهم ذلك لم يكتفوا بنقل أقوال إمامهم، بل عملـوا علـى تنميـة المـذهب، وتوسيعه باجتهـاداتهم، وتخريجاتهم.

وأشهر رواة المذهب القديم هم:

١) أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ)، وقد صحب الشافعي طيلة مكثه فـي بغـداد، وأصبح إمـام المذهب الحنبلي.

٢) الزعفراني (ت ٢٦٠ هـ)، وهو أثبت رواة القديم.

٣) الكرابيسي (ت ٢٤٥ هـ)، كان على مذهب أهل الرأي أولاً، ثم أخذ الفقه عن الشافعي.

٤) أبو ثور (ت ٢٤٠ هـ)، وهو مفتي العراق.

وأشهر رواة المذهب الجديد:

٥) البويطي (ت ٢٣١ هـ)، قال الشافعي: "ليس أحد أحق بمجلسي مـن أبـي يعقـوب" يقصد البويطي.

٦) المزني (ت ٢٦٤ هـ)، قال الشافعي: "المزني ناصر مذهبي"، روى مختصره "مختصر المزني" من كلام الشافعي، وللمزني مؤلفات أخرى، منها "المنثور" و "المـسائل المعتبرة" و"الوثائق" و" العقارب" و"نهاية الاختصار".

٧) الربيع المرادي (ت ٢٠٧ هـ)، قال الشافعي: "الربيع روايتي"، وقال فيـه أيضاً: "أحفـظ أصحابي"، وكان أكثرهم رواية عن الشافعي.

٨) الربيع الجيزي (ت ٢٥٦ هـ).

٩) يونس بن عبد الأعلى (ت ٢٦٤ هـ)، قال الشافعي: "يا أبا الحسن ما يـدخل مـن بـاب المسجد أعقل من يونس بن عبد الأعلى".

١٠) عبد الله بن الزبير الحميدي المكي (ت ٢١٩ ه،)، رفيق الشافعي في رحلته إلى الديار المصرية).

ا١١) محمد بن عبد االله بن عبد الحكم(ت ٢٦٨ هـ)، انتهت إليه الرياسة بمصر.

١٢) حرملة (ت ٢٤٣ هـ) ، صنف "المبسوط في فروع الشافعية" و"المختصر".

ثم انتشر بفضل هؤلاء الفقهاء ورواياتهم عن الإمام الفقه الشافعي في أكثر أنحاء المعمورة، فمن خلال القاضي أبي العباس بن سريج البغدادي انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق، وكـان انتشاره في بعض الأماكن الخاصة، يعود لبعض الفقهاء بعينهم، فمثلا وصل إلى:

* بغداد: عن طريق أبو القاسم عثمان بن سعيد الأنماطي، والذي أخذ الفقه عن الربيع والمزني.

* دمشق: وكان لأبي زرعة محمد بن عثمان بن إبراهيم الثقفي الدمشقي الفضل في إدخال مذهب الشافعي إلى دمشق.

* ما وراء النهر: من خلال القفال الكبير الشاشي، صاحب كتاب "أدب القضاء"، ودرس على يد أبي العباس بن سريج.

* مرو وخراسان: من خلال عبداالله بن محمد بن عيسى المروزي.

* اسفرايين: من خلال أبي عوانة يعقوب بن إسحق بن إبراهيم النيسابوري، وهو ممن أخذ عن الربيع والمزني.

المطلب الثالث :الأغصان

طرق الشافعية

وبعد أن انتشر علم الشافعي في أنحاء المعمورة، بفضل الرواة وتلاميذهم، أخـذ الفقه الشافعي ينحى منحى المدارس، بحيث تميزت الواحدة فيها عن الأخـرى فـي طريقـة عـرض المذهب، ويكون سببها أحد الفقهاء ثم يتبعه الكثير، وذلك على النحو التالى:-

- طريقة العراقيين:

١) أبو حامد الإسفراييني (ت ٤٠٦ هـ)، وهو حامل لواء تلك الطريقـة، شـرح مختـصر المزني في تعليقة، بعنوان "تعليقة على المختصر") ،وتبعه جماعة لا يحصون منهم.

٢) القاضي أبو الحسن الماوردي (ت ٤٥٠ هـ)، صاحب "الحـاوي الكبيـر" و "الأحكـام السلطانية" و "الإقناع".

٣) القاضي أبو الطيب الطبري (ت ٤٥٠ هـ)، شرح مختصر المزني، ومن تصانيفه أيضاً: "التعليق" و"المجرد" و "شرح الفروع".

٤) القاضي أبو علي البندنيجي (ت ٤٢٥ هـ)، صاحب كتاب "الذخيرة ".

٥) المحاملي (ت ٤١٥ هـ)، ومن تصانيفه: "المجموع" و"المقنع" و "اللباب".

٦) سليم الرازي (ت ٤٤٧ هـ)، ومن كتبه: كتاب "الفروع" و"رؤوس المسائل" و"الكـافي" و"الإشارة".

وبقيت طريقة العراقيين وحيدة في الميدان الفقهي الشافعي، حتى ظهرت:

- طريقة الخراسانيين:

٧) القفال الصغير المروزي (ت ٤١٧ هـ)، حامل لواء تلك الطريقة، ومن كتبـه فـي المذهب: "شرح فروع ابن الحداد" و "شرح التلخيص" و"الفتاوى"، ثم تبعه كثير، منهم:

٨) أبو محمد الجويني (ت ٤٣٨ هـ)، ومن كتبه: "الفروق" و"المختصر" و"التبصرة"، و"السلسلة".

٩) الفوراني (ت ٤٦١ هـ)، ومن كتبه: "الإبانة" و "العمد".

١٠) القاضي حسين (ت ٤٦٢ هـ)، ومن كتبه: "أسرار الفقه" و "الفتاوى".

١١) المسعودي: أبو عبد االله محمد بن عبد الملك المعروف بالمسعودي، شـرح مختصر المزني.

ثم ظهر بعد ذلك من العلماء الذين حملوا فكرة الجمع بين الطريقتين، وسميت مدرستهم بالمدرسة الجامعة، ومن روادها:

١٢) أبو علي السنجي، من كتبه "شرح التلخيص" و"شرح فروع ابن الحداد"، وهو أول من قام بالجمع بين المدرستين.

١٣) الروياني (ت ٥٠٢ هـ)، ومن كتبه : "البحر" و"الحلية" و"المبتدي".

١٤) الشاشي (ت ٥٠٧ هـ)، ومن كتبه: "حلية العلماء" و"المعتمد" و"الترغيـب فـي المذهب" و"العمدة" و"الشافي".

١٥) ابن الصباغ (ت ٤٧٧ هـ)، ومن كتبـه: "الـشامل" و"الطريق السالم" و "الكامل".

١٦) المتولي (ت ٤٧٨ هـ) صاحب "التتمة" إلاّ أنه لم يكمله بسبب وفاته، فأتمه غير واحد، وله أيضا مختصر في الفرائض.

١٧) إمام الحرمين الجويني (ت ٤٧٨ هـ)، ومن كتبه: "نهاية المطلب" و"مختصر النهاية" و"الأساليب في الخـلاف" و"الرسالة النظامية في الكلام".

١٨) الغزالي (ت٥٠٥ هـ)، ومـن كتبـه: "البسيط" و"الوسيط" و "الوجيز" و"الخلاصة" و"إحياء علوم الدين".

المطلب الرابع: الأوراق

تحرير المذهب وتعدد أغراض المصنفين

جاء الإمامان الجليلان الرافعي والنووي، اللذان كان لهما الدور الأكبر في تحريـر المذهب وإرساء قواعده. وكانت أغراض المصنفين من بعدهم في الغالب تدور حـول مؤلفات الرافعي والنووي: شرحاً أو اختصاراً أو حاشيةً.

وأما سبب اهتمام الشافعية لكتب الرافعي والنووي، وبالأخص بكتب النـووي، نفهمـه مـن السؤال الموجه للإمام الرملي، وهو: عما إذا خالف نص الشافعي الجديد ما عليه الشيخان فمـا المعمول به؟ إن قلتم النص؛ فما بال علماء عصرنا ينكرون على من خالف كلام الـشيخين، أو مـا عليه الشيخان؟ فقد صرحا بأن نص الإمام في حق المقلد كالدليل القاطع؟ وكيف يتركانه ويذكران كلام الأصحاب؟ 

فأجاب: "بأن من المعلوم أن الشيخين -رحمهما الله- قد اجتهدا فـي تحريـر المذهب غاية الاجتهاد ولذلك كانت عنايات العلماء العاملين، وإشارات من سبقنا مـن الأئمـة المحققين متوجهة إلى تحقيق ما عليه الشيخان، والأخذ بما صححاه بالقبول والإذعان مؤدين ذلك بالدلائل والبرهان.

وإذا انفرد أحدهما عن الآخر؛ فالعمل بما عليه الإمام النووي في المذهب؛ فما ذاك إلا بحسن النية، وإخلاص الطوية وقد اعترض على الشيخين وغيرهما بالمخالفة لنص الـشافعي، وقد كثر اللهج بذلك؛ حتى قيل: إن الأصحاب مع الشافعي كالشافعي ونحوه من المجتهدين مـع نصوص الشارع، ولا يسوغ الاجتهاد عند القدرة على النص. 

وأجيب بأن ذلك ضعيف؛ فإن هـذه رتبة العوام أما المتبحر في المذهب؛ فله رتبة الاجتهاد المفيد كما هو شأن أصحاب الوجوه الـذين لهم أهلية التخريج والترجيح، وترك الشيخين لذكر النص المذكور لكونه ضعيفاً أو مفرعاً علـى ضعيف.

وقد ترك الأصحاب نصوصه الصريحة؛ لخروجها على خلاف قاعدته، وأولوها كما في مسألة من أقر بحريته، ثم اشتراه لمن يكون إرثه، فلا ينبغي الإنكار على الأصحاب فـي مخالفـة النصوص، ولا يقال: لم يطلعوا عليها، وإنها شهادة نفي بـل الظاهر أنهـم اطلعوا عليها، وصرفوها عن ظاهرها بالدليل، ولا يخرجون بذلك عن متابعة الشافعي كما أن المجتهد يصرف ظاهر نص الشارع إلى خلافه لذلك، ولا يخرج بذلك عن متابعته وفي ذلك كفاية لمن أنصف" انتهى.

في حين أن بعض الفقهاء قد ألّف متوناً مختصرة من فقه الشافعي، معتمداً على ما دُوّنَ مـن جهود العلماء السابقين، وذلك ما سنراه في التفصيل التالى:-

- الإمام الرافعي (ت ٦٢٣ هـ)، قام بخدمة كتاب "الوجيز" للغزالي، من خلال:

١) شرح الوجيز شرحاً كبيراً سماه "العزيز"، وله شرح صغير في كتاب لم يسمه.

٢) اختصره في كتاب وسماه "المحرر".

- الإمام النووي(ت ٦٧٦ هـ)، قام بخدمة كتابي الرافعي السابقين، من خلال:

٣) اختصر "المحرر" في كتاب سماّه "المنهاج" أو "منهاج الطالبين".

٤) اختصر "العزيز" في كتاب سماه "الروضة" أو "روضة الطالبين".

وللإمام النووي مؤلفات أخرى في الفقه الشافعي منها:

٥) التحقيق، يعتبر أول كتب النووي اعتمادا عند اختلاف النقل عنه، ثم:

٦) المجموع شرح المهذب، ثم ٧) التنقيح، ثم ٨) الروضة، ثم ٩) المنهاج، ثم ١٠) الفتاوى.

١١) شرحه لصحيح مسلم.

ثم ١٢) تصحيح التنبيه، ثم ١٣) نكت التنبيه.

وفي ذلك قال ابن حجر الهيتمي في "تحفته": الغالب تقديم ما هـو متتبـع فيـه كـالتحقيق؛ فالمجموع فالتنقيح، ثم ما هو مختصر فيه كالروضة فالمنهاج ونحو فتاواه فشرح مسلم فتـصحيح التنبيه ونكته".

ثم جاء بعد ذلك خدمة الأثر المتمثل في كتب الرافعي والنووي كما يلي:

- المحرر للرافعي:

١٤) شرحه القاضي الحصكفي(ت ٨٩٤ هـ)، في كتابه المسمى "كشف الـدرر فـي شـرح المحرر".

- العزيز للرافعي:

١٥) اختصره القزويني(ت ٦٦٥ هـ) في كتابه المسمى "الحاوي الصغير".

- المنهاج للنووي

انكب العلماء على خدمة المنهاج؛ مما يدل على قيمته في المذهب، وتلك الجهود انصبت على الشرح، والاختصار، فمن شروح المنهاج:

١٦) الابتهاج" للتقي السبكي (ت ٧٥٦ هـ)، لم يكتمل فأكمله ابنه بهاء الدين (ت ٧٧٣ هـ).

١٧) "كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين" للمحلي (ت ٨٦٤ هـ).

١٨) "قوت المحتاج" للأذرعي (ت ٧٨٣ هـ).

١٩) "الغنية" للأذرعي أيضاً.

٢٠) "شرح المنهاج" للسنكلومي (ت ٧٤٠ هـ).

٢١) "الإشارات إلى ما وقع في المنهاج من الأسماء والمعاني واللغات" لابـن الملقن (ت ٨٠٤ هـ).

٢٢) "الفروق" للأسنوي (ت ٧٧٢ هـ).

٢٣) "تصحيح المنهاج" للبلقيني (ت ٨٠٥ هـ).

٢٤) "الإبهاج" لابن النصيبي (ت ؟).

٢٥) "التاج في إعراب مشكل المنهاج" للسيوطي (ت ٩١١ هـ)

٢٦) "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج " للشربيني (ت ٩٧٧ هـ).

٢٧) "شرح المنهاج" للحصني (ت ٨٢٩ هـ).

٢٨) "نظم المنهاج" للطوخي (ت ٨٩٣ هـ).

٢٩) "النجم الوهاج" للدميري(ت ٨٠٨ هـ)، لخصه من شرح السبكي والإسنوي.

٣٠) "إرشاد المحتاج إلى توجيه المنهاج" ، و"بداية المجتهد" للأسدي (ت ٨٧٤ هـ).

٣١) "هادي أو مغني الراغبين إلى منهاج الطالبين"، لابن قاضي عجلون(ت ٨٧٦ هـ).

٣٢) "المشرع الروي في شرح منهاج النووي" للمراغي (ت ٨٥٩ هـ).

٣٣) "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" لابن حجر (ت ٩٧٤ هـ).

٣٤) "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" للرملي (ت ١٠٠٤ هـ).

وهناك من العلماء من شرح المنهاج أيضا ولم تشتهر أسماء كتبهم، ومنهم:

٣٥) شرح الغزي (ت ٧٧٩ هـ).

٣٦) وشرح الحسيني (ت ٥٧٨ هـ).

٣٧) وشرح ابن قاضي شهبة (ت ٨٥١ هـ).

ومن مختصرات المنهاج:

٣٨) اختصره شيخ الإسلام زكريا الأنصاري)(ت ٩٢٦ هـ) في كتابه: "المـنهج" أو"مـنهج الطلاب".

٣٩) اختصره أبو حيان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ) في "الوهاج في اختصار المنهاج".

- الروضة للنووي:

وقد خدم بأكثر من صورة، منها :

٤٠) شرح الزركشي(ت ٧٩٤ هـ) الروضة في "خادم الرافعي والروضة".

٤١) والأذرعي (ت ٧٨٣ هـ) في "التوسط والفتح بين الروضة والشرح",

٤٢) والأسنوي (ت ٧٢٢ هـ) في "المهمات"، و"المبهمات على الروضة".

٤٣) واختصر ابن المقري (ت ٨٣٧ هـ) الروضة في كتابه المشهور: "الروض".

٤٤) واختصر السيوطي (ت ٩١١ هـ) الروضة أيضا في "الغنية" مع زوائد كثيرة.

٤٥) ثم نظم السيوطي الروضة في كتاب آخر، سماه "الخلاصة".

٤٦) وحاشية ابن العماد (ت ٨٠٨ هـ) وهي على المهمات للأسنوي.

٤٧) وللبلقيني (ت ٨٠٥ هـ) عدة حواشٍ على الروضة.

- وأما "الحاوي الصغير "للقزويني"، والذي هو مختصر "العزيز" للرافعي، فخدم كما يلي:

٤٨) أتى ابن الوردي (ت ٧٤٩ هـ) ونظم "الحاوي الصغير" في كتاب سماه "البهجة الوردية"، وهي خمسة آلاف بيت.

٤٩) وأتى ابن المقري (ت ٨٣٧ هـ)، واختصر الحاوي الصغير إلى "الإرشـاد".

- ومـن شروح الإرشاد:

٥٠) شرح ابن حجر الهيتمي، في "فتح الجواد".

٥١) وشرح ابن حجر الهيتمي في " الإمداد في شرح الإرشاد".

-الروض لابن المقري مختصر الروضة للنووي:

٥٢) شرحه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت ٩٢٦ هـ) في كتاب سماه "أسنى المطالبفي شرح روض الطالب".

· المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري:

٥٣) اختصره نفس الشيخ في كتاب سماه "فتح الوهاب".

· ونذكر في ما تبقى بعض الكتب المهمة، وعلاقتها بغيرها أو غرضها:

٥٤) جمع الزركشي (ت ٧٤٩) المسائل التي ذكرها الشيخان: الرافعي في شرحه للوجيز والنووي في روضته في كتاب واحد سماه "خبايا الزوايا".

٥٥) وضع الشيخ عبد االله بافضل الحضرمي (ت ٩١٨ هـ) متنًا في الفقه، واقتـصره في علـى العبادات سماه "المقدمة الحضرمية".

٥٦) شرح ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤ هـ) المقدمة الحضرمية في "المنهج القويم بشرح مـسائل التعليم".

٥٧) وضع الماوردي (ت ٤٥٢ هـ)كتاباً مختصراً من مذهب الشافعي وسماه "الإقناع فـي الفروع".

٥٨) وضع الشيخ أبو شجاع الأصفهاني متنًا في الفقه، اشتهر بـ" متن أبي شجاع"، أو"الغاية في الاختصار" ، وكان عليه عدة شروح منها:

٥٩) "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني.

٦٠) الإقناع" للمنوفي (ت ٩٣١ هـ).

- وهناك من الحواشي ما يصعب حصرها، نذكر منها:

٦١) حاشية البجيرمي (ت ١٢٢١ هـ) على شرح الخطيب، وهي على شرح الإقناع للخطيب الشربيني.

٦٢) حاشية الشبراملسي (ت ١٠٨٧ هـ) على نهاية المحتاج للرملي.

٦٣) حاشية الرشيدي (ت ١٠٩٦ هـ) على نهاية المنهاج للرملي أيضاً.

٦٤) حاشية الإمام عبد الحميد الشرواني على التحفة.

٦٥) حاشيتا قليوبي (ت ١٠٦٩ هـ)، وعميرة (ت ٩٥٧ هـ) على شرح المحلي للمنهاج.

٦٦) حاشية علي الزيادي (ت ١٠٢٤ هـ) على شرح المنهج لزكريا الأنصاري.

المطلب الخامس: الثمار

(الكتب الخمسة المشهورة)

ذكر النووي في كتابه "تهذيب الأسماء واللغات" الكتـب المشهورة والمتداولة بـين الشافعية، ومن كلامه: "وقد جمعت في هذا النوع كتابا سميته (تهذيب الاسماء واللغات)، جمعـت فيه ما يتعلق بمختصر المزني والمهذب والوسيط والتنبيه والوجيز والروضة الذى اختصرته مـن شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي رحمه االله" ، ثم قال": وخصصت هذه الكتب بالتصنيف؛ لأن الخمسة الأولى منها مشهورة بين أصحابنا يتداولونها أكثر تداول، وهـى سـائرة فـى كـل الأمصار، مشهورة للخواص والمبتدئين فى كل الأقطار، مع عدم تصنيف مفيـد يستوعبها".

وعليه فترتيبها على النحو التالي:-

١) "مختصر المزني" (ت ٢٦٤ هـ). 

قال المزني -رحمه االله-، وهو أول من صنف في مذهب الشافعي في مقدمة كتابه: "اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ومن معنى قوله لأقربه علـى من أراده مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه".

ومن الذين خدم ذلك المختصر الإمام الماوردي، عندما شرحه فـي كتابـه المـشهور: "الحاوي الكبير".

٢) المهذب" للشيرازي" (ت ٤٧٦ هـ).

ذكر الشيرازي منهجه في كتابه قائلاً: "هذا كتاب مهذب أذكر فيه إن شاء االله تعالى أصـول مذهب الشافعي  -رحمه االله -بأدلتها وما تفرع على أصوله من المسائل المشكلة بعللها".

وقد خدم الإمام النووي ذلك المهذب عندما شرحه في كتابه المعروف "المجموع"، والذي لم يكتمل كما هو معروف.

٣) التنبيه" للشيرازي (ت ٤٧٦ هـ):

وهو أحد الكتب الخمس المشهورة المتداولة بين الشافعية، وأكثرها تداولا كمـا صـرح بـه النووي في تهذيبه، وقد خدم النووي التنبيه في شرحه له في كتابه المشهور "تحرير ألفاظ التنبيه"، بقولـه فـي مقدمته: "فإن التنبيه من الكتب المشهورات النافعات المباركات المنتشرات الشائعات؛ لأنه كتـاب نفيس حفيل صنفه إمام معتمد جليل فينبغي لمن يريـد نصح الطالبين وهداية المسترشدين، والمساعدة على الخيرات والمسارعة إلى المكرمات؛ أن يعتني بتقريبه وتحريره وتهذيبه ومن ذلك نوعان أهمها: ما يفتى به به من مسائله وتصحيح ما ترك المصنف تصحيحه أو خولف فيه أو جزم به خلاف المذهب أو أنكر عليه من حيث الأحكام وقد جمعت ذلك كله في كراسة قبل هـذا، والثاني: بيان لغاته وضبط ألفاظه وبيان ما ينكر مما لا ينكر والفصيح من غيره".

٤) الوسيط" للغزالي (ت ٥٠٥ هـ):

وهو مختصر من كتابه "البسيط"، ويعتبر ذلك الكتاب واحداً من أهـم كتـابين فـي فقـه الشافعي، كانت شغل الدارسين وبحث المحصلين، أما الثاني: فهو "المهذب"، وفي ذلك قال الإمام النووي: "ثم إن أصحابنا المصنفين -رضي االله عنهم أجمعين- ، وعن سائر علماء المـسلمين، أكثروا التصانيف كما قدمنا، وتنوعوا فيها كما ذكرنا، واشتهر منها لتدريس المدرسين، وبحث المشتغلين: المهذب، والوسيط، وهما كتابان عظيمان صنفهما إمامان جليلان: أبو إسـحاق  إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، وأبو حامد محمد بن محمد الغزالي رضـي االله عنهمـا، وتقبل ذلك، وسائر أعمالهما منهما. وقد وفر االله الكريم دواعي العلماء من أصحابنا رحمهم الله تعالى الاشتغال بذينك الكتابين؛ وما ذاك إلا لجلالتهما، وعظم فائدتهما، وحسـن نيـة ذينـك الإمامين، وفي هذين الكتابين دروس المدرسين، وبحث المحصلين المحققين، وحفظ الطـلاب المعتنين فيما مضى، وفي هذه الأعصار، في جميع النواحي والأمصار".

٥) "الوجيز" للغزالي (ت ٥٠٥ هـ): (ت ٥٠٥ هـ):

وهو مأخوذ من البسيط والوسيط له، وكان محور الدراسة من قبل المتأخرين عنه.

الخلاصة والنتائج:

١-كتب الشافعية عبارة عن أربع حلقات متصلة:

الأولى: كتب الإمام الشافعي نفسه، وأصحابه: كالمزني والبويطي.

والثانية: كتب إمام الحرمين الجويني وتلميذه الغزالي.

والثالثة: كتب الشيخين: الرافعي والنووي.

والرابعة: كتب أصحاب: الشروح والحواشي والمتأخرين.

٢- أهم كتابين في فقه الشافعية، والتي شغلت الدارسين وبحث المحصلين: "المهذب" للشيرازي و"الوسيط" للغزالي.

٣-الكتب الخمسة المشهورة والمتداولة بين الشافعية هـي: "مختصر المزني" و "المهذب للشيرازي" و "التنبيه للشيرازي" و "الوسيط" و "الوجيز" وكلاهما للغزالي.

٤-هناك تسلسل فريد في كتب الشافعية، يجعل القلب مطمئناً لسلامة ارتباطها بالمؤسس الإمـام الشافعي، يظهر في أن المزني ألف "مختصره" من كلام الشافعي، والذي شرحه إمام الحرمين الجويني في "نهايته"، ثم اختصر الغزالي  كتاب "النهاية" في "البسيط"، ثم من "البسيط" إلى "الوسيط"، ومن "البسيط والوسيط كان "الوجيز"، ثم جاء الرافعي مختصراً "الوجيز" إلى "المحرر"، ثم ليختصره النووي إلـى "المنهاج"، ثم شرح الرافعي أيضاً "الوجيز" في "العزيز"، ثم ليختصره النووي إلى "الروضـة"، حتـى جاء خير خلف لخير سلف، رأسهم الإمامان ابن حجر والرملي، من خـلال شـروحهما علـى المنهاج للنووي.